رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء عليالفصل السابع عشر بعنوان: نبضاتجلس أمامها وتأملها عن كثب وهي تلوك الطعام في فمها ببطء بينما يظهر عليها الاعياء، لكنه ابتسم رغم غيظه الشديد من اهمالها في أخذ علاجها..نعم كان يبتسم.. بهدوء وهو يتأملها فقط دون كلام، فرفعت عينيها الجميلتين تناظره باستغراب وهي تسأله بخجل:-بتبص لي كدا ليه؟فقال بلا تردد بنظرة خاصة:-ملامحك!فقالت بتعجب:-مالها!أخبرها:-ملامح طفلة.. بريئة! ودا لمحته في أول مرة شوفتك فيها، كنت مستغرب إزاي بتقدري تقولي الكلام القاسي والتصرفات الدبش دي!ازدردت ريقها بخجل واحمرَ وجهها جراء نظراته الغريبة التي تراها لأول مرة في عينيه، ثم قالت بنبرة متحشرجة وكأنها تقاوم بحرا من الدموع:-أنا كان قلبي محروق..وانفجرت انهارا صغيرة من الدموع فوق وجنتاها، فاعتدل فارس في جلسته ولا يعلم كيف يتصرف..فقط هو مترقبًا لما ستقوله..هو يعلم أنها لديها الكثير في قلبها فعيناها تخبرانه بقصة أليمة..كما تخبرانه أنها تريد قصها الآن !وهو على أتم استعداد لسماعها!لذا مد يده لها بمنديلٍ ورقي بصمت وعيناه أرسلتا لها نظرة مطمئنة شجعتها على الحديث، فراحت تمسح عبراتها وأنفها بالمنديل قبل أن تتكلم وهي تشعر بالراحة قليلًا:-أنا كنت بحب بابا جداً كان أغلى إنسان عندي.. وفجأة ملقتهوش ولقيت واحد تاني مكانه والواحد دا عمي وعمي اللي بحبه جدًا اللي عمري ما تخيلت إنه يكون في مكان بابا!صمتت قليلًا تلتقط أنفاسها وتمسح على وجهها بكف يدها ثم تكمل متسائلة بضياع:-أنت فاهمني؟فأومأ لها بلا كلام أيضاً، فتابعت وكأنها تعرفه منذ سنوات-أنا نفسي كنت حاسة إني غريبة عني، كنت حاسة إني مش ليلى! كنت حاسة إن فيه جزء مني مات مع بابا.. مكنتش أقصد أأذي عمي! لأن كنت بشوف عمي دا واحد غريب مجرد واحد حطني قدام أمر واقع أنا مش قادرة اتقبله..-بس هو مطلبش منك إنك تعامليه على إنه والدك!، هو بس كان حابب إنك تقبلي العلاقة دي و...قاطعته باكية بمرارة:-كان صعب ولحد دلوقتي صعب.. انا اتحرمت من ابويا وفجأة جه واحد شاركني في حب أمي.. أيوة أنا موجوعة وجدا ومش عارفة هقدر اعيش في الوضع دا ولا لا!-هتعرفي..قال مؤكداً وهو يُخبرها:-على فكرة مش أنتِ لوحدك اللي موجوعة كل واحد مننا عنده اللي بيوجعه..وتنهد وقال:-بس القوي مننا اللي يعرف يعيش ويتعايش مع وجعه ويصاحبه عشان الوجع دا على الأقل يقل.. أنا زيك على فكرة!نظرت له بترقب وهي تمسح عبراتها بكفها، فتابع وقد أظلمت عيناه فجأة:-أنا عشت من غير أم وأب رغم إنهم على قيد الحياة!أمي سابتني وإتجوزت وابويا نفس الكلام.. وأظن الوجع اللي حسيت بيه كان ممكن يخليني انسان فاشل ويمكن مدمن ويمكن سوابق كمان!بس أنا اتحديت نفسي واتحديت العالم بما فيهم ابويا وامي! أنا هبقى كويس لوحدي وبتوفيق ربنا، وبقيت زي ما أنتِ شايفة دلوقتي، أنا ماسك شركات جوا وبرا مصر وكلها ملكي.. صحيح المشوار كان طويل واتبهدلت كتير بس فخور باللي وصلتله..أطالت النظر إليه.. يبدو قوي رغم لمعة الحزن الجلية المسيطرة على عينيه.. لذا قالت مستفسرة:-وازاي قدرت تسامح الاتنين بعد ما وصلت للمكانة اللي أنت فيها دي لوحدك!-عشان التسامح من صفات الانسان القوي، وعشان ربنا بيسامح وعشان لمحت في عين الاتنين نظرة احتياج ليا لما قابلتهم وانا مش من طبعي التخلي..جدتي دايما كانت تقولي -يا بخت من قدر وعفي - أنا لو عندي صفات حلوة هي السبب فيها وبعترف إن ماحدش دعمني غيرها..لا تنكر ليلى إنها أعجبت به فشخصيته مثيرة للاعجاب والانبهار بشدة.. كيف لانسان حُرم من أبويه دون سابق إنذار وهما على قيد الحياة أن يكون بهذا النجاح؟وهذه القوة؟..والتسامح؟... حقاً هو له نصيبا كبيراً من إسمه...-ها هتختاري تكوني إيه؟قطع شرودها في تفاصيله بسؤاله المبهم، لتنتبه له وتقول متسائلة:-اكون ايه ازاي؟ابتسم ابتسامة جانبية أزادت من وسامته وهو يسألها من جديد:-قوية ولا ضعيفة؟ابتسمت بخجل وأرجعت خلصة شعرها المتمردة على جبينها خلف أذنها لتقول بخفوت:-قوية...لقد أوصل الغضب داخلها إلى أشده.. خاصةً وهي تسمع تهديده الصريح:-لو مارجعتيش بالذوق يا سهير هندمك على ابنك الحيلة دا اللي فرحانة بيه!اتسعت عيناها بغضب عارم وطعن الخوف قلبها وهي تصيح به بشراسة:-والله ما يكفيني فيك موتك يا سعيد لو فكرت تمس فارس ابني!-دلوقتي بقى ابنك بعد ما بقى غني ومعاه فلوس كان فين من زمان ابنك دا؟لقد ضغط على الجرح الملتهب بكل عنف ليذكرها بم اقترفته في حق ابنها لأجل هذا الحقير الذي يعايرها الآن!ذاك الذي ضحت بولدها لأجله يزيد من عذابها ولم يكتفِ!انه يهددها بلا رحمة اما أن تعود إلى جحيمه أو يؤذي فارس!ما الذي ستفعله سهير؟عليها التضحية وان كانت ستحترق ما إن تقترب!لذا قالت بلا تردد وقد سالت دموعها على خديها:-هرجع!فضحك هازئًا وهو يخبرها:متتأخريش!بينما يواصل باستفزاز:-هاتي معاك شوية فلوس من ابنك عشان الحالة مقشفرة..اغلقت الهاتف بعنف ودفعته أرضًا وهي تصرخ بمرارة:-ربنا ياخدك ويريحني منك ..لا تعلم -ليلى- كم مر من الوقت وهي تتحدث بصحبة فارس.. ويتبادلان النظرات من حين لاخر، تضحك بحق!لم تتذكر اخر مرة ضحكت بها مثل هذا الوقت..لم تشعر بالراحة مثلما شعرت بها الآن..كان غريبا عنها تماما.. ليصبح فجأة قريبا للغاية هكذا!هذا الغريب القريب كما رأته هي بعينيها شكل فارقا كبيرا معها.. وبث داخلها شيئا لا تعلمه لكنه مريح.. ورائع!نظر فارس إلى ساعته وهو يقول مندهشًا:-ميعاد الدكتور فات!فقالت بلا اكتراث وهي تشرد في مياه النيل مجددًا:-مش مهم.. مش عاوزة أروح خلاص..-ليه؟-مش محتاجة أنا ارتحت..ابتسم بخفة وهو يتأملها بنظرة خاصة، فالتفتت له وهمست بخجل:-أنا ارتحت لما طلعت كل اللي جوايا.. شكرا لأنك سمعتني وإدتني جزء من وقتك..تنهد أخذًا نفسًا عميقًا وقال:-يعني أعتبر إن دي بداية جديدة لينا!ثم تراجع في سرعة وهو يُخبرها:-قصدي ليكِ..ابتسمت وقالت:-إن شاء الله..مضى الوقت وعادت ليلى إلى البيت لأول مرة منذ زمن وهي تبتسم وتشعر وكأن الجبال التي كانت تحملها فوق صدرها قد تفتت..وأن ليلى قد عادت من جديد..فيزهر البيت وتزهر معه -نادية- فما أجمل ابتسامة ابنتها التي كالشمس الساطعة التي أشرقت أخيراً بعد طول عناء..وذهب فارس إلى بيت جدته.. ليتفاجئ بأمه مرتدية ملابسها وتنتظره وتناظره بانكسار..فنظر لها باستنكار دون كلام، فوقفت بوهن ؤهي تقول كلمة كانت كفيلة باشعال نيران غضبه:-أنا هروح يا فارس..لم يتوقع أن يكون هذا قرارها.. ورغم احتراقه من الداخل قال بنبرة ثلجية:-مع السلامة..ليصمت قليلا ويُخبرها بصرامة قاتلة:-بس تنسي إن ليكِ ابن اسمه فارس...وأردف ببطء جازا على اسنانه:-تماما!لتنفجر باكية وهي تتوسله:-لا لا يا فارس ماتعملش فيا كدا بالله عليك..رمقها مطولا ثم سألها بغضب دفين:-هو خرج من السجن؟فهزت راسها بإيجاب وقالت بلا اكتراث:ايوة بس مش دا المهم...قاطعها صائحًا:اومال ايه المهم؟ انك ترجعي لرد السجون بتاع المخدرات اللي يا اما هيشردك انتي وعيالك يا اما هيقتلك!-يابني سعيد بيهددني بيك آآ...قاطعها مجددًا مع قوله الشرس:-بيهددك بيا!-أيوة يا ارجعله يا هيندمني عليك.. هو قالي كدا..فضحك فارس متهكمًا وهو يقول بصرامة قاتلة:-ضحكتيني!ماتتحججيش بيا وقولي مش عاوزاه وانا كفيل احميكي انتي وولادك واحمي نفسي..وجوزك دا حشرة ولا يسوى! أنا اللي هندمه..ازدردت ريقها المرير وهي لا تعلم ماذا تفعل.. فزوجها لا يعرف الرحمة ربما يأخذ ولدها على غدر..ويجعلها تتحسر عليه في غمضة عين..أتذهب؟أم تظل في حماية إبنها كما اخبرها؟باتت في حيرة تحت نظرات فارس القاسية، لتحسم أمرها بعد صمت طويل وتقول:_مش هرجع يا فارس...فانصرف هو إلى غرفته تاركاً إياها تبكي من جديد..أخذ يبدل ثيابه وهو في حالة غضب شديدة، ثم ارتمى على الفراش بانهاكٍ وأغمض عينيه لفترة طويلة، حتى سمع طرقات على باب الغرفة خاصته فلم يرد..ففُتح الباب من قبل جدته التي ولجت تحمل صينية طعام شهي يحبه ويفضله هو، بينما تقول بنبرة حنون:-حبيبي زعلان!نهض فارس ببطء وقد شعر ببعض الارتياح لوجودها جواره، ثم ابتسم بالكاد وهو يقول بهدوء:-مأقدرش أزعل وأنتِ جنبي..جلست جواره بعدما وضعت الصينية أمامه، فانحنى يقبل يدها بحُبٍ، حيث أنها الوحيدة التي لم تنسَه قط وفي لحظاته الأليمة كانت خير رفيق دائماً..بينما يقول بحنوٍ:-ربنا ما يحرمني منك..فربتت على ساقه وهي تدعه له:-ويعطيك ويرزقك ويبعد عنك ولاد الحرام يا فارس ويديك على قد طيبتك وحنيتك مع الكل..ابتسم لها واستند على ظهر الفراش، فقالت:-مش هتتغدى ولا ايه؟ أنا جبتلك الاكل هنا مخصوص عشان ماحدش يزعجك وتقعد كدا وتروق دمك..-ربنا يخليكِ ليا، بس أنا كلت برا..-برضوه يا فارس؟ ويا ترى بقى لوحدك ولا برضوه غدا عمل؟تنهد واعتدل في جلسته وأخبرها:-مع ليلى!فاتسعت ابتسامة الجدة ثم ضحكت وهي تقول:-ممم قولتلي بقى ليلى! بقى ليلى بقى اللي مخلياك شارد كدا ومش ع طبيعتك؟رفع حاجبه مع قوله:-أنا شارد ومش على طبيعتي؟-أيوة، يلا اعترفلي وقولي اخر الاخبار، بصراحة ليلى بنت حلال وياريت تبقى من نصيبك..ضحك مقهقهًا وهو يقول من بين ضحكاته:-حيلك حيلك عليا، مش للدرجة يعني، أنتِ هتجوزينا كمان؟فقالت بجدية:-وليه لأ يا حبيبي، هو أنت مش ناوي تحب وتتجوز زي خلق الله ولا إيه؟-حب.. لا أنا مش بتاع حب..اطالت النظر اليه، وراحت تبتسم بشقاوة دون كلام، فعاد ينظر لها قائلًا بارتباكٍ:-إيه؟ضحكت متابعة بمشاكسة:-عيني في عينك كدا وقول انك مش معجب بالبنت؟ضحك وعاد يسند ظهره على الفراش قائلًا بمراوغة:-اه منك!نهضت قائلة بحنان:-شد حيلك بقى عاوزة أفرح بيك يا واد أنت..ابتسم دون كلام، ثم قال بعد ثوان:-خدي الاكل دا معاكِ عشان مش جعان بجد وهنام ساعتين وصحيني عشان عندي شغل..نظرت إلى الساعة وهي تقول بضيق:-يا فارس شغل الليل دا وحش يا حبيبي مهما كان النهار له عنين، أنا بخاف عليك..-حاضر أوعدك هرتب مواعيدي واشتغل طول النهار..-ربنا يحميك..وكانت اخر جملة يسمعها قبل يغط في سبات عميق..وبعد مرور ساعتين وأكثر...هبط درجات البناية بعدما استيقظ واغتسل أيضاً...بينما يتوجه نحو سيارته في السكون التام والشارع يخلو تماماً من المارة..ليتفاجئ بثلاث أشخاص ضخام جداً..اثنان يكبلانه تماما والاخر اخرج مدية من جيبه وراح يغرزها ببطنه في قوة وسرعة..فصرخ من شدة الضربة وبعدها لم يدر بأي شيء حوله!
رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء عليالفصل الثامن عشر بعنوان: مشاعرركض "حسين "بهلع في رواق المشفى ومن خلفه نادية وإبنتها ! حتى وصلوا إلى الغرفة المنشودة فولج "حسين " كالزوبعة دون استئذان ليتجه مباشرة صوب إبنه الراقد على فراش المرض! فهتف بخوف أبوي وهو يتفحصه:--فارس ! إبني أنت كويس حصلك أيه ؟! ..لم يكن في الغرفة قبل مجيئهم سوى سهير التي كانت تبكي بندم بجوار إبنها والجدة التي أجابته بهدوء:--ماتقلقش يا أستاذ حسسين هو كويس والدكتور كمان طمنا وقال إن الجرح سطحي الحمد الله !..فخرج صوت فارس بإعياء:-- ااا أنا كويس يابابا،ماتقلقش عليا !..-الحمد الله !..هتف بها حسين بإرتياح ثم تابع تساؤله بإندفاع:--بس قولي مين اللي عمل فيك كده ؟! واتمسكوا ولالا ؟!.حول "فارس" نظره نحو والدته التي نكست رأسها أرضا وازدات دموعها بحسرة، فتنهد فارس وقال بجمود:--معرفهومش يابابا الظاهر حراميه !..ارتبكت ملامح الجدة فقررت أن تنسحب بابنتها من المكان:--قومي ياسهير نشوف عيالك أنتي من امبارح هنا وهما لوحدهم ! وادينا أطمنا علي فارس ونبقى نرجعله بعدين ! ..كانت سوف تعترض لولا قول فارس الجادي:--أنا كوييس روحي معاها !...مسحت دموعها بكفيها ونهضت بثقل مع والدتها وبينما هي تغادر الغرفة وقفت قليلا تتطلع إلى نادية وإبنتها جانبا بجمود وعدائية فابتسمت الجدة سريعا وقالت:-- أزيك ياليلى ياحبيبتي؟ !-الحمد الله ياطنط سعاد !..قالت ببشاشة فرمقتها " سهير " من رأسها إلى أخمص قدميها بتفحص مما جعل "ليلى " ترتبك على الفور وتستنجد بوالدتها بنظرة ! فحثت سعاد إبنتتها على السير:--يلا بينا ياسهير !...وحينما انصرفتا استطاعت "نادية" الاقتراب من فراش فارس بعدما أبتسمت ببشاشة:--الف سلامة عليك ياحبيبي ! شدي حيلك بقا كده عشان تقوم اوام !..-الله يسلمك ! ربنا يخليكي ياارب ..دنت "ليلى " هي الأخرى من فرأشه ثم أبتلعت ريقها وقالت بهمس:-- حمد الله علي سلامتك !تشكلت على ثعره طيف إبتسامة هادئة وراح يقول بإيماءة من رأسه:--الله يسلمك!..وفي الرواق مسحت "سهير" بقايا دموعها وبنبرة ذات مغزى تساءلت:--قوليلي ياماما ايه حكاية البنت ليلى دي ؟!..سعاد وقد قطبت مابين حاجبيها:--حكاية ! حكاية ايه دي ؟!..-يعني ايه اللي جايبها المستشفي لفارس ؟!..وقفت سعاد وبتهكم:--لا إله إلا الله واحدة جاية مع عمها وامها عشان يطمنوا على ابن عمها خلاص تبقى أجرمت !..سهير بحذر وقد عقدت حاجبيها:--يعني مفيش بينهم حاجه؟...زفرت سعاد بضيق ثم قالت بنفاد صبر:--لا إنتي الظاهر جرا لمخك حاجه وانا مش فايقه لتخاريفك !.وقبل أن تتحدث مرة اخرى قاطعتها بضجر:--بقولك ايه يلا بينا نلحق عيالك علي الله مايكونوش عملوا مصيبة في البيت كفاية علينا مصيبة أبوهم الله يجازيه !..انكمشت ملامح سهير بحزن ثم سارت معها بعدما أومأت برأسها !في اليوم التالي،عاد "حسين " من زيارته لإبنه في المشفي فأقبلت عليه "نادية " متسائلة:--ها ياحسيين فارس عامل ايه دلوقت ؟!...حسين بإبتسامة:--لا الحمد الله زي الفل وبكره اوبعده هيتكتبله على خروج !..-طب الحمد الله يارب، ربنا يطمنك عليه دايما!..-ياااااااارب ..ثم تساءل هو الاخر وعيناه تجوب المكان:--أومال ليلى فييين ؟..نادية بتنهيدة:--في اوضتها بتزاكر ما أنت عارف بكره أول يوم امتحانات، أدعيلها ياحسين لأحسن دي اول مادة رياضيات وليلى طول عمرها بتكرها ومفيش غير باباها الله يرحمه هو اللي بيذاكرهلها ويفهمها !..أومأ "حسين" برأسه ثم هتف بحزم:--طب أنا هدخل أشوفها !...نادية بتوتر:--بس اااا أحسن اااقاطعها بتفهم وقد لاحت علي ثغره نصف إبتسامة:--ماتقلقيش أووي كده، وأظن ليلي بقت أهدي من الأول مش كده ولا أيه؟ !..جالسة علي فراشها وسط كومة من الكتب والاوراق الدراسية تنقل بصرها بين كل مسألة وأخري وهي تكاد تبكي ! فهيى لم تحب الرياضييات مطلقا وأدركت هذه المشكلة جيداا عندما توفي أباها حيث كان يجيد الشرح بأسلوب يروق لعقلها ويعرف طريقه إليه،تنهدت بحزن وقالت:--فينك بس دلوقت يابابا ! ربنا يرحمك يااحبيبي !.وبينما هي تناجي نفسها سمعت طرقات خافته علي الباب ظنت أنها والدتها لتقول بدون أكتراث:--أدخلي ياماما !..ولكن تفأجئت حين رأت حسين من يلج ثم أبتسم وقال:--لا أنا مش ماما ينفع أدخل برضه؟!..أرتبكت ملامحها وتوترت علي الفور فهبطت من الفرأش بعدما وضعت القلم بين ثنايا دفترها لأحظ أرتباكها مما جعله يهتف بجدية:--لو مضايقة من وجودي انا ممكن أخرج!هزت رأسها نافية وبتلعثم:--لا اااا ب أصل أول مره تدخل أوضتي يعني وااا ..، هو في حاجه ؟!..أبتسم بلطف وقال:--أبدا كنت جايه اشوفك وأطمن عليكي واشوف أخبار في المذاكرة مش بكره عندك أمتحان رياصيات !..أومأت برأسها إيجابا وبحزن طفولي همست:--البعبع !..ضحك علي ذالك اللقب التي أطلقته الإن وبمزاح:--للدرجادي ! بعبع مرة واحدة !..وجدت حالها تتحدث بتلقائية:--ماهي مابتتفهمش ومعقده ! ومابتدخلش دماغي بسهولة، بابا بس الله يرحمه كان ليه طرقه اللي بفهم بيها ولوله كان زماني بسقط طول عمري فيها!.لم يفكر قليلا وقال بنبرة جادة:--طب ينفع تديني فرصة أشرحلك بس اللي مش فهماه ! ..اتسعت عيناها بذهول ثم قالت بإستغراب:--أيوة بس يعني ااا أنت مش مدرس رياضة !..بإبتسامة خفيفة أجابها:--في الأخر كله تدريس ومفرقتش كيميا عن رياضة ولا أيه؟ !..ظلت تنظر له بحيرة من أمره فقطع حبل أفكارها بمزاح وقد رفع حاجبيه:--دي فرصة العمر حد طايل درس خصوصي ولحد أوضته نومه كمان !..رغما عنها تبسمت فتحرك وجلس علي المكتب المقابل للفرأش وفك سترته وبعملية:--يلا هاتي كتبك وحاجتك وتعالي !..تحركت نحو الفرأش وجلبت أشيائها بعد تفكير وجلست علي المقعد أمامه بعدما وضعت كتبها أمامه فزرع عينيه في صفحات الكتب وأخذ يقلب بها:--ها ياستي أيه اللي مش فاهماه بالظبط؟ !..أبتلعت ريقها بتوتر ووضعت خصلاتها خلف أذنها قبل أن تهمس بحرج وحذر في أن واحد:--كله !..لم يعقب سوي بإيماء من رأسه وبسلاسة كان يخبرها:-ومالو احنا ورانا حاجه ! معانا اليوم بحاله لسه !..راقبته وهو يلقي الشرح علي مسامعها بإعجاب فهو أستطاع توصيل كم من المعلومات بإحترافية وبكل يسر وبدون مجهود يذكر ! وكأن جينات أباها في التدريس يشاركه بها شقيقه الإن !انهت أختبارها وخرجت من اللجنة بسعادة وتقابلت مع رفيقتها " علا" التي سألتها مباشرة:--ها طمنيني ! عملتي أيه ؟!...-الحمد الله ياعلا الأمتحان كان حلو أووي ! أنا ماكنتش مصدقه نفسي إني جاوبت حلو كده !..علا بإبتسامة:--طب الحمد الله اهو اللي تخافي منه مايجيش أحسن منه !..ليلى بتأييد:--الحمد الله، صحيح أنتي مقولتليش عملتي أيه حليتي كويس ؟!...- أنا حلييت كويس أوووي كمان، بس يلا بينا نروح نرتاح عشان نستعد كويس للمادة اللي بعدها بقا !..ليلي وقد توترت قليلا:--هااا اااا نروح ااا !..علا وقد قطبت مابين حاجبيها:--أيه مالك في حاجه ؟!..عضت علي شفتيها بحرج قبل أن تقول بعدما زفرت بقوة:--بصراحة كده أنا كنت عاوزة أعمل حاجه كده وعاوزاكي معايا !..وقفتا أمام غرفته في المشفي فهتفت علا على الفور:--أديني ياست جيت معاكي ولحد باب الأوضة كمان ! يلا اتفضلي خشي !..وقفت ليلي بتوتر حاملة باقة زهور رائعة تنقل بصرها بين رفيقتها وبين الباب تارة لتهتف بعدها بتوتر:--علا هو أنا اللي هعمله ده صح ! أصل بصراحه مكسوفه أووي !..علا بنزق:--تاني يابنتي ! ماقولنا مفيهاش حاجة واحدة جاية تطمن على أبن عمها فين المشكلة !..مازال الإرتباك يسيطر عليها فهتفت بتلعثم:--طب اا ماتخشي معايا؟!..علا بنفاذ صبر:--ياااارب هو انا جاية مع بنت أختي ! مش كفاية جايباني معاكي لحد هنا ياليلى!.. .أرادت أن تتحدث مرة أخري فقاطعتها علي عجالة:--بقولك أيه يلا خشي وانا هنزل أستناكي تحت !..وبنبرة ذات مغزي أردفت:--وبعدين أنا مابحبش أبقا عزول !..فطرقت على الباب وركضت سريعا لتضعها في أمر واقع فظلت تهتف ليلي بهلع:--علا علا أستني !..ولكن كانت قد وصلت لنهاية الرواق بينما هي سمعت صوته يأذن بالدخول فكادت أن تنهار واخيرأ استطاعت السيطرة علي حالها وولجت بخطوات بطيئة مرتبكة!..رفع عيناه ليتفاجئ بها أمامه! حيث كان بمفرده ومعتدل في نومته قليلا وظهره فهمس بإستغراب:--ليلى !..ابتلعت ريقها بتوتر وهي تدنو منه هامسه:--أنا حبيت أجي أطمن عليك !...ثم مددت يدها بباقة الزهور بخجل وأردفت:--حمد الله علي سلامتك ! ..تناولها منها وقد رفع أحد حاجباه:--وكمان ورد !..فتابع:--مكنش ليه لزوم تتعبي نفسك ما أنتي سبق وجيتي قبل كده !..وبدون قصد منه أحرجها بكلماته فأحمر وجهها أثر حديثه فلحق حاله علي الفور وبإبتسامة قال:--بس تسلمي الورد شكله جميبيل أوي !...تبسمت دون رد وهي تزيح خصلاتها خلف أذنيها ونبضات قلبها تتعالي تدريجيا !...وبعفوية غير متوقعة منها جلست علي المقعد المجاور لفرأشه هاتفه:--هو أنت مش ناوي تخرج من المستشفي دي ما أنت بقيت كويس أهو ؟!..تنهد وأجابها بهدوء:--مالدكتور كتبلي علي خروج يعني النهاردة او بكره بكتيير هخرج !..-طب الحمد الله ده عمي هيفرح اووي انت ماشوفتهوش كان عامل أزاي لما سمع اللي حصلك !..عقد حاجبيه معا وأبتسم:--عمي ! الكلمة بقت تتطلع منك عادي وبسهولة !..توترت علي الفور وتلعثمت في قولها:--قصدي ااا يعني اا ...قاطعها بنبرة جادة:--علي فكرة مش عييب البني أدم يغير من نفسه ده بالعكس ! وانا فرحان أكمنك بتحاولي تدي نفسك فرصك تعملي ده !..رددت بذهول:--أنا بغير من نفسي !...-يعني مش واخدة بالك ؟!ثم تابع بتهكم غاضب:--لسانك الطويل اللي كان عاوز قصه ! ولا شخصيتك المتعفرته اللي كان عاوز يتولع فيها ! ولابجاحتك! مسألتيش نفسك راحو منك فين؟!..لم تتحدث قط بل جحطت عيناها بقوة أثر صراحته المفرطة ! فتحنحنح وتسأل بحذر:--صريييح أوووي أنا صح ؟!..لوت فمها بإمتعاض:--أووي اووووي الصراحه !..ضحك بقوة حتي تألم ووضع يده موضع جرحه قبل أن يهتف بإبتسامة ملأت ثغره:--لا بس بجد أنا مبسوط بيكي فعلا !..ازداد أحمرار وجهها حتي أخفضت رأسها خجلا ليرن هاتفها في ذات اللحظة من قبل والدتها فنهضت علي عجالة وبخفوت:--طب أنا لازم أمشي دلوقت،لأحسن علا مستنياني تحت ! وأنا أتاخرت وماما كده ممكن تقلق عليا ...قطب مابين حاجبيه وتسأل:--هو مايعرفوش إنك هنا ؟!...تنتحنت بحرج قبل أن تهز رأسها بنفي ثم هتفت علي عجالة:--بس انا اكييد هقولهم لما أروح !..ثم أكملت بنبرة ذات مغزي:--علي فكرة أنا دايما كنت بقولهم أنا ببقا فيين! ماكنتش بخبي عنهم حاجه ولابتتتسرمح من وراهم !...أبتسم من جانب فمه ثم رفع حاجبه وبمرح لأول مره يعرف طريقه بينهما ليشير بكفه قائل:--خلاص عرفنا إن قلبك أسود، شكرا ياستي كفاية !..ضحكت بقوة وشاركها في ذلك ليقول بعدها بهدوء:--خلي بالك من نفسك !..حاضر! ...قالتها هامسه قبل أن تبرح المكان ومؤشرات قلبها في الإرتفاع !...بعد مرور فتره زمنية !...وققت في شرفة منزل "علا" تتطلع إلي أعلي بإهتمام فسمعت صوت من خلفها يصدح بمكر:--مش موجود ماتتعييش نفسك !..التفتت إليها وقد تصنعت عدم الفهم:--ميين ده ؟!..علا بعدما أسندت صينية المشروبات المعدنية علي الطاولة وانتصبت في وقفتها:--ابو الفوارس اللي عينك هتطلع علي بلكونة أوضته !..جلست بتوتر وتناولت مشروبها وبدون اكتراث:--يابنتي مفيش الكلام ده أنا ببص عادي علي الشارع !..عقدت ساعديها أمام صدرها وبخبث:--يعني عاوزة تقنعيني إن الزيارة دي عشان لحقت أوحشك ده أحنا لسه مخلصين أمتحانات أمبارح !..لم تجاوبها " ليلي " واخذت ترتشف من الكوب الزجاجية هروبا لتتابع علا:--ماشي ياست هعمل نفسي هبله وهصدقك ! بس عالعموم هو في شقته بقاله يومين ومش موجود هنا !..تركت الكوب سريعا وتسألت بلهفة:--وانتي عرفتي منين ؟!..-هيكون من مين يعني ! ماما طبعا اصل طنط سعاد بتحكيلها كل حاجه وانا بقرر ماما بقا !..ثم أردفت بإعجاب:--دي كمان ماما بتقول إن شقته دي في حته هاااي اووي وكمان هياخد امه وعيالها يعيشوا معاه لاني في مشاكل بينها وبين جوزها وأحتمال يطلقوا !.._مرت الزيارة كسرعة البرق فغادرت "ليلى " بخيبة أمل ! حيث كانت تهبط على الدرج وهي تذم شفتيها بضجر واضعة يديها في جيب بنطالها،هي بالفعل جاءت من أجل رؤيته فلم تراه منذ مكوثه بالمشفي ولكنها تجهل الدافع وراء ذلك سوي رغبة بداخلها ! كما انها تخشي من تهور مشاعرها مرة أخري ! او مازال قلبها مراهق ينبض لمن يصادفه ومن يهتم به ! والحقيقة فهي عليها ضبط عواطفها وتوجيهها بشكل صحيح حتي لا تلق نفس المصير مرة أخري!.._اصطفت سيارته أمام البناية فترجل منها وأغلقها خلفه إلكترونيا ثم صعد الدرج مباشرة بعدما فك ازرار سترته الرمادية وأحتضن بكفه علبة سجائره وهاتفه الباهظ !_ وبينما هي في صراع ذهني وعاطفي لم تلق بالها لخطواتها وتخطت درجة او أثنان ! فشقهت بهلع عندما رأت نفسها محلقه في الهواء وقدميها لم تعد تلامس الأرض ليكون مصيرها في النهاية بين أحضانه حيث تلقاها بين ذراعيه سريعا وبكل يسر قبل أن تصطدم بالإرض !..
رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء عليالفصل التاسع عشر بعنوان: صراع مع القلبلم تعد تشعر بشيء وكأنها أُصيبت بالخدر وهي بين أحضانه!عيناها بعينيه..وجهها بوجهه..أنفاسها تتناغم مع أنفاسه الثائرة كدقات قلبه الآن..مازال ذراعه يعتقل خصرها النحيف حاملاً إياها..والصمت كان سيد الموقف قبل أن يتحرر منه فارس الذي قال بهمس كاد يذيبها:-مش تبصي قدامك؟!ازدردت ريقها بارتباك وخجل شديدين والآن أدركت أنه يحملها..فافلتت نفسها منه سريعًا ولم تستطع الحديث.. نظرت إلى الأرض بخجل تداري حُمرة وجهها عنه..ولا تعلم -هي- أن الحُمرة هذه تفعل به الأفاعيل!أراد أن يخفف من حدة خجلها فقال بعد أن تحكم بمشاعره:-شكلك كنتِ عندنا؟رفعت رأسها إليه وقالت نافية:-لا كنت عند علا صاحبتي..-معقولة تيجي لحد هنا متطلعيش تطمني على طنط سعاد؟ضحكت تلقائياً على حديثه.. فقال بتصميم:-لازم تطلعي!-لا مش هينفع أنا...قاطعها بحزمٍ رفيق:-سلمي عليها وبالمرة أعرفك على أمي..صمتت بتحيّر.. فرمقها مطولاً وهو يقول رافعاً حاجبه:_تعالي..وصعد درجتين ولم يكد يصعد الثالثة حتى سمع همسها:-بس أنا ماما و...-متخافيش أنتِ ناسية إني إبن عمك؟! يعني عادي!هزت رأسها بقلة حيلة وصعدت خلفه بخطواتٍ حذرة إلى أن توقفت أمام الشقة معه وفتح هو بالمفتاح ليلج إلى الداخل قائلًا ببسمة رجولية زينت محياه:-اتفضلي..دلفت بتمهل فأقبلت عليها السيدة سعاد مع قولها المُرحب:-ليلى! حبيبتي تعالي نورتينا..صافحتها وعانقتها بحرارة ثم اصطحبتها معها وهي تقول:-تعالي يا سهير.. رحبي ب ليلى..امتعض وجه سهير لمجيئها الغير محبب على قلبها، ثم قالت بضيقٍ لم تستطع اخفاؤه:-أهلا بيكي..فردت ليلى بخجل:-أهلاً بحضرتك..عاتبت ليلى نفسها على صعودها معه.. فملامح والدته غير مبشرة.. يبدو أنها تكن لها كرهاً حقيقياً..لهذا نهضت ليلى على الفور قائلة:-أنا لازم أمشي بقى عشان ماما ماتقلقش عليا..فردت (سهير) بتهكم:-هي ماما ماتعرفش إنك جاية هنا ومع فارس؟أجابت ليلى بجدية-أنا كنت عند علا صاحبتي.. و.. فارس هو اللي أصر أطلع وأتعرف على حضرتك وأسلم على طنط سعاد..ابتسمت ساخرة وقالت متعمدة احراجها:-تسلمي عليا؟ آه.. فرصة سعيدة يا حبيبتي..في حين رمقها -فارس- بعتاب سافر دون كلام..وكذلك فعلت سعاد قبل أن تقول بابتسامة حانية:-تشربي إيه يا لولو؟-لا أنا لازم أروح معلش يا طنط سعاد..قالت جملتها ولم تنتظر أكثر.. حيث أسرعت تجاه الباب.. فنهض فارس خلفها قائلًا بحزمٍ هادئ:-استني هوصلك..كادت تعترض.. فقاطعها بصرامة:-يلااا!انصرفت معه.. وحينذاك قالت سعاد بحدة:-أنتِ بتعملي كدا ليه؟ عاوزة إيه يا سهير؟فقالت سهير بثورة:-البت بنت نادية دي أنا مبحبهاش وماينفعش تعلب على فارس وتقعد تتنحنح كدا!-تلعب عليه؟!قالت العجوز بغضب فيما تكمل:-دا على أساس إن فارس عيل صغير؟، لا بقى دا راجل ملو هدومه.. وليلى دي بنت كويسة جداً أنا عن نفسي بتمنى تكون من نصيبه..برزت عيناها مع كلمتها الأخيرة وراحت تهتف:-لا ماتقوليش كدا يا أمي، دا مش هيحصل أبداً..نهضت والدتها بعنف وهي تتكأ على المقعد وهتفت بها:-شكلك ناوية تخسري ابنك تاني يا سهير وماتعلمتيش من اللي فات.. بس اعملي حسابك فارس دا أنا اللي ربيته يعني أنتِ مش من حقك تقولي أي حاجة.. وكفاية بقي لانك زودتيها أووي..انصرفت الجدة ما ان انتهت حديثها وتركتها تبكي بحيرة...استقلت السيارة معه وجلست جواره تفرك كفيها معا بتوتر وخجل..أما هو فرمقها بنظرة خاصة ودقات قلبه كأنها في صراع..اصطدمت عيناه بعينيها حين رفعت رأسها وكأنها تود قول شيء ما..لكنها عادت تطبقهما بخجل من نظرته الجريئة لها..فقال باسما:-عاوزة تقولي إيه؟نظرت إلى النافذة بصمت للحظات.. قبل أن تقول بضيقٍ:-مامتك.. آقاطعها بهدوءٍ:-كل إنسان مننا له اسلوبه ومش كل الناس اسلوبها هيعجبنا.. عودي نفسك إنك لازم تعرفي تتعاملي مع كل الناس.. اتعاملي باسلوبك أنتِ فاهماني؟مطت شفتيها للأمام بعدم اقتناع.. ثم قالت بتمردها المعهود:-بس أنا مش مجبرة أتعامل مع حد اسلوبه مش عاجبني..!ابتسم وكأنه كان يتوقع ردها عليه..ستظل ليلى المتمردة والتي تحوذ دائماً على اعجابه رغم تمردها..طال صمته كما طالت نظرته إليها.. فارتبكت بشدة واختلست النظرات له..فعاد ينتبه إلى الطريق بصمت وترها أكثر..-أنت زعلت؟همست بخجل متسائلة، فقال فارس مراوغا:-أيوة..عضت على شفتها السفلى وتحجرت الحروف على شفتيها.. قبيل أن تتحرر من صمتها الخجول وتقول برقة؛-لو ضايقتك أنا أسفة..نظر لها وقال بجدية:-مافيش داعي يا ليلى.. أنا بهزر على فكرة، أنتِ فعلا مش مجبرة على حاجة..وصلنا..توقف بالسيارة أمام البناية.. فترجلت على مهلٍ وقالت برسمية:-متشكرة!هز رأسه مبتسما وهو يُتابعها بعينين براقتين بوهجٍ خاص.. غريب.. مختلف وجديد عليه تماما..كشعوره نحوها..ولم يختلف شعورها كثيراً عنه..كانت تشعر بشيء غريب في اليسار!يتحرك نحوه ويتلهف في قربه..ذاك الغريب القريب.. حتى اسمها منه له مذاق خاصنكهة خاصة..هو شخصيًا حالة خاصة بحياتها... مساءً..تفاجئ "سعيد" أثناء عمله باثنين في حجم ضخم للغاية.. صُعق حين نظر لهما بخوفٍ حقيقي..ثم هربت الدماء من عروقه وهو يشاهد ما فعلاه..حيث أخرجا كل من في الورشة خاصته إلاه..ومنعاه من الخروج فتفاجئ بمن يدخل خلفهم بثبات!ولج "فارس " إلى الورشة وراح يهبط بابها بعنف مصدرا صوتاً أرعبه بشدة..ثم استقام واستكمل تدخين سيجارته وهو يرمقه بنظرة واعدة شرسة.. حملت ما ينوي فعله به..اقترب اقترابا كاد يقتله.. وقضى على المتبقي من ثباته..ازدرد ريقه وهو يتراجع للخلف حتى اصطدم بالحائط.. فراحا الحارسان يمسكاه بقوة وكبلاه..فصرخ حينها غاضبًا:-أنت مش قد الكلام دا يا...لم يستطع تكملة حديثه.. حيث تلقى صفعة قاسية من فارس على صدغه.. تليها صفعة أخرى..وراح يسبه بعنفٍ.. وهو يهتف به:-هو أنت كنت فاكرني هسيبك تعيش كدا عادي بعد اللي عملته يا ----------؟!أنت اللي مش قد اللي عملته عشان أنت راجل واطي..صمت فارس قليلًا وهو يقبض على فكه بشراسة وقد أخبره بوعيد:-المرة دي قرصة ودن صغيرة جداً، عشان بس أنا مش فاضيلك..أنهى كلامه ومن ثم انهال حارساه عليه بالركلات واللكمات..واستمرا لفترة زمنية إلى أن أشار لهما وتقدم منه قائلًا بحدة عارمة:-ورقتها توصلها بكرة.. موصلتش بكرة يبقى استعد عشان تقضي عمرك كله في السجن.. آمين؟!خارت قواه وظل يحدق به بلا حديث.. فقبض على فكه مجددًا وهو يهتف مكررًا:-أمييين؟!هز رأسه بالكاد ملبيا أمره.. فاستقام فارس ونفض يده باشمئزاز ثم قال بغضب:-دول اتنين بس من رجالي اللي بيطلعوا وقت اللزوم.. لو عاوز تتمسح من على وش الدنيا فكر تلعب معايا تاني أو تقرب منها..واستدار ماشيًا بصحبة الرجلين ورفع الباب الحديدي مع قوله الجامد:-ورقتها توصل بكرة!أخبارك إيه يا فارس؟..همست بها والدته وهي تجلس جواره على الفراش بغرفته.. فقال بهدوءٍ:-أنا تمام..-أنت زعلان مني في حاجة يا فارس؟سألته بخفوت وانتظرت اجابته، فرد عليها بجدية:-هزعل منك ليه؟-يمكن عشان ليلى!..-مش فاهم وضحي أكتر؟تنهدت بحزن.. ثم قالت بضعف:-ليلى دي تبقى بنت مرات أبوك!استأنف ببرود:-ما أنا عارف!، عاوزة توصلي لأيه يعني؟صمتت وهي تزفر أنفاسها باختناق، فنهض هو عن الفراش فجأة وهتف قائلًا:-أقولك أنا عاوزة توصلي لأيه.. عاوزة تقولي لو عجباك يا فارس شيلها من دماغك..لو حاسس من ناحيتها بأي حاجة بطل تحس!دي بنت الست اللي اتجوزت الراجل اللي كااان جوزي!صح؟ مش هو دا اللي أنتِ عاوزة تقوليه؟نهضت عن مجلسها وناظرته بصدمة بينما ترقرقت العبرات بعينيها، وواصل هو:-بس أنا بقى عاوزك تشليني من حساباتك دي خالص...ثم أعطاها ظهره وقال بمرارة:-زي ما كنتِ طول عمرك شيلاني منها...!وأكمل:-أنا بس المسؤول عن حياتي وقراراتي.. أنا بس!شعرت أنه وكأنه لم يغفر لها.. ولن!كلماته التي أصابت قلبها كالأسهم تدل على حزنه الدفين.. على عتابه..انسابت دموعها واحدة خلف الثانية.. ولم تقل سوى:-معاك حق.. أنا أسفة!وخرجت من الغرفة بخطوات سريعة.. لتدخل بعدها والدتها بنظراتٍ حملت عتاب واضح وهي تقول بجدية:-كلامك قاسي يا فارس، مالكش حق تعمل كداجلس على الفراش مرة أخرى وقال بعنف:-حق! حق إيه؟ هي ليه بتتكلم كدا وكأنها ربتني وتعبت فيا ومن حقها كمان تحدد حياتي على مزاجها!-مهما حصل هي لها حق عليك ولازم أنت تفهم كدا!-ملهاش حق..!قال بإصرار.. فتنهدت الجدة وجلست جواره تربت عليه بحنوٍ، ثم قالت برفق:-أنا عارفة إن اللي بتقوله دا من ورا قلبك، عشان أنت قلبك زي الفل..ظل صامتا وهو يمسح على وجهه بكف يده..فعادت تقول:-صدقني ماحدش بيحب حد أكتر من ولاده.. وهي بتحبك أكتر من أي حد وكون انها سابتك ليا دا مش معناه انها رمتك.. هو أنا إيه وهي إيه؟..لاحت ابتسامة متهكمة على شفتيه.. ثم قال بمرارة:-أنتِ بتضحكي عليا بكلمتين؟ وأنتِ عارفة كويس إن مافيش حد بياخد مكان الأم مهما كان!.. وبعدين أنا عملتلها إيه؟ أنا واقف معاها بكل ما أملك.. بس مش معقول تيجي تتحكم فيا بدون داعي!-لا يا حبيبي مش تحكم.. دي غيرة.. غيرة أم على ابنها مش أكتر من كدا.. عشان خاطري يا حبيبي قوم راضيها بكلمتين عشان ربنا يرضى عليك..ممكن؟هز رأسه بإيجاب وقال:-حاضر...