رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر
وقفت (فدوى)تطالع هذا المنظر الخلاب لصفحة النيل من نافذتها فى تلك الحجرة التى منحها إياها(مهران)لترتاح قليلا كي تستطيع أن تكمل عملها فى الصباح ورغم رفضها بالبداية إلا أنها لم تستطع أن تصر على رفضها حين هدد بإستبدالها، فلن يجازف بإنهيارها فى فندقه كما قال، ولكنها تدرك أن بين طيات كلماته يقبع إهتماما يثير قلبها حبا وألما، تدرك أنه يحبها كما تحبه ولكن يقف بينهما قدرا قاسيا لا مناص منه.
تنهدت وهي تتأمل السماء الملبدة ببعض الغيوم، تذكرها بروما، تلك البلد التى قابلته فيها لأول مرة ثم غادرتها، تبعث فيها الذكريات شعورا لا تستطيع له صبرا، يصرخ قلبها.. فى تلك الليلة ومثل كل الليالى فى قربه.. يأتى النسيم من نافذتي التى أقف حدهامحملا بعبق الذكريات.. يصافح وجهي برقة فيزيدني شوقا.. تهرب كل أفكاري نحوك ويمزقني الحنين إليك.. أحن إلى هذا الماضى الذى لن يعود.. ويعلو صوت لهفتي.. أتذكر كل مابيننا..
حتى تلك الاشياء صغيرة التى مست قلبى وتركت به أثرا لن يمحى... فماذا فعلت بى ياحبيبي؟! أحاول ان أنسى كل ماكان بيننا فأصاب بالخذلان.. وكأننى أصبت بمس من السحر، لا أستطيع له شيئا.
فلطالما كنت تلك الفتاة الهادئة الرزينة ولكن عشقك أيقظ الجنون بداخلي وجعلنى أسير فى طريق العشق بأذرع مفتوحة وقلب منتشى الخفقات، فلم أعد أستطيع العودة، وليت العودة بالإمكان، وكأن لقاءك كان قدرا إنتظرته طويلا كشربة ماء ينتظرها طفل ظمآن، أقر وأعترف بجرم العشق مصحوبا بشوق مع سبق الإصرار والترصد لك فى حلمي، وأرضى بعقوبتي وهي أنين الفراق، والموت دونك.
تعالى صوت الرياح فجأة وكأنه يشاركها عاصفة أفكارها لتتأمل تلك السماء التى تشاركها مشاعرها، حتى أنها تبكى الآن مثلها، تتساقط دموعها، كقطرات من المطر.
إستيقظت على صوت هاتفه، لتفتح عيونها بسرعة وتطالعه يرتدى رباط عنقه أمام المرآة، أزاحت دثارها وهي تهبط من السرير وتسرع إليه قائلة: -رايح على فين إكده من صباحية ربنا ياسى مهران؟ إستدار إليها قائلا: -هروح فين بس يابدارة؟اكيد على الفندج، ماإنتى خابرة إن ورانا شغل كاتير. رمقته بنظرة فاحصة وهي تقول: -شغل إيه ده اللى عتروحله والسمس لسة مطالعتش؟!
أشاح بناظريه عنها، لا يستطيع ان يواجهها وهو يدرك أن ما يجعله يسرع بالعودة إلى الفندق هو شوق إستبد به وحرمه النوم، حتى أنه آثر أن يكون قرب حبيبته على أن يتلظى بنيران الفراق تلك، يؤرقه الذنب وهو راقدا جار زوجته يطالعها بقلب بارد الخفقات بينما تشتعل نبضاته شوقا لأخرى وأفكاره تحوم حول ماتفعله فى تلك اللحظات. ليقول وهو يتناول سترته:.
-اليوم عندينا شغل كاتير، عنكمل توضيب الجناح وعنختارله فرشه، وعجتمع بممثل وفد سياحي جاي الفندج ولازمن أخلص كل الحاجات دى النهاردة وأعاود بسرعة عشان رايح مشوار مع أبوي. عقدت حاجبيها وهي تقف فى طريقه تجبره على النظر إليها وهي تقول: -مشوار إيه ده عاد؟ طالعها بحنق قائلا: -انتى عتفتحيلى تحجيج يابدارة؟هملينى أخرج، أنى مفاضيش لرط النسوان ده وورايا ميت حاجة أفكر فيها.
طالعته بصمت، ثم تنحت عن طريقه ليخرج بخطوات سريعة غاضبة، بينما سارت هي إلى سريرها، وجلست عليه بقلة حيلة، تدرك أنه يسرع إليها هي، تلك الغريبة، وليس إلى عمله وأشغاله كما يدعى، يجعلها هذا الإدراك تتلظى بجحيم مستعر من الغيرة، لا تجد أمامه ردا، سوى البكاء بصمت.
كان (راجى)يمشى فى طرقات بلدته، يطالع ملامح كفر هوارة التى صارت باهتة، لا حياة بها، يعقد حاجبيه بقوة، لم تكن تلك نظرته لتلك الطبيعة حوله مطلقا، يتذكر عشقه لها، حتى أن صوت تلك الساقية وهي تدور كان كالموسيقى بأذنه، والآن صار صوتها فقط، مجرد ضجيج.
هناك خواء فى قلبه يؤرقه، يشعره بأنه قد فقد شيئا ما، تصرخ روحه وتناديه دوما ولكنه لا يدرك مايفتقد، حين يتنفس يشعر بأن تلك الأنفاس ينقصها شيئ ما، هناك شعور دافئ ضمه يوما، وغادره للأبد، يحاول إسترجاعه فلا يستطيع، هناك غياب ترك عالمه رمادي اللون، ولكن أي غياب، هو لايستطيع إدرك سر ذلك الشعور الحارق بداخله والذى يجعله يتلظى بالنيران، والادهى أن نيرانه مجهولة الأسباب، غير واضحة المعالم، تجعله فقط، يحترق.
لم يعد يشعر بأي شيئ، ولم يعد شيئا له ذات أهمية، فقط هناك مرارة فى الحلق غريبة عليه، تغيرت ملامحه حتى بات لا يعرفها، وإختلفت مفاهيمه حتى أنه صار يعشق نور الصباح بعد أن كان يحب عتمة الليل. النور، ماإن يذكره حتى تزيد خفقاته وكأنه إرتبط لديه بشيئ ما أو ربما، شخص ما.
رفع رأسه يشاهد السماء المنيرة بتوق غريب، وجد قطرات من المطر تتساقط على وجهه فبللته، لم يأبه او يهتم، فالمطر يزيل الهموم عن الوجوه، المطر خير يبعث فى الأرض حياة وفى القلوب حنين، وجد نفسه يهمس حروف لا يعرفها ولكنها جعلت خافقه ينتفض بقوة مع هذا الإسم الذى خرج من بين شفتيه رغما عنه: -نوار.
وجدها هناك وسط العمال كما توقع، قد عقصت شعرها على هيئة ذيل حصان، ترتدى بنطالا ثلجي اللون وبلوفر يماثله فبدت رائعة خاصة وهي تلقى بتعليماتها هنا وهناك، ليطالعها بنظرة أخرى لجانب من جوانب شخصيتها العملية رغما عنه أثار إعجابه وزاد من افتتانه بها، كانت تقول آمرة:.
-خفف اللون هنا شوية ياوضاح، ولما تقرب من العمود تقله، خليه زي ماوريتهولك بالظبط، وانت يامحمود الرسمة تعلى ١٠ سم وحاول تثبتها بشكل مايل شوية وكأنها بتميل بالشيئ اللى فى إيدها ده ع النيل تملاه، مفهوم؟ إنتفضت على صوت قربها يقول بسخرية: -إسمه بلاصى على فكرة. طالعته بقلب إرتعش عندما لفحتها أنفاسه، لتجده يقف قريبا منها يحمل فنجالين من الشاي، ويطالعها بعيون تشربت من ملامحها لتشيح بناظريها عنه قائلة ببرود:.
-متولدتش فى أسوان عشان اعرف كل كبيرة وصغيرة فيها، بس أكيد هتعلم، شكرا على المعلومة. تجاهل برودتها وهو يرتشف من فنجال الشاي خاصته ثم قال بهدوء: -قالولى انك فطرتى بس مشربتيش الشاي بتاعك، إتفضلى الشاي، خفيف وسكره مظبوط. طالعته بدهشة قائلة: -انت لسة فاكر؟! قال بصوت ظهر به توقه: -وعمرى ماهنسى. أشاحت بوجهها عنه رغما عنها قائلة ببرود: -لازم تنسى لإنى بطلت أحب الشاي وبطلت كمان أحب كل حاجة بتضرنى.
وضع فناجيل الشاي على طاولة قريبة وهو يقول بصوت شابه المرارة لبرودتها: -ياريت أبقى زيك وأبطل أحب أي حاجة بتضرنى، بس مع الاسف اللى بحبه مبقدرش أخرجه من قلبى مهما حصل، بيبقى إدمان وخروجه من قلبى زي الموت.
ثم غادر الحجرة بخطوات سريعة، لتتطلع (فدوى)إلى فنجال الشاي خاصته، قبل أن تتجه إليه وترفعه متأملة إياه، تحضنه بكلتا يديها وكأنها تضمه هو، ترفعه إلى ثغرها وترشف منه رشفة، ورغم ثقل الشاي الصعيدي كما سمعت عنه ومرارته إلا أنها أغمضت عيناها تتلذذ بطعمه الذى صار عذبا فى فمها، تتلذذ بأنفاسه المختلطة بطعم الشاي، لتنتفض على صوته وهو يقول: -الشاي ده مش بتاعك على فكرة.
فتحت عيونها على إتساعهما وهي تطالع عيونه التى نظرت إليها مباشرة وفى مقلتيهما إستقر توقه، لم تستطع أن تحرك ساكنا وهو يسحب فنجاله من يدها ويقربه من ثغره يتناول رشفة منه وعيونه لا تفارقها، قبل أن يطالعها بنظرة أخيرة متهملة على وجهها، ثم مغادرا بخطوات هادئة، تاركا عاصفة بداخلها بعدما ظهر له بما لا يترك أي أثر للشك، أنها كاذبة ونبضاتها تخفق مثله، بالعشق.
السماء ملبدة بالغيوم، تنذر بمطر قريب وعاصفة هوجاء، كعاصفة تستقر بقلبها الآن تطالبها بأن تنصت لكلمات قلبها وتهرع إلى محبوبها، تنصاع لأمره دون تفكير، لا تريد لقصتها معه ان تصير مجرد ذكرى، لا تريد لأي شيئ أن يحول دون ان تكون معه تلك العائلة التى تمنتها يوما، ولكن تبقى كلمات والدتها كناقوس من الخطر يوقفها، يجعلها تضع يدها على بطنها، تخشى على طفلها من مصير كمصيرها، وان يسير بين الخلائق يحمل وصمة أبيه وعاره كما حملته هي.
تساقط قطرات من المطر فتعالى أصوات اطفال بالقرب منها، هتافات فرحة يطلقونها فلم يروا مطرا منذ مدة، طالعت المطر بقلب مفعم بالحزن، خرجت من ذلك العريش الذى يحميها من زخاته، حتى أصبح يغمرها، تود لو صرخت.. أهطل أيها المطر، وأمحى آلامي وجراحي. كأنها لم تكن يوما ولم تسمع الأرض نواحي.. أهطل أيها المطر وإجعلنى أنسى.. فلم يعد الكون ملجأي و براحي. وجدت والدتها تضع شالا على جسدها وتسحبها للداخل تصرخ بها:.
-واه يا نوار، حرام عليكي يابتي، واجفة فى المطرة بهدمتك الخفيفة دى، إكده هتاخدى برد شديد وعتموتى إنتى واللى فى بطنك. توقفت (نوار)قائلة بمرارة:.
-مبجاش ليها عازة حياتي ياأما، عاوزانى أعيش ليه إياك؟عشان اجيبلك العار ولا عشان توطى راسك فى الطين بذنبي، أني بجيت كيف اللجمة اللى عتجف فى الزور وتجيب الموت لصاحبها، مبجاش حوالية غير الخراب والموت، مستجبلي ومستجبل اللى فى بطني ضلمة كيف الليل الغميج واللى معيطلعلوش حتى جمر ينوره. لتنهمر دموعها مردفة: -رايداني أعيش ليه ياأما ماتهمليني أموت وأريحكم كلياتكم مني.
أمسكتها (زبيدة)من كتفيها تطالعها بقوة قائلة: -كلنا عنموت يانوار، بس لمن ربك يريد، متبجيش ضعيفة كيف أبوكي الله يرحمه ويسامحه، كونى جوية كيف أمك، لع، كونى أجوى منى كمانى وإرجعى لربك، هو الجادر على فك ضيجتك، هو الجادر على إنه يفرج الهم، نسيناه وبعدنا عنه وإبتلانا عشان يجربنا منيه تانى، فرصة وجاتلنا متضيعيهاش منينا، جربى من ربك يابتي وإسأليه السماح والفرج، ده أجرب إلينا من حبل الوريد.
إرتمت (نوار)فى حضن امها وهي تبكى بحرقة، لتربت والدتها على ظهرها قائلة من وسط دموعها التى سقطت بدورها: -لا حول ولا جوة إلا بالله، لا حول ولا جوة إلا بالله، إبكى يابتي وخلى دموعك كيف المطر تغسل سواد همك وبدنك، وتحيي جلبك كيف مابيحيي المطر الأرض، وإرفعى يدك وإدعى من جلبك، لعلها تكون ساعة إجابة. لتغمض( نوار) عيناها وقلبها يبتهل بكل الدعوات بينما يؤمن قلب (زبيدة) وهي تطلب الغفران من الله قائلة بصمت:.
-سامحنى يااااااارب.
قالت (فضيلة)بمرارة: --بجولك كان بيناديها فى منامه، انا مبجتش جادرة أتحمل يابدارة، عجلى هيشط منى وجلبى جايد نار. قالت(بدارة)بحرقة: -ومين سمعك ياخيتي، كنها ساحرالهم بنت المحروجة دى. لتلمع عينا (فضيلة)وهي تقول فجاة: -لجيتها. إنتفضت (بدارة)قائلة بجزع: -هي إيه اللى لجيتيها دي؟خرعتيني ياولية. أمسكت (فضيلة )بيد (بدارة)قائلة: -لجيت الحل للمصيبة اللى هبت علينا من بلاد برة دى. عقدت( بدارة ) حاجبيها قائلة:.
-حل إيه ده؟ قالت (فضيلة): -عنسحرلها، نجاة بنت خالى، كان جوزها مش طايجها وساجيها المر كاسات، راحت لشيخة إسمها عوالي، عنديكم فى كفر هوارة، خليته كيف الخاتم فى صباعها، وشايفة الهنا كله منيه دلوكيت. قالت (بدارة)بإستنكار: -واه، إتجنيتي إياك، سحر إيه وعوالى إيه؟حد الله مابينى وبين الحرام، ده غير إنى مكوية بناره.. لتشير لشعرها مردفة: -وآدى الدليل كدامك، لع يافضيلة، إتجى الله، إحنا مش ناجصين مصايب. قالت(فضيلة):.
-مصايب إيه يامخبولة إنتى؟وهو فيه أكبر من المصيبة اللى حاطت على راسنا دى عاد، إسمعى الحديت اللى عجولهولك ده، إحنا نلجأوا لعوالي دى، ونطلبوا منها تبعد المرة دى عن إجوازتنا من غير ضرر ولا شر، بس إكده، مفيهاش حاجة عفشة تخليكى تجلجى منيها.. إنتفضت تلك التى كانت تستمع إلى حديثهما من خلف الباب على صوت زوجها يقول بإستنكار: -واجفة كدة ليه يازهرة؟
اشارت له بالصمت وهي تتقدم منه وتسحبه من يده، تدلف إلى حجرتهما وتغلقها جيدا ثم تستدير وتواجهه قائلة: -مصيبة ياأخوي، مصيبة عتجع على راسنا كلياتنا. عقد (محمد)حاجبيه قائلا: -باه، مصيبة إيه دى؟ماتنطجى علطول يازهرة، وجعتى جلبي. قالت (زهرة): -عجولك ياخوي، عجولك.
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر
قال(محمد)بعيون إتسعت إستنكارا: -عتجولى إيه يازهرة؟مرت أخوي وخيتي عيتفجوا على مرة بريئة ملهاش ذنب وعيسحرولها كمانى؟ قالت (زهرة): -يمين الله هو ده اللى سمعتوا يامحمد، أنى لغاية دلوكيت مش مصدجة وداني، كنت داخلالهم ووجفنى حديتهم، ومبجتش عارفة كيف أتصرف، أدخل واجولهم ان إكده عيب وحرام، معيسمعوش حديتي لو مهمن أجولهم وعيسمعونى حديت ماسخ معيلدش علية. ضرب(محمد)كفا على كف قائلا:.
-لا حول ولا جوة الا بالله، أنى كمان مش مصدج نفسي، إزاي فكروا بالشكل ده ومخافوش ربنا، معرفانيش إنهم عيمشوا فى طريج واعر ضلمة كيف الجبر، طريج الشيطان اللى آخرته ندم وويل. قالت (زهرة ) بخوف: -وهنعملوا إيه دلوكيت؟هنهملهم يإذوا مرة بريئة جت تجعد وسط أهلها من غير شر. ظهر على (محمد)ملامح التفكير قبل ان يرفع رأسه قائلا بتصميم: -جوليلى إسم المرة اللى عايزين يروحولها دى وساكنة فين؟ قالت (زهرة)متوجسة:.
-عوالى، وساكنة حدانا فى الكفر، هتعمل إيه يامحمد؟طمنى ياأخوي. هز رأسه ولمعت عيناه بشدة وهو يقول: -إطمنى يازهرة، ربك يجدم اللى فيه الخير بإذن الله.
أحبني كما تحب تراب وطنك وتسكنه القلب.. أحب بساطتي وعفويتي كما تحبهم فى أهلك.. أحب عبقي كما تحب رائحة الزهور فى الحقول.. أحب أصالتي كما تحب أصالة ورقى وعطاء النيل.. أحب عندي ورأسي الصلبة كصلابة رءوس الرجال فى بلدتك.. وأحب رقتي كما تحب نسيم الصباح العليل. أحب تناقضي الذى يشابه تناقض جنبات وطنك.. بل أحبني كما تحب وطنك لعلني أسكن قلبك، فلا أغادره أبدا.
كانت تسترق النظرات إليه وهو يطالع الجناح بإنبهار، تتحاشى أن يمسكها بجرم التطلع إليه، قد حاولت منذ أن ادرك مشاعرها وماتخفيه بداخلها أن تتجنب الإحتكاك به، فلن تقوى مجددا على النكران، ولن يصدقها، وقد عجز القلب أخيرا عن مقاومة العشق فادرك ان فى طياته حياته وهلاكه. أفاقت من أفكارها على صوته وهو يقول:.
-وعدتى ووفيتى ياباشمهندسة، الجناح أجل كلمة تتقال عنيه إنه إبداع وكأنى جوة وطن صغير حاسس فيه بتراثي وشامم ريحة التاريخ وضامم اصالته بين إيدية، وكأنى جوة الوطن مفارقنيش ولا ناوى يفارقنى. تطلعت إليه تود لو هتفت من كل قلبها.. احبني كالوطن.. ولكنها إكتفت بهزة من رأسها وهي تقول:.
-مش باقى غير بعض الحاجات البسيطة واللى هتكمل إحساسك ده، أنتيكات وفرش هاند ميد من جاليرى قريب من الفندق إخترته النهاردة الصبح ووصل من شوية، هيعجبك بإذن الله لما يفرشوه البنات. طالعها بإعجاب قائلا: -طلعتى مهندسة شاطرة أوى ياشذا. قالت بهدوء: -فدوى، إسمي فدوى. ثم تنحنحت قائلة: -أنا كدة مهمتي خلصت وياريت تكلملى حد يوصلنى البيت، محتاجة أرتاح شوية من فضلك. قال بهدوء: -هوصلك بنفسي. أسرعت تقول: -مينفعش..
ثم أردفت تلعن تسرعها قائلة: -علشان يعنى تشرف على الفينيشينج بتاع الجناح بنفسك، ده غير إن الوفد هيوصل النهاردة ولازم تكون فى إستقباله. هز رأسه متفهما، ثم تأملها قائلا: -بصراحة مش عارف أشكرك إزاي على كل اللى عملتيه معانا ومساعدتك لينا بالسرعة والجمال ده كله. قالت بهدوء: -متشكرنيش، ده شغلي وهاخد حقه، عن إذنك.
تابع إنصرافها بعيون آسفة، يدرك انها تلقى بكلماته التى قالها لها سابقا فى وجهه، تشعره بمزيد من الأسف يمتزج بتلك الحيرة التى مابارحته بعد أن أدرك عشقها، وتعجب من نكرانها.
كانت تمشط شعرها الندي بعد ان اخذت حماما أعاد لكاهلها المتعب نشاطه، نهضت تسحب حقيبتها، وتضع بها أشيائها، لتغادر الفندق وتعود إلى منزله، حيث تقبع زوجته، تطاردها نيران الغيرة من جديد فتكويها بنيرانه، طرقات على الباب أخرجتها من أفكارها تنهدت وهي تتقدم تجاهه وتفتحه، تجد (عزام)أمامها يطالعها بعيونه التى تمقت نظراتهم الولهة، قالت بهدوء: -خير ياعزام؟فيه حاجة؟!
تقدم (عزام)إلى الداخل ثم اغلق الباب وسط دهشتها، وهو يقول بحزم: -رايد أتكلم معاكى يابت عمتي. طالعته قائلة: -خير ياعزام بس ياريت تختصر لإنى تعبانة ومحتاجة أرتاح. قال(عزام)بصوت قطر لوعة: -وأنى كمان يابت عمتي محتاج أرتاح، وراحتي حداكى، أبوس يدك ريحي جلبي اللى عيفط من بين صدري ويجول رايدك يافدوى، ورايد الجرب منيكى. طالعته بصدمة قائلة: -إنت قصدك إيه؟! أمسك يدها فجأة قائلا:.
-جصدي إنى رايدك فى الحلال، عايز أتجوزك يابنت العمة. لتتسع عيناها، فى صدمة.
يشعر بكيانه تائها، يبحث عن شيئ ما.. تجعله الحيرة يذوى ببطئ وكأن به داء عضال يفتك به.. يسلبه راحته ويشعل به نيران لا تحتمل.. يبقيه الألم متلويا على جمر الوحشة القاتلة.. وتتسلل إليه برودة، كجسد يبحث عن لحد. دلف إلى حيث تجلس والدته تطالعه بثبات، ويطالعها هو بملامح خالية يقول بصوت بارد كقلبه: -خير ياأما، بعتى فروج ينادم علية. قالت بهدوء:.
-عايزاك فى مهمة جديدة ياولدي، مرة عايزة تخالف وجوزها عجيم، هتستناك فى الكوخ إياه بعد العصر، متعوجش عليها. طالعها ببرودة صقيعية وملامح فقدت حياتها، ثم غادر بخطوات بطيئة، لتقول (عوالي)بحسرة: -منك لله يابت هوارة، منكم لله ياهوارية كلياتكم، الواد مبجاش ابني اللى ربيته طول عمرى، بجى كيف خيال المآتة، لا عيهش ولا ينش، ولا ليه عازة. لتردف فى حقد:.
-جسما عظما لعيكون إنتجامى منيكم عسير، وهخلص منيكم تاري ولو كان ده آخر شي أعمله فى حياتي. لتطل من عينيها نظرة شر خالصة، جمعت شياطين الدنيا فى مقلتيها.
أسرع فى خطواته ليلحقها فى غرفتها، ويمنحها هاتفها الذى نسيته فى الجناح، وما ان اقترب من حجرتها حتى سمع صوتها وهي تصرخ قائلة: -انت مجنون، الجواز مش بالعافية، إبعد عنى. ليسمع صوت (عزام) وهو يقول: -أبعد كيف إياك؟أنى ماصدجت أجرب منيكى وتكونى بين يدي..
لم ينتظر ليكمل هذا المأفون كلماته وهو يقتحم الحجرة، ليرى (شذاه )بين يد هذا الرجل فثارت الدماء فى شرايينه وإنتفخت أوداجه غضبا، تقدم بإتجاهه يسحبه من الخلف ويكيل له اللكمات بينما كتمت (فدوى)أنفاسها الشاهقة، يهدر (مهران)قائلا: -عتخون الأمانة ياعزام، عتتعدى على حرمة ياواكل ناسك. حاول (عزام)التصدى للكمات (مهران)التى إنهالت عليه يقول من بين أنفاسه اللاهثة: -عحبها ورايدها فى الحلال...
قاطعه بلكمة على فمه قائلا: -إجطع النفس لأجتلك بيدي، رايدها كيف وحداك حرمة فى رجابتك عتحبك وتتمنالك الرضا ترضى... لم يستطع أن يكمل حديثه وكلماته تصدمه فى وجهه، تذكره بحاله، ترك (عزام)يسقط فى إعياء وهو يطالع تلك التى بادلته نظراته، تتحدث العيون بما عجز عن البوح به اللسان.. أحبك كما لم أحب مخلوق قط.. ولو كنت أملك أن أهديك قلبي لنزعته من صدري وقدمته لك عن طيب خاطر.. لصرخت قائلا، انت لى رغم كل شيى..
لو كنت أملك أن اكون لك وحدك ما ترددت.. ولكنى أقف عاجزا، تقيدني الحواجز ويجبرنى قدري على الفراق مجددا ولكن تلك المرة قد أكون مجبرا على البعاد ولكنى ادرك حتميته. أشاح بنظره عن دموع مقلتيها التى تمزق روحه، قائلا بألم: -هاتى شنطتك وإسبجيني ع العربية هوصلك بنفسي.
أخذت حقيبتها باصابع مرتجفة وتقدمت بإتجاهه ثم تجاوزته بخطى متعثرة، نظر فى إثرها بألم، ثم نفض ألمه وهو يميل يمسك بياقة (عزام)يجذبه منها قائلا بوعيد:.
-اللى حوصل النهاردة ده ميتكررش، وجسما عظما إن هوبت يمتها تانى، لأخلى أبوك عويس بذات نفسيه اللى يطوخك عيارين براسك ونخلصوا منيك، الجواز مش بالعافية يإبن الجبالي، وهي مش رايداك زي ماإنت شايف، يبجى تتلم وتحاوط على بيتك وإبنك اللى جاي فى الطريج ده، وتسيبك من كلام ملوش عازة عندينا ونهايته هتبجى دم.
طالعه (عزام)صامتا خائر القوى، فنفضه (مهران)بعيدا ثم غادر بدوره وهو يردد لنفسه ذات الكلام، يطالبها بالإنصياع لعقله وترك رغبات قلبه، جانبا.
كانت تمسك بوردة جميلة رفعتها إلى أنفها تشم عبيرها الفواح بعمق، ثم لثمتها برقة، لتنتفض على صوت هامس جاء من خلفها يقول بحنان: -لأول مرة حدا يحسد زهرة. طالعته للحظة ثم اطرقت براسها فى خجل فوصلها صوته يقول بمشاكسة: -طب مش عتسألينى، عحسدها على إيه عاد؟ وجدت صوتها لتقول بخجل: -إتحشم ياسى ناجى. تنهد قائلا: -اول مرة عسمع إسمي منيكى ياراوية. كما أسمعه الآن تماما منك.. لأول مرة ينطقها ثغرك..
وكأننى لم أسمعه قبلا.. وكأن حروفه قد تجملت.. وصار لها صوتا رائعا، كمعزوفة قصيرة تطرب الآذان. وجدته يرفع ذقنها بإصبعه فواجهتها عيناه، تأمل خاصتها قائلا: -أي شعر يفوق عيون المرأة سحرا.. وأي جمال يضاهيه نظراتها.. تخترق القلب بسهامها.. فيصير مسلوب الإرادة لايرغب أبدا ان يصير حرا.
لم تستطع الإنتظار أكثر والإستماع لكلماته التى تذيب القلب وتسارع من خفقاته، لتهرب من أمامه بخجل، تتركه واقفا فى إثرها يتابعها بعينيه، يتنهد مرددا: -قد صار الهوى حروف إسمها.. الراء رواء هي لقلبي الظمآن عطشا دونها.. والألف أنا و هي أمام الدنيا نتحدى همومها.. والواو ونيس للقلب أجده دوما فى روحها.. والياء يغمرني العشق فى غيابها وحضورها.. لتضم القلب بتاء تصر أن تكون النهاية لوحدة بعد ان ظللتها أبدية وجودها.
لغة العيون هي أعظم اللغات فهي نوافذ الارواح والقلوب.. ربما نظهر صامتون ولكن أعيننا تفيض بالحديث.. نعم سنصمت ونترك العيون تخبر الجميع عن مكنون شعورنا.. ثرثارة فى الحب تنقل انين المشاعر وحرقة الآهات وأعمق الأحاسيس.. تتمرد على نكراننا وتحمل إلى احبتنا أسانا ولوعتنا فى الفراق... عيوننا تخبر أحبتنا أننا ماأردنا الفراق قط ولكننا فقط مجبرون على الرحيل.
ظلا صامتين طوال الطريق حتى وصولهما إلى المنزل، تتوق قلوبهم للحديث وتصمت شفاههم، حيث لا جدوى الآن منه، فكلاهما عاشق وكلاهما مجبر على الفراق.
كانت (فدوى)اول من هبط من السيارة حين توقفت، تسرع إلى الداخل، يتابعها(مهران)بعينيه فى ألم حزين، دلفت (فدوى)من باب المنزل، تنوى التسلل صعودا لغرفتها على الفور وتجنب الجميع، فلا طاقة لها الآن بأي احد ولن تستطيع تصنع البسمة وقلبها ينزف ألما، وماكادت تخطوا خطوتين حتى إنطلقت من بين شفاه أحدهم صرخة بصوت تعرفه جيدا تقول فى دهشة: -شذا، هل أنتى هنا حقا؟
إستدارت تطالع من ذكرتها بماض هو احب إليها من حاضر بغيض، لتجد نفسها تفعل شيئا واحدا وهو الركوض إلى احضان تلك المرأة والغرق بين ذراعيها، تحتضن ذكرياتها بدورها وهي تقول بشوق وصوت متهدج باكيا: -لقد إفتقدتك ناتالى، إفتقدتك بشدة.
ربتت (ناتالى )على ظهرها بحنان اموي، بينما طالعهم الجميع بدهشة، تنتابهم تساؤلات عديدة ظلت فى قلوبهم صامتة، ينتظرون إنتهاء هذا المشهد العاطفي، ثم يطلقون مافى جعبتهم من أسئلة دون هوادة، بينما توقف رجل على مسافة بعيدة، يطالعهم بحنان إمتزج بحنين، يود لو كان هناك بينهم، يضمهم إلى صدره ليريح هذا القلب المنهك، غافلا عن عيون رصدت نظراته لتدرك أمنية قبعت فى مقلتيه جعلتها تدرك بكل قوة، أنها قد فقدت زوجها، للأبد.
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر
(ناتالي) كانت من الأشخاص الذين يجعلون من يعرفهم يشعر كأنهم وطنه، رقيقة وناعمة، مِعطاءة بدون حدود تمام كالأم. كانت (فدوى) تسكن بين ذراعيها، تذرف دموع الشوق والإرهاق، تتشبث بها بقوة كأنها تجد فيها هدنة لروحها، رائحة طيبة تفوح منها، رائحة الحنان والأمان الذي يهديء روعة النفس، شعرت (فدوى) أن الله يقف بجانبها ويربت على قلبها أن لا تحزني وقد أعاد إليها لقاء( ناتالي).
كانت (ناتالي) تربت على رأسها حتى تهدأ قائلة: آه ياجميلتي، لقد اشتقت إليك كثيرا! كانت تعلم أن دموع( فدوى) لم تكن شوقا فقط فحدقت في (مهران) الذي يطالعهما من بعيد بنظرات معاتبة جعلته يتنهد بعمق.. اخرجتها( ناتالي )من أحضانها وأمسكت بوجهها بين يديها وكانت لتقول شيء لكن (فدوى) أمسكتها من يدها وقالت: تعالي معي!
وسارتا معا باتجاه غرفتها بينما تعلقت الأنظار المتسائلة ب(مهران) الذي ارتبك وجميعهم ينتظرون تفسيرا منه فقالت والدته: واجف عندك ليه اكده ومبلم؟ تعال اجعد ويانا! فقال يحاول أن يتهرب مما هو آت: معلش ياأماي هروح أريح شوي فى الجوضة أنا فايج من النجمة! وقبل أن يخطو بعيدا عنها قالت بفضول: هي فدوى تعرف منين الحاجة متوالي؟! فقال مستنكرا: إيش عرفني في أمرهم، التانين كانو بروما يمكن اتجابلوا هناك! قالت بشك:.
كنت بجول اكده جبل ما أشوفك مسهم فيهم، كنك رجعت عيلة لحضن أمها... تركها تتكلم وصعد إلى الأعلى لايقوى على مواجهتها فشعرت بالغيظ: شوفوا الواد هملني ومشي وأنى بتحدت، بس أكيد يعرفوا بعض أنا حاسة بكده.. فقالت( زهرة) تحاول تغيير مجرى الحديث: نحط الغدا ياأماي الكل إهناه! قالت: جومي جدامي، وانتوا كمان يابنات! فقالت (بدارة )وهي تنهض: هشوف سي مهران ياأمه وهرجع بسرعة! قالت بحنان:.
روحي يابتي، الله يجويكي على أبو دماغ ناشفة! كانت (فدوى) تجلس أرضا وتضع رأسها على حجر (ناتالي )وتحتضن ركبتيها فقالت (ناتالي): لم أنت تائهة هكذا صغيرتي، لقد انطفأ البريق الذي كان بعينك الجميلتين؟ لم رحلت هكذا يا شذا؟ تركتى ميران مكسورا يتساءل بماذا أخطأ في حقك؟
لن تتخيلي ما عاناه هذا الوسيم المسكين، ضاقت به روما والعالم بأسره، عاد إلى موطنه قبل موعد تخرجه، حطمتى قلبه والواضح أن قلبك محطم أيضا! لم كل هذه المعاناة؟ لقد تزوج فلم عدت الآن؟ ماذا حدث صغيرتي؟ أخبريني أرجوكِ! كانت (فدوى )تحترق بعتاب( ناتالي) لها وتبكي بحرقة لكنها رفعت رأسها ومسحت دموعها بكلتا يديها وقالت بصوتها المختنق من القهر:.
أنا لم أرحل لأنني كنت أريد ذلك! لقد كنت مجبرة على الرحيل، حين عادت ذاكرتي لم أستطع أن أتواجد قرب ميران، فضلت تحطيم قلبه على تحطيم حياته! كان صعبا جدا أن أبتعد لقد تحطمت أيضا لم أستطع أن أفسر لميران لما رميت نفسي من ذلك الجسر، إن حياتي السابقة كانت مليئة بأناس مؤذيّين لم أكن أريد أن يصلوا إليه، من المستحيل أن أتحمل أن يؤذوه هو أيضا... قالت(ناتالى)بحيرة: هل كنتى مرتبطة بأحد؟
أطرقت (فدوى) برأسها بحسرة وقالت: إبن عمي! زفرت (ناتالي )وقالت: حين بدأ ميران يتعلق بك أخبرته أن لايتسرع ربما تكونين مرتبطة، لكنه جازف بمشاعره وكان يقول أن سيتبع قلبه ورأيته أيضا وقلبه يكسر، رحيلك كان سيئا للغاية! قالت(فدوى)بمرارة:.
بسبب الصورة التي وضعها ميران من أجل أن تتعرف إليّ عائلتي، أتى عمي وإبنه إلى المشفى، باديء الأمر لم أتعرف عليهما لكنني ما إن رأيتهما حتى راودتني نوبة عصبية وبعدما استفقت كنت قد تذكرت كل شيء، حاولت الإنتحار مجددا ثم هربت منهم ولكنه وجدونى مرة أخرى، فهربت إلى هنا حيث عائلة والدتي أبغى ملجئا. قالت (ناتالي )وهي تحتضن وجه (فدوى) لتستحثها على التفسير: أشعر أنك تخافين من هذا العم وولده؟ زفرت قائلة:.
كثيرا، كثيرا! لقد اكتشفت أن عمي وابنه تآمرا على قتل والدتي حتى يستوليان على أموال والدتي، لكنها اكتشفا بعد أن قتلاها أن جميع الممتلكات بإسمي وأنها من بعدي ستنتقل إلى الجمعيات الخيرية، بعد وفاة والدتي كنت شبه إنسانة، كنت ضائعة وحيدة منكسرة فقدت الشيء الوحيد الذي كان يمثل لي العائلة، أمي!
وقتذاك كان ( رحمان) أقرب شخص إليّ كان يحاول دائما مواساتي وإخراجي من ظلمتي، لقد تعلقت به لكنني لم أحبه هناك شعوري بداخلي بعدم الطمأنينة نحوه ظل يلازمني دائما، بعد أشهر من وفاة أمي أتى عمي وقد عرض علي الانتقال إلى منزله حتى لا أبقى وحيدة لكنني رفضت فطلب أن أكون كنة له وهكذا لن أكون متحفظة من التواجد معهم. لا أدري كيف وافقت لقد كنت محاصرة منهما لم يجعلا لي مساحة كي أكون وحيدة وأفكر بما عليّ فعله..
قالت (ناتالى)بتقرير: وافقتي!؟ قالت(فدوى): وافقت! وتمت خطبتنا على الأقل أنا ممتنة لشجاعتي وقتها حين رفضت القران وطلبت مهلة حتى أستعيد نفسي.. بعدها اكتشفت أنهما من قتلا أمي وخططا لكل شيء وسيلقيان بي إلى الشارع بعد أن أنقل ممتلكاتي لزوجي، لم أستطع تحمل الحقيقة، كنت هائمة، خائفة، منكسرة، تخدرت مشاعري وقفت أمام الجسر وبدون تفكير ألقيت بنفسي...
ميران منحني أملا وحياة جديدة، حبه ملأ قلبي وجعلني أكثر قوة لمواجهة أعدائي وبذات الوقت أصبح نقطة ضعفي التي خشيت أن يستخدمها عمي ضدي، فرحلت! احتضنتها (ناتالي )بشفقة وهي تبكي لحالها، وقتذاك كانت (بدارة )تسترق السمع عند بابهما لكنها لم تفهم شيء مما تقولانه فلعنتهما معا واتجهت بحنق نحو غرفتها... دخلت لتجد (مهران )يقف بالشرفة يدخن سيجارة فقالت بغضب: هي مش إكده؟ استدار نحوها بنصف جسده وقال: هاا؟
قذف عقب سجارته والتفت يسند ظهره على السور مردفا: -هي إيه دى؟ جلست على حافة سريرها وقالت بغصة: البت اللي مالي جلبك عشجها وماجدرشي تنساها، فدوى مش إكده؟ لمن كنت بشوف بحلجتكم ببعض كنت بجول ماتتوهميش يابت هو بصلك انتي عشان يبص لغيرك، بس اليوم اتأكدت لما شفتها لاجت ناتالي كيف، وكيف بتبكي بحرجة معاها دلوك، محدش يبكي أكده غير من لوعة جلبه اسألني أنى! هي مش إكده؟ البت بتاعت روما هي فدوى؟
جمع يديه على صدره وقد غيّم الحزن على وجهه: البت بتاعت روما إسمها شذا مش فدوى، فدوى غير شذا اللي عرفتها هما نفس الشخص بس غير.. طالعته برجاء والدموع تنهمر من عينها: بالله عليك بلاش كلام المتعلامين ده وجول هي، يعني إيه مش هي فاهمني، هي ولامش هي؟ اقترب منها وجلس بجانبها وقد حكى لها قصته مع شذا بكل تفاصيلها وعن معاناته حين تركته ورحلت وهي صامتة تستمع وقلبها ينزف ألما، حين أنهى كلامه قالت:.
أنا حبيتك يامهران وربنا ف سماه عارف جد إيه حبيتك وجلتلك هصبر عليك العمر كله عشان يحن جلبك عني لكن ماجدرش أعيش مع ست تانية تشاركني فيك وأنا أعرف إن جلبك كلاته ليها وأنا واجب عليك وخلاص، أهي البنتة رجعتلك ولا جدرها رماها حداك مش مهم اللي عايزة أجوله اختار ياواد عمي بين جلبك وواجبك عشان ماننظلمش احنا التلاتة، باينها بتحبك هي كومان!
ماعزعلش منيك حتى لو اخترتها أنا عاشجة وعارفة حرجة الجلب وكسرته، و مجدرة اللي انت بتحس بيه واللي بتحبها بعيدة عنك، أنا عايشة المر دا معاك، لا انت ليك ذنب ولا أنى! لم يستطع (مهران )مقاومة دموعه وقد شعر في كلامها بقهرة لا تحتمل، وقفت لترحل فأمسكها من يدها وعانقها بقوة يطلب منها السماح: سامحيني يابدارة، أنا ماستهلش جلبك الطيب، إنتي أحسن من فدوى ومن كل البنتة اللي خلجها ربنا، سامحيني على ظلمك والنبي!
كان قلب (بدارة )كقلوب الكثيرين المنكسرة بسبب عشقها لقلب لا ملك لها فيه، لكن روحها المتسامحة جعلتها تشعر ببعض المواساة، ألمها العظيم الذي يحطم كل مافيها، لا تريد ل(مهران) أن يختبره من شدة حبها له لا تريد أن يتألم بقدرها، إنها تنتظر قراره وهي تعلم أن في كلتا الحالتين لا تستطيع أن تحتل جزءا من قلبه الذي فاض بعشق أخرى...
خرج (مهران) من غرفته غاضبا ودخل غرفة( فدوى) وسحبها من حجر( ناتالي) التي انتصبت بقلق، أمسكها من يدها يطالعها بعينين حمراوين محتقنين وهو يقول: حالا عتريحيني، ياعتجولي روحتي وتركتيني ليه، ياترجعي موطرح ماجيتي، أنا مش حمل أظلم حدا حتى من غير جصد، بدارة مالهاش ذنب بجلبي اللي متعلج بيكي، ومهملها حاسة روحها بزمة راجل مش مالكاه.. دفعته بقوة وقد أشاحت بوجهها عنه فعاد يشدها إليه: انطجي ماتخرجينيش عن طوري!
اقتربت (ناتالي) لتفصل بينهما قائلة: إهدأ ياميران، إهدأ وستخبرك بكل شيء! هيا صغيرتي أخبريه الحقيقة! لم يعد هناك داع لإخفائها! همت لتقول شيء لتدخل (راوية) وهي تنادي: مهران، إلحج بدارة وجعت من طولها لاحس ولا خبر، عجل عجل! بقلب منقبض ركض إلى الأسفل تتبعه (فدوى) و(ناتالي ) ليجدها بين يدي( محمد) يتجه بها إلى الخارج هو يقول: ضغطها نزل بس، حرارتها كمان عالية، مش حاجة خطيرة ماتخافوش!
توجها بها إلى المشفى بينما عادت (فدوى) إلى الداخل وقلبها يتمزق على حالها كانت تشعر أنها خربت حياتها وجلست تنتظر على أحر من الجمر عودتها لتطمئن عليها وتعتذر منها ثم ترحل بعيدا عنهم حيث لن يجدها أحد أبدا...
في المشفى كانت (بدارة) قد استعادت وعيها بعد أن علق بذراعها محلول مغذي، سحبت الممرضة قليلا من دمها من أجل تحليله، جلس (مهران) يمسك بيدها وعلى وجهه ابتسامة حزينة نظرت نحوه وبادلته ذات الابتسامة وقالت: أنى كويسة ياسي مهران ماتجلجش، مرات أنسى أكل عشان اكده نزل ضغطي شوية! قال: آه منك آه، في حد ينسى ياكل! غلبها النعاس فأغمضت عينيها بينما بقي هو إلى جانبها ينتظر استفاقتها من جديد، يهمس بحزن:.
-ياريتني جابلتك من جبل.. ياريتني ماشفتش غيرك.. لا ف زينك ولا ف طيبة جلبك.. ياريتني حبيتك زي ماحباني.. ياريتني ماحبيتش اللي وجعاني.. كنت هعيش مبسوط، حداكي.. كنت هعاود للبيت متلهف وعند الباب ألجاكي.. أبوس خدك وأحط وردة ف يدك.. تبتسميلي وابتسملك حب مش واجب.. ونتحدث من غير مانمل! من غير ماتشوفيني بالدنيا وانا ليكي مْهَمِل.. ياريتني جابلتك من جبل.. ماكنش جلبي هيبجى غير ليكي.. وعنيا ماكنتش حزنت عنيكي..
سامحيني، عشان جلبي مش ليكي! دخل (محمد )فمسح (مهران) دموعه وقطع حديثه، ربت على كتفه وقال: ماتجلجش ياخوي هي زينة وكمان في خبر يفرح، بدارة حامل يامهران، أيوه هتبجى أب ياولد عسران! نظر إليه (مهران) وقد صعقه الخبر وشل كيانه وما إن استوعب ما قاله (محمد) حتى انتصب واقفا وخرج من الغرفة دون أن يقول شيء..
القدر إذن! والآن سيدفن قلبه بين أضلعه ويقوم بواجبه اتجاه عائلته، لقد كانت (بدارة )تنتظر قراره واختياره لكن القدر عافاه من هذا وقال كلمته وسيصغي إليه!
أما (راجي) فكان له قدر مختلف، كان له إبن حقيقي عن حب ينمو بعيدا عنه إنه الإبن الذي يأبه له ويتمناه دون الأطفال الآخرين الذي يحملون دمه واسم رجال آخرين... فكرت (نوار )كثيرا وقد استعادت حيوتها بعد أن قررت أن تسامحه وتمنحه فرصة جديدة استحمت وارتدت ثيابا جيدة ووقفت أمام والدتها وقالت: أنا رايحالو ياأماي، مش هيكون زي أبوي، مش هسمحله يكون، هخلي ولدي يفخر بأبوه وهو عيتغير عشانه لو مش عشاني!
ماجدرش أعيش من غيره لا أنا ولا إبني، لازم نرجعو حدانا! ربتت( زبيدة )على يدها وقالت: روحيلو يابتي، روحي! ربنا يصلح حالك! وقتذاك كان( راجي )يتجه إلى الكوخ قدماه تتقدمان لكنه قلبه يمنعه، كان يصارع شيء غريبا في نفسه ومع ذلك واصل سيره دون أن يشعر أن هناك من يترصد له.. وصل إلى الكوخ فوجد المرأة تلك تنتظره، فقال متهكما: جاية كومان على بكرة الصبح مش جادرة تصبري ياحزينة! فأجابته بحنق:.
عشان الحج أرجع جبل راجلي مايعاود البيت! قال متهكما: لاه، حساسة جوي ياأختي! اخلصي عشان مالياش خلج! لم يكن بالشيء الجديد عليه مايفعله لكنه استصعبه كثيرا هذه المرة..
اقتربت( نوار) من الكوخ وحين لاح أمامها شعرت بسعادة غامرة، سعادة اللقاء، لقد تخيلته لعدة مرات فسارت نحوه مهرولة متحمسة وكانت تدري أن (راجي) يقضي معظم وقته هناك، وصلت إلى الباب وقبل أن تدخل سمعت أصواتا غريبة تنبعث من الداخل فاستدارت إلى النافذة وهي تسترق النظر ثم عادت إلى الوراء كقط مذعور مصدومة بما رأته..
ركضت بعيدا كأنها تهرب من كهف غولة ودموعها تسابقها، وقفت عند الساقية تلتقط أنفاسها ثم خرت على الأرض على ركبتيها تصرخ ألما شديدا ناتج عن تحطم قلبها الذي أحب شخصا غير مناسب... حالتها كانت مزرية تكاد تفقد عقلها من الحزن والغضب، جلست قليلا حتى هدأ روعها وقد استعادت كل اللحظات التي جمعتها ب(راجي) وراحت تلومه، لما علقها به وكسر قلبها؟استقامت وسارت بغضب إليه مجددا عازمة على أن تحاسبه على أفعاله..
دفعت باب الكوخ بقوة وهي تصيح بإسمه فتسمرت مكانها وقد تشنجت ملامحها وهي تراه يغرق في دمائه هو والمرأة تلك شبه عارييّن مذبوحيّن، هو صريع على الأرض بعيد عنها وهي متدلية على السرير تقطر دماءها على الأرض..
خارت على ركبتيها أمام جثته منهارة لم تستطع أن تبدي أي رد فعل، لقد رحل وما كانت تظن أن رحيله سيمزق قلبها وروحها بهذا الشكل، نزعت خمارها وغطت جسده ثم جرت قدماها خارجا مكلومة كان قلبها يغلي وروحها تصرخ أما ملامحها باردة برودة الموتى..
إنها قلوب متحابة لا تجتمع، جعلها القدر تُضنى بالعيش متنافرة.. عاد (مهران )برفقة (بدارة )و(محمد) إلى البيت حيث استقبلهم الجميع بلهفة، هرعت (ثريا )و(زهرة) نحو (بدارة) يسندانها وقد أجلساها بينهما.. اقترب منها الحاج (عسران) ووالدها بقلق يسألانها عن حالها فقالت بهون وابتسامة مصطنعة: أنا زينة الحمد لله، خرعتكم على مافيش ماتواخذونيش! فصاحت (ثريا) بقلق: هاه يامحمد ياولدي خيّتك عندها إيه؟
ضحك (محمد )وهو يربت على كتف( مهران) الواقف بجانبه بصمت وعيناه متعلقة ب( فدوى) كأنه مذنب يطلب الصفح: كل خير يامه! بدارة عتجيبلكم عسران زغير بإذن الله.. تعالت الأصوات بفرحة وأخذو يعانقون (بدارة) و(مهران )فانسحبت( فدوى) كالملدوغة إلى غرفتها بينما (ناتالي) اقتربت من( بدارة) وقبلت جبينها بحنان تبارك لها ثم اقتربت من (مهران) تعانقه وقد دس وجهه في كتفها فهمست في أذنه:.
تمالك نفسك أرجوك، سيكون كل شيء على مايرام عزيزي! غمغم بشيء ما وحاول عدم السماح لدموعه أن تنزل فأردفت: عليك أن تنسى أصبحت لديك أولويات جديدة الآن! تشبث بها وهمس: لاتتركيني أنت أيضا أرجوك ناتالي، أنا بحاجة إليك! ربتت على كتفه بابتسامة طيبة، فقالت( ثريا) وقد شعرت بالغيرة من( ناتالي): شوف الواد كيف متبت فيها وعيخنجها، هو أنى مش أمك بردك ولا لجيتك على باب ولي صالح!
زفر بعمق ثم استدار نحو والدته واقترب منها يعانقها ويقبل رأسها ويشاكسها قائلا: ماانتي نسياني وجاعدة متبته فى بدارة كني مش ولدك جلت أخليكي تغاري زي مأنا غيران.. وه، وه! جعلها تضحك متناسية غضبها منها ليقول (عويس): الفرح بجى اتنين ياخوي، الخميس الجاي كتب كتاب العيال وعناخد عروستنا ونرجع دارنا بجى... فقال (عسران ):.
لو على العرس فأنى موافج بس الرجعة ليه ياخوي اجعدوا حدانا احنا متوناسين بيكم ولما يتصلح الحال ويرجع البيت كيف ما كان هنرجعوا الدوار كلياتنا..! قال(عويس): ربنا يفرجها علينا، حسبي الله في اللي كان السبب! فقال( مهران) وهو يمد يده إلى( بدارة ): تعالي اطلعي فوج ريحي شوية انت لساكي تعبانة.. أمسكت يده وسارا معا بينما تطالعه والدته بحب وهي تردد:.
- الله يبعد عنيكم شر العين والحسد ويرزجكم من فضله وتملولنا البيت عيال يارب، بدارة ومهران وكل ولادي اللي حدي يارب. تقاطعت طريق( مهران) و(بدارة) مع( فدوى) التي تسحب حقيبتها وراءها في الممر فطالعتها( بدارة) بحزن وقد انخلع قلب (مهران )فارتعشت يداه التي تمسك ب(بدارة) فشعرت بذعره قالت (فدوى) بابتسامة حزينة: مبروك يابدارة، الله يقومك بالسلامة! مبروك يا أستاذ مهران!
وأومأت برأسها وواصلت طريقها فقالت( بدارة ): فدوى، استني يابت عمتي! رايحة على فين اكده! كانت (فدوى) تختنق حرفيا حتى الكلام يرهقها حاولت تنظيم أنفاسها المتلاحقة وقالت بصوت خفيض: هاا، أنا، عندي بيت بالقاهرة هقعد فيه الأسبوع ده قبل ماأسافر.. وبدون وعي منه سألها( مهران): هتسافري؟ هترجعي إيطاليا؟ تشبثت بيد حقيبتها كأنها تستند عليها وهي تقول: لأ، ماليش مكان فيها! فقالت (بدارة) بنفاذ صبر: تعالي ورايا، وأنت كمان؟
تبعاها إلى الغرفة فجعلتهما يدخلان وأغلقت الباب وراءهما اردفت:.
احنا مش ولاد زغار ولا مراهجين، أنى عارفة كل حاجة عنيكم، ماتستحيش مني يابت عمتي، جدري أجابله بعدك بجلبه المكسور اللي يادوب يخليه عايش وسطينا، لو بسببي عايزة تروحي فماتروحيش بجولك! هو عاشجك انتي دنيته، أرضه وسماه أنى مش حاجة بحياته غير واجب يمكن، اسمعوني زين انتو التانين هتجولو كل حاجة لبعض، حياتنا احنا التلاتة مش عتمشي وكل حدا نفسه فى التاني ومش طايله..
كانت( فدوى) تطالعها بذهول تستغرب هذه القوة والثبات التي تتحدث بهما وتوزع نظرها بينها وبين (مهران) الواقف يواليهما ظهره ويعقد يديه خلفه إنها أسوء لحظات حياته لم يتخيل يوما أن يقف وقفة الضعيف هذه، بينما قالت(فدوى): انتي بتهزري صح؟ عايزة مني إيه، عايزة أقولك إني بحب جوزك وماقدرش أعيش من غيره معلش خدي ابنك وروحي من هنا! أنا اللي سبته ماليش حق فيه دلوقتي! صاح( مهران )بغضب:.
اسكتي انتي وهي! هو أنا غرض عايزين تتجاسموه ولا حاجة بتتآثرو على بعض بيها أنى بني آدم جدامكم، اللي بحبها ماطلعتش نصيبي مش أنى أول ولا آخر واحد حب وماخدش وعاش مع كسرة القلب , مش انتوا اللي عتجرروا عني.. ماعتش مهم أعرف ليه مشيت دلوك، اللي يهمني أنها تمشي، دلوك! روحي من اهنه يافدوى! وقفت المرأتان تطالعانه بألم وصمت بينما هو يغلي ويشتاط غضبا.. طرقات على الباب ثم فتحته (نفيسة) وقالت:.
الحاج عايزك ياولدي، الحكومة خدت عمتك، إلحج المصيبة ديه! ضحك( مهران) من قهره وقال وهو يضرب كف على كف: بوليس كمان، كني ناجص وجع جلب! نزل الثلاثة معا إلى الأسفل حيث يبدوا القلق والتوتر على الجميع و (ثريا) تردد: استر يارب، جيب العواجب سليمة يارب! كان مستخبي لنا فين ده بس، هو احنا مش بنلحج نفرح حتى توجع علينا مصيبة! استر يارب! فقال( عسران) يحاول جعلها تصمت عله يفكر بحل ما:.
بطلي ولولة ياحرمة خلينا نفهم حوصل ايه؟ هااه، مهران ياولدي، نوار بتجول الحكومة خدت عمتك المركز، تعالى نروح اهناك! أمسك( مهران) بهاتفه قائلا: -خليك إهنه ياأبوي وأنى عشوف الدنيا فيها إيه اللول وأجولك، عاخد معايا ناجى، هيبجى سوء تفاهم بإذن الله، متجلجش. ثم خرجوا تاركين فوضى من الخوف الذي يظهر على الوجوه الناحبة.