logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .






look/images/icons/i1.gif رواية نجمة الباشا
  19-12-2021 08:31 صباحاً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل الخامس

مر اسبوعين منذ أوصلها سليم أمام منزلها دون ان ينفذ تهديداته بمحادثه أهلها وفضح أمر خروجها مع زملاءها الشبان، ومن وقتها لم يحادثها ولم يعيرها اهتمام كالسابق، بل يحاول معاقبتها بالتجاهل، فكرت في غل لأنه بالفعل يشعرها بالحزن والشفقة على الذات في غيابه.
هزت قدمها بعصبية وهي جالسة على فراشها تقضم أظافرها، مَن يظن نفسه هذا المتعجرف، هي أساسًا لا تتمنى سوى أن يخرج من حياتها نهائيًا!

كانت تردد لنفسها تلك الكلمات، ولكنها كأي أنثى تُظهر قشرة الرفض والبرود، إلا أن أسفل تلك القشرة كانت روحها تتراقص فرحًا راضية بحبه وتمسكه بها، دخلت والدتها غرفتها تقاطع افكارها بتذكيرها:
-نجمة اعملي حسابك بكره متروحيش حته عشان العريس جاي.
رمشت نجمة في ذهول متسائلة:
-عريس مين يا ماما؟!
-أنتي هتشليني يا نجمة، العريس اللي كلم أبوكي من طرف عمك!

بصي جهزي طقم لطيف عشان متدوخنيش بكره وحاولي تديله فرصة بلاش تطفشيه كالعادة.
انكمشت ملامح نجمة في انزعاج واضح قبل ان تردف مستنكرة:
-ماما ده شغال في الخليج، انتي هتسبيني اسافر الخليج؟
-ايوة يا اختي بالسلامة والقلب دعيلك، احمدي ربنا العريس يتيم يعني مش هتجلطي حد من عيلته!

اخبرتها والدتها ساخرة غير مهتمة بملامح نجمة المنذهلة من اجابه والدتها، ثم زفرت وشعرت بالغيظ يتولد داخلها أكثر وأكثر، لمحت هاتفها فطالت نظرتها له قبل ان تنتفض ممسكة به مقررة الاتصال بسليم في لحظة جنون تنوي غلق تلك الصفحة نهائيًا، هذا ما أقنعت به نفسها وهي تنتظر رده المتأخر.

بينما على الطرف الآخر كان سليم يتابع أسمها المُنير لشاشة هاتفه في تأني وتفكير فقد كان متخذ قرارًا بعدم الاقتراب منها وحفظ ماء الوجه بعد نفاذ صبره معها، ولكنه في الباطن كان منتظر أن تبادر هي بالحديث وأن تأتيه معتذرة عن جنونها، التوى ثغره في ابتسامة منتصرة منبعها يقينه أنها كانت ستتصل.
أجاب في نهاية المكالمة قبل أن تفصلها مباشرةً، ليخرج صوته أجش بارد ظاهريًا، محترقًا بالشوق داخليًا:.

-أهلاً نجمه هانم بنفسها بتتصل بيا!
لا تعلم ماذا دهاها لكنها صاحت في شراسة توقعها سليم تمامًا:
-أنا مش متصلة عشان جمال عيونك على فكره!
-أنا كنت متأكد إنك هتتصلي على فكره، وده يثبتلك كلامي.
-كلام إيه يا أبو كلام؟!
-إنك بتحبيني وبتحاربي مشاعرك ليا!
أطلقت نجمه ضحكة ساخرة لا تمت للمرح بصلة فهي ضحكة تحمل غضبًا مفخخًا داخلها، قبل أن تخبره في لهجة حازمة:.

-بمناسبة المشاعر أنا متصلة أقولك إن جايلي عريس بكره وهوافق عليه فياريت تمسح رقمي من عندك وإياك تتصل بيا تاني!
-نعم يا أختي؟!
أخبرها في صدمة يشعر بالبرودة تكتنفه قبل ان تفور دماءه صاعدة دفعه واحدة نحو رأسه تغلي، فأجابته مسرعة في تشفي:
-زي ما سمعت، يعني أنا لا بحبك ولا نيله.

قالتها بلامبالاة وهي تلعب بخصلاتها بين أصابعها، وقد لمعت عينـاها متلذذة بعقابه، سعيدة بخنجر الغيرة الذي غرزته داخله وها هي ترى أثار نزيفه في نبرته الهادرة بغضب أسود وانفعال عاطفي:
-بقولك إيه شغل العيال ده مش عليا، قسمًا بالله يا نجمة واللي خلق الخلق ما هتكوني لغيري!
رفعت نجمه حاجبها في تحدي وكأنه يراها وتمتمت في ميوعة متعمدة اشعاله:
-هو عافيه، أنا عايزة اتجوز العريس ده.

زمجر سليم في شراسة ووحش الغيرة داخله يزأر مترجمًا جنونه:
-أيوه عافيه، وننوس عين أمه اللي هيجيلك أنا هكسر رجله قبل ما يفكر يطلعلك يا نجمه سمعاني؟
تأففت نجمه في ملل متعمدة إغاظته:
-كلام متوقع من بني أدم عنيف همجي عايش وسط مجرمين!
وصلها صوت ألفاظه الخارجة قبل صوت قبضته العنيفة على سطح مكتبه متابعًا بصوت يتطاير منه ألسنة اللهب:.

-هو انتي لسه شوفتي عنف وهمجية، أنا هوريكي الهمجية الحقيقية، حذرتك أكتر من مرة بس الظاهر إنك مفكراني بلعب وبهزر معاكي!
سألته نجمة في برود تخفي توجسها:
-هتعمل إيه يعني؟
تنهد سليم تنهيده عميقة يتمالك بها أنفاسه المضطربة، وتحمل في جعبتها الكثير والكثير قبل أن يخبرها بنبرة خافتة مُخيفة:
-كل خير، خليها مفاجأة.
-على فكره متقدرش تعمل حاجة وقولتلك مش عايزة أشوف وشـ...

اتسع فاهها عندما أغلق الهاتف بوجهها دون أن ينتظرها تكمل بقية جملتها، رمت الهاتف بعصبية على الفراش مرددة في نبرة مغتاظة:
-فاكر نفسه رئيس الجمهورية!

في اليوم التالي، في منزل عائلة نجمة...
كان والديها مجتمعين في حضور ذلك العريس ننوس عين أمه، حتى صدح صوت والد نجمه بابتسامة مُرحبة هادئة ينادي:
-هاتي الشربات يا نجمه.

داخل المطبخ كان نجمه تتحسس وجهها بتوتر علها تزيل قلقها وتوترها، توترها من الموقف الذي توضع فيه لأول مرة، وقلقها من رد فعل ذاك البربري، بدأت تشعر أن الحياة تشهر بوجهها جميع أسلحة الضغط العصبي خاصة بعد شجار والدها المعتاد مع صاحب المبني الذي يرغب في إخراجهم من البيت بحجة ان الإيجار القديم انتهى والغبي اختار هذا اليوم الشؤم من بدايتة لتجديد تهديداته الواهية..!

تنفست بصوت مسموع قبل أن ترفع رأسها وتمسك بالصينية الموضوع عليها أكواب الشربات متجهه للخارج حيث أنظار الجميع سُلطت عليها كالمرصاد، بعد أن قدمت للجميع الأكواب اقتربت تجلس جوار والدتها ووالدها فقال العريس في ود:
-ماشاء الله ربنا يحميها.
حاولت نجمة رسم ابتسامة مجاملة على ثغرها، ولكن دون فائدة فكل ذرة في جسدها تنفر وتشعر بالخطأ من جلوسها معه وكأن سليم نجح في افساد حياتها بامتلاكه روحها.

أجبرت تلك الابتسامة اللعينة على وجهها لكنها قُتلت في مهدها حين صدحت طرقات عنيفة على باب المنزل، نهض والدها بسرعة يخبر العريس في هدوء مصطنع وقد ظنه المجنون صاحب المبنى:
-زي ما انت، هشوف مين ده اللي بيخبط بالشكل ده وراجع حالاً.
وبالفعل توجه نحو الباب والغضب على محياه والوعيد لكنه تجمد مكانه ما إن رأى عناصر الشرطة تداهم البيت، فسأل الضابط بتوتر فرض سيطرته:
-خير يا باشا في إيه؟

أشار الضابط بيده للعساكر من خلفه بالدخول قائلًا بصوت أجش:
-بعد اذنك كده يا حاج وهتعرف في إيه!
ابتعد على مضض ليدلف الشرطي الذي كان يتفحص المكان في ملل حتى لمح علبة من الشوكولا فوق الطاولة فنظر لأحد رجاله نظرة ذات مغزى، حرك لها الأخر رأسه بالفهم في صمت.

ابتعد الشرطي مستمرًا في التفحص حتى وصل للغرفة حيث يجلس الجميع وفي أعقابه شاهين والد نجمة تاركًا عناصر الشرطة ينتشرون في المكان من خلفهم، حاول شاهين تهدئة الذعر الخام المرتسم على نجمة هي ووالدتها لكن دون جدوى.
-تمام يا فندم لقيناه!

دخل أحد العساكر ممسكًا بعلبة الشوكولا المهداة من العريس، راقب الجميع الشرطي يفتح العلبة تحت أنظار الجميع المتعجبة ما عدا نجمة التي لديها شعور عن سبب ما يحدث لكنها تكذبه، فتحها الشرطي قليلاً مخرجًا مواد مخدرة تحت انظار الجميع المصدومة، قبل أن يقول آمرًا بما زاد صدمتهم أضعافًا:
-هاتوهم على البوكس!
شهقت نجمه في فزع وهي تمسك بوالدتها:
-هاتوهم إيه احنا عملنا إيه!

-هو إيه اللي بيحصل يا باشا، احنا عملنا إيه؟
خرج صوت العريس المرتعب اخيرًا لكن الشرطي تجاهله وبالفعل تم سحب الجميع لسيارة الشرطة وسط اعتراضات وصياح من الجميع خاصةً العريس الهلع، ولم يستطع أي شخص تخمين ما يحدث سواها ولم يبرد الضابط نيران الخوف التي أحرقتهم بأي اجابة...!

وصلوا قسم الشرطة بعد وقت مر عليهم كالسنوات، وجلسوا جميعهم وملامحهم تحكي عن خوف طبيعي وجد مساره بين عروقهم وهم في انتظار أي توضيح، ودون أي مقدمات كان سليم يقتحم المكان بهدوء تام واضعًا يده في جيب سرواله يُطالعهم بنظرات متفحصة خاصة ذلك الأبله الذي تجرئ ليطلب يد مجنونته، حدجه بنظرات نارية متوعدة قبل أن يزمجر سليم بعصبية مفرطة مُخيفة:
-محمد، خدوه تحت.

امسك العسكري العريس من ياقته وسط اعتراضه ساحبًا له خلفه دون أن يعلم احد إلي أين؟
كانت رؤيه سليم بمثابة الرصاصة التي سقطت على قلب نجمه لم تتوقع للحظة أن يصل به التهور والغرور والهمجية إلى ذلك الحد...
كلما وضعت له حدًا وأقنعت نفسها أنه لن يتخطاه مهما زاد تهوره، يفاجئها هو بتخطيه وهدمه فوق رأس توقعاتها..!

تابعت عيناه الخاوية الهادئة تستقر فوق هيئتها المرتعبة حتى تقدم والد نجمه ووالدتها في وقت واحد يهتفون لسليم باستفسار متوجس:
-في إيه يا حضرة الظابط أحنا معملناش حاجة!
فأشار سليم برأسه نحو علبة الشكولاتة التي أحضرها العريس:
-علبة الشكولاتة فيها مخدرات!
شهقة الصدمة نحرت جوف جميع الحاضرين، فهز والدها رأسه نافيًا بهيستيرية:
-والله العظيم يا باشا دي هدية جابها الله يحرقه العريس معاه دي مش بتاعتنا!

-ايوة يا سعادة الباشا لو عايز تقبض على حد أقبض عليه هو،
أنا من الأول كان قلبي حاسس ان السفر ده وراه مصييه.
تدخلت والدتها المتوترة وهي تلقي بالاتهامات فوق المسكين الذي أوقعه حظه معهم، حينها تقدمت نجمه تصيح بشراسة وجرأة فاجأت الجميع:
-أنا متأكدة إنه مستحيل يعمل كده أكيد في حاجة غلط.
حينها أشار لها سليم برأسه بابتسامة صفراء دبت القلق بقلوب والديها:
-طيب يا شاطرة أنا شايف أنك تيجي معايا!

تدخل والدها المذعور يسأل في قلق تجلى على ملامحه:
-تروح فين يا باشا؟
هز سليم رأسه في هدوء وهو يشير له ولوالدها بالجلوس ومن ثم أجاب:
-لأ متقلقش يا حاج ده تحقيق فردي كلكم هتمروا بيه ورا بعض،
حضرتك أقعد ارتاح، انا مصدق ان مستحيل ناس محترمه زيكم تعمل حاجة زي كده، وان الكلب ده وقعكوا معاه.

ارادت نجمة الصراخ فيه وودت لو تمتلك من الشجاعة ما يكفي لتعترف لوالدها بطبيعة علاقتها به وانه كاذب، ولكن الخوف أخرسها، فماذا ستخبره:
ذلك الشرطي هو حبيب سابق يرغب في الانتقام مني؟!
خرجت من افكارها حين اومأت والدتها رأسها في حركات مضطربة وهي تقترب من والدها مؤكدة في امتنان:
-اه والله العظيم يا ابني احنا محترمين، منه لله البعيد ربنا يجازي ولاد الحرام ويحميك لشبابك يا ابني.

ابتسم سليم في خفوت قبل ان يلتفت لمطالعة نجمة مغمغمًا:
-هيجازيهم، هيجازيهم يا حجة!
رفع سليم يده مشيرًا لها بالخروج أمامه ففعلت على مضض من والدها القلق، سارت نجمه أمام سليم الذي دفعها للتحرك في صمت ما ان أغلق الباب وما إن ابتعدوا قليلاً عنهم حتى سألت نجمه بصوت حاد غاضب:
-تحقيق إيه أنت هتكدب الكدبة وتصدقها ولا إيه؟!

هز سليم كتفيه بلامبالاة وبرود جعلوا قلب نجمه ينتفض فزعًا بين ضلوعها خاصة حين أجابها:
-تفتكري المجرمين باخدهم فين؟!
على الحبس طبعًا.
تيقنت نجمه من صدق كلامه حينما وجدت نفسها أمام باب الزنزانة فعليًا، تلك اللحظة أحست نجمه أن كل شيء يدور من حولها سوى تلك الزنزانة التي تمثلت أمامها في هيئة وحش لكنها زمجرت في عناد متمسكة بفكرة عشقه لها:
-انت متقدرش تعمل كده وأنا مش هسمحلك تهني بالطريقة دي!

أشار سليم إلى أذنه ثم اردف متهكمًا:
-تسمحيلي؟
طموحة أوي انتي يا نجمة!
ابتعدت نجمة عنه تحاول التراجع لكنه منعها ممسكًا معصمها في حزم فهتفت فيه صارخة:
-انت فاكرها سايبها أنا هوديك في داهيه لو قربت مني!
-جدعه، افتح الباب يا عسكري.
تسمرت نجمة مكانها بعيون منفرجة تتابع الباب يُفتح حتى قاطع سليم صدمتها بصوتٍ متسلِ:
-متقلقيش انا هاسيبك مع ستات جايين بتهم شبه تهمتك، مش هاوديكي مع قتالين قتلة.

تحرك بها خطوة ولكن نجمه تلقائيًا تعلقت بساعده تضغط عليه بقوة وكأنها تستنجد به هامسة في صوت مبحوح وحروف مرتعشة من الخوف:
-لأ يا سليم بالله عليك ما تسبنيش مع الناس دي ولو دقيقة واحدة.
رفع حاجبه الأيسر قائلًا في نبرة ماكرة:
-ليه ام دلال جوا هتدلعك أحلى دلع، اهي الست دي هتعجبك أوي لأنها مدوباهم عشرين القادرة.
علت انفاسها في هلع واخبرته في نبرة مهتزة من شفاها المرتعشة تناشد الحب داخله:.

-أرجوك يا سليم بلاش تخوفني!
اتسعت ابتسامته الصلفة قبل أن يمسك يدها متعمد إثارة مخاوفها:
-أسف أنا بحب اخوف الناس اللي مش بترضى تتجوزني!
-لا لا أنا راضية اتجوزك!
حركت رأسها مؤكدة كلماتها، فأكمل سليم بنفس المكر الرجولي:
-هتتجوزيني حالًا؟!
تعلقت انظارها المغتاظة به لكنها أومأت برأسها موافقة تكاد تبكي كالأطفال حينما اتخذ خطوة للأمام، فتشدقت في قوة مرتعدة:
-حالًا بس مشيني وحياة امك!

كان يرغب سليم في معاقبتها أكثر ولكن الخوف السابح في عيونها اتاه بنتيجة عكسية، فوجد نفسه يتراجع ليقبض على كفها الصغير المستقر فوق ذراعه يتحسس فوقه في رقه، هامسًا لها في نبرة هادئة رغم خشونته:
-خلاص اهدي وحياة امي مش هدخلك.
استدار معها ساحبًا لها خلفه تحت أعين عناصر الشرطة المتسائلة والمجرمين المتعجبة، كانت تركض تكاد تسبقه وتجذبه هي خلفها، فشد على يديها يوقف تقدمها ثم ادخلها برفق نحو مكتبة.

أجلسها أمامه واعطاها كوب من العصير الخاص به، ثم جلس أمامها مستطرد في مشاكسة املًا في تخفيف ذبذبات خوفها:
-لما أنتي جبانه كده عامله نفسك بسبع رجالة ليه؟
زمت نجمه شفتاها ونظرت لأسفل دون إجابة، بينما استمر سليم يطالعها يحاول ازاله ضباب الغيرة المجنونة عن مخيلته.

عضت نجمة فوق شفتيها دون حديث فداخلها مضطرب متذبذب ما بين الخوف من مخالفته والعودة لكونه سليم المجنون بها، مع لمحة من الرضا المريب بفعلته السوداء.
ترجم سليم ذبذباتها كخوف مطلق وشعر بصدره يضيق لرؤيته الخوف يتملكها منه، حرك أصابعه فوق وجهه في حدة وقد طارت روح المشاكسات تمامًا من الموقف.
-أيه؟!

انتفضت نجمة المتسائلة بتلقائية في توجس تراقب تحركاته عن كثب وكأنه سيقفز عليها أي لحظة، عض شفتيه وقد اشعلت حركتها غضبه على نفسه وعليها لأنها من أوصلتهم لذلك الطريق فوجد نفسه يتهمها في حدة:
-مبسوطة دلوقتي وانا بثبتلك ان الضباط جبروت مش كده؟
فرحانه انك وصلتيني أعمل حاجة عمري ما تخيلت اني أعملها!

طالعته في صمت واستسلام لا تزال تشعر بالخطر والارتباك من اتهاماته، فازداد غيظه من صمتها الذي كان هو سببًا فيه وهتف مؤكدًا:
-أنا مش كده وعمري ما مشيت ورا رغباتي الشخصية وعلى فكرة كل مهنه فيها الشريف والفاسد،
لكن انتي مش عايزة تشوفي غير اللي يرضي جنونك وضغطتي عليا لحد ما وصلتيني لكده!

أخفضت نجمة بصرها ترغب في البكاء ولا تريد التفكير في صحة كلماته، ولا تريد اخباره انه برغم ما يحدث إلا انها متأكدة انه ليس بشخص سيء وانها تثق في انفعالاته فهو في أسوأ لحظات جنونه يحاكم نفسه قبل محاكمتها:
-أنا مجرد انسان يعني وارد أغلط أنا مش مثالي ولا نبي،
لكن أنتي وجودك في حياتي لعنة وغلطتي الوحيدة اني مش قادر أسيبك!

حرك أصبعه في الهواء يؤكد كلماته للفراغ فأغلقت عيناها باتت لا تعرف أيحادثها هي أم يحادث نفسه، لا تدري كيف تلبسها البرود وقتها لكنها ارتشفت كوب العصير دفعة واحدة ثم رفعت رأسها تتمتم في خفوت:
-رجعني عند ماما وبابا زمانهم قلقانين.
عم الصمت المكان حولهما حتى قطعه سليم حين هز رأسه مرتين عاجز عن فهمها أو فهم نفسه من الأساس، تحرك نحو الباب لكنه عادة مرة أخرى خاتمًا كلماته:.

-الإنسان لما بيكون قدام متصيد للأخطاء مش بتطلع منه حاجة صح!
خليكي هنا انا هخرج اجبهم وانهي الحوار.
اخبرها سليم وهو يحارب شعوره بتأنيب الضمير فما حدث قد حدث وانتهى الأمر لكن نجمة السائلة في تردد اوقفته:
-طيب وال، العريس؟
حينها تبخر كل شعوره بالذنب وتأجج على حافة ملامحه ذلك الوحش مسلوب التفكير المعمى بالغيرة:
-متختبريش صبري يا نجمة،
ولو صعبان عليكي، تحبي تونسيه؟

حركت نجمه رأسها نافية في عنف وبتلقائية تامة دون مبرر خرجت منها ضحكة بلهاء تفصح عن جنون المشاعر المضطربة داخلها، قائلة:
-لا ما يبقى وحيد عادي!
ارتفع حاجب سليم غير قادر على فك الإشارات التي تعطيها له تلك الشقية التي وقع صريع عشقها وكأنها لم تلاحظ مشهد خوار قواه ونفاذ صبره منذ قليل، تحرك في صمت مغادرًا لإصلاح جنونه مع عائلتها.

أما نجمة فكانت تشعر بأعاصير من فرط الانفعال والخوف الذي مرت به منذ لحظات ولكن في عبق تلك الانفعالات والمخاوف الجلية كان هناك فتيل اشتعل بين ضلوعها يُنير ما كانت تحاول اطفائه تجاه سليم..
فهناك رضا مريب بفعلته حتى وإن كان الجنون سمتها..
ترى هل المشكلة به أم بها لتشعر بمثل هذا الشعور؟!


look/images/icons/i1.gif رواية نجمة الباشا
  19-12-2021 08:32 صباحاً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل السادس

أغلق سليم الهاتف مع المأمور بعد أن أخبره بتأجيل طلب أجازته في الوقت الحالي، تنهد بينما يفرك عينيه المنغلقة يشعر أن الآم رأسه قد زادت، عض شفتيه في آسى فقد مر أسبوعين منذ تلك الليلة التي جن جنون غيرته فيها بسبب نجمة، ولم يتذوق فيهما طعم النوم مع الهاجس التي زرعته نجمة ملتهمًا ما تبقى من عقله.

يشعر بتأنيب ضمير قاتل كلما تذكر الذعر الخام داخل مقلتيها صحيح أنه تراجع عن لعبته معها ما أراده هو تطبيق المقولة المتبعة في مجاله قرصة ودن كي لا تنساق وراء جنونها وتفقده هو صوابه، ليكتشف بعدها انه فاقد لصوابه بالفعل فـ نجمة حبيبته وليست أحد المجرمين ليفعل فعلته تلك.
استقام ثم مط ذراعيه يحاول التغاضي عن شعور التكسير المتملك لجسده متمتمًا:.

-منك لله يا نجمة، بهدلتي قلبي وضيعتي عقلي ودلوقتي صحتي بتروح مني بسببك يا شيخة!
توقف عن مط ذراعيه ثم رمش مرتين على التوالي قبل ان تنكمش ملامحه في استنكار هامسًا:
-والله عال وبقيت أكلم نفسي كمان!
زفر في حدة وانزعاج مما وصل إليه حاله فها هو يجلد ذاته داخل جدران مكتبه ويحارب مشاعر شوقه لها ولصوتها الرقيق بينما هي تعيش حياتها منعزلة عنه دون أن تفكر مرة بالتواصل معه!

ليسخر عقله منه، لما تلومها وأنت الجاني في معاقبة نفسك بعدم الاقتراب منها مقتنعًا بأن أي حركة منك ستجد رد فعل من نجمة مصدره خوفها منك ومما يمكنك فعله بها.
زمجر مستنكرًا جنونه، فقد قولب ذاته بفعلته داخل قالب الجبروت دون وعي منه وبالطبع هي لن تبادر بالاتصال به وكل فعل منها حوله سيكون كالمشي على قشور البيض.

حرك كفيه فوق خصلات شعره القصيرة في شبة هستيريا يرغب في اقتلاع رأسه الذي يتخذ بها قرارات متهورة دون تفكير، فها هو الآن يخشى التقرب من سارقة القلب فيكتشف انه خسرها وفقد ثقتها للأبد.
-ايه يا باشا أخبار النجمة أيه؟
قطع عدي زميله أفكاره فرمقه سليم في ذهول قبل ان يرد متعجبًا:
-نجمة، أنت عرفت منين؟!
عقد عدي بين حاجبيه متمتمًا ببلاهة وهو يتقدم من سليم يتحسس جبهته:.

-مالك يا سليم يا حبيبي ما كل الناس عارفه هو سر!
ازداد ذهول سليم أضعافًا وعقله المُغيب بمُعذبته ونجمته يرميه نحو هوة بعيدة كل البعد عما يقصده عدي، لكنه همس في عدم فهم:
-كل الناس عارفه ازاي يعني، جاوب بصراحة عرفت منين موضوع نجمه ده؟
حينها لم يستطع عدي كبت ضحكته وهو يربت بأصابعه فوق كتفه في استنكار:
-في أيه يا أبو المجاريح مالك؟

أنا قصدي النجمة اللي فوق كتافك يا حضرت الظابط، الترقية يعني ده أنت ضايع.
حينها زفر سليم بعنف وهو يضرب على جبهته غير مصدقًا، لا يصدق أن كل الإشارات بعقله أصبحت تشير لشيء واحد، نجمته التي قلبت حياته وتفكيره وعقله رأسًا على عقب.
أما عدي فقد جلس جواره غامزًا بطرف عيناه مشاكسًا إياه:
-اللي واخده عقلك!
حرك سليم رأسه في قلة حيلة محيطًا وجهه بيداه معًا يؤكد على جملة صديقه التي أحسها بكل جوارحه:.

-هي سرقت عقلي وسرقت قلبي وسرقتني من حياتي كلها فعلًا يا عدي.
ارتفع حاجبي عدي الذي هز رأسه وهو يسبل أهدابه مغمغمًا بنبرة درامية ساخرة:
-اممممم وإيه كمان يا حنين؟
حينها انتبه سليم أنه إنساق خلف التيه الذي يجتاح روحه، فهب يضرب عدي الذي تعالت ضحكاته بينما سليم يزمجر بغيظ:
-تصدق أنا راجل مشوفتش تربية عشان افضفض مع واحد زيك، اتكل على الله ياعم شوف رايح فين!

ضحك عدي على حالة صديقه ثم قال من وسط ضحكاته بينما يلقي السلام مغادرًا:
-خلاص ياعم ماتزقش اديني ماشي، لو احتاجتني أي وقت رنلي.
-اتكل على الله يا عم!
صاح بها سليم في انزعاج ثم جلس يزفر بعنف مقررًا معاودة اشغاله التي يؤجلها منذ الصباح فقاطعه صوت رنين هاتفه، ليتمتم مستنكرًا:
-مش هنشتغل في يومنا ده!
رفع الهاتف فكاد يسقط من بين أصابعه عند لمح أسم نجمة يضيء الشاشة، فجأة ارتبك متسائلًا هل يجب أن يجيب؟

شعر بسعادة مختبئة خلف رجفة تملكت قلبه، لكن الوقت قد فات والرنين توقف.
أغمض جفنه الأيمن أثناء زمه لشفتيه يشعر بالحيرة لكنه يخشى اجابتها خوفًا من قرارها بمواجهته بفعلته المشينة لأنه حاليًا لن يتمكن من ايجاد مبرر لها، أما ان كانت تتصل بدافع الخوف فوقتها ستتمزق احشاءه وهنا أيضًا لن يجد رد مناسب.

عاد الهاتف للرنين من جديد لكنه استقام مغادرًا مقررًا ترك هاتفه داخل حقيبته الصغيرة خوفًا من الاستسلام والتراجع عن قراره.

قبل ساعتين من تلك الواقعة...
داخل منزل نجمة، استيقظ الجميع على صوت خبطات متتالية متسارعة الرتم فوق باب المنزل، خرج والدها اولًا هاتفًا:
-طيب طيب، في حد يخبط كده؟!

فتح الباب في انزعاج واضح لكنه فوجئ باندفاع أربعة رجال توسطهم صاحب المبنى الذي يقطن فيه والذي يحاول منذ الأزل إبطال عقد الإيجار القديم الخاص بشقتهم واسترجاعها، هتف شاهين والد نجمة مستنكرًا:
-انت اتجننت يا صلاح، بتتهجم عليا في بيتي؟
-اصبر على رزقك لسه التهجم مجاش وقته،
أنا جاي اديك إنذار بالإخلاء الودي يعني أنت تعزل من سكات ونقطع العقود ويا دار ما دخلك شر، قولت أيه؟

تقدمت نجمة في خطوات مرتعشة تحاول مساندة والدها مستهجنة:
-أيه شغل قطاع الطرق ده يا أستاذ صلاح،
بابا ماضي عقد مع والدك الله يرحمه واللي أنت بتعمله ده ما يصحش ومتفتكرش اننا هنسكت ونعديه بالساهل ابدًا.
تدخل والدها يدفعها نحو زوجته يخشى عليها من الشر المشع من عيون هؤلاء الرجال، ثم حاول دفع الرجال للخارج أثناء حديثه الحاد:
-ادخلي جوا يا نجمة، كلامنا برا يا صلاح مش وسط اهل بيتي،.

أنا سبق وقولتلك رجعلي فلوسي وانا هاخد بيها شقه وامشي من هنا،
لكن انت عايز تتجبر عليا وتاخد مني شقتي وفلوسي اللي دافعها لأبوك.
دوت ضحكة صلاح الذي أغلق الباب محتميًا برجاله قائلًا في لهجته الساخرة:
-فلوس؟
وهي شوية الملاليم اللي ادتهم لأبويا دول فاكرهم فلوس، دول اعتبرهم حق قعادكم في شقتي يا حبيبي.
اشتغل وجه شاهين بالغضب ليخبره مزمجرًا:
-مش هيحصل يا صلاح وانا مش هسكت على حقي وبالقانون.

دوت ضحكة صلاح من جديد أثناء تحريكه لأصابعه معلنًا في تحدي:
-حلو يا حبيبي، خلي بقى القانون ينفعك.
علت صرخات نجمة ووالدتها وهن يتابعن أحد الرجال يندفع كي يعتدي على والدها بالضرب في قوة ردت جسده للخلف، اندفعت نجمة تدافع عن والدها وسط صرخاتها المرتعبة ليمسك رجلًا أخر معصمها موقفًا تقدمها.
-كفاية!
صرخ صلاح في رجُله رافعًا كفه كي يتوقف قبل أن يهدد شاهين والشر ينضح من مقلتاه:.

-معاك لحد بليل يا شاهين لو الورق مجاش واتقطع قدامي هولع في البيت باللي فيه،
ميبقاش من ماله ولا يهناله يا، يا حبيبي، بينا يا رجالة.
دفع الرجل نجمه نحو والدها المستند على ركبتيه والذي يرفض إظهار الضعف أمام أهل بيته فصاح شامخًا:
-وديني ما هسيبك يا صلاح وديني ما هسيبك!
لم يبالي صلاح بتهديداته وأشار لرجاله باتباعه والمغادرة مغلقين الباب خلفهم، أمسكت نجمة بذراع والدها تشعر بالقهر هامسة وسط بكاءها:.

-قوم يا بابا منهم لله.
-متعيطيش يا نجمة ابوكي مش هيسكت على الإهانة اللي حصلت دي.
هزت رأسها توافقه والدماء السائلة على جانب فمه تسقط على قلبها كالسم القاتل وتسخر من ضعفها ولأول مرة في حياتها تمنت لو كانت رجلًا وليست امرأة ضعيفة، تقدمت والدتها المرتعدة نحو زوجها وحسدتها نجمة للقوة التي تظهرها ملامحها وهي تواسي زوجها:
-ولا عاش ولا كان اللي يهينك يا اخويا، احنا مش هنسكت قوم معايا، قوم..

سندته والدتها محتضنة إياه نحو غرفتهما مغلقة الباب أمامها ومنها إلي المرحاض بالتأكيد لتضميد جروحه البسيطة ولإخفاء قهره عن عيني ابنتهما، مسحت نجمة دموعها في غضب ما ان انتقلت أفكارها إلى سليم وتلقائيًا وجدت نفسها تركض تبحث عن هاتفها متناسية وعودها ومخاوفها بعدم الاقتراب منه فقلبها يعلم ان لا سند لها غيره.

بلعت حسرة تجاهله عندما اتصلت أكثر من مرة فقوبلت بعدم اجابته، رمت الهاتف من يدها وسحبت ملابسها مقررة المخاطرة والذهاب بنفسها إليه وبالفعل دقائق قليلة وكانت تتسلل للخارج دون اخبار والديها برحيلها متأكدة ان ذويها منشغلان ولن ينتبها إليها الآن.

وقف سليم أمام سيارة مخفر الشرطة يحادث بعض زملاءه قبل ان يهتف لأحد الرجال:
-حد يجيبلي شنطتي من فوق قبل ما نطلع.
-حاضر يا باشا.

هرع الرجل ينادي أحد العساكر ولم ينتبه سليم للباقي وقد لمح نجمة تتقدم نحو البناء في عزم وهالة منظرها الشاحب والدموع الجافة فوق وجنتيها، تقدم نحوها في هلع حتى انتبهت له وغيرت مسار خطواتها تقابله سريعًا، ارتجف قلبها في اطمئنان تحاول اطفاء مخاوفها عندما وقف أمامها مباشرة يتفحصها بقلق يشع من عينيه متسائلًا في نبرة متوترة:
-نجمة، مالك يا نجمة، حصل أيه؟

حاولت السيطرة على ارتعاشه شفتيها وكبح حزنها لكنها انفجرت باكية تخبره في اضطراب دون قدرة على تمالك مشاعرها:
-بابا، بابا يا سليم اتضرب.
اضطرب سليم واتسعت عيناه وهو يتابع انهيارها وسمح لنفسه بمسك ذراعها وسحبها معه نحو سيارته المركونة على بُعد أمتار قليلة منهما ومن أعين المارين.

جلست جواره في صمت تحاول السيطرة على شهقاتها بينما يبحث هو عن قنينة الماء يقدمها لها ويراقبها ترتشف منها وتتنفس في بطء، لا يريد أن يزيد من هلعها وحدسه ينبئه بأن هناك كارثة قد حلت بها دفعتها للقدوم إليه بتلك الطريقة، فأخبرها في صوت يخفي خلفه الكثير من الهواجس:
-براحة أهدي وأحكيلي كل اللي حصل؟

حركت نجمة رأسها في موافقة وجذبت بضع أنفاس وهي تتعلق بالأمان داخل عينيه بتلقائية، ثم اخذت في تلو ما حدث على مسامعه وملامحها تتنقل ما بين الغضب والقهر بينما يهز سليم رأسه يحثها على الاستمرار حتى انهت سردها بجملتها التي خطفت قلبه:
-ولقيت روحي جيالك وعارفة أنك الوحيد اللي هتقدر تسندني.
رفع أصابعه يربت على جانب وجهها الرقيق مؤكدًا:
-وأنا مش هخيب ظنك، روحي البيت وسبيلي أنا الموضوع ده،.

وغلاوة دموعك دي ما هيعدي انهارده غير وأنا جايبلك حقك.
احتضنت نجمة يده بكفيها هامسة في امتنان وخجل:
-أنا اسفة اني بشغلك وبخليك...
-بس بلاش كلام عبيط، لو مش أنتي اللي هتشغليني، هنشغل بمين؟
حركت نجمة رأسها ولأول مروة تشعر بالامتنان وبقيمته لكونه شرطي قادر على مساعدتها واستعادة حقها.

في مساء ذات اليوم داخل قسم الشرطة...

وقف سليم في انتظار حضور نجمة ووالدها أمام ذلك الرجل المدعو صلاح الذي كان يقف وسط رجاله عاقدًا حاجبيه والضيق يستوطن ملامحه غير راضٍ أبدًا عما يحدث ويخطط له سليم، فرفع سليم هاتفه محادثًا نجمة في خفوت:
-انتوا فين؟
-احنا داخلين القسم اهوه يا دنيا متقلقيش.
-دنيا، ماشي مقبولة منك، مع السلامة.
اخبرها سليم الساخر ثم أغلقت نجمة الهاتف فسمعت توبيخ والدها من جديد:.

-طيب يا نجمة، أنا هوريكي تتصرفي ازاي من غير رأيي!
-الله يا بابا قولتلك كنت مخضوضة وبعدين معملتش حاجه انا رجلي وقفت قدام القسم وكنت هرجع،
بس الرائد سليم لما شافني أصر يعرف في أيه ولما عرف اصر يساعدنا!
توقف والدها يتذمر في وجهها مستنكرًا:
-والرائد سليم يساعدنا بتاع أيه!
هنا تدخلت والدتها مدافعة عن ابنتها قائلة:.

-وبعدين معاك يا شاهين، أكيد الراجل حاسس بتأنيب ضمير لما مرمطنا على الفاضي المرة اللي فاتت مش موضوع يعني.
حركت نجمة الخجلة رأسها مرات متتالية بالموافقة، فزفر والدها قبل أن يستغفر الله متمتمًا:
-انا مش عارف سبتكم تيجوا معايا ازاي!
امسكت نجمة بذراع والدتها التي تتبع زوجها بأنف شامخ فهي من رفضت الجلوس وتركه يأتي وحيدًا.

وبالفعل وصل شاهين حيث سليم المنتظر ودلفت بعده زوجته ونجمة التي احتدت ملامحها بغل ما إن رأت صلاح، فأشار سليم لشاهين قائلًا في هدوء:
-اهلًا يا استاذ شاهين، اتفضل أقعد.
ثم نظر لصلاح نظرة مُحذرة وأكمل:
-تقدر تقعد يا صلاح.
عاد سليم لينظر إلي شاهين المتجهم الملامح ليصدح صوته أجش ثابت وعملي:
-صلاح ندمان وهيحل الموضوع بشكل ودي يا استاذ شاهين.
حينها ارتفع صوت صلاح معترضًا وهو يشير بيده:.

-هحله بس مش هاسيب حقي يا باشا.
أندفع بعده شاهين يزمجر بنبرة شرسة:
-ده أنا اللي مش هسيب حقي.
رفع سليم يده ينهي صراع جديد كاد يشتعل، ثم أردف بنبرة حازمة:
-نهدا شوية وكل واحد هياخد حقه، صلاح هياخد شقته وأنت هتاخد فلوسك يا استاذ شاهين.
فأومأ شاهين مؤكدًا برأسه:
-وهو ده اللي أنا قولته يا حضرت الظابط، أنا أصلًا مش عايز شقته أنا عايز فلوسي.
فتح صلاح فمه يكاد يزمجر والطمع يحركه:
-ملكش عندي...

قاطعه سليم الذي أشار له بيده ليصمت، يُحذره بنظرة خفية من غضب يُدرك صلاح عاقبته جيدًا لو أصر على طمعه..!
ثم قال سليم بنبرة دبلوماسية:
-هاتدي الحاج شاهين فلوسه يا صلاح وليك عنده إنه يخلي البيت وتاخد بيتك، هو ده الصح والعدل.
كانت نجمة تراقب ما يحدث بابتسامة منتصرة وهي ترى صلاح يبتلع اعتراضه على مضض، قبل أن يهز رأسه موافقًا:
- ماشي يا باشا بس من بكره البيت يفضى!

اومأ سليم برأسه، ثم وقف أمام صلاح الذي استقام هو الآخر احترامًا، ليشير سليم بعينيه نحو شاهين آمرة بصوت خافت لكنه حاد مُقلق:
-حلو، أعتذر للحاج شاهين، وإيدك لو اتمدت على أي حد تاني هقطعهالك أنت وشوية الأوباش اللي كنت جايبهم، ماشي؟!
مرر صلاح يده فوق وجنته متذكرًا صفعة تذوقها قبل قليل لكنه حارب خوفه محاولًا الاعتراض في حنق:
-لا يا باشا ما هو السبب هو اللي...

قاطعة سليم في صوت حازم بينما يهز رأسه متشدقًا من بين ابتسامة صفراء محذرة:
-اعتذر يا صلاح وخلينا نحلها ودي، ولا أنت عايز تونسني انهارده في القسم؟
زحف التوتر لملامح صلاح التي انكمشت رويدًا رويدًا ثم استسلم في النهاية لينطق على مضض:
-انا اسف يا حاج شاهين، مش هتتكرر تاني.
حرك شاهين رأسه الشامخة يتنهد مطولًا وقد رُدت له كرامته التي هُدرت على يد الحقير.

انهى سليم الوضع حين ربت على كتف صلاح بشيء من العنف المتعمد وهو يتابع من بين أسنانه بابتسامة لا تمت للمرح بصلة:
-جدع يا صلاح، ما يوصلنيش انك ظهرت قدامهم تاني أبدًا ولا يكون ليك علاقة بيهم، اتفقنا يا صلوحه؟
بلل صلاح شفتيه هامسًا موافقته دون أن يستطع النطق بالمزيد...
فيما كانت نجمة تحدق في سليم بابتسامة واسعة، وداخلها شعور عنيف يهتاج به صدرها من الامتنان و، الحب!

خجلة أنها من أسقطت كل مبادئها المزعومة ودفنتها تحت سابع أرض متخطيه فوقها نحو استغلال سلطته في مساعدتهم...
لتدرك أن الوظيفة التي كانت تطلق عليها شعارات الاستغلال والجبروت ليس بهذا السوء، بل لكل مهنة مميزات وعيوب...

بعد مرور شهران...

كانت نجمه ممددة على فراشها ممسكة بهاتفها تتلاعب به وتلك الابتسامة تزين ثغرها أثناء عبثها بصورة سليم على شاشة الهاتف لتُكبرها، تسأل نفسها متى استسلمت لهوج تلك العاطفة؟!..
لقد حارب سليم مخاوفها بمواقفه الرجولية التلقائية، محى شبح تلك الصورة التي كانت مرسومة بعقلها عن شخصيته كضابط.

حتى في أكثر لحظاته جنونًا وتهورًا عندما أتى بها وبأهلها إلى قسم الشرطة لم يستغل ضعفها ليتزوج بها رغم توقعها لذلك، بل أدركت حرص سليم الكبير على ألا يزرع خوف داخلها تجاهه هو لا يريدها خائفة ابدًا بل يريدها راضية بكامل ارادتها...!
وها هي أعلنت رضوخها لتلك النبضات الجاهرة العصية، وما أروعه حينما يكون الاستسلام لــ سليم ، المتعجرف دومًا بامتلاكه لها.

تنهدت لا تصدق حتى تلك اللحظة أن مشاعره اجتاحتها حتى تشجعت أمام نفسها بل أقوى هي صارحت دنيا رمز مخاوفها وهواجسها نعم كانت مكالمة قصيرة ولم تكن دنيا راضية لكنها شعرت بانتصار كبير وبأنها كسرت حاجز غبي خفي عن الأعين داخلها...
هي فخورة بنفسها لأنها صارحتها بمشاعرها نحو سليم بل ودافعت عنه، دافعت عنه وكأنها تدافع عنه ضد هاجسها.

لوت ثغرها في تذمر فقد مر شهران عليهما يتحدثان فيهما كل لحظة من اليوم، تطورت فيها علاقتهما إلى الأفضل، ومع ذلك هو لم يصارحها مرة بحبه صراحةً أو يطالب بالزواج منها كما كان يفعل في أسوأ احوالهما.
انتفضت نجمة من افكارها فكالعادة كلما تذكرته حضر، نظرت للهاتف المهتز معلنًا عن اتصاله، وتلك الابتسامة التي تخصه بها وحده عادت لتجد مكانها على ثغرها، ثم اجابت وهي تستحضر صوتها العذب:
-ايوه يا سليم.

شاكسها الاخر متمتمًا:
-عليكي واحدة سليم بتجيب أجلي!
ضحكت برقة ولم تعلق، ليكمل سليم في حنو:
-وحشتيني يا نجمة.
تمتمت نجمه مجيبة في خجل:
-امم، ميرسي.
ارتفع حاجبي سليم مستنكرًا وكأنها تراه وأستطرد:
-إيه ميرسي دي ان شاء الله؟
لا اظبطي كده لاظبطك، أقولك وحشتيني تقوليلي وأنت وحشتني يا سليم يا حبيبي!
كبحت نجمه ضحكتها بصعوبة، ثم سألته في مكر مغيرة الموضوع:
-خلصت شغلك؟

تنهد سليم مبتسمًا يعشقك دلالها وقد أدرك محاولتها لتغيير الموضوع:
-ايوه ياستي خلصته، بس عندي شغل تاني أهم بكتير.
سألته نجمه عاقدة حاجبيها بعدم فهم:
-شغل إيه اللي أهم؟

حك سليم ذقنه النامية ثم أجاب بصوت أجش مُذبذب موقفًا محرك السيارة بعد أن كان يسير في المنطقة التي تقطن بها نجمة، وتحديدًا أمام بنايتها ولكنه لن يخبرها بذلك كي لا تظنه مختلًا نفسيًا يطاردها أو شيء من هذا القبيل، سعل سليم في خفة يزيل الحرج من أفعاله عن صوته قبل أن يخبرها في صراحة:
-في موضوع كده شاغلني أوي ومش عارف أعمل إيه بجد تعبت منه!
-موضوع إيه؟! ما تتكلم من غير ألغاز يا سليم مالك؟


look/images/icons/i1.gif رواية نجمة الباشا
  19-12-2021 08:32 صباحاً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل السابع والأخير

تنهد سليم بقوة، بعد إرهاق دام أكثر من شهران، شهران، يستنزفه ذلك التردد الذي لم يُعرف عنه ابدًا، شهران، وكل تفكيره مُنصب عليها فقط، على نجمته التي أرقت منامه وأشعلت فتيل عشقها بين ضلوعه التي كلما حاول تجاهله أحس بذلك الصهد يحرق روحه حرقًا.

شهران، ولعنة التفكير تلاحقه، فبعد أن تخلص من جلد الذات وزالت مخاوفه من نظرتها فيه أنه أصبح مُستغلًا لسلطته بعد ما فعله معها ومع أهلها، بعثت له لعنته قلقًا جديدًا يحيره بأنه ان اتخذ خطوة الآن ستكون موافقتها نابعة من رد الجميل بعد وقوفه معها في محنتها.

تلك النجمة أتت إلى حياته كشهاب لاهب سقط على محور أرضه ليُذيبها مخلفًا خلفه شخصيته القديمة التي لم تكن تنتمي لتلك الشخصية الجديدة التي جعلته عليها أبدًا..
فقد كان يُكرس حياته لعمله فقط، يكدح فيه ويخرج كل جهوده من أجل الارتقاء في وظيفته ورسم الفخر على وجوة أسرته، لكنه الآن اصبح هدف ثانوي لم يعد يؤديه على أكمل وجه كما كان.

وقد أصبحت نجمته، نجمة الباشا أكثر أهمية من نجوم الشرطة التي كان يسعى لزيادتها على كتفه...!
-سليم أنت لسه معايا؟
قطع أفكاره صوتها الهادئ الذي يحمل في طياته القلق، فكسر سليم مخاوفه أخيرًا وأطلق سراح الحروف من بين شفتاه في حزم:
-نجمة أنا بحبك، بحبك وحبك سيطر عليا خلاص، اتجوزيني يا نجمة؟!

لحظات من السكون التام وكأن تلك النبضات العالية الصاخبة صْمت أذناها عن كل شيء حولها إلا من تلك الكلمات، تلك الكلمات التي لم تتوقع أن تثور لها انفاسها في حرارة أنستها أنها في الشتاء القارص.
ولكن أتاها صوته المتلاعب المخلوط بتوتر يحاول اخفاءه في مكر وهو يتابع:
-السكوت علامة الرضا؟
ضحكت نجمه في رقة وقد أكدت بتلك الضحكة ما يسعى له قلبه جاهدًا، وسمعها تغرد في ميوعتها المعتادة:.

-رغم ان الصيغة آمر أكتر منها طلب، بس أنا موافقة.
تأهب كل إنش بجسد سليم وهو يشعر أنه أخيرًا وبعد مُعاناة أقترب، أقترب كثيرًا من خط البداية للسعادة الأبدية، الخط الذي كان كلما أقترب منه حتى شعر به يبتعد وكأنه كان يسعى خلف سراب.
تمالك سليم سعادته ثم استطرد بصوت هادئ يلقي بأخر مخاوفه من طيات روحه:
-بس أنا مش عايزك توافقي كرد جميل يا نجمة،.

صدقيني والله العظيم لو مش بتحبيني وسمعتها منك دلوقتي أنا هقفل ومش هتشوفي وشي أو أضايقك تاني.
حينها هتفت دون سلطة على لسانها الذي انطلق يتابع بكل تلقائية واندفاع:
-لأ طبعًا، أنت عايز تخلع ولا إيه!
عضت على شفتاها في خجل حين وصلها صوت ضحكته لتدرك ما تفوه به لسانها، فأستطرد سليم في نبرة مرحة تتجلى في صوته:
-أبوكي عندك؟
-اه، اشمعنى؟
-لا أبدًا، خمس دقايق وقومي أفتحيلي الباب يا عروسة، أنا طالع.

تداخلت خلايا عقل نجمه وهي تحاول استيعاب ما يقول، لتغمغم ببلاهة:
-باب إيه؟!
اتسعت ابتسامة سليم وهو يلحظ توترها قائلًا في مشاكسة:
-باب بيتكم، أنا قدام الباب يلا مش هفضل مستني كتير ولا عايزاني أجبلك شبهه!
انتفضت نجمة في هلع تلتفت حول غرفتها دون سبب مقنع هامسة في ذهول:
-نعم! أنت قدام بيتنا بجد؟
سليم أنت بتهزر صح؟!
-إيه ده وأنا ههزر معاكي ليه؟

هو عشان قربنا من بعض كام شهر واتبهدلت وانا بجري وراكي عشر شهور، هنبقى صحاب خلاص؟!
صدح صوت جرس الباب فرمت نجمه الهاتف وهي تنهض كالملسوعة تضحك وتركض حول نفسها بحثًا عن ملابسها دون أي فكرة عن ما سيبرر به سليم حضوره.
بينما في الخارج رن سليم الباب من جديد حتى فتح له والد نجمه الباب، ظهرت الدهشة على وجهه بمجرد أن رآه ولكنه سرعان ما أبدلها بابتسامة مرحبة:
-اهلا يا سليم باشا اتفضل اتفضل.

دخل سليم في خطوات ثابته مهذبة، سائلًا إياه بمودة:
-ازي حضرتك يا أستاذ شاهين عامل إيه؟
-الحمدلله بخير، أنت عامل إيه؟
-كويس الحمدلله.

ظهرت نجمة في تلك اللحظة وعيناها تلقائيًا قابلت عينـا سليم الذي حدق فيها في شغف لثواني قبل أن يغض بصره أمام والدها، فقابلت هي انظار والدها الذي حدجها بنظرة موبخه يستنكر خروجها، فدخلت نجمة إلى غرفتها بعد أن لاحظت نظراته الحادة لكن قلبها المجنون أراد رؤية سليم والتأكد من وجوده فعليًا.
أما في الخارج ظهرت والدة نجمه التي رسمت ابتسامة مرحبة في هدوء وهي تلقي التحية على سليم:
-السلام عليكم ازي حضرتك.

-انا بخير الحمدلله، انتم بخير؟
-الحمدلله.
أتبعها سليم يفتح أي موضوع:
-في مشاكل حصلت تاني؟ الواد إياه ظهر تاني؟
فهزت الاخرى رأسها بامتنان:
-لا الحمدلله يابني تسلم ربنا يحميك لشبابك.
ساد الصمت لثواني قبل أن يتنحنح سليم مقررًا الدخول في الموضوع مباشرةً، فخرج صوته خشن ثابتًا:
-طبعًا حضرتك مستغرب أنا هنا ليه، فـ أنا هدخل في الموضوع على طول.
اومأ شاهين برأسه في هدوء:
-اتفضل يابني خير ان شاء الله.

تنهد سليم بعمق قبل أن يزيح صخرة التردد عن كاهله ويتشدق قائلًا:
-أنا طالب إيد نجمه بنت حضرتك على سنة الله ورسوله،
وجيت الأول اشوف رأي حضرتك عشان بأذن الله لو في نصيب أجيب أهلي ونيجي لكم زيارة.
صمت شاهين لدقائق يوزن الموضوع بعقله وقد فاجئه فعليًا، ثم انتبه سليم لصوت شاهين وهو يخبره برزانة وهدوء:
-أنت حد محترم وشهم يا سليم وطبعًا أنا مش ناسي وقفتك معايا أبدًا،.

لكن طبعًا هشوف رأي نجمه الاول واللي فيه الخير يقدمه ربنا.
حرك سليم رأسه بابتسامة واسعة وقد تهللت أساريره متأكدًا من موافقة نجمة، وأخيرًا، وأخيرًا سينال حقه في نجمته:
-طبعًا ده حقها ان شاء الله خير،
هستنى رد من حضرتك ولو موافقة نحدد الميعاد اللي نيجي فيه أنا وأهلي.

حرك شاهين رأسه في ابتسامة هادئة، بينما في الداخل كانت نجمه تستمع لكل حرف بقلب يقرع الطبول، حتى رأت والدتها تنهض متوجهه نحو المطبخ كي تقدم له مشروب فابتعدت تختفي داخل غرفتها سريعًا.
بعد قليل وبعد مغادرة سليم...
تقدمت نجمة من والدها ووالدتها بأقدام كالهلام تهتز لأنها تدرك جيدًا ما سيقوله والدها الذي ناداها منذ قليل، جلست جوارهم، ليتنحنح والدها قائلًا في صوت هادئ:.

-سليم كان هنا من شوية زي ما انتي عارفه.
هزت رأسها فأكمل والدها وعيناه مُسلطتان عليها يستشف رد فعلها:
-طلب إيدك مني وأنا قولتله هنفكر، إيه رأيك يا نجمه؟
فركت نجمه أصابعها بتوتر وقد بدأ ذلك الاحمرار الخجول يغزو وجنتاها، ليخرج صوتها مبحوحًا في خجل:
-هو شخص كويس، ومحترم وعمل معانا موقف رجولة...
قاطعها والدها في حزم أبوي:
-لأ، يبقى انسي خالص طالما فكرتي في موقف الجدعنة اللي عمله معايا يبقى هرفضه،.

لأن ده مش دين عليكي هتردي لي يا نجمه.
حركت نجمه يدها أمامها نافية اقواله، هاتفة:
-لا لا أنا موافقة بجد مش رد جمايل.
ارتفع حاجبي والدها بشك متسائلًا:
-هو أيه الحكاية بالظبط، هو في حاجة بينكم أنا مش عارفها؟
-بينا لا طبعا يا بابا، أنت بتقول أيه!
ردت نجمة المرتبكة سريعًا وهي تنظر لوالدتها تطلب المساعدة فتدخلت الأخيرة لإنقاذها:
-يعني انتي موافقة؟
أطرقت نجمه رأسها أرضًا ومن ثم تمتمت:.

-اللي بابا يشوفه طبعًا.
اتسعت ابتسامة والدها المغموسة بالحنان باعدًا ظنونه التي تراوده، سعيد باقتراب الفرحة الكبرى لابنته غير منتبه لعيون طفلته الغارقة في نشوة السعادة.

يوم عقد القران...
جلس سليم بين أسرته وأسرة نجمة الصغيرة يتابع في لهفة نجمة المنغمسة مع شقيقته واصدقاءها في التقاط الصور، حرك رأسه في يأس من صلاح حال جنونهم بالتصوير، التفت لنبيل الجالس بينه وبين خالته مربتًا على فخده متسائلًا في خبث:
-عامل أيه يا نبيل دلوقتي، أمك راضية عنك ولا لسه؟
أنهى جملته وهو يرمق خالته المبتسمة في فخر قبل أن يسرق انتباهه نبيل المغتاظ بقوله:
-الحمدلله، بحاول اراضيها!

-جدع انبيل، جدع يا حبيبي!
اخبره سليم وهو يخبط على كتفه بشيء من القوة قبل أن يغمز خالته المرسلة له قبله هوائية سعيدة بانصلاح حال ابنها المتذمر.
تابع سليم والد نجمة وهو يسحب خلفه كبار السن من العائلة متجهين للجلوس بعيدًا عن شغب الشباب واتسعت ابتسامته في مشاكسة وهو يلكز ابن خالته قائلًا:
-ايه يا نبيل قاعد ليه، ورا أمك!
-أنت مش سامع بيقولوا...
-يا نبيل ورا أمك مش عايزين نخسر بعض!

أخبره سليم بابتسامه محذرة مخلوطة بالمشاغبة فزفر نبيل قبل أن يستقيم متجهًا نحو هؤلاء الجالسين في الشرفة الخارجية.
التفت سليم في لهفة نحو مجموعة الفتيات مقررًا التدخل لسرقة زوجته:
-بعد اذنكم سيبونا لوحدنا عشر دقايق قبل ما أمشي.

عدل سترته يحافظ على هيبة مظهره يحاول قتل أي رفض قد ينبع منهن بعيونه الحادة، نظرن الفتيات لبعضهن ورغم اعتراض نجمة إلا أن الجميع هرب عدا شقيقته المزعجة التي تصر على تصوير نجمة واتباع ارشادات زوجته المصون الصائحة:
-صوريني بالبوزيشن ده يا توتا بس استني أعدل شعري.
حينها جذبها سليم من ذراعها ليغمغم بنبرة ماكرة بينما يرمق نجمة بنظراته الحارقة:.

-لا كفاية عليكي كده انتي تعبتي يا قلب اخوكي اطلعي انتي وانا هظبطها حتة بوزيشن هتحلف بيه العمر كله.
ابتلعت نجمة ريقها في توتر وقد وصلتها تلك الحرارة المنبعثة من حروفه، فيما صاحت توتا بخبث شبيه لأخيها وهو يدفعها نحو الخارج:
-استنى بس ياعم، طب هساعدك طيب.
صاح سليم في صفاقة متعمدًا دفعها للخارج:
-شكرًا لامك.

أغلق الباب من خلفها وهو يتنهد بارتياح فيما يستمعان كلاهما لضحكاتها على نفاذ صبر شقيقها، ثم التفت نحو نجمة التي كانت تغمغم في تذمر طفولي:
-كنت سيبتها تصورني البوزيشن ده بس يا سليم!
كانت نظراته مثبتة عليها، تحكي لها عن شوق لاهب جعل قلبه بين ضلوعه يغلي يناشد حقه في شفتاها الثرثارة التي لطالما تمنى إسكاتها بأكثر الطرق، وقاحة!
بدأ يقترب من نجمة التي أخذت في التراجع للخلف وهي تهمس بحروف منزوعة الثبات:.

-إيه؟!
لعق سليم شفتيه ثم غمزها بعينه وهو يشير بأصابعه قائلًا والشقاوة تقفز من أم عينيه:
-ده أنا هصورك حتة بوزيشن إنما إيه، ليڤل الوحش!
بلغ توترها أقصاه فوضعت يدها أمامها حتى لا يلتصق بها بعد أن يئست من إيقاف تقدمه نحوها، ثم تمتمت في بلاهه وتلقائية جعلت الابتسامة تزحف لشفتا سليم:
-بوزيشن! يعني إيه بوزيشن؟
أنا عايزه ماما، ماما وحشتني أوي يا سليم.

حينها وبحركة مباغتة جذبها سليم بعنف لتصطدم به مستشعرًا نعومة جسدها ضد صلابة جسده الذي كان كالجمر فجعلها ترتعش في عنف ما إن مسته، سار بها خطوتان ليتقابلا مع الحائط خلفها حينها أدركت أن لا مفر لها منه ومن اللهيب في مقلتيه.
اقترب بوجهه من وجهها حتى لفحتها أنفاسه الساخنة التي أخبرتها عن حريق الانتظار الذي اندلع بصدره ولن يطفئه سواها، قبل أن يهمس بصوت خشن من فرط العاطفة:
-وأنتي وحشتيني أوي يا نجمة.

سألته نجمة في نبرة مرتابة مذعورة والخجل يكتنفها:
-سليم أعقل ممكن حد يدخل علينا؟
ولكنه لم يجيب بل أقترب أكثر ورفع يداه ليثبت وجهها الهارب أمام وجهه ودون أن ينتظر لحظة أخرى كانت شفتاه تغطي ثغرها المرتجف في قبلة ملتهبة مفعمة بالمشاعر ينهل من رحيقها وبتلاتها الحمراء ما يرضي به ذاك البدائي المجنون داخله الذي يُطالب بالمزيد..

لم تكن مجرد قبلة بل كانت لقاء حار، لقاء قلبه العطشان بقلبها المتلهف بعد طريق طويل في صحراء جرداء وصل في نهايته إلى جنة العشاق..
ظن أنه سيُسكت جنون مشاعره ولكن تلك القبلة لم تكن سوى فتات يكتشف بها انه لن يشبع شوقه لها ابدًا...
ابتعد سليم سامحًا لكلاهما بألتقاط الهواء ونظر إلى نجمة المحمرة الوجه كقطة مُبللة غرقها طوفان عاطفته الأهوج دون مقدمات.

أحاط سليم جانب وجهها في حنو متحسسًا وجنتها الحمراء الناعمة وهو يتابع في مكر صبياني يزين وجهه:
-بس إيه رأيك في البوزيشن بتاعي؟
أحلى بوزيشن ده ولا إيه ابقي فكريني نعمل في بيتنا كل يوم بوزيشن على الماشي كده.
ضربته نجمة على صدره والخجل يستوطن وجهها، لا تصدق قنبلة الوقاحة التي انفجرت من ذلك الوقح الذي تعشقه...
لكنها لن تنكر حماستها الكبيرة في تذوق طعم الحياة معه وداخل جدران منزله...!

داخل جدران منزله...
طلقني حالًا يا سليم!
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم على الصبح، ادخلي يا نجمة واصطبحي وقولي يا صبح!
زمجر سليم بنفاذ صبر أمام باب منزل الزوجية الذي عاصر عام كامل من غرامهم الفريد الذي لا يخلوا من الجنون المتواصل رغم العشق الدفين بينهما، استدار يعدل سلاحه داخل بذلته يستعد للمغادرة، فأوقفته نجمة الغاضبة من جديد قائلة بتحدي:
-طيب انزل يا سليم وان شاء الله هترجع مش هتلاقيني.

عاد سليم نحوها في خطوات غاضبة بسبب جنونها، ووصلها صوته الهادر في أعقاب ركوضها للداخل:
-طيب اعمليها وخلي رجلك تخطي من الباب وانا وديني لأحبسك!
-أيوة طلع الجبروت اللي جواك طلع!
أغلق باب المنزل محاولًا السيطرة على الفضائح وكبح أصواتهم الحالية قبل أن يتشدق قائلًا بذهول من جنونها:
-أنتي مجنونة يا بنتي، هو يا تفتشي في تلفوني يا ابقى جبروت!

وضعت نجمة يدها فوق خصرها وهي تقف امام باب غرفة النوم تحتمي بها متأهبة للهرب واغلاقها في وجهه أي لحظة ان أقترب، متهمة إياه في نبرة درامية:
-ما أنت لو مش بتخوني يا سليم كنت سيبتني أفتش لكن انت خاين وداير على حل شعرك وفاكرني هبلة مش هنخور وراك.
-بقولك أيه متتجنيش عليا، مبقاش أنا موقف الدنيا على رجل وتيجي أنتي عايزة تثبتيني وتستلمي مني الحضور!

أخبرها سليم في انزعاج وغضب واضح أثناء فركه شعر ذقنه النابت، لكنها انهمرت في بكاء مفاجئ مؤكدة:
-أنا عايزة اتطلق حالًا، أنا يستحيل أعيش مع واحد خاين.
أقترب خطوة حازمة لكنه توقف في مكانه وقد استنتج خططتها بالهروب ان اقترب مقررًا إكمال الحوار معها للنهاية، مردفًا من بين اسنانه:
-أنتي على أي أساس بتتهميني بالخيانة، شوفتي أيه مني يشكك فيا؟!
-غيرت الباسورد ومش عايز تدهولي ولا لا؟!

اندفعت صارخه في اتهاماتها مقتربة منه دون شعور فعقد سليم ذراعيه امامه يخبرها في نبرة مستهجنة:
-حصل، خلاص هاتي باسورد تلفونك وهديكي الباسورد بتاعي؟
رفضت نجمة في حدة وشموخ صارخ بينما تعكس حركة ذراعيه أمام صدرها معترفة:
-لا طبعًا، أنا عندي صحابي البنات بيبعتولي صورهم وبيبقى كلامنا براحتنا طول الوقت!
ضحك سليم ضحكة متهكمة لا تمت للمرح بصلة قبل أن يرد في مكر:.

-قصدك بتشتموا فيا أنا وجوازهم براحتكم مش كده؟
-وأفرض يا سيدي، أيه يعني؟
ولا أنت عايز تضايقني وأسكت لحد ما انجلط، عايزني أموت!
أخبرته ببراءة وتلقائية تامة وهي تحرك كتفيها في ارتباك واضح واستعلاء:
-لا ودي تيجي اشتمي عليا براحتك يا نجمة،
لكن مش كل يوم والتاني تفتحي تلفوني وتطلعي بمشكلة من مفيش تنكدي علينا حياتنا بيها وعايزاني أسكت!

صرح سليم في تهكم وسخرية مرسلًا لها ابتسامته الصفراء المزعجة، فهتفت في نبرة مستنكرة:
-أنا بعمل مشكلة من مفيش ولا أنت اللي عينك زايغه ورايح جاي تكلم الستات!
-لا إله إلا الله، قوليلي كنت بكلم ستات مين؟
تساءل سليم في نفاذ صبر والغضب بدأ يتأجج داخله منها، ولكنه تنهد منتظرًا رغم تأخره عن عمله منتظر اجابتها الجهنمية، فأجابته في كل ثقة أذهلته:.

-الست المايعة اللي كانت بتبعتلك رسايل من اسبوع وقال أيه بتسأل عن جوزها!
-بالظبط، انتي اللي قولتي اهوه، بتسأل، على، جوزها، يا مهزأة،
عشان صاحبي في مهمة والشبكة عنده منعدمة ومش بتعرف توصله غير من خلالي والست بتبقى هتتجنن على أي أخبار منه!
اهتزت شفتي نجمة في عناد قبل أن تخبره من بين عبراتها المنسابة فوق وجنتيها:
-أنا مش بحب أي ست تكلمك، قولها تسأل حد غيرك.

زفر سليم مستغفرًا الله في صوت عالي قبل أن يقترب منها مستقرًا امامها مؤكدًا في نبرة خافتة صادقة محاولًا الوصول لمشاعرها المزروعة داخلها تجاهه بعيدًا عن شبح الجنون الذي تلبسها:
-لو ستات الدنيا كلموني أنا عمري ما هخونك يا نجمة،
محدش يقدر يطول مكانتك في سما قلبي ابدًا.
تركته يحتضنها إلى صدره مستنده بجانب وجهها فوق قلبه النابض بعشقها قبل أن تهمس اعترافها في حزن وغيظ دفين:.

-أنا بغير عليك غصب عني، أنت كل ما واحده تشوفك تبقى هتموت عليك!
-ايوة يا حبيبتي أنا لا اقاوم للأسف!
مازحها سليم في نبرته المشاكسة محاولًا تخفيف بكاءها، لكنها أبعدت رأسها عنه في حدة توبخه من بين اسنانها:
-سليم متهرجش!
-بهزر معاكي متبقيش رخمة،
اقولك وادي يا ستي تلفوني وادي الباسورد مبسوطة كده؟

اتسعت ابتسامتها في حماس بينما تمسح بقايا دموعها الشبيهة بدموع التماسيح، تراقب كالصقر أصابعه المتراقصة على شاشة الهاتف متلهفة لمعرفته، كبح سليم ضحكته متابعًا في صمت ابتسامة النصر الطفولية المرتسمة على وجهها قبل أن يمد يده بالهاتف نحوها قائلًا:
-اتجسسي بسرعة عشان اتأخرت على الشغل ولازم انزل.
رفعت نجمة جسدها تطبع قبله طويلة ممتنة فوق ثغره مباشرة أثناء احتضانها للهاتف مؤكدة:
-أنا بحبك أوي يا سليم!

-وأنا بحبك يا نجمة سليم!
تناست الهاتف وعادت تحاوط خصره بقوة مستمتعة بقوة عناقه لها وبهمساته العاشقة لكنها ابتعدت بعد دقائق كي لا تأخره أكثر، ثم مدت يدها بالهاتف نحوه قائلة في تعالي يشوبه بعض الخجل:
-وعشان أثبتلك أني بثق فيك، مش هفتش في التلفون.
خرجت منه ضحكة صغيرة وهو يستلم منها الهاتف مغمغمًا في صوت غير واضح:
-ايوة التفتيش وأنا نايم، صحيح اللي في عادة مش هيبطلها.
-بتقول حاجة يا سليم؟

قالت في سماجة مستمتعة بجو التجاذب المرح بينهما أثناء اتباعها لخطواته نحو الخارج فاردف سليم مع ابتسامه مشاكسة متعمد إخجالها:
-بقولك متناميش انهارده، أنا مروحلك بدري يا ملعلع أنت!
دفعته للخارج بوجه احمر من الخجل وهي تضحك رغمًا عنها على شقاوة زوجها الحبيب، مغلقة الباب في وجهة وقلبها يدق في سعادة وترقب لوصال الحبيب القريب...!
تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 2 < 1 2 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 2072 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1523 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1549 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1396 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2613 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، نجمة ، الباشا ،











الساعة الآن 06:19 PM