في ظل انفراد شبه تام بالساحة الفنية من قبل منصة “نتفلكس” عبر مسلسلات أصلية وعروض وحتى أفلام، نطالع من بعيد صوتا خافتا تبثه منصة “آبل تي في بلس” هذا الصوت نعني به بالتأكيد مسلسل “see” والذي بدأ بثه منذ أسبوعين تقريبا، من خلال أربعة حلقات أولية، ثلاثة تم بثهم دفعة واحدة ضمن الأسبوع الأول، وحلقة رابعة ضمن الأسبوع الثاني. <a name=\'more\'></a>المسلسل فانتازي بامتياز ينتمي إلى نوعية قصص ما بعد الكارثة، حيث يحملنا رأسا إلى المستقبل، لكنه مستقبل مرعب يفقد فيه البشر حاسة الإبصار، نتيجة مرض غامض تفشى وانتشر وأتى على معظم البشر. حسب قصة المسلسل لم يتبق على قيد الحياة سوى مليوني نسمة فقط، فيما تراجعت البشرية بفعل الكارثة وفقدان البصر إلى الصفة البدائية من العيش، وبمرور الزمن والقرون أضحى النظر أو الإبصار محض هرطقة أو خرافة لا تمت للواقع بصلة. وسط هذا العالم المظلم تولدت جماعات ودساتير وعقائد وعادات جديدة كلياً، ضمن مفارقات لا حصر لها، فيما يعود الإنسان اختياراً إلى الأيدولوجيا والسحر عله يجد فيهما العزاء والتفسير لكل ما يشكل عليه، ومن هنا تتاح الفرصة أن يعتلي قمة السلطة حاكمة تتدعي السحر وتسوق الناس بناءً على ما تفترضه من اتصال لها بالإله. ذروة الخشوع فيما يفترض أنه صلاة أو طقسي تعبدي لتلك الحاكمة، هو نفسه ذروة المتعة ال**ية، وفي هذا تجسيد غير مباشر لما تمثله سلطتها ودينها من وهم وزيف، وانعكاس لحاجة الإنسان الماسة لأي قوة تتجاوز ذاته الضيقة يستند عليها حتى وإن كانت مجرد خرافات. قصة المسلسل لصاحبها المؤلف الشهير “ستيفن نايت” طُرِقت من قبل في إطارات أدبية روائية لعل أبرزها “العمى” للبرتغالي “جوزيه ساراماجو”، وفي إطار الأدب العربي طرحها الكاتب الراحل “أحمد خالد توفيق” ضمن روايته “في ممر الفئران”. ما زال المسلسل عبر قصته مفتوحة التوقعات يحمل في طياته الكثير، لذا فإن الحكم عليه بشكل حاسم الآن لن يكون منصفا، لكن يمكننا إجمالا القول بأن المسلسل أحرز عبر حلقاته الأولى نجاحا معقولا حيث حقق ما نسبته ٧.٧ من عشرة على مقياس قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت “IMDb”، وهو قاعدة في الأخير تعكس الحس الجماهيري تجاه الأعمال السينمائية والدرامية. بجانب الحماسة والفكرة عميقة التأويل التي يطرحها المسلسل، إلا أنه تمكنت منه بعض المظاهر أو الأحداث المجافية للمنطق، مثل قدرة قوم لا يبصرون على بناء بيوت وتشييد شراك وخدع حربية، فضلا عن القتال فيما بينهم، كيف يعرف من يقاتل من يقتل، وماذا عن تسلق الجبال والأماكن الوعرة وغير ذلك، أما الحلقة الرابعة فقد احتوت على قدرة بطل المسلسل الفاقد للبصر “بابا فوس” الذي يجسده “جيسون موموا” من بناء ما يشبه المركب الشراعي دونما مساعدة أحد، وهو ذروة ما بلغه المسلسل حتى الآن من اللامنطقية. كذلك تبرز مسألة الأزياء وتناسبها من حيث الألوان وربما عصريتها كمطعن إضافي يضاف إلى سلسلة النقاط السلبية الموجهة ضد المسلسل، إذ لا يعقل أن يهتم مجتمع من العميان بفكرة الالوان والتناسق التي لا يراهما في الأصل. رغم ذلك يبقى المسلسل مُبشرا، خصوصا مع ما تحمله قصته من دلالات فكرية عميقة، مثل كون الإبصار جريمة تساق وتسخر في سبيل إخمادها الجيوش، كذلك يحمل المسلسل آفاقا قصصية خصبة مليئة بالفضول، ينتظر معها سير الإنسان مجددا نحو بناء حضارته من الصفر، وهو أمر يتلهف كثيرون معايشته عن قرب. لا يزال لدى المسلسل فرصة كبيرة للتغلب على النقد السلبي الذي أثير حول حلقاته الأولى، وذلك من خلال الحلقات القادمة له، والتي ينتظر لها أن تكشف مزيدا من المعلومات عن ماهية الشخصيات وتاريخها، فضلا عن أحداث جديدة تندرج ضمن فك طلاسم الفضول القائم
https://archive.janatna.com/