logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





31-05-2021 04:11 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 31-05-2021
رقم العضوية : 5
المشاركات : 540
الجنس :
قوة السمعة : 16


%25D8%25AD%25D8%25A8%2B%25D8%25AE%25D8%25A7%25D8%25B7%25D8%25A6

- يُجب على الإنسان تقبّل حياته كما هي بهدوء لا داعي لصنع ضجة وجلبة دون فائدة -.

التقط الرجل المدِّية التي تتوهج بذلك اللون البرتقالي بسبب وضعها فوق النيران المستعرة لوقتٍ طويل من فوق الصينيّة، ومن دون مقدمات وضعها فوق صدر عمّار النازف.. <a name=\'more\'></a>

جأر بصوتٍ مُرتفع مُتألم وهو يقبض على الملائة بقبضته بخشونة حتى إبيضت، وجميع جسده متصلب من الألم الذي يفتك به وعروقة نافرة يتفصد عرقًا بغزارة من جميع جسده ضاغطًا على أسنانه من الداخل بقوة جعل صوت صقيق أسنانه يصل إلى آدم الذي بهت وجه من الذُهول وهو يراقبه مُستنكرًا ما يراهُ! لِمَ يُعذب نفسه بتلك الطريقة لِمَ؟

تخدر جسده وصدره يعلو ويهبط في عنف ووتيرة أنفاسه تنخفض بالتدريج شاعرًا بالمدِّية الحارة التي تغوص داخل صدره كي تقتلع وتخرج تلك الرصاصة..
أغمضت تالين عينيها بضعف وهي تترنح إلى الخلف بعدم اتزان، تكاد تفقد الوعي وهي تراه..

وضعت يدها على عينيها كي لا تتابع هذا ووقفت بعيدًا وحدها دون النبس بحرف وهي تراجع التفكير في مستقبلها المهني عندما تصبح طبيبة، هذا القلب الذي تملكه لا يتحمل رؤية ما يحدث كيف ستكون ناجحة إذًا؟.
زفر الرجل براحة وابتسم باقتضاب عندما أخرجها بسلام، وضعها فوق الصينية ثم التقط المحارم الناعمة وأخذ ينظف جرحة وحول صدره من الدماء كي يقوم بتقطيب الجرح بهدوء..

بدأ بإغلاق الجرح عن طريق تقريب حواف الجرح من بعضهما البعض باستخدام خيوط جراحية خاصة والوحيدة التي آتي بها مُعقمة..
إرتفع جسده قليلًاعندما شعر بذلك الوخز الذي مزقة وجعل آلامه تتضاعف أكثر مع علو صوت أنينه المكتوم، إنه شعور بشِع مؤلم كاوٍ يمزقه تمزيقًا ولا يستطيع حتى الصُراخ و التألم كـ شخصٍ عادى إنه في أوج الجحيم يشعر بأن أحدهم يضغط على صدره بـ جمرًا مُشتعلًا بقوة حتى تآكل جلده..

كور آدم قبضته بقوة ثم لكم الرجل الذي من المفترض أن نطلق عليه اسم طبيب بغضب أسقطة أرضًا وقفز خلفه وأخذ يُسدد له اللكمات دون توقف وهو يصرخ به بغضب: إنت فاكره حمار ولا ايه يا والله هوديك في داهيه لو مجبتش دكتور دلوقتي يا.
هز عمًار رأسه وهو يتألم فقط لو يستطيع أن يتحرك لكان الآن يلقنهم درسًا قاسٍ الغبيان! هو سيموت وهما يتشاجران، آدم الغبيّ سيقتله..

حرك شفتيه الشاحبة المشققة ثم قال بتقطع وهو يلتقط أنفاسه بصعوبه بالغة والألم يرتسم على تقاسيم وجهه اكثر: تـ، تاليـ، ن، كـ، كملي، انتِ..
كتمت تالين أنفاسها ونظرت له بتردد وعلامات الرفض مرتسمة على وجهها لكنها أشفقت عليه وحركت ساقيها وأخذت تتقدم منهُ ببطء..
أمسكت طرف الخيط الطبي بيدٍ مُرتجفة وهي تزدرد ريقها بشكلٍ مُتكرر من التوتر..

أدخلت طرف الخيط واناملها ترتجف، تأوه بصوت مرتفع جعلها تبتعد بخوف وتركته يتألم وحده..
دفع الرجل آدم بغضب من فوقه وأردف بحدة وهو يمحو الدماء من جانب شفيته: سبني أشوف شغلي ولو مش مستحمل تشوفه أخرج برا بلاش عطلة حالته مش مستحملة، وتركه وتقدم من عمّار وتابع تقطيب الجرح، تحت أنظار آدم القاتلة..

وتحت أنظار حُسنه التي كانت تجلس أرضًا خلف الباب وتسند جبهتها على راحة يدها بـ غمٍ وهي تحدق في عمّار بقلب مُنفطر وعِبراتها الثمينة تتساقط بغزارة شاقة طريقها على وجهها المُجعد..
فقط متى ستبتعد عنهم رائحة الموت؟ متى سيرتاح قلبها و تنطفئ نيران صدرها المشتعل بالفقدان متى؟ ألا يكفي كل مافقدت؟ ماذا يريدون بـ عمّار! فليتركوه يحيا في سلام إنه طفلها وهي ولن تتحمل أن تفقده مثل أبناؤها لن تتحمل..

انتهي وقام بوضع الضِمادة فوق صدره ثم طلب غطاء نظيف ووضعه فوقة و أوصاهم بـ صُنع كمادات باردة من أجله عِندما وجد حرارة جسده مُرتفعة وبدأ يهذي وهو يتصبب عرقًا..
مضي بعض الوقت..
اتت حُسنة بـ إناء مُلِئَ بالمياه الباردة ومنشفة صغيرة، أخذهم منها آدم سريعًا و طمئنها برفق: أنا هفضل معاه متخافيش عليه..
أما في الغرفة المجاورة..

فتح قصيّ عيناه بنعاس وهو يستقيم جالسًا، ينظر حوله باستفهام، فرك عيناه كطفل ثم استند بجذعة إلى الخلف وهو يرمش مستعيدًا أحداث الساعات السابقة باقتضاب..
قطب حاجبيه عندما سمع صوت بُكاء في الخارج، نهض واتجه إلى الخارج وهو يتثاءب بنعاس، توقف وقطب حاجبيه عندما وجد نادين تجلس على بداية الدرج تبكِ بحرقة! حدق بظهرها قليلًا بتعجب ثم تقدم وجلس بجانبها بهدوء..
سألها باستفهام وهو يقطب حاجبيه: بتعيطي ليه؟

انتفضت بخضة ثم استدارت سريعًا وقالت بحرقة وهي تنتحب: مامي اتخطفت في حد خطفها وانا مش عارفة اعمل ايه وعمّار، عمّار بيموت..
هب واقفًا وسألها بانفعال: بيموت ازاي يعني هو فين؟
أشرت على الغرفة وهي تبكِ وقبل أن تتحدث ركض إلى الداخل مع خروج حُسنه ليصطدم بها..
إعتذر سريعًا وهرول إلى الداخل بقلق ليتجمد مكانه شاعرًا بالبرودة تزحف إلى أوصاله عندما رأي عمّار مُسطحًا وآدم يجلس بجانبه يخفض حرارته بقلق..

ركض له وجلس فوق الفراش على الجانب الآخر وأخذ يتحسس جبهة عمّار بقلق وهو يسأل آدم: حصل ايه؟ ماله؟
قصّ له آدم ماحدث وهو يعتصر المنشفة بين يديه بعد إن وضعها داخل المياه الباردة ثم وضعها فوق جبهة عمّار باقتضاب وغضب ثم صرخ بـ قُصيّ فجأة: انت كُنت فين انت؟

غمغم قُصيّ بغضب ثم وقف، اتجه إلى الخزانة وأخذ منشفة وعاد محله بجانب عمّار وأخذ يجفف العرق من فوق رقبته وكتفيه وهو يقبض فوق المنشفة بقوة وجسده متصلب من الغضب مُحملقًا في آدم بلوم ثم سأله باقتضاب: وحضرتك كُنت فين انت التاني؟





لعن آدم من تحت أنفاسه بضيق وهو يبعد نظره عنه فماذا سيخبره، كان يختبئ عاجزًا عن استخدام البُندقية وهو يسخر؟!

رفع قُصيّ طرف الغطاء من فوق صدر عمّار يشاهد الجرح المضمد المخفي عن أنظارة ثم سأل آدم من جديد: هيبقي كويس؟
أومأ لهُ آدم بخفة وهو ينظر لهُ لـ يميل فجأة على صدر عمّارعندما سمع صوته و رأي تحرك شفتيه يتحدث كي يعرف ما يقول..
ابتسم ثم رفع رأسه وقال إلى قَصيّ الذي كان يراقبه باهتمام: بيقول ندى!
هز قُصيّ رأسه وقال بشرود: اهي اتخطفت..

أومأ آدم بهدوء ثم توسعت عيناه فجأة وهتف بتفاجئ: ايه؟ اتخطفت ازاي ده هيتجنن لو صِحي ولقاها مختفية! انت عرفت منين؟
قال قُصيّ بسخرية وهو يقلدها: بنتها قاعدة برا بتعيط وعمالة تقول مامي اتخطفت مامي اتخطفت، اتسعت عينا تالين ثم تركت الغرفة وركضت إلى الخارج كي تطمئن عليها..
فاسترسل آدم وتابع باستفهام وهو يهز قدمه بتوتر: ازاي يعني اتخطفت دي كانت هنا من شويه معانا خرجت امتى اصلًا؟

هز قُصيّ رأسه بنفي وهو يفكر ثم صاح فجأه: مش هي هنا غصب عنها؟ ممكن تكون هربت لما كان الكُل مشغول صح! دي فُرصتها الوحيدة..
هز آدم رأسه وقال بتشوش: متهيألي لأ، دي كانت خايفة على عمّار شكلها ميقولش خالص انها ممكن تفكر تهرب!
قلب قُصيّ عيناه وقال بسخرية: اي حد ميبنش عليه توقع انه يعمل كُل حاجة واكيد كانت بتهرب يا إما عاملة تمسلية هي وبنتها!
نفي آدم قوله بضيق: خلي عندك حُسن نِية إفرض اتخطفت بجد هنعمل ايه؟

قال قُصيّ بتحذير وهو ينظر له نظرة ذات مغزى: اكيد مش هنقوله لما يفوق! ده مجنون ومش هيعرف يعمل حاجة اصلًا! لما يخف نقوله.
نظر لهُ آدم بسخط ثم قال بتهكم: مش هيبقي كويس قبل إسبوع هنسيبها مخطوفة اسبوع ومنعرفش حتى هيا فـ..؟ قاطعه تلك النبرة الخشنة التي يعرفان صاحبها جيّدًا بعد أن وثب إلي الغرفة =: مكان ما المفروض تكون في دُوارها وفرشِتها عند ابوها..

قطب قُصيّ حاجبيه ثم وقف وسأله بعدم فهم: يعني ايه عند ابوها؟ عند هريدي اللى كان بيتخانق تحـ..؟
أوقفه قول متولى بإزدراء وهو يقبض على عصاه: بترطرِط كَتير ليه عاد ملكش صالح من أساسُه؟
صرّ قُصيّ على أسنانه بغضب ثم قال باقتضاب: رطرطه ايه؟ انا بسأل عشان بنتها اللي قلقانه عليها وبتعيط برا دي؟ ولا المفروض نسكُت ونضرب تعظيم سلام عشان حضرتك بتتكلم؟

نظف آدم حلقة بحده وصوت مرتفع كي يلفت انتباه قُصيّ ويصمت ولا يتخطى حدودة لكنهُ تجاهله وتابع بعصبية وهو يرى نظرات متولي الساخرة اتجاهه: وعلى فكرة بقى هناخد عمّار معانا واحنا ماشيين ومش هيرجع هنا تاني و هيتجوز وهيعيش زي ما يختار هو مش زي ما انت ما تختار فهمتني يا كبير؟!

ضحك متولي بخشونة وهو يجحده بنظرة متدنية ثم قال باستخفاف: بيِنك جنِيت وعاتخرِف متنساش نفسك يا واد انتِه اهنِه ضيف لو مكُنتش ضيف كُنت عرفتك مجامك يا شِلِحف انتِه، ودلوك هملوني مع ولدي وحدينا..
سأله قُصيّ بتهكم: خايف عليه اوي؟ ماتسبيه يرجع لـ حياته وشغلهُ و، اكفهر وجه متولى من الغضب ثم ضرب عصاه أرضًا بقوة وقال بحدة شديدة وتهجم: ملكش صالح بحاجة واصل ويلا اجلبوا من جِدامي..

ضم قُصيّ قبضته بغضب وكاد يرد لكن آدم سحبه معه من ذراعه وأخذه إلى الخارج عنوة..
نزع ذراعه منهُ بحده وهو يوبخه: مسبتنيش ليه أكمل يمكن يحِس! اكتر انسان شوفته مش عايز الخير لإبنه حسبي الله..
تنهد آدم بإحباط وهو يسير معه لـ يسأله قُصيّ فجأة وهو يفكر: يعني ايه شِلِحف؟ حاجة وِحشة صح؟

هز آدم كتفه وقال بجهل: إسأل عمّار لما يفوق، هز قُصّ رأسه بـ إماءه خافته وكاد يقول شيءً ما لكنهُ توقف عندما توقفا أمام الدرج مقابل نادين التي تنتحب داخل أحضان تالين، وحُسنه تقف تراقبها بقلب مُنفطر فهذا اليوم سيء تتمنى أن يأتي الصباح سريعًا وتعود ليلى ويستفيق عمّار..
مرّت ساعة ساعتين ثلاثة، حتى أصبحت الثانية بعد مُنتصف الليل..
في منزل خليل..

تحديدًا في الطابق الثاني في غُرفة ليلى المُطِلة على الحديقة الكئيبة المظلمة الفاقدة للحياة..
كانت ملقية بإهمال، تفترش الأرض بجسدها فاقدةً للوعي وسط الأتربة التي تغطي الأرضية، في حال أن شُرفتها مفتوحة على مصراعيها جعلت التُراب الراكد يتحرك في الغُرفة من فوق التخت والخزانة وكأن عاصفة شديدة هبّت عليها كي تخنقها محلها...

أيقظتها تلك البرودة التى زحفت إلى أوصالها إثر الرياح شديدة البرودة، جعلتها ترتجف قبل أن تفرج عن عينيها ببطء وهي تئن بألم، رمشت ببطء وهي تُحرك رأسها بثقل تُناظر الغُرفة برؤية مُشوشة وهي تسعُل بحدة بفعل الأتربة..
انقبض قلبها وجحظت عيناها وتوقفت عن السُعال وهي تشعر بالهواء ينسحب من رئتيها عِندما رأت الغُرفة بوضوح دون غِشاوة لتدرك أنها عادت إلى سِجنها وجحيمها الذي ظنت أنها تخلصت منهُ إلى الأبد..

عانقت نفسها بذراعيها وهي تطلق أنينًا خافتًا يائسًا خائف، ابتعدت إلى الخلف والصقت جسدها بالحائط بإحدى الزوايا بجانب الخزانة وقلبها ينتفض داخلها ذعرًا وخوفًا مع جسدها وهي تدفن رأسها بين ساقيها..

فإن لم تخف من هذا مِن ماذا سوف تخاف! هذا أسوأ كوابيسها، أسوأ ماقد يحدث لها قبل أن تعرف حتى ما سيحدث؟ لكنها تعرف نهاية المطاف ماذا سيفعل لِمَ أتي بها إلى هُنا؟ يُريد أن يُذكرها بما كانت عليه، بما كان يفعل بها، لكن لا داعي لهذا لا داعي هي لم تنسي يومًا كي يعيد لها تلك الذكريات الأليمة، فهي الأسوأ على الإطلاق..

تلك الغُرقة ذات الأربع جدران تُخيفها أكثر من أي منزلٍ مهجور لم يدخله أحدًا قط، توافق أن تذهب إلى منزلٍ مهجور ولا تدخل إلى تلك الغرفة مجددًا، لكن لا أحد يفهم! من سيسمع منها هذا سوف يسخر لأن لا أحد يشعر بما تشعر؟!

لا أحد يدرك قدر آلامك، لن يشعر أحدًا بذلك الثقل الذي يطبق فوق صدرك يجعلك تختنق بلا رحمة سِواك، مهما فعلت وتحدثت لن يُواسيك أحدهم بذلك القدر الذي تظن أن جرحك به سيتعافى، لم يعد هُناك وجود إلى ذلك الشخص في الحياة..

هؤلاء لن يتم جلد أحدهم كـ عبدًا يومًا!، لم يتم إهانتهم وجعلهم خادمين في منزلهم من قبل والدهم، هم وللأسف لم يتم حلاقة شعرهم واقتلاعه كي لا يفارقون المنزل، هم لم يتم حرمانهم من التعليم والذهاب إلى المدرسة كشخصٍ طبيعي، هم لم يتم حرمانهم من أبسط حقوقهم فقط لأنهم مكروهين لسببٍ غير مُقنع البتّه لأيّ شخص..

تساقطت عبراتها بقلب مُنفطر وهي تحتضن نفسها بقوة كي تشعر بالدفء عائدة بذكرياتها إلى ذلك اليوم الأسوأ من سنواتٍ عديدة..

عودة إلى وقتٍ سابق..

دلفت إلى غرفتها وهي تضحك بنعومة وإشراق وعسليتيها تتوهج ببريق سعادة أثناء نظرها إلى الدفتر الذي تحمله بين يديها برقة، ترتدي جلبابا هفهافا على جسدها النحيل ذات ألوان مشرقة رقيق يليق بها، ترفع شعرها المجعد ذيل حصان عِوضًا عن تركه ينسدل، مع تورد وجنتيها البيضاء الناعمة الهشّة وابتسامتها الناعمة النابعة من قلبها لـ تظهر بـ أبهي صورة فوق شفتيها المُكتنزة الحمراء كـ الكرز وهي تطرف بأعين الغزال خاصتها المرسومة كـ أجمل من لوحة فنّية تابعة لأكثر الفنانين شُهرة وهي ترمش بأهدابها بنعومة لـ يرفرف قلب عمّار معها وهو يُراقبها من الشُرفة الخاصة بها بابتسامة حالمة مدخلًا نصف رأسه من جانب الحائط يُراقبها بخضراوية المتوهجة بثقب كـ نجمة بعيدة في السماء لا يستطيع الوصول إليها..

أغلقت الباب خلفها بابتسامة حالمة سعيدة لأنهُ وأخيرًا وافقت جارتها المُعلمة أن تُدرسها كل يوم ساعة وعلى مضض خوفًا من إكتشاف والدها لأنهُ يمنعها من الذهاب إلى المدرسة وإن علم أنها تُساعدها لن يُمر هذا مرور الكرام..
استدارت والابتسامة تعتلي ثغرها لتموت فوق شفتيها وتتجمد محلها عِندما وجدت والدها يقف بجانب تختِها يعقد يديه أمام صدره ينظر لها باقتضاب وكما يبدو أنهُ كان ينتظرها..

أخفت الدفتر خلف ظهرها سريعًا بارتباك وهي ترتجف بخوف مُتحاشية النظر إلى عيناه بأعين زائغة خائفة وهي تقضم شفتيها لأنها لا تجد داخل تلك المُقلتين القاسية سوى الكُره والغضب دون سبب، فكل نظرة تخرج منهُ ترد في قلبها تحطمها وتكسرها..
سألها بنبرة خشنة وهو يتفحصها بنظراته: كُنتِ فين؟
ازدردت ريقها وقالت بتلعثم: كُنت، كُنت، في المطبخ..
رفع حاجبيه وأخذ يتقدم منها وهو يسألها بشك: وطابخين ايه النهاردِة؟

زاغت عيناها وقالت بكذب وخوفها يتضاعف أكثر وهي تُفكر: طابخين، طابخين، ارانب وو، صرخت عِندما هوي على وجنتها بصفعة قاسية وهو يتابع بوجوم عِوضًا عنها: لاه مش ارانب، بتكدبي يا بت الـ، ثم صفعها على وجنتها الأخرى بقسوة لـ يدوي صوت صرختها وهي تترنح إلى الخلف كاتمة شهقاتها وهي تطرق برأسها كي لا تنظر إليه..

انتزع ذلك الدفتر المقوى ذات المُجلد الصلب من خلف ظهرها بقوة وفتحه بحدة كاد يمزق صفحاته الرقيقة إثرها وهو يرى ما نقش داخل الأوراق ثم أغلقه وهو ينظر لها بوجه مكفهر من الغضب عقبة زمجرته بقوة ومن دون سبق إنذار ضربها به فوق رأسها بقسوة أسقطها أرضًا لـ تستلم إلى نوبتها وتجهش في بكاء مرير بحرقة وهي تغمر وجهها بين يديها تنتحب بألم ليصرخ بها بقوة أفزعها جعلها تنتفض بخوف وهي تقف بطاعة وجسدها يرتجف: فِزي جومي وِوجفي بدل ما اكسرلك رجليك اللي بتمرحى بيها ديّ..

أعاد رفع يده وضرب جبهتها بذلك الدفتر الثقيل عدة ضربات لتهتز بعدم اتزان وهي تعود إلى الخلف أثناء قوله بتهكم: مش جولت مفيش علام جولت ولا مجولتش؟ الصرمة الجديمة اللي في راسك ديّ تخلعيها يا بت صبا، رفعت رأسها على حين غرة ونظرت له بتحدي عِندما سمعت أسم والدتها ومازالت عبراتها تنساب على وجنتيها ببطء وهي تزم شفتيها المرتجفة، فهو لا يحق لهُ أن يأتي بسيرتها ذلك الظالم، لا يحق لهُ..

ضم قبضته فوق الدفتر بنفاذ صبر وهو يرى تلك النظرة وذلك البريق الذي يتوهج داخل عينيها فهو يخشاه! هي ليست ضعيفة ولا تملك شخصية ضعيفة كوالدتها التي لم تكن تكف عن تحديه طوال الوقت..

لكن وجب عليه كسرها كي تظل خاضعةً لهُ، تلك النظرة الخاصة بوالدتها وذلك الكبرياء والتمرد والتطلع إلى المستقبل وتقدير الذات والتحدي الذي توارثته والنابع من داخلها يُدرك تمام الإدراك المغزى منهُ ويعلم ما توابعه، ولن يتركها تُحقق ذاتها وتصبح شيءً ما في المستقبل لن يسمح لها..

صفعها بقوة أدمت شفتيها ثم شدّ شعرها بعنف وهو يهز رأسها بين يديه قائلًا بتهكم: اتجرأتي و بترفعي عينك في عنيِّه؟ اتجنيتيّ ولِّية بينك اتجنيتيّ يا جليلة الربايِة يا مجصوفة الرجبة انتيّ..
صرخت به بصوت مرتفع وهي تبكِ بحرقة: لا متجنيتِش يا بوي اني عايزِة اتعلَم كيف الخلج أمي جالتك جبل ماتموت هملني وسبني أتعلَـ..

قاطعها زمجرته بقوة مع قوله بنبرة صخرية وهو يهز رأسها بقوة وقبضته تشتد فوق شعرها اكثر كاد يقتلعة بين يديه: أُمك ماتت ومبجاش في حد يخلصك من يدي يا حبيبة أبوكِ مبجاش في واصل ولو مسمعتيش الحديت عاتـ..
صرخت به بشجاعة وهي تنظر داخل عيناه بتحدى سافر ثم أقسمت وعبرات قهرها تنساب على وجنتيها: وربي ما هسمع حاجِة وهكمل علام وهبجي دكتورة كَد الدِنيِه كُلها وسعتها مش هجول انك ابويِه..

توقفت تلهث بانفعال وصدرها يعلو ويهبط بعنف لتتحول تلك النظرات المُتحديه إلى نظرات ملؤها الخوف والجزع ليتركها ويبدأ بالضحك بتقطع وهو يعود بخطواته إلى الخلف حتى توقف أمام قطعة الأثاث الخشبية الخاصة بتعليق الملابس ليلتقط من فوقها ذلك السياط من وسط أشقائه وعاد أمامها لتتسع عيناها بذعر وتجِّف الدماء داخل عروقها وهي تنظر لهُ بوجه شاحب مُصفر، هل تتحداه وهي من ستنكر وجوده ومعرفتها به أيضًا!

ابتعدت إلى الخلف بترنح وركضت بخوف تجاه الباب لكنها صرخت متأوهه قبل أن تُدير المقبض عندما شعرت بالسياط يهوي فوق ظهرها جعلها تتلوى خلف الباب وهي تشعر بذلك اللهيب والحرقة تسير في أنحاء جسدها الضعيف أمام هذا الكم من العُنف..
أمسكها من ذيل حصانها الطويل ودفعها إلى الخلف لتسقط أرضًا ويهوى على جسدها بالسياط لـ تتلوى من الألم وهي تصرخ أثناء سؤاله لها: لِساكِ رايده العلام يا حبيبتي أُنطُجي؟

صرخت وهي تلتقط أنفاسها وقد إحمر وجهها بشدة وهي تقول باختناق: ايوِه، أعاد ضربها بقوة أكبر لتقبض على البساط بيدها وهي تسند جبهتها فوقه وتكاد تتدخل رأسها داخله من كثرة دفعها لنفسها كي تتحمل وتصمد أمام هجومة عليها وهي تعيد بإصرار وقلب مُدمي: لو، هتموَتني من هبطِل، أحاول وأتعلَم مش هبِطل عاد..

صرخت بصوت مبحوح وقد ذهب صوتها من كثرة الصُراخ وتخدر جسدها من كثرة الألم والضرب، لتصرخ بقوة أكبر عِندما ضربها فوق قدمها تلك المرة وليس ظهرها وهو يأمرها بقسوة: وجِفي بدل ما اكسحك وجِفي..

رفعت يدها المرتجفة وهي تتحامل على نفسها كي تصمد بقوى خائرة وهي تلهث شاعرة بنفسها تختنق من كثرة البُكاء لكن يدها سقطت بضعف قبل أن تتحرك ليضربها فوق قدمها مجددًا لتنتفض وهي تصرخ أثناء أمره لها من جديد بنفاذ صبر وهو يلقي السوط من يده: وجِفي بجولك..

تحاملت على نفسها وهي تحرك يدها التي أصبحت كالهلام هي وقدميها ثم تشبثت بالخزانة التي خلفها، وقفت وأسندت جسدها كُله فوقها وهي توليه ظهرها وجسدها ينتفض ومازالت تبكِ وهي تطبق جفنيها بقوة وعبراتها تتساقط بغزارة على وجنتيها الناعمتين اللتان أصبحا ملتهبتين بفضل يديه القاسية التي تُماثل الحذاء في ثقلة..

نظر إلى ملابسها التي تمزقت من فوق ظهرها وقد تلون جلبابها الزاهي بألوان مشرقة ببعض الدماء التي كانت تخرج من جروحها شاعرة بالحرقة والحرارة فوق جلدها، كأنها كانت مُسطحة فوق جمرًا مُشتعل، أو تم دعس ظهرها بواسطة سيارة مُدبّبة الإطارات، فظهرها تشعر به كأنهُ محروق وجلدها أصبح ذائب من الحرارة..
قبض على شعرها بقوة وهو يهسهس بجانب أذنها بفحيح كأفعى: تِعرفي مجدِرش اكسحك ليه؟

هزت رأسها سريعا بهستيريا وهي تسعل ليتابع وهو يبتسم: عشان مِحتاج خدامِة تفضل جنبي ليل نهار ومفيش غيرك ينفع للشغلانِة ديّ، ثم ضحك بسخرية وتابع بتهكم وهو يبتسم و عيناه تتوهج ببريق شيطاني: ايه الجَديد ما انتيّ خدامِة وخرجتي من غير ماتجولي واني هخليكِ تبطلي خروج عاد..

فتحت عيناها الدامية والمرهقة من كثرة البُكاء ونظرت داخل عيناه ليركل قلبها قفصها الصدري بقوة خوفًا وذعرًا تضاعف أكثرعِندما تابع وهو يبتسم بتشفى: شايفِة شعرك اللي سبسبتيه عشان تخرجي دِيه! هجطعة تجطيع دلوك وتبجي وريني هتخرجي كيف يا بت صباح..

اتسعت عيناها واستفاقت من خمولها وقربها من فقدان الوعي وهي تهز رأسها بهستيريا وبدأت تتلوى بين يديه قائلة بترجي وهي تشهق: لاه أحِب على يدّك يا أبوي لاه مش هخرج تاني مش هخرج والله مش هكررها تاني عاد اني آسفِة والله آسفِة، لكنهُ ضحك بسخرية خشِنة وجرها خلفه خارج الغرفة بوحشية دون أن يعبأ بتوسلاتها الضعيفة التي قد تلمس قلوب أقسي رجال العالم لكنهُ تعدي تلك المرحلة، هو لا يملك قلبًا حتى!.

أدمعت عينا عمّار وارتجفت شفتيه وهو يراقبها من الشُرفة بقلب مُنفطر حزين على محبوبته، هذا عِندما كان طِفلًا رقيقًا يسعى خلف أجمل شيء في حياته على الإطلاق وقد كانت هي في ذلك الوقت..
دلف بتسلل كـ اللص وهو يرفع طرف عباءته الطويلة ثم انحني وحمل ذلك الدفتر الخاص بها وعاد أدراجه مهرولًا تجاه الشرفة ليدعس فوق ذيل عباءته الأمامي لـ يتعثر ويكتفأ على وجهه..

تأوه بخفوت ثم وقف بوجه أحمر غاضب وضرب الأرض بقدميه بضجر مدبدبًا فوقها بقوة ثم رفع طرف عباءته ودلف إلى الشُرفة، وقف فوق السور ثم رفع عباءته قليلًا ووضع طرفها من المُنتصف بين شفتيه وأمسك الدفتر بقوه وقفز فوق الشجرة الملاصقة لـ سور الشُرفة كـ القردة..
عانقها بيديه الأثنين وباللتي يحمل بها الدفتر بقوة كي لا يسقط الدفتر وأخذ ينزل بهدوء حتى ملّ وبقيّ القليل فقط فترك نفسه ليسقط على مؤخرته فوق العُشب..

تأوه وهو يقف لـ يشهق بخوف عِندما سمع صوت الغفير وهو يهرول تجاهه: وجِف عِندك يا واد وجِف، رفع عباءته ووضعها بين شفتيه وركض سريعًا دون أن ينظر خلفه كي لا يراه أحد ويحدث مالا يحمد عقباة، وقد قرر أنهُ لن يأتي في وضح النهار مُجددًا سيأتي قُبيل الفجر هذا أفضل لهُ..
في غرفة خليل في الأعلى...

سقطت على ركبتيها وهي تنحني فوق حذائه تترجاه بصوت مبحوح: أحِب على رجلك بلاش يا بوي أحِب رجلك بلاش مش هتعلَم خلاص بس بلاش والنبي يا بوي والنبي بلاش، لكن قد فات الأوان لقد تحرك المقص الحديدي داخل شعرها الفحميّ الغزير وبدأ بـ قصِّ شعرها بيدٍ طائشة دون أن يرى مايفعل فقط يُريد أن يلقنها درسًا قاسٍ كي تتعظ ولا تُكررها من جديد..

بينما هي سكنت بين يديهِ وهي تتحسر داخلها فلا مفر مما يحدث فهو لا يُحبها كي يستمع إلى رجائِها، هي لا تعرف لهُ عزيزًا كي تُذكره أمامه ويتركها من أجله لا عزيز لديه ولا غالِ؟
هي فقط ظلت تحدق في خصلات شعرها التي تتساقط فوقها بين الفِنية والأخرى بحسرة حقيقية وهي تنتحب وقلبها يصرخ من القهر الذي تشعر به..
تركها ثم ألقي المقص من بين يديه وترك غرفتة وذهب إلى الأسفل كي يُدخن..

لملمت شعرها من الأرض بيدٍ مُرتجفة وهي تبكِ بعويل أثناء نظرها لهُ ثم جمعته معًا و ألقت جسدها بجانبه وظلت تبكِ دون توقف وهي تنادي على والدتها المُتوفاة بقلب مُنشطر: هملتيني ليه يا امي هملتيني ليه عاد..

كانت الخادمة التي قابلتها في السوق تلك العجوز الشابة في هذا الوقت، تمر من أمام الغُرفة بالصدفة لـ يستوقفها سماع صوت بُكاء قادم من الداخل! وثبت إلى الداخل لتجحظ عينيها وتضرب قلبها بيدها وهي تشهق قائلة بخوف: يا حزنيّ، يا حزنيّ..
ركضت لها سريعًا ورفعتها من ذراعها لتشهق مع اتساع عينيها من جديد عندما رأتها بوضوح..

لقد جعلها كـ الفتية وجردها من خصلاتها عدى بعض الخُصلات القصيرة لأن المقص العزيز لا يستطيع الوصول إليها..
سألتها ندى بحرقة وهي تغمر وجهها بين يديها: بجيت عِفشة صوح بجيت عِفشة..

أدمعت عين الخادمة وخلعت الوشاح الذي تضعه حول كتفها وجلست مقابلها وقامت بلفه فوق رأسها كـ حجاب وهي تبتسم بينما عبراتها خانتها وهي تقول بنبرة مرتجفة كي تُطيب خاطرها وهي تربت على وجنتها بخفة: لاه لساكِ جمر وزينة كيف ما كُنتِ والله متزعليش عاد، ثم حركت يدها وأمسكت خصلاتها المُبعثرة بين يديها وجمعتهم من فوق الأرض وهي تبلع غصتها مع قولها بحزن: جوزي مسافر مصر بكرة هديلة شعرِك عشان يطوِحه في النيل، احنِه بنعمل اكدِه لَجل ما يكبر بسرعة ويبجي ناعم وحرير زي ما كان نفسك يكون متزعليش نفسك عاد هيطول وهيبجي جميل متخافيش عاد، وعانقتها بقوة في نهاية حديثها وهي تقبل رأسها لـ تتأوة بألم بسبب تلك الكدمة فوق جبهتها من الدفتر ثم ابتعدت واستدارت كي تريها ظهرها وهي تنتحب..

هزت الخادمة رأسها بأسى وهي تنظر إلى تلك الطفلة التي أمامها تتعذب وتتحمل أشياء لا يمكن تحملها بسبب ذلك الظالم والدها..
وقفت وساعدتها بالوقوف وهي تربت على صدرها كي تهدأ ويتوقف جسدها عن الإنتفاض والبُكاء: بزيداكِ عاد يا حبيبتي بزيداكِ والله هيطول وهيبجي أحسن من دلوك كومان، تعالي معايا دلوك المطبخ عشان اداوي جروحك الواعرة ديّ وخليكِ جنبي متقعديش لحالك..

أومأت بطاعة وهي تمسك بيدها وسارت معها بترنح وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة وقلبها يخفق بعنف..
اختبأت خلفها وهي تمسك طرف عباءتها بخوف كي لا تظهر عِندما مرت من غُرفة الجلوس أمام والدها الذي كان يستنشق من لِفافة التبغ خاصته بشرود وهو يتوسط الأريكة..
مرّت من أمامه وهي تتسارع مع خطواتها المُترنحة والمُرتجفة كي تقطع تلك المسافة سريعًا وتبتعد عنهُ وعن بطشهُ قبل أن يتذكر شيءً آخر ويمسك بها..
في المطبخ..

تأوهت وهي تنتحب دافنه رأسها بصدر الخادمة التي كانت تجلس أرضًا وتجلسها بين قدميها أثناء وضعها إلى ذلك الكريم الطبيعي المُخصص إلى جروحٍ كتلك فوق ظهرها ببطء وخفة..
قبلت رأسها بعد انتهائها من وضعة وهي تبكِ بصمت عليها وعلى حالتها التي تدمي القلب، فهي مُنذُ وفاة والدتها من خمس سنوات وقد تحولت حياتها إلى جحيم تدعو الله أن يبتليه بمرضٍ لا يقوم منهُ ابدًا أو تنقطع يديه وأرجله كي لا يقترب منها مجددًا..

وقفت وقالت لها برفق وهي تربت على وجنتها بحنان: خليكِ جاعدِة اهنِه واني هعمل الوَكل..
هزت رأسها بنفي وتحاملت على نفسها ووقفت معها كي لا يدخل والدها ويجدها تجلس كي يقتلها تلك المرة لأنها لاتتعاون..
قالت بصوت مُنخفض بقدر ما استطاعت ان تخرجة من حلقها الذي يحرقها وهي تبعد الوشاح عن رأسها: لاه هساعـ، وتوقفت الكلمات بحلقها عِندما نظرت إلى انعكاس صورتها فوق هذا الإناء اللامع..

اتسعت عيناها بصدمة وظلت تُحدق بنفسها بعدم تصديق وأعين زائغة امتلأت بالعبرات دون أن ترمش وهي ترى انعكاسها البشِع فوق الإناء لـ تحني رأسها بانكسار وهي تعود إلى البُكاء بحرقة مُردده بخفوت بنبرة مزّقت نياط قلبها: بجيت عِفشة بجيب عِفشة بجيت عِفشة..
هزت الخادمة رأسها بأسى وهي تراقبها بشفقة وقبل أن تتحدث صرخت ندى قائلة بأعلى صوتها: أنا بكرهه جوي بكرهه جوي يارب يموت بكرهه بكرهه.

هزت الخادمة رأسها وكادت تحذرها كي تصمت قبل أن يستمع لها لكن تجمدت محلها بينما توقف قلب ندى عندما سمِعت صوته وهو يقول بنبرة مُميتة ونظرة داكنة سوداء رأت موتها القادم داخلها وهو يتقدم منها: بتجولي ايه عاد؟

ترنحت إلى الخلف وهي ترتجف محاولة تجميع حرف من شفتيها التي تهتز لكنها عجزت واغلقت عينيها مُستسلمة كي تفقد الوعي لكنهُ جذبها من حاشية ملابسها بعنف وجرها خلفه إلى الخارج كـ جثة بين يديه غير قادرة على التحمل أكثر..

ظلّ ممسكًا بها حتى وصل إلى غُرفة الجلوس والتقطت بقية لِفافة التبغ التي تركها فوق الطاولة ومازال الدُخان يتصاعد منها وقام بحملها وإطفائها خلف أذنها بكل غِل دون أن يعبأ ببكاءها المُنهك ولا صوتها الذي لم يعد يخرج ولا ضعف جسدها الذي كان يصرخ وينبض ألمًا أثناء تلويها من بين يديه وهو يمسك بها كـ اللص ويكمل ما يفعل بها دون رحمة، هو فقط يكرهها، يكرهها بشدّة..

دفعها بعيدًا عنهُ وهو يجأر لتسقط أرضًا بعنف وتهرول لها الخادمة وهي تصرخ بذعرعِندما لاحظتها تختنق..
رفعتها بين يديها وهي تبكِ وتصرخ بها كي تتنفس لكنها لم تستطع، كان قلبها يؤلمها بشكلٍ لا يوصف في هذا الوقت، كان يخفق بشدّة وألم جعلها تشعر بأن قفصها الصدري مُهشم تم سحقه بكل عُنف تحت أحدي السيارات، لم تستطيع أن تتحمل قدر هذا الألم، كانت أضعف من أن تتحمله..

كان شعورًا مُشابه للموت مُشابه كثيرًا إلى الروح وهي تخرج من الجسد لكنها تعذبت دون أن تموت، لقد استنزف جميع طاقتها بسبب ما كان يفعله بها، لقد حطمها وكسرها ودمر كُل شيءً جميلًا داخلها، لقد أصبحت قدرتها على التحمل ضعيفة بسببه..

كانت تحيي معهُ دون أن تشعر بالأمان كانت حياة مليئة بالفزع والخوف والرعب وتجنب الأماكن التي يتواجد بها و الإختباء! كان دفنها حيّة في ذلك الوقت بالنسبةِ لها أرحم من تلك الحياة! إن شقيقتها محظوظة..

ومنذُ ذلك الوقت وهي هكذا، فقط إن فاجئها أحدهم وأفزعها بمزاح يمكنها أن تفقد الوعي، وأن خافت كثيرًا وشعرت بالرعب كما أشعرها عمّار عندما ركض خلفها داخل السوق تفقد الوعي كما فعلت، هي ضعيفة وهشّة بطريقة تجعلها تكره نفسها بسبب جلوسها وانزاوائها وحدها داخل غُرفتها وبكاءها كُل يوم في منتصف الليل حتى تتعب وتغفى، ثم تستيقظ صباحا قوية من أجل ابنتها وكأن لا شيء قد حدث..
عودة إلى الوقت الحالي..

محت عبراتها بعنف وهي تسند جسدها على الحائط ونظرها مُعلق على قطعة الأثاث المغطاة بالقماشة البيضاء المُتسخة التي تخفي أسفلها أكثر من سياط وليس واحدًا فقط، وكما ترى مازال كل شيءً بالغرفة كما هو! الخزانة، التخت، الستائر، المقاعد القديمة والإضاءات الصفراء الخافته، كُل شيء كما هو لم يتغيّر شيء، كأنهُ يخبرها أن غرفتك كانت تنتظرك، لا بل جحيمك ولن يتغير شيء سوى انكِ فقط كبرتي ليس إلا، لكنها كبرت وأصبحت أكثر ضعفًا..

انتفض جسدها عِندما سمِعت صوت صفع الباب بقوة عقبة صوت خُطوات والدها التي توصم الأرضية بسبب الأتربة المُتراكمة فوقها..
لقد انتهى كُل شيءٍ الآن وسيقتلها ويشفي غليل كل تلك السنوات التي كانت مُبتعدة عنهُ بها اليوم في هذه الغُرفة المُخيفة..
سعُل بخشونة وهو يضع يده على صدره بسبب تعبه في الآونة الأخيرة بسبب كُبر سِنهُ والتدخين الكثير الذي دمّر صدره وصحته على مرّ تلك الأعوام الكثيرة..






سار مُباشرةً اتجاه الشُرفة دون أن يلقي عليها نظرة واحدة لـ يتفاقم قلقها أكثر لأن صمتهُ هذا لا ينم على أي خيّرٍ البته..





وقف داخل الشُرفة قليلًا يتنفس هواء نقى وهو يحدق في الحديقة الكئيبة تاركها في الداخل اعصابها تحترق وهي تفكر بما سوف يفعله، فصمته ليس جيدًا وتلك الهواجس التي بداخلها تؤكد لها أنهُ لن يكون خيّرًا أبدًا ما يفكر به..

دلف من الشرفة بعد بعض الوقت بعد أن أثلج قلبها وجمده من الخوف، أبعد قطعة القُماش من فوق الأثاث الخشبي بحركة سريعة عصبية وهو يبعد رأسهُ إلى الخلف بسبب الأتربة ثم ألقاها أرضًا وأخذ سوط من المعلقين أمامه وبدأ يتقدم منها..

تابعته بنظراتها الخائفة بجزع وهي تراقب تقدم حذائه الذي كان يتقدم منها أكثر فأكثر، فهي لا تستطيع رفع وجهها والنظر لهُ لا تستطيع رفع عيناها الممتلئة بالخوف داخل عيناه المُشبعة بالقسوة والكُره هي تخسر أمامه..
جلس أمامها وسألها بكل هدوء ومازالت قبضته تحتضن السوط وهو ينظر لها بدون تعبير: اسمك ايه؟.
ماهذا السؤال الآن؟ لكن هي تعلم المغزى منهُ تعلم..

فركت يديها المتعانقين بخوف وقالت بنبرة مرتجفة وهي تتحاشى النظر لهُ وقلبها ينقبض وينبسط بخوف: لـ، ليـ، ليلي المِنشاوي..
ابتسم ابتسامة قاسية ثم قبض على فكها بعنف جعلها تئن وهو يرفع وجهها كي تنظر لهُ، ليعيد بنبرة تحذيرية وهو يصر على أسنانه بغضب: بجولك اسمك ايه عاد؟

نظرت لهُ قليلًا وهي تتطلع إلى جلد وجهه الذي انطوى إثر الشيخوخة مُخلف تلك التجاعيد التي احتضنت ملامحه والشيب الذي غزي شعره الفحمى المجعد كـ شعرها تمامًا لهذا تكرهه، تابعت بنظراتها تقاسيم وجهه الذي كبُر سريعًا مع مرور الزمن لكن رغم هذا مازالت نظرته الكارهة كما هي كما اعتادت منهُ دومًا، مع تضاعف الكُره الذي أصبح لا حصر لهُ الآن داخل مقتليه الداكنة..

أعادت بنبرة مهزوزة وهي تنظر داخل عينيه: ليلى المِنشاوي، صفعها بظهر يده بقسوة جعلها تصرخ ليمتزج صوتها مع صوت زمجرته الغاضبة وهو يعيد على مسامعها بتهكم كما فعل ذلك اليوم: لساكِ ليلي المِنشاوي؟
هزت رأسها بنفي وهي تشهق مُنكمشة على نفسها بجانب الخزانة وهي تنتحب ليعيد سؤاله بحدّة شديدة جعلها تنتفض ويبدو أنهُ أصبح ضيق الأفق و سرعان ما ينفذ صبره: اسمك ايه؟

قالت بنبرة مرتجفة وهي تلتقط أنفاسها أثناء هزِّ رأسها كأنها تقوم بتسميع درسها أمام معلمها القاسِ رهبةً وخوفًا منهُ دون أن ترفع نظرها لهُ: اسمي، اسمي، ندى، ندى، خليل الطحـ، بتر قولها عندما قبض على شعرها بعنف و قسوة جعلها تصرخ ورأسها تميل مع يديه وهي ترفع يدها في محاولة يائسة كي تخلص خصلات شعرها من قبضته لكن هذا كان من المستحيل..

هزّ رأسها بقوة وهو يسألها صرًا على أسنانه بـ غِل: وطالما انتيّ ندى خليل الطحاوي ايه اللي ودّاكِ دُوار متولي الزِفت يا بت الـ..
شهقت وهي تلتقط أنفاسها ثم بدأت تتحدث بتقطع وعينا زائغة: عمّار، عمّار، كان خطيب بنتي عشان كده عشان كده بس..
ألقي السِياط بجانبه وصفعها بيده الأخرى بقسوة وتابع حديثه بتهكم وهو يراقب بكاءها بفتور: ومن ميتِه و اهل العروسِة بيجعدوا عند أهل العريس؟ من ميتِه؟

محت عبراتها وهي تنتحب ثم قالت له بصوت مبحوح وهي تهز رأسها بألم: والله مكنتش جاية مكنتش جاية عمّار هو اللي أجبرني أجي هو اللي أجبرني والله..

اكفهر وجهه بغضب ثم صفعها بقسوة مضاعفة وقرص وجنتها بقوة ثم خدشها بأظافره ودفع رأسها على الخزانة بعنف، كتمت صرختها وعضت على أناملها هي تقبض على البساط المتسخ بيدها الأخرى وجسدها ينتفض من البُكاء وهي تستمع لِمَ يقول بجنون: كيف يعني جبرك كيف يعني؟، فليقتلها فقط كي ترتاح من كل هذا..

وقف وأخذ يدور في الغرفة ذهابًا وإيابًا كـ طائر جريح وهو يضم قبضته بغضب وجسده يشتعل من النيران التي تتأجج في صدره وكل تفكيره محصورًا حول عمّار اللعين الذي يتمنى موته اليوم قبل غدًا..

عاد وجثى أمامها وسألها وهو يقبض على فكها بعنف بعد أن كانت تسند رأسها فوق الخزانة على نفس وضعيتها عِندما دفعها، قضمت شفتيها بألم وهي تنظر لهُ بينما هو كان ينظر لها بأعين تقدح غضبًا وقسوة وهو يسألها: ايه اللي ودّاكِ بيت الملاعين دولم؟

مجتيش بيت ابوكِ ليه عـ، توقف ذاهلًا عِندما صرخت قائلة بحرقة وهي تنظر داخل عيناه بـ كُره: انت بِعتني وانا معنديش أب فاهمني ابويا مات والملاعين اللي بتتكلم عنهم دول احسن منك ميت مـ، توقفت الكلمات بحلقها عاجزة عن تكملة الحديث وازدردت ريقها بصعوبة بالغة وبهت وجهها عِندما رأت ملامحه الجحيمية وعيناه الدامية، ستموت..

فقط إن لم تختفي من أمامه الآن سيقتلها، لِمَ تحدث لسانها اللعين لِمَ، وقفت سريعًا وهي تترنح كي تنجو بحياتها وركضت إلى الباب منفذها الوحيد لكنهُ هبّ واقفًا ثم سحبها من منابت شعرها بقسوة ودفعها بعنف أسقطها أرضًا محل ما كانت جالسة ثم انحني فوق السِياط والتقطه من الأرض و هوي به على ظهرها بكل قوته..

صرخت بألم وهي تتلوى وجميع ماحدث معها سابقاً يتوافد على عقلها أثناء جلدها من قِبله بدون رحمة، كُل شيء يتكرر من جديد بصورةٍ أكثر بشاعة، هذا العالم صغير حقًا، وتلك الحياة خادعة بطريقة ساخرة، لكن هل سيسير كل شيء كما حدث سابقًا قبل سنوات؟
طلبت منهُ بترجي وانهيار وهي تقول بنبرة مختنقة من كثرة البُكاء: كفاية ابوس ايدك كفاية، كفاية..

توقف لاهثاً وهو يبتسم بتشفي ثم سألها بسخرية: وااه! ايه جعدتك مع اهل البندر خلِتك خِرعة ولِّيه؟ كُنتي بتتحمَلي يا حبيبة أبوكِ اكتر من اكدِه جرالك ايه عاد؟
هزت رأسها بعذاب لتحتك بطرف البُساط المُتسخ وتقوست كـ الجنين وهي تُعانق جسدها وظلت تبكِ بحرقة دون أن ترد عليه..
سألها بنفاذ صبر وهو يمسد جبهته: فين جوزك اللي عاتجولي بِعتك ليه يا محروجة انتيّ! اني سترتك يا غبيِة سترتك!

لم يخرج من بين شفتيها سوى صوت نحيبها المتقطع ليضرب السياط أرضًا أفزعها وهو يصرخ بها بجهور: أُنطُجي يا حزينة انتيّ فين المحروج جوزك؟
لم ترد عليه ليرد هو بالسياط الذي هوى على ظهرها جعلها تتلوى وهي تصرخ متمنية أن تموت كي ينتهي هذا الألم..

انتفض عمّار من نومه وهو ينتصب شاهقًا كـ غريق نجى من الموت الآن، شاعرًا بالاختناق وهو يلتقط أنفاسه المسلوبة بصعوبة وخضراويه تجول على أنحاء الغُرفة بسرعة، جسده مُتعرقًا بغزارة، وجهه مُرهق شاحب مُصفر، وقلبه يؤلمه بشدّة شاعرًا بـ زُجاج ينغرز داخله بعنف مع كُل نبضة تصدرعنهُ وخصوصًا ذلك الوخز الذي أرقه وقطع نومه!، إن قلبهُ مُنقبض وتلك الغمامة السوداء تطبق فوق صدره ولا يستطيع التنفس..

تأوه من حركة يده السريعة وهو يبعد الغطاء عنهُ لاهثًا بوهن وهو يقف بجذعة العاري ليداهمه ذلك الدوار جعله يترنح ويجلس على طرف الفراش قليلًا وهو يتأوه بقوة بسبب جرحة، احنى رأسه قليلًا ونظر إلى صدره من فوق تلك اللاصقة البيضاء وهو يتنفس بصعوبة وتعرقه في تزايد على وشك ان يختنق من انسحاب الهواء من رئتيه..

رفع رأسهُ ونظر إلى باب الشُرفة المُغلق بعصبية وهو يضم قبضته بانفعال لـ يتأوه أكثر فـ شدّ شعره من الألم وهو يتنفس بتمهل وبطء بسبب هذا يُجب أن يتحكم بانفعاله، فقط لِمَ الشُرفة مُغلقة! إنهُ يختنق..

تحامل على نفسه ووقف ببطء وأخذ يتقدم بحذر وخطوات ثقيلة وهو يكتم تأوهه ولأول مرة يشعر بِبُعد الشُرفة عن الفراش بسبب تلك الخطوات، وصل أخيرًا فوجدها مفتوحة قليلًا ويبدو أن أحدهم بداخلها ويغلفها من الداخل من أجله هو كي لا يصل لهُ الهواء البارد..

كان آدم وقُصيّ في هذا الوقت في الداخل يتبادلانِ أطراف الحديث بهدوء في الطقس البارد وهما يستمعانِ إلى صوت تلاطم أوراق الشجر والنخيل معًا إثر الرياح الشتوية الشديدة. وصوت صرصور الحقل المُزعج الذي لا يتوقف ممتزجًا مع نقيق الضفادع مع القليل من نُباح الكلابِ الضالة ومشاجرتهم معًا في الطُرق الفارغة الآن، وأخيرًا وأجمل صوت كان صوت صهيل ندى في الأسفل بشكلٍ مُتكرر لحوح ثائر كأنها تعلم خطب عمًار وما اصابة وتُريد الاطمئنان عليه..

تثاءب قُصيّ وهو يمط ذراعية بنعاس وعيناه معلقة على ذلك الكوخ وسط الظلام ليتوقف ويفرغ فاه مشدوهًا عِندما التفت ووجد باب الشُرفة يدفع ويطل عليهما عمّار!

هو فقط شيءً من الاثنين إما أن يكون عمّار يمزح أو هو من يشعر بالنعاس لدرجة الهِذيان؟! لكن هذان الخيارين ذهبوا حد الجحيم عِندما وجده يدلف ببطء وهو يتأوه ثم توقف بجانبه وهو يلهث بتعب، أسند راحة يديه فوق سور الشُرفة وبدأ يلتقط أنفاسه بوهن وصدره يعلو في عنف وهو يستنشق هواء نقي ينظف به رئتيه..
هزّ قُصيّ رأسه ومازال مشدوهًا غير قادرا على الحديث! فقط كيف يستطيع فعل هذا؟

أخرجة من شرودة دفع آدم لهُ بغضب وهو يوبخه أثناء وضع الغطاء الثقيل فوق ظهر عمّار بعد أن هرول وأتي به من الداخل سريعًا: بتتفرج على ايه انت؟ وانت كمان قُمت ليه حالتك مش كويسة؟
هز رأسه بتعب وقال بوهن وهو يطبق جفنيه بقوة متمسكًا بـ سور الشرفة بقبضتيه: مخنـ، نوق..
هزّ آدم رأسه متفهمًا ثم عدل الغطاء فوقه بتركيز وهو يزفر ثم سانده هو وقُصيّ وأجلسوه أرضًا وهم يُدثروه ويدخلون يديه داخل الغطاء كـ شطيرة..

جلس قُصيّ بجانبه وتحسس حرارته بهدوء وهو يقطب حاجبيه ثم قال بقلق: لسه سُخن بردُه..
تنهد آدم وهو يتحسس جبينه هو الآخر وقال بضيق: خمس دقايق يشِم شوية هوا وهيدخل مش هيطول لازم يرتاح عشان الجرح..

ابتسم عمّار بامتنان وهو يحدق بهما غير قادرًا على وصف ما يشعر به بالكلمات قط وهو يُراقب تلك اللهفة والقلق والخوف من أجله، هو حقًا محظوظ بسبب وجودهما في حياته. هُما رائعين وكُل يومٍ يثبتان لهُ أنهُ لن يندم على صداقتهم يومًا فهم أخوه، يتمنى حقًا لو تمنحه ندى مثل هذا الحب..
تبادل قُصيّ وآدم النظرات بارتياب لـ يسأل آدم قُصيّ بخفوت: هو ماله بيبصِلنا كده ليه وهو مُبتسم؟

هز قُصيّ كتفية وهو ينظر لهُ بتفكير ثم قال فجأة وهو يتلفت حوله: ممكن يكون هيموت وبيودعنا؟ ملك الموت معانا في المكان؟
ضحك عمّار بخفة لتتحول ضحكته إلى تأوه وتتبدل ملامحه لأخرى متعبة وهو يتألم، فقط لو يستطيع التحدث لأخبرهما أنهُ يُحبهم بشدّة..
ربت أدم على مُقدمة رأسه وهو يحثه على الصمت والهدوء: متتكلمش عشان متتعبش..

هز رأسهُ بخفة ثم ألقي بها إلى الخلف واسندها على سور الشُرفة الحديدي بين تلك الفراغات وظلّ يُحدق في السماء تاركًا العنان لنسمات الهواء الهادئه تداعب وجهه وهو يتأمل تلك النجوم المتلألئة التي انعكست داخل خضراويه النقية شبيهة حجر الأباتيت المماثل لـ عين القط. وعقله مُنشغلًا بها، إنها لا تملك حيّزًا من تفكيره قط بل سيطرت على كُل تفكيره، غزالة أين هي؟ هل حزِنت عليه بشدّة أم تشفّت به؟!.

ظلّ هادئًا دون التحدث لكن صوت صهيل ندى الملحوظ والمُتكرر جعله يقطب حاجبيه بانزعاج وقلق من أجلها فيجب أن تهدأ..
رفع رأسه ونظر إليهما بانزعاج كأنهما المسئولين عن هذا!.
كاد يتحدث لكن قُصيّ قاطعه عِندما فهم مايُريد قوله من مراقبته له: شوية وهتهدى عادي يعني مش هيحصلها حاجة تلاقيها هرمونات..
تنهد عمّار بـ همٍ فهذا ليس وقت مزحاته حقًا، تلك الآلام تتضاعف ولا تهدأ و النيران مندلعة داخل.

صدره ولا يستطيع تبريدها ولا تخفيف تلك الحرارة ومداوات نفسه سريعًا، فهو يشعر أن صدره مثقوب وفارغ..
قطب حاجبيه فجأة عندما خطر لهُ جاسم، فهو تركة وركض ماذا حدث معهُ بعد هذا؟ و قُصيّ هل تقابلانِ؟
لم يستطع كبح فضوله فسأل آدم وهو يتأوه: هو، هو، الضيف فين؟
قطب آدم حاجبيه بتفكير ثم أطلق آهه دليل على فهمه عِندما تذكر فـ جاراه في الحديث وقال بهدوء: تمام كُله تمام..

نظر لهما قُصيّ بازدراء وسأل آدم بفظاظة وهو يعقد يديه أمام صدره بضيق: ضيف ايه؟ بتخبوا عليا!
راوغ آدم وغيّر مجرى الحديث وهو يقول: الضيف أحمد المُسلسل مشفتهوش؟
رمش قُصيّ بتفكير ثم قال وهو يتذكر: انا مكملتش للأخر كمِلت انت؟
هزّ آدم رأسه بنفي لحقة عمّار عِندما نظر لهُ قُصيّ هو الآخر ليقول بوهن كي يوفر على نفسه الرد على وابلًا من الأسئلة التي ستنفتح عليه: انا مبتفرجش على تلفزيونات..

لوى قُصيّ شدقيه وسأله بوجوم: أبوك بردُه اللي مش بيخليك تتفرج؟
هزّ عمّار رأسه وقال بأسف: لا امي تجول حرام..
ضحكوا ثلاثتهم معًا ليضرب قُصيّ ذراع آدم وهو يقول بسخط: عدِتها بمزاجي الضيف أحمد هاا..
ابتسم آدم ببلاهة وهو ينظر لهُ ليقهقة عمّار بخفة وهو يراقبهما فتأوه وهو يضع يده فوق صدره عائدًا برأسه إلى الخلف، اللعنة لما لا يطيب جرحة سريعًا..

أغمض عيناه وهو يتنفس بثقل ووهن عائدًا بذكرياته إلى ذلك اليوم في السيارة عِندما قامت ليلى بتضميد جرح رأسهُ داخل السيارة ثم رفعت وجهه بطرف أناملها الناعمة وهي تخبره أنها انتهت. لقد هزت كيانه وجعلت قلبه يرفرف في ذلك الوقت لهذا أبعد رأسه عن وقع يديها وابتعد بضيق فهو يكره الخضوع لإمرأة..

وذلك اليوم في الشُرفة عِندما وضعت يدها الناعمة على وجنته وأخبرته أن يسمي طفلته ليلى عِندما يُنجب فتاة من ندى، لقد كانت تسخر لكنها بعثرت مشاعرة وارجفت قلبهُ عِندما شعر بأناملها تُداعب ذقنه..
وعِندما امتطت معهُ فرسه وأسقطتهما معًا من فوقها وسقطت فوقه، لقد تخدر لثوانٍ معدودة عِندما استنشق عِبقها الآخاذ، إنهُ مُسكِر وقد علق بأنفه ويستطيع تمييزه متى ما استنشقه وهي كما يبدو أنها لا تستخدم غيره.

وعِندما تصارعت معهُ واغرقته بالوحل شعر بالتسلية وهو يقذفه عليها كأنهم عائلة سعيدة يحظون ببعض المتعة والتسلية في حديقة منزلهم..
وتلك القُبلة الخاطفة التي طبعها على وجنتها وركض، هو لا يعرف إلى الآن لِمَ أقبل على هذا وقبّلها حتى! فكان من الممكن أن يعتذر بصدق عن الصفعة لكن القُبّلة راقته أكثر..

هذا بالطبع يأتي خلف جلوسها معهُ وتح?




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
5 أفعال خاطئة من الأهل تتسبب في فشل أبنائهم لهلوبة
0 228 لهلوبة
4 مفاهيم خاطئة عن الإفطار الصحي.. اكتشفي الخدعة لهلوبة
0 222 لهلوبة
5 فوائد للوقوف على الرأس.. تخلصي من معتقداتك الخاطئة لهلوبة
0 239 لهلوبة
5 عادات خاطئة توقفي عنها خلال ممارسة رياضة الجري لهلوبة
0 293 لهلوبة
5 عادات خاطئة قبل النوم تزيد الوزن لهلوبة
0 536 لهلوبة

الكلمات الدلالية
رواية ، خاطئ ، الفصل ، الثامن ،











الساعة الآن 12:05 AM