رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشرالرحيل الذي نجبر عليه يكون رحيلا ماديا أما الأرواح فتبقى عالقة بالمكان، عالقة باللحظة، البدايات الجديدة تستند على عكاز الماضي مهما بدت يافعة وبقدرتها التقدم بلامبالاة، والذكريات التي تشيخ في القلب كعجوز عزيزة تتغلب دائما على المنطقية فحين نرحل على حنين قلوبنا تكون محملة بأشجان لاقِبل للبدايات بها.هذا اليوم ماطر آخر لكنه هاديء جدا، مطره خفيف ينشر دفء من نوع ما، هذا اليوم يشبه تماما ذلك اليوم الذي اختفت فيه (شذا )، في الواقع كل شيء أصبح يربط (مهران )ب(شذا )، جلس يرتشف قهوته بالمطبخ باكرا وقد أعدها لنفسه وأشعل سيجارته وراح يفكر في كل الأحداث منذ عودته، الفكرة الوحيدة التي كانت ترهقه تعامله مع( بدارة ) إنه قطعيا لايشعر بانجذاب حتى نحوها، لا يستطيع منحها شيء لاحبه ولاقربه ولا أي عاطفة كانت تتعدى الواجب وهذا يجعله يظلمها وخاصة أنها تحبه كثيرا..عاوده الصداع من جديد فأمسك بيده رأسه وأخذ يئن بألم كانت رؤيته مشوشة وبدأ نزيف أنفه، سحب منديلا من العلبة وهو يدفع فنجاله جانبا ثم استقام يحاول تثبيت خطواته وجسده يترنح بسبب الدوار..دخل غرفته وأنارها ثم بدأ يبحث عن دوائه الذي يساعده على تسكين هذا الألم، استيقظت (بدارة) إثر دخوله الغرفة وفزعت من منظر الدماء مرة أخرى فقالت:فيك ايه ياسي مهران، يالهوي النزيف عاودلك من تاني!أمسكته من يده وساعدته على الجلوس طرف السرير وقد قال بصوت متقطع:الدوا، دوري اهناك، عجلي نفوخي عيتفجر.أشار لها نحو الخزانة فاتجهت تبحث عنه إلى أن وجدته فناولته حبة منه وكأس ماء ثم أتته بمنديل مبلل وبدأت تمسح دمائه حتى توقفت.تمدد بجذعه على السرير وهو يمسك برأسه و(بدارة) بجانبه مرتبكة لاتدري ماتفعل لمساعدته، مضى القليل من الوقت حتى هدأ الصداع وهدأت أنفاسه المتضاربة، اعتدل جالسا وقال:.جلجت نومتك اعذريني، لكن الدوا ده بيخفف عني الوجع لمن يشتد غير كدا ماكنتش جلجتك اكده، آسف، ارجعي نامي.واستقام فاعترضت طريقه وقالت:خليك!كانت تحدق في عينيه بحب ووله وكان يحدق في عينيها الدامعتين بقلة حيلة، أمسكت يده وهي تقترب منه فأزاح يده من يدها وحاول التقدم فوضعت يديها الاثنتين تحد تقدمه إلى الخارج وهي تقول:.ماتعاملينش بجفى أحب على يدك، خابرة ان جوازنا كان بسبب اللي عيعملوه فيا أهلي لكن دا جدرنا، بجينا تحت سجف واحد بجيت مرتك ومتسمية على اسمك ويشهد الله إني حبيتك ومعاوزاش في الدنيا ديه غير رضاك عني، ماطالباشي حاجة منيك، حتى لو مش بتحبني دلوك هياجي يوم وعتحبني بس افت...أنا عشجان!قالها (مهران) فطالعته (بدارة )بصدمة وعدم فهم فأردف وقد أمسك يدها وأجلسها طرف السرير وجلس بجانبها يمسك بكلتيا يديها بين يديه:.الجواز ديه كانت ظلم لينا إحنا التنين، أيوه أنا عشجان وجلبي مش ملكي ولا جادر أرجعه ليا،أنا بحبها جوي ومش بفكر غير فيها، حبها زي اللعنة على جلبي وعليّ، متملكاني وماعرفشي آخرة الحكاية دي إيه، ماجدرش أوعدك بحاجة دلوك أنا محتاج شوية وجت لحدن ما اوالفك، عتجدري تتحمليني يابدارة؟اجهشت بالبكاء فضمها إليه فقالت:أول مرة تنادي باسمي.فأخذ يردد:-سامحيني، سامحيني يابنت الأصول!فتمددا سويا جنبا إلى جنبا وهو يحتضنها ويبكيان قلبيهما اللذان استحوذ عليهما عشق لاسلطان لهما عليه.انتصف النهار الرمادي فاستقبل الحج (عسران) الشيخ (وهدان )في بيته، فجلس الشيخ بالمندرة كما يطلقون عليها وأخذ يقرأ الرقية الشرعية بصوت مرتفع يملأ البيت بكله، وقتذاك كانت( ثريا )تبحث عن( مهران )الذي لم تجده في غرفته التي كان يقيم فيها بعيدا عن( بدارة )، اتجهت نحو غرفة (بدارة) وفتحت الباب دون أن تستأذن وهي تقول:لسه نايمة ياضنايا؟فعادت لتغلق الباب بسرعة بعد أن تململا مكانها على صوتها فابتسمت وهي تردد:-الحمد لله شكله عجل وعينه منيها.أما (مهران) و(بدارة) فاستفاقا وجها لوجها لم يتحركا بل واصلا في التحديق ببعضهما فقال:صباح الخير ياست البنات.فقالت:ماعايزاشي أكون حبيبتك، يكفيني نكون صحاب أنا وإنت ومتخابيش عليا حاجة، نجدر نكونوا اكداه؟فابتسم وقال:وه، وانا أطول أبجى صديج جمر زييكي.فقفزت جالسة وضحكتها تزين وجهها وقالت:.شايفني جمر صوح ياسي مهران، حتى بعد ماشعري ابيّض.فقال وهو يقبلها على جبينها:الشعر الأبيض نورك وزادك زين ياست البنات.ابتسمت بخجل فاستقام مغادرا فالحقت به مهرولة وامسكت بيده وقالت برجاء:مش عايزة نبجى كيف الغرب كل حد منينا فى أوضة ابجى معايا والنبي.فأومأ برأسه وهو يربت على خدها وما ان فتح الباب حتى وجد والدته تقف خلفه فطالعها وهو يرفع حاجبه وألقى عليها تحية الصباح فقالت مرتبكة:.أبوك الحاج تحت مع الشيخ وهدان ورايدكم تنزلوا كلياتكم لتحت، وانتي كومان يابتي اتستري وانزلي.انصرفت( ثريا )فضحك( مهران) على تصرفها وهو يضرب كفا على كف.حالة الضياع التي وصلت إليها( نوار )كانت تنعكس على تصرفاتها ومزاجها حتى أن( زبيدة )لاحظت تغيرها وطبعها الذي بدأ يميل إلى الحدة فكانت كلما تحاول التودد إليها تعنفها (نوار) وتخرج من البيت إلى الحقل الكبير تتجول قليلا على أمل لقاء( راجي) صدفة، هناك شيء قوي بداخلها يجعلها تصدق أنه تخلى عنها بعد ماحدث بينهما وقد أدركت كم كانت غبية حين وثقت في شخص لا تعرف عنه سوى إسمه فتجلس تدس وجهها داخل وشاحها وتبكي حتى تحمر وجنتاها وترتفع حرارتها فيتقلص شعورها ببرودة الجو التي تلفح وجهها ثم تعود أدراجها إلى بيتها وتنكمش داخل سريرها مكتئبة قليلة الكلام، قليلة النوم قليلة الأكل حتى ظهر عليها شحوب المرض، انقضى أكثر من أسبوع على حالها ذاك فلم تستطع( زبيدة )أن تسكت عنها فاقتربت منها وكانت (نوار) لاتزال قابعة في فراشها وقالت:.حالك مش عجبني يانوار، فيكي إيه يابتي؟فردت (نوار) باقتضاب:زين ياماي ماتجلجيش عليا.أمسكت (زبيدة )بيد ابنتها وقالت:كيف ماجلجش وانتي لابجيتي تاكلي ولا تتحدتي ولا تروحي لبيت خالك كيف سابج، لتكونيش مكسورة من جوازة مهران من بت الجبايلة؟ شوفي يمي...قاطعتها( نوار )قائلة وهي تستقيم وقد تناولت معطفها وشالها الوثير:.ماهمنيش في مهران ولا بدارة، يتهنوا ببعضيهم أنا مخنوجة من كل حاجة، حاسة الدوار كله طابج على نفسي، همليني ياماي الله يباركلك.وهمت خارجة فاستوقفتها (زبيدة )متسائلة:على فين العزم يابت عباس؟التفتت نحوها نوار وابتسمت نصف ابتسامة وقالت:على جدري.غادرت( نوار )و(زبيدة) تحدق في طيفها ثم وضعت خمارها على رأسها وشدت معطفها وهي تردد:.منا لازمن أعرف جرارك يابت عباس كنه وراكي موال ولازمن أعرفه، أما نشوف الخنجة دي من ايه عاد.كانت (نوار) تسير في طريقها إلى الكوخ الذي أخذها إليه( راجي) تلك الليلة و(زبيدة) في أثرها وحين اقتربت انتفضت إثر يد تسحبها فوجدته( راجي) فدفعته بكلتا يديها بقوة وهي تقول:عملت فيا اللي عملتو وهملتني ياخاطي وانا اللي عشجتك وأمنلتك، حرام عليك عملتك إيه أنى؟مسك معصميها بقوة ثم جرها نحو الكوخ بينما كانت (زبيدة) مذهولة مما رأته فضربت على صدرها عدة مرات وهي تردد:-راجي، مع بتي! ولد عوالي.ثم لحقت بهما بسرعة نحو ذاك الكوخ ووقفت تتلصص عليهما من فتحة النافذة المكسورة.كان( راجي) يحتضن( نوار) بقوة وهي تقاومه وتبكي وتردد:وخر عني، ماعدشي تجرب مني، كرهانتك وروحي مش مسامحاك لو عملت ايه..فقال:.أنا مهملتكيش ياجطعة من جلبي، يمين الله ماهملتك، كنت بموت وأنا بعيد عنك كنت مجبور أسافر ومالحجتش أجولك كنت فاكر هعاود بسرعة بس الموضوع طول، وهيه رجعتي من اهناك جيت فز عنديكي.فقالت وقد توقفت عن مقاومته:مسافر فين؟، كيف ماجدرتش تجولي، ماأنا كنت راجدة جنبيك، انت هملتني مش فاهمة حاجة كيف البت اللي مش زينة، جضيت معاها وجت وسيبتها موطرحها ومشيت، تفهمني ايه برجعتك؟فقال وهو يحتضن وجهها:.إنتي بجيتي مرتي يانوار، ملكي، مني، حد يفرط في حاجته يابت الناس؟! أنا ماحلتيش غير المخروبة دي ودي مش من مجامك، أنا رايد أجيبلك بيت كيف البنات، عندنا أرض كنا بنسترزج منها أنا وأمي الله يرحمها وبعد ما ماتت هملتها ولما لجيتك جلت بجى ليها عازة، رحت بعتها وجبت فلوسها..أخرج من جيبه كيسا به ملغا كبيرا من المال ووضعه بين يديها وأردف:.لجيت بيتين للبيع عنروح انا وانتي واختاري اللي يعجبك وعتفرشيه كيف مايعجبك هيبجى مملكتك وانتي ملكتي، يابوووي.فعانقته وهي تقول:وحشتني ياراجي كنت هموت من غيرك ماتعملشي فيا اكده تاني.بينما (زبيدة )مذهولة تراقبهما كانا لايشعران بشيء آخر غير الحب الذي يلهب قلبيهما، كان (راجي) يحب( نوار) كثيرا أو بالأحرى مسحورا بها بينما هي تحبه بصدق وقد رمت بكل الاعتبارات عرض الحائط في سبيل حبها.عادت( زبيدة) إلى دارها بخطى متثاقلة وقلبها يخفق بسرعة كأنها تركض هربا من أفكارها جلست على الأرض تلطم رأسها وتردد:- يافضيحتك يازبيدة، يافضيحتك بين الخلج.بقيت على حالها تولول و تلعن( نوار )لبعض الوقت ثم استجمعت نفسها وخرجت قاصدة بيت( عوالي) والشياطين تتقافز حولها وصلت إلى هناك وقرعت الباب بقوة ففتح لها ( راجي) وهو يقول:حيلك ياللي بتخبط ماحناش بجفى الباب.وما ان فتح حتى انقضت عليه تمسك بعنقه وهي تقول بينما يحاول تخليص نفسه من بين يديها:مالجيتشي فى عرض البلد كولاتها غير بتي ياكلب تلعب بيها هجتلك وأبرد ناري.قال من بين أنفاسه:وخري ياولية عتموتيني!قالت بغضب:الموت جليل فيك ياجليل المُروة، فاكر بعد عملتك السودا هتنفد مني اياك.ظهرت( عوالي) على صوتهما وهي تهرول فحاولت دفع (زبيدة) القابضة على رقبة (راجي) الذي احمر وجهه وبدأ في الاختناق، نجحت في ابعادها عنه فانحنى يلتقط أنفاسه وهو يسعل، استدارت نحو (زبيدة )وصفعتها بقوة وهي تقول:جنيتي ياحرمة جاية داري ومتهجمة على ولدي كيف البومة جرا لمخك حاجة ولا إيه؟اشارت (زبيدة) إلى (راجي) وهي تقول:.اسألي ولدك عمل ايه في بتي، ولدك داس على شرف بتي ياست عوالي بجى دي آخرتها، انا وبتي عملنالكم ايه عشان تأذونا..وزعت( عوالي) نظرها بين( زبيدة وراجي) وقالت بعدم استيعاب:-بتك نوار؟، مع ولدي؟ مع راجي؟بتخرفي وعتجولى إيه ياحرمة، ماتنطج ياراجي، المرة دي بتجول ايه فى يومك المطين انت وهي.وقف( راجي) يلهث ويستند بيده على الحائط وقال:.أنا بعشج نوار وهي بجت مرتي ولو رايدة فرح هعملها إنما أسيبها ماتحلميشي، نوار ملكي محدش يجدر ياخدها مني..صفعته والدته بقوة وهي تقول:-مرتك كيف يازفت الطين؟ عملت في البت إيه ياناجص؟ليقول بغضب:أنا دخلت عليها عشان بحبها مش عشان العب بيها كيف مابتجولو وعتجوزها محدش ياجدر يمنعني..هم ليخرج فأمسكت به كل من هما من ذراع ودفعاه للخلف حتى ارتطم بالجدار، رفعت (عوالي) يدها لتبعد (زبيدة ) والتفتت نحوه قائلة:.عتتجوزها كيف، كنك نسيت إنت إيه، تحب أفكرك ياراجي بيه!قال(راجى)بقوة:أنا كنت كيف سابج بسببك إنتي، وبسبب النسوان اللي كيف العجربة دي ماعيحبوش غير الشر، حب نوار خلاني أفتح عيني على الحجيجة، من النهاردة ماليش صالح بيكم ولا بشغلاناتكم ومحدش يجرب مني ومن نوار هنبعد من اهنا، هنبعد عن شركم.فقالت (زبيدة )بغضب:نجوم السما أجربلك من بتي ياناجص.فقال مهددا:.جربوا اكده اوجفوا جصادي وعفضحكم جدام خلج ربنا واجول للعمدة على كل حاجة بتعملوهاهو اكداه ياموت وخراب ديار، يانوار.تركهما مذهولتان وخرج غاضبا لايرى أمامه، جلست (زبيدة) على الكرسي وهي تضع كلتا يديها على راسها قائلة:هتك عرض بتي، ولدك مرمغ راسي في الوحل.ثم انتفضت فجأة واقتربت من (عوالي) قائلة:لتكوني عملتي عمل لبتي عشان تحب ولدك، يمين بالله لو عملتيها لجتلك واحرج عفاريتك جواتك.دفعتها( عوالي) لتجلس وقالت:طول عمري بجول عليكي هبلة، اعمل ببتك ايه عاد، اسمعيني زين احبسي بتك او هربيها من اهنا ماليش صالح المهم اخفيها لو عرفوا اهل البلد اللي بنعملوا هيجتلونا لازمن نتصرف جوام.فقالت (زبيدة)وهي تلطم:وينفعني بايه تهريبها، ولدك بيجول مرتي يعني بتي ماعدتشي تنفع حد ياختيييي.قالت(عوالى)بنفاذ صبر:.وجفي ولولة يابعيدة واسمعيني، ماتخافيش هنرجعها صاغ سليم كيف لول، اعرف داية زينة كنت ببعت ليها البنات المتنيلات ترجعهم كيف سابج وبيتشكروا فيها جوي، مش عنغلب المهم اخفيها والباجي عندي.فقالت (زبيدة ):ماتعمليلو عمل تصرفيه عنها.قالت بحسرة:ماجدرش، متحصن مني لانه ولدي عملي ماعينفعش معاه.خرجت (زبيدة )تجر قدماها الواهنتان إلى دارها بقلة حيلة وحين وصلت وجدت( نوار) تقف في المطبخ تعد العشاء فجلست تطالعها بينما الأخرى منهمكة في حشو الحمامتين بين يديها فالتفتت وقد انتبهت إلى وجود والدتها فقالت:إنتي جيتي ياأماي، جلت اعمل حمام محشي جيه على بالي.قالت( زبيدة) وهي تستقيم:شايفة رجعت فيك الروح وبجيتي مروجة على الاخر.قالت:الحمد لله ياماي بجيت زينة.فأردفت( زبيدة):.لمن شفتك متضايجة جلت أبعتك لعمتك فى الاجصر تروحي تغيري جو كلمتها وهي مستنياكي هكلم خالك يخلي كامل يوصلك.تركت( نوار )مابيدها واقتربت من امها ممتعضة وقالت:لاه مارايداش اروح لعمتي، جوزها دمه تاجيل ومالياش صحبة مع بناتها، لاه ماريحاشي موكان انا بجيت زينه اهه.حدجتها بنظرات غاضبة ثم قالت:جصري يابت عباس جولتلك عتسافري مابعدشي تاني، مات الحديت وياكي، اجهزي.غادرت (زبيدة) متجهة نحو بيت أخيها تاركة( نوار) واقفة مكانها كأن على راسها الطير لاتستوعب ماطلبته والدتها توا.كما توقع الشيخ (وهدان) مع أول تلاوته ظهرت علامات السحر على أهل البيت فتوقف عن التلاوة والتفت نحو الحاج (عسران) وقال:اتوقعت اكده، السحر صايب أهل بيتك كلاتهم ياحاج عسران.فقال (عسران):لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، والعمل ياشيخنا؟فقال الشيخ وعلى وجهه ابتسامة بشوشة:القرب من ربنا ياحاج عسران، بس لازمن تعزلوا من البيت فترة عشان لازمن يترقي وانتم كمان.وأردف:.تعرف ياحاج عسران! عشانك وأهل بيتك مواضبين على الصلاة والذكر كان خفيف عليكم،شفتوا رحمة ربنا بعبده الجريب منه؟ عشان اكدا بجولكم خليكم جريبين من ربنا وداوموا ع الذكر والتلاوة وشغلوا سورة البقرة دايما..سورة البقرة فيها إعداز وشفى ماوصلوش العلم ولا الطب لو شغلتوها يوم هتطرد الشياطين لتلات ايام بحالهم، صلوا على النبي كومان، صلوا عليه صلاة تنفرج بها الكرب وتنحل بها العقد عليه افضل الصلاه والسلام..ههملكم دلوك ولمن تعزلوا ارجع أرجي البيت أنا أو الشيخ عبد الرحمن وانتم خليكم على الرجية الشرعية، ربنا يرفع عنكم ابتلاءه، السلام عليكم.خرج الشيخ بعد أن ودعه الجميع رفقة( كامل) ليوصله إلى المسجد بينما جلس الحاج( عسران) مثقلا بالهم حامدا شاكرا على قضاء الله في أمره ثم قال:نعزل نروح فين والدنيا ساجعة اكدة؟فقال( مهران):.نروح المدينة يابوي، نروح بيتنا اللي جنب الاوتيل واكده نكون جريبين على شغلنا اللى هملناه بجالنا شهر.فقال الحاج( عسران) يخاطب زوجته:إيه جولك ياحاجة؟فقالت( ثريا ):الجول جولك ياحاج انا يهمني تبجو كلاتكم بخير وصحه وسلامه اهنا ولا اهناك مافرجاشي دامنا متجمعين.فقال الحج (عسران) وهو يقف:.على بركة الله، البيت اللي اهناك مفروش وجاهز عنروح المسا، جهزوا لبسكم وكافي اللي نعوزه نجيبه من اهناك، وباذن الله ماعنجعدشي اهناك كتير ونعاود دارنا.وقتذاك دخلت (زبيدة) فقال (عسران):بت حلال يازبيدة جيتي فى وجتك، هنعزلوا لبيت المدينة جهزي نفسك عنطلعوا المسا ماتكتريش اغراض اللي تعوزيه نجبهولك من اهناك.هزت( زبيدة )رأسها وقد اكتسحتها برودة جعلتها كتلة متجمدة بدون روح.
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشرإتسعت عينا(راجى)وهو يقول بصدمة:-عتجولى إيه ياأما؟!قالت(عوالى)بحنق:-كيف ماسمعت ياحزين، العمدة وعيلته هملوا البلد وسافروا.قال(راجى):-ونوار صالحها إيه بالكلام ده عاد؟!طالعته بغضب قائلة بنفاذ صبر:-وهي المدعوجة دى مش من عيلته إياك؟!ماتفوج ياغراب البين انت، شكلك إتجنيت وهتدوخنى معاك.لم يستمع إلى باقى كلماتها وهو يهرول من أمامها مغادرا الحجرة ثم الكوخ بأكمله بينما (عوالى)تلاحقه منادية بإسمه، حتى اختفى من أمامها، لتقف أمام الكوخ تلعن وتسب عائلة هوارة بأكملها، تلك العائلة التى سلبتها قلبها وشرفها وحياتها بالماضى وها هي تعيد الكرة مع ولدها الوحيد فتسلبه قلبه وعقله ولكن صبرا، هي لم تبع روحها للشيطان من أجل أن تنتصر تلك العائلة مجددا عليها، بل باعتها من أجل النصر، والنصر وحده من ستجنيه.لتفتح كيسها الذى تحيطه حول خصرها، وتمسك ذلك الخاتم الفضي، ترفعه أمام ناظريها وتطالعه بعينين تلمعان شرا.كان يهرول مابين قصر العمدة المغلق وبين بيتها، هذا الذى بدا مهجورا تماما من السكان بدوره، تتأكد لديه كلمات والدته، لقد رحلت (نوار)، رحلت وتركته وحيدا، يشتاق إليها كإشتياقه لقطرة ماء فى صحراء قاحلة، يتوق إليها كما تتوق روحه للراحة، فقد أنهكته تلك الدنيا ومزقت روحه إلى أشلاء كانت تجمعها هي بنظرة واحدة، بكلمة واحدة و، بلمسة واحدة.مشي بخطوات بطيئة منكسرة بإتجاه النهر، هذا المكان الذى يقصده دوما ليريح روحه بعد كل مهمة تطلبها منه والدته فترهق تلك الروح شرا، كان يرتاح حين يتطلع إلى النهر فيشعر به يغسل تلك الروح بماءه العذب فيزيل ذلك الدنس الذى انغمس فيه طويلا.جلس على ضفته، يمسك بعض حبات الرمل بين يده بقوة فتتسلل منها هاربة تماما، كعشقه الذى تسلل منه بعيدا..يتساءل بألم، هل كان هو السبب فى هذا الفراق؟ربما الحب كتلك الرمال حقا إن أقفل عليه أصابعه برفق ظل باليد ساكنا وإن ضغطه بقوة هرب من بين يده متسللا...لا، لم تكن (نوار)لتهرب منه، يثق بها وبحبها له، هي مجبرة لاريب، ليته يعرف مكانها فيعيدها إليه، إلى حضنه المشتاق لها حد الجنون، رفع يده إلى صدره يتحسس موضع قلبه الذى يإن ألما، يغمض عينيه وهو يستعيد تلك اللحظات التى جاست فيها أصابع محبوبته فوق صدره فأشعلت فيه لهيبا لم يطفئه سوى أنفاسها التى إمتزجت بأنفاسه، أخذ نفسا عميقا يحاول به إسترجاع ماتبقى من أنفاسها العالقة فى رئتيه، شعر بالجنون حقا، ادرك أن غيابها سيكون هلاكه فغيابها، جرح لا يكف عن النزيف.تسلل إليه صوت ناي قريب وصوت عذب يشدو بأغنية ريفية تغلغلت كلماتها بصدره فأسند جانبه إلى تلك الشجرة الصغيرة بجواره ومال برأسه عليها يغمض عينيه ويدع تلك الكلمات تعبر عن شعوره بتلك اللحظة.ياتمر حنة ياتمر حنة خليتي بينا وبعدتي عناالورد كله كسا الجانين واشمعنى انتي اللي شاردة مناياتمر حنة ياتمر حنةبالليل بنسأل وبالنهار علشان نبلغ شوق الاحبةوطال عليهم الانتظار وما فيش فى قلبك ريحة المحبة.كنت شمعتنا كنت نور بيتنا كنت سامرنا وانفض سامرناالورد كله كسا الجانين واشمعنى انتي اللي شاردة مناياتمر حنة ياتمر حنةسألت عنك فى كل ناحية ما حد طمن قلبى عليكيوقالوا ماتت وقالوا صاحية وياما قالوا وعادوا فيكيكنت شمعتنا كنت نور بيتنا كنت سامرنا وانفض سامرناالورد كله كسا الجانين واشمعنى انتي اللي شاردة مناياتمر حنة ياتمر حنة.نهض (مروان)وهو يضع منشفته على طاولة الطعام قائلا:-أنى هجوم أروح الفندج وأشوف أخبار الشغل إيه ياأبوي، معاوزش منى حاجة؟!قال(عسران):-عاوز سلامتك ياولدى.قالت(راوية):-إستنى يااخوي، أنى عاوزة آجى معاك، بعد إذن أبويا الحاج طبعا.تطلع (مهران)إلى والده ينتظر قراره، عقد(عسران) حاجبيه وكاد ان يرفض ولكن (ثريا)أسرعت تميل عليه قائلة بهمس:.-سيبها ياابو مهران تروح مع خيها، أهى تفك عن نفسها هبابة، البت من يوم ماخيتها إتجوزت وسابتها وهي حاسة بالوحدة، وجاعدة تزوى كنها عتموت.قال(عسران) بحنق:-واه، بعيد الشر ياولية، عتفولى ع البت ليه عاد.قالت(ثريا):-مجصديش ياحاج، أنى بس خايفة عليها ورايدالها الخير والله.هز رأسه بهدوء ثم قال ل(مهران):-خد خيتك معاك يامهران وخلى بالك منيها.قال (مهران):-حاضر ياابوي.قالت(بدارة)بتردد:.-هو أنى ممكن آجى وياكم ياسى مهران ولا عتجل عليك؟إبتسم (مهران)قائلا:-جومى يابدارة تعالى ويانا، الفندج النهاردة هيزيد شرف لما زينة بنات هوارة يزوروه.اتسعت عيناها بسعادة ودق قلبها بقوة وهو ينسبها إليها ويصلها به، لتنهض بسرعة كي تغادر معهم، فقال (عسران)موجها حديثه ل(نوار):-ماتجومى يابتى روحى وياهم.هزت (نوار)رأسها قائلة:-لع ياخال، انى كدة منيحة.غادر الجميع بينما مالت (زبيدة)على إبنتها قائلة بهمس:.-ماتجومى يابتى تروحى وياهم انتى كمانى وتغايرى جو.قالت(نوار)بهمس بارد:-مش رايدة أروح وياهم، خليكى فى حالك يااما وسيبينى فى حالى الله يرضى عنيكى بدل ماأحرجلكم نفسى وأخلص من حياتى اللى ملهاش عازة دى واصل.ثم نهضت مغادرة الطاولة دون كلمة وسط دهشة (عسران)وإستنكار (زبيدة)، لتقول(ثريا)بحيرة:-مالها بتك يازبيدة؟!قالت (زبيدة )بإضطراب:.-ملهاش ياثريا، بطنها عتوجعها هبابة، كنها خدت برد من المكيف، بعد شوية عخدلها حبة نعناع يريحوها.هزت (ثريا)رأسها قائلة:-ربنا يشفيها ويجومهالك بالسلامة يازبيدة.هزت (زبيدة)رأسها بينما تقول لنفسها:-مش مهمة السلامة ياثريا، المهم الستر، يارب إستر بتى ومتفضحنيش بيها كيف مافضحنى أبوها جبليها، أنى تعبت يارب، تعبت.تأملت هذا المشهد الجميل لهذا النيل العريق وتلك الأشجار الصغيرة على ضفتيه، تميل عليه وكأنها تحتضنه وتضمه بين أذرعها بتوق، تأملت أيضا تلك المراكب الرقيقة التى تغدو ذهابا وإيابا به، يقف على متنها أناس طيبون، البعض منهم يلوح كثيرا لسكان الفندق، يشعرونك بالقرب، وكأنك لم تكن يوما غريبا، وكأنك أحدهم منذ ان وطأت قدمك أرضهم.وبقدر ماأدفئها جو وطنها المختلف كثيرا عن هذا الذى نشأت به، بقدر ماأدفأها أهله وبشاشة وجوههم ورقة تعاملهم معها، وكأنها عادت لتكون معه مجددا، (مهران)، وطنها الأول، من منحها دفئا يعادل هذا الدفء الذى تشعر به الآن.حنين وتوق غمرا مشاعرها وذكراه تمر بخاطرها، تشتاق إليه بقوة، تتلهف لرؤيته، تشتاق لسماع صوته، هو وحده لا غير...صورته محفورة بين جفونها، فقط تغمض عيونها فتراه وتشعر بيديه تحتضن يديها بحب، غيابه مرهق لروحها التى تتعذب من الفراق ولكنه فراق لأجله هو، تخشى عليه بطش أهلها وتتحمل من أجل سلامته ألمها، فغيابه جرح عميق، لايكف عن النزيف.تنهدت بصمت، تنفض أفكارها الحزينة بعيدا، وهي تودع بناظريها مشهدا لطالما أراح نفسها منذ جاءت إلى أسوان، راحة جعلتها تؤجل هذا اللقاء بعائلتها التى أتت من أجلها، جدها وأخوالها، من كانوا السبب فى غربة والديها وابتعادهما عن وطن عزيز كهذا الوطن، تخشى أن يكونوا مايزالون على صلفهم وكبرهم، تخشى بطشهم ولكن يبقى الأمل فى أنهم سيصيرون لها السند الذى تحتاجه، وإن لم يصبحوا فلا تعلم لمن ستلجأ وبمن ستستجير؟ وليس لها أحد هنا، سواهم.نفضت مخاوفها ودلفت من الشرفة لحجرتها، تحمل حقيبتها وتتجه إلى الأسفل بخطوات حازمة تبغى أن تدفع فاتورتها ثم تتجه لأهلها، وتواجه قدرها.دلف (راجى)بخطوات يجرها جرا، ليجد والدته تلملم بعض الأشياء فى حقيبة، تجاهلها وكاد أن يغادر مجددا هذا الكوخ، حين شعرت به فإستدارت تناديه قائلة بسخرية:-انت عاودت يازينة الرجال، إتوكدت من كلامى ياحزين؟زفر (راجى)قائلا بنفاذ صبر:-واه ياأما عاد، أنى مناجصش تجطيم، الله يرضى عنيكى سيبينى فى حالى دلوك.تركت (عوالى)ما تمسكه بيديها وهي تتقدم منه بخطوات غاضبة وتمسكه من تلابيبه قائلة:.-إتكلم معايا زين ياإبن عوالى وإلا...نفض ذراعيها عنه قائلا بغضب ساخر:-وإلا إيه ياأما، هتسخطينى جرد إياك ولا هتعمليلى عمل وتخلينى كيف المجانين.ليضرب صدره وهو يردف قائلا بمرارة:.-أنى جدامك أهه، مش محتاج عمل عشان أصير مجنون، غيابها جننى وفراجها بيجتلنى ياأما، الخوف بينخر جوة جلبى، خايف يكونوا خادوها البندر عشان يكتلوها، يمين ربنا لو اللى عفكر فيه طلع صوح ماعسيب حدا فيهم عايش، هكتلهم كلياتهم وبعدين عموت نفسى.إتسعت عينا (عوالى)بصدمة قائلة:-شكلك جنيت صوح ياحزين وعتغفلجها ع الكل.قال بمرارة:-إيوة جنيت، جنيت ياأما ومعيرجعش العجل جواة راسى غير رجوعها لية.مال على يدها يقبلها قائلا:-أحب على يدك ياأما ترجعيهالى، رجعيهالى وأنى أبجى خدام تحت مداسك.نفضته بعيدا قائلة بغضب:.-فوج ياحزين، متخليش العشج يضعفك، العشج موارهوش غير الحزن والجلم، موارهوش غير الخراب وإسألنى آنى، عشجت زمان، حبيته من كل جلبى ومكنتش رايدة فى الدنيا دى غيره، باعنى عشان العادات والتجاليد، باعنى عشان ينول رضا أهله، ونوار عتبيعك عشان خاطر أهلها وحتى لو إتمسكت بيك عسران عيموتك ولا تتجوز بت أخته، ماهو مش ممكن يجوز هوارية لجربوع زييك.قال(راجى)بعذاب:.-يبجى تموتينى الحين وتريحينى ياأما، خلصينى من اللى أنى فيه، أنى مش جادر أتحمل غيابها، بجت إدمان عيسرى فى دمى وبعدها بيجتلنى بالبطيئ، أنى...لطمة على وجنته أخرسته تماما وهو يتطلع بصدمة إلى والدته التى لطمته بغضب، قائلة بصوت كالفحيح:.-إسمعنى منيح ياإبن عوالى، أنى ميطلعش من رحمي راجل ضعيف عينوح ويبكى كيف النسوان، جوى جلبك ودوس عليه لأجل نجدر على اللى جاي، لإنى مش هجدر عليه لوحدى، وبحذرك من دلوجتى، لو لجيتك عتبكى كيف الولايا يبجى أحسنلى أجتلك بيدى وأدفنك بأرضك وأيأن إنى مخالفتش واصل.طالعها بألم لتردف قائلة بصوت حمل ألم الماضى وغضب الحاضر ممتزجين:.-أنى ربيتك عشان تساعدنى فى إنتجامى منيهم، مش عشان تضعفنى وتوطى راسي ليهم ياإبن بطنى، أنى ربيتك عشان تكون لى سند ياخدلى حقى من اللى إستباح شرفى وفى الآخر رمانى كيف مابيرمى أي حاجة ملهاش عازة عنديه، رمانى وفى بطنى جطعة منيه، ولد معرفاش هربيه كيف وإزاي، أنى خلفتك و ربيتك عشان تاخد معايا بتارى من اللى هملنا وراح إتجوز حدا من دمه، حدا يليج بيه وبمستواه ونسانا كيف ماكنا ولا شي بالنسبة ليه، بس وحياة جصقجوصي الطاهر ده لعخليه يندم على عملته السودا معانا، وحياة جصجوصى الطاهر ده لعخليه يحب على يدى ويجولى حجى برجبتي ياعوالى، سامحينى الله يرضى عنيكى وبردك مش هسامحه ولا عرحمه.كان يستمع إليها بصدمة، لقد أخبرته بأن والده مات قبل ان يولد وها هو يكتشف انه حي يرزق، تبغى منه (عوالى)إنتقاما يبرد نارها، إكتشف أن والده حي يرزق وهو يعيش يتيما دونه، والأدهى خشيته من هوية هذا الأب الناكر لأبوته، هل هو من يظنه حقا وتشير إليه كلمات والدته، ليسألها مباشرة بعيون إلتمع فيها الخوف:-جصدك مين ياأما؟أبويا يبجى مين؟طالعته مباشرة وهي تقول بحقد:-أبوك يبجى عسران، عسران الهوارى ياحزين.لتتسع عيناه، بصدمة.كان يجلس فى مكتب مدير الفندق حين جاءه إتصال هاتفي من عاملة الإستقبال تخبره فيه عن مشكلة تخص نزيل وتسأله إن كان يرغب فى التصرف فيها بنفسه كما أخبرها فى الصباح، أغلق الهاتف وهو ينهض ناظرا بإتجاه زوجته واخته قائلا بلطف:-إستنونى إهنه، عروح أشوف المشكل ده وأعاود عشان آخدكم فى جولة أفرجكم على الفندج، هيعجبكم جوى.قالت (بدارة)بعيون ولهة:-متتأخرش علينا ياسى مهران.هز رأسه بإبتسامة باهتة وهو يغادر قبل أن تلكزها (راوية)قائلة:-ماتتجلى يابدارة هبابة، ده انتى ناجص تجوليله خدنى معاك يااخوي أصلى مجادراش اجعد دجيجة بلاك.قالت(بدارة):-واه وفيها إيه دى؟مش جوزى إياك؟!هزت (راوية)رأسها بيأس، بينما كان (مروان)يتجه إلى الردهة حين وقف متجمدا حين رأى أحد الفتيات تغادر باب الفندق...تشبهها بقوة..تكاد تكون هي...ترى هل يتوهم؟هل تخدعه عيناه؟بالتأكيد هي أحلامه...فمن المستحيل أن تكون هنا، فى فندقه...شذاه التى لم يتمنى أحدا سواها...ترى هل هي هنا حقا؟!كان لابد وأن يتأكد، سار بخطوات سريعة يحاول اللحاق بها ولكن حين وصل إلى مكانها كانت قد إختفت تماما وكأنها لم تكن أبدا، تنهد بقوة..ربما هي حقا أوهامه..فوجودها فى مصر...بل فى موطنه أسوان وفندقه بالذات...أمر مستحيل تماما.عاد أدراجه إلى موظفة الإستقبال ليرى مشكلة ذلك النزيل، فجأة وجد نفسه يسأل تلك الموظفة عما إن كان هناك حجز بإسم شذا، فأخبرته بعدم وجود نزيلة تدعى شذا فى هذا الفندق على الإطلاق، أومأ برأسه بهدوء فإنطلقت تخبره عن مشكلة النزيل وهو يستمع إليها، بشرود.كانت تخرج من الحمام حين إنتفضت على صوت (محمد)وهو يقول:-عتعملى إيه يازهرتي؟تركت تلك المنشفة التى تجفف بها شعرها لتقع أرضا وهي تضم تلك المنشفة الأخرى والتى تلف بها جسدها بالكامل بتوتر خجول قائلة:-أنى، أنى كنت بتسبح.إقترب منها يقول بلهجة لعوب:-ومنادمتيش علي ليه كنت إتسبحت وياكى.أطرقت برأسها على الفور بخجل قائلة:-إتحشم ياسى محمد، أنى جلتلك عتكسف.إبتسم بحب قبل ان يميل ويتناول تلك المنشفة التى وقعت أرضا، ثم يستقيم ساحبا (زهرة)من ذراعها برفق يجلسها على هذا الكرسي المقابل للمرآة قائلا:-أول مرة أشوف مرة بتنكسف من جوزها، الظاهر إنك هتتعبينى وياكى يازهرتي.تأملته فى المرآة بعيون تلمع بالعشق وهو يجفف لها شعرها بالمنشفة بحنان، حانت منه نظرة إلى المرآة فإلتقط نظراتها العاشقة ليدع المنشفة جانبا، يدير الكرسي لتصبح بمواجهته ثم يجلس على ركبتيه، يمسك يديها بين يديه قائلا:-عتلعبى بالنار يازهرة، مظهرك إكده عيولع فى جلبى شرار الحب واللى معيطفيهاش غير جربك.ليرفع إحدى يديه ويمسك خصلاتها الندية يلفها حول أصابعه مردفا:.-عيخلينى ضعيف كدامك كيف الريشة، اللى عيطيرها نسيمك..ليرفع كفها إلى ثغره يقبل باطنه بنعومة قبل ان يتطلع إلى عينيها قائلا:-ولمن بتبصيلي بعيونك الحلوين دول عتخليني انسى الناس والخلج اللى جايين تحت عشان يباركولنا دول وأجعد إهنه، حدك ومعاكى وحدك للصبح.ضمت يده بيدها وهي تقول بهمس عاشق:.-وأنى مرايداش غيرك انت، معيهمنيش الخلج كلاتهم طول ماانت جنبى يامحمد، كلامك وحبك عيطيروا جلبى من السعادة اللى عمرى ماشفتها ولا حسيت بيها غير من يوم مادخلت دارك وبجيت حدك وجارك ياسيد الناس.قال(محمد):-واه ياابوي، كنه العشج ده احلى حاجة بالدنيا، عيحلى كل لحظة ودجيجة فى حياتنا، ياريتنى عشجتك من زمان يازهرتي.إبتسمت بخجل فأردف قائلا:.-انى بجول إن مفيهاش حاجة لو وخرنا شوية ع الخلج اللى جاعدين فى المندرة تحت، ماهو أبوي وخواتى وفضيلة معاهم، مش إكده؟اطرقت برأسها خجلا فإكتفى بها إجابة ليجتاحها بعشقه، ينعمان بسعادة لطالما حلما بها.دلفت (زبيدة)إلى حجرة (نوار)تبغى تعنيفها على فعلتها فى هذا الصباح وإثارة فضول خالها وزوجته تجاهها، ولكنها لم تجدها فى الحجرة، بحثت عنها فى الشرفة فلم تجدها أيضا، شعرت بالقلق، فأسرعت تجاه خزانتها تتفحصها، لتتسع عيناها برعب وهي تراها خالية، لتدرك أن إبنتها هربت عائدة لبلدتهم وتركتها لتواجه أخاها وحدها، لا تدرى كيف تفسر له غياب إبنتها وعودتها إلى كفر هوارة، دون إذنه.دلفت (فدوى)إلى هذا القصر الكبير تتأمل جنباته برهبة، فهذا القصر ضم يوما بين أركانه والدتها، ثم لفظها منه دون شفقة، وها هي تعود إليه بعد وفاتها، تبغى أمانا لم تناله والدتها، أي حماقة جعلتها تحضر إلى هذا المكان؟إستدارت تعود من حيث اتت، حين إستوقفها صوت سيدة تقول بقلق:-حضرتك مين وعاوزة إيه؟إلتفتت (فدوى )لتواجه محدثتها فوجدتها سيدة قروية جميلة فى اواخر العشرينات بحد اقصى تتطلع إليها بنظرة شملتها كلها من منبت شعرها حتى قدميها، لتبتلع (فدوى)ريقها وهي تقول بتردد:-مش ده بيت عيلة الجبالى؟!قالت السيدة:-إيوة وانى أبجى فضيلة مرت إبنهم الكبير عزام الجبالى.إتسعت عينا (فدوى)بصدمة قائلة:-انتى تبقى مرات جدى.طالعتها (فضيلة)بإستنكار وكأنها قد نبت لها قرنين وهي تقول:.-جدك إيه يامرة يامخبولة إنتى؟شايفاني كد جدتك إياك؟!قالت(فدوى)بأسف:-معلش سامحينى، انا مقصدش والله، هتفهمينى لما تعرفى إسمى، انا إسمى فدوى، فدوى حافظ الهوارى بنت حسنة عزام الجبالى.صوت إرتطام شيئ بالأرض جعلها تستدير بسرعة لترى رجلا متقدما بالسن يقف مستندا إلى شاب بعد ان وقع عكازه أرضا، يطالعانها سويا بصدمة، قبل ان يقول العجوز بصوت متقطع النبرات:-انتى تبجى بت حسنة خيتي صوح؟طالعته بإضطراب، تدرك ان هذا خالها فإكتفت بإيماءة من رأسها، ليقول هو بوهن:-جربى يابتى، متخافيش، أنى خالك عويس، اللى عتخافى منه مات الله يرحمه، خالك همام مبجاش موجود، جربى يابتى جربى وخلينى أضمك يابت الغالية.إقتربت منه ببطئ بينما عيون (عزام)تلتهم تفاصيلها، لتنظر إليهما(فضيلة)بغيرة حارقة، تشعر بالتهديد، تدعو من كل قلبها أن تكون تلك الزيارة سريعة ولمدة يوم واحد، لا غير.
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشرقبل أن ينتهي عمري كنت أتمنى أن يتحول طيفها إلى حضورها المادي حيث أتخلص من شوقي برؤيتها ولمس يدها، أن نتعاتب كثيرا ونتصالح بكلمة واحدة، أن يعمينا الحب فنركل كل الأولويات بعيدا ونتصرف بأنانية عاشقان فلا نرى من حولنا سوانا، إنها مجرد أمنية فماذا لو تحققت؟جلس( مهران )على المقعد في الممر وأمسك قلبه الذي لم يتوقف عن الانتفاض لمجرد أنه تخيّلها، ضرب بيده على حافة الكرسي وهو يخاطب نفسه:.-مايصوحش حالتك دي ياولد الهواري ماأنتاش أول من حب وماطالشي، بجيت فى رجبتك حرمة دلوك لازمن تنسى اللي كان وتعيش ماتظلمش روحك وتظلم البت اللي بتحبك معاك، شذا راحت وماعترجعشي، هملتك من غير ماتجول حاجة تبجى مش مهم عنديها، اثبت ماتخليش العشج يعميك ويعيشك فى وهم مالوش اخر، بدارة جدرك، بدارة وبس!استقام وهو يمسح على وجهه المحمر من الإنفعال ثم توجه نحو غرفة النزيل الأجنبي الذي يسبب مشكلة لطاقم الخدمة بالفندق، طرق الباب ففتحه شاب في منتصف العمر يلف منشفة حول خصره يبدو عليه الإمتعاض فقال (مهران):طاب يومك سيدي، أنا السيد مهران المسؤول عن إدارة الفندق، من الواضح أن لديك مشكلة فأتيت لاستفسر عنها.فأجابه:.آه المشكلة! كل ما في الأمر أن خدمتكم سيئة طلبت مشروبا عدة مرات فكانوا إما يتجاهلون طلبي أو يرسلون شيء آخر غيره، هذا أمر مشين بالنسبة إلى فندق كبير وذو سمعة كفندقكم.فقال (مهران )بغيظ:لقد أعلمك المدير أننا لا نقدم الكحول هنا ولا نسمح بدوخلها مهما كانت مكانة النزيل هذا أولا أما عن تصرفك العنيف في ضرب أحد الموظفين هذا غير مقبول نهائيا وهذا ثانيا أما بالنسبة...وقد أزاحه جانبا ودخل إلى الغرفة ليجد فتاة بلباس شبه عار تعلك في اللبان بمياعة مما يدل على أنها رخيصة من الدرجة الاولى والتفت إليه وهو يشير إليها وأردف:-أما بالنسبة إلى هذا الشيء، فليس غير مقبولا فقط بل يعرضك للطرد، لذا اجمع قمامتك وغادر حالا قبل أن أستدعي الشرطة أو الجأ إلى تعنيفك.فقالت الفتاة:مابالراحة يابيه ماكلنا بنسترزج!قال هادرا:.استرزجي بعيد عنينا اياكي تنشوي بنار جهنم دنيا جبل آخرة، امشي غوري من اهنا جبر يلمك.سارت متمايعة نحو الباب بغضب فاوقفها الشاب وهو يقول:ووووو مهلا إلى أين توقفي؟اقترب منه (مهران) وأمسك بيده وطواها بعنف فانحنا الشاب متاوها وقال:اسمعني جيدا وقد بدأ صبري ينفذ، أمامك عشر دقائق وأراك أمام مكتب الإستقبال وإلا لن يعجبك ماذا سيحدث.ودفعه ليسقط أرضا يمسك بيده، اما الفتاة فأطلقت ساقيها للريح خوفا من غضبه، خرج وهو يسب ويلعن في أمثال هذه الفتاة اللواتي يغرقن في القذارة مع أيٍ كان.نزل إلى الأسفل وطلب من موظف الإستقبال أن يرسل رجلا أمن إلى الغرفة في حالة عدم مغادرة هذا الشاب الأرعن كما طلب منه أن ياخذ بالإضافة إلى فاتورة إقامته تعويضا من أجل الموظف الذي قام بضربه وقد قدره بمئة دولار.عاد (مهران )إلى أخته وزوجته فعادت إليه بشاشته وهو يقودهن إلى الخارج للتجول حول الفندق وحين خروجه صادف الشاب مجددا الذي تطلع فيه بغل وهمس كالفحيح:- ستدفع ثمن إذلالي، تذكر هذا.فقالت (بدارة) بذعر:الأصفر دا بيجول إيه شكله مابيطمنشي؟فأجابها (مهران):ماجالش حاجة هما الخواجات اكداه باردين كيف بلادهم.فقالت:جطيعة داهية تودي! أنا مبسوطة جوي الموكان يجانن ياسي مهران ولا الجنينة تشرح النفس.فقالت (راوية):.إنتي لسة شفتي حاجة، الموكان دا في الربيع حاجة تانية خالص ماعتعوزيش تطلعي منه، تنسي روحك إهنه.ابتسم (مهران )وقال:اليوم مافيش مطرة إيه رايكم نركب جارب ونتجول شوية فالنيل وناكل سمك مشوي كومان العم عيد اكله بيفتح التفس.فقالتا معا بحماس:موافجين جوي ااا.قادهما (مهران )إلى الجهة الغربية من الفندق، بحث عن عم (عيد) المسؤول عن القوارب الشراعية.واليخت الكبير الذي جعلاه كمطعم متحرك على النيل فوقف (مهران) يتحدث مع (عيد) بينما وقفت (بدارة وراوية )جانبا فلمحت (بدارة )أخيها يأتي باتجاههم فانفرجت أساريرها ولكزت( راوية )وقالت:دا خيي ناجي!فقالت (راوية):ودا إيه اللي جابه اهناه!رفعت (بدارة )كتفيها على أنها لاتدري بينما هو يقترب وقد ألقى عليهما التحية ففتحت( بدارة) ذراعيها له تضمه من فرط اشتياقها له فضمها هو الآخر ومسح على رأسها وهو يقول:.وحشتني يابدر دارنا، كيف حالك ياخيتي؟قالت بحنان:زينة ياخوي الحمد لله طمني عليك وعلى ابوي هو سامحني مش اكداه ولا لساه شايل مني؟ربت (ناجي )على خدها وقال:ويشيل منك كيف وانتي نن عينه مايغركيش زعله هو متوحشك جوي وراضي عنك بس انتي جرحتيه بعملتك كومان وانتي اللي لازمن تطلبي الصفح منه يابدارة.اقترب( مهران) منهما فصافحه( ناجي) وقال:سالت عنيك في الريسيبشن جالولي إنك اهنا.فقال (مهران):.ابن حلال ياابو نسب تعال ويانا، هنتغدا مع بعض ونتحدت.أومأ( ناجي) برأسه وقد التفت نحو (راوية) التي بدت غير مكترثة بوجوده بل وكأنه ضايقها فلن تكون على راحتها بوجوده، ناداهم العم (عيد) فتوجهوا نحو اليخت الكبير الذي يعج يالركاب من رواد الفندق ثم جلسوا على الطاولة التي أعدها من أجلهم وتحرك اليخت فوق صفحة النيل الرائقة.قال (مهران):إنت بتشتغل إيه صوح ولا لساك بتدرس، منا ماشفتكش من جبل بالبلد؟فاجابه (ناجي ):ماانا كنت بدرس بالاسكندرية والحمد لله اتخرجت السنة اللي فاتت من كلية الحقوق واتعينت معيد بنفس الجامعة وجنب منيها بتدرب بمكتب محاماة سمعته كويسة.استندت (بدارة) على كتف أخيها بفخر بينما قال (مهران ):ماشاء الله ربنا يرزجك من حلاله ويوفجك يارب.فقال (ناجي ):والله ياخوي أنا جيتك عشان حاجة ويارب ماتردني.فقال (مهران):وه، ماعاش اللي يردك ياسبع جول وربنا يجدرني أكون كد جولك.فقال (ناجي) بامتنان:-الله يكرم أصلك ياأخوي.ثم أردف:-بصراحة أبوي لساه زعلان من اللي عملته بدارة بس متوحشها، والله بيدخل أوضتها ويمسك صورتها ويجعد يعاتب فيها ويدعيلها تكون بخير.ابوي كبر، وجع الجلب مش لايج عليه ياخوي، اللي عايزه منيكم إنكم تطلبوا منه الرضا، تعزموه على بيتكم وتكبروا بيه دا عيفرحوا جوي، جلت إيه ياخوي؟كلمات( ناجي) وقعت على قلب( بدارة) كالسكين فجعلتها تجهش بالبكاء بينما أطربت قلب (راوية )وقد اعظمته في نظرها وكيف لا وقد أتى ليصلح خطأ أخته ويطفيء غضب والده، استاذنت لتحضر بعض الماء من أجل (بدارة )بينما قال( مهران) وهو يربت على كتف (ناجي):عااش يازينة الجبايّلة، طبعا موافج ياخوي وهيبجى بكرة على الغدا كومان.فرد عليه (ناجي )قائلا:الله يرضى عليك ولايردلك دعا أبدا.في حاجة كومان لازمن أجولها..فقال( مهران) وهو يبتسم:جول ياخوي.فالتفت نحو( بدارة) المبتسمة وقال:جومي غسلي خلجتك واشربي مي هناك عند خيّتك.ابتسمت( بدارة) وقالت:بتوزعني اياك! ماشي ياماتر ياخبر بفلوس...غادرت فأردف:أنا رايد الجرب منيكم، رايد إيد الآنسة راوية بعد إذنكم طبعا.صمت( مهران )قليلا ثم قال:.مافيكشي حاجة تتعاب ياخيّ واللي شوفته منك دلوك يبين معدنك الاصيل لو على جولي فالف مبروك بس لازم أسأل أبوي ورواية هي صاحبة الشأن واللي فيه الخير ربنا يبارك لنا فيه.استقام (ناجي )ومد يده يصافح (مهران) وهو يكاد يطير من السعادة فاستقام( مهران) بدوره يمد يده لكن (ناجي) سحبها وقام بمعانقته فربت( مهران) على ظهره وحال لسانه يقول:-الله، دول هبل زي بعض ربنا يهني سعيدة بسعيدة.المصائب التي وقعت على رأس (زبيدة) كانت نتاج أعمالها الشريرة، للمرة الأولى زالت الغشاوة عن عينيها فجلست تحاسب نفسها منزوية في غرفتها تبكي بمرارة، كان( عسران) يتجه نحو غرفته فسمع صوت بكائها ففتح الغرفة ودخل دون أن يستأذن فوجها تجلس على الأرض بجانب سريرها وهي تضم رجليها بيديها، وضع عصاته جانبا وجلس طرف جانب السرير يربت على راسها بحنان دون أن يتكلم فرفعت راسها والدموع تترقرق من عينيها لترى وجهه البشوش دائما كما العادة، وضعت راسها على ركبته وزاد بكاءها فقال:.خيتي الحلوة اللي من ريحة أمي الطاهرة، اللي وعدتها عمرها ماعتعرف حزن تاني بعد ماترملت وهي لساتها صبية مين اللي بكاها وخلاني منحني جدام عهدي ليها؟تأوهت من كلامه وهي تعض على يديها وتقول من بين شهقاتها:مابستهلش اللي عملتو عشاني ولا بستاهل حنانك ياخوي، ورحمة أمي سامحني، سامحني على اللي عملتوا أنى ماجبتلكمشي غير وجع الجلب والراس من يوم يومي.رفع وجهها نحوه وقال:.تعملي اللي تعمليه مكانك في الجلب ماعيتغيرشي ولا غلاوتك هتنجص، انتي جطعة من جلبي من لحمي ودمي وأمانة ابوي وامي ربنا يجدرني وأكون كدها، لو عملتي حاجة غلط أكيد أني اللي هكون مجصر فى حجك ومانتبهتش عليكي، أني خابر يازبيدة إن الدنيا جات عليكي جوي وماكنتش الخي الشديد اللي تجدري تتسندي عليه مش لاني ماوجفتش جمبك لأنك كنتي عنيدة ومابتسماعيشي كلمة من حد، حتى عباس ياما جلتلك الراجل دا مش من مجامك ماليكيش صولح بيه بس انتي تبتي فيه أكتر ومع اكده مازعلتش جلت خيتي وحبت المهم تتهنى، الحاجة الوحيدة اللي حرمتك منيه ورث أبوكي مش لأني كلت حجك، لاه أعوذ بالله حجك على راسي لو ماخدتهوش إنتي هيبجى لبتك بالحفظ والصون، عباس كان طامعان فيكي عشان اكده وجفتلك في حجك، ياخيتي ماهما اختلافنا احنا بشر بس عمرنا ماعنفرط ببعض.قبلت يده وقالت:-احب على يدك ياخوي الحج بتي، نوار بتضيع مني ياعسران، نوار ضاعت، بتي ضاعت بتي ضاعت.وراحت تلطم وتضرب على صدرها، جلس( عسران) بفزع أمامها وأمسك يدها وهو يقول:اتهدي اكداه عشان افهم بتجولي إيه، نوار فينها؟ ضاعت كيف البت؟فأجابته وهي تصرخ:.كله مني، كله مني، أنا خليت بتي تترمي فى حضن الغريب بسبب حجدي وجلبي الأسود، مارعيتش بتي ولا اهتميت بيها، كت بقارنها دايما بالبنتة التانيين خليتها ماتعرفشي روحها، اول ماحد جلها كلمة حلوة نطت فى حضنه..انقبض قلب (عسران) وراحت افكاره تعصف إلى إحتمالات لايحمد عقباها فقال بغضب:البت فين يازبيدة انطجي، يانوار!استقامت معه وتعلقت في تلابيبه وهي ترجوه قائلة:.احب على يدك استر على بتي ماعيزاشي حد يعرف، ورحمة ابوي وامي وطي حسك.وقف أمامها مذهولا وهي تبكي بهستيريا فقال بحزم:انطجي ياحرمة بتك فين؟خرت( زبيدة )على الأرض جالسة وقالت:.بتي اتجوزت عرفي من ولد عوالي بنت الشيخة خضرة، ضحك عليها وهتك عرضها، اتعلجت بيه هملتنا وراحت حداه، بتي وطت راسنا ياعسران، بس مالهاش ذنب أنا اللي وصلتها لكداه أنا اللي خليتها تحس إنها ماعتتحبش، لما لجت حد كذب عليها صدجته، انا عايزة بتي ياعسران وماعيزاشي لاورث ولا مال ولاحاجة من الدنيا دي، جلبي اتحرج ياخوي، جايدة جواتي نار ماعتتطفاشي، رجعلي بتي احب على يدك.وقف (عسران) كتمثال ملح نثرته الذكريات في كل الإتجاهات فهوى جالسا على ركبتيه من فرط الصدمة.اقتربت منه( زبيدة) تحبو على ركبتيها وامسكت وجنتاه وقالت برجاء:.ماتجتلشي بتي أنى الغلطانة وحيات ربنا أنى اللي وصلتها تعمل اكده، انا عملت شر كاتير فى حياتي، انى بتعاجب ببتي أغلى حاجة عندي، البت اللي بصلب طولي كل يوم عشان هي جنب مني، رجعاهالي وهاخدها واهج من اهنا اوعدك ماعتشوفشي خلجتنا واصل، بس خلصها من يد عوالي وولدها.استقام (عسران) بغضب وقد امتقع وجهه وجحظت عيناه وقال:الاجيهم فين؟ساكنة فين بنت الأبالسة اللي اسمها عوالي.فأجابته بتلعثم:.جنب، جنب المجبرة آخر دار بطرف البلد.أومأ برأسه وغادرها.اللقاءات التي يجبرنا عليها القدر تكاد مالاتطيقها أنفسنا، فبعد أن آلفنا الفراق وبدأ الجرح يلتئم ودماؤه تتخثر عاد ليفتح من جديد بألم أكبر ونزيف أقوى.لايستطيع (عسران) أن يشرح ل(زبيدة) أنها ليست السبب في ضياع إبنتها بل هو، ماضيه يلاحقه بعد سنوات انحنى عوده فيها، (عوالي) ذاك الحب الذي أعماه حتى كاد أن يتخلى عن كل شيء بسببها لولا مرض والده وتأمينه على والدته وأخته وممتلكاتهم فتراجع عن الزواج بها والرحيل بعيدا ولم تشفع لها دموعها ولا توسلاتها له واليوم سيضطر للوقوف أمامها وربما التوسل إليها لترفع شرها عن المسكينة (نوار) التي لاحول لها ولا قوة.كانت( نوار) قد جمعت بعض الأموال ومجوهراتها من أجل الرحيل بعيدا مع( راجي) وهاهما يجتمعان في كوخهما من أجل التخطيط لمستقبلهما.يجلس( راجي) وبجانبه( نوار) تلف دثار وثيرا حولهما والنار مشتعلة على قرب منهما فوقها إبريق الشاي يغلي، قالت (نوار):أنا هملت الدنيا كلاتها عشانك ياراجي، اوعدني إنك ماعتخلينش فى يوم أندم ولا اتحسر على عملتي.فقال:ندمتي؟نفت سريعا:.لاه! لو كان عندي شك فى حبنا ماكنتش عملتها، أنا واثجة فيك وبحبك ورايداك بس عايزاك تطمن جلبي.قبل يدها وشدد من احتضانها وقال:اوعدك ماعتندميش، هكون كل عيلتك ماعتشتجيش لحدا ولا تفكري بحدا غيري هنعمل عيلة لينا ونعيش وسط ولادنا مبسوطين يكونو شبهك وشداد كيفي..ابتسمت (نوار) التي أعماها الحب وقلبها كله ثقة ب(راجي )المسحور بها.وصل( عسران) إلى منزل (عوالي) وطرق الباب عدة مرات فاتت وهي تتمتم:.وه فاكرني جاعدة ورا الباب ياللي بتخبط، جايه اهه.فتحت الباب وهمت لتقول شيء فانعقد لسانها وتصبب جبينها عرقا من فرط انفعالها، فاستدار (عسران )وقال:مدي وراي يابت خضرة!تبعته بدون وعي حتى وصلا إلى مبنى كان للكتاب قديما وقفا بجانبه وقد اشتدت الرياح وبدأ الظلام يتسلل شيء فشيئا فقالت:دي سنين ياعسران! جاي بعدها ليه دلوك؟فقال:ياريتها ماكانت! بتجرصي كيف الحية غدر ياعوالي؟ نوار ذنبها إيه تنتجمي مني فيها ليه؟بس ماعستغربشي كيدك إنتي حيّة ربنا فكني من سمها أحمده لحدن ماموت.غضنت حاجبها وتشدقت بابتسامة سخرية وقالت:والله ولدي طلع سبع جابك على ملا خلقتك لبابي، ابن، أمه بصحيح.ماليش صولح بنوار، الولاد اتجابلوا وعشجو بعض اعملهم ايه اياك؟اقترب منها بغضب وقال:نوار هربت مع ولدك؟تجهم وجهها وانتفضت قائلة:هربوا كيف؟ مش انت خدت عيلتك ع المدينة لاه ماهربوشي.أمسكها من ذراعها بقوة وقال بصوت حاد:.ولدك خد البت على انهي مصيبة ياعوالي؟دفعته وقالت:ماهخلهوش يهملني دا اللي بجيلي من دنيتي.ركضت مهرولة فتبعها وقد ظن أنها تهرب منه وبعد أمتار قليلة توقفت عند كوخ قديم ودفعت بابه بقوة فلحق بها، هناك كانت ترقد( نوار )بجانب (راجي) ففزعا من هجوم (عوالي) عليهما ووثبا واقفين ذعرا.قالت( عوالى) بغضب:.ليلتك طين يابغل إنت، مش جولتلك ماعتهوبش ناحية بت الهوارة، مجرجرها وراك فى المخروبة دي كومان اهو جالك الجضى ياحزين.تشبثت( نوار) بذراعه وهي ترتجف ثم قالت:مين الست دي ياراجي؟فقالت (عوالي) وهي تسحبها بقوة:الست دي تبجى أمه ياحزينة، وخري اكداه!مسكها (راجي) من يدها وبدا يبعدها عن( نوار )التي تكاد تفقد وعيها وعيناها معلقة على خالها الذي يقف مستندا إلى عصاته عند الباب.ضرب عصاته على الأرض وقال:.هملي البت ياعوالي.تركتها (عوالي )لكن( راجي) دفعها وراء ظهره وقال وهو يحمل جذع ملتهب:إللي عيجرب مني عجتلها وأجتل نفسي، ماحدش يجدر ياخدها مني، نوار مرتي، مرتي!ابتعدت( نوار) عنه فأردف:-تعالي يم مني يانوار ماتخافيش ماعيخدوكش مني.لكنها قالت:كيف أمك، إنت جلت إنها ماتت؟فقالت( عوالي) بتهكم:أباي عليكي بنته، غبية كيف امك.فقال( راجي) ناهرا والدته:كفاياكي عاد ياأماي.ثم أردف موجها حديثه ل(نوار):.-تعالي نروح من اهناه وأفهمك كل حاجة ماتسمعلهومش عيفرجوا بينا يانوار.قالت بكسرة:انت كذبت عليّ ياراجي؟صرخ (عسران) بصوته الحاد حتى انتفض الجميع خوفا من غضبه:مدي جدامي يابت عباس!هرولت( نوار) أمامه وهي تجهش بالبكاء والتفت نحو (عوالي) وقال:لينا حديت تاني يابت خضرة.فقالت وهي تبتسم:وحساب كومان ياولد الهواري.غادر( عسران )برفقة( نوار )وظلا صامتين طوال الطريق وحينما اقترب من المنزل اوقف سيارته وقال لها:.اللي حوصل يفضل بينك وبين نفسك ماعايزشي اسمع سيرتك في ضهري، ارجعي ورا واتسطحي وإتغطي بجلبابي، لمن ينامو أهل البيت هتاجي أمك تفتحلك وتطلعك فوج، تكتمي حسك فاهمة.أومات (نوار) برأسها وفعلت كما أمرها خالها تكتم حسرتها وخيبتها وقدرها البائس.دخل (عسران )بيته يجر عصاته وراء ظهره بين يديه المضمومتين والدموع محتبسة بعينيه زفر بعمق ثم لبس البشاشة والقى التحية وهو يخطو متجها نحو الصالة ردوا عليه السلام فاستقامت زوجته وقالت:العشا جاهز يلا بينا على السفرة كنا مستنيين جايتك ياحاج غسل يدينك وتعالى.اوما لها براسه بينما تبعها الجميع نحو طاولة الطعام أما هو فصعد إلى الأعلى وتوجه نحو غرفة أخته فدخل عليها فركضت نحوه كالمجدوبة فقال لها:.بتك بالعربية تحت جيبتها من بين احضان ولد المجطوعة، عتروحي تطلعيها بعد ماالكل ينام مانجصناش فضايح.ارتمت (زبيدة )تعانق أخاها والدموع تنهمر من عينيها فاردف:اتسبحي وهدي أعصابك هبعاتلك حورية تعملك لمون، ماتضغطيش ع البت همليها الليلة ديه وبكره هنبجى نروح حتة هادية ونكلموا معاها.خرج من عندها مرهق فدخل غرفته واغتسل وغير ثيابه ثم نزل إلى الأسفل حيث وجد عائلته مجتمعة يتبادلون الأحاديث والإبتسامات، فنادى على( حورية) وطلب منها ليمون من أجل (زبيدة) وأن تأخذ لها عشاءها إلى غرفتها فلبت طلبه بينما قالت( ثريا ):ليه مالها زبيدة ماعتنزلشي تاكل ويانا ليه؟فقال:هي عيانة حبة همليها لوحدها.مطت شفتيها يمينا وشمالا كأن الأمر لم يعجبها فنطقت( راوية ):.هطلع اشوف نوار تنزل تتعشى معانا ماشفتهاش طول اليوم.فقال بحزم:اجعدي مطرحك، هي وامها متخانجين هملوهم لوحدهم النوبة ديه.تنحنح (مهران) وحاول تغيير الموضوع فقال:.يابوي أنا عايز أعمل حاجة بعد إذنك، دلوك إنت وأمي وعمتي والبنات رحتو طليتوا على زهرة وباركتولها، إنما بدارة مارحتش ولا حد جالها، الحاج عويس باينه زعلان لساته، مافيش حاجة هتروح زعله غير اننا نكبر بيه ونعزمه عندينا باكداه تصفى الجلوب، وكمان اهو نشوف زهرة بالمرة، جلت إيه؟ابتسم الحاج (عسران) وقال:احنا بجينا عيلة وحدة ياولدي هم اهلنا وناسنا وتشرفنا جيتهم دارنا.اما (ثريا )فقالت:.والله وحشتني زهرة جالبي جايد عليها، تعمل زين ياكبدي.فقال( مهران ):يبجى عنعزمهم بكرة على الغدا..فقال( ثريا )وقد كادت تغص بلقمتها:وه، وكيف عنلحج نحضر لبكرة كنت جلت جبل اكداه.قال بإبتسامة:عتلحجوا ياأماي هيساعدوكي البنات، إنتوا كتير والحمد لله.أومات برأسها مع انها لم تقتنع لكن شوقها ل(زهرة) سيجعلها تقبل بأي شيء.انتهى (عسران) من طعامه فاستقام وقال:.ياولاد أني تعبان فالكل يخلص ويجوم على جوضته طوالي ماعايزشي هيصة، تصبحوا على خير.بعد أن أتموا عشاءهم توجهوا إلى غرفهم فدخل (مهران) غرفته رفقة (بدارة) فهرعت تجهز له الحمام وثيابه، كانت أفعالها الطيبة تاخذ من نفسه كثيرا فيلعن قلبه الذي وضع أسير عشق لا أمل يرجى منه، عزم أمره أن يمنح قلبه فرصة أخرى عله يتعلق ب(بدارة) فيختفي طيف (شذا) عنه للأبد.جلس وأجلسها بجانبه وقال:.عترضي تكوني معايا بنص جلب يابدارة، ماعايزشي أظلمك لكن دام الجدر جمع بينا...قاطعته قائلة:حتى لو ماكنتش بتحبني أنا رايداك ياسي مهران كفاياني تضحك بوشي واتصبح وأتمسا بطلتك عليا، ماعايزاشي ابجى حمل تجيل على جلبك وتحس انك مجبور عليا، لاه! لو عايز وجت أنا عستناك عمري كلاته ولا يوم اشتكى او امل، أهو يمكن ياجي يوم واتحبني كيف ما بحبك.طلبها بلطف فلبته وأتم زواجه منها وهي لاتكاد تصدق أنه تقبلها واعطاها فرصة لتكون شريكته.اذن الفجر فاسيقظ الرجال وتوجهوا إلى المسجد بينما صلت النسوة ودخلن المطبخ لإعداد وليمة الغداء، كان وجه( بدارة) منارا وتتحدث بحماسة وتعمل بحماسة فقالت (حورية) تحاول إثارة غيظها:شيفاكي منورة يابت يابدارة، هو العشج بيعمل كيف اكداه ياتحبة جلبي؟ابتسمت (ثريا )وقد احمر وجه( بدارة )خجلا ثم همست:مش بجيت مرات مهران الهواري على سن ورمح.فقالت( نفيسة ):ياليلة بيضا مبروك يابتي ربنا يرزجك على كد نيتك.اما (حورية )فاطلقت زغرودة مدوية لتهرع نحوها (بدارة )تكمم فمها وهي تقول:-عتفضحيني حرام عليكي بكسف.فردت عليها (حورية):محدش إهنا اطمني كلاتهم بالجامع، يلا شهلي نحضر فطارهم.أمسكتها( ثريا )من يدها وقالت:ربنا يجسم ليكي كل حاجة حلوة يابتي إنتي طيبة وتستاهلي كل خير عجبال ماأشيل ولادكم على يدي.قبلت (بدارة) يدها واحتضنتها كوالدة لها التي لم تشعر بحنانها أبدا.ارتدوا الجميع ملابسهم ونزلوا لاستقبال أهل( بدارة) و(زهرة )التي اشتاقوا لها كثيرا فدخلت تسير جنب زوجها الذي يمسك يدها ويشد عليها كأنه يخاف ضياعها وخلفهما (فضيلة) وزوجها، كان اللقاء حافلا بالدموع بين (زهرة )وامها واختها و(بدارة )ووالدها فراحت تقبل يداه وجبينه تطلب السماح منه على فعلتها فلان قلبه فعانقها وهو يردد:- وحشتيني يابدر الدار.أسعد ذلك قلب (مهران) فاومأ براسه لوالده ممتنا، جلس الجميع وعلى وجوههم ابتسامة جميلة لتقول (بدارة ):هو ناجي ماجاش معاكم ليه؟لياتيها صوته من الخلف:لاه ايجيت، كيف ما اجيش، بس عوجت شوي على ما اجنعت الست فدوى تيجي ويانا.اقترب منهم يسلم عليهم بينما تسمر( مهران )مكانه كما فعلت (فدوى) لتوزع (بدارة )نظراتها بينهما وقد اشتعلت نيران الغيرة بقلبها.