الأديان في الإسلام ، بعد عهد عيسى عليه السلام، جاء الإسلام للعرب وجاءت بعثة النبي صلي الله عليه وسلم في فترة انقطع فيها الوحي، وكان العرب في ذلك الوقت أبعد عن مظاهر التدين، ويعبدون الأصنام التي انتقلت إليهم من الأمم السابقة كيعوق وسواع وود ونسر ويغوث، والتي كانت في قوم نوح، وكان العرب أيضًا يعبدون أصنام قريش كالعزى واللات ومناة وهبل حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده والإيمان به.
وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لكي يبني الدولة الإسلامية فيها، وجد بها خليطًا من الديانات كالنصرانية واليهودية، فأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم كامل الحقوق لهم، كما جعل عليهم واجبات، وأحسن التعايش معهم.
وفي هذا الموضوع سوف نعرض فكرة التعايش بين الأديان، وكيف دعا الإسلام له وحرص عليه، بعد بيان المقصود بالتعايش وتوضيح شروطه ومحتزراته.
التعايش في اللغة: هو مصدر تعايش، تعايشًا، فهو متعايش، والتعايش في اللغة يأتي بمعنى: العيش على المودة والألفة، وتعايش الأفراد: إذا وجدوا في مكان وزمان واحد، والتعايش أيضًا يأتي بمعنى: مجتمع بطوائفه المتعددة، ويعيشون فيما بينهم بثقة ووئام وانسجام رغم اختلاف المذاهب أو الفئات أو الأديان، والتعايش السلمي يعني: وجود بيئة مليئة بالتاهم بين فئات المجتمع الواحد بعيدًا عن العنف أو الحروب.
التعايش اصطلاحً: يعني اجتماع مجموعة من الافراد في مكان معين وتربطهم وسائل العيش من مشرب ومطعم وأساسيات الحياة، بغض النظر عن الانتماءات والديانات الأخرى، ويعرف كل منهما بحق الآخر دون اندماج وانصهار.
وضع القرآن الكريم مجموعة من القواعد الواضحة لكي يحفظ المجتمعات البشرية ويبعدها عن الفتن الطائفية، كما أعلن الله في آياته بأن الإسلام في مكنونه يجمع بين الخلق الذين خلقهم من نفس واحدة، وهو ما يعني أنهم مشتركون في وحدة الأصل الإنساني، حيث قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”، فالبشر جميعهم على هذه الأرض يشتركون في الإنسانية، وبالتالي كفل الإسلام لهم حق الحياة والعيش بكرامة دون أي تمييز بينهم، وذلك من مبدأ أن الإنسان مكرم لذاته، دون الالتفات لعرقه أو ديانته أو منشئته أو لونه، فجميع أفراد المجتمع كأسرة واحدة لهم حقوق معينة وعليهم واجبات، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”.
أما عن الاختلاف الذي يظهر في أشكال وألوان وأجناس ولغات الناس فليس سوى دليلاً على عظمة الله الخالق وإبداعه وقدرته في خلقه، وقال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ”.
فالاختلاف إذا وجد في المجتمعات البشرية ينبغي أن يكون ذلك من الظواهر الطبيعية، ولا يبنغي لفئة أن تتغول على فئة أخرى لأن ذلك يؤدي لحدوث البغضاء والعداوة في المجتمع كما أنه يثير الصراعات الطائفية بين افرادها، لذلك ينبغي أن يكون ذلك الاختلاف سببًا للتواد والتراحم والتعارف بين أطياف المجتمع الواحد، والسعي لإيجاد المصالح المشتركة بينهم، وقال الله تعالى في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”، ونجد أن الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة قد أشار إلى أنه لا مجال للتفاضل بين الناس إلا على أساس التقوى والقرب من الله -عز وجل- ومدى تطبيق شرائعه والالتزام بما جاء به الرسل عن الله، قال تعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”.
أما من لم يؤمن وينتسب للإسلام من الأديان الأخرى التي جاءت من عند الله قبل مجيء الإسلام، فإن القرآن الكريم لم ينظر لهم على أنهم ليسوا بشرًا أو بانتقاص، وأنه لا يحق لهم ما يحق للمسلمين؛ بل نظر الإسلام إليهم نظرة لين وتسامحٍ، ولا ينبغي على المسلم تجاه من خالف الاعتقاد السليم من غير المسلمين إلا أن يدعوهم إلى الله بالنصح، فإن أطاعوا فبها ونعمت، وإن أبوا إلا البقاء على معتقدهم؛ فلا إكراه في الدين ما داموا لم يعادوا دين الله ويحاربوه، قال تعالى في كتابه الكريم: “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
كما راعى الإسلام عدم المساس بمُعاهِدٍ أو ذمي، إن كان بينه وبين المسلمين عقد ذمة، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: “من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا”، فيكون أمانهم مكفولاً بصريح أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والاعتداء عليهم جريمةٌ لها عقابها الشرعي.