رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل الخامس بعنوان: صدفة
اقترب "حسين " منها وقد اشتعلت عيناه بحدة عارمة، فيما يهتف محتدًا: -ماحدش قالك إنك قليلة الأدب؟ اتسعت عينا ليلى وناظرته باستغراب فلأول مرة يحدثها بهذه الطريقة.. فتابع وقد أظلمت عيناه من شدة الغضب: -الظاهر اننا دلعناكِ زيادة عن اللزوم، بس مش لدرجة تكلمي جدتك بالطريقة المقرفة دي. وأنا مش هسمحلك أبدا تتمادي في قلة أدبك أكتر من كدا.
كانت قد ترقرقت العبرات في عينيها، فهتفت بحزن: -أنا مش قليلة الأدب، أنا متربية وأبويا هو اللي رباني قبل ما يموت. -أبوكِ لو كان عايش كان قطم رقبتك بسبب اسلوبك الزفت. ثم صمت قليلًا وتابع باهتياج: -وقسما بالله إن ما إتعدلتي لتشوفي ايام سودة معايا يا ليلى، هو انتِ فاكرة اني مش هعرف أربي حتة عيلة زيك؟، إن كنت صابر عليكي فدا مش معناه إني هسمح لبنت اخويا تبقى بالأخلاق دي فاهمة؟ .
صرت على أسنانها في صمت، بينما تابع حسين بغضب: -ايه حكاية الخناقة دي كمان اللي عملتيها قدام المدرسة؟! شهقت نادية حينها وخبطت على صدرها قائلة: -خناقة؟، خناقة ايه يا ليلى!. -أنا ماعملتش خناقات، دا واحد كان بيعاكسني مش أكتر وجه حد معرفوش اتخانق معاه.
هكذا قالت ليلى باختناق.. فتابع عمها وحيد بجدية: -المفروض لما حد يضايقك تجي تقوليلي وأنا أتصرف مفهوم؟. لم ترد عليه وركضت إلى غُرفتها تبكي بصمت، بينما قالت نادية بعتاب: -براحة عليها يا حسين مش كدا، بالهداوة يا أخي. -اسكتي انتِ يا نادية من فضلك البنت محتاجة يتشد عليها يا إما هتضيع مننا.
ابتسمت الجدة "تحية" وقالت بهدوءٍ: -بصراحة بقى يا نادية حسين معاه حق، رغم إني يعز عليا زعلها بس البنت لازم تتعامل بحزم شوية وأهو إنتِ من ناحية وحسين من ناحية وأنا مستعدة أخدها عندي كام يوم كدا تريح فيهم أعصابها. رحبت نادية بالفكرة وقالت مؤيدة: -والله ياريت، أنا هدخل أقولها يمكن توافق.
-شريف أنا آسفة. هكذا قالت سهر التي جلست جوار زوجها الغاضب كعادتها لم يرضها غضبه منها وتأتي معتذرة له فحبها له بالأخير ينتصر على غيرتها المبالغ فيها. بينما كشر شريف عن جبينه أكثر وأدار وجهه للناحية الأخرى دون أن يتحرر من صمته، فما كان منها إلا أن التصقت به أكثر وقالت بدلال: -يعني هتفضل مخاصمني لحد امتى؟. تنهد بصوت مسموع والتفت لها قائلًا بعتاب: -لحد ما تثقي فيا شوية.
ابتسمت وقالت: -والله يا شريف بثق فيك جدا بس من حبي ليك غصب عني بغيير وعموما يا سيدي حقك عليا. بادلها الابتسامة كذلك وقال: -بس توعديني تتحكمي في غيرتك شوية يا سهر، أنا بحبك وإنت عارفة كدا كويس. -حاضر أوعدك.. قالتها وهي تقبل كتفه، فعانقها بحنو وأغلق عيناه مبتسما..
في اليوم التالي..
نبض قلبها وهي تراه يتنقل داخل الفصل وهو يقوم بشرح الدرس، لم تفهم ما يقول.. فقط كان كل تركيزها مع حركاته وعيناه.. واه من عينيه فهي تعشق النظر إليهما والغرق فيهما وتتمنى لو أن ينتشلها من عالم عمها ووالدتها إلى عالمه.. حتى وإن كان متزوج وفي عمر والدها.. أما هو فكان يشعر بها ويشعر بنظراتها وكان يمنحها ابتسامة من حين لآخر رغما عنه.. وكأنه يخضع أمام براءة عينيها الجميلتين.. ما إن انتهت الحصة الأخيرة.. خرج من الفصل وهو يحمل متعلقاته ونهضت تركض إليه بخطواتٍ سريعة.. نادت عليه: -مستر شريف التفت لها وقال باهتمام: -أيوة يا ليلى.
-إزي حضرتك؟ ابتسم وقال: -كويس الحمدلله. توترت وهي تقول: -النهاردة الدرس مش هيكون عندي.. ممكن ناخده عند علا؟. سأل مستفسرًا: -ليه؟ -لأن أنا قاعدة يومين كدا عند تيتة.. -أهااا ماشي مافيش مشكلة ناخده عند علا يا ليلى. ختم جملته بابتسامة محببة إليها وتابع: -يلا سلام أشوفك في الدرس.
سار ماشيا وتاركا إياها في دنيا أخرى لم تفق منها إلا على وغزة علا التي قالت بغيظ: -فوقي يا ليلى بقى، فوقي لنفسك حرام كدا! -في إيه يا علا؟ -فيه إنك مجنونة أوي وقلبك هيضيعك، دا المستر بتاعنا أوعي تنسي كدا أبدا! زفرت ليلى بضيق وقالت: -حاضر يا ستي، اسكتي بقى. تنهدت علا وقالت بمرح: -سكت اها.. ايه رأيك تيجي معايا البيت تسلمي على ماما ونقعد نذاكر شوية لمعاد الدرس؟
ليلى بتردد: -بس أنا مقلتش لتيتة، كدا هي هتقلق. -بسيطة اتصلي بيها وعرفيها يا ستي. هزت رأسها موافقة وأجرت الاتصال على جدتها وأخبرتها بذلك.. ثم سارت بصحبة علا إلى بيتها.. وهناك رحبت والدة علا بها ترحيبا حارا وسعدت لوجودها. ابتسمت الأم قائلة: -نورتينا يا حبيبتي. فقالت ليلى بخجل: -شكرا يا طنط دا نورك.
أردفت علا بمشاكسة: -ماما أنا جعانة أوووي. ضحكت الأم وقالت: -حظك حلو أنتِ وليلى، من شوية الست سعاد جارتنا نزلتلي رز بلبن وقالتلي أنا عارفة إن علا بتحبه. علا بفرحة: -واو.. الست دي حبيبتي حبيبتي، ما تيجي نسلم عليها يا لولو دي بتحبك موووت.
ليلى بابتسامة: -وانا والله بحبها أوي هي شبه تيتة تحية أوي. فقالت علا: -طب يا ماما هنطلع نسلم عليها يمكن نلاقي عندها بسبوسة وتدينا حتة نحلي بيها بعد الرز بلبن. ضحكت ليلى بشدة: -والله إنتِ طفسة أصلا.
صعدت علا بصحبتها إلى الأعلى حيث شقة السيدة سعاد، طرقت علا الباب وهي تبتسم ملئ شدقيها، وانتظرتا للحظاتٍ، لم يُفتح الباب طرقته ثانياً... فقالت ليلى وهي تمط شفتيها: -شكلها مش جوه. تنهدت علا وقالت: -شكلها كدا. كادت تمشي لكنها توقفت وقالت بقلق: -ليكون جرالها حاجة يا ليلى دي ست كبيرة وعايشة لوحدها.
شهقت ليلى وقالت: -تصدقي ممكن!، طب خبطي كدا تاني ربنا يستر. ظلت تطرق علا على الباب بقلق وهي تهتف بهدوءٍ: -طنط سعاد، طنط سعاد!. شاركتها ليلى في الطرقات وقد شكل الوهم لهما أن السيدة العجوز قد أصابها مكروه بالتأكيد.. أما بالداخل فقد نهض فارس عن الفراش منزعجا بشدة وأسرع إلى الباب وهو يهتف بغضب عارم: -مين البهايم اللي بتخبط كداااااا!
فتح الباب بعنف دون مقدمات.. فشهقتا الاثنتان وابتعدتا للخلف في خوف... فكان يرتدي بنطالا فقط ولا شيء سواه، وشعره مُشعث جراء نومه العميق.. لكن ملامحه حادة صارمة للغاية.. هتف بصوتٍ جهوري: -انتوا مين وازاي تخبطوا بالطريقة دي، إيه مافيش احساس خالص! رمشت ليلى بعينيها واقترب من أذن علا تهمس بخوف: -مش دا...
قاطعتها علا باستغراب: -أيوة هو، دا بيعمل إيه هنا دا! هز فارس رأسه بتهكم وقد تذكر أنها هي تلك الفتاة التي تشاجرت مع أحدهم أمام مدرستها، فتابع محتدًا: -ما تنطقوا عاوزين إيه؟.
رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل السادس بعنوان: عطره
تجمد الإثنتان في مكانهما ولم تنطق إحداهما بكلمة،بينما هو كرر حديثه الحاد:- -اتخرستوا ولا ايه ؟! ماتردوا !.. ابتلعت "علا " ريقها بهدوء قائلة:- -اا أحنا كنا جاايين نشوف آآ.. لم تتم جملتها وسمعت صوت جسد يهوى أرضا فنظرت بجوارها لتجد رفيقتها ملقاةملقاه على الأرض أسفل قدميها شهقت بهلع وهي تجثو على ركبتيها سريعا:- -ليلى،ليلى فوقي مالك !.. اما هو كان يقف بذهول وصدمة يتابعهما،حاولت "علا " ايفاقتها بشتى الطرق ولم تنجح فتفاجأت بذاك الذي ينحني ويحمل رفيقتها على يديه بخفه ويتجه بها نحو الداخل !...
كان يحملها بهدوء وحذر يتناقض مع موقفه من قبل، حيث كانت رأسها تستكين على صدره العاري بأولفة غير عادية !..
وضعها على الأريكة المتهالكة بحذر ثم اعتدل في وقفته وولج لغرفته سريعا ليجلب عطره الخاص ثم عاد ليجد"علا "تجلس بجوارها تصفعها على وجهها بخفه لعلها تستجيب معها وهي تردد بدرامية أنثوية مملة:- -ليلى حبيبتي ! انتي سمعاني فوقي ياحبيبتي ياليلى ردي علياا، ليلى!...
زفر الهواء بضيق ثم صاح بها بغيظ:- -ايه اللي بتعمليه ده ! ده على أساس انها هي سمعاكي مثلا وهتفوق !..
نظرت له بحرج وصمتت نهائيا فدنا قائلا بخشونه:- -وبعدين أبعدي كده خليني أفوقها !.. نهضت من جوارها على مضض لتبرح له المكان وجلست في نهاية الأريكة عند قدمي رفيقتها فاقترب هو وانحنى بحسده بعدما نثر قطرات عطره على كفه ليمرره أسفل أنفها لتستنشقه بعد ثوان عديدة رأها تحرك رأسها يمينا ويسارا بتشنج فأبتعد عنها بتننهيدة:- -اهي بتفوق أهي تنهدت "علا " بأريحية:- الحمد الله !..
وضع زجاجه العطر جانبا ثم سألها بغموض:- -هي بيحصلها كده على طول ؟!. أجابته وهي ترفع كتفها للاعلى:- -ساعات،يعني مش دايما غير لما تزعل او تتخض مثلا !.. رفع حاجبيه بإستنكار:- -تتخض ! وهي شافت ايه دلوقتي خضها ولا خوفها !...
رمقته بحرج ثم أشاحت بصرها عنه سريعا لتجد رفيقتها فتحت جفونها وتستعيد وعيها بالكامل دنت منها بلهفة:- -ليلى أنتي كويسة ! أومأت برأسها إيجابا دون أن تتفوه بكلمة ثم اعتدلت بإرهاق جلي على ملامحها تتسأل:- -هو ااا حصل ايه ؟!... أجابتها "علا ":- -مفيش حاجه ياحبيبتي،أنتي بس اغمى عليكي ودخلناكي هنا !؟..
نظرت حولها سريعا فوقع بصرها عليه يقف كما هو امامهما عاري الصدر اكتسى وجهها خجلا وأشاحت بصرها سريعا عنه تحتمي خلف ظهر رفيقتها ! فهتف بجمود ساخر: -أيه شكلي بيخض اووي كده ! نظرت له "علا " ورفعت عيناها قليلا لتشير إلى صدره العالي بخجل، فأدرك للتو انه لم يرتد شئ فأنشغاله بتلك أنساه شئ كهذا ! دلف غرفته ثانيا وسحب قميصه الملقى على الأرض بعشوائية وارتداه وسار يغلق ازراره وبينما هو يخرج من باب غرفته .ولجت الجدة من باب الشقة المفتوح وهي تحمل أكياس الخضروات التي أبتعتهم للتو لتتفاجأ بهذا المشهد أمامها قطبت مابين حاجبيها بذهول ووضعت الأكياس جانبا وسارت تتسأل:- -ايه ده ؟! اللي بيحصل هنا بالظبط !..
هتفت بذلك وهي تشير بعينيها نحوهما وبينه وقفت الفتاتان سريعا فأردفت الجدة بحدة:- -بتعملي ايه ياعلا انتي وليلى هنا وانا مش موجودة !.. ثم نظرت نحو حفيدها قائلة:- -انت تعرفهم ولا ايه يافارس ! هتفت ليلى وعلا في أن واحد:- -لالا أحنا مانعرفهوش !
فأكملت "علا " بإندفاع:- -احنا كنا طالعين نطمن عليكي فهو اللي طلع قدامنا فجاءة زي العفريت ! ثم سردت لها ماحدث مع رفيقتها بالضبط وبعدما انتهت:- -بس هو ده اللي حصل ياطنط سعاد !..تنهدت الجدة بإطمئنان ثم دنت من ليلى تتفحصها:- -وانتي ياليلى بقيتي كويسه دلوقتي ياحبيبتي ! اومأت برأسها إيجابا عدة مرات فهتفت "علا" وهي تمسك ذراعها:- -مش يالا بقا ياليلى ننزل لأحسن أتأخرنا علي الدرس ااووي !
ثم نظرت للجدة سعاد بإبتسامة مصطنعة:- -سلام بقا ياطنط سعاد ! ثم جذبت رفيقتها من يدها وقبل ان تذهب بها وقفت "ليلى " قليلا جواره وطالعته مطولا ثم همست بصوت يكاد يسمعه:- -متشكره اووووي ! و أختفت من امامه سريعا كسرعة البرق،فطالع طيفها بإستغراب ومالبث أن ابتسم ابتسامة زينت وجهه ولأول مرة !...
-على الدرج ...
هتفت "ليلى " بضيق:- -بجد كان شكلنا وحش وبايخ اووي ... "علا " وهي تؤيد حديثها:- -اووووي ...
اغلقت "الجدة " الباب خلفهما وعادت تقف امامه وهي تطالعه بلؤم فهز راسه بعدم فهم ليستفهم نظراتها: -ايه في ايه ! اظن البنت حكتلك على كل حاجه يعني براءة أنا كده ! قال هذه الجملة وهو يرفع ذراعيه للاعلى .فابتسمت العجوز بخبث:- -ايه معجبتكش واحدة منهم اخطبهالك !.. طالعها بإستنكار:- -تخطبهالي ! .
اومأت برأسها إيجابا:- -وفيها أيه يافارس مش ناوي تفرحني بيك وبولادك بقا !. فارس بنزق:- -وهو ماينفعش تفرحي بيا من غير جواز !..وبعدين مقولتليش انتي تعرفيهم منين البنات دول؟.. ابتسمت قائلة:- -هتفضل زي ما انت تحب تتهرب من المواضيع عموما ياسيدي واحدة فيهم بنت جارتي والتانية زميلتها وعلي طول بيشقروا عليا ويشوفوني لو محتاجه حاجه .. ثم تابعت بلهجة خبيثه:- -فيهم الخير والله بنات محترمه واللي زيهم مبقوش موجودين خلاص ! تجهمت ملامحه ساخرا:- -محترمين اووي اووي يعني !...
انتهزت فرصة ذهاب زوجها إلي عمله وغياب إبنتها عن المنزل لكي تتخلص من شكوكهاا !..
فجلست علي حافة المغطس ممسكه بإختبار الحمل الذي أبتاعته منذ قليل،فكانت جالسه بترقب وتوتر شديد وهي تمني نفسها أن ظنونها خاطئة وأن ماتعتقده سراااب !.. وبعد دقائق معدودة كانت النتيجة تضئ أمامها لتثبت لها حقيقة واقعية عليها ان تتقبلها وتحارب من أجلها وماهي ألا نطفة تنمو في رحمها !
تسارعت انفاسها بقوة ووضعت يدها علي فمها تكتم شهققاتها التي تعلو تدريجيا ثم أبعدت يدها هاتفه بهلع:- -يانهار أسود ! ده ليلى لو عرفت مش هتسكت أبدا !...
عادت من منزل رفيقتها إلي منزل جدتها التي تمكث فيه بعد إنتهاء الدرس فكانت مرهقة للغاية بالكاد تتحايل علي نفسها لتبدل ثيابها بأخري وحينما شرعت في ذلك وصلت أنفها رأئحة قوية قطبت مابين حاجبيها بتعجب فقربت أنفها من ثيابها ليغزوها عطر رجالي مميز فرأئحته مازالت معلقه بها !
ابتسمت رغما عنها قائلة:- -رغم أنه رخم ودبش بس ده مايمنعش ان ريحته تجنن!.
بعد مرور يومان ..
جلست امامه تفرك يديها بتوتر تبتسم من حين لأخر وهي تراقب عقارب الساعة بحذر بينما هو يجلس في الجهة المقابله يطالعها بخزي فلم يتوقع ان تكون مقابلتها له هكذا هو ايضا لم يضع في حسبانه مقابله أفضل من هذه ولكنه كان يمني نفسه فلعل وعسي يحدث ماتمناه !.. واخيرا تنهد بصوت مسموع قبل أن يهتف بعمق:- -تحبي أقوم أمشي ؟!..
تحدثت علي عجالة وبإبتسامة مصطنعة:- -تمشي ايه ياحبيبي انت مش ااا ناوي تتغدا معانا ولا ايه ! أبتسم بتهكم واضح:- -لو متأكد اني وجودي هيبقي مرغوب فيه علي الغدا صدقيني ماكنتش هرفض أبدا بالعكس !.. كادت أن تتحدث ولكنه قاطعها بجمود:- -خايفه يرجع يلاقيني هنا عشان كده عينك ماتشالتش من علي الساعه مش كده ؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بمرارة:- -خايفه عليك يابني ده شراني وممكن اااااا.. هدر بها بعنف: -انتي عارفة أني أقدر أدفنه تحت رجلي لكن انتي اللي منعاني ! انتي ليه عملتي في نفسك كده لييه؟!. اجابته والدته "سهير " بقوة:- -كنت عاوزني اعمل ايه ابوك رماني ورماك وراح اتجوز عايزني اقعد حاطه ايدي علي خدي مستنياه !.. طالعها مطولا قائل:- كان عندك سبب تفضلي عشانه،أناااا ...
نكست رأسها بخزي ولم تجيبه .فتنهد بصوت مسموع قبل أن يردف بجدية:-. -تحبي تتطلقي منه !.. رفعت رأسها بصدمة:- -أطلق !. ثم تابعت بتقطع:- -طب وولادي اااا يعيشوا من غير اااب وابوهم عايش انا مستحمله عشانهم فالاول والاخر دول ملهمش ذنب !. وعند هذه النقطة سقطت من نظرة وربما للأبد فنظر لها نظرة ذات مغزي قبل ان يهز رأسه بأيجاب وبثبات قال:- -عندك حق هما ملهمش ذنب !
ثم نهض من الأريكة سريعا وأخرج ظرف والقاه علي الطاول وارتدي سترته علي عجاله:- -لو عوزتي حاجه ابقي كلميني،معاكي الكارت بتاعي،سلام ... لم يمهلها فرصة ثانيا وغادر منزلهااا علي الفور لتهوي بجسدها علي الأريكة بألم فمددت يدها لتلتقط الظرف ثم فتحته لتجده تارك لها اموال كثيرة اغمضت عيناها وهي تغلق الظرف فأقبل عليها ابنها الاصغر:- -يامه ! هو مين البيه اللي كان هنا ده ؟! وضعت يدها علي رأسه قائلة بحزن:- -ده اخوك ياعمر ااخوك !...
ردد الكلمة خلفها بتعجب:- -اخويا !.. اومأت برأسها إيجابا فعاد يسأل متعجبا وهو يشير بعينيه:- -وهو اللي ساب الفلوس دي كلها ؟!... وضعت الظرف جانبا ثم اجلسته بجوارها قائلة بحذر:- -عمر اوعي ياحبيبي تقول لابوك علي الفلوس دي ولا انك شوفت حد هنا ماشي ياحبببي !... أومأ الصغير برأسه إيجابا لتأخذه بين أحضانها ...
ولج لغرفتهما ليجد زوجته نائمة على الفراش بشرود كما أنها لم تنتبه لدخول قطب مابين حاجبيه بتعجب وهو يسير نحوها ثم جلس بجوارها علي الفرأش وربت علي ذراعها برفق:- -نادية ! أفاقت من شرودها علي صوته فقالت بإرهاق:- -حسين ! انت جيت حمد الله علي السلامة .. طالعها بتعجب:- -الله يسلمك ! مالك كده سرحانه ومش هنا ؟!..
أبتلعت ريقها بهدوء وتبسمت:- -ابدا بس بفكر في ليلى وحشتني ! .. تنهد بصوت مسموع وأشتياق من صميم:- -تصدقي أنها وحشاني أنا كمان البيت من غيرها مفيهوش روح، انا بكره هخلي ماما تبعتها !... اومأت برأسها إيجابا وشرعت ان تهبط من الفراش:- -انا هقوم اجهزلك الغدا !... امسك بيدها وهز رأسه نافيا:- -لا يانادية ملهوش لزوم ماتتعبش نفسك انا مليش نفسك !..
عقدت حاجبيها بتعجب وقالت:- -ملكش نفس ازاي !ده انت علي لحم بطنك من امبارح حته الصبح مفطرتش ... فضيقت عيناها:- -حسين انت في حاجه مضايقاك ومش قايلي ! نهض من الفرأش بصمت وخلع سترته وسط نظراتها فنهضت خلفه قائلة بقلق:- -لا ده انت كده قلقتني اووي، في ايه ياحسين من امتا وانت بتخبي عليا حاجه ؟!..
التفت إليها بحزن عميق ومالبث ان قال بإنكسار:- -عرفت ان أبني في مصر ! تخيلي بقاله اكتر من شهر في مصر ومسألش علي أبوه !..
رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل السابع بعنوان: جفاء
بعد مرور ساعتان، استيقظت ليلى من نومها، فقد غفت في نوم عميق منذ أن عادت من الدرس، توجهت إلى الحمام حتى تغتسل ريثما تبدأ مذاكرتها، لكنها استنشقت رائحة نفاذة تخترق أنفها، عقدت حاجبيها وتشممت ملابسها ويدها ربما تكن رائحته التي علقت بها، ولكن الرائحة تملأ المنزل وكأنه هو هنا!. سمعت صوت جدتها تحية وهي تنادي عليها بحنوٍ كعادتها: -ليلى، تعالي يا حبيبتي عندنا ضيوف.
رمشت ليلى بعينيها وهي تتجه نحو الصالة في استغراب، اصطدمت عيناها بعينيه آنذاك وضرب قلبها كالطبول، لم تستعب شيء؟!، ما الذي أتى به إلى هنا!، وقفت كالجماد بلا حراك وهي تناظره بريبة، فحضوره كان طاغي وثباته سبب لها رهبة عجيبة، رغم أنه كان في حالة استغراب مثلها إلا أنه كان ثابت جامد الملامح يرمقها فقط بإمعان ونظرات استفهام قبيل أن تهتف الجدة بدهشة: -إيه في إيه يا ولاد مالكم كدا؟. نظر لها فارس وقال متنهدًا: -مين دي؟
فضحكت الجدة بخفوت وأجابته: -لك حق متعرفهاش مأنت على طول مسافر ومتاخدش بالك إنها كبرت كدا، دي ليلى بنت عمك حسن الله يرحمه. توسعت عيناه بدهشةٍ عارمة وهو يردد: -نعم! فغرت ليلى شفتاها وراحت تهتف هي الأخرى في صدمة: -عم مين؟، مين دا يا تيتة، أنتِ بتهزري أكيد! -يابنتي في ايه أنتِ وهو دا ابن عمك حسين ..
-مش معقول! همست وهي تناظره وتبتلع ريقها الجاف، أما هو فقد لوى فمه متهكمًا وقال: -أهلا. تضايقت من إسلوبه الفظ معها، وتذكرت أنه قد أخذ انطباعه عنها، هي فتاة ضائعة تسير مع هؤلاء الشباب الضائعين مثلها.. -تعالي يابنتي اقعدي وأنا هقوم أجبلكم من الكيكة اللي أنا عملاها. نهضت الجدة ما إن أنهت حديثها، وظلت ليلى واقفة بمكانها في توتر، ارتباك بالغ سيطر عليها وهي تراه مركزاً ناظريه عليها، أرجعت خصلة من شعرها خلف أذنها وهي تحاول الثبات أمامه، جلست بخجل على الأريكة المقابلة أمام نظراته المخترقة لها، وضع ساقا فوق الأخرى قبل أن يتكلم بصوتٍ أجش: -طلعنا قرايب يا آنسة ليلى.
هزت رأسها وهمست بالكاد: -أيوة. فضحك ساخرًا: -بس اللي يشوفك دلوقتي وأنتِ مكسوفة مايشوفكيش قدام المدرسة وأنتِ... -أنا إيه؟ ابتسم ابتسامة استفزتها وتابع: -لا أبدًا ولا حاجة، بس ابقي احترمي الناس اللي انتِ منهم بدل ما... -أنا محترمة غصب عنك على فكرة توسعت عيناه وهتف بها: -أنتِ اتجننتي يا بت إنتِ؟
-أنا مش بت، أنا مش هسكت عن أي اهانة ليا، واللي يتكلم معايا يتكلم باحترام. -دا لما تكوني محترمة. شهقت متسعة العينين من كلمته القاسية، وكادت تهتف لولا مجيء الجدة وهي تحمل صينية الكيك والمشروبات، وضعتها على الطاولة وقالت مستفسرة: -في إيه،؟ أنا حاسة إن فيه حاجة مش طبيعية بينكم! نهضت ليلى وهي تبكي وركضت إلى الغرفة ثم انفجرت دموعها، أما هو فقد ابتسم لجدته وقال بلا مبالاة: -مافيش حاجة يا حبيبتي مش هتدوقيني الكيكة بقى ولا إيه؟
حملق بها بعدم تصديق وقد فغر فاه بصدمة، وضعت يداها على كتفيه وقد ابتسمت قائلة: -إيه يا حبيبي إنت مش فرحان ولا إيه؟. رمش بعينيه ومن ثم ابتسم باتساع مع قوله: -أنا مش مصدق يا نادية، بجد إنتِ حامل؟. -أيوة يا حبيبي والله حامل.. حامل.
ضحك بسعادة وعانقها بفرحة وكأنه لم ينجب من قبل.. وهذا هو إبنه الأول.. بينما يهمس بحب: -أد إيه كان نفسي أخلف منك يا نادية، الحمدلله يارب. ابتعدت عنه قليلًا.. ونظرت له بحيرة قائلة: -خايفة ليلى لما تعرف... _خايفة؟، ليه ودي حاجة تضايق ليلى في إيه إن شاء الله؟! -مش عارفة بس قلقانة من رد فعلها أوي يا حسين.
زفرة بحدة وقد قال: -لا متخافيش من فضلك وإبقي سبيني أنا أتصرف معاها. أومأت برأسها وابتسمت مجددًا وهي تقول برقة: -ماشي يا حبيبي. - أمي اتصلت وقالتلي إن فارس عندها وهتعطله لحد ما أروح عشان فرصة أعرف أتكلم معاه. -طب كويس أوي، وابقى هات ليلى معاك، ربنا يصلح بينك وبينه يارب. -يارب.
خرجت ليلى وهي ترتدي ملابسها وقد مشطت شعرها ورفعته ذيل حصان، تفاجأت الجدة برؤياها هكذا فهتفت بتساؤل: -إيه دا يا ليلى راحة فين؟! -مروحة بيتنا. استغربت الجدة وقالت: -كدا فجأة ومرة واحدة. فنظرت إلى فارس الجالس كما هو بعنفوانه وقالت: -معلش بقى، كدا افضل.
وضع فارس قدح الشاي الفارغ على الطاولة وقال مبتسما يتعمد استفزازها: -تسلم إيدك يا حبيبتي الكيك يجنن وكوباية الشاي عدلتلي دماغي. -يا حبيبي بالهنا والشفا يارب. زفرت ليلى بغضب وضربت الأرض بقدمها دون أن تتحدث أو تصغى لجدتها، وصفقت الباب خلفها بعنفٍ، فرفع فارس حاجبا وقال بحزم: -مالها دي؟!
اقتربت منه الجدة وأخبرته بخفوت: -ليلى ظروفها متلغبطة خالص من ساعة ما حسن مات الله يرحمه، تقريباً كدا بقت واحدة تانية خالص. صمتت قليلًا وتابعت بتنهيدة عميقة: -خصوصا بقى بعد ما حسين أتج... قطعت حديثها فجأة ونظرت له بحذر، فعقد حاجبيه قائلًا: -كملي حسين إيه؟ إتجوز؟ أومأ الجدة، فسألها بلا مبالاة: -ممم، ودا يزعلها في إيه؟ -ما هو اتجوز أمها.. نادية. اتسعت عيناه بينما يردد: -أمها!
صمت وقد طغى الحزن على ملامح وجهه، فيما يقول: -يعني أبويا راح اتجوز وأمي كذلك ولا كأن لهم ابن في الدنيا أصلا!.. أسرعت الجدة تربت على كتفه وقالت بمواساة: -لا يا حبيبي أبوك بيحبك أبعد يدها عنه برفقٍ ونهض ببطء قائلًا: -الحب دا حاجة هما مايعرفوش عنه حاجة، أنا مش زعلان، أنا عرفت أبني وأكبر نفسي من غيرهم ومش محتاج لحد. استدار ماشية فسارعت في قولها: -إنت رايح فين بس، لسة مأقعدتش معاك.
ابتسم لها رغم حزنه وقال هادئاً: -هجيلك تاني . فتح الباب واصطدم بوالده ما إن خطى بقدمه، ازدادت وتيرة تنفسه حين تواجهت الأعين في نظرات تحمل من الحنين والعتاب.. ابتسم "حسين" وكاد يحتضنه إلا أنه لم يمنحه الفرصة وابتعد عنه مشمئزا.. ازدرد حسين ريقه وتمزق قلبه لفعلته.. فقال مختنقا: -فارس. أشار له فارس بكف يده بأن يصمت ولا يتكلم فكل الكلمات والمحاولات ستفشل.. ماذا يريد أن يقول وقد تركه هو وأمه ومضيا يبحثان عن راحتهما أين تكون؟ في حين ظل هو وحيد بصحبة جدته.. والآن ماذا يريد؟ وكأنه يقول له هذا السؤال بعينيه الجريحتين دون أن تتحرك شفتيه، انصرف سريعًا وتركه في حالة يُرثى لها وهو يكاد يبكي على نفوره منه...
طرقت الباب ففتحت الأم وابتسمت لها قائلة باشتياق: -ليلى.. حبيبتي وحشتيني. لم تتكلم ليلى ورمقتها بنظراتها القاسية كعادتها، فتابعت نادية وهي تتنهد بنفاد صبر: -دا عمك حسين لسة نازل من شوية قال رايح يجيبك، أنتِ ماقبلتهوش؟ -لا.. ردت عليها بجفاء واتجهت نحو غرفتها، فأسرعت الأم خلفها وهي تهتف بحنق: -هتفضلي كدا لحد امتى؟، أنا تعبت يابنتي تعبت.
-لحد ما أموت وأرتاح منكم ومن الدنيا كلها. -ليه يابنتي كدا، ليه كل دااا، انتِ لسة صغيرة والعمر قدامك، ولسة... صمتت فجأة وأولتها ظهرها بتوترٍ، لا تعرف كيف تخبرها أنها تحمل بداخلها قطعة من زوجها وسيكون أخا لها؟.. وكأنها ارتكبت الجريمة الشنعاء في حقها! لكنها حسمت الأمر وستخبرها.. هي لم تخطأ! -ولسة كمان هيجيلك أخ قريب يا ليلى.