logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 10 < 1 2 3 4 5 6 7 8 10 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:01 مساءً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

تضيق القلوب بالحب كما تتسع وتأخذ من الألم نصيبا في كلتا الحالتيّن، الأمر المرهق بحد ذاته أن لايكون للحب جزاء سوى العقاب الذي تتقاسمه القلوب كأنه ميراث شرعي فدائما حظ الرجل منه مثل حظ أنثَييّن.

في بلدة صغيرة، كهذه الجميع يؤمن بالتخاريف والأساطير، فكان هذا رأي الحاج (عسران) حين أخبرته( ثريا )بأن بنتاه يمكن أن تكونا مسحورتيّن قائلا:
عتخرفي وتجولى ايه إنتي، وخري، وخري اكده عشان اتخمد وسكري وراكي الباب.
ابتعدت من طريقه لكنها لم تغادر بل جلست على طرف السرير وقالت:
كيف مابجولك إكده، البنات بتشوف نفس المنام من سنة، جال قطه سودا بتبحلجلهم، معناته إيه ده يتكرر عنديهم هما التانين، هاه!

استقام (عسران) في جلسته وقال بنفاذ صبر:
ويسحرولهم ليه بجى ياام العريف انتي؟
فقالت:
وووه، غيرة وحسد ياحاج، عيكون ايه غير اكده، إنت مافكرشي لمن تعبوا هما التانين مع بعضهم وخسوا لنص وزنهم ياكبدي، شعرهم بيجع وبيحسوا بوجع كيف العجايز، هاه جولي اكده دا معناتو إيه؟
بدا عليه التفكير ثم تمدد وشد عليه الغطاء وهو يقول:.

باين حد مسلطك عليا روحي شوفي ولدك اللي اتوحشتيه، وهنتحدت لما أفوج، وسكري ع السيرة العفشة دية عتخرعي بناتك.
غادرت( ثريا )الغرفة وهي تتمتم:
ناام، ناام بس هتشوف ان كلامي صوح، أنا حاسة بكده بس مانتبهتش جبل سابج وإتوكدت من منامهم، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي رايد لينا الأذية.
كانت تسير ببن الغرف لتلمح (نوار) متمددة على فراش( زهرة) تبكي فدخلت عليها واحتضنتها وهي تقول:.

مالك يابتي بعيد الشر عن جلبك، حاجة بتوجعك ياحبة عيني؟
لم تجبها (نوار) بشيء كانت تبكي فحسب، توسدت ركبتيها وراحت (ثريا )تربت على شعرها محاولة تهدئتها وهي تقول:
مين زعل بتي المليحة؟!
فقالت (نوار ):.

جدري ياخالة، هيكون مين غيره، جدري اللي خلاني كيف اللجمة اللي واجفة فى زور أي حدا لا عارف يبلعها ولا يتفها، أنا اكده محدش عارف يحبني ولا يكرهني، أنا ماليش صالح باللي عملوا أبويا ولا اللي بتعملوا أماي اياك، انا نوار بت زي بنات البلد غشيمة جاهلة وعفشة، أنا راضية بس مهياش وحشة وجليلة برديك، حتى انتي ياخالة ساعات بحسك أحن عليا من أمي وساعات بكون كيف الغرب بدارك.

التفتت تطالعها وقد كانت دموع (ثريا )تتسابق على خدها وأردفت:
اكمني بنت زبيدة وعباس صوح؟ ولا عملت حاجة بتضايجك؟
شددت( ثريا )من عناقها وقالت:
إنتي بت من بناتي يانوار ومعتكونيش غير اكده لو بت مين كنتي عتفضلي بت جلبي، والام كيفك اكده ساعة بتحاني وساعة بتهش وتنش اوعاكي تفكري إنك غريبة عن جلبي وداري بحبك يابتي وربنا عالم.
قبلت (نوار) يد زوجة خالها وهي تقول:
ربنا مايحرمني منك ياخالة.

أزاحتها( ثريا )عن صدرها وقالت:
-جومي طسي وشك بشوية مي عشان عنيكي نفخت وتعالي انزلي للبنات تحت، انا هاسبجك وأسود ليلهم لو لجيتهم ماخلصوشي اللي طلبته منيهم، جومي ياجلبي، جومي!
دخلت (نوار) لتغسل وجهها فخرجت (ثريا) من الغرفة وهي تتمتم:
-إنتي بتي يانوار دامك بعيدة عن ابني.

عادت الطمأنينة تغزو قلب( مهران) وسط أهل بلدته الطيبين، تجواله في الحقول كان بمثابة هدنة نفسية له، كأن طيف (شذا ) يرافقه، عاد إلى منزله من الباب الخلفي كما خرج منه ودخل من المطبخ فوجد أختيه والعمة (نفيسة )التي يحبها كثيرا والعمة (حوريّة) يتحدثن بعفوية بسيطة تجعل مراقبتهن شهية كالحلم، أسند كتفه على الباب وهو يراقبهن وقد انتابه حنين إلى الأيام التي قضاها بعيدا عنهن.

لمحته العمة( نفيسة) ففتحت ذراعيها وأومأت له بابتسامة لطيفة فذهب إليها واخذ يقبل يديها ورأسها وهي تتمنى له رضى الله والبركة..
جلس بينهن فأحضرت له العمة( حورية) كأس شاي ساخن فلف يديه حوله وقال:
تسلم يدك ياعمة، جيه فى وجته أنا سجعت من اللف برا، بس عندنا دفى برديك، مش كيف اهناك السجعة تنخر العظم نخر.
فقالت (حورية):
كيف أهلها ساجعين مافيش دفا بينهم.
فقال وهو يضع الكأس بعد أن أخذ رشفة منها:.

لاه ياعمة، في ناس كيفنا كيف ناتالي مثلا، هي اللي هونت عليا الغربة، فيها من ريحتكم، ست زينة وعاملتني كيف ولدها.
وقتذاك دخل( عواد) وقد أصدر نحنحة، كان يبدو عليه التعب، اقتربت منه العمة( نفيسة )بلهفة قائلة:
وه وه مالك ياخوي، ماكنشي فيك حاجة من شوية.
جلس (عواد )وهو يتصبب عرقا وقد احمرت وجنتاه السمراوتين التي خط عليهما الزمن تفاصيله، اقترب منه (مهران) وقال:.

اسند عليا ياعم عواد هاخدك دارك ترتاح وأشوف لك دكتور باينك تعبان، تعالي معايا ياعمة.
بينما راح البقية يدعون له بالسلامة.
أخذه( مهران) إلى داره الذي هو عبارة عن ملحق داخل القصر الكبير بالحديقة الكبيرة، وضعه بسريره وقد اشتدت حمته فقال للعمة (نفيسه):
خففي لبسه ياعمة واعمليله كمادات على ماأعاود.
ارتبكت العمة وخافت على حاله فقال (عواد) بعدما خرج (مهران ):.

ماتخفيش يانفيسة أنى زين، هو هوا الشتا، هبجى كويس بعد شوي.
أما( مهران) فخرج ينادي على (كامل) الذي لباه مسرعا فأخبره على حالة العم (عواد) وضرورة إحضار طبيب له، لكن (مهران) لاحظ شحوبا على وجه (كامل )هو الآخر وتصببه عرقا فسأله:
إنت بخير ياعم كامل، باينك تعبان انت التانى؟
فنفى (كامل )ذلك قائلا:
لاه أنا زين ياولدي، هروح أجيب الداكتور من المستوصف واعاود بسرعة.

لكنه مالبث أن سار خطوتين حتى جثى على ركبتيه أمام احد الأشجار يتقيء بألم وصوت مرتفع..
استدار باتجاهه (مهران) وهو يتمتم:
- اكلوا حاجة مش زينة ولا مالهم دول؟
ليعلو صوته مردفا:
-شكلك محتاج داكتور انت كمان ياعم كامل خليك موطرحك هجيب الداكتور يفحصكم انتو التانين!
قبل أن يغادر عرج على المطبخ وقال مخاطبا العمة (حورية ):
اغلي شاي أعشاب للعم كامل ياعمة كنه تعبان هو التانى.
فقالت بخوف:.

ياحوستي ماكنشي فيه حاجة من شوي، هروح أشوفه لول.
خرج( مهران )يحوقل ويبسمل مما أصاب العميّن على حين غرة.
وصل إلى مستوصف البلدة فوجده يعج بالناس كأن أهل البلد اتفقوا جميعا أن يمرضوا في يوم واحد، فالقى السلام وسأل عن الطبيب فكان منشغلا جدا بالحالات التي بين يديه، فقال:
ألف سلامة ياجماعة!
وما أن قال كلمته حتى انفجرت شكاويهم في وجهه:
مرتي وبتي من ساعة مارجعوا من عنديكم وهما فى حالة مايعلم بيها الا ربنا..

وقال الآخر:
أمي ماكنش فيها حاجة و وجت مارجعت وهي بتستفرغ وسخنه..
وقال الآخر:
كل النسوان عيانين كيف بعض بعد ماعاودو من عنديكم.
فقال( مهران )بحيرة:
لا حول ولا قوة الا بالله، كيف اكده؟
فقال أحدهم:
يمكن من الوكل، وكلتوهم ايه اياك؟
فقال (مهران )بحزم:.

الوكل اللي كل منه أهالي البلد كولاتها، وانت كمان اشمعنى ماصبتكش حاجة إنت وأنى وكل الرجالة والبجيّة؟ على العموم هتأكد بنفسي لو كان الوكل يبجى ليكم علينا حج ليوم الدين، بس لازمن تعرفوا ان أهل بيتي تعبانين كومان..
فقال أحدهم:
يبجى خلاص هو الوكل.
فقال( مهران) بنفاذ صبر:
ماجلنا هنشوف!
اتجه نحو الطبيب وسأله:
أعراض ايه اللي عنديهم ديه ياداكتور؟
فاجابة الطبيب بعملية:.

كنهم وخدين برد مش تسمم ولا حاجة، يعني مش من الوكل.
فقال (مهران):
اكتبلي على علاج يادكتور الله يباركلك الجماعة عندي تعبانين كيفهم كمان.
فقال الطبيب وهو يخط على ورقة:
حقن يامهران بيه، لازم ياخدوا الحقن دي، الف سلامة معافيين باذن الله.
فصافحه (مهران) بامتنان وقال:
توشكر يادكتور الله يقويك.
واردف بصوت مرتفع:
- ألف سلامة ياجماعة.

توجه إلى البيت وهو يفكر في هذه الحالة التي أصابت الجميع، حقن العم (عواد )وكذلك( كامل) وسقتهما زوجاتهما بعض الأعشاب ومن ثم غطا في نوم عميق..
اتجه نحو اامطبخ مجددا فوجد والدته هناك فأخبرها بما جرى فاستغربت أمرهم وأخذت تتذوق الأكل والحلويات وتشمها ثم قالت:
الوكل زي الفل مافيهوش حاجة، وكلاتنا أكلنا منيه وماجراش حاجة، احنا جدامك أهه.
فقال لها:
خلاص ياأماي، اكيد مش من الوكل، هو فين ابوي؟

فقالت وقد تذكرت أنه طلب منها أن توقضه:
راجد فوج، كويس انك فكرتني، هروح أصحيه يلحج العصر.
فقال:
هطلع انا كمان اتوضى واغير هدمتي عشان نروح الجامع مع بعض.
دخلت (ثريا )لتوقظه فوجدته محموما يهلوس بكلمات غير مفهومة وجبينه يتفصد عرقا فنادت بصوت عال فزع على (مهران) الذي لباها مسرعا:
إلحج ابوك يامهران باينه عيان!
تفحصه( مهران) وقد رأى بأن حاله مثل حال البقية
فقال مطمئنا:.

ماتخافيش ياأماي هديلو حجنة ويبجى كويس، انتي غيري هدمته على ما اجيب الحجن جبل ماتخلص من الاكزخانة باينها البلد كلاتها مرضت بذات المرض.
فخرج مرة أخرى متجها نحو الصيدلية واحضر حقنا إحتياطية وقد أوصى الصيدلاني أن يزود مخزونه من هذه الحقن فيبدو أهل البلد قد أصابهم فيروس واحد جعلهم طريحي الفراش في غمضة عين.

مضت ليلة ثقيلة على الجميع بعد ان حضر عمد البلدات المجاورة واعتذر منهم( مهران )على عدم تواجد والده بسبب مرضه فتفهموا الامر وغادروا بعد أن أكرم ضيافتهم.
جلس بجانب والد وأخذ يرتل أيات الله على مسمع منه حتى انخفضت حرارته وجف عرقه وهدأت هلوسته.

القلوب السوداء التي يتملكها الحقد لا يرضيها سوى أن ترى الألم بغيرها هكذا جلست (عوالي )على سطح بيتها الطوبي والرياح تعصف عصفا تتلذذ بما أصاب الناس جميعا وهي تدرك أن ذاك سيجعلهم يلقون اللوم على عائلة العمدة وينفرون منهم، انضم إليها (راجي) وقال:
الدنيا سجعة ياماي واجفة عنديكى ليه بالوجت دا شكلها عتمطر؟
فقالت دون أن تطالعه:
السجعة ديه مانزلتشي على جلبي من زمان، أني مرتاحة اكده.
حك راجي لحيته وقال:.

انتي بتكرهيهم اكده ليه ياماي؟
فقالت بغضب:
مالكش صالح ياواد.
فقال بغضب:
كيف ماليش صالح! واللي بنعملوا في الناس كومان ماليش صالح، احنا بنغلط ياأماي وبنإذي، وجعتنا سودا مع ربنا، في شر جواتنا كبير، احنا مش كيف البشر...
أمسكته من تلابيبه وقالت:
احنا مش كيف البشر عشان ماليناش ضهر نتسند عليه، احنا بنجيب حجنا من عنين اللي يعادينا ماحدش احسن منينا فى حاجة.
فقال وهو ينظر إلى عينيها بحزن:
واخرتها إيه ياأماي؟

تركته والتفتت تنظر إلى الاضواء المنارة من الدواوير وقالت:
ماخبراشي، المهم يرجع الحج لصحابه برضاهم أو غصبن عنيهم.
كان راجي يريد أن يخبرها أن قلبه بدأ ينبض من أجل شخص آخر لكنه كان يعلم أنها لن تدعه وشأنه تريده كما هو، خادمها فقط.

صورتها هي كله ماتبقى له منها، وضعها (مهران) أمامه ولسان حاله يعاتبها، تمنى لو نطقت وأخبرته لما رحلت هكذا وأخذت قلبه معها دون تفسير، كان عليها أن تخبره بمكانها أو إسمها على الأقل حتى يستطيع ايجادها، كان يخاف أن تقدم مرة أخرى على الانتحار فلا يلقاها مجددا فكان يعزيه وعدها أنها لن تفعل إكراما لحبها له..

وقت ذاك سمع أصوات تأتي من غرفة أختيّه فاستقام يرى مايحدث، توجه نحو غرفتهما وطرق عليها فعم الصمت والهدوء بداخلها ففتحها دون أن يؤذن له، وزع نظره عليهن بدهشة ثم قال وهو يجمع يديه على صدره:
هااا عتفهموني ايه اللي بيوحصل اهنه ولا أنادي الحاجة ثريا؟
اقتربت منه( راوية) بلهفة وأمسكته من يده ثم أغلقت الباب:
لاه لاه ياخوي أحب على يدك، لو عرفت أمي عتعلج مشنجتنا!
فقالت (نوار):.

ديه بدارة صاحبتي أبوها عيجوزها لحدا من بلد يمينا وهي ما موافجاشي فهربت..
فقال بصدمة:
وه! جنيتوا إياك وبتعمل اهنه ايه، ليلتك طين منك ليها؟
فقالت (بدارة )محاولة استفزازه:
وانخلعت اكده ليه، واني اللي جلت مستخبية فى بيت رجالة، مالت عليكي يابت.
فقال( مهران) وهو يشير إليها بيده:.

اكتمي ماسمعش حسك يابومة انتي، وانتي ياست نوار جايباها اهنه ليه ياحزينة عايزة تجومي جيامة البلد، فاكرين اهلها عيسكتوا اياك؟ من ميتا هي اهنا، انطجوا!
فقالت (زهرة )بخوف:
من وجت لمن رحت تجيب حجنة لابوي.
قالت (بدارة ):
خلاص أنى مروحة، فوتكم بعافية.
أمسكها من طرف خمارها فسحبها لترجع مكانها وقال:
نامي حدانا الليلة المطينة ديه وبكرا من النجمة ما لمحش طيفك اهنه، فاهمة ولا لاه؟

أومات برأسها فاستدار مغادرا ثم توقف قائلا:
من عيلة مين انتي؟
فقالت متلعثمة:
الج، بالي!، الجبالي!
فضرب يدا بيد وهمس وهو يغادر:
- اهي كملت من عرض البلد دي مش عنعلج غير مع الجبايّلة رجعتك نحس على الدوار كلاته ياحزين.

مرّ أسبوع رتيب على الجميع وقد تحسنت فيه صحة الجميع كما تحسنت صحة الحاج (عسران) غير أن الكوابيس لم تنفك تراوده هو وكل من بالمنزل حتى أن (نفيسة) أصبحت تحرق الأبخرة كل صباح وتشغل سورة البقرة ظنا منها أن عينا أصابت البيت وأهله.

أصبح( مهران )يزاول العمل برفقة والده في فندقهم العريق الذي توارثه أبا عن جد، الذي اخذ وزنا وشهرة كبيرة في هذه المنطقة خاصة وأنه على ضفاف نهر النيل وعلى قرب من ضريح أغاخان، فكان ينظم عدة نشاطات سياحية، كالتجول بالقوارب الشراعيّة وتنظيم حفلات ومناسبات في قلاع تنفيذية وسط الأثار التي تستحوذ على اهتمام السياح العرب والأجانب معا..

لم يقطع علاقته مع (ناتالي) مطلقا، كان يهاتفها يوميا صباحا ومساء يطمئن على صحتها وأكلها ونشاطها فكان يملأ يومها عاطفة كأنه لم يتركها بل وكانت تطبخ من أجله وتضع صحنا له على الطاولة كأنه سيشاركها، حقا غريبة هذه الروابط الروحية التي تجمع بين أشخاص لم يتقاسموا سوى عواطفهم فيشعرون بالانتماء لبعضهم البعض رغم بعد المسافات.

مع أن( مهران) كان بصحة جيدة غير أنه مؤخرا بدأ ينتابه شعور بالثقل كأن روحه طافية وأحيانا ينزف أنفه بعد أن ينتابه صداع شديد يثير عصبيته أحيانا..
عاد مع والده إلى البلدة يتأبط ذراعه كما كان يفعل وهو صغير، وقد تذكر الخاتم الذي أهدته إياه (ناتالي) فطلب من والدته أن تبحث عنه بعد عن عجز عن إيجاده، جلسوا على طاولة العشاء يتناولون طعامهم فسألها:
لجيتي خاتمي ياأماي؟
فأجابت وهي تسكب له قليلا من الأرز:.

لاه ياولدي جلبت الغرفة أنا وخيّاتك و مالجيناش حاجة، يمكن تركتو هناك ونسيت.
فقال وقد اعتراه الحزن:
كيف نسيته، لاه، ناتالي عاطتني إياه لما كنا بالمطار عشان تبجى منها ذكرى تفكرني بيها.
فقالت( رواية ):
والله ياخوي مالجيناش حاجة، دورنا بكل موكان مافيش.
فقال بخيبة وهو يضع الملعقة من يده:.

الخاتم ده غالي عليا، ده خاتم زوج ناتالي، الذكرى الوحيدة منه وهي أمنتني عليه وجالتلى ان ماحدش من ولادها يستاهل ياخده غيري، معجولة أضيعه من أول يوم، دوروا تاني والنبي.
فقالت والدته:
ماتزعلشي ياولدي هنلاجيه باذن الله، هندور بكرة كومان.
فقال والده:
فيك حاجة يامهران؟ حاسك متغير ياولدي؟
ربت( مهران )على يد والده وقال:
مافياش الا العافية ياأبوي ماتجلجش، يمكن اتغير الجو عليّا شكلي اتعودت على بلاد الغرب..

ختم كلامه بابتسامة وصعد إلى غرفته وقد اشتد عليه الصداع وألم في مفاصله جعله لايستطيع الحراك فاستلقى على سريره مستسلما لهذا الألم حتى أخذه النوم.

في ظلمات الليل كانت( زبيدة) تمشي، تخبيء وجهها بخمارها الأسود كقلبها وهي تشق طريقها إلى المقبرة لتدفن ما امرتها بدفنه، كانت مستعدة لفعل أي شيء من أجل تحقيق رغباتها.

أما (نوار )فقد شعرت بالاهتمام لأول مرة وهي تلاحظ تتبع (راجي) لها ونظراته الولهة نحوها حتى أنها وقفت تحادثه أحد الايام لتجعله يتوقف عن ملاحقتها لكنه فاجأها بقوله أنه يحبها بل يعشقها ولا يريد غيرها، علقت كلماته في قلبها وروحها فبدأت تشعر لأول مرة أنها شخص يمكن للناس ان تحبه بغض النظر عمن يكون أصله.


look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:02 مساءً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السادس

لم تكن تجربة مضت وانتهت احداثها مع مضي الأيام..
ولم يكن حلما وانتهى بعودتها إلى الواقع...
بل كان حقيقة ملموسة تعيش تفاصيلها رغم كل شيئ..
كان عشقا من نوع خاص..
عشق يسكن الروح لأنه ترك بكل ذرة فى الكيان أثرا لا يمحى...
نقش خطوط من ذهب على جدران القلب فإستحال النسيان...
إنه عشق علمها أن تداوى جروحها وتبنى صرحا من السعادة فوق رفات الأحزان...
عشق علمها أنه لا بأس بالتعثر ولكن الخطأ فى عدم النهوض مجددا...

عشق علمها ان سر الفشل هو محاولة إرضاء الجميع ماعدا نفسها...
عشق علمها أنه حتى وإن جاءت الطعنة من أقرب الناس إليك، فسوف تجد من يطبب الجرح ويعيد إليك الحياة..
فحتى إن جاء الشتاء وحاصرك الجليد فى كل مكان، ستنتظر الربيع ليذيب الثلج ويعيد الألوان لكونها من جديد...
عشق علمها أن بداخل كل يأس أمل ينبثق كما ينبثق شعاع النور، من جوف الظلام.

رفعت (فدوى)فنجال قهوتها الساخن إلى ثغرها، ترتشف منه رشفة صغيرة بينما تقول صديقتها (فيفيان)بدهشة:
-ستهربين؟!
طالعتها بهدوء قائلة:
-ليس هروبا وإنما عودة للوطن.
قالت (فيفيان)بحنق:
-تقولين ليس هروبا، أليس كذلك؟!مع يقيني التام من أن عمك لايعلم شيئا عن خطتك الحمقاء تلك.
تركت (فدوى)فنجالها على الطاولة قائلة:
-نعم لا يعلم، ولن أسمح له بإكتشاف خطتي تلك قبل أن أكون هناك فى موطني، مصر.
قالت(فيفيان)بإضطراب:.

-ولماذا تجازفين بإثارة غضب عمك مجددا والهروب منه، لقد كاد أن يجن فى المرة الأولى، ولولا اكتشاف ابن عمك لمكان وجودك وتوسله لعمك بأن يسامحك لمرضك لما طالتك رحمته التى تدركين جيدا ندرة ظهورها.
مالت (فدوى)تقول بقسوة:.

-كلاهما لا يعرفان الرحمة وإنما جل مايبغيانه هو مالي، كلاهما يمارسان ألاعيبهما التى بت أدركها جيدا، أتعلمين؟! أكاد أقسم أنه لولا وصية أمى رحمها الله بأنه فى حال وفاتنا، تذهب أموالنا للجمعيات الخيرية لكانا قتلانى كما قتلت أمي من قبل.
قالت(فيفيان)بقلق:
-أمازلتى تشكين بأن وفاة والدتك كانت جنائية؟
تراجعت(فدوى)قائلة بمرارة:.

-لم تعد شكوكا بل صارت يقينا، فى تلك الليلة التى هربت فيها سمعتهما يتحدثان عن مقتل أمى، وكيف سهل لهما الطريق للتحكم فى مالي ومستقبلي وأنه يجب أن يسرع رحمان بالإقتران بى قبل أن تنتابنى الشكوك.
قالت(فيفيان)بصدمة:
-ولهذا هربتى؟
قالت(فدوى) وهي تمط شفتيها وتهز رأسها:.

-لم يكن لدي حل آخر، لن أستطيع الاقتران بأحد قتلة أمى، ولن أمنحهم مالي، لذا هربت وكدت أنتحر لولا أن بعث لى الله بهذا الملاك الذى أنقذنى وأحاطنى بحبه وإهتمامه ورعايته.
قالت(فيفيان):
-ميران أليس كذلك؟
أومأت (فدوى)برأسها تقول بنبرات تسلل إليها بعض الحنين:
-نعم هو، أعاد إلى قلبى الإعمار بعد إن كان مقفرا، وأضاء فى قلبى شعاع من الأمل يتمثل فى غد أفضل...
لتتغير نبراتها ويتسلل إليها بعض الحقد وهي تردف:.

-ولولا ذاكرتى التى عادت إلي وإكتشاف ابن عمى لمكانى وخشيتى على ميران من أذى قد يلحق به بسببي، ما إبتعدت أبدا، ولإكتفيت بعشقه ومارضيت بغير قربه بديلا.
قالت (فيفيان):
-ولماذا لا تعودى إليه بدلا من ذهابك لموطنك، أليس الوطن حيث قلبك؟
قالت(فدوى)بمرارة:.

-لا أستطيع، أخشى عليه من بطشهم، سيبحثون عنى فى ذلك المكان الذى وجدونى به سابقا كما بحثوا عنى بعد أن هربت من المشفى أيضا ووجدونى، سيجدونى دوما، وسيكتشفون مكاننا بكل سهولة، ووقتها سيقتلونه أمامى نكاية بى وسيزوجونى رحمان على الفور، لا أستطيع المجازفة بحياته، سأعود إلى موطنى، تحديدا سأعود إلى بلدة أمى (أسوان)، هناك أخوالي الذين سيحمونني بكل تأكيد وربما يأخذون بثأرها ممن قتلها، أسمع كثيرا عن هذا الثأر الذى يؤمن به أهل الصعيد.

قالت(فيفيان) بقلق:
-وهل أنتى متأكدة من أنهم سيرحبون بك، ألم تقولى لى بأن والدتك هربت منهم لتتزوج والدك؟!ربما قتلوكى بسبب هذا الثأر الذى تبغينه.
هزت (فدوى )كتفيها قائلة بلامبالاة:.

-ليس لدي شيئا لأخسره، ففى كل الحالات سأموت، إن مكثت مع عمى وولده أو عدت لأخوالى، ولكن يبقى الأمل فى أن يكون أخوالى قد سامحوا أمي وإرتضوا الحاضر بكل تفاصيله حاضرا، يبقى الأمل فى أن يساندوننى ويدعمونى ويصبحون لى الأهل والسند حاضرا، فإن أصبحوا كذلك، بعثت لميران وأخبرته عن قصتي و مكان وجودى وأنا مطمئنة لدعمهم ولا أخشى شيئا وإلا فوداعا لحياة لا أراها تستحق العيش، دونه.
تراجعت (فيفيان)فى مقعدها قائلة:.

-أتمنى أن يتحقق أملك وتجدين فى أهلك الدعم والسند.
هزت(فدوى)رأسها فأردفت(فيفيان)قائلة:
-متى ستقومين بتنفيذ تلك الخطة البائسة كي أودعك فى المطار وأنا أثنى أصابعى متمنية لك كل الحظ والتوفيق.
قالت(فدوى)بإبتسامة:
-ما إن يسافر عمى وولده إلى باريس من أجل إتمام صفقتهم، بعد عشرة أيام تقريبا..

هزت (فيفيان)رأسها وهي تتأمل إبتسامة صديقتها المفعمة بالأمل تتمنى أن تظل على ثغرها دائما وأن لا تمحوها قسوة الأيام القادمة.

الشرف إن مس أصبح مثل منزل إحترق بالكامل، لا سبيل لإصلاحه..
وشرف المرء هو روحه، خاصة فى بلد تحمل التقاليد كدرع تتحصن به وأبناؤها يتشدقون به وكأنهم لا يملكون غيره...
هنا يجب على شرفهم أن لايفقد أو يمس أو يؤذى...
فوقتها يراق على جوانبه الدم.
دلف (عزام)إلى قاعة والده وهو يقول بعيون يملؤها الشر:
-لجيتها ياأبوي، لجيت الخاطية اللى وطت راسنا بالطين.

نهض (عويس الجبالى)ببطئ وعيونه تتقد بشرارة كالجحيم، بينما نهض ولديه بدورهما متأهبان ووالدهما يقول بصوت كالفحيح:
-لجيتها فين ياولدى، أنطج وريح جلبى اللى جايد نار ومعيطفهوش غير إنى أشرب من دمها.
قال (عزام):
-مراحتش بعيد، إدلت فى البلد اللى جنبينا، عند الهوارية، جاعدة حدا نوار صاحبتها.
ظهرت القسوة والغضب على ملامح(عويس)بينما قال (محمد)على الفور:.

-جاعدة عند صاحبتها ياأبا أهه، يعنى مهربتش مع حدا عشان تتجوزه، أحب على يدك تسامحها وتخليها تعاود وعاجبها زي ماتحب بس متجتلهاش.
طالعه (عزام)قائلا بسخرية:.

-ملكش صالح بأمورنا ياسى محمد، انت مش إخترت العلام وبجيت دكتور ولسة مكمال كمانى، يبجى تخليك فيه وتسيبلنا شرفنا نتعاملوا معاه كيف مانحب، الموت عندينا أهون من إن شرفنا يتمس ويتجال وسط البلد وأهلها إن بت عيلة الجبالى هربت وخرجت عن طوع كبيرها، دى وجتها بتروح فيها رجاب.
قال (محمد):
-إيوة بس...
هدر (عويس)قائلا:.

-والله عال ياولاد الجبالى، بتتكلموا فى حضرتى وكنى مش واجف جصادكم، أنى اللى أجول هنعمل كيت ولا كيت.
صمت الجميع بإحترام، بينما أردف(عويس)قائلا بنبرة صارمة:
-جولى ياعزام، إنت متأكد إن أختك جاعدة عند نوار، وإن مفيش راجل فى دارهم؟
قال (عزام) بقسوة:
-إيوة ياأبا بس مجضية النهار وياها فى بيت العمدة اللى فيه مهران، مهران الهوارى ياأبوي.
إرتسمت القسوة ممتزجة بالإنتصار على ملامح (عويس)قائلا:.

-يبجى كتبت جدرها بيدها، هي وعيلة هوارة اللى كرروا غلطهم زمان و تاوا بتنا فى دارهم ومراعوش حرمة الجيرة.
قال (ناجى) بقلق:
-جصدك إيه ياأبوي؟
قال (عويس)بلهجة لا مجال لمقاطعتها:
-جصدى إن شرفنا اللى مرغته أختك فى الطين هيكون جصاده رجبتها ورجبة مهران وأبوه وعيلته كلياتها ياناجى، جلتوا إيه ياولاد الجبالى؟
قال (عزام)بنبرة قوية:
-مفيش جول بعد جولك ياأبوي.

ليتبادل كل من (محمد)و(ناجى)النظرات بينما ظهر الشر خالصا على وجه كل من (عويس الجبالى)وولده الكبير(عزام).

فى عيون تلك المرأة قد وجد لغزا إحتار فى فك طلاسمه...
فتارة تدعوه وتارة تبعده..
تارة تجعله رفيقا..
وتارة ترجعه إلى خانة الغرباء..
ولكن قلبه وخبرته وإحساسه و يقينه يخبرونه أن فى عيون محبوبته قد وجد بريقا يجعله موقن من إهتمامها...
فى تلك العيون وجد نفسه وتأكد من خلوده..
وفى إبتسامتها وجد وهجه...
وفى عشقها وجد، السكن.
توقفت (نوار)عن السير فجأة وهي تستدير قائلة بحنق:.

-إنت مش عتبطل تمشى ورايا فى الراحة والجاية ياجدع انت؟
طالعها بعيون هائمة وهو يقول:
-جلتلك جبل سابج، أنى ضلك اللى مش هيفارجك غير بالموت يامهجة الجلب، حبك بجى كيف الهوا اللى بتنفسه، جلبى إختارك من بين خلج ربنا كلياتهم عشان تكونى ملكة على عرشه.

شعرت (نوار)بالضعف يتسلل إلى كيانها، تذيب كلماته قرارها الذى إتخذته سابقا بتجاهل هذا العشق بعد أن صار يمتزج بدمائها، خوفا من أم لن تقبل بهذا العشق وسترفضه بكل تأكيد، لتقول بصوت متهدج:
-وأنى جلتلك جبل سابج تنسانى، أنى موعودة لإبن خالى ياإبن الناس، بزياداك عاد أنى مش ناجصة وجع.
أمسك (راجى)يدها بسرعة قائلا:
-بعيد الشر عنك يازينة البنات.
نزعت يدها من يده تزجره قائلة:.

-واه ياراجى، بعد، ولا إكمنى مليش أب فكرتنى سهلة إياك.
قال (راجى)بسرعة:.

-تنجطع رجابتى ويتخفى حسى من الدنيا كلاتها لو فكرت يوم إكده يازينة البنات، ربك اللى عالم إنتى إيه بالنسبة لى، بصى جوة جلبى هتلاجيه مداجش الفرح غير فى اليوم اللى شافك فيه، طيفك مبيفارجنيش لحظة واحدة، بجى كل حلمى إنك تكونى مرتى وأم عيالى، بجت حياتى كلها كنها ملهاش عازة غير لما بكون وياكى، ورغم إنى عارف إن عشجك كيف البحر عيغرجنى فيه لكنى مبسوط بإنى راح أموت وحروف إسمك محفورة فى جلبى.
قالت بسرعة:.

-بعيد الشر عنيك، إن شالله...
قطعت كلماتها تدرك تسرعها الذى فضح مشاعرها، لتقضم شفتها السفلى بأسنانها بينما إبتسم وهو يطالعها بعشق قائلا:
-يباركلى فيكى يانوارة جلبى.
جذبت شالها وهي توارى به وجهها قائلة:
-واه عاد، جلتلك بكفاياك، أنى لازمن أمشى، عوجت كتير على بنات خالى.
قال(راجى)بنبرة شابها الغيرة:
-وابن خالك؟!
كادت (نوار)أن تبتسم سعيدة بغيرته ولكنها إكتفت بقول:.

-أنى موعوداله صوح بس خلاص مبجاش الجلب ملكى عشان أجبره على طوعى، الجدر كيف برج السما، بيضرب وين مايحب ووجت مايحب واللى يصيبه ياويله وأنى صابنى الجدر وإنكتب علية الشجا، منزوعة بين جلبي وجدري وربك وحده جادر يخلى جدري كيف ما يريده جلبي.

قالت كلماتها وأسرعت بالرحيل بينما وقف(راجى)مشدوها، يدرك بكل بلاهة أن محبوبته إعترفت بمشاعرها تجاهه فى تلك اللحظة وأنه قدرها الذى ترغبه وليس الذى تعيشه، ليشمل عيونه العزم على نيلها، فمادامت تبادله مشاعره فسيلجأ للمستحيل كي يحصل عليها كزوجة حتى وإن لجأ لما عزف عنه دوما ورآه خاطئا، السحر، وأمه (عوالى).

يقولون أنك تستطيع قراءة قصة المرأة فى عينيها وقد كانت قصتها واضحة كالشمس، لقد عشقت وصار العشق محرابها ومعشوقها إلهها...
لقد أصبح عشقه كالدم يسرى فى شرايينها دون توقف..
يجعل قلبها ينبض بالحياة...
إنه الأمل الذى أشرق بنفسها...
السلام الذى سكن جوارحها...
إنه النعيم كما يجب أن يكون...
ولكن تجاهله لها ومعاملتها كإخوته، يعيدها لخانة الغرباء
ويجعلها عالقة، مابين الحياة والموت.

كانت تطالعه وهو يتحدث مع والدته بعيون هائمة ظهر بها العشق جليا لتوكزها(زهرة)قائلة بمزاح ساخر:
-خبى عيونك ياحزينة، ده انتى ناجص تدخليه جواتهم وتجفلى عليه بابهم، امى لو شافتك عترجعك لأهلك طوالى وعمتي عطخك بالبارود ونرتاح منيكى واصل.
أشاحت(بدارة)بعيونها عن( مهران )ووالدته قائلة بهيام:
-ليه عاد وأنى كنت عملت جريمة إياك؟أنى عشجت والعشج سلطان.
قالت (راوية)بمزاح:.

-واخدين بالنا يابدارة، العشج عيفط من عنيكى فط، أنى مخابراش كيف مهران مش واخد باله منيكى لحد دلوك.
قالت (بدارة)بحنق:
-عشان أعمى العين والنضر.
وكزتها (زهرة)قائلة:
-إتحشمى يابه، ده خينا الكبير ياحزينة.
تعلقت(بدارة)بذراع (زهرة)قائلة:
-طب ماتجوزونى خيكم، وأجوزكم خواتى التانين ناجى ومحمد.
تبادلا كل من(زهرة)و(راوية)النظرات قبل أن تقول الاخيرة:.

-كان بودنا يابدارة بس خينا موعود لنوار صاحبتك وبكده ضاعوا الجوازتين دول زي اللى سبجوهم، والله جربت أصدج إننا منحوسين.
قالت(بدارة) بسرعة:
-ولا نحس ولا حاجة، لو على نوار فدى سهلة، هي أصلا جالتلى إنها مش رايداه وإنها عت...
قطعت كلماتها وقد كادت أن تفضح سر صديقتها لتردف قائلة:
-هي بس مش راضية تزعل الست زبيدة منيها، لكن لو على جلبها فمش رايد اليمة دى واصل.
قالت(زهرة)بدهشة:.

-عجيبة والله، جبل اخوي مايعاود مكنلهاش سيرة غير سيرته، كنها بتعشجه صوح، إيه اللى بدل حالها إكده، تكونش إتصاوبت فى راسها إياك.
إبتسمت (راوية)بينما قالت (بدارة):
-ملناش صالح، المهم إنها شالت عنيها من على مهران، والسكة صارت فاضية، مفاضلش بس غير إنه يشوفنى صبية تتحب، هو شايفنى صبية صوح بس عمرها سنتين وبترضع كومان.

لم تستطع كل من(راوية) و(زهرة)أن تكتما ضحكتهما التى أفلتت فجأة فنظر كل من (مهران)والحاجة (ثريا)بإتجاههما لتكتما ضحكاتهما بصعوبة قبل أن يعاود (مهران)الحديث مع والدته، وتقول (زهرة)ل(بدارة):
-يخرب مطنك ياشيخة كنتى عتودينا فى داهية، تعالوا نجعد فى جوضتنا وبلاش منيها الفضايح دى عاد.
قالت(بدارة)بإستنكار:
-وسى مهران؟!
قالت (راوية):.

-مدى ياحزينة، مهران إيه دلوكيت؟ده هبابة ومهران وأم مهران هيطردونا برة الجصر ويكسروا ورانا زير كومان.
سارت معهم مضطرة وهي تتابعه بعينيها قبل أن يختفى عن ناظريها.

إنزوت (نوار)ب(بدارة)جانبا قبل أن تقول الأخيرة:
-وبعدهالك يانوار، آخرته إيه العشج ده، لازمن تصارحى أمك بمشاعرك جبل ماتتورطى فى جوازة مش رايداها، أجولك إهربى كيف ماهربت وإتجوزيه.
ضربت (نوار)على رأس(بدارة)بخفة قائلة:
-أهرب كيف يعنى، دى كانت أمى تروح فيها.
تحسست (بدارة)راسها قائلة بحنق:
-خلاص عاد، أنى بنصحك جبل ماتلاجى نفسك مرت مهران الهوارى وانتى جلبك مع راجى...
عقدت حاجبيها وهي تردف قائلة:.

-إلا صحيح، هو إسمه راجى إيه؟
هزت (نوار)كتفيها بحيرة قائلة:
-مخابراش، مجتش مناسبة يجولى فيها على إسمه.
قالت(بدارة)بإستنكار:
-ياحزنك يابدارة يابنت فهيمة، ده إنتى طلعتى أهبل منى ياحزينة، عتحبى حدا متعرفيش إسمه؟!
قالت(نوار)بهيام:.

-مش محتاجة أعرف حاجة عنه غير العشج اللى بشوفه فى عنيه لما يطلعلى، اجمل حاجة ممكن البت فينا تلاجيها هي إنها تلاجى راجل يعشجها صوح، ويحججلها أحلامها اللى ياما حلمت بيها، انتى خابرة يابدارة، لمن بشوفه، بيدج جلبى كيف الطبول وبيتسابجوا دجاته كيف الرهوان، لمن بشوفه بحس إنى بشوف فيه نفسى ولمن بسمعه بحس إن روحى بتتسحب منى، بتمنى وجتها إنى أفضل حده وأسمعه كمان وكمان، بحس وجتها إنى لجيت جنتى على الأرض.

قالت(بدارة)بهيام:
-واه ياأبوي، كنك وصفتى اللى جوايا يانوار، العشج واعر جوى عيخلينا حدا تانى لما نتكلم عنيه.
أفاقت (نوار)من تلك الحالة التى تعتريها وهي تطالع صديقتها قائلة بدهشة:
-وانتى عشجتى ميته وكيف؟انتى مش جلتيلى لمن هربتى من الجوازة اللى أبوك دبرلهالك، إنك مش عايزة تتجوزى من غير حب وإنك لسة مجابلتيش حدا تحبيه ويخطفك على حصانه.
قالت(بدارة)بهيام:.

-جابلته ياخيتى، جابلته وعشجته بس هو ولا كنه شايفنى ولا حاسس بية، مشغول طوالى ولو شافنى بيشوفنى كيف أخواته البنات.
عقدت (نوار)حاجبيها فى حيرة للحظة قبل أن تتسع عيونها فى صدمة، لتهز (بدارة)رأسها قائلة بمرارة:
-إيوة يانوار، أنا عشجت مهران ولد خالك، ووجعت فى حبه كيف الرطل كمان.

دلف (مهران)إلى حجرة والده الذى ماإن راى ملامحه القلقة حتى بادره قائلا:
-خير ياولدى؟!
قال (مهران):
-الجبالية جمعوا ناسهم وجايين على كفر هوارة ياأبوي.
ظهر القلق على ملامح (عسران)بدوره وشعر بالضعف والدوار، أسرع (مهران )يسنده قائلا:
-إجعد ياأبوي، إنت لساتك ضعيف.
قال(عسران):.

-مفيش وجت للضعف ياولدى، الجبالية ناس واعرة جوى، ولازم نستعد لجايتهم حدانا، انى جلتلك جبل سابج بلاش نحمي بتهم فى دارنا وبلدنا بس إنت كابرت وآدى النتيجة، خراب ع الكل.
قال(مهران):
-مكنش ينفع ياأبوي مرة تتحامى فينا ونرجعها لأهلها يجبروها على جوازة مش رايداها.
قال(عسران) بقلة حيلة:
-ده سلونا وعاداتنا من جديم الأزل ياولدى.
قال(مهران):.

-الجواز مش غصب ياأبوي، لازمن يكون بالرضا، السلو لازم يتغير أدامه غلط، وعموما متجلجش، أنى جمعت الرجالة وخليتهم كلياتهم على أهبة الإستعداد وأعلنت حالة الطوارئ، أنى مش عايزك تخاف من حاجة طول ماأنى جنبك.
ربت (عسران)على ذراع ولده قائلا:.

-تسلم ياولدى من كل شر، أنى مش خايف، أنى بس عارف هم جايين ليه وجصدهم إيه، عايزين ينتجموا من اللى حوصل زمان، مش جادرين يستوعبوا إن الجدر غلاب وإن إحنا ملناش صالح بيه، عايزين ياخدوا بتارهم من الهوارية كلياتهم عشان واحد فيهم غلط زمان، بس الغلط عنديهم مش مسموح بيه، وتمنه الدم، الدم اللى هيغرجنا كلنا لو موجفناهوش النهاردة، فى دارنا ياولدى.

لم يفهم(مهران)ماذا يقصد أبيه بكلماته ولم يكن هناك وقت لطرح الأسئلة الآن، لذا فقد قال بحزم:
-جلتلك متجلجش ياأبوي، أنى جهزت كل حاجة عشان ندافع عن دارنا و بلدنا ولو حد فيهم جرب من مخلوج فى البلد يبجى هم اللى إبتدوا والبادى أظلم.
طالعه (عسران)ولسان حاله يقول..
نحن من بدأنا بالظلم يابني والآن نجنى مازرعناه بالماضى، هذا الماضى الذى إتشح بالسواد وربما اتشح حاضره ومستقبله بالسواد أيضا، إلا إذا...

ربما بدا جنونا ولكنه بالتأكيد قد يكون الحل الأمثل لوقف سفك الدماء، وإسدال الستار على ماض أليم، وإعمام السلام فى البلدتين، او هكذا يأمل.


look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:02 مساءً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل السابع

العهود التي نقطعها دوائر مغلقة تلتف حول أعناقنا على حين غرة لأننا نحاول تحدي أقدارنا بها لذلك غالبا ماتنكث، يقولون - اقتباسا من الذكر الحكيم - أنه لايمكن أن يكون للرجل قلبين في جوف واحد وأنني أحمل القلبين على روحي المنشطرة فما أكاد أميل إلى قلب فينكسر الآخر فبقي قلبي يتأرج داخل ذات الدائرة -دائرة العهد- بين الحب والواجب.

لم يكن(مهران )يوما شخص تطويه الضغوطات كان دائما ما يواجه بإصرار ولحين كان قلبه لايزال سليما، لايزال قطعة واحدة أما الآن يشعر أنه يختنق حتى الكلمات التي تلفظها حنجرته تكاد تحبس أنفاسه..

وقف على شرفته غارق في أفكاره وسحابة دخان السيجارة التي بين يديه، هذه المرة الأمر لايتعلق بالعائلة فقط بل بالعشيرة كلها وبما أنه شخص مسالم -عادة- لايريد اللجوء إلى العنف من أجل حل هذه المشكلة التي أوقعتهم فيها( بدارة )، وقتذاك سمع طرقات خفيفة على الباب فظن أنها والدته أطفأ سيجارته وأذن لها بالدخول وهو لايزال في حالة شرود..

دخلت ووقفت بجانبه تمسك بسور الشرفة فنظر إليها بجانب عينه ثم التف اليها قائلا:
إنتي جاية أوضتي ليه يابتاعة إنتي؟
فقالت وكان يبدو عليها الارهاق من فرط الحزن:.

عياخدوني ويجوزوني للي رايدينه وهعيش كيف البهيمة محدش هيبجى شايفني غير خدامة ومرة أجيب و أربي عيال، محدش هياجي ويسألني كيفك ولا مضايجك ايه، عشان اكده أنى هملتهم وانى خابرة زين لو لو جوني هيجطعوا رجبتي بس مافرجاشي أهو الموت مرة أهون من إنى أموت وأنى عايشة، من الآخر ياسي مهران أنا هعاود دوارنا مايرضنيش حدا مالوش ذنب يتأذى بسببي، أنا دخلت أوضتك عشان أتشكرك وأجولك ياكرم أصلك يابن الأصول، إنت دخلتني بيتكم وتاوتني، بس الحين لازمن أفوتك بعافية.

وقف (مهران )مشدوها مقبض القلب، هناك شعور غريب تلبسه، لما شعر أنه متخشب حين سمع كلمة وداع؟ إذن هكذا يكون الوداع، لذا لم تقوى (شذا) عليه وقتها، أدرك أنها لو فعلت كان ليحطمه وداعها أكثر من رحيلها بحد ذاته.
حين وجدته( بدارة) صامتا همت لتغادر فالتفت واسند ظهره على السور وقال:
على أنهي دوار المرة دي؟ اثبتي مكانك ياحرمة وكفاياكي تخريف عاد، مافيش طلعة من اهنه ومحدش هيتأذى بأمر الله، روحي اكده من وشي.

طالعته بغضب وقالت:
يابتاعة، ياحرمة، ياحزينة معندكشي اسم غير دول تنادم علية بيه، وبعدين اسمي ماله هااا، بدارة، ب د ا رة، شوفته مليح كيف!
ابتسم وقال:
طويب يابدر البدور هانم شهلي اعمليلي جهوة وابعتيها مع زهرة.
قالت بلهفة:
أنا ممكن أجيبهالك كومان.
قال بإبتسامة:
لاه توشكري انتي إعمليها ويبجى جميلة منك ياختي.

تجهم وجه (بدارة )وغادرت غرفته قبل أن تسقط دمعتها، كلمة ياختي وقد كانت كلمة ساخرة منه لكنها أوجعت قلبها وزالت عنه نشوة فرحتها بأنه يريدها أن تظل بينهم واعترض على رحيلها أما هو فجلس يسند رأسه على يده واليد الأخر مثنية على ركبته التي يهزها من شدة توتره والالم الذي لاينفك يراوده منذ عودته، كأنه مدمن يعيش حالة إنسحاب بينما دخلت (زهرة )تحمل القهوة فوقفت أمامه وقالت:
جهوتك ياخوي!

فانتفض واقفا كقط مذعور وقد قلب فنجان القهوة وأمسك (زهرة )بكلتا يديها يطالعها بعينين جاحظتين ونزيف أنفه يغرق أسفل وجهه، فزعت (زهرة )من حالته وبدأت تقول بتلعثم:
ممهران، مالك ياخوي، ممهرا، ن، مهران!؟
ثم صرخت:
- ياماااااي، يامااااي!
ركضت كل من (ثريا )و(زبيدة )والفتيات على صوت (زهرة) التي كانت تهزه محاولة تخليص يديها وإعادته لوعيه لكنه لم يستجب لها، وجداهما على تلك الحالة فصرخت( ثريا ):.

مالكم ياولاد، مهران ولدي همل خيتك!
لكنها وجدت ذقنه غارقا في الدماء التي نزلت على قميصه أيضا فاردفت:
-قل اعوذ برب الفلق من شر ماخلق، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
فوقع (مهران) مغشيا عليه وقد انتابته حالة صرع تعالى على إثرها صرخاتهن إلا (زبيدة )التي كانت تصطنع الخوف ولسان حالها يقول:
- مدد يا اسيادنا مدد، حضروا حضروا.

بينما أسرعت( نوار )تنادي (كامل) و(عواد)، أما( بدارة )فوضعت رأسه على ركبتها وأرجعت رأسه إلى الخلف بينما قالت:
ثبتي رجليه يازهرة، وانتوا بطلوا تولولوا مش هيفيج اكده، سكتوا حسكم وابعدو عن خلجته عشان يتنفس..
أمسكت يديه وجمعتها على صدره وماهي إلا ثوان حتى هدأ وتوقف النزيف من أنفه فهتفت في( راوية):
-هاتي خرجة مبلولة ننضف الدم ده ياراوية.
دخل العم (عواد) والعم( كامل) فأردفت:.

-جيتوا بوجتكم، جربوا نحملوه للسرير.
وضعوه بسريره فقال العم (كامل ):
أنا هجيب الداكتور من المستوصف وأعاود بسرعة.
بدأت( بدارة )في جس نبضه فوجدته ضعيفا جدا فقالت ل(نوار):
حمامة على المطبخ يانوار، ابشري فصين توم واخلطيهم مع شوية مي وسكر بسرعة دجات جلبه ضعيفة جوي.
فركضت( نوار )نحو المطبخ مرتبكة بينما جلست( ثريا) الملتاعة عند قدميه المتجمدتين تفركهما وهي تبكي:.

-ايه اللي حوصلك ياولدي، اتحسدت ياكبدي، آه ياجلبي، فتح عينك ياجلب أمك..
والتفت إلى (زهرة )المرتجفة:
انتي يامجصوفة الرجبة جلتي ايه لخيك خليتيه كيف اكده، انطجي!
فقالت (زهرة )الباكية:
يمين بالله ماعملت حاجة انا جبتلوا الجهوة ويادوب بجوله جهوتك ياخوي هب واجف وانجلبت الجهوة ومسكني من يدي وبجت حالته اكده.
فقالت (راوية )وهي تحضن( زهرة ):.

هو بجاله تعبان من كام يوم بيشتكي من الصداع يمكن نزل ضغطه، لمن يفوج عنعرف فيه ايه.
فأردفت( بدارة) بعد أن جرعته من مشروب الثوم المبشور الذي أحضرته( نوار ):
راوية معاها حج ياعمة ديه حالة صرع بتحصل لمن يكون الصداع جوي ومايجدرشي يتحمل حدا.
أما( زبيدة )فكانت تطالع مايحدث بعيون صقر لامعة ولسان حالها يقول:
-ماعتشوفشي غير بتي ياولد ثريا.
دخل العم (كامل )وقال:
فضوا الاوضة الداكتور وصل.

خرجت الفتيات برفقة( زبيدة )ولم تبق سوى( ثريا) و(بدارة) فقال( كامل):
انتي كمان يابتي اطلعي ويا خياتك.
فقالت( بدارة ):
أخوي داكتور ياعم كامل وعلامني شوية حاجات انا هستنا وياكم عشان لو وصى الداكتور بحاجة أعملها لاني بفهم في الحاجات ديه..
نظر (كامل) إلى الحاجة( ثريا )فأومأت له برأسها ثم قال بصوت عال:
-اتفضل ياداكتور!

دخل الطبيب الذي القى السلام وشرع يفحص (مهران) ويقيس نبضه وضغطه و فحص فمه وعينيه وأذنيه، ثم قال وهو يستعد لحقنه:
عنده هبوط حاد دخل في صدمة لازم ننقلوا المستشفى حالا.
حقنه ثم التفت الى( كامل )وأردف:
-اتصل بالاسعاف ياعم كامل عشان ننقلوا للمستشفى الكبيرة بالمدينة.
فقالت (بدارة ):
والنزيف والصرع ياداكتور؟
فقال:.

كويس أنه نزف كان ممكن يحصله نزيف داخلي نتيجة جلطة، ماتقلقوش الخطر عدا الواضح انكم لحقتوه واتصرفتوا صح والا ماكناش واقفين كده لاسمح الله..
ضربت( ثريا )على صدرها مولولة فاحتضنتها (بدارة) تحاول تهدئتها بينما دخل( كامل) وهو يقول:
الاسعاف على الطريج، خدي عمتك الحاجة يابتي، هنغيرلوا هدمته جبل ماتوصل الاسعاف.

بدأ الجميع في نواح ونشيج بينما (زبيدة) بدأ الخوف يتسلل إلى أوصالها فانسحبت بعدما مثلت الاهتمام وهي تواسي (ثريا )ثم قالت تخاطب( راوية):
اتصلي على أبوكي وخبريه يلحجهم على هناك ياراوية بس ماتخرعيهوشي، جولي تعب واخده كامل ماتجبيشي سيرة الاسعاف..
تعالي يانفيسة ناخد ثريا غرفتها ترتاح..
فقالت( ثريا )بغضب:
-وخروا عني، أنا لازمن أروح اشوف ولدي، دا وحيدي، كبدي ياخلج.

اتت (حورية )تمسك بكأس من ماء وجعلت( ثريا) تشربه، وبعد لحظات بدأ مفعوله فهدأت قليلا وتراخت فاسندنها إلى غرفتها فغطت بنوم عميق.
وقتها انسحت( زبيدة )إلى الخارج مستغلة انشغال الجميع ب(ثريا)، وتوجهت نحو بيت (عوالي) اطراف البلدة فوجدت( راجى) كالعادة وطلبت أن ترى والدته فأخبرها أن تنتظر لأنها في خلوتها ولايمكنه الدخول عليها إلى أن تنتهي..

جلست بتوتر وهي تفرك يديها وآلاف الأفكار تتناطح برأسها اقترب منها (راجي )وقال:
الدنيا سجعة كيف الجليد، تشربي شاي؟اعملك معاي؟
فقالت بنفاذ صبر:
هملني ياجدع انت، روحي فى مناخيري ماعيزاشي حاجة غير الشيخة تخلص بسرعة وأجابلها.
فقال وهو يكلم نفسه:.

عجربة مش فاهم كيف مخلفة ملاك زي نوارتي، يجطعه نسب بس عشان نوارتي استحمل المر والأمر كومان، عشرب شاي بروحي بناجص منيها وانا اللي جلت عتجرب منيها عشان هتبجى حماتي بس طلعت يابووووي سم سم، اتفوه، اخص.
انتظرت (زبيدة) مايقارب النصف ساعة و(راجي) يطالع توترها الشديد من بعيد إلى أن سمع صوت والدته وهي تناديه فدخل إليها:
خد الحاجات ديه واعمل بيهم كيف العادة!
قال بحنق:
العجربة زبيدة اهنه وباين عليها الهم.

ابتسمت (عوالي )وقالت:
هشوفها رايدة ايه ديه.
خرج( راجي) وخرجت خلفه (عوالي) فأقبلت عليها (زبيدة )وقالت:
الواد كان عيموت ماإتفجناشي على اكده جولتلك زوجيه بتي مش تجتليه.
فقالت (عوالي) بغضب:
واجتلو ليه عاد؟وه، مالياش صالح بيه أنا عملت اللي طلبتيه، بس كنهم شداد عليه ماتحملهمشي فرفور كيف ابوه.
فقالت( زبيدة):
-والعمل ايه دلوك ياشيخة؟
جلست (عوالي) وارتشفت من كأس الشاي التي كان يشرب منها( راجي) وقالت:.

متخافيشي هيجوم منيها وعخففله العيار المرة الجاية، عاودي دوارك دلوك هيرجعلكم سبع الهوارة ماتخافوشي.
خرجت (زبيدة) وقد شعرت أنها أخطأت في اللجوء إلى (عوالي )في هذا الأمر الذي ظنته سيكون مصدر سعادتها لا حزنها، أن يموت( مهران) الآن ليس كموته بعد أن يتزوج إبنتها لذا عليها أن تفكر جيدا قبل أن تقحم (عوالي) في هذا الأمر مرة أخرى.

مرت ليلة عصيبة على الجميع، لم يفارق فيها الحاج (عسران) سجادته بين صلاة ودعاء وتلاوة، ودموعه تتدفق كسيل عرم وما أن بلغ الفجر حتى رن هاتفه باسم( كامل )الذي أخبره أن( مهران) استفاق وهو بخير فأقفل الخط وأجهش ببكاء مرير حتى وصل صوته إلى البنات فأفزعهن فأتين راكضات إللى غرفته فقال:
خيكم فاج يابنات، كامل جال انه زين.
فرحن يرددن:
- الحمد لله الحمد لله يارب!

توجهت( بدارة )إلى غرفة الفتيات وأطلقت لنحيبها العنان، لحقتها( نوار) وقامت باحتضانها:
كفاياكي ياخيتي مش هو بجى كويس؟
قالت بلوعة:
ماجدراشي يانوار، حاسة جلبي عيوجف من الوجع، كان بين يدي كنه من غير روح لو راح مني أموت، بحبه جوي يانوار أنا روحي اتعلجت بيه اعمل ايه، دا اللي حوصل.
اقترب كل من (زهرة) و(راوية )وقد سمعتا حديثها واحتضن بعضهن بعضانا وأخذن يبكين حتى غلبهن النوم.

أصبح الصباح ممطرا رياحه غاضبة تعصف بكل شيء..
دخل (عزام) على والده وهو يحتسي قهوته وقال بعد أن قبل يده وألقى تحية الصباح عليه:
مهران الهواري بالمستشفى يابوي، بيجولوا ايجتو الجلطة وكان عيموت فيها.
فقال الحاج (عويس):
لاحول ولا قوة الا بالله.
فقال (عزام ):
مايصعبشي عليك يابوي ربنا اخد بحجنا منيه، ولسه عيشوف المرار على يدنا.
فقال (محمد )وقد دخل عليهم:.

حرام عليك ياأخوي، المرض مافيهوش تشفي مايبجاشي جلبك اسود عاد.
حدجه (عزام )بنظرات حارقة بينما قال والدهما:
ناولني التلافون يامحمد اهه هناك اهه.
ناوله الهاتف فطبع عليه بضع أرقام ووضع على أذنه وقال:
السلام عليكم، مش آن الأوان نتجابل ولا ايه جولك؟، يبجى بمكنة زمان فاكرها لساك ولا ناسيت؟، عال عستناك ماتعوجشي!
فقال (عزام )بفضول:
-اتحدتت ويا مين ياأبوي؟
فقال وهو يستقيم مغادرا:
شغلة كبار مالكشي صولح فيها ياعزام.

على ضفاف النيل بحدود القرى النوبية كان يجلس (عسران )داخل كوخ من الطوب الأحمر يستطيل ظله مع تراقص ألسنة النار العالية التي أوقدها من أجل التدفئة والإنارة، ماهي إلا لحظات حتى دخل( عويس) يجر عصاته وراءه وهو أكبر من (عسران) بأكثر من عشر سنوات، وقف بهيبة وبعد أن ألقى السلام قال:
عاودت غلطة زمان ياعسران ليه عاد؟
فقال( عسران) وهو يفرك يديه قرب النار:.

ياريتها كانت غلطة إنما ده جدر ياحاج عويس لابيدي ولا بيدك وانت خابرني زين الي يدج بابي ماسكرهوشي فى خلجته واصل، والله بسماه عالم بتك في عيني كيف بناتي في الحفظ والصون ولأني خابرك زين عارفك عتعمل فيها ايه لو خدتها من بيتي عشان اكده عجولك بلاش دم ياحاج، بلاش تفرط في بتك الوحيدة.
جلس( عويس) على صخرة أمامه وقال:
بتي فرطت فيا وفي سمعتي جدام الخلج وخرجت عن طوعي، عجابها واضح زي الشمس.
قال(عسران)بإستنكار:.

انك تجوازها غصبن عنيها مش عجاب بردك؟
قال(عويس):
وه عاد؟ من ميتا بناخد برأي النسوان في الجواز؟
قال (عسران):
يبجى ظلم ياحاج عويس!
رمقه (عويس)بعتاب قائلا:
لو رايد ظلم ماكنتش جبتك اهنه ولا بتحدت وياك كيف دلوك.
قال(عسران)بحيرة:
واللي يرضيك؟
سكت (عويس)هنيهة ثم قال:
الجواز.
قال(عسران):
كيف يعني الجواز؟
قال (عويس )بحزم:.

بتي فى دوارك وسط عيلتك من سبوعين بحالهم وانت بدارك راجل لو جوزتهاله الناس عتجول بته هربت من عريسها عشان تتجوز ولد عمدة الهوارة
وأنا ماعنديش مانع أجوزهاله بشرط آخد بت من بناتك لولدي محمد جصادها.
قال(عسران )بإستنكار:.

ايه الحديت الماسخ اللي بتجوله ده، بت مين اللي جصاد مين؟ هنجوز مهران وبدارة وفضت وعشان كلام اهل البلد هعملهم فرح كابير بالساحة اعزم عليه كل الناس وتبجى فرحة كبيرة ماعيكلموشي عن حاجة واصل غيرها.
فقال( عويس) وهو يستقيم:
إنت صحتك على كدك وولدك كومان، وأنا جلت اللي عندي، معاك جمعة تفكر زين بحديتي وبعدها أقدار نافدة ياأخوي، فتك بعافية ياولد الهوارة.

جلس (عسران) مكانه يفكر في كلام (عويس) بقلة حيلة، ابنته من جهة و(بدارة) من جهة، لايستطيع التفريط فى إحداهما.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 10 < 1 2 3 4 5 6 7 8 10 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
لمالكي هيونداي النترا تحذير من هيئة الرقابة علي الصادرات Moha
0 315 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، الرقاب ، نافذ ،












الساعة الآن 02:01 PM