هل تتفق معي أنه من المستحيل أن تسير في نفس الوقت في أكثر من طريق؟طبعاً، لا بد أن نتفق على هذا؛ لأنه لا يستطيع أي مخلوق أن يتواجد في مكانين مختلفين في نفس الوقت.ماذا أقصد بهذا الكلام وما علاقته بموضوع اليوم؟أقصد به أن التشتت لا يؤدي إلا إلى الثبات في نفس المكان وعدم القدرة على التحرك، وعلاقته بموضوع اليوم أننا نتحدث عن أهمية التخصص، والتركيز يعتبر لُب التخصص.لذلك تابع معي... في هذا المقال ستعرف:
- ما هو التخصص؟
- لماذا التخصص؟ لمَ لا أتوسَّع؟
- ما أهمية التخصص؟ (مميزات التخصص)
- ما علاقة التخصص بالعمل أون لاين؟
- كيف أحترف تخصصي وأبني خبرة كبيرة وبسرعة؟
- ضروريات لإزالة عقبات احتراف التخصص.
- أمثلة رائعة على التخصص.
- سؤال: هل يمكن أن أتخصص في أكثر من شيء؟
ما هو التخصص؟
تعريف التخصص قد يختلف من كتاب لآخر، أو من شخص لآخر، لكن الكل يتفق على شيء واحد عن التخصص.وهو أن التخصص أن تمسك بزمام شيء واحد صغير قدر الإمكان.فمثلاً التسويق ليس تخصصاً بالقدر الكافي، لكن التسويق للشركات في مجال معين يعتبر تخصص دقيق (كالتسويق العقاري مثلاً).
لماذا التخصص؟ لمَ لا أتوسَّع؟
قوة التخصص تكمن في إعطائك قدراً هائلاً من الإبداع والتفكير خارج الصندوق.انظر للشركات الكبيرة جداً اليوم، كيف يحقق أصحابها الملايين والمليارات.مثلاً شركة Apple ذات الصيت العالمي والبراند القوي، هل كانت ستحقق ذلك النجاح الباهر لولا التخصص (بعد فضل الله طبعاً)؟بالطبع لا. نعم في البداية كانت الشركة تعمل على إنتاج عدد محدود جداً من المنتجات - في نطاق التخصص أيضاً -، والآن ينتجون الكثير من المنتجات - ليست بعيدة كثيرة عن تخصصهم-.
لِمَ لا أتوسع؟قد تظن أن العمل في مجال البرمجة مثلاً واحترافه بكل فروعه ومجالاته سيجعلك غنياً ومطلوباً.لكن الحقيقة أن مَن يصل للغنى والتميز وصل لذلك عن طريق التخصص في شيء واحد فقط.مثلاً إذا كنت تبرمج المواقع، فلِمَ لا تتخصص ببرمجة المتاجر الإلكترونية فقط؟حقيقة ستحقق الملايين، وسيكون لك اسماً لامعاً في مجال برمجة المتاجر الإلكترونية.ومن الأسباب التي تدعوا إلى التخصص (خصوصاً في هذا العصر):
- من الصعب أن تتقن أكثر من شيء بنفس دقة إتقان شيء واحد فقط.
- غير المتخصصين يعتبرون إضافة ضئيلة القيمة مقارنة بالمتخصصين.
- التطور والنمو السريعين لكل فرع من فروع المجال الواحد، مما جعل كل فرعٍ مجالاً مستقلاً.
- عدم القدرة على اكتشاف الأخطاء الناتجة عن عمل غير المتخصصين.
ما أهمية التخصص؟ (مميزات التخصص)
أعظم ميزة للتخصص هي كِبَر حجم النتائج الإيجابية الدقيقة.أي أن الأعمال التي كنت تقوم بها كلها سابقاً وأغلبها خارج نطاق تخصصك، لو أوكلتها إلى متخصصين سترى نتائج أضعاف أضعاف النتائج التي كنت تراها بالعمل وحدك وفي وقت أقل أيضاً.لكن هذه الميزة (مضاعفة النتائج وتقليل الوقت) لا تجعلنا نتغافل عن مميزات أخرى تجعلنا ندرك أهمية التخصص، والتي منها:
- سهولة إتقان الشيء الواحد، مما يجعلك خبيراً فيه في فترة قصيرة جداً.
- توفير الوقت الكافي للاستمتاع بالحياة وتنفيذ أمور أخرى في الحياة غير العمل.
- الحفاظ على طاقتك وتركيزك، لأن الإنسان في الحقيقة عبارة عن طاقة.
- كما ذكرنا: زيارة الإنتاجية بمجهود أقل ووقت أقل أيضاً.
- سيكون من السهل أن تصل لحلول مبتكرة في تخصصك، لأنك مُلِمٌ بكل تفاصيله بشكل كبير.
- التخصص هو الطريق الوحيد والأسهل والأفضل للوصول إلى الاحترافية.
- سهولة التسويق الشخصي لنفسك ومهاراتك وعملك.
- المتخصصون في الحقيقة هم الذين ينفعون الأمم ويبنون الحضارات وينجزون في الحياة.
ما علاقة التخصص بالعمل أون لاين؟
مجالات العمل الحر أو العمل عبر الإنترنت كثيرة جداً، ومَن أراد العمل في كل شيء ليحقق دخلاً أعلى فهو ليس مخطئاً فقط، بل سيكون كالذي ينحت في الماء دون جدوى.فمثلاً إذا كان لديك موقع أو مدونة تبيع شيئاً من خلالها، فلكي تحقق دخلاً عالياً لن تحتاج سوى 10.000 زائر مستهدف أو أقل من ذلك بكثير.كذلك إن كنت تستخدم الإعلانات المدفوعة في التسويق، فمن الخطأ أن تحاول احتراف كل مواقع ومنصات الإعلانات الموجودة على الإنترنت.بل ستكتشف بنفسك روعة التخصص عندما تعمل على منصة واحدة أو اثنتين على الأكثر.
كيف أحترف تخصصي وأبني خبرة كبيرة وبسرعة؟
لتحترف تخصصك ستحتاج إلى 4 أشياء:
- العلم.
- تطبيق العلم.
- التركيز.
- التطور والتحسين.
الجانب الأول لاحتراف التخصص: العلم.
العلم شيء أساسي، ولا أتكلم هنا عن العلم الأكاديمي ذو النظريات والتعريفات.بل أقصد الكورسات والكتب العمليّة التطبيقية التي تشرح التخصص بخطوات عملية مرتبة ومنظمة.فمثلاً إذا كنت ستتخصص في أحد فروع البرمجة، فأن تشاهد كورس تطبيقي لمشروع حقيقي يتم تنفيذه أمام عينيك خطوة بخطوة من البداية إلى النهاية أفضل مليون مرة من قراءة كتاب غير تطبيقي عن ذلك التخصص.ولا أقلل هنا من قيمة الكتب، بل ستحتاجها فيما بعد وستحتاج أيضاً أن تقرأ باستمرار في تخصصك. وباختصار ستحتاج في أي تخصص إلى ثلاثة كورسات (أو كتب) على الأقل بالنسبة لجانب "العلم":
- كورس أو كتاب يحتوي على الأساسيات في هذا التخصص (ويفضل أن لا يكون محتواه طويلاً أو مكثفاً).
- كورس أو كتاب به تفاصيل كثيرة يأخذك من مستوى المبتديء إلى المستوى المتوسط (هذا النوع من الكورسات يفترض أن تكون بعده قادراً على البحث والسعي وحدك وبناء نفسك بنفسك في هذا التخصص).
- كورس أو كتاب محتواه متقدم جداً جداً ومعلوماته لا يفهمها إلا الذي وصل إلى مستوى المتوسط في تخصصه وقام بالبحث وقراءة عدة مقالات متقدمة ليعرف أكثر عن تخصصه (لا تحاول أن تختصر على نفسك وتصل لهذا المستوى مباشرة لأنك سوف تحبط لأن به معلومات ستشعر أنها معقدة).
ذكرت لك في كل واحدة "كورس أو كتاب"، لكن ليس شرطاً أن تأخذ العلم عن طريق الكورسات أو الكتب.فقط ابحث في جوجل "كيف اتعلم كذا.." وستجد آلاف المصادر.وكثرة المصادر سأتحدث عنها في الجانب الثالث لاحتراف التخصص.
الجانب الثاني لاحتراف التخصص: تطبيق العلم.
من العجيب أن ترى شخصاً يحفظ علماً ما عن ظهر قلبه، ولكنه ليس لديه إنجازات في ذلك العلم ولا يستطيع إنجاز شيء فيه.يشعر البعض بوجود حاجز نفسي يمنعهم من التطبيق، لكن كلها تبقى مجرد هواجس وأوهام حتى تبدأ في التطبيق وتدرك بنفسك أن الأمر سهل ولا يحتاج لكل هذا الخوف.لذلك عليك أن تطبق أولاً بأول دون تكاسل أو تراخي أو خوف.
الجانب الثالث لاحتراف التخصص: التركيز.
كما ذكرت في نقطة "التطبيق" أنه يوجد أشخاص يحفظون العلم ولا يطبقونه، وهذا يرجع لعدة أسباب، والتي منها التشتت.التشتت من أقوى أسبابه "كثرة مصادر التعلم".لكن هل كثرة مصادر التعلم هي المشكلة الحقيقية أم هناك مشكلة أخرى؟في الحقيقة توجد مشكلة أخرى كبيرة جداً ولا تؤدي فقط إلى التشتت، بل تؤدي إلى الفشل في الحياة بشكل كامل.هذه المشكلة هي "البحث عن الأَجْوَد" أو "البحث عن الكمال".ستبحث عن مصدر واحد فقط به كل ما تحتاجه لتحترف تخصصك، لكن للأسف لن تجد.حتى أغلى الكورسات والكتب دائماً تكون ناقصة، وهذا لا يعيبها لأنها عمل بشري لا يمكن أن يصل إلى الكمال.لذلك إذا ظللت تبحث عن أفضل وأكمَل وأشمل مصدر للتعلم فستظل مكانك ولن تتحرك.فقط ابحث واسأل "كيف أتعلم كذا" وستجد في تخصصك عدد محدود من الأشخاص المحترفين ذوي الخبرة.كل ما عليك بعد ذلك أن تتابع واحداً فقط منهم يكون لك مَيْل وإعجاب بأسلوبه في التعليم والشرح والتطبيق.هذا كل ما تحتاجه بالفعل.
الجانب الرابع لاحتراف التخصص: التطور والتحسين.
بعد أن تتعلم وتطبق شيئاً فشيئاً ستبدأ في تنفيذ المشاريع والمهام الكثيرة وسيمر عليك على الأقل عام أو عامين.بعد تلك المدة إذا كنت فعلاً لم تفعل شيئاً فيها سوى العمل على إتقان ذلك التخصص، فستكون مؤهلاً لقيادة فريق.وصدقني حتى إذا كنت بارعاً في الإدارة والقيادة لكنك لا تتعلم وتطور نفسك في تخصصك فستفشل أنت وفريقك.لذلك ستحتاج دائماً للتعلم "العلم أحد أسرار السعادة والغنى"، والاطلاع على مستجدات تخصصك.هذا ما يفعله أي شخص محترف تراه يترقى دائماً في عمله حتى يصل لأعلى المناصب أو أعلى التخصص.طيب ماذا أفعل بالضبط لأتطور وأتحسن؟ ستقوم بالآتي:
- ستجد في مجالك عدداً من المصادر الموثوقة بها كل ما يخص المجال من قديم أو جديد، عليك متابعتها (ليس كلها طبعاً، بل تابع بقدر استطاعتك فقط).
- ستجد دائماً محترفوا التخصص يطلقون كورسات متقدمة جداً، إذا رأيت أن بها جديد سينفعك فاشتريها وتعلمها (ولا تنسى التطبيق).
- البحث والسؤال باستمرار، فمهارة البحث سحتاجها كل واحد منا بشدة في هذا العصر.
ضروريات لإزالة عقبات احتراف التخصص
طبعاً التخصص يُسهِّل علينا أمر الصبر وطول مدة الوصول للأهداف. لكن في الحقيقة ما نزال نحتاج للصبر والاجتهاد في تخصصاتنا. المجالات بفروعها تتطور سريعاً في هذا الزمان، وإن تكاسلت اليوم فلن تجد لك مكان غداً. لذلك عليك أن تتحلى دائماً بـ:
- الصبر.
- الاجتهاد.
- النشاط.
- حب العمل.
- الطموح المرتبط بالمنطق والواقع.
- تكرار المحاولة وعدم التوقف عنها.
- نظم وقتك ومهامك وحياتك.
- خطط لمستقبلك وعملك وحياتك كلها بقدر ما تستطيع.
ملاحظة: في طريقك للتخصص ستجد نفسك تحتاج لتعلم بعض الأشياء الهامة والضرورية لتخصصك. فإن كنت كاتباً مثلاً فستحتاج إلى تعلم برنامج الوورد أو التعامل مع برامج أخرى، لكن تبقى الفكرة واحدة. وهذا بالطبع لا يضر بالتخصص ولا يجعلك خارجه. أمثلة رائعة على التخصص.
سأكتفي فقط هنا بذكر مثالين فقط.
المثال الأول: سيدنا عمر ابن الخطاب.
طبعاً لا أتكلم هنا على هذا الإنسان كصحابي، بل كإنسان متخصص جداً ووصل بتخصصه إلى أعلى المراتب في الدنيا.عمر ابن الخطاب سياسي محنك، وكان يجلس دائماً مع كبار القوم ويتحدث معهم في شؤون البلاد والمصالح العامة (يعني كلام سياسة).هذا كان قبل الإسلام وكذلك بعد الإسلام، مما جعله مؤهلاً لتولي الخلافة بعد أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -.هل تظن أن وصول عمر للخلافة أمر عادي؟ هل تظن أنه وصل للخلافة لأنه صحابي جليل فقط أو لقوته؟بالطبع لا، بل لأنه مؤهل علمياً وعقلياً لهذا المنصب الذي يحتاج خبرة سياسة كبيرة وليست قوة جسدية.
المثال الثاني: سيدنا خالد ابن الوليد.
خالد ابن الوليد كان متخصصاً بفن الحرب والقتال، وهذا أيضاً كان قبل وبعد الإسلام.تخصصه هذا جعله يقاتل جيشاً يفوق عدد جيشه أضعافاً دون أن يهزم.إتقانه لتخصصه جعله القائد الذي لم يهزم في معركة أبداً.وتوجد أمثلة أخرى كثيرة لمتخصصين متقنين جداً ووصلوا لمراتب عليا، لكن اكتفيت بهذين المثالين فقط لأوضح لك أن التخصص بالفعل قوة ويقود صاحبه إلى أعلى المراتب.
سؤال: هل يمكن أن أتخصص في أكثر من شيء؟
إذا كنت تحتاج لأكثر من تخصص، فلا مشكلة في ذلك ولكن بشرط أن تتخصص في المجالات التي تريدها بالتوازي وليس بالتوالي.يعني تخصص مجال واحد فقط وبعد أن تتقنه انتقل إلى المجال الثاني وهكذا.وبالطبع هذا صعب لأن التخصص الواحد يحتاج إلى سنوات لإتقانه.لذلك تحدثت معك من بداية المقال عن التخصص في شيء واحد فقط وهو الأفضل وأظن أنك لن تحتاج للتخصص في أكثر من شيء إلا في حالات خاصة.
وفي الختام أود أن أسألك سؤالين فقط:
هل أدركت بالفعل أهمية التخصص ومدى احتياجك واحتياج الأمة للمتخصصين؟ ما هو تخصصك الذي قد أستطيع أن أساعدك في إتقانه واحترافه؟ أتمنى أن تجيبني في التعليقات وأتشرف بالرد عليك
.