رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل الحادي عشر بعنوان: وأشوقاه
استلقت على الفراش بإرهاق بعدما أبدلت ملابسها بأخرى مريحة للنوم، ثم جذبت هاتفها مترددة قبيل أن تجري اتصالا عليه.. توترت وارتبكت لكنها تريد الاطمئنان عليه خاصة بعد هذا الموقف السخيف مع ذاك الفارس في المشفى! حسمت أمرها وضغطت زر الاتصال عليه، وانتظرت إلى أن آتاها الرد منه وهو يقول بلهجة صارمة بعض الشيء: -ألو.
فردت بنبرة متوترة: -مستر شريف.. -خير يا ليلى! تنحنحت بحرج قبل أن تردف بحذر: -آسفة إني اتصلت بيك بس حبيت أعتذرلك قبل ما أنام، أتمنى متكونش زعلان من اللي حصل. رد بهدوء رزين: -حصل خير يا ليلى، ماتقلقيش أنا مش زعلان. ابتسمت برضى وقالت: -طب الحمدلله، كدا بقى أعرف أنام.
ابتسم هو الآخر مع قوله: -تصبحي على خير، مع السلامة. أغلقت الخط ثم قبّلت الهاتف بارتياح وأدخلته تحت وسادتها ومن ثم غطت في سبات عميق... بينما تفاجئ شريف بزوجته سهر التي ولجت إلى الغرفة كالعاصفة قائلة باحتدام: -كنت بتكلم مين!؟ استغرب شريف لمنظرها الغاضب وقال بصدق: -كنت بكلم ليلى.. في إيه؟
-البنت دي مش هتجبها البر أبدًا! -في إيه برضوه؟! صاحت به بشراسة: -في إن علاقتكم مش طبيعية أبدًا، مافيش طالبة بتكلم المدرس بتاعها قبل ما تنام دي قلة أدب يا أستاذ يا مربي يا فاضل. هب واقفًا وقد هتف في المقابل: -أنتِ زودتيها أوي يا سهر، كل دا عشان ساكت ومبتكلمش، لكن لا دي مبقتش عيشة، قلتلك ميت مرة ليلى دي بنتي مش مجرد طالبة، وأنا مأقدرش أسيبها دا أبوها كان أكتر من أخويا وموصيني عليها، أنتِ عاوزة إيه بالظبط؟
هدأت قليلًا في حين أخذ صدرها يعلو ويهبط بهستيرية وأخذت نفسا عميقا قبيل أن تقول بمرارة: -أنت شايفها بنتك بس أنا متأكدة إنها مش شيفاك زي باباها، تصرفاتها كلها بتوحي لشيء تاني! نظر لها بصرامة قاتلة وقال بعنف: -هو المطلوب مني إيه دلوقتي يا سهر؟
اقتربت منه بندم واعتذرت قائلة ببكاء: -أنا آسفة، بس أنت عارف أنا بحبك أد إيه، ماتزعلش مني وخدني على قد عقلي أو خدني في حضنك يا أخي! اختتمت جملتها بضحكة خافتة من بين بكاؤها، فابتسم رغمًا عنه وضمها إليه مع قوله الهامس: -تعالي...
طبع قبلة فوق جبينها بعدما انتهى من وجبة العشاء التي أعدتها له خصيصاً، وقال برفقٍ حنون: -تسلم إيديكِ يا حبيبتي، ربنا يخليكِ ليا. ابتسمت له بتوتر وقالت: -بالهنا ؤالشفا يا حسين، أنا هقوم أرتب المطبخ على ما أنت تغسل إيدك وتغير هدومك. -ماشي..
انصرفت هي وقام هو إلى الحمام كي يغسل يديه ومن ثم عاد إلى خزانة ملابسه وأبدل ثيابه، كاد ينام على الفراش لكنه قال بخفوت: -أقرى شوية قبل ما أنام. فتح أحد الأدراج مخرجا منه نظارة القراءة خاصته وكتابًا كان يجاورها، أغلق الدرج وعاد إلى الفراش ولكن قبل أن يجلس لمح شيء ما تحت المرتبة، رفعها بفضول فوجد عبوة غريبة تحتوي على كبسولات...
وقد كانت الصدمة حين قرأ فيما تستخدم هذه الكبسولات، كادت تتوقف أنفاسه ونبضاته عند هذه اللحظة، لا يصدق أن زوجته! تريد قتل إبنه في أحشائها!. راح يلتفت عندما أحس بوجودها في الغرفة، وقابلها بعينين جريحتين متألمتين مع قوله الذاهل: -إيه دا؟! بينما ازدردت لعابها وقالت بارتباك: -هفهمك. -تفهميني! -غصب عني والله..
صرخ يوجهها وهو يلقي العبوة أرضا: -إزاااااي! -ليلى.. ساد الصمت بينهما.. صمتا قاتلا ونظرات ذبيحة، فيما يقول بغيظٍ شديد؛ -مالها ليلى؟، هي اللي قالتلك تنزليه؟ أسرعت تردف: -لا مش هي، بس لو خلفت هي هتفضل زعلانة طول عمرها!
ضحك بتهكمٍ وهستيرية: -مجنونة! أكيد مجنونة، عاوزة تحرميني من إني أكون أب بعد كل اللي شوفته!، أنتِ زيك زي مراتي الأولى فرقتي إيه عنها؟!، إن ماكنتيش أنتِ الأسوأ بمراحل، أنا حقيقي مش قادر أصدق. انهمرت عبراتها بقوة فوق وجنتاها وترجته بقولها: -حقك عليا يا حسين، والله أنا في حيرة ومش ع...
قاطعها صارخا: -ابعدي عني أنا مش طايق أسمع صوتك.. راح يرتدي ملابسه مرة أخرى على عجالة وترك لها الغرفة، فركضت متسائلة بهلع: -حسين أنت رايح فين، بالله عليك قولي رايح فين.. لكنه لم يرد عليها وبرح الشقة بأكملها تاركًا إياها تبكي بقوة وتذرف دموعًا حارقةً...
شمر عن ساعديه الأسمرين ووقف في شرفة منزله يدخن لفافة التبغ خاصته، بينما يعلن هاتفه عن اتصالا فأجاب قائلًا بصوتٍ أجش: -إيه اللي مسهر الجميل لحد دلوقتي؟! فأتاه صوت جدته غاضبا: -وأنا هعرف أنام من غير اللي مدوخني؟، ماجتش ليه لحد دلوقتي يا قلب ستك.. -معلش يا حبيبتي حبيت أبات النهاردة في شقتي، بكرة هجيلك إن شاء الله.
فقالت باستغراب: -طب وليه تبات لوحدك هو أنا زعلتك في حاجة؟ -أنا لو زعلت من الدنيا كلها مأزعلش منك أنتِ، بس كل الحكاية إن عندي شوية شغل وترتيبات كدا هسهر أخلصهم، وقلت أبص على الشقة بقالي كتير قافلها. -خلاص يا حبيبي على راحتك، بس النهاردة بس وتجيلي بكرة فاهم يا ولد! ضحك قائلًا: -فاهم يا ست الكل، خدي بالك من نفسك، تصبحي على خير.. -وأنت من أهل الخير يا حبيبي..
ما إن أغلق الخط سمع صوت الجرس، فتوجه إلى الباب باستغراب، من الذي سيأتي له في هذه الساعة المتأخرة؟! فتح وصدم حين رأى الطارق، فقد كان والده الذي أخذ ينظر له بحزن، وما لبث الأب أن اندفع إليه معانقا إياه باشتياقٍ جارف، بينما ترك فارس نفسه لحضنه دون أن يبادله إياه وأغمض عيناه محاربا شعورًا بالحنين راوده الآن. ابتعد حسين قليلًا عنه ومسح عبراته التي سقطت من عينيه كزخات المطر، شعر فارس بالقلق لرؤيته بهذه الحالة فسأله بجدية: -في إيه؟ مالك؟! -تعبان.. تعبان أوي يا فارس. اصطحبه فارس إلى الداخل قائلًا برفق: -اتفضل.
جلسا سويا على الآريكة فيما يقول فارس بهدوءٍ: -حصل إيه! -بقيت حاسس إني لوحدي في الدنيا ماليش سند! وجعته تلك الجملة وكانت عليه قاسية، ودّ لو يخبره بأنه سنده وسيكون سنده للأبد لكنه أصيب بالخرس وناظره في صمت، بينما يستطرد حسين: -تخيل إن نادية عاوزة تعمل في إبني اللي في بطنها أبشع من اللي أمك عملته فيك! فارس متعجبا: -إبنك اللي في بطنها! قال حسين: -أيوة، نادية حامل، وعاوزة تنزل الجنين.
-طب ليه؟ -ليلى.. ليلى هي اللي مش حابة يكون لها أخ من أمها بس ومش من أبوها، هي أصلا مش راضية عن أي حاجة في الدنيا من يوم أبوها ما مات. فارس محتدًا: -بنت عجيبة الشكل ومأغلطتش لما قلت إنها محتاجة تربية، وبعدين نادية دي إيه اللي يخليها تسمع كلام عيلة زي دي؟! -ما هو دا اللي هيجنني، إزاي نادية تعمل كدا إزاي!، إزاي عايزة تحرمني من إبني زي ما إتحرمت منك طول عمري. صمت فارس مجددًا وحدق بالفراغ، فتابع حسين مسترسلا: -والله يابني أنا كنت بحاول كتير أخدك معايا بس أمك...
فارس بانفعال مقاطعا حديثه: -أمي إيه؟، أمي رمتني بعد ما جوزها الجديد خيرها بيني وبينه وعشت مع جدتي، إنت بقى كنت فين؟ مش أمي كانت حجتك؟ -ماكنتش أعرف إنك عايش مع جدتك كنت... قاطعه بحدة: _وماتعرفش ليه؟، عشان مبتسألش عليا أبدا مش كده؟ -كنت يأست إن أمك تخليني أشوفك تاني، عشان كدا مسألتش. فارس متسائلًا بتهكم: -أنت بجد مش حاسس بأي ذنب؟
حسين بخجل: -حاسس وخجلان من نفسي أوي والله، وعشمان بقى إنك تسامحني.. زفر فارس بخفوت وطال صمته حتى يأس حسين من مسامحته، فنهض قائلًا باحراج: -أنا أسف إني أزعجتك وشكرا انك دخلتني بيتك الشويتين دول وسمحتلي أحكيلك اللي واجعني.. كاد ينصرف لولا أنه نادى عليه قائلًا: -استنى..
رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل الثاني عشر بعنوان: حصار
توقفت قدماه عن السير وإلتفت لولده بأمل فما كان علي فارس إلا أنه أسرع إليه معانقا إيااااه بشدة،أنفرجت أسارير "حسين " وراح يضمه بإشتيااااق جااارف،فبعد طوال هذه السنين عاد إبنه إلي كنفه مرة أخري وهذا أقصي ماتمني،أستمر عناقهما لفترة طويلة وكأن الزمان توقف عند هذه اللحظة !...
حل منتصف الليل عليها وهي في إنتظاره تجوب الصالة ذهابا وإيابا فقد خفق قلبها من تأخره عليها لهذا الحد المبالغ به،مما جعلها تلؤم حالها علي فعلتها !... وفي نفس الحين خرجت "ليلي " من غرفتها قاصدة المرحاض فتفاجئت بالحالة التي عليها والدتها فضمت مابين حاجبيها معا هاتفه:- -في أيه ؟!.. أجابتها "نادية" بتوجس:- -حسسين ياليلي خرج من الصبح ولحد دلوقت مرجعش !..
تهكمت ملامح" ليلي " بشدة:- -طب وفيهاا ايه يعني هو عيل مثلا ! نادية بضيييق للغاية:- -اصله خرج زعلاان ومضاايق اووي !.. ليلي بإستغراب:- -زعلان !.. أومأت برأسها إيجابا وراحت تهمس بخفوت:- -أصل أحنا أتخانقنا مع بعض وسبني وخرج بعدها !..
لم تنكر شعور السعادة الذي أجتاحها في هذه اللحظة كما غزت وجنتيها إبتسامة لاحظتها والدتها علي الفور ليزيد من الأمها أضعافا !.. انتبهت "ليلي " لحالها فتنحنحت وقالت بجمود:--اكييد هيرجع هيروح فين يعني !،ماتقلقييش أنتي وخشي نامي .. انهت جملتها ورحلت من أمامها علي الفور والسعادة تملأ قلبها فكم مرة تمنت حدوث فجوة بينهما،أنهارت "نادية " علي أحدي المقاعد وقد تساقطت دموعها بشدة علي حالها وتشتتها بينها !
في الصباح ...
خرج "حسين " من الغرفة التي قضي بها ليلته في منزل إبنه الوحيد،فوجد إبنه في إنتظاره علي مائدة الطعام فأقبل عليه مبتسما:- -صباح الخير يابني !.. أبتسم له فارس بهدوء:- -صباح النور،ايه نمت كويس أمبارح ؟! أومأ حسين برأسه وراح يهتف بدفئ:- -اول مرة من عشرين سنة انام وانا فعلا مرتااح ...
رمقه فارس بذات الإبتسامة ولم يعقب،ثم أشار بعينيه نحو الطعام:- -طب يلا عشان تفطر !.. جلس "حسين" بجواره علي المائدة فنظر للطعام ثم زاغت عيناه في أنحاء الشقة ليهتف بعدها بتسائل:- -قولي يافارس هو أنت عايش في الشقة دي لوحدك ؟! اومأ "فارس " برأسه إيجابا وبتنهيدة قال:- -أيوة ! ...
أبدي "حسين " أعجابه بالزهو والغنا من حوله قائل بدعاء من صميم قلبه:- -ربنا يزيدك يابني كمان وكمان !.. ربت "فارس ' علي كفه بصمت ثم تسأل بنبرة قائمة:- -قولي ناوي تعمل أيه بقا ؟!... تنهد "حسين " بحزن وقال:- -مش عارف،انا أخر حاجة توقعتها إن نادية ممكن تعمل كده !... ثم تابع بإنفعال:- -انا عمري ماهسامحها !...
-تسمحلي اقولك إن ده مش حل !.. رمقه بتعجب ليكمل فارس برزانة:- -يعني اكيد هي كان ليها أسبابها اللي أنت عارفها كويس، وطبعا ده مش مبرر للي هي عملته بس واجب عليك تسمع منها او علي الأقل تديها فرصة تانية لأن عمر البعد والجفاء كانوا بيحلوا حاجه ده بالعكس !،واظن حضرتك دلوقت هديت وهتقدر تفكر بهدوء !..
تعجب "حسين " مرة أخري ولكن هذة المرة من عقلانية إبنه التي ورثها منه فتكونت إبتسامة علي ثغره وظل يرمقه بفخر ... فارس وقد قطب مابين حاجبيه:- -بتبصلي كده ليه ؟! تنهد "حسين " ثم ربت علي كتف ولده بحنو:- -ربنا يباركلي فيك يا أبني ويحميك لشبابك !...
خرجت من غرفتها علي عجالة لتذهب إلي مدرستها،فتقدمت لكي تفتح الباب فتفأجئت بوالدتها النائمة بإرهاق علي أحدي المقاعد الخشبية بجوار الباب تنظر قدوم زوجها منذ أمس، فظهر الغضب والضيق جاليا علي وجهها وهي تري ذلك،كم يحزنها إهتمام والدتها برجل أخر غير أبيها وحتي لو كان هذا الرجل يتمتع بمكانته !.. اشاحت وجهها بضيق وراحت تفتح الباب بإندفاع مما جعل والدتها تنتفض في مكانها وتهتف بأمل:- -حسين ! أنت رجعت ؟!.. رمقتها "ليلي " بغضب ثم قالت:- -لا أنا مش حسسين ! أنا بنتك .. ولم تنتظر ثانية واحدة وخرجت وأغلقت الباب بقوة مضاعفه من شدة غضبها !..
جلست "ليلي" في فناء المدرسة بصحبة رفيقتها المقربة "علا " أثناء الفاصل الدراسي تسرد لها أحدث مامرت به،فهتفت علا بعدم رضا:- -بصراحة أنتي غريبة اووي ياليلي،حقها يعني تقلق عليه ده جوزها والصراحة اكتر المفروض انتي كمان تبقي قلقانه عليه ده مهما كان عمك !.. ليلي بعصبية:- -إنتي عاوزة تستفزيني إنتي كمان !... علا:- -انا مش بستفزك ولاحاجه،أنتي بس اللي بتحبي دايما تتهربي من الحقيقة !.. -علاااااااااااا !
صاحت بها "ليلى " بإنفعال فهتفت" علا" بإمتعاض لتتجنب ثورتها:- -خلاص هسكت ! ماهو اصل اللي بيقول الحق في الزمن ده بيطرد ! رمقتها "ليلي " شزرا ولم تتفوه بحرف ! فشاحت علا بوجهها لتري أحدهن قادمة نحوهما فقالت بضييق:- -ييييييه، بصي شوفي مين جاي علينا !.. نظرت "ليلى " في الأتجاه المنشود لتقول هي الاخري:- -يووووه عايزه ايه دي انا مش بطيقها ! ..
علا بتأييد:- -وهو في حد بيطقها في المدرسة اصلا بسمعتها اللي زي الزفت !.. أنهت جملتها لتقف أمامهما تلك الفتاة والغضب يتطاير من عينيها قائلة:- -ليلى ! عمك فيين !.. أنفرج فمها بتهكم وهي تقول:- -نعم !..
ابعدت الفتاة خصلاتها الصفراء بفعل الصبغة عن وجهها بقوة:- -روحت سالت عليه في أوضه المدرسين مش موجود،لفيت عليه في كل المدرسة ومحدش شافه !... ليلي بسخرية:- -وانتي بقا عاوزاني اطلعهولك من جيبي ولا ايه ؟! -لا بس اكيد عارفه هو فيين !.. زفرت الهواء بحنق:- -لا معرفش هو فيين ! وبعدين هو في ايه لكل ده،لو عاوزاه ضروري اووي كده استني لما تروحيله الدرس !...
الفتاة بضييق:- -ماهو طردني من الدرس ! ومش بس كده هددني انه يقول لماما اني مابحضرش وباخد الفلوس ليا !.. ثم توترت ملامحها وقالت:- -دي هي ااا حصة واحدة بس اللي ماحضرتهاش لاني كنت محتاجه أجيب هديه لصاحبتي وماما ماكنتش هترضا !.. رمقتها "ليلي " بضجر جلي علي ملامحها فهي تعلم جيدا انها تكذب ولكنها قالت بملل:- -عموما انا ملييش دعوة باللي انتي بتقوليه ده وانا معرفش هو فيين !. -ليه هو مش جوز أمك برضه !
قالتها الفتاة بتهكم ! مما جعل الاخري تستشتاط غضبا فنهضت بإندفاع لكي تتشاجر معها فتدخت علا علي الفور وأمسكت بصديقتها قائلة علي عجالة:- -ليلى،خلاص اهدي !.. ثم نظرت للفتاة الواقفة وقالت بضييق:- -وانتي يانانسي،احنا مانعرفش مستر حسين فين وياريت تتفضلي تمشي !.. وزعت نظرها بينهما بحنق ثم رحلت من أمامهما علي الفور فنظرت علا لصديقتها مرة أخري بتننهيدة:- -ممكن تهدي بقا ويلا نطلع لأحسن الفسحة خلاص !..
طوال طريق عودتها وهي تفكر في شأن تلك الفتاة،فقد شغلت بالها وبشدة وجعلت امور ما تنمو وتنضج في عقلها ! صعدت درجات المنزل بشرودها،حتي توقفت علي عتبة شقتتهم فأفقت من شرودها أخيرا،وفتحت سحاب حقيبتها لتخرج المفاتيح خاصتها ولكن تفأجئت بعدم وجودها فقد نست أمرها في الصباح، تنهدت بضييق وراحت تطرق علي الباب بشكل متكررر وحينما انفتح الباب اصدرت شهقة مكتومة ! فكان ذاك السمج أمامها بشحمه ولحمه يطالعها بنظراته المعتادة دوما من رأسها لأخمص قدميها ليهتف بعدها ببروده وإستفزازه:- -حمد الله علي السلامة يا أنسه ليلي !..
رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل الثالث عشر بعنوان: افتراء
تفاجأت بوجوده في منزلهم، ما الذي أتى به هذا السمج إلى هنا؟، أصبحت تبعضه كما تبغض والده وما أثقل وجودهما في حياتها، تأففت وولجت إلى الشقة دون أن تعريه أي اهتمام، أقبلت عليها "نادية" وهي تقول مبتسمة ؛ -حمدالله على السلامة يا حبيبتي، فارس إبن عمك هيتغدى معانا النهاردة. رمقته باشمئزاز وقالت بجراءة: -وأنا مالي، وجوده بالنسبة لي زي عدمه، أنا داخلة أوضتي.
كز "فارس " على أسنانه بغيظٍ شديد ومضى يرمقها بتوعد، بينما هبّ حسين واقفًا وقال محتدما: -عيب عليكِ يا ليلى، مأتخلنيش أتصرف تصرف ميعجبكيش ويزعلك مني، وكفاية أوي اللي عملتيه لحد دلوقتي ولا أنتِ مش واخدة بالك إنك كنتِ هتعملي كارثة كبيرة أوي؟ -حسين! مش وقته. تحدثت نادية بتوتر، فقال هو بصيغة آمرة: -اسكتِ يا نادية. بينما يتابع: -أنتِ كنتِ هتبقى السبب في إن أمك تجهض نفسها وتموت إبني اللي أنتِ رافضة وجوده في الحياة، ليه بقى جواكِ حقد كبير بالشكل دا؟
نظرت إلى والدتها بصدمة وهي تقول: -أنا مقولتش لها تجهض، أنا مالي! -ما أنت السبب، عمالة تسمميها بالكلام ليل ونهار وهي عاوزة ترضيكِ بأي طريقة ماتعرفش إن مافيش حاجة هترضيكي ابدا! ليلى وقد عصف بها الغضب واغرورقت عيناها بالعبرات: -اللي يرضيني إنك تخرج من حياتي.. اللي يرضيني إنك ماتخدش مكان أبويا، فاهم! اقترب منها ينوي صفعها لكن وجد من يمسك يده ليمنعه، فقد كان "فارس" الذي حرك رأسه نافياً وهو يقول: -بلاش.
استغرب حسين من رد فعله وكذلك ليلى التي نظرت له بعدائية رغم دهشتها من موقفه، بينما يقول فارس محاولا استفزازها بطريقته: -دي حلها الوحيد هو التجاهل، تجاهلها أحسن ما تمد إيدك عليها! غليت الدماء بعروقها وأردفت بعنف: -أنت مالك أصلا بتتكلم ليه وبتدخل ليه! وقبل أن يرد عليها اصطحبتها نادية معها إلى الغرفة كي لا تتطور الأمور أكثر من ذلك.. بينما قال فارس بضجر: -أنا لازم أمشي دلوقتي عشان عندي شغل.
أردف حسين: -مش هتتغدى معانا زي ما اتفقنا؟. -لا معلش أنا عندي شغل مستعجل. ابتسم حسين وقال: -ماشي يا حبيبي، بس اعمل حسابك هتتعوض يعني هتتعوض تمام؟ ابتسم فارس برسمية وقال قبل أن يبرح المنزل: -تمام. أغلق حسين الباب وعاد يجلس في همِ وهو يفكر جيدًا يحاول ايجاد حلا في أمر ليلى، وكيف يجعلها تتقبل وجوده في حياتها؟!
يأست نادية في تهدئة ابنتها ليلى فتركتها وهي تدعو لها بالهداية، وخرجت إلى صالة المنزل حيث يجلس حسين، جاورته في جلسته وهي تقول برفق: -حقك عليا يا حسين ماتزعلش من ليلى عشان خاطري. نظر لها بصمت وتنهد بامتداد، فقالت متسائلة: -ساكت ليه؟ -زهقت يا نادية، مش عارفة اخرتها ايه، ليلى زودتها اووي. نادية بتحيّر: -مش عارفة اعمل ايه يا حسين، نفسي اشوفها زي زمان، ليلى الحبوبة الحنونة، انت عارف؟
ابتلعت غصة مريرة بحلقها وتابعت بحزن: -ساعات بحس إن ليلى بنتي ماتت مع أبوها، وإن دي واحدة غريبة أنا معرفهاش!، انا عارفة ان الشعور دا قاسي اووي يا حسين بس بجد انا بحس ان دي واحدة تانية غير ليلى.. ليلى اللي مكنش فيه في طيبة قلبها! ربت حسين عليها في مواساة قائلًا: -ربنا يهديها ويهدي قلبها يا نادية. -ياااارب. فابتسم مشاكسًا: -وبعدين بقى فكي كدا, ماتضيعش اللحظة الحلوة اللي اتصالحنا فيها في الحزن!
بادلته الابتسامة كذلك وقالت بهدوءٍ: -ماكنتش أعرف ان فارس بالجدعنة دي، يعني لولا هو انت ماكنتش هتسامحني ابدا صح؟ ضحك قائلًا: -بصراحة صح! -كدا يا حسين! -أنتِ نسيتي الكارثة اللي كنتِ هتعمليها يا نادية! -خلاص خلاص خلينا ننسى. -أنا بقول كدا برضوه!.
في اليوم الموالي..
تفاجئ "حسين" أثناء اليوم الدراسي باستدعاء من قبل مديرة المدرسة، فذهب إليها في ثبات وفضول، فاجئته المديرة بقولها: -أهلا يا أستاذ حسين، في مشكلة هنا تخصك! بينما يتفاجئ بعاصفة أخرى، حيث هبت سيدة ما كانت جالسة على المقعد بغضب جم وهي تهتف به: -أنت بقى أستاذ حسين، أستاذ ولا...! توسعت عيناه بصدمة وهو يهتف بالمقابل: -احترمي نفسك يا ست انتِ، انتِ مين أصلا!
تدخلت المديرة في الحوار قائلة: -ممكن تهدي يا فندم من فضلك، ادينا فرصة نسمع الموضوع من أستاذ حسين وأنا بؤكد لك ان دا مدرس محترم والكل بيشهد له بكدا ففضلا اهدي شوية! بينما يهتف حسين محتدًا: -أنا مش فاهم أي حاجة هو في إيه بالظبط! تكلمت المديرة في ايجاز: -المدام بتقول إنك طردت بنتها الطالبة نانسي من الدرس و...
سارع حسين بالرد: -أيوة طردتها من الدرس عشان البنت مش بتيجي الدرس وعرفت من زمايلها انها بتاخد الفلوس ليها ومامتها اللي بتزعقلي دلوقتي مش دريانة بحاجة! -كذاب! هكذا هتفت السيدة وهي تشير له بسبابتها بينما تواصل: -كل دا عشان تداري على اللي بتعمله وتنكر انك حاولت تتعدى عليها، أنا هوديك في ستين داهية.. وواصلت بإصرار: -أنا مش هسيبك ويا أنا يا أنت!
انصرفت السيدة يعد عدة تهديدات وقالت المديرة زافرة: -يا أستاذ حسين أنا فعلا مستغربة جدا من اللي حصل وأنا بشهد لك انك انضف مدرس في المدرسة دي حقيقي. لم يتكلم حسين في هذا الوقت، حيث لجمته الصدمة، أنه يعمل منذ سنوات عديدة معلم ولم يحدث معه مثلما حدث الآن، هذا الأمر مؤكداً أنه مدبر.. ولكن مِن مَن؟
حيّره هذا السؤال طوال طريقه إلى البيت، إلى أن وصل وولج بلا أي حديث، أصابت نادية الدهشة ومضت تسأله بقلق: -حسين، مالك في إيه؟ -مافيش حاجة يا نادية.. عادت تتحدث باستغراب: -إزاي مافيش حاجة وأنت مهموم كدا! -أرجوكِ يا نادية سبيني دلوقتي أنا مش قادر أتكلم.. صمتت وهي تومئ برأسها في طاعة وربتت على كتفه برفقٍ، بينما تنهد حسين بهم وهو يحدق في الفراغ..
احتضنها ما إن ولج من الباب بشوق وهي كذلك، بينما تقول بعتاب: -بقى كدا يا فارس تسيبني أبات لوحدي 3 أيام بحالهم! ابتسم لها بحنو وقال: -حقك عليا والله كنت مشغول أوي. قبلته بحب وقالت: -ربنا يعينك يا حبيب ستك. توترت قليلًا وهي تنظر خلفها ثم تعود وتنظر له، فقال هو بجدية: -في إيه؟
أخبرته بخفوت: -أمك قاعدة جوا، بالله عليك يا فارس متكسرش بخاطرها دي جاية مضروبة من الندل جوزها. تصلبت ملامحه ما إن علم بوجودها وكشر عن جبينه، بينما وجدها تهرول إليه باكية والكدمات الزرقاء ظاهرة بوضوح على وجهها، صُعق من مظهرها وتوسعت عيناه قليلًا، ارتمت بين أحضانه مستنجدة به، بينما تقول: -فارس إبني. فأبعدها برفقٍ مع قوله القاسي: -دلوقتي بس افتكرتي إن ابنك؟ ومش هو دا الراجل اللي رمتيني عشانه؟