رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن
كانت هاجر عائدة إلى المنزل تحمل بعض الأكياس بيدها، حين وجدت مرتضى يقف في وجهها من جديد، يتأملها بتلك النظرة الوقحة، زفرت في حنق ثم واجهته بعيون غاضبة وهي تقول: -خير، فيه حاجة تانى؟ إبتسم مرتضى بسماجة قائلا: -أبدا ياست الأستاذة، أنا بس كنت حابب أشيل عنك الأكياس دى، عيب يعنى أكون موجود وتشيليهم؟وبعدين لما تحتاجى حاجة ابقى عرفينى وأنا أجيبهم لحد عندك.
حاولت هاجر أن تهدئ أنفاسها الغاضبة كي لا تتهور، فأمثال هذا الرجل يحتاج إلى الروية في التعامل وربما بعض البرود أيضا، لتقول بهدوء: -من فضلك يامحترم، لو سمحت، خليك في حالك وملكش دعوة بية، أشيل أكياس بقى أو لأ، أنا حرة، ومش محتاجة مساعدة ولو احتجت أكيد مش هطلبها منك انت، مفهوم، ولا انت من الناس اللى بيحتاجوا أعيدلهم الكلام أكتر من مرة؟ ظهر الغضب على ملامحه وهو يقول بحدة:.
-إشمعنى يعنى، مالى؟مش عاجبك ليه ودايما مصدرالى الوش الخشب؟ناقص إيد يعنى ولا ناقص رجل؟ زفرت هاجر بقوة قبل أن تقول بنفاذ صبر: -مش مفروض إن حضرتك تهمنى أساسا، أو يكون لية أي رأي فيك، وياتسيبنى في حالى، يابجد هتضطرنى أشتكيك. عقد مرتضى حاجبيه بشدة وانتفخت أوداجه وهو يتقدم منها خطوة لتتراجع رغما عنها وقد شعرت بالرهبة، وهو يقول بغضب: -الظاهر إنك مبتجيش بالذوق ولازم تيجى بال...
قاطعه صوت غاضب النبرات تعرفه هاجر جيدا جاء من خلفها وهو يقول بحدة: -فيه حاجة يامرتضى؟ رمق مرتضى محدثه بحنق ثم قال بحدة: -مفيش، الحق علية، حبيت أعمل بأصلى زي أي ابن بلد ميهونش عليه بنت شارعه تشيل تقيل وهو واقف... قاطعته هاجر قائلة بحدة: -وأنا قلتلك خليك في حالك، وملكش دعوة بية. قال مرتضى بغضب: -شايف ردها وأسلوبها معايا؟ قالت هاجر بغضب: -وإنت مين انت... قاطعها حسن وهو يتقدم أمامها مواجها مرتضى قائلا بصرامة:.
-عرضت خدماتك عليها ورفضت، وقالتلك إنها في غنى عنها، يبقى تخليك في حالك زي ما قالتلك ومتحاولش تقربلها تانى، مفهوم يامرتضى؟ نظرت هاجر إلى ظهر حسن في حيرة من موقفه، وإتخاذه صفها بعد أن توقعت العكس تماما، ظنا منها أنه لخلافه معها سيؤازر هذا المرتضى، لتنفض حيرتها عندما قال مرتضى بعيون تطاير منها شرارة الغضب: -والباشا آخد الموضوع على أعصابه كدة ليه، السنيورة دى تخصك في حاجة؟
إقترب حسن منه بعيون ظهرت فيهم صرامة بالغة وهو يقول ببرود كالجليد: -كلمة زيادة وقسما بالله ماهبقى على جيرة ولا عشرة، والبادى أظلم يامرتضى. نظر إليه مرتضى للحظات بتحدى، قبل أن تظهر إبتسامة ساخرة على وجهه وهو يتنحى جانبا بصمت، بينما إسترخت ملامح حسن وهو ينظر إلى هاجر بعيون باردة قائلا: -إتفضلى أدامى.
رغم نبراته المتسلطة، وحدة نظراته، وحنقها منه إلا أنها أطاعته على الفور ترغب بالهرب من هذا المرتضى ودقات قلبها التي تسارعت خوفا لأول مرة في حياتها من نظرات رجل وقح مثله، بينما تبعها حسن بهدوء وما أن ابتعدا قليلا حتى تحولت نظرات مرتضى الساخرة إلى نظرات حاقدة، وهو يقول بغل: -بقى كدة ياحسن، مبقاش مرتضى إبن الشيخ سالم، إن ما جبت عاليها واطيها، والبادى حقيقى أظلم ياإبن الصعيدى.
كانت سمر تتابع مسلسلها التركي بشغف، قد شغلتها تلك البطلة التي تعانى من تجاهل زوجها المطلق لها وتسلطه عليها، تلعن هذا الرجل الذي لا يدرى شيئا عن حزن زوجته وقلبها المنفطر دوما من تصرفاته معها، لتتجمد كلية حين رأت البطلة تضع ملحا في قهوته وتقدمها له، ليتناول فنجاله منها وهو ينظر إلى هاتفه لا يحيد عنه، حتى وضع حافة الفنجال على شفتيه وتذوق القهوة ليبصقها بسرعة وهو يرمق البطلة بحنق، قبل ان ينهض ويصفعها بقوة...
لم تعد ترى الشاشة وذكرى أخرى تلوح في الأفق لموقف مشابه تماما حدث لها، ولكن تصرف زوجها لم يكن كتصرف هذا البطل البغيض، هو فقط بصق القهوة وترك الفنجال من يده، تسمع صوته يأتيها من أعماق ذكرياتها بصعوبة مذبذب النبرات وهو يقول: -إيه ده؟ لتسمع صوتها بوضوح وهي تقول بقهر:.
-معلش، حبيت ألفت إنتباهك وأحسسك إنى بنى آدمة موجودة ومهمة في حياتك زي تليفونك وشغلك بالظبط، وبما إنى نجحت أخيرا في إنى أشد إنتباهك لية، فحابة أعرفك إنى من النهاردة هكون زي القهوة دى، صحيح بتحبها، بس ملحها مش هيخليك تقرب منها تانى.
أمسكت رأسها بشدة وهذا الصداع المؤلم يضربها بقوة، نهضت ببطئ وإتجهت إلى حجرتها لتتناول حبة من شريط الدواء الموضوع على الكومود بجوار سريرها ثم تشرب كوبا من الماء، تغمض عينيها لثوان ثم تفتحهما وهي تتنهد بحزن...
تبا لتلك الذكريات التي تطاردها من وقت لآخر، تؤكد لها أن زوجها كان رجل لا يستحق البكاء عليه والدليل على ذلك هو عدم بحثه عنها بعد هذا الحادث الذي تعرضت له، تتمنى فقط لو عرفته او حتى تذكرت ملامحه التي تظل في عقلها الباطن مبهمة، يظهر في ذكرياتها ضبابي الشكل، ليتأكد لها مرارا وتكرارا أنها لابد وأنها كانت تكرهه بشدة لتنساه بهذا الشكل، عادت لمكانها تجلس أمام التلفاز تتابع المسلسل بحزن، ترى البطلة وهي تطلب الطلاق من زوجها، لتشجعها من كل قلبها على قرار صحيح، إتخذته في الوقت المناسب، تتمنى لو كانت إتخذته بدورها ولكن يظل عليها أن تجده أولا لتفعل ذلك وتتحرر من إرتباط تثق بأنه بغيض تماما، كذكرياتها معه.
تلكأت هاجر قليلا عندما اقتربت من باب شقتها، ثم توقفت أمامه، تطالع بتردد هذا الرجل الصاعد على الدرج، حتى مر من أمامها متجاهلا إياها كلية، ليوقفه صوتها المضطرب وهي تقول: -لو سمحت. إلتفت إليها يطالعها ببرود، لتنظر إليه بإرتباك حانق، ترغب في لكمه على أنفه المتغطرس هذا ولكنها في نفس الوقت لا تستطيع، يعجزها صنيعه معها، لذا فقد تغاضت عن حنقها وهي تقول على مضض: -شكرا عشان اللى عملته معايا تحت.
مال فمه قليلا بسخرية وهو يقول: -معملتوش عشان خاطرك، عملته عشان انتى ضيفة عيلة الصعيدى وضيوفنا محدش يقدر ولو للحظة بس يفكر يضايقهم، ياإما هيواجهونى أنا. تبا لغروره الذي فاق الحدود، أخذت نفسا عميقا تتمالك به نفسها قبل أن تقول ببرود: -أيا كان السبب فالمهم عندى إنك خلصتنى من البنى آدم ده، وعشان كدة لتانى مرة بشكر حضرتك وبتمنى محتاجش لخدماتك تانى، عن إذنك.
إلتفتت تفتح الباب بسرعة وتدلف إلى الداخل، بينما تابعها حسن بعينيه قبل أن يزفر ويلتفت صاعدا، يدرك بكل قوة أنه يجب أن يبتعد عن تلك الفتاة التي يرسلها القدر في طريقه، لتشعل في كل مرة جميع الإنذارات الحمراء برأسه.
كانت هاجر عند دلوفها المنزل تتمتم بحنق: -معملتوش عشان خاطرك، عملته عشان انتى ضيفة عيلة الصعيدى، إنسان مغرور وشايف حاله، مش عارفة على إيه يعنى؟ نظرت إليها سمر في دهشة وهي تضع الأكياس على الطاولة بحنق وتتقدم لتجلس بجوارها على الأريكة، عاقدة حاجبيها بغضب، لتقول سمر بحيرة: -مالك، ما انتى كنتى نازلة في أمان الله؟راجعة بتبرطمى كدة ليه؟ لتتسع عيناها في إدراك وهي تقول:.
-متقوليش، البنى آدم ده إتعرضلك تانى؟ أومأت هاجر برأسها قائلة: -أيوة، وتخيلى مين اللى وقفله؟ قالت سمر بإرتباك: -مجد؟قصدى يعنى أستاذ مجد؟ هزت رأسها نفيا قائلة بحنق: -لأ، أخوه. عقدت سمر حاجبيها قائلة: -هو ليه أخ؟ قالت هاجر بحنق: -أيوة وتعرفى طلع مين؟ طالعتها بتساؤل لتستطرد قائلة: -البنى آدم السمج اللى كنت بكلمك عنه الصبح. اتسعت عينا سمر بدهشة وهي تقول: -اللى أخد منك الكتاب؟
اومأت هاجر برأسها لتعقد سمر حاجبيها قائلة: -طيب منين مكنش طايقك ومنين دافع عنك؟ هزت هاجر كتفيها قائلة: -آل ايه احنا في حماية عيلة الصعيدى وعشان كدة دافع عني، لتزفر قائلة: -إنسان مغرور بشكل، اللى يشوفه، مستحيل يقول انه أخو الأستاذ مجد. شعرت سمر بالإضطراب يعتريها مجددا عند ذكر إسمه، تزداد دقات قلبها ووجهه يطل في عقلها مع ذكره، لتأخذ نفسا عميقا تتمالك به نفسها وهي تقول:.
-طيب سيبك منه دلوقتى وفكرى هنعمل إيه في اللى إسمه مرتضى ده؟ما هو مش معقول هنفضل خايفين في الرايحة والجاية يقطع طريقك وتحتاجى حماية. تنهدت هاجر وهي تقول: -الظاهر ان الحل الوحيد إنى أكلم أستاذ مجد زي ماقلتيلى قبل كدة، وأشوف بقى هنعمل إيه. على الرغم من أن تلك الفكرة تصيب جسدها بأكمله بالتوتر، إلا أن سمر أيقنت مثل هاجر أن هذا هو الحل الوحيد لمعضلتهما، والتي ربما تهدد وجودهما بهذا المكان، كلية.
قال يوسف: -يا ياماما، قلتلك إن ماجى وافقت خلاص، إدعيلنا إنتى بس ياحبيبتى. إستمع إلى حديث والدته، ليمسك بإصبعيه السبابة والإبهام هذا الجسر ما بين حاجبيه، مغمضا عيناه في ضيق قبل أن يزفر وهو يفتح عينيه قائلا بحدة: -قلتلك ميت مرة ياماما، اللى بتقوليه ده أنا مستحيل هعمله، أنا بحب ماجى ومش عايز غيرها، أنا حقيقى مبقتش عارف مشكلتك مع الأحفاد ولا مع ماجى نفسها.
ليستمع إلى حديثها مجددا قبل أن يقاطعها قائلا: -لأ ياماما، أنا مش جاي ومش هشوف حد، سلام دلوقتى. أغلق هاتفه وهو يزفر بضيق ملتفتا ليتجمد تماما وهو يرى ماجى تقف أمامه تمسك بيديها صينية عليها فنجالين من القهوة، شاحبة كالموتى، وعيونها خالية من الحياة، لم يدرى ماذا يقول لها وقد أدرك أنها إستمعت إلى محادثته مع والدته، حاول أن يفتح ثغره ليقول أي شئ، أي شئ يعيد الروح إليها ولكنه وجدها تقول بهدوء:.
-قهوتك يايوسف. ثم وضعت الصينية على الطاولة القريبة منها، تأخذ أحد فناجيل القهوة وتستدير مغادرة، ليجد نبرات صوته التي بحث عنها كثيرا وهو يقول: -رايحة فين؟مش هتشربى القهوة معايا؟ قالت دون أن تلتفت: -جيسى عايزانى أحل معاها مسائل الماث، فهشربها في أوضتها.
ثم تحركت مغادرة، بينما يتابعها يوسف بحزن، يدرك أنها تهرب بأحزانها إلى غرفتها متعللة بمذاكرة ياسمين إبنتهما، فقط كي تخفى عنه هذا الحزن الكامن بها لإدراكها ما تفعله والدته وإفتعالها دائما المشاكل رغبة دائمة منها في التفرقة بينهما، فقط لإنه يوما رفض الزواج من إبنة خالته وتمسك بحبيبته ماجى، لينظر إلى فنجال قهوته قائلا بحزن: -ربنا يسامحك ياماما، ربنا يسامحك.
قال الشيخ سالم بدهشة: -إنت متأكد من الكلام ده يامرتضى؟إنت متأكد إنهم مجد وحسن ولاد الحاج محمود الصعيدى؟ قال مرتضى وهو يتظاهر بالحزن: -طبعا متأكد ياأبويا، أنا كنت ساكت لأجل العيش والملح اللى بينك وبين أبوهم الله يرحمه، بس بصراحة دمى ييغلى وأنا شايف اللى بيحصل كل يوم أدام عينى ومش قادر أتكلم. أطرق الشيخ سالم بعصاه قائلا بصرامة:.
-الساكت عن الحق شيطان أخرس ياإبنى، صحيح كان ابوهم راجل طيب وكان بينى وبينه عشرة وعيش وملح، وكنت فاكر ولاده زيه، بس لو إتغيروا وحادوا عن الطريق الصح، يبقى واجب علينا التقويم، وإن رفضوا حكمنا، يبقوا يخرجوا من شارعنا، إحنا طول عمرنا في حالنا وملناش في الشمال واللى حابب يمشى في الشمال يخرج من شارعنا وربنا هو اللى هيحاسبه، ملناش إحنا صالح بيه. أحس مرتضى بالإنتصار وهو يقول بعيون تلمع:.
-يعنى هتعمل إيه ياحاج؟ قال سالم بعيون صارمة: -هعمل اللى المفروض يتعمل ياإبنى وربنا يقدرنى عليه. كاد مرتضى أن يظهر سعادته ولكنه أخفى إبتسامة الإنتصار بصعوبة وهو يقول بحزن مفتعل: -وأنا معاك ياأبويا.
رأى رقمها على الهاتف فإنتفض معتدلا، يقول بإضطراب: -ألو. قالت سماح بقلق: -إنت فين ياحسام وتليفونك مقفول ليه؟قلقتنى عليك، انت مش مكلمنى من خمس ساعات تقولى إنك هتيجى تاخد أوراق مهمة للشغل؟ إبتلع حسام ريقه بصعوبة وهو ينهض من السرير يرتدى بنطاله على عجل، ناظرا إلى نور بأسف فإعتدلت بدورها تنظر إليه بحنق بينما أشاح بناظريه عنها وهو يمنحها ظهره قائلا بإرتباك:.
-آه، فعلا، ماهو أصل، يعنى، الميتنج إتأجل وجالى مشوار تانى مهم، فنسيت خالص موضوع الورق ده وفونى كمان فصل شحن، عموما أنا جاي حالا في الطريق، مش هتأخر. تنهدت سماح قائلة: -ماشى ياحسام، متسوقش بسرعة وخلى بالك من نفسك. أغمض عينيه بإرتياح وهو يقول: -حاضر ياحبيبتى، لا إله إلا الله. قالت سماح: -محمد رسول الله.
أغلق الهاتف وقد إرتدى ملابسه ملتفتا إلى نور التي نهضت من سريرها وتقدمت بإتجاهه لتتوقف أمامه تماما وهي تقول بحنق: -أول ما كلمتك، جري هتروحلها وكأن... قاطعها واضعا يده على فمها قائلا: -ده كان إتفاقنا، إنتى عارفة هي بالنسبة لى إيه، وانا مخبيتش عليكى حاجة من الأول. أزاحت يده بعصبية قائلة: -طب وأنا، أنا بالنسبة لك إيه ياحسام؟ زفر حسام بقوة قائلا:.
-مش هتكلم كل شوية في الموضوع ده يانور، إنتى حبيبتى ومراتى زيها بالظبط، ومقدرش أخسرك بالظبط زي ما أنا كمان مقدرش أخسرها، انتى لما وافقتى تتجوزينى كنتى عارفة انى متجوز وراضية لكن هي لأ، لا عمرها هتتقبل ده ولا أنا أقدر أواجهها بيه، إحنا صحيح إتجوزنا رسمى بس جوازنا لازم يفضل في السر وانتى وافقتى على كدة، ولا هترجعى في كلامك دلوقت؟ تنهدت قائلة بحزن:.
-لأ مش هرجع، بس ياريت متحسسنيش انها أهم عندك منى، لإنى مهما كنت بحبك مش هقبل أكون مجرد شئ إحتياطى في حياتك. إقترب منها يمرر يده على وجنتها بنعومة ناظرا إلى عينيها بشغف قبل أن يميل هامسا أمام شفتيها: -إنتى مش ممكن تكونى شئ إحتياطى في حياتى يانور، إنتى من الضروريات، وجودك في حياتى زي النفس اللى بتنفسه بالظبط، من غيره مقدرش أعيش.
تاهت تحت تأثير كلماته ليبتسم بنعومة وهو يرى مدى تأثرها به، ترتعش شفتاها مطالبة إياه بتأكيد تلك المشاعر التي تصلها من بين أنفاسه ليسرع بمنحها ماتريد، يقبلها بقوة، برغبة، بشغف، لتبادله قبلاته، تحل له أزرار قميصه ليدعها هو تفعل به ماتريد وقد غلبته رغبته وأنسته تلك التي تنتظره الآن بشوق، زوجة غاب عنها زوجها قلبا وقالبا.
كان مجد يجلس على الكرسي بالردهة يطرق بصمت، تواجهه هاجر وسمر الجالستان على الأريكة أمامه، تحترمان ذلك الصمت المطبق الذي أضحى مجد فيه منذ أن أخبرته هاجر بتعرض مرتضى لها أكثر من مرة ثم تصدي أخاه لمرتضى في مواجهتها الأخيرة معه، تأملت سمر هذا الرجل أمامها تدرك أنه غاضب للغاية ويحاول أن يتمالك نفسه ولكن قبضتاه المضمومتان بشدة، فضحت مشاعره، لا تدرى لماذا ودت لو خففت عنه أو ربما أمسكت بيديه تخبره أن يهدأ قليلا، لتنفض أفكارها التي صدمتها وهو يرفع إليهما وجهه وقد ظهر أمامهما بملامح صارمة قائلا:.
-كدة مفيش أدامى غير حل واحد. نظرا إليه بحيرة، لتقول سمر بتردد: -إيه هو، قصدى يعنى الحل ده؟ نظر إلى عيونها، يشعر بالتردد قليلا، ووصلها هذا الإحساس، ليحسم قراره ويظهر الحزم على وجهه وهو يقول: -إنى...
قاطعه طرقات قوية سريعة على الباب، فنهض بسرعة وهو يتجه إلى الباب وسط قلق الفتاتان، المتسائلتان عن سر تلك الطرقات القوية، ليفتح مجد الباب ويظهر حسن الذي تعلو ملامحه القلق بدوره ناظرا إلى الفتاتين للحظة قبل ينظر إلى أخيه قائلا بتوتر: -مرتضى والشيخ سالم وأهل الشارع جايين على هنا وشكلهم ميطمنش، أنا شفتهم من البلكونة، وجيت عشان أحذرك.
قبل أن يجيبه مجد، نظر إلى نقطة ما خلفه، ليستدير حسن ويرى الشيخ سالم ومعه بعض الرجال يصعدون الدرج، ليتوقف الشيخ سالم مطالعا إياهم بنظرة صارمة، هو وبعض أهل الشارع الذين ظهر الغضب على وجوههم، بينما اعتلت وجه مرتضى ملامح السخرية، ليطالعه حسن بحنق، حتى إمتلأ المكان بشحنات الغضب ليدرك الجميع أن تلك الليلة لن تمر على خير، أبدا.
رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع
فتح الباب بهدوء ليتوقف متأملا تلك النائمة على سريرهما في وضع الجنين تمنحه ظهرها الذي يهتز ببطئ يعلن بكل وضوح عن بكائها الذي تكتم صوته، آلمه حالها الذي كانت والدته سببا فيه، إقترب منها حتى توقف خلفها تماما ليقول بحزن: -ماجى. أسرعت ماجى تمسح بيديها دموعها المنهمرة على وجهها ثم إعتدلت جالسة تنظر إليه قائلة بصوت خرج منها رغما عنها حزينا: -خير يايوسف.
جلس بجوارها ينظر إلى عيونها المنتفخة من البكاء قائلا بحنان حزين: -تفتكرى لو خبيتى عني دموعك مش هحس بيكى ياماجى؟ده أنا يوسف، باباكى وأخوكى وجوزك وحبيبك.
غشيت عيونها الدموع فأسرعت تطرق برأسها، مد يده يرفع ذقنها لتقابله عيناها التي سقطت دموعها على وجنتيها، ترسم نهرين متدفقين لم تستطع هي أن توقف تدفقهما اليوم، بإدعاء حواجز اللامبالاة والهدوء، فقد طفح بها الكيل وهي تتحمل تصرفات والدته التي تبغى بها إستفزازا لها، وإظهارها كإمرأة لا تستحق أن تكون زوجة لوحيدها، فاض بها حقا وهي تخبر نفسها مرارا وتكرارا أنها أم ترى ولدها كملكا متوجا بين الرجال يستحق الأفضل بين النساء كأميرته وهي بالتأكيد في نظرها ليست الأفضل، بل إبنة شقيقتها من تستحقه، تلك الأميرة الشقراء المدللة والتي تليق بيوسف الشرقاوى، ولدها الوحيد.
أفاقت من أفكارها على يديه التي مسحت دموعها بحنان قائلا: -أنا آسف، آسف على كلام سمعتيه... وضعت يدها على فمه تقاطعه قائلة: -متتأسفش يايوسف، انت ملكش ذنب. أزاح يدها قائلا في مرارة:.
-لأ، لية، ذنبى إن والدتى مش قادرة تتقبلك وبتسمعك دايما كلام يحرق الدم وأنا واقف أتفرج ومش قادر أمنعها، خايف تغضب علية وأغضب ربنا بغضبها، ذنبى إنى مش قادر آخدك وآخد بنتى ونبعد عن هنا خالص لأن ده معناه إنى هبعد عنها هي كمان وده ممكن يقتلها لإنى إبنها الوحيد، ذنبى إنى واقف عاجز أدام دموعك، مش قادر أوفى بوعدى ليكى لما قلتلك إنك مش هتدمعى تانى طول ماانا معاكى.
أغروقت عيناه بالدموع مع كلماته الأخيرة وتهدج صوته لتقول ماجى على الفور: -ماتشيلش نفسك فوق طاقتها، حياتى معاك حلم بتمنى كل يوم مصحاش منه، أنا معاك مش بس أستحمل تصرفات بسيطة من مامتك، ده أنا مستعد أستحمل أكتر من كدة كمان، إيه يعنى كلمتين وقالتهم؟الكلام مبيموتش، الست اللى جابت وربت رجل زيك يايوسف، يتباس إيدها و تتشال على الراس، وعلى فكرة بقى أنا مقدرة برك بيها، وبحبك أكتر بسبب خوفك عليها.
نظر إليها بعيون عاشقة أغروقت بالدموع وهو يقول: -ياريت ماما تسمعك، كانت عرفت إنى إخترتلها أحسن زوجة إبن في العالم. لتسقط من عيونه سهوا دمعة على وجنته أسرعت هي بإزالتها قائلة بعشق: -وأنا محظوظة بإبنها يايوسف، أنا عايزاك تعرف حاجة واحدة بس، لو رجع بية الزمن هختارك إنت، وهحبك إنت، لإن اللى أنا عايشاه معاك مكنش ممكن أعيشه مع أي حد تانى. إحتضنها بلهفة، مغمضا عينيه بقوة وهو يقول:.
-بحبك أوى ياماجى، من أول يوم شفتك فيه لما كنتى طالبة عندى في الكلية ولغاية النهاردة، بتبهرينى بجمالك من جوة زي برة بالظبط، جمالك كل يوم في عينى بيزيد ياحبيبتى. أغمضت عينيها تقول بدورها: -وأنا كمان بحبك يايوسف، بحبك أوى.
نفض مجد تلك الصدمة التي اعترته لدى مرأى الشيخ سالم وبقية الرجال، وهو ينظر إلى الشيخ سالم بثبات قائلا: -إتفضل ياشيخنا، خطوة عزيزة، أنا عارف إنى مقصر معاك بس والله لو عرفت ظروفى هتعذرنى. تقدم الشيخ سالم صاعدا الدرج مع الرجال حتى توقف أمام مجد وحسن رامقا إياهما بصرامة قبل أن تستقر نظراته على مجد قائلا:.
-فضونا من السلامات ياولاد الحاج محمود الصعيدى، وخلونا في المهزلة اللى انتوا عاملينها دى، مش عيب ياولاد الراجل الطيب تنجسوا بيته بعد مماته. ظهر الغضب على وجه حسن بينما قالت سمر في حدة: -إنت بتقول إيه ياراجل إنت... قاطعها مجد قائلا بحزم: -إسكتى إنتى ياسمر.
رغم نبرته الآمرة الحازمة، إلا أن سمر أطاعته و صمتت على الفور وهي ترى تلك النظرة في عينيه والتي أخبرتها أن عليها حقا أن تستمع لأوامره في تلك اللحظة، لتنظر إلى الجميع بحنق بينما إلتفت مجد إلى الشيخ سالم قائلا بهدوء: -ومش حرام ياشيخنا تتهم حد من غير بينة. ظهر الإرتباك قليلا على وجه الشيخ سالم، إلا أن وجهه إستعاد صرامته وولده مرتضى يستطرد بسخرية:.
-ما البينة واضحة أهى، تقدروا يابهوات تقولولنا بتعملوا إيه هنا في وقت متأخر زي ده؟ قال حسن بغضب: -إخرس إنت خالص ولا نسيت إنت عملت إيه؟ قال مرتضى بقوة: -شايف ياابا البجاحة. أشار الشيخ سالم إلى ولده بالصمت قائلا: -أسكت إنت يامرتضى. ثم إلتفت إلى مجد قائلا: -وإنت ياابن الصعيدى، ما تجاوب على السؤال، قوللى بتعمل إيه في بيت البنات دول في وقت زي ده؟ نظر مجد بثبات إلى الشيخ سالم قائلا:.
-فيه حد برده يسأل راجل عن سبب وجوده في بيته ومع مراته في أي وقت، ده حتى تبقى عيب ياشيخنا. إتسعت عينا مرتضى وظهرت الصدمة على وجه الشيخ سالم وبقية الرجال، بينما رمق حسن مرتضى بسخرية امتزجت بالغضب، غافلين عن تلك التي إتسعت عيونها بشدة من الصدمة لدى سماعها لكلمات مجد.
كانت سمر تقف في شرفة حجرتها تتأمل السماء أمامها في شرود، تنهدت وهي تضع فنجال قهوتها على سور الشرفة، تنظر إليه، تلك القهوة التي تذكرها به ايضا، تماما ككل شئ يخصه، تتساءل عن سر إضطرابها كلما جالت كلمات هادى في خاطرها وكلما تراءت لها صوره في مخيلتها، لقد أعلنت اليوم إستسلامها لمنطقه، وأقرت بإختلافه عن فكرتها التي رسمتها عن الرجال، ولكنها في نفس الوقت تخشى أن يكون إدراكها هذا خاطئا وأن يكون هادى هو صورة مصغرة من أبيها، فقد كان والدها طيبا حانيا، تماما مثل هادى، حج بيت الله وكان يتقيه في زوجته وأولاده، ولكنه ومنذ أن سافر بحثا عن فرصة عمل أفضل لتحسين مستوى معيشتهم، حتى تغير كلية، فلم يأخذ أجازة قط، في سعيه الدائم لجني المال، ولم يعد يهتم بهم، او يهاتفهم بصورة دورية كما إعتاد أن يفعل، حتى أخبر والدتها ذات يوم بزواجه من أخرى، ليتوفى بعدها بفترة قليلة، بعد أن ترك شرخا قاسيا في علاقته بالجميع، فبينما رضخت والدتها بمرارة لفعلة زوجها، رفض كل من سماح ومجد الأمر ولكن رغما عنهما تقبلاه من أجل والدتهم، ليقابل حسن هذا الأمر بلامبالاة ظاهرية ولكنها تدرك أنه تأثر في أعماقه، أما هي فقد كانت الأكثر تأثرا بينهم، كانت مدللة أباها وصعب عليها تقبل خبر تفضيله إمرأة أخرى عليهم، لتظهر ثورتها ورفضها في شكل نفور كلى من كل من يحمل لقب مذكر، ولن يكون هادى إستثناءا، ربما ظهر كأبيها في النصف الأول من حياته، ولكن من يدرى، ربما أصبح مثله في النصف الأخير إن هي رضخت لمشاعرها تجاهه، لذا فعليها أن توأد تلك المشاعر في مهدها، فهي في غنى عن عذاب لا طاقة لها به، ستجنيه إن هي أحبت هذا المخلوق الذي تجده جذابا، خفيف الظل، وقور، عملي، هادئ ورزين، تماما كما تحب أن يكون شريك حياتها، هذا إن هي فكرت يوما في الإرتباط، وهي لن تفعل، مطلقا.
قال الشيخ سالم بدهشة: -مراتك؟ قال مجد بهدوء: -أيوة سمر تبقى مراتى وهاجر خطيبة أخويا، ومعايا الدليل على كلامى ياشيخ سالم. كادت سمر أن تنفى هذا الأمر ولكن ضغطة يد هاجر على ساعدها جعلها تصمت مرغمة حتى ينتهى الأمر، بينما قال الشيخ سالم متطلعا بثبات إلى عيون مجد قائلا: -ولما إنت إتجوزت يامجد مقلتلناش ليه؟ قال مرتضى بحدة وقد شعر بإنفلات الأمور من يديه: -إنت هتصدق كلامه ياابا؟ قال مجد بصرامة:.
-إنت بالذات تسكت خالص، انا ساكتلك من الصبح وعامل حساب لوالدك الشيخ سالم، لكن قسما بالله كلمة زيادة ومش هراعى أي شئ ولا حتى الجيرة اللى بينا. تحفز مرتضى للرد ولكن صوت والده أخرسه تماما وهو ينهره قائلا: -مسمعش صوتك يامرتضى، مفهوم؟ قال مرتضى بحنق: -مفهوم ياابا. قال مجد: -ياشيخ سالم ربنا قال في كتابه العزيز، (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
قال الشيخ سالم: -صدق الله العظيم. ليرمق مجد مرتضى بنظرة صارمة قبل أن يلتفت للشيخ سالم قائلا: -واللى وصلك السوء عننا، انا قادر بعون الله أظهرلك كذبه وفساده بالدليل زي ما قلت، وحالا. قال الشيخ سالم بهدوء: -وفين الدليل ده ياإبنى؟ رمق مجد أخاه للحظة قبل أن يقول للشيخ سالم بحزم: -معايا في الشقة اللى فوق، بس معلش حضرتك بس اللى تتفضل معايا عشان أوريهولك، ده طبعا بعد إذن الكل واللى أكيد واثقين فيك ياشيخنا.
نظر الشيخ سالم إلى الجميع ليومأوا برءوسهم بصمت بينما كاد مرتضى ان يتحدث لولا أن أخرسته نظرة والده الصارمة ليشيح بوجهه بحنق، لينظر مجد إلى هاجر قائلا: -خليكوا هنا واقفلوا الباب عليكم بالمفتاح ومتفتحوش لحد.
أومأت هاجر برأسها بصمت لينظر مجد إلى سمر نظرة طويلة حملت لها العديد من الأحاسيس التي لم تستطع أن تفهمها ولكنها أرسلت في جسدها قشعريرة وسارعت من دقات قلبها بجنون، ليلتفت مغادرا، ومغلقا الباب خلفه بهدوء، لتتجمد سمر مكانها، وشعور بالخوف ينتابها على هذا الرجل الذي يثبت لها بصورة قاطعة أنه رجل بحق في زمن قل به الرجال، رجل يثير بداخلها شعورا تدرك وبكل قوة أنه الوحيد القادر على إثارته بكيانها، بينما أسرعت هاجر إلى الباب تغلقه بالمفتاح وهي تغمض عينيها، تشعر بوجوب محادثتها لأخيها فقد أرهقها السكن بهذا المكان، ربما إقتراح سمر بالعودة إلى القاهرة هو إقتراح صائب، وليذهب كل شئ آخر للجحيم.
فتح حسام الباب، ودلف إلى منزله بهدوء ليتوقف وهو يرى سماح الجالسة بالردهة، متقوقعة في مكانها تضم ركبتيها إلى صدرها بيديها وتستند بذقنها عليهما، لتعتدل ما إن رأته، ثم تنهض مقتربة منه قائلة بقلق: -حسام، إتأخرت ليه؟وتليفونك إتقفل تانى ليه، حرام عليك أنا أعصابى تعبت.
نظر إلى عيونها القلقة بإضطراب إمتزج بداخله بذلك الإحساس المريع بالذنب، ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يمد يديه ويمسك بيديها قائلا بهدوء مفتعل:.
-أنا آسف ياحبيبتى، بس بعد ما كلمتك لقيت عصام مقابلنى وكان مخنوق أوى، فإضطريت أفضل معاه شوية أخفف عنه حبة، إنتى عارفة مشاكله اللى ما بتخلصش مع نهاد، فمحستش بالوقت خالص إلا بعد ما وصلته البيت وبصيت على التليفون لقيته فصل شحن تانى، بعد اكيد ما إتصلتى بية كتير وأنا ناسيه جوة العربية.
بداخلها شكوك لا تحصى، تخشى أن تبوح لنفسها بها حتى، شكوك تصاعدت مع دلوفه اليوم إلى المنزل، تفوح رائحة نسائية منه الآن، لم تشتمها عليه من قبل، تخشى أن تصدق ظنونها فتنهار حياتها كلية، أو تكون ظالمة إياه بشكوكها، فيتضح أن تلك الرائحة خاصة بعميلة لديه أو ربما هكذا تتمنى، رمقته سماح قائلة بثبات لا تشعر به حقا: -لحد إمتى ياحسام؟ عقد حاجبيه قائلا: -ما قلتلك كنت معاه من ساعتها لحد دلوقت. قالت سماح بنفاذ صبر:.
-مبتكلمش عن صاحبك، أنا بتكلم عن حياتنا كلها. إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول: -مالها حياتنا ياسماح؟ رمقته سماح بضيق: -شايفها طبيعية؟أنا بقى مبقتش شايفاها طبيعية، حياتنا بقت غريبة ومملة، مبقتش مرتاحة ولا قادرة أحس براحة، بسأل نفسى كل يوم لحد إمتى هفضل أستحمل؟لحد إمتى هفضل ساكتة؟ أمسكها حسام من ذراعها يجذبها خلفه بقوة وهو يتجه إلى حجرتهما قائلا بحدة:.
-عايزة تتخانقى آخر الليل، يبقى تتخانقى في أوضتنا، إحنا مبقيناش صغيرين على تصرفات الأطفال دى. ليفتح الباب ويجذبها معه إلى الداخل قبل أن يغلق الباب بقوة، فتح مراد باب حجرته وخرج من الحجرة يقترب من حجرة والديه وكل ذرة في كيانه ترتعش بعد أن إستمع لبعض من شجار والديه، يدرك خوفا في أعماقه وقلقا من الآت.
قال مجد بصوت شابه بعض الألم: -أظن بعد اللى شوفته وسمعته، تقدر تبص في عين أي حد في الشارع وتقوله ولاد محمود الصعيدى مش ممكن يغلطوا أو يغضبوا ربنا ياشيخ سالم. ترك الشيخ سالم تلك الأوراق من يده قائلا بحزن: -صحيح، إن بعض الظن إثم. ثم نظر إلى مجد الذي أطرق برأسه حزنا، قائلا بندم: -أنا آسف ياإبنى بس اللى بلغنى كان بالنسبة لى ثقة، ومكنش ممكن أشكك في كلامه. رفع مجد وجهه إليه قائلا: -مرتضى، مش كدة؟
صمت الشيخ سالم ليقول حسن بغضب: -اللى إنت متعرفوش بقى ياحاج إن إبنك مرتضى قاطع طريق خطيبتى في الرايحة والجاية، وإنى النهاردة إتصدتله ويمكن عشان كدة وصلك الموضوع بالطريقة دى. ردد الشيخ سالم بحزن: -لاحول ولا قوة الا بالله، لا حول ولا قوة الا بالله. قال مجد بهدوء:.
-بص ياشيخ سالم، أنا عارف إن مرتضى يبقى إبنك بس لو إتجاوز حدوده مرة تانية فأنا آسف، هضطر أتعامل معاه وطريقتى هتكون قاسية أوى مع اللى يتعرض لأهل بيتى. قال الشيخ سالم بحزن وهو ينهض ببطئ: -حقك ياإبنى، حقك، عن إذنك. نهض مجد يتبعه إلى الخارج ليتوقف الشيخ سالم ويلتفت إلى مجد قائلا:.
-مجد، أنا عارف ياإبنى إنك مريت بكتير، وربنا يكون في عونك، وعارف إن ولاد الحاج محمود الصعيدى فعلا ولاد أصول، والأصول بتقول إن هاجر مينفعش تقعد في البيت وهي مش مرات أخوك، فياريت تكتبوا كتب الكتاب علطول، عشان نقطع أي لسان يمسكم بسوء. رمق مجد حسن الذي أشاح بوجهه ليعود مجد بناظريه لسالم قائلا: -معاك حق ياشيخنا، احنا هنكتب الكتاب علطول كمان شهرين بعد الامتحانات بإذن الله. قال الشيخ سالم:.
- عَجِّل ياإبنى، عَجِّل. أومأ مجد برأسه بينما غادر الشيخ سالم، ليغلق مجد الباب خلفه ويتجه إلى حسن الذي قال بحدة: -كتب كتاب إيه... أشار إليه مجد بالهدوء، فأخفض حسن نبراته ولكنها خرجت حادة رغما عنه وهو يقول: -كتب كتاب إيه اللى هتعجل بيه ده يامجد؟ قال مجد بنفاذ صبر: -هعمل إيه يعنى ياحسن؟ما انت شايف احنا كنا في إيه، إضطريت أقول كدة. قال حسن بحنق: -كله بسبب اللى حصل بينك وبين زوزا...
صمت وهو يرى الألم الذي إرتسم على وجه أخيه ليسرع بالإقتراب منه قائلا بندم: -أنا آسف، آسف يامجد، أنا عارف إنك ملكش ذنب في اللى حصل. نظر مجد إلى عيون أخيه قائلا بمرارة: -بالعكس ياحسن، الذنب فعلا ذنبى ولو يرجع الزمن صدقنى كانت حاجات كتير هتتغير، بس مع الأسف الزمن مبيرجعش، وأنا تعبت، تعبت ياحسن ونفسى أرتاح. ضمه حسن قائلا بحنان: -بكرة ترتاح ياأخويا، أصبر بس وصدقنى مع الأيام هترتاح.
أغمض مجد عينيه يرغب براحة يدرك أنه لن ينالها إلا إذا كفر عن ذنوبه، جميعا.
نفضت سماح يدها من يده قائلة بعصبية: -سيب إيدى ياحسام، وجعتنى. نظر إليها قائلا بحدة: -وانتى موجعتنيش بكلامك برة ده، يعنى ايه حياتنا بقت مملة؟ويعنى إيه مبقتيش قادرة تتحملى، قصدك إيه؟ها؟اوعى تكونى بتفكرى تنفصلى عني، اوعى تكونى عايزة تسيبينى؟عشان ده مش ممكن يحصل أبدا. إتسعت عيناها بصدمة قائلة: -أنفصل إيه، وأسيبك ليه، إيه الكلام الغريب اللى انت بتقوله ده؟أنا بس مخنوقة وقلت أفضفض معاك يمكن أرتاح.
رمقها حسام بحدة قائلا: -مخنوقة من إيه بس ياسماح؟إنتى عايشة حياة الكل بيحسدك عليها، عايزة إيه تانى؟ قالت سماح بمرارة:.
-عايزة أحس إنى عايشة، آه صحيح عايشة عيشة الكل بيحسدنى عليها، عشان شايفينها من برة، معاشوش اللى انا عايشاه، معايا زوج بيحبنى آه، بس غيرته بتخنقنى، حابسنى جوة البيت، زي الراجل اللى حبس عصفورته في قفص من دهب لغاية ما إتخنقت وماتت، مانعنى أعرف صاحباتى أو حتى جيرانى، حتى إنى أمارس هواياتى اللى بحبها ده شئ مرفوض، لو شفتنى خارجة أشم نفسى في البلكونة شوية بتعكنن علية، ولو سمعتنى بغنى أو فرحانة من غيرك بتضايق وكأن مشاركتك لأي حاجة بعملها هي الحاجة الوحيدة اللى ممكن تسمحلى بيها، قلت مش مشكلة أشاركك معايا مشاعرى واهتماماتى، لقيتك رافض تشاركنى غير مشاعرك واهتماماتك إنت، فضلت أتنازل وأتنازل لحد ما بقى محور حياتى انت وبس، انت وكل حاجة تخصك، إتعودت ومبقتش تفرق معايا، كل شوية أقول لنفسى إصبرى معلش، بيحبك وبيغير عليكى، رغم إحساسى بإنك بتبعد عني حبة بحبة، وانى بالنسبة لك بقيت شئ مسلم بيه، حاجة ملكك وبس، بقيت بتسرح وأنا جنبك، ومبقتش تهتم بية زي الأول وأنا أقول معلش شغله الجديد آخده، بكرة يستقر ويرجع حسام اللى حبتيه، بس لا انت بتستقر ولا بترجع.
قال حسام بعصبية: -ايه ده كله؟ده انتى شايلة في قلبك بقالك كتير بقى، بس اشمعنى جاية النهاردة تقولى الكلام ده، ايه اللى فجر الثورة دى، شفتى ماجى النهاردة ولا كلمتيها؟ قالت سماح بحنق: -مش عشان قلت كلمتين في قلبى يبقى لازم حد يكون السبب، وماجى اللى انت حاططها في دماغك دى ومانعنى عنها إنسانة محترمة جدا على فكرة، أنا مش عارفة ليه بتكرهها بالشكل ده؟ قال حسام بغضب:.
-مش عارفة ليه؟مش ماجى دى كانت أخت حبيب القلب ولا نسيتى؟ إتسعت عينا سماح في صدمة قائلة: -ياااه، إنت لسة فاكر؟ لتعقد حاجبيها في غضب مستطردة: -وبعدين فيها إيه لما أقولك إن عادل كان أول حب في حياتى وكان حب من طرف واحد، يعنى لا هو عمره عرف ولا حس بية. قال حسام بسخرية: -لولا عمل حادثة ومات كنتى هتعرفيه وتبقوا مع بعض، ولا إيه؟ قالت سماح في غضب امتزج بالمرارة:.
-الظاهر إنى لما حكيتلك عن عادل، كانت غلطة كبيرة منى، كنت فاكراك أعقل من كدةومش هتغير من واحد ميت، لكن طلعت غلطانة. أمسكها من ذراعيها بقسوة يقول: -لو مكنتش عاقل فعلا كنت... قاطعته قائلة بمرارة: -كنت إيه ياحسام؟كنت طلقتنى؟ قال بغضب: -أيوة كنت طلقتك ياسماح، بس أنا أهو أدامك، مطلقتكيش وانتى لسة على ذمتى. قالت سماح بغضب: -غلطة في إيدك ياريت تصلحها ياحسام، طلقنى ياحسام.
صرخت في ألم حين هوى بصفعة على وجهها، لتنظر إليه بصدمة، وبعيون غشيتها الدموع واضعة يدها على وجنتها، ليقبض على يده بقوة وفي عيونه ظهر الندم على الفور، اقترب منها فابتعدت عنه بخوف، لينظر إلى هذا الخوف بعينيها بعيون آسفة قبل أن يلتفت مغادرا الحجرة بسرعة، ليتوقف متجمدا وعيون مراد تطالعه بنظرة أَن لها قلبه، امتزج فيها الصدمة بالحزن، إلى جانب خيبة الأمل، كاد أن يقول شيئا ولكنه لم يستطع أن يجد نبرات صوته، ليغادر المنزل بأكمله بخطوات مسرعة، بينما تابعه مراد بحزن، قبل أن يدلف إلى داخل حجرة والدته التي انهمرت دموعها بصمت وما إن رأته أمامها حتى ادركت أنه كان شاهدا على ماحدث لها، لتفتح ذراعيها له على مصراعيهما، أسرع إليها مراد يحتضنها بقوة مغمضا عينيه يشاركها دموعها، لتربت على ظهره، تردد في نفسها، أن كل شئ سيكون بخير، وفي قلبها توقن بأن لا شئ سيكون بخير، فمنذ تلك اللحظة، لا شئ أبدا سيعود كما كان.
رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر
كان مرتضى يزرع الصالة جيئة وذهابا في حنق، فقد باءت خطته بالفشل، وإنقلب الوضع، وبعد أن ظن أنه سيحقق إنتقامه من تلك التي رفضت اهتمامه بها بكل وقاحة، وهذا الذي تصدى له بقوة كحارسها الشخصي، أصبح هو الآن المذنب أمام الجميع، ليحظى بنظرات التشفى من هذا البغيض حسن حين صرفه والده من جلستهم، وتبا كم يؤلمه كبرياؤه الآن. فتح الباب ليظهر الشيخ سالم على عتبته، اقترب منه مرتضى قائلا بحنق: -كدة ياابا ت...
قاطع كلماته صفعة مدوية تلقاها من أبيه، ليتراجع مرتضى ناظرا إلى والده بصدمة، فتلك هي المرة الأولى التي يضربه فيها أباه، بينما تقدم منه والده يقول بصرامة: -لأول مرة في حياتى أظلم بنى آدم وأغضب ربنا والسبب إنى وثقت فيك، لأول مرة أظهر بمظهر وحش أدام الكل، والسبب يكون إبنى، لأول مرة أعرف حقيقى إنى معرفتش أربى. قال مرتضى بحزن: -ياابا... قاطعه الشيخ سالم هادرا بقوة:.
-إنت تخرس خالص ومسمعش صوتك بينادينى، قسما عظما يامرتضى، إن ما خليتك في حالك وبطلت تغضب ربنا، لا هتكون إبنى ولا هعرفك، اوعى تقرب من ولاد الصعيدى وأهلهم تانى، مفهوم؟ولو حصل منك أي حاجة تصغرنى، والله لهيكون عقابك بإيدى أنا ياإبن الناس الطيبين، الناس اللى عمرهم ما ظلموا حد ولا أذو مخلوق ولا افتروا على ولايا، سمعتنى يامرتضى؟ أطرق مرتضى برأسه أرضا قائلا: -سمعتك ياابا.
رمقه الشيخ سالم بغضب قبل أن يتجه إلى حجرته ينوى أن يبدل ملابسه ويتوضا ليصلى إلى الله، يستغفره عن ظن السوء، يطلب منه الغفران لما فعله ولده اليوم وإشراكه بالأمر وإتباعه إياه دون أن يتأكد ويتقصى الحقيقة، بينما رفع مرتضى رأسه ينظر إلى الأمام بغل وفي عيونه قد إرتسمت نظرة، لا تبشر بالخير، أبدا.
زفرت هاجر قبل أن تقول: -ياهادى إفهمنى، أنا عارفة إن وجودى مع سمر ضرورى عشان علاجها، ووجودنا في المكان ده برده مهم عشانها، بس بصراحة أنا خايفة، صحيح كلام مجد هداهم وخلاهم يبعدوا عننا، بس انت مشفتش اللى إسمه مرتضى ده ولا شفت نظراته لينا. قال هادى من خلال شاشة اللاب توب خاصتها:.
-تمام ياهاجر، فهمتك، وهتكلم مع مجد وأشوف إحنا ممكن نعمل إيه في الموضوع ده، أهم حاجة دلوقتى إنك تطمنى، أنا لو مكنتش واثق في مجد وأخوه وإنهم يقدروا يحافظوا عليكم، مكنتش هخليكى تسكنى معاهم في البيت، أصبرى بس وكل شئ هيبقى تمام.
قالت هاجر في نفسها، ربما مجد بالفعل يستحق ثقتك أخى، لكن أخاه، لا اظن، فهو من أخشاه حقا، وأخشى أيضا ما يثيره بكيانى من مشاعر حنق ولكنها رغما عني إمتزجت بشئ لا أدرى كنهه، مشاعر لا أفهمها، هل هي إعجاب أم إحترام؟لا أدرى حقا. نفضت أفكارها وهي تتنهد قائلة: -اللى تشوفه ياهادى. قال هادى بحنان: -طيب أسيبك دلوقتى تنامى، وخلى بالك من نفسك ياحبيبتى. قالت بسرعة: -إستنى بس، قوللى، أخبارك إيه مع سمر؟
أطلت سمر أمامه بصورتها البهية على الفور حين ذكرتها أخته، ليتنهد بشوق قائلا: -مش عارف يا هاجر، في لحظة بحس إن ممكن يكون فيه أمل لعلاقتنا، أمل بسيط تحس بية، لكن في اللحظة اللى بعدها بكون شبه متأكد من إنى كنت عايش وهم، وإنها عمرها ما هتبقى لية. قال هاجر في شفقة:.
-معلش ياهادى، أصبر عليها، إنت عارف اللى حصل زمان من باباها واللى أثر عليها هي بالذات زي ما مجد حكالك، بتهيألى الفرصة اللى ربنا إدهالك هتقربها منك وهتخليها تتأكد إنك بتحبها وإنك مبتتمناش في الدنيا دى كلها غيرها، وإنك لوحدك اللى هتقدر تسعدها. تنهد هادى قائلا: -ياريت ياهاجر، ياريت. إبتسمت هاجر بحنان وهي تقول: -تصدق، وحشتنى ياهادى ووحشنى الكلام معاك. إبتسم هادى قائلا:.
-إنتى كمان وحشتينى ياهاجر، هانت ياحبيبتى، كلها شهرين والترم يخلص وتيجى تقضى معايا الأجازة بس أكيد هجيلك إسكندرية قبلها، إبتسمت وهي تشير إليه بسبابتها قائلة بمرح: -أكيد. إبتسم بدوره قائلا: -تصبحى على خير. قالت بحنان: -تلاقى الخير. ثم أغلقت محادثة الفيديو يتبعها جهاز اللاب توب الخاص بها، لتنتفض على صوت سمر التي قالت: -قلقانة زيي، مش كدة؟ إلتفتت إليها هاجر تقول: -خضتينى ياسمسمة، إنتى هنا من إمتى؟
إبتسمت سمر قائلة: -لسة جاية حالا. قالت هاجر بصوت شابه بعض الإرتياح: -كويس، قصدى يعنى أيوة قلقانة، بس الكلام مع هادى ريحنى شوية. جلست سمر بجوارها قائلة: -أنا كمان كلمته من شوية، وحكيتله على آخر التطورات في حالتى والكلام معاه فعلا ريحنى، بس محكيتلوش عن اللى حصل النهاردة، سيبتك انتى تقوليله. أومأت هاجر برأسها، لتقول سمر بحيرة: -تفتكرى مجد عمل إيه مع الشيخ سالم وإيه الدليل اللى وراهوله وخلاه يقتنع بكلامه؟
هزت هاجر كتفيها قائلة بصوت شابه بعض الإضطراب: -مش عارفة، عموما مجد ذكى وأكيد إتصرف، هادى قاللى كدة. أومأت سمر برأسها تقر فعلا بذكائه، لتنظر إلى هاجر قائلة: -بس تفتكرى صدقوا إنى يعنى، ممكن أكون مرات مجد، وانتى خطيبة حسن. مطت هاجر شفتيها قائلة: -بتهيألى آه، وإلا مكانوش سابونا ومشيوا. قالت سمر بإرتباك: -يعنى ملقاش غير الكدبة دى يقولها. قالت هاجر:.
-مكنش ينفع يقول غير كدة، الناس جت ومجد معانا في الشقة في وقت متأخر، تفتكرى هنبررلهم وجوده بإيه، وتفتكرى لو كنا قلنا الحقيقة كانوا هيصدقوا؟معتقدش، أعتقد ان ده كان الحل الوحيد قصادهم. أومأت سمر برأسها موافقة، ثم نظرت إلى هاجر قائلة بإرتباك: -إنتى قلتيلى ياهاجر إن مراته، يعنى ماتت، صح؟ أومأت هاجر برأسها موافقة لتستطرد سمر قائلة: -تعرفى عنها إيه؟قصدى يعنى هادى قالك عنها إيه؟
لمعت عيون هاجر وهي تقول بإبتسامة: -وإنتى عايزة تعرفى ليه؟ قالت سمر بإضطراب: -أبدا يعنى، أصل، إنتى مش جايلك نوم، وأنا كمان فقلت ندردش شوية. نهضت هاجر تقول بنشاط: -لأ، مادام فيها دردشة، يبقى نعمل كوبايتين كابتشينو، عشان السهرة هتحلو.
ثم توجهت إلى المطبخ تتابعها سمر بعينيها، تدرك في أعماقها أن رغبتها في معرفة المزيد عن زوجة مجد ليس فضولا عاديا منها وإنما رغبة في معرفة المزيد عن هذا الرجل الذي تزداد إعجابا به، يوما بعد يوم.
قال حسام بصوت متهدج من البكاء: -مكنتش عايز أعمل كدة، صدقينى هي اللى إستفزتنى بكلامها، مش عاجباها حياتنا، كان ناقص تقوللى طلقنى، لأ، دى قالتها فعلا. ربتت نور عى رأسه الرابض على حجرها وعيونها تلتمع من السعادة ولكنها قالت بحزن مفتعل: -معلش ياحبيبى متزعلش نفسك، إيه يعنى غلطت في حقك وضربتها قلم؟ما إنت واجبك تربيها، هي فاكرة نفسها إيه يعنى؟ملكة بريطانيا. رفع وجهه على الفور إليها وهو يقول:.
-لأ متظلمهاش، سماح متربية فعلا وعمرها ما غلطت فية، بالعكس طول حياتنا مع بعض وهي شايلانى فوق راسها، مستحملانى ومستحملة ظروفى، وعصبيتى، وقفت ورايا لغاية ما فتحت شركتى وبقالى إسم في السوق، باعت دهبها واديتنى فلوسها اللى في البنك، ومبخلتش علية بحاجة، سماح بجد الزوجة اللى أي حد بيتمناها، وأنا عاذرها في اللى قالته النهاردة، أنا فعلا قصرت معاها أوى لكن خوفى من إنها تسيبنى هو اللى خرجنى عن شعورى.
كانت نور تستمع إليه بحنق، وهو يمجد في زوجته ويعدد مميزاتها، ولكن حنقها وصل للنهاية وتحول إلى غل من كلماته التي تخبرها بأنه يتمسك بها بقوة وأنه من المحال أن يتخلى عنها، لتنوى أن تفعل شيئا بخصوص ذلك، نفضت أفكارها مؤقتا، وهي تقول برقة: -خلاص ياحسام إنسى، وهي كمان هتنسى والأمور هترجع طبيعى من تانى. أمسك يديها بلهفة قائلا: -تفتكرى يانور؟تفتكرى هتنسى اللى حصل ومتزعلش منى أو تفكر تسيبنى؟
رغم الحقد الذي ملأ قلبها في تلك اللحظة لما ظهر من مشاعر حسام تجاه غريمتها إلا أنها إستطاعت أن ترسم بسمة على شفاهها وهي تقترب من شفاهه تهمس أمامهما قائلة: -طبعا ياحبيبى، هي اللى عندها راجل زيك، تقدر تزعل منه أو تسيبه برده، متفكرش دلوقتى في أي حاجة وسيبنى أنسيك الحزن والهم، وبكرة أكيد هيبقى أحلى.
لتميل مقبلة شفتيه بنعومة ليغمض عينيه يترك لها الحرية لتقود علاقتهم وتنسيه ماحدث اليوم، تثيره بلمساتها وقبلاتها وأنوثتها التي تدركها جيدا، لتستطيع بكل سهولة أن تجعله ينسى فعلته بشريكة حياته، بل ينسى شريكة حياته نفسها.
قالت هاجر بصوت عال: -أنا ماشية بقى ياسمسم، عشان إتأخرت على المحاضرة. فأجابتها سمر من داخل المطبخ: -ماشى ياجوجو، خلى بالك من نفسك.
سمعت هاجر طرقات على الباب، فعقدت حاجبيها وهي تتوجه إليه، تنظر من خلال العين السحرية الخاصة بالباب إلى الطارق، لتتسع عيونها بقوة وهي تلتفت تستند بظهرها على الباب، فأمام الباب وقف هذا الرجل الذي يثير بداخلها جميع المتناقضات، إنه الأخ الأصغر لمجد، ترى ماذا يريد الآن؟إلتفتت مجددا إلى الباب مع عودة الطرقات من جديد، لتأخذ نفسا عميقا ثم تفتح الباب تواجهه بكل هدوء.
تأملها لثانية ليظهر الارتياح قليلا على ملامحه من مظهرها المحتشم، قبل أن يقول ببرود: -هتفضلى واقفة كتير، مش ناوية تروحى الكلية ولا إيه؟ عقدت حاجبيها قائلة: -رايحة طبعا بس حضرتك واقف قصادى، خير عايز حاجة؟ ظهرت السخرية على ملامحه وهو يقول: -عايز أوصل خطيبتى. إنفرجت عقدة حاجبيها وهي تنظر إليه ببلاهة لثوان تتساءل عن معنى كلماته، لتعقد حاجبيها مع إدراكها لمقصده بينما إتسعت إبتسامته الساخرة وهي تقول:.
-توصل مين، إنت صدقت نفسك ولا إيه؟ مال قليلا يقول بسخرية: -مش أنا اللى المفروض أصدق، أهل الشارع اللى المفروض يصدقوا ان احنا مخطوبين، وبعدين معتقدش هيضر معاليكى لو لقيتى توصيلة مجانية كل يوم وخصوصا ان عربيتك لسة عند الميكانيكى زي مامجد قاللى، أنا هستناكى تحت، وإنتى بقى حرة. إلتفت مغادرا يهبط الدرج بخفة غافلا عن عيون إتقدت شرارتها وصاحبتها تقول بحنق: -إنسان مستفز وبارد. إنتفضت على صوت سمر وهي تقول بحيرة:.
-إنتى بتكلمى مين ياهاجر؟ إلتفتت إليها هاجر قائلة بحنق: -بكلم نفسى. ثم غادرت مغلقة الباب خلفها وسط دهشة سمر، بينما هبطت الدرج بخطوات حانقة، تدرك أن هذا الرجل يثير حنقها إلى أقصى حد ولكنه محقا، يحتاجان لإثبات صدق إدعائهم لكل أهل الشارع، إلى جانب أنها لابد وأن تعترف بأن ذهابها معه أفضل ألف مرة من المخاطرة بالمرور أمام محل هذا المرتضى وإضطرارها لرؤيته مجددا.
هبطت هاجر من السيارة يتبعها حسن، وقفت تنتظره، فرأته يغلق السيارة ثم يبتعد على الفور دون كلمة يوجهها إليها، أصابها الحنق بشدة وكادت أن تتجاهله بدورها متجهة إلى محاضراتها، خطوتين فقط وتوقفت منتبهة أنها نسيت كشكول المحاضرات على تابلوه السيارة من إرتباكها لوجودها إلى جواره طوال الطريق رغم أنه لم ينطق بحرف، لتلتفت بإتجاهه مجددا فوجدته قد إبتعد كثيرا، لتسرع خلفه تراه يتجه إلى أصدقائه على مايبدو، يسلمون عليه بحفاوة، تمهلت في خطواتها تشعر بالخجل، خاصة من هؤلاء الفتيات اللاتى إلتفتن حوله إحداهن تضع يدها على كتفه بينما الأخرى تقترب منه بشدة وتكلمه بعيون تقبع فيهم نظرة جريئة ثم تعدل له ياقته بطريقة أثارت الحنق بداخل هاجر، شعور آخر أحرقها من الداخل، لا تدرى كنهه.
توقفت وهي تشعر بالإشمئزاز، ربما عليها أن تنسى كشكولها او تستغنى عنه اليوم، كادت أن تلتفت متراجعة ولكن صوت هذا الشاب من مجموعته جمدها وهو ينظر إليها بوقاحة قائلا: -فيه حاجة ياآنسة؟ إلتفت حسن على الفور ليراها تطالعه بإرتباك، عقد حاجبيه وهو ينفض عنه يد تلك الفتاة، يبتعد عن الجميع بإتجاهها، يمسكها من يدها ويبعدها بدوره عنهم، وما ان إبتعدوا بمسافة كافية حتى توقف قائلا لها بحنق:.
-إيه اللى جابك ورايا؟مروحتيش على محاضراتك ليه؟ نفضت يدها عنه قائلة بغضب: -أولا أنا مش جاية وراك، أنا كنت عايزة... أخرستها نظرته الساخرة، لتنظر إليه بحنق قائلة: -أقولك، أنا مش عايزة حاجة منك، وإنسى إنى أروح معاك أو يبقى لية أي علاقة بيك، إنت بجد إنسان مستفز، وأنا، أنا...
لم تستطع أن تبوح بما يتقافز على لسانها من كلمات الكره، لتضرب الأرض بقدمها وهي تنظر إليه بغضب قبل أن تبتعد بإتجاه محاضراتها، يتابعها هو بنظرات باردة، لم تلبث أن لانت قليلا، ولكن تلك الذكرى في رأسه والتي أطلت بقوة الآن، أعادت إلى نظراته البرودة القارصة، ليلتفت عائدا إلى أصحابه وطوال طريقه، يمر شريط الذكريات المرير، يأبى أن يتركه وشأنه.
قال رائف بسخرية: -كان لازم لما عرضت الجواز على ماجى تقولها إنها مش هتتجوزك لوحدك، لأ هتتجوز معاك طنط سمية كمان. قال يوسف بحنق: -ما تلم لسانك يارائف، وبعدين إنت عايزنى بس أعمل إيه؟أبقى عاق وأزعل أمى عشان أرضى مراتى وأكون زوج كويس؟ نهض رائف من مقعده خلف مكتبه وإتجه إلى هذا المقعد المواجه لمقعد يوسف قائلا بهدوء:.
-أنا مقلتش كدة بس كمان اللى بيحصل ده ميرضيش ربنا، انت كدة بتظلم طرف لحساب الطرف التانى، كدة مش هينفع يايوسف، بيتك وسعادتك وحياتك كلها على المحك، مش معنى إن ماجى ساكتة وصابرة على اللى بيحصل يبقى إنت كمان تسكت وتسيب والدتك تتحكم في حياتك بالشكل ده، لمجرد إنك خايف من غضبها عليك، حاول تفهمها إن اللى بتعمله ده بيضر حياتك، وإنها باللى بتعمله بتتعسك، حاول تعرفها إن لو لفت الدنيا دى كلها مش هتلاقى مرات إبن زي ماجى، خليها تراعى مشاعرها شوية وتتقبلها، ياسيدى مش علشان خاطرك على الأقل، عشان خاطر ياسمين، الحفيدة اللى مفيش أجمل ولا أرق منها.
نظر يوسف إلى رائف قائلا بمرارة: -تفتكر محاولتش، صدقنى حاولت كتير، بس مفيش فايدة، ماما أنا عارفها كويس، مش هتهدى أو ترتاح غير لما أطلق ماجى وأتجوز علا، وده من رابع المستحيلات. رمقه رائف قائلا: -يبقى الموضوع كدة لازم له حل سريع والحل ده في إيدينا يايوسف. عقد يوسف حاجبيه قائلا: -حل إيه ده؟ قال رائف وهو يستند إلى ظهر مقعده:.
-ندور لعلا على عريس مناسب، وبكدة مامتك هتفقد الامل في جوازك منها، وتبدأ تتقبل الأمر الواقع، وتتقبل ماجى، أو تديها فرصة. لمعت عيون يوسف وهو يقول: -والله فكرة حلوة، بس ندور ليه ما العريس موجود. لم تعجب رائف نبرات يوسف وأدرك أن القادم لن يعجبه ليثق في حدسه ويوسف يستطرد: -إنت هتكون العريس ده يارائف. نظر رائف إليه بإستنكار وهو ينهض قائلا:.
-أنا، أنا إيه بس؟شكرا، أنا حرمت، كفاية أوى جوازتى الأولانية من واحدة بتشبه بنت خالتك بالظبط وكأنهم توأم، ولولا الموت أخدها ورحمنى كنت أنا بنفسى اللى قتلتها. قهقه يوسف ضاحكا وهو يقول: -الله يرحمها، فعلا كانت شبه علا، ما علينا، يعنى مش هتخدمنى الخدمة دى يارائف؟ عاد رائف إلى مقعده خلف مكتبه وهو يقول:.
-لأ، خلينى بعيد عن الموضوع ده ودور على حد تانى أنا إكتفيت والحمد لله، مبقتش أفكر في الجواز ده نهائى، وكفاية علية شغلى و بيرى. إبتسم يوسف قائلا: -ربنا يخليهالك يارائف، صحيح مقلتليش، عملت إيه مع مربية الأطفال الأخرانية. زفر رائف قائلا: -طردتها طبعا، الهانم كانت حاطة عنيها علية أنا، مش على بنتى، ومن ساعتها وأنا بدور على واحدة تانية، ولولا وجودها مع ياسمين وماجى أغلب الوقت، كنت بقيت في ورطة حقيقية بجد.
إبتسم يوسف قائلا: -ماجى بتحبها أوى وكمان ياسمين، البنت تجنن متقولش أبدا إنها بنتك. رفع رائف حاجبيه قائلا: -بقى كدة؟ ضحك يوسف قائلا: -طب متزعلش، هي بنتك، دى حتى نسخة طبق الأصل منك. إبتسم رائف، لينهض يوسف قائلا: -أنا هقوم بقى أروح الجمارك أشوف الورق بتاعنا خلص ولا لأ. قال رائف: -طيب، متنساش تكلمنى من هناك وتطمنى.
أومأ يوسف برأسه موافقا وإتجه إلى الخارج ليوقفه صوت رائف المنادى بإسمه، إلتفت يوسف إليه فقال رائف بإبتسامة واسعة: -مكنتش أعرف إنك بتحبنى أوى كدة عشان ترشحنى للجواز من بنت خالتك. إبتسم يوسف قائلا: -عيب عليك، ده انت في قلبى، فكر بس ومتتسرعش. مال على الفور متفاديا هذا القلم الذي قذفه رائف تجاهه ليقول بحزن مفتعل: -بتلقنى بالقلم الحبر يارائف، طيب كنت لقيتنى بالقلم الدهب، جرحت مشاعرى على فكرة.
ليسرع بالمغادرة ورائف يمسك بدباسة الورق يصوبها بإتجاهه، ليضعها مجددا على المكتب ترتسم على شفاهه إبتسامة واسعة بينما أطل يوسف بوجهه من الباب مجددا قائلا بإبتسامة: -شفتك وإنت بتضحك. ثم غادر مجددا قبل أن يقذفه رائف بالدباسة بالفعل، ليهز رائف رأسه قائلا بإبتسامة: -مجنون.