
- لا تُشدد قبضتك فوق الشيء الذي تحبهُ بشدّة، لأنك هكذا تسحقه لا تحتفظ به -.
ابتسم سامي من مجلسه وهو يُراقب ما يحدث بتسلية وتشفي شاعرًا بالانتشاء من فرط سعادته بما يحدث، قُصيّ هذا الرجل يعجبه حقًا.. <a name=\'more\'></a>
وقف من محله عندما شعر بتوقف كل شيءً من حوله عدي الشاب الذي يقف أمام المكبرات الصوتية، يضع سماعات الأذن الكبيرة فوق أذنه ورأسه تهتز بشجن مع الموسيقي أثناء تحريك أنامله فوق المؤثرات الصوتية وبدأ بالقفز عاليًا منفصلًا عن العالم مع الموسيقى الخاصة به..
ارتشف كوب المياه وهو يبتسم بجانبية ثم سار تجاهه وهو يقهقه بصوت عالٍ غير مسموع بالطبع، توقف بجانبه وهو يهز رأسه، نزع السماعات من فوق أُذنه جذب انتباهه جعله يرفع رأسه وهو يبعدها عن أُذنه نهائيًا ناظرًا لهُ باستفهام؟!
أمره بهدوء وهو يلتقط المِذياع من جانبه: أطفي الاغاني دي أطفي، انخفض الصوت بالتدريج حتى تلاشي وبقي فقط صوت همهمات الحضور المختلطة التي لم يفهم منها شيء لكن يعلم ماذا يقولون كيف لا يعلم؟!
تنفس بهدوء ليسمع صوت أنفاسه التى ترددت داخل المذِياع عقبة قوله بهدوءٍ وأسف مُتصنع التفكير: طيب يا جماعة آسفين لسوء الفهم ده وزي ما انتوا شايفين مفيش فرح فإذا تكرمتوا يعني ممكن تتفضلوا وانت كمان معاهم وتعالى لِم عِدتك بعدين..
نظر لهُ الشاب بتعجب ثم خرج مع الحشد الذي كان يخرج برقابٍ ملتوية وهم يتطلعون على جاسم الذي جلس محلهُ مُنهزمًا، عاجزًا، مُحطمًا، لقد دمرت كُل شيء، أسقطته نحو الهاوية دون عودة، غيرت حالته من السعادة العارمة إلى حزنٍ مُطلق، هي لطالما كانت تنجح في جعله يحزن لكن تلك المرة دمرتهُ كُليًا دون رحمة، لا يعلم علام يحزن عليها أم على نفسه!
مازال لم يستوعب ما سمعه مازال يُكذِب أُذنيه، قُصيّ حقير ويعلم لكن هي لا ليست مثلة! ليست ساقطة، لقد صدمته بها تلك المرة وفاقت التوقعات، فاقت التوقعات حقا، ليته يحلم، ليته لم يجدها، ليته لم يُحبها يومًا، هو لم يجني من الحُب سوى الألم وهذا ليس جديدًا عليه، هو منبوذ في الحُب..
إنتفض جسد عشق عِندما وضع سامي يده حول ذراعها واوقفها معهُ ببطء متمتمًا بخذلان وأسف أخفي خلفه سعادة لا توصف: قومي يا عشق قومي، رفعت رأسها ونظرت لهُ باحتقار، فهذا الحقير يستغل وضعها ولن يتركها بسلام دون قتله..
نزعت ذراعها من بين يديه بحدّة وحركت شفتيها كي تشتمة بلذاعة لكنها هوجمت من قِبل روحية عِندما اهتاجت واندفعت تجاهها وهي تحدجها بشراسة وأخذت تصفعها بقسوة، شعرت بتخدر وجنتيها إثرها وهي تهوي وتسقط أرضًا بضعف باكية بحرقة..
وقف سامي أمام روحية عزولًا كي يحميها لكن روحية دفعته بشراسة وجثت أمامها وهي تلهث بتعب بسبب انفعالها، قبضت على شعرها بقوة وهي تسألها باهتياج بأعين جاحظة من فرط الانفعال: الكلام اللي سمعته ده صح؟
هزت رأسها بإيماءة خافته وهي تكتم شهقتها أثناء تحديقها داخل عينا خالتها و رؤيه ذلك القهر الذي استعمرها..
حاولت التحدث بتردد دون خوف قائلة: خالتو أنـ..
صرخت بألم وهي تتلقى صفعة أخرى مع قول خالتها بقهر وهي تحتجز شعرها بين قبضتها: خالتو ايه ياحقيره يا رخيصة انتِ خليتي فيها خالتو؟ فضحينا و وعريتينا قُدام الناس وبكل بجاحة بترفعي عينك في عيني وعايشة في بيتي يا خاينة يا ناكرة الجميل!
نفضت يدها عن شعرها بعنف صارخةً بها بقوة وهي تقف: منكرتش الجميل، وانتِ معطفتيش عليا على فكرة! انا عندي فلوس امي ابويا وبيتي، انتِ اللي خدتيني بمزاجك محدش ضربك على ايدك، وانتِ برضه اللي جوزتيني لإبنك عشان مليش حد في الدنيا، انا بكرهك بكرهك وعمري ما حبيتك، ولو زعلانة اوى على ابنك خليكِ فاكرة إن كل ده حصل بسببك انتِ، انتِ السبب..
توقفت روحية عن الحركة وهي تحملق بها مستنكرة كم الوقاحة والتبجح الذي تتحدث به دون خجل! شعرت ببوادر الأزمة التي ستأتيها لكنها لم تهتم بل صفعتها بقسوة أكبر جعلت وجهها يلتفت للجهه الأخرى تبعثر شعرها إثرها وهي تعنفها: امك وابوكِ لو كانوا عايشين كانوا دبحوكِ..
ضحكت عشق وسط بكائها وهي تهز رأسها يمينًا ويسارًا بأسى قائلةً بحسرة وإنكسار وهي تنظر داخل عينا خالتها دون خجل: هُمه لو كانوا عايشين مكنتش هبقى كده ولا هبقي هنا، بس نصيبي خلاني ابقى معاكِ والمفروض انك تتحملي النتايج، وتحولت نبرتها إلى نبرة مُتحدية وهي تضيف: عايزة تقتليني عشان جبتلك العار؟ اقتليني مش هتفرق كتير ومش خايفة ولا باقية على حاجـ، توقفت الكلمة بحلقها عِندما سقطت أمامها مغشيًا عليها..
هرع إليها سامي بقلق وأخذ يصفع وجنتها محاولًا أن يجعلها تستيقظ بقلق: مرات عمي، مرات عمي، صاح باسم جاسم بصوتٍ مُرتفع أخرجه من الدوامة التي ابتلعته أثناء تحديقة بعشق وهي تتحدث: جااااسم..
هب واقفًا من محله كمن استيقظ الآن من تنويمه المغنطيسي، هرع إليها بخوفٍ استعمر قلبه، جثى أمامها محاولًا ايقاظها بلهفة كما فعل سامي لكنها لم تستيقظ..
حملها سريعًا وركض بها إلى الخارج وقلبه ينتفض داخله قلقًا عليها تبعه سامي تاركين عشق خلفهم تقف وحدها..
زفرت انفاسها المرتعشة بتقطع وهي تضع يدها فوق جبهتها بألم و لهاثِها بانفعال هو ما يسمع، نظرت في القاعة الفارغة حولها بضياع بأعين غائرة، تلتقط أنفاسها بثقل، محت عبراتها بأنامل مُرتجفة، ثم جلست على أحد المقاعد القريبة الملحقة بأحد الطاولات، ظلت ساكنة قليلًا تستعيد رباطة جأشها وهي تسند مرفقيها فوقها لخمس دقائق فقط كانت ساكنة تحدق في العدم ثم اجهشت في بُكاء مرير وأسندت رأسها فوق الطاولة تبكِ بحرقة كالأطفال دون توقف، قُصيّ قد دمرها تلك المرة، ليته جرحها بالكلمات أهون من خيانتها بتلك الطريقة، لقد أتت في الصميم، هما خائنان وهذا طبيعي في تلك العلاقة الخاطئة من البداية..
توقفت بعد بعض الوقت وهي تشهق باختناق، ثم سيطرت على نفسها وخرجت من القاعة ثم الفندق بدون وِجهه محدده، لا تعلم إلى أين سوف تذهب لا تملك أحدًا تلجأ إليه..
لفح الهواء البارد وجهها المُلتهب من كثرة الصفعات التي تلقتها في الداخل شعرت بالحرقة والألم إثرها في آنٍ واحد، بحثت عن سيارة أجرة بعينيها الحمراء المُرهقة وهي تتلفت حولها لكن شهقت بخضة عِندما وجدت من يضع يديه على كتفها بقوة كصديق حميم..
هتف سامي بمكر وهو يرفع حاجبيه: تاني؟ هتهربي تاني؟! عايزه تقهريها منك أكتر؟
حاولت التملص من بين يديه وهي تضرب صدره بقوة كما كانت تظن وهي تكاد تبكِ من جديد لكنه كان يضحك بتسلية واستصغار وهو يحدق في صدره الذي من المفترض أنها تضربه، سار وسحبها معهُ عنوة، دفعها داخل السيارة وصفق الباب خلفها ومن ثم ركض إلى الإتجاه الآخر بسرعة قبل أن تهرب واستقل السيارة وأغلقها من الداخل كي لا تفكر وتلقي نفسها، فهي مجنونة و تستطيع فعلها..
مرت دقائق عليه وهو يقود السيارة والصمت يطبق في المكان دون أن ينبس أيًا منهما بحرف، ظلت عشق تحدق من النافذة بشرود وهي تضم قبضتها بقوة حتى ابيضت، تبتلع غصتها بين الحين والآخر كي لا تبكِ ويشفق عليها حقيرًا مثله..
توقف أمام المستشفى وأطفأ المُحرك ثم ترجل من و السيارة وفتح لها الباب والابتسامة تعتلي ثغرة، طالعته بريبة وتعجب بسبب موقفه هذا تجاهها!
وكأنه قرأ أفكارها ليقول مبررًا ذلك السلام النفسي: لأ ما انا اكيد مش هعمل حاجة دلوقتي! ارجعي الأول واستقري وبعدين اشوف هعمل معاكِ ايه، اصلي برضه مش هسيبك ياعشق وحقيقي انا بحب قُصيّ جدًا، بصقت في وجهه بغضب ورفعت يدها كي تصفعه لكنه أمسكها بقوة وقام بلويها خلف ظهرها بقسوة رجعلها تتألم وهو يمسح وجهه المكفهر بيده الأخرى تزامنًا مع زمجرته الغاضبة ثم سحبها خلفه بعنف إلى داخل المستشفي..
كان جاسم في هذا الوقت يقطع الممر ذهابًا وإيابًا أمام غرفة والدته بخوف وهو يدعو لها أن تصبح بخير، توقف عِندما أبصر سامي يتقدم وعشق تجر قدميها خلفه كي لا تظهر بوضوح..
توقفت في زاوية بجانب الحائط بعيدًا عنهُ دون أن تقترب أكثر توليه ظهرها وهي تسند جسدها على الحائط، بينما سامي هو من تقدم منهُ وسأله بقلق: ايه الأخبار؟
هزّ رأسهُ بأعصاب تالفة وهو يضم قبضته قائلًا بحزن: مش عارف ومحدش لسه خرج من عندها..
هز سامي رأسهُ متفهمًا ووقف بجانبه يفكر قليلا واضعًا يديه في جيب بنطاله محملقًا في ظهر عشق، ابتسم بخبث عُندما جاءته تلك الفكرة ثم اقترب من جاسم أكثر ووقف بجانبه قائلًا بهمس: جاسم عشق جـ، أوقفه عِندما رفع كفه أمام وجهه يمنعه من التكملة قائلًا بعصبية: سامي متجبش سريتها قُدامي وخُدها وامشي من هنا مش عايزها..
وكزه سامي بمرفقه ثم حاوط منكبه وهمس بخبث: جاسم لازم تقعد وتتكلم معاها د، قاطعة صارخًا بحدة جذبت الأنظار: ده وقت كلام يا سامي؟!
ابتسم سامي بإحراج ثم أعاد بتوتر وهو يضرب ذراعه بضيق ضاغطًا على أعصابة بحديثة: دي كانت هتهرب وانا مسكتها بالعافية وجبتها هنا! فوق يا جاسم عايزها ترجعله تاني ولا ايه؟ دي مراتك ولا نسيت؟ لازم تعاقبها ده شرفك ولا انت مش فارقة معاك؟!
ضم جاسم قبضته بغضب جامح، مطبقًا جفنيه بقوة، كاتمًا قهره داخله قبل أن يفقد السيطرة على نفسه وينهار باكيًا كالأطفال، فحاله والدته هي ما تجعله صامدًا، استدار ولوح لهُ من فوق كتفه قائلًا بخفوت: خُدها وامشي..
تنهد سامي وهو يعقد يديه أمام صدره باقتضاب وعدم رضى يُفكر بعمق، فإن لم ينجح مع جاسم سوف ينجح معها، استدار واتجه إلى عشق الشاردة..
أردف بغرور وهو يرمقها بطرف عينيه أثناء سيره بجانبها بتكبر: تعالي ورايا عشان مش عايز يشوفك..
سارت خلفه بانصياع لكن ليس لأجله ولا خوفًا منهُ بل من أجل جاسم فقط..
أتي بها إلى الكافتريا الخاصة بالمستشفى في الأسفل، جلست عشق على مقعد خاص بطاوله في المنتصف، وظلّت تُراقب تحرك سامي هُنا وهُناك حتى أتي بقهوةٍ لها، وضع أمامها قدح القهوة بهدوء ثم أخرج من جيب بنطاله علبة أنيقة معدنية فضية مملوءة بـ لِفافات التبغ المُفضلة لديها، أخرج هو علبته الخاصة وأخرج منها لِفافة تبغ وأشعلها..
حملتها بهدوء ثم قامت بفتحها بتريث ليرتفع حاجبها الأيسر عقبة نظراتها المستفهمه التي ألقتها عليه؟!
ابتسم بمكر و أردف بنبرة لعوب وهو يقذف عليها القداحة: انا واحد عارف انك بتخوني جوزك مع قُصيّ مش هعرف انتِ بتشربي سجاير ونوعها ايه كمان! عيب عليكِ ده أنا سامي اشربي متتكسفيش ولا كأني موجود..
ابتسمت ببرود وأردفت باستصغار وهي تخرج لِفافة التبغ الرفيعة وتشعلها أمامه: على اساس اني خايفة منك؟!
ابتسم بجانبيه وهو يميل بمقعده إلى الأمام ليقترب منها بوجهه أكثر قائلًا بهمس وهو ينفث الدخان بوجهها: عارف انك بجحة و رخيصة وعديتي مراحل الخوف من زمن..
أستنشقت من لِفافة التبغ خاصتها وهي تبتسم بسخرية ثم سألته باستحقار وهي تلوح بأناملها الممسكة بلِفافة التبغ: وطالما هي كده بتجري ورايا زي الكلب ليه في كُل حته ها؟
قهقهة وهو يعود للخلف مريحًا ظهره على المقعد، ثم أردف بقلة حيلة وهو وهو يهز كتفيه: هكذب عليكِ ليه؟ مش هكذب وهقولك ان ده نوعي المفضل حقيقي يعني..
أومأت بخفة دون النظر لهُ وهي تمرر سبابتها على حواف قدح القهوة قائلة بتعبير مُبهم: وبعدين يعني وأخرتها..
هز كتفه وهو يمط شفتيه قائلًا بنبرة نافذة: أنتِ عارفة اني بحبك ومش هسيبك سواء بجاسم ولا من غير جاسم و افهمي بقي..
قذفت قدح القهوة عليه بغضب ليتأوة بخفة من حرارته النسبية المفاجئة، تلوث قميصه الأبيض والتصق على جسده، حرك رأسهُ باستياءٍ شديد وهو يفكر ليستمع إلى تهديدها المُقيت له وهي تقف: لو مبعدتش عني هقتلك يا سامي هقتلك..
اكفهر وجهه وأخذ الغضب يعصف به ثم وقف ودفعها من كتفها بقوة لتسقط جالسة على المقعد، تركها وغادر ووجهته دورة المياه وقد تركها متعمدًا كي تهرب فهو يُريدها أن تهرب كي يستغل هذا لصالحه..
عاد بعد الوقت وهو يزفر بغضب وعيناه معلقة على تلك البقعة الغبية التي لم تزول بعد من فوق قميصه، شدّ شعرة بعصبية عِندما وجد عشق مازالت تجلس محلها وكما يبدو أنها شاردة وقد تركت زمام الأمور تخرج من بين يديها واستسلمت لما سوف يحدث لها ولن تهرب، وهو لا يُريد هذا هو يُريد أن يتشابك الجميع معًا وتحدث مصائب..
أخرجها من شرودها جلوسه أمامها وهو يبتسم بسذاجةٍ ثم هم بالتحدث بأسف: عشق، انا حاولت مع جاسم وقولتله يسيبك تمشي عشان مفيش فرصة انكم ترجعوا مع بعض بس هو قلي انه مش هيسيبك غير لما ياخد حقه منك ويعلمك الأدب ويذلك عشان اللي عملتيه، و انا خايف عليكِ بجد جاسم طيب بس إنتِ متعرفيش في غضبه ممكن يعمل ايه؟ ده ممكن يغتصبك يا عشق عشان يرد كرامته إنتِ مستوعبة؟!
ازداد شحوب وجهها وأرتجف قلبها بخوف وازدردت ريقها بصعوبة وهي تنظر لهُ ببهوت ليضيف: إهربي ياعشق انا خايف عليكِ بجد! وانا هضرب نفسي بأي حاجة وهقول انك هربتي بعد ما ضربتيني..
تمعنت النظر لهُ قليلا وهي تعقد حاجبيها ثم سألته باهتمام: هتضرب نفسك بـ إيه؟
نظر حوله بتفكير ثم أردف بلا مبالاه: ممكن أعور نفسي او اكسر مثلا الكباية دي علي دماغي عادي يعني..
ابتسمت وهي تهز رأسها بخفة ثم وقفت قائلة بانصياع كـ حملٍ وديع: موافقة بس مش المفروض تضرب نفسك الاول وبعدين امشي؟
هز رأسهُ موافقًا بإيماءة بسيطة وأردف بابتسامة وهو يأخذ الكوب كالأحمق: طبعًا، انا هروح اتصرف وهطلع لجاسم وهقوله انك هربتي اوكيه؟
ابتسمت بإشراق لا يليق بشحوب وجهها بتاتًا وأومأت لهُ بطاعة مراقبة ذهابه من أمامها، لتجلس محلها على الطاولة بعد ذهابه وابتسامة ساخرة تعتلي ثغرها..
في دورة المياة الآن..
دبدب سامي بقدميه في الأرض بقوة وهو يكتم تأوهه، ثم وضع رأسه أسفل صنبور المياه مراقبًا الدماء التي تسيل منها، أخذ محارم ورقية وهو يشتم من تحت أنفاسه بغضب، ثم وضعها فوق جرحة وكتم بها الدماء وهرول إلى الخارج، استقل المصعد في طريقة إلى الطابق الذي يوجد به جاسم..
رفي هذا الوقت كان جاسم يجلس على المقعد خارجًا أمام الغرفة يضع رأسهُ بين يديه مغمومًا، راقبة سامي من بعيد لبعض الوقت يستعد للعرض الهزلي الذي سيقوم به ثم هرع إليه سريعًا وهتف بلهاث وهو يتأوه من بين حديثة بقوة: إلحق يا جاسم عشق ضربتني وهربت..
وقف جاسم من محله عِندما رأي ذلك الحذاء اللامع، نظر لهُ باستفهام قائلًا بتشوش وهو يتفحصه بنظراته: معلش يا سامي مش مركز بتقول ايه وماسك دماغك ليه؟
قضم سامي شفتيه بنفاذِ صبر بسببه ثم هم بالتحدث لكنهُ تجمد عِندما سمع صوتها الهادئ يأتي من خلفه مستفهمًا: سامي سيبتنى وروحت فين؟
كاد جاسم يلتفت لكن الطبيب خرج فهرول إليه سريعًا وتركه، التفت سامي سريعًا ليشعر بفرقعة عظام رقبته إثرها..
اشتعلت عيناه بغضبٍ جامح وتقدم منها ببطء وتروي كي تخافه ولو قليلا، لكنها كانت تقف تبتسم وهي ترفع رأسها بشموخ وتحدي، الغبي تستطيع اللعب بعشر أمثاله..
قبض على ذراعها بقسوة وجرها خلفه إلى الأسفل متأوهًا بسبب الغباء الذي افتعله بنفسه وهو يطلق من بين شفتيه ألفاظًا نابية..
دفعها داخل السيارة بعنف ثم صفق الباب خلفها بقوة، وهو يشتعل من الغضب ليتضاعف أكثر عِندما استقل السيارة ووجدها تبتسم وهي تحدق من النافذة بهدوء وسلام نفسي، كأن لا شيء حدث الليلة، وكأنها لم تكن تبكِ ولم يتم فضحها لا شيء! بل تبتسم بهدوء مثير للأعصاب..
أدار المقود بغضب وهو يسألها باقتضاب: مهربتيش ليه؟
اتسعت ابتسامتها وهي تفتح النافذة كي تستنشق هواء نقى لأن وجوده يؤذيها، رفرفت خصلاتها بنعومة حول وجهها مع الرياح جعلته يتأمل ملامحها الرقيقة ويصمت دون أن ينبس ببنت شفة، ضاغطًا على الجرح بيده بقوة بالأخرى كان يقود..
أردفت بهدوء وعيناها معلقة على الطريق دون أن تنظر لهُ: انا خاينة زي ما قُلت متصدقش اي حاجة اقولها..
وفي هذه الأثناء في التجمع السكني الراقي، توقف قُصيّ بسيارته في الجهة المُقابلة لمنزل جاسم ثم أطفأ المحرك وترجل من السيارة بهدوء..
فتح باب السيارة لها، ساعدها على الترجل وهو يمسك كفها بين يديه، عافر وأخرج معها ذيل الفستان من السيارة ثم صفق الباب واتجه حتى يفتح باب المنزل..
توقفت جـنّـة قليلًا محلها تستكشف المكان وهي تعقد حاجبيها، هي دخلت إلى هُنا من قبل عِندما جاءت مع جاسم تذكر هذا، اتسعت مقلتيها بقوة، هربت شهقة متفاجئة من بين شفتيها وهي تستدير سريعًا وظلت تحملق في المنزل المقابل لها! منزل جاسم! هل سيكونون مُقابل بعضم البعض هكذا؟! كيف سيسير هذا كيف؟!
أجفلت على صُراخ قُصيّ باسمها بحدّة: جـنّـة!
استدارت له بخضة ثم حملت مقدمة فستانها وتقدمت منهُ بخطى حثيثة كي لا تسقط، ولجت داخل المنزل أمامه وهي تزدرد ريقها بخوف، دلف وأغلق الباب خلفه وظل مستندًا بظهره عليه، عاقدًا يديه أمام صدره، مراقبًا صعودها على الدرج ببطء بنظراتٍ تتفرسها بغضب، توقفت أمام الحجرة وولجت إليها..
أخرج زفيرًا متقطعًا وهو يسمع صوت رنين الهاتف داخل جيب معطفه، بالتأكيد عمهُ فهو منذُ يومين لا ينفك عن طلبه..
توقف سامي بالسيارة في الخارج وظل جالسًا ينتظر خروجها لكنها ظلت جامدة محلها ولم تتحرك كأنها ملتصقة في المقعد بغراء..
نظر لها بتعجب ثم رفع كفه وضغط على بوق السيارة أفزعها وهو يقول بتهكم: قاعدة ليه مش هتنزلى؟ ولا بتفكري تهربي؟!
ازدردت ريقها بحلق جاف ثم حركت رأسها ونظرت له بوجه شاحب مصفر جعلته يتعجب، هذا الذي هُناك منزل قَصيّ، لقد مكثت به لأسبوع، وأتي بها هو عِندما كانت مريضة، لماذا أتي بها سامى الآن إلى هُنا الآن؟ ستنهار إن رأتهُ..
تحركت في المقعد بعدم راحة وهي تستدير كي تكون مقابلة ثم سألته بتلكي وهي تتنفس بصعوبة: انت، انت جبتني هنا ليه؟
رفع زاوية شفتيه بسخرية وأردف بضيق: جاسم قاعد هنا وجبتك و هرجعله تاني..
ازداد شحوب وجهها أكثر وارتجفت بخفة شاعرة بتلك القشعريرة التي سارت على طول ظهرها حتى عمودها الفقري ثم سألته: جـ، جاسم، ليه مش قاعد في الشقة؟!
أفزعها رده بصوتٍ مرتفع جعلها تنتفض: وانا اش عرفني تبقي اسأليه لما يرجع يلا انزلي..
ترجل من السيارة وصفق الباب بعنف وسار تجاه المنزل كي يفتحه، وهي خلفه تسير بثقل ورقبتها ملتويه تحدق خلفها تجاه منزل قُصيّ وسيارته بقلبٍ انشطر نصفين، إنه في الداخل مع جـنّـة وحدهما..
تعرقلت ببداية الدرج فصرخت بفزع وهي تشعر بجسدها يهوي أرضًا لكن سامي أنقذها قبل أن تسقط وأحاطها بقوة..
ابتعدت عنهُ منتفضة بسرعة كمن تعرض للدغ ثم هرولت تجاه الباب، ذهب خلفها وهو يبتسم بسخرية ثم أخرج مفتاح المنزل من جيب بنطاله ومازالت يده خلف رأسه يضغط بها على الجرح، فتح لها الباب لتلج بهدوء ثم قال قبل أن يغلقه خلفها: معلش هقفل عليكِ عشان متهربيش، وأغلفة خلفها وغادر..
شعرت بالحرارة داخل عينيها، تنهدت ورفعت رأسها تحدق في السقف وهي ترمش بقوة كي لا تتساقط عبراتها الحارقة المنكسرة، سارت بخطواتٍ متباطئة متكاسلة وشفتيها ترتجف من مقاومتها حتى بدأت تصعد الدرج ببطء وهي تتمسك بالدرابزون بضعف، مُبتلعة غصتها بحسرة وهي تقضم شفتيها بقوة..
اغرورقت عيناها بالعبرات أثناء فتح الغرفة بقوة حتى أصبحت الرؤية لديها مشوشة من الغشاوة، كأنها تعرف مكانها وأين من المفترض أن تذرف ولن تجد مكان يلائمها سوى غرفة النوم، فلن تخجل ولن تتوقف فإن الوسادة خير صديق..
استنشقت ما بأنفها وهي تسيطر على ارتجافها أثناء غلق الباب خلفها، تقدمت من النافذة وهي تمحى عبراتها بانكسار، باعدت بين الستائر كي تستنشق هواء نقي لتتحجّر العبرات داخل مقلتيها، وتتوقف عن الحركة والتنفس في آنٍ واحد، وظلت واقفة تُراقب ذلك المشهد القاتل بالنسبةِ لها كالصنم، إن النيران اندلعت بين ثنايا روحها..
فإن كانا شخصين غير قُصيّ وجـنّـة لتبسمت بنعومة وتمنت لهم السعادة الأبدية..
فهاهو حُب حياتها يقف أمام نافذة الغرفة يُعانق زوجته من الخلف بكل حميمية، متسندًا برأسه فوق رأسها كزوجين سعيدين تم إنهاء زفافهما بخيرٍ بعد معاناة لسنواتٍ طويلة حتى تم هذا التجمع كي يتمم زواجه وأخيرًا لكن من أُخرى غيرها..
حقًا هي ماذا توقعت منهُ؟ هذا أقل شيء قد يبدر عنهُ بعد أن حصل عليها وأخيرًا، لقد أخبرها من قبل ألا تثق به لأنهُ سيخذلها لِمَ تفاجأت هكذا؟!.
لكنها تعلم، جـنّـة كانت المُعتزة بنفسها في الوقت الذي كانت هي تمنحهُ نفسها قلبًا وقالبًا كي يجتمع في النهاية مع الأخرى، هذه هي نهاية القصة المتوقعة، نهاية جميع القصص المشابهة لهذه القصة، لا وجود لمكانٍ لها في حياته بعد الآن..
لو ماتت قبل أن ترى هذا لكانت الآن أكثر راحة ولم يكن ليصل قهرها إلى هذا الحد، لقد نجح بقتلها وتدمير كل شيء جميل داخلها، نجح بتحطيم قلبها تلك المرة..
تهاوت ساقطة منهزمة أسفل النافذة وبدأت تبكِ بتقطع بمقلتين متسعة ذهولًا قبل أن تصرخ عاليًا بقهر وهي تضم رأسها بقوة، بدأت تهتز بعنف وهي ترفع ساقيها إلى أحضانها، فكما يبدو أنها ستبيت تلك الليلة غارقة في دوامة ذكرياتها معهُ السعيدة و الحزينة منها، سوف تندم و توبخ نفسها ثم تكرهها وتكره الحياة وتتمنى الموت..
سوف تظل تبكِ كل يوم وتقضي بقية الليالي القادمة على هذا الحال و الانزواء وحدها داخل الغرفة تنتحب بسبب قلبها المجروح، أو تتغير وتغير كل هذا وتكون قوية وتبدأ حياة جديدة من دونة! وهو يعيش مُقابلها! هي الأكثر حظًا على الإطلاق، هذا مثالي..
الألم الذي لم تتمنى يومًا أن تجربه هاهى الآن تتذوق مرارته بلذاعة على يدِ من، قُصيّ الذي إن طلب حياتها ستمنحها لهُ بكل رضى وسعادة!.
لم تصدق يومًا تلك المقولة التي تقول أن الحُب خدعة؟ والآن لم تعد تؤمن بشيء سوى أن الحُب أكبر خدعة قد تحدث لك في الحياة! لكن أنت وحظك يمكنك أن تحصل على خدعة جيّدة تتلذذ بها وترفعك عاليًا لأقصي حدود السماء، ويمكنك أن تحصل على خدعة تصفعك وتهوي بك إلى القاع من نفس تلك السماء، كما هو الحال معها..
فى غرفة قُصيّ..
تحركت جـنّـة بين يديه بقوة قائلةً بنفور: إبعد عني متلمسنيش..
إبتسم بخطورة ثم شدد قبضته حول خصرها بقوة أكبر هامسًا بجانب أذنها من فوق حجابها جعلها تقشعر وتتجمد محلها في آنٍ واحد: ومين قالك اني هلمسك؟ انا مش طايق ابص في وشك، ودفعها بعيدًا عنهُ بقوة
كـ جربه ارتدت إثرها إلى الخلف وكادت تسقط لكنها تماسكت وتشبثت بمقعدٍ بجانبها..
فتح درج الكومود بغضب، أخرج منهُ بعض الأوراق الرسمية وجواز سفره ثم استدار ونظر لها قائلًا بغضبٍ سافر: انا مسافر، وتركها وترك المنزل وغادر..
مطت شفتيها بعدم إهتمام ثم جلست فوق الكرسي الهزاز الموضوع بجانب النافذة، أراحت ظهرها عليه وأرخت رأسها إلى الخلف ورفعت قدم فوق الأخرى من أسفل فستان الزفاف وأخذت تفكر بعمق وهي تطرق بأناملها فوق يدِ الكرسي وهي تتأرجح به أثناء تحديقها في النافذة المقابلة لها، الخاصة بغرفة عشق..
في منزل آدم في الوقت..
كان جالسًا على مائدة الطعام، يتناول العشاء وحده دون إزعاج حتى قطع ذلك السكون حوله سماع صوت حذاء والدته الذي يستطيع تمييزه يطرق أرضًا بصوت مُرتفع..
وضعت حقيبتها بجانب طبقها فوق الطاولة ثم جلست على المقعد المجاور لهُ وهي تزفر بعصبية..
سألته باقتضاب وهي تطرق على الطاولة بأناملها: فين تالين؟
ترك الملعقة من يده ووضعها فوق الطبق وهو يبتسم ابتسامة صفراء ثم سألها بعدم فهم: شيفاني حارسها الشخصي! اتصلي بيها شوفيها فين أصلي بطلت أبقي سواق الهانم، وعاد يتناول طعامه بهدوء دون أن يعبأ بها وبغضبها..
أخرجت هاتفها بعصبية وهي تتأف لتجده مغلق، لقد نفذت البطارية منها..
طلبت منهُ بلغة آمرة وهي تمد كفها إليه: هات موبايلك موبايلي فصل..
رفع رأسهُ ونظر لها نظرة مبهمة ثم ضحك بسخرية ومدّ يده إليها بالملعقة يدعوها للطعام: اشربي شوربة طعمها حلو هتعجبك..
اختطفتها من يده بغضب وكادت تتحدث لكنهُ باغتها بسؤالٍ جعلها تصمت قليلًا: كنتي فين انتِ يا أمي لحد دلوقتي؟
تهجمت ملامحها و امتقع وجهها وهي تسأله بقوة: انت بتحققك معايا يا آدم؟ نسيت نفسك وانت بتكلم مين؟
ابتسم في وجهها بوداعة ثم أردف مبررًا قوله: لأ عارف انك امي وعارف اني ابنك والمفروض اني راجل البيت وأسألك كنتى فين لحد دلوقتي عشان أطمن ولا ايه؟
بادلته إبتسامته بأخرى باردة قائلة بنفي ورفض: لا مش من حقك، انا أُمك ومسمحش انك تسألني ولا تقولي اعمل ايه ومعملش ايه ولا تتحكم في حياتي أصلًا مفهوم؟!
هز رأسه موافقًا وابتسامته تزداد اتساعًا ثم أردف وهو يضع مرفقيه فوق الطاولة مشابكًا يديه معًا: عندك حق مش هسألك ومليش دعوه بيكِ ان شاء الله حتى تتجوزي تمام، ثم عدل ياقة قميصه من أسفل كنزته الصوفية واسترد قائلًا: بس متهيألي من حقي أعرف بتسحبي في فلوس أبويا بتوديها فين ولا ايه؟!
هبت واقفة بغضب وصاحت بعصبية مُفرطة جعلته يطالعها ببرود: انت بتتجسس عليا ولا ايه؟
عقد حاجبيه وهو يهز رأسه باستنكار ثم أردف بتفاجئ مصطنع: بتجسس! دي مش شركتنا كُلنا ولا خرجتوني من العيلة وانا معرفش؟
ضربت الطاولة بيدها وهي تقول بغضب سافر: لأ من العيلة بس متستاهلش عشان محدش اشتغل ليل نهار ووقف الشركة علي رجليها تاني من بعد وفاة ابوك غير مصطفي فاهم ولا لأ؟!
ضحك بسخرية وهو يفرك منحدر أنفهُ ثم قال بتهكم دون احترام: قولي كده بقي، مصطفى بتاع أمه هو اللي علي الحِجر طبعًا ازاي مفكرتش في الموضوع ده قبل كده؟
إهتاجت وصرخت عليه بحدّة: أخرس يا قليل الادب انت ازاي تكلـ، توقفت عن الحديث عِندما غمغم بلا مُبالاة استفزتها وهو يقلب الطعام: خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم، حدجته بنظراتٍ نارية ثم ضمت قبضتها بغضب وذهبت من أمامه..
قذف الملعقة من يديه بحنق بعد ذهابها ليسقط بصره فوق حقيبتها التي تركتها خلفها، ضيق عينيه وهو يحدق بها بتركيز ثم وقف فجأة وحملها من فوق الطاولة وهو يتمتم بأقوال غير مفهومة بسبب ثقلها، ماذا تحمل داخلها؟
قام بفتحها وقلب جميع محتوياتها فوق المقعد، تأفف وهو يقلب بين حافظة أموالها وأحمر الشفاه والمرآة وبعض الأقلام ذات الألوان المختلفة حتى توقفت يديه فوق ورقة مطوية باهتمام بين الأغراض، حملها باهتمام وكاد يفتحها لكن سمع صوت فتح باب المنزل عقبة صوت عودة خطوات والدته العالية..
أخفاها داخل جيب بنطاله الخلفي سريعًا ثم لملم كُل الأغراض داخل الحقيبة لكنهُ توقف عندما أبصر ذلك الملف الموضوع داخلها ملتصقًا بها ولم يسقط بسبب دسه عنوة، أخرجه سريعًا وتابع ضب أغراضها ثم وضع الحقيبة فوق الطاولة ووضع الملف فوق مقعده وجلس فوقه وكأن لا شيء قد حدث، لكنها ستلاحظ اختفاؤه بالتأكيد..
قطعت تالين بهو المنزل سيرًا ببطء، شاردة بلا حول ولا قوة، في طريقها إلى الأعلى مباشرةً دون أن تلتفت لأي أحد..
توقفت على بداية الدرج عندما صاحت شهيرة باسمها بصوتٍ مرتفع: تـالـيـن، استدارت على عقبيها ونظرت لها بوجه باهت قائلة بوهن: بتنادي يا ماما؟
أومأت وهي تجلس على المقعد: ايوه و تعالي كلميني هنا، هزت رأسها بانصياع وهي تتقدم منهما مبتلعة غصتها بمرارة..
همست شهيرة لأدم بغضبٍ مكتوم: انا مخلصتش كلامي معاك، انا كنت بحط الموبايل في الشحن بس، رفع زاوية شفتيه بسخرية وتابع تصنعه لتناول الطعام..
جلست تالين على المقعد بهدوء ونظرت إلى شهيرة باستفهام لتسألها ببعض الحدّة: كنتي فين ومش بتردي علي موبايلك ليه؟
ردت باحترام وهي تخرج هاتفها من الحقيبة: أنا كُنت عند ماما و موبايلي مفتوح من الصبح! موبايل حضرتك انتِ اللي كان مقفول عشان انا الصبح ملقتش حد فـ نزلت الجامعة اشوف الجدول وبعدين طلعت علي ماما ومن ساعتها وبحاول اتصل بحضرتك بس مقفول هو كان فاصل ولا كنتي في حته مفيهاش شبكة؟!
تحمحمت شهيرة وهي تفكر بالرد ليبتسم آدم بسخرية وهو يحدق بها، ثم دار بنظره يحدق بتالين التي ظلت صامته بعد حديثها ولم تضيف شيءً آخر، لا تبدو أنها بخير، لقد كاد يجن صباحًا عِندما لم يجدها في المنزل، فـ فكر قليلًا ثم ذهب خلفها إلى الجامعة وظل واقفًا بعيد يُراقب الطريق حتى وجدها تخرج بعد ساعتين من الانتظار أمام باب الجامعة، أخذت سيارة أجرة وذهبت، سار خلفها بالسيارة حتى وصلت إلى منزل والدتها، اطمئن عليها وعلى كونها آمنة ثم عاد إلى المنزل..
أخرجه من شرودة سؤال والدته لتالين بتكبر: وعاملين ايه اهلك كويسين؟ لسه برضه قاعدين في الشقة الصغيرة اللي في الحارة الضيقة دى؟
هزت رأسها بانكسار وهي تقضم شفتيها كي لا يلاحظ أحدًا إرتجافها لكنها لم تستطع أن تخفيه بين طيات نبرتها المنكسرة: اه، لسه قاعدين هناك..
زفر آدم بغضب وأخذ يهز قدمه بتوتر ثم سأل والدته باستفزاز: مالها الحارة يا امي؟ علي ما اذكر انك انتِ وبابا جايين من الحارة!
ابتسمت شهيرة وهي تعتصر أناملها بيدها بقوة قائلة من بين أسنانها: هو انا قولت حاجة يا حبيبي برضه؟ عادي بسأل بس، أصل مصطفي احتمال يجي النهاردة او بكره كُنت عايزاكِ تبقي موجوده تستقبليه زي أي زوجة انا غلطانة؟
هزت تالين رأسها بنفي وهي تبتسم ابتسامة باهتة ثم قالت بهدوء كي تسترضيها: انا موجوده اهو يا ماما وبُكره معنديش حاجة مش خارجة وهفضل موجودة ومستنياه متقلقيش، عن إذنك عشان انا تعبانة، أومأت لها بخفة وراقبت ذهابها بتفكير ثم ألقت نظرة باغضة على آدم وأخذت حقيبتها وذهبت إلى الأعلى..
وقف بعد أن تأكد من ذهابها إلى غرفتها ثم أخذ الملف واتجه إلى الخارج، استقل السيارة وأدار المقود ليصدح صوت رنين هاتفه، ضرب جبهته بقوة عِندما تذكر الهاتف لقد قام بنسيه داخل السيارة..
تأوه متفاجئًا عِندما وجد كم المكالمات الفائتة من قُصيّ، أعاد الاتصال به ليبعد الهاتف عن أُذنه سريعا وهو يتأوه بسبب صوته المرتفع الحاد الذي جعله يشعر بالطنين..
صرخ به بغضب: ايه يا قُصيّ الزفت وداني؟
أتاه صوته النافذ من الهاتف بغضب جام: انا مسافر..
توقف آدم قليلًا عن الحديث ثم فكرقليلًا وسأله بتهكم: رايح فين؟ ومع مين؟ عشق هانـ، صرخ به بصوتٍ جمهوري جعله يسقط الهاتف من يده ويضع كفه على أذنه متأوهًا بقوة: انااااا لوحدي مفيش عشق خلاااااص، خلاااااص
رد عليه صائحًا بغضب: ما خلاص خلاص غور في داهية مش عايز أعرف جتك القرف كُله، وحمل الهاتف وأغلقه في وجهه بغضب، وقاد السيارة وذهب إلى وجهته المحددة..
في صباح اليوم التالي..
أنهت ليلى مكالمتها الهاتفية مع نادين وهي تقف أمام الحائط الزجاجي الخاص بمكتبها تُراقب الطريق في الأسفل، كتفت يدها أمام صدرها وهي تتنهد بحزنٍ عميق لأن اليوم الذكري السنوية لوفاة زوجها رحمة الله عليه..
مررت يدها داخل شعرها المُجعد بضيق، فهي أصبحت مُرهقة في الفترة الأخيرة وتصفيف شعرها بات يتعبها فتركته يتجعد كما يحلو لهُ، هي لم تشفي من جراحها بعد، مازالت تلملم ما بقي من روحها حتى تتابع حياتها بطبيعية، إنها مفتقدة إلى هدوء حياتها ورتابتها المعهودة، فتلك الليلة لا تنفك عن مطاردتها في أحلامها كل يوم تجعلها تستيقظ مفزوعة وتظل تبكِ وحدها حتى الصباح، لقد أصبحت شاحبة والهالات السوداء استعمرت أسفل عينيها من أرقها بسبب عجزها عن النوم ساعاتٍ كافية كل تلك الأيام السابقة..
حاولت بشتى الطرق نسيان تلك الليلة وبالأخص نسيان عمّار وإتيانه في تلك الحالة المزرية من أجلها لكنها عاجزة، كان تصرفًا نبيلًا من قبلِه ولن تنكر هذا ويستحق أيضًا الشكر لكنها لا تستطيع إدراك هذا التفكير في كونها ستقف أمامهُ شاكرة ممنونة لا تستطيع تخيّل هذا قط فهو صعب كي تفعلهُ..
قطع شرودها طرق فوق الباب بخفة لـ تأذن بالدخول بصوتٍ خفيض: اتفضل..
دلفت رنا مساعدتها وهي تقلب في الملفات التي تحملها بين يديها باهتمام وهي تقول: دي كل الناس اللي قدمت على الوظيفة الجديدة، أنا عملت معاهم المقابلة كلهم من يومين زي ما طلبتي إلا واحد بس مكنش موجود وحتى الـ cv بتاعة عجيب بجد أنا فضلت أضحك أول ما شوفته شكل صاحبه بيهزر!.
عقدت ليلى حاجبيها بجدية وساقتها قدماها إلى المكتب وهي تطرف بحذائها المرتفع فوق الأرضية، كانت ترتدي بنطال قماش أسود يصل إلى خصرها زينته بحزامٍ رفيع أسود، ضيق من الأعلى و اقدامة واسعة هفهافة من الأسفل، يعلوه كنزة صوفية سوداء ضيقة ملتصقة عليها كـ جلدٍ ثانِ لها تحتضن رقبتها، أدخلتها داخل البنطال، فوقها سترة سوداء أنيقة بأكمام وزينت معصمها بساعةٍ رقيقة كانت تنظر داخلها من حينٍ لآخر..
جلست على مقعدها باستقامة ثم قامت بوضع هاتفها جانبًا فوق جدار المكتب..
أخذت منها الملفات وهي تسألها باستفهام: فين الـ cv الغريب اللي بتقولي عليه؟.
ابتسمت رنا وقالت وهي تحدق بالملفات: أول واحد، محتاجة حاجة ثانية مني؟
هزت ليلى رأسها بنفي قائلة بامتنان: لأ يا رنا شكرًا..
أومأت رنا وهي تبتسم ثم تركتها وغادرت..
جلست على مقعدها في الخارج بهدوء وباشرت عملها ليقاطعها صوت أحدهم بعد انتشار تلك الرائحة الطيبة في المكان: ممكن أقابل ليلى هانم؟
أبعدت نظرها عن الأوراق ورفعت رأسها لتتسع عيناها وتشهق وهي تهب واقفة بتفاجئ..
هتفت بغضب وهي تحدجة بنظراتٍ نارية: انت ازاي تسمح لنفسك انك تيجي هنا تاني بعد اللي عملته؟
غمغم عمّار باستخفاف وأردف بازدراء وهو يلوح لها بمعطفه الأسود الطويل الذي يمسكه بين يده: وانتِ مالك؟ شركة ابوكِ هي؟ خلصي قوللها ان في حد عايز يقابلها عشان الشغل، مش المفروض في مقابلة صح؟
زفرت باستياء وهي تطالعه ببعض الخوف ثم رفعت سماعة الهاتف وتحدثت وهي ترمقه بطرف عينيها أثناء ابتسامته الصفراء لها: في واحد عايز يقابل حضرتك، عشان الشغل، تمام..
صفعت سماعة الهاتف بعنف وهي تتأفف ليسألها باستفهام وهو يبتسم بوداعة: أدخل؟
ردت مستفهمة من بين أسنانها بغضب: هو انت صاحب الـ cv الفاضي؟
ابتسم بمكر وهز رأسهُ قائلًا بغرور: اصلي مبحبش أتكلم عن نفسى كتير..
بادلته إبتسامته بأخرى متهكمة وهي تشير على الغرفة بكفها: إتفضل، هز رأسه بخفة وتقدم للأمام لكنهُ توقف أمام الباب و استدار على عقبيه قائلًأ لها بـ لغة آمرة استفزتها: أنا قهوتي سادة ومتتأخريش عشان مصدع هاا بسرعة، وتركها ودلف إلى الغرفة..
كانت ليلى تبتسم في الداخل وهي تخفض رأسها وعيناها تتجول على الأوراق الفارغة أثناء تقليب الصفحات ببطء، فمن خفيف الظل هذا الذي يشاكسها؟.
عقدت حاجبيها بانزعاج عِندما خطر لها عمّار فجأة فهو الذي يمكنه العبث بتلك الطريقة! لكنهُ ليس هُنا، وما تلك الرائحة الآن؟! بالتأكيد لن تستنشق رائحته لمجرد أنها تفكر به!.
رفعت رأسها بانزعاج لتموت ابتسامتها فوق شفتيها عِندما أبصرته يتقدم منها، ارتجف قلبها بخوف وازدردت ريقها بحلق جاف وهي تراقب تقدمه منها بأعين زائغة وهو يبتسم باتساع وعيناه تقدح مكرًا..
قذفت الملف من يدها بقوة لتتناثر أوراقه أرضًا ويدعسها أثناء تقدمه في طريقه إليها، توقف قليلًا متوجسًا أثار في نفسها التعجب جعلها تناظره باستفهام؟ ليبرر موفقة وهو يعود للسير: مستنيكي ترمي حاجة تاني بس خلاص..
جلس مقابلها فوق المقعد وهو يتنهد ثم سألها عن حالها بابتسامة جذابة: عاملة ايه؟
ضمت قبضتها بقوة حتي ابيضت ثم دفعت بمقعدها إلى الخلف وهي تثبت قدمها أرضًا ووقفت وتقدمت من النافذة وهي تعتصر اناملها بغضبٍ وتوتر، لا تعلم كيفية التصرف معهُ الآن ولا حتى الحديث ماذا يُريد؟
لتبدأ الذكريات الخاصة بتلك الليلة تتوافد على عقلها واحدة تلو الأخرى، عِندما عانقها بحنان وهي تبكِ بحرقة، وعِندما أخبرته أنها تكرهه ثم أسندت رأسها فوق صدره، اللعنة عليه فقط لا تستطيع قول شيءً آخر، بالتأكيد يتراقص بفخر أمام المرآة ويستعرض نفسه عِندما يتذكر عمله البطولي معها..
أعادها لأرض الواقع صوته العميق الهادئ يقول باستفهام: ايه مش هتكلميني؟ احنا متخاصمين؟ طيب انتِ لابسة اسود ليه؟ حداد عليا ولا ايه؟ فاكراني مُت؟!
مسدت جبينها بقوة وهي تحني رأسها متأففه، تفكر بتشوش وهي تزفر بتقطع..
دلفت رنا بهذا الوقت حاملة قدح القهوة بين يدها بملامح لا تفسر، وضعتها فوق الطاولة أمامه بهدوء وهي تصر على أسنانها بقوة، استدارت لتغادر لكن صوت ليلى الموبخ الحاد وهي تعود لمقعدها أوقفها: مين قالك تعملي قهوه مين؟
ازدردت رنا ريقها وقالت متلعثمة: آسـ، آسفة، بس هو اللي طلب قبل ما يدخل!
زادت توبيخًا لها وهي تأشر عليه بكفها أثناء مراقبته لها وهو يبتسم باستمتاع: وكمان بتكذبي وبتقولي واحد عايزني عشان الشُغل شُغل ايه؟
هزت كتفيها وقالت بجهل: مش عارفة بس هو قالي كده بره انا مكذبتش ولا حاجة؟!
زفرت بعصبيه وأردفت بتحذير: دي آخر مرة تسمحي لحاجة زي دي تحصل ولو اتكررت منك تاني محدش هيتحمل النتايج غيرك اتفضلي على شُغلك، أومأت باحترام ومن ثم تركتها وغادرت، وهي تلعن عمّار..
تأففت بغضب ثم نظرت لهُ باقتضاب وصاحت بانفعال: بتضحك علي ايه؟
ضحك بصوتٍ رنان وهو يعدل من جلسته قائلًا بابتسامة وهو يشملها بنظراته الماكرة مدققا في تفاصيلها: حمد الله علي السلامة، طالما انتِ مش هتقولي اقولها انا، عـ، قاطعته بجفاء وهي تلقي على مسامعه كل ما تريد قوله دُفعة واحدة: عمّار لو سمحت انا عايزه اعيش بهدوء من غير توتر ومشاكل ووجودك بس لوحده قدامي مش مطمني، فـ لو سمحت ممكن تخرج من حياتي؟ كل حاجة انتهت خلاص جاي ليه؟ ليه؟
تنهد وهو يأخذ رشفة من قدح قهوته ثم ردّ على سؤالها بجدية دون أن يحيد بنظرة عنها: جيت عشان الشُغل فين الـ cv بصيتي عليه بصة ولا ايه؟
ضربت بكفها فوق مجموعة الملفات القابعة أمامها بغضب قائلةً بسخط: الزفت فاضي وتشتغل ايه اصلا مؤهلك ايه عشان أشغلك هنا؟!
ابتسم وهو يستدير باحثًا عن شيءً في جيب معطفه حتى أخرج لها قلمًا!، وقف ووضعه أمامها قائلًا بابتسامة: قلم أهو اكتبي فيه الشروط اللي انتِ عايزاها وهحاول الاقيها فيا عشان تتبسطي..
أغمضت عيناها بنفاذِ صبر وصاحت متهكمة: انت جاي تهزر؟
هز رأسه بنفي وقال بجدية: انا مش جاي لا اهزر ولا اضايقك بجد، كل الموضوع اني محتاج شُغل عشان بقالي فترة عاطل والمفروض انك تقبليني لأني لقطة وهظبتلك الشُغل عشان انا متحمس!
ضحكت وهي تفرك حاجبها الأيمن ثم أشارت علي الباب وهي تقول ببرود: عمّار شايف الباب اللي هناك ده؟
هز رأسهُ بنفي قاطع وهو يقول بابتسامة: لأ مش شايفة انتِ شايفاه؟
أومأت وهي تأشر عليه بكفها بابتسامة باغضة ثم قالت بأمر من بين أسنانها: ممكن بقي تتفضل تخرج بره بقي ولِم الورق ده معاك وخده اعمل بيه زينة رمضان..
قهقهة بخفة ثم سألها بوداعة وهو يرمش: أخرج ليه متقبلتش ولا ايه؟
زفرت باختناق وهي تتنفس بنفعال ثم قالت باستياء شديد وهي تمسك قلمه تقلبه بين يديها: عمّار معنديش اي سبب يخليني أشغلك هنا؟ و عشان متزعلش مش هعين أي حد ولا كأني عملت إعلان أصلا خلاص، مفيش وظايف ولا مقابلات شكرا ليك المقابلة انتهت تقدر تتفضل بقي..
نظر حوله قليلا وهو يهز رأسهُ بتفهم ثم قال بجمود: تمام، اعتبري عمّار المحترم اللي بيضحك اللي كان عايز الوظيفة مشي، وعمّار الهمجي النكرة اللي مش بتطمني في وجوده هنا، ها هتديني الوظيفة؟!
سألته بتهكم وهي تبتسم بسخرية: انت بتهددني يعني؟ كده هخاف؟
ابتسم بسذاجة ثم سألها باقتضاب: انتِ عمرك ما عملتي حاجة بمزاجك وانتِ راضية أبدًا! لازم تعمليها غصب عنك؟ بتحبي اللي يجبرك صح؟ بجد والله انتِ اللي بتجيبيه لنفسك وفي الأخر أطلع أنا الهمجي صح؟! بصي عشان منتكلمش كتير هشتغل هنا وهتوافقي تمام؟
هربت ضحكة ناعمة خافته من بين شفتيها أثناء تفكيرها بعمق ثم قالت له ومازالت الابتسامة تعتلي ثغرها وهي تريح ظهرها على المقعد غير مكترثة بما قال: بعيد عن كل اللي قولته يا عمّار، انا هعرض عليك عرض كويس ويمشي معاك تسمع؟!
هز رأسهُ بخفة وهو يراقب ابتسامتها الغير مفهومة غير غافلا عن شحوبها والأرق البادي عليها لتتابع بجدية: تحت جنب الشركة بالظبط في محل كبير مقفول والمعروف طبعا ان مش كل اللي شغالين في الشركة مستويات معاها فلوس عشان تطلب فطار كل يوم، عشان كده فكرت ممكن اخد المحل وافتحه مطعم فول وطعمية وهشغلك فيه بس متقلقش مش هتتبهدل خالص انت هتقف تخلل لمون بس..
قذف عليها معطفه باقتضاب ليسقط فوق وجهها، لتعود بالمقعد إلى الخلف وهي تضحك بقوة أثناء قوله بغيظ وهو يضرب جدار المكتب بكفه: تصدقي انا غلطان عشان ملبستش الحزام النهاردة..
أبعدت معطفه المعبأ برائحته عن وجهها وهي ترفع حاجبيها المنمقين أثناء ضحكها قائلةً بتعجب وبتلقائيه كانت تضم معطفه إليها: مالك اتعصبت ليه؟ صدقني انا مش شايفاك غير كده، انت لقطة فعلًا وهتنجح وممكن تطور من ده وبعد كده قدام ممكن تصدر اللمون بره مصر..
مسد جبينه وهو يزفر بنفاذِ صبر قبل أن يقف ويطبق وجهها بين يديه تلك السخيفة، رفع رأسهُ وحدق بها وهو يسند وجنته على راحة يده بملل متابعًا ضحكتها المشرقة التي بدأت تختفى بالتدريج حتى لم يعد لها أثر..
تنهد وقال بهدوء وهو يرفع حاجبه الأيسر: خلاص خلصتي ضحك وتريقة اتكلم؟
أومأت وهي تبعد شعرها إلى الخلف بأناملها النحيفة، تضم شفتيها بقوة كي لا تضحك مجددًا، حرك شفتيه كي يتحدث لكنهُ توقف مضّجرًا عِندما لاحظ ارتعاش شفتيها المثيرتين ستضحك مجددًا!
انفجرت ضاحكة بقوة وهي تخفي وجهها بين راحة يديها حتى أدمعت عيناها، إنها متعبة وبحاجة للبكاء..
خلل أنامله داخل خصلات شعره وهو يحملق بها حتى ضحك معها وهو يهز رأسهُ، ثم قال بعدم فهم مستفهما منها: إنتِ عندك كبت ولا ايه؟ ده مجرد لمون ايه يعني؟
رفعت رأسها وجففت عبراتها بِكُم معطفه بعفوية وهي تعتذر بصوتٍ ناعم: سوري معلش بس انا قُلت اللي عندي خلاص..
هزّ رأسهُ متفهمًا ثم طرق بأنامله فوق الزجاج الموضوع فوق جدار المكتب: حلو الإزاز الجديد ده.
قلبت عينيها وقالت بثبات دون خوف: قديمة دي معايا انا حزام تاخده تجرب؟!
مشط ذقنه بكفه وهو يبتسم بجانبية قائلًا بعدم إهتمام: هعمل بيه ايه؟ انا محتاج وظيفة وهتحتاجيني انا همولك الشركة على فكرة!
عقدت حاجبيها بانزعاج ثم سألته بعدم فهم متبرمة: انت مالك بشركتي؟، وتابعت بتهكم استشعر به الاستصغار: ومين قالك اني محتاجة تمويلك أساسًا؟
هز كتفيه وهو يفكر قليلًا ثم قال بثقة: الممولين اللي معاكِ زي ما انتِ عارفة بيلعبوا في البورصة كتير وللأسف البورصة هتهبط الأيام الجاية وفي ناس هتخرج منها شحاتة ساعتها بقي هتعملي إيه؟
شابكت أناملها معًا قائلة بابتسامة صفراء: ساعتها هعمل اللي اعمله ملكش دعوه، الشركة مش هتقع من غيرهم يعني!
ابتسم بسخرية وقال بنبرة جادة غير مُسلية بالمرة: لا هتقع عشان الشركة دي عبارة عن ورق مش اكتر ولما تشغليني في الحسابات هتعرفي انك بتتسرقي وبتاخدي علي قفاكِ الجميل كمان..
امتقع وجهها من الغضب ثم قالت بنبرة تحذيرية وهي تحدجة بنظرة متدنية: عمّار مش عايزة قلة أدب والزم حدودك ولو فاكر ان الكلام الفارغ اللي قولته عشان اشغلك دخل دماغي تبقي غلطان وشكرا للنصيحة وتوقع المستقبل بتاعك اتفضل بره..
تجهمت ملامحه وقال بدون تعبير وهو ينظر لها نظرة فارغة حطت من قدرها: انتِ فاكرة نفسك ايه بس نفسي اعرف؟ ولا تكوني صدقتي بجد اني محتاج الشغل والملاليم اللي هتديهاني؟
ابتسمت بعصبية وسألته بتغطرس وهي تصر على أسنانها: وطالما انت مش محتاج جاي ليه؟
وقف وهو يزفر باستياء ثم مال بجذعة فوق المكتب واختطف معطفه من بين أحضانها بقوة وهو يقول بسخط حقيقي أثناء تحديقة بوجهها الممتقع ونظراتها الشرسة التي تلقيها عليه: انا غلطان اني عايز اعمل خير بس اقول ايه نمرودة وهتندمي براحتك يا، يا ندى، و ألقي عليها نظرة صاغرة وغادر..
صرخت بغضب جامح استوقفته قبل أن يخرج وهي تقول متوعدة: انت اللي هتندم عشان رجعت تاني..
توقفت يده فوق المقبض واستدار قائلًا لها بثقة: انا مبندمش علي حاجة اختارتها، وانا اخترتك، تعرفي؟ إنتِ اللي هتندمى كتير، سلام، وأدار المقبض ليذهب لكنهُ توقف لب?