logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 5 من 10 < 1 3 4 5 6 7 8 9 10 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 04:15 مساءً   [28]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

السعادة هي أن تكتسب شخصا لايجيد التصنع ولا يخفي نواياه تحت الأقنعة، أن تغيب عن عينيه وقلبه بك متعلق، أن يجعل منه القدر روحا تغنيك عن كل الأرواح..

توالت الأسابيع الثقيلة على عائلة الهوارة وتوالت معها عدد المرات التي كانت تهرب فيها (نوار) من البيت و تهيم على وجهها في شوارع البلدة غالبا ماتنتهي بها قدماها في المقبرة ويجدها العم (كامل) مستلقية أمام قبر (راجي) والقبر الذي صنعته من أجل ابنها - كانت في أحد مرات اختفاءها قد كوّمت كمية من التراب كقبة صغيرة أمام قبر (راجي) وحاوطتها بالطوب وجعلت منها قبر ابنها الذي أطلقت عليه اسم (رحيم)، شاع أمر علاقتها ب (راجي) في البلدة والبلدات المجاورة وتعالت الهمسات عليها لم تسلم من ألسنة الناس ولا من نظراتهم التي تحتقرها، ماكان يخشاه (عسران) قد حدث فأصبح همه أشد ثقلا كان بحاجة ماسة إلى (مهران) كي يقف بجواره ويسانده في أمره لكن (مهران) كان يرفض الحديث معه والرد على مكالماته..

دخلت زبيدة إلى غرفتها فلم تجدها فخرجت تصيح بهلع:
ياخوي!، ياخوي نوار مش لجياها، شكلها استغفلتني و اختفت تاني..
وضع فنجان القهوة من يديه وهو يطالعها بغضب ثم استشاط بها قائلا:
جلتلك ايه جبل سابج؟ ماتهمليهاش غمضة عين! ما، تهما، لي، هاش، جلت ولا ماجلتش!
وارتفع صوته ينادي على (عواد) وما أن إمتثل بين يديه حتى أردف:
نوار طلعت من البيت ياعواد؟
فأجابه (عواد) بارتباك:.

لاه ياكبير ماطلعتشي، أنا جاعد يمة الباب من العصر وكامل جاعد يمة الباب الكابير لو كانت طلعت كنا شفناها، مطلعتشي، احنا مفاتحين!
استدار (عسران) نحو (زبيدة) فقالت (ثريا):
دورتي زين يا زبيدة في البيت؟
فأجابتها:
لاه! هي كانت متمددة جلتلها هجيبلك حاجة تاكليها وارجعلك ونزلت تحت رجعت مالجيتهاش.
أمسك (عسران) عمامته يعدلها فوق رأسه وقال بغضب وهو يشير بأصبعه نحوهم:.

الحريم تدور جوات البيت وانت ياعواد شوف بالحديجة برا يمكن طلعت وماشفتهاش، اخرتي معاكم انجلط!
اقتربت منه (ثريا) تحاول تهدئته وقالت:
ربك هيفرجها علينا ياحاج لازمن نصبر على حكمته، اجعد أنت بس ونوار هنلاجيها ماتجلجش!
جلس (عسران) بارهاق وهو يوحد و يحوقل بينما هم كذلك حتى سمعوا صوت (كامل) وهو ينادي:
الحجني ياكابير!، ياحاجة فينكم!، الحجوني ياخلج!.

ركضوا جميعا نحو الخارج حيث يقف (كامل) وسط الساحة الجانبيّة من البيت التي تواجه المطبخ وهو يرفع رأسه إلى الأعلى ويمسك جلبابه بيد واليد الأخرى يضعها على رأسه وما أن رآهم حتى أشار لهم بالاقتراب، فارتفعت الرؤوس وتعالت الصراخات..

كانت (نوار) تقف على حافة سور الشرفة بالطابق الثاني على ارتفاع ستة أمتار من الأرض تنظر إلى جانبها وتتمتم كما لو كانت تتحدث إلى شخص ما، أصوات عالية متداخلة من العائلة تنهرها عن فعل ماتنوي فعله، تجمد الدم في عروقهم ينتظرون سقوطها وماهي إلا طرفة حتى هوت تلتقطها أيديهم دون أن تمنع جسدها الهزيل أن يصطدم بالأرض وهم حولها بين نواح وصريخ...
هرعت (راوية) تتصل بالاسعاف بينما أخذ (عسران) يقول:.

أوعوا تحركوها، شكلها اتكسرت...
أما (زبيدة) فكانت تردد بهستيريا:
نوار ماتت، أنى جتلت بتي! أنى جتلتها!
لتمسكها (حورية) وتحاول جعلها تستفيق من صدمتها فجرتها جرا إلى المطبخ ومسحت وجهها بالماء البارد وهي تقول:
نوار عايشة، نوار عايشة مامتتش! اهدي..

أدرك (عسران) الجالس يحتضن رأس (نوار) أن أنانيته جعلته يحبس (نوار) في بيته وهي في أمس الحاجة إلى العلاج والمتابعة النفسية لتخرج من الظلام الذي يبتلعها يوما بعد يوم حتى كاد يتسبب في مقتلها لولا تجمعهم لنجدتها في اخر لحظة.

في الجانب الآخر من العالم..

هاقد مر شهر بأكمله منذ أن رحل (مهران) غاضبا وهاربا من عائلته لم يشعر بالراحة التي كان يظن أنه سيشعر بها إن ابتعد عنهم، كانت (ناتالي) تطمئنه عن أحوالهم دائما، أخبرته عن فقدان (نوار) لجنينها كما أخبرته عن تدهور حالتها النفسية والصحية وصومها عن الكلام والتفاعل حتى أصبحت كائنا جامدا يحترق بما بداخله بمعزل عن إحساس من حوله، شعر بالأسى لحالها فهو يدرك تماما أن لاذنب لها في ما كانت تفعله والدتها، يشفق عليها لأنه يشعر بانشطار قلبها وتصدع روحها بوفاة حبيبها ثم جنينها إنها تتحمل مالا يتحمله أحد فلن يستغرب من انهيارها...

طالبته (ناتالي) بالعودة مرارا فيخبرها أنه بحاجة للمزيد من الوقت، الوقت يمضي وحاجته لا تتقلص أبدا، لايزال يشعر أنه لايستطيع تقبل سماع تبريرات والده للحقائق التي عرفها عنه، إنه يتألم بشده حتى وإن تظاهر بالصمود والتعافي..
عاداته اليومية أصبحت مكالمة (بدارة) مساءا يكتفي بمكالمة صوتية بعد أن بدأت ترفض مؤخرا مكالمة الفيديو، إنه شهرها الخامس لم يتبق الكثير على موعد وضعها.

كلما يتذكر أنه تركها في أكثر الأوقات حاجة إليه ترتعد نفسه لوما.
كل ما يفعله هنا هو الذهاب إلى الجامعة أحيانا والسهر برفقة أصدقائه أحيانا أخرى وغالبا ما يقضي وقته بالقرب من الجسر يحدق فيه بحنين وغضب، حنين لأنه وبالرغم من كل شيء يشتاق إلى (فدوى)، والغضب برغم كل شيء لم يستطع أن يمتلك حب (فدوى).

وكما جرت العادة هاهو يحمل كوب قهوته يجلس طرف سيارته يطالع الجسر المقرفص أمامه بشموخ وقتذاك وصلته رسالة عبر الواتساب من أخته (زهرة)، فتحها ليجد محتواها..

نوار حاولت تنتحر يامهران وأبوي حالته ماتطمنشي، البلد كولاتها جايبة في سيرتنا، ارجع ياخوي أحب على يدك، بدارة كومان تعبانة ومش بتطلع من أوضتها، الصبح محمد جاب تحاليلها بجى عندها أنيميا من جلة الوكل والزعل والسكر عندها بينزل ده غير لما رحنا للداكتور وجال لازمن ترتاح عشان ضغطها بيعلى..
حرام عليك يامهران تهملنا فى حالتنا ديه، عاود ياخوي!

ما إن قرأ رسالتها حتى وقعت قهوته وتناثرت على رجله، شعر لحظتها أنه فكر بأنانية حين ترك والده يتخبط في مشاكل لتتناسب صحته، قفز في سيارته وانطلق يدعو في سره أن يجد تذكرة لطائرة تعود به إلى وطنه بسرعة.

عادت (بدارة) إلى بيت الهوارة وقد صاحبتها (ناتالي) لتقوم برعايتها لكنها كانت تلازم غرفتها كما كانت تفعل في بيت والدها لا تخرج منها إلا للضرورة..
أما (راوية) فكانت تشارك همومها مع (ناجي) الذي ما توانى يوما عن مواساتها عبر الرسائل الإلكترونية بينهما حين يجدان متسع من الوقت في خضم فوضى المشاكل التي تغرق فيها العائلة..

جلست (راوية) بغرفتها منهكة وقد حملت هاتفها لتجد عدة رسائل من (ناجي) يسأل عن حالها، فكتبت له:
-الدار كنها صابتها لعنة معارفينش نخلصوا منيها، أبوي دايما حزين وجاعد لحاله جليل الكلام وأمي مشغولة مع عمتي ونوار و بدارة ياجاعدة مع ناتالي ياجاعدة مع فدوى يا جاعدة بروحها، عتشتاج لأخوي، والشوج عيحرج جلبها، أني حاسة بيها.
كتب:
- جد ياراوية تحسي بالشوج؟!
كتبت تحاول تغيير مجرى الحديث:.

-جولي جاعد بتعمل إيه لحد دلوكيت؟
أدرك تهربها من كلماته التي تعبر عن عاطفته القوية، وكتب:
- الحمد لله خلينا جضية فدوى وعمها وابنه اترحلوا على روما من أمن السفارة واتسلموا للأمن هناك، ودلوك ببحث في جضية عترافع فيها بعد سبوع من دلوك!
كتبت:
-إحكيلي عنيها.
كتب:
-مابلاش، عتجيكي كوابيس.
إبتسمت تكتب:
-متجلجش، مبخافش بسهولة.
إبتسم بدوره يكتب:.

-طب شوفي ياستي، وكيلي متهم في جضية جتل، مرت الضحية إتهمته بجتل جوزها، كان بيناتهم تار زي مابتجول، النيابة عثرت على المجني عليه مجتول في صالة بيتهم ب٣ رصاصات في الصدر والطلجات أحدثت فتحات دخول وخروج، المشكلة إن الجريمة لابساه لابساه بسبب التار ده، وشهادة مرات المغدور كومان ومع أكده الجضية ناجصة، موكلي بيجول أن مابناتهمش تار ولا حاجة هما شركا فى أرض اشتروها مع بعض وعيخدموها بس ماتفجوش على تجسيمها وصار خلاف بسيط عركة يعني بالعصي وكل واحد راح دواره.

فكرت (راوية) للحظات قبل أن تكتب:
- هو اللي عايز ياخد بتاره يجتل الجتيل بنص بيته؟!
كتب:
- على رأيك! بس الست مصممة على كلامها.
صمتت لبرهة مجددا قبل أن تكتب:.

-مستحيل يكون تار أو حتى حرامي، وجتها كان الجاني هيكسر شباك أو باب عشان يدخل الدار، لكن من الواضح إن الجاني كان معاه مفتاح الشجة، كمان فتحات دخول وخروج الرصاص عيجولوا إن الجاني جتل الضحية من مكان جريب، نص متر تجريبا، أكيد الجاني كان يعرف الضحية كويس وده معناه حاجة واحدة بس.
كتب (ناجي):
-إن مرت الضحية متورطة بشكل ما في الجضية، ياهي الجاني، ياشريكه معاه؟مش إكده؟
كتبت:
- أظن إكده.
كتب:.

-ده اللي ظنيت فيه وناوى أدعبس ورا الاحتمال ده، بس جوليلي إيه الحلاوة دي؟هتفكري زين جوي ياراوية، كنك مفتش مباحث.
كتبت وهي تبتسم وقد شعرت بالاطراء من كلماته:
-مش جوى إكده، كل الحكاية إني بحب أطالع روايات أجاثا كريستي وتجريبا جريتهم كولاتهم.
صمت (ناجي) للحظة قبل أن يكتب:
-إنتي ليه مكملتيش تعليمك ياراوية؟
كتبت:
-هو آني اللي عجولك ياناجي على عوايدنا؟حدانا التعليم للرجالة وبس.
كتب:.

-طب إيه رأيك أجدملك في الجامعة إهنه و تكملي تعليمك.
كتبت بسرعة:
-إنت عتتكلم جد يا ناجي؟!
كتب:
-طبعا بتكلم جد، عجدملك في كلية الحجوج وتبجي محامية كد الدنيا ونشتغلوا مع بعضينا كمان، إنتي معاكي ثانويه عامه مش أكده؟
كتبت:
-أيوه، أحب على يدك يامتر متخلنيش أحلم وأطير فوج السحاب، وبعدين أجع على جدور رجابتي.
كتب:.

-بعيد الشر عنيكي، إحلمي ياراوية وخلي أحلامك تطول السما وأني بعون الله عحججهالك كلاتها، إنتي معتعرفيش كد إيه عحب، جصدي يعني إنك عزيزة علي.
إبتسمت بخجل تدرك ما طوته أحرفه من مشاعر، ربما لم يحن الوقت بعد للكلام عنها، لذلك كتبت بقلب يخفق بجنون وأحرف إختارت السكون:
-أسيبك دلوك ترتاح، تصبح على خير.
كتب بأحرف نطقت بحنان غمر عيناه:
-تلاجي الخير يازينة البنتة.

أغلقت هاتفها تضمه إلى صدرها وقد ظللت ثغرها إبتسامة سعادة واسعة.

تعرضت (نوار) لكسر في كتفها ورجلها اليسرى وتشقق ضلعين، لفها الأطباء بالجبس والأربطة كأنهم يحبسون روحها داخل جسدها بعناية، مع إصرارهم على (عسران) بضرورة عرضها على طبيب نفسي، وبعد أن وافق قُرِرت أول جلساتها بعد يومين حتى يستكين ألم عظامها بعض الشيء، كما طلبوا أن يرحل الجميع من المشفى وأن يكفوا عن زيارتها حتى لا تؤذي نفسها مجددا ومع اعتراض (عسران) كالعادة وافقوا على بقاء (فدوى) برفقتها فقط باعتبارها ليست فردا من العائلة يمكنه أن يؤثر سلبا على المريضة.

مر اليوميّن سريعا وقبل أن تشرق شمس اليوم الثالث عاد (مهران) مجددا إلى بلدته..
اعتبر نفسه محظوظا وأنها إشارة خير حين استطاع اللحاق بصلاة الفجر جماعة في مسجد قريتهم، انتهت الصلاة واستقام المصلين للمغادرة بينما بقي (عسران) مكانه يسبح ويستغفر ويدعي، صلى على الحبيب المصطفى و مسح على وجهه واستدار لينهض ويغادر فتفاجأ بوجود (مهران) على جانبه، أمسك يده وقبلها ثم قبل جبينه فعانقه (عسران) وهو يردد:.

أنت عاودت يامهران؟ الحمد لله ربنا استجاب دعايا! وحشتني ياولدي!
قال (مهران) بصوت باكي:
سامحني يابوي هملتك بروحك، ماجدرتش أتحمل اللي سمعته عنك وعن، الله يسامحها!
قاطعه (عسران) قائلا:
اذا كان ربنا بيسامح، انت ولا أنا مين عشان مانسمحهاش، كلنا بنغلط لولا ستر ربنا ماحدش يجدر يبص فى خلجة اللي جدامه، وعوالي خدت جزاتها وراحت للي خلجها هو يحاسبها حصلت ولدها، ولدي واخوك، ادعيلو ربنا يغفر له يامهران!

قال (مهران) وهو يحاول كبت غضبه:
ليه داريته عننا يابوي؟
تنهد (عسران) وقال:
ماداريتوش، يامين بالله ماكنت أعرف أنه ولدي جبل حكايته مع نوار، عوالي مشته فى طريج الشيطان عشان تنتجم مني، وبعد ماجالتلي مصدجتهاش، بس حاجة جوايا كانت بتجولي انها مش بتكدب وأنه فعلا ولدي، كنت ناوي اخد بيده وأطلعه من الوحل اللي غرجان فيه، لكن على ما استوعبت أنه ولدي كان اتجتل بخطيته وخطيتنا أنا وأمه، ربنا يغفر لنا جميعا..

كان الإرهاق يظهر جليّا على ملامح (عسران) فسأله (مهران):
إنت زين يا بوي وشك أصفر اكده ليه؟
ابتسم وقال:
جلبي وجعني يامهران، ماجدرتش أحافظ على ولد راجي الله يرحمه ولا على نوار، وشايل في جلبي هم لو عرفت أمك مش عتستحمل لا حجيجة عمتك ولا حكايتي مع عوالي، أنا خابر ثريا زين مش هتسامحني اللي باجي من عمرنا.
ربت (مهران) على يده:
محدش يعرف عشان يجولها، لو انت ماجولتلهاش، اطمن!

فقال وهو يستقيم لينهض وقد عاوده السرور:
جوم ياولدي نروَح ده النهاردة عيد برجعتك!
فرد عليه (مهران):
اسبجني انت يابوي نص ساعة بالكاتير وهعاود البيت، ماتجولش اني رجعت خليها مفاجأة.
أومأ (عسران) له بابتسامة مشرقة تنم عن شعوره بالراحة بعد أن عاد إليه ولده الوحيد بينما بقي (مهران) مكانه يطالع والده إلى أن غاب عن ناظره.

انتظر قليلا بعد أن هاتف شخصا ما يطلب منه أن يسرع قليلا فهو يريد أن ينهي هذا الأمر قبل أن يطلع النهار فأخبره الشخص أنه لن يتطلب منه الأمر أكثر من ربع ساعة ليصل..
توجه (مهران) إلى البيت حيث كان الجميع نيام إلا (ناتالي) التي استقبلته بحفاوة باعتبارها كانت تعلم بعودته، بعد أن اطمأن عليها ترك معها الشخص الذي كان قد هاتفه سابقا مع بعض رفقائه و (كامل) برفقتهم لتقوم بتوجيههم ثم توجه نحو غرفته، نحو بدارة.

بعد أن أنهت صلاتها وقرأت وردها اليومي انسحبت مجددا إلى سريرها، قد بدأت تشعر مؤخرا بوهن ودوار لا يحتمل فتقضي معظم الوقت مستلقية، دخل (مهران) بخطوات ثابتة واستلقى بجانبها وهو يطالع وجهها تحت ضوء المصباح الشحيح، ابتسم وهو يتعجب كيف لم تشعر بوجوده بعد، شعر برغبة في النوم فاستسلم له وهو يحتضنها.

فتحت (بدارة) عينيها فوجدت (مهران) يغرق في النوم بجانبها، كانت قد شعرت بوجوده بقربها لكنها كذبت شعورها وظنته مجرد وهم كما اعتادت، لكزته على ذراعه لتتأكد من تواجده فعلا ثم صرخت:
مهران!
هب (مهران) جالسا من نومته لايدري ماذا أصابها، راح بفزع وهو يقول:
ايه، إيه، مالك يابدري إنتي موجوعة اخدك المشفى؟

لكنها طالعته بصمت وعلى وجهها ابتسامة بينما تهز رأسها يمينا وشمالا إجابة على سؤاله، فبادلها ذات النظرات وذات الابتسامة بعد أن استوعب أنها تفاجأت من تواجده بقربها، طبع قبلة على وجنتها وقال:
يسعد صباحك يابدري!
انكبت عليه تعانقه وهي تردد بفرحة:
إنت عاودت يامهران، كنت خايفة ماعشوفكش تاني، الحمد لله، الحمد لله!
أمسك وجهها بين يديها بعد أن ابتعدت عنه متجهمة وهو يقول بابتسامة:.

والله ماحد رجعني غير خوفي عليكي يا بدارة.
فقالت:
يعني مارجعتش عشان نوار!
فقال:
رجعت عشان نوار كومان بس اللي ماتعرفيهوش أني طلجت نوار جبل ما أسافر يعني نوار بنت عمتي وبس، إنتي اللي مرتي وأم أبني اللي شايلة إسمي يابدري، يمين بالله مافيش غيرك يستاهل جلبي واسمي وجربي..
طالعته (بدارة) باستنكار فأردف:
جومي معايا عاملك مفاجأة!
استقامت لتقف حتى عاودها الدوار فعادت لتجلس وقالت:
المفاجأة ماعتنفعشي من غير ما أجوم!

فقال (مهران) بخوف:
انتي تعبانة أكلم محمد ياجي يشوفك؟
فأجابته نافية:
لاه أنا زينة، لما جمت بسرعة دخت شوية.
فحملها بين يديه وقال بابتسامة:
طبعا تنفع من غير ما تجومي!
حدقت به كأنها غير مصدقة من تواجدها بجانبها وأن السعادة التي تملأ قلبها الآن ماهي إلا حلم ستستفيق منه بعد لحظات..

صعد بها (مهران) إلى الدور الثالث الذي كانت غرفه الأربع جميعها شاغرة، وضعها لتقف وأسندها إلى كتفه فنظرت إليه بحيرة فقال وهو يفتح أول غرفة على يمينه وأغمض عينيها بيديه وقال:
ادخلي جلبي برجلك اليمين يا بدري!

دفعها لتسير أمامه وهو خلفها يقودها فتوقف وتوقفت وأزاح يديه عن عينيها فراحت توزعها على الغرفة الكبيرة التي جهزها من أجلهما وكان قد طلب من (كامل) قبل أن يعود أن يعيد طلاءها وترتيبها و (ناتالي) قامت بفرشها صباحا بمساعدة العمال، جعل من جدرانها بيضاء اللون تتمركز على إحداها صورة كبيرة مؤطرة ل (بدارة) و فرشها عصري بسيط خال من المبالغة والزيف، ستائر رمادية فاتحة على النوافذ الواسعة و سجاد وثير باللونيّن البني الفاتح والأبيض وأضويّة خافتة منتشرة بكل أرجاء الغرفة وهناك جانب آخر سارت نحوه (بدارة) كالمسحورة ودموعها تنهمر على وجنتيها المتوردتين بعد عدة شهور من الشحوب..

التفتت نحو (مهران) الذي كان يسير وراءها والإبتسامة لا تفارقه وقالت:
ده عشان بنتنا!
أومأ لها برأسه وأردف:
زهرة جالتلي إنها بنت! أنتي اديتيني كل حاجة من غير ماأطلبها يابدارة، أنى لو جلت إني محظوظ في الدنيا دي يبقى بس عشان انتي بحياتي، ربنا ما يحرمني منك ويجومك بالسلامة يابدري..

بدعي ربنا عشان مايكونش جلبك شايل مني وتسامحيني، أهملتك كاتير، وجرحتك وزعلتك كاتير، ربنا يجدرني وأعوضك على كل اللي عمالته فيكي..
قبل يدها وأجلسها على الكرسي الهزاز وردي اللون الذي يتوسط سجادة دائرية بيضاء وأردف:
هتجعدي اهنا عشان تنيمي بتنا وأنا أوجف اهنه وأهز بيكم إنتو التانين..
ولمن تنام أشيلها عنك وأحطها بسريرها (الخشبي الأبيض الذي تغطيه ناموسية زهرية وتتدلى منه دمى موسيقية من القماش)..

ولمن تكبر شوية هنلعب معاها بالعرايس دول كلاتهم - وقد أمسك بيده بمجموعة من الدمى الجميلة - وأسرحلها شعرها الناعم اللي شبه شعر مامتها..
وقتها أمسكت بدارة بشعرها الأبيض وقالت:
يارب مايطلع شعرها زي أمها!
اقترب منها (مهران) وقد شعر برغبة في لعن عمته وقال:
شعرك الأبيض مش منجص من جمالك بالعكس مخليكي منورة زي الجمر بتمامه يعني بدري بصوح..
ابتسمت وقد شعرت بتزايد نبضها فوضعت يدها على قلبها بتعب، فأردف (مهران):.

من اهنا ورايح دي اوضتنا بعيد عن الكل، كنت جلتلك من جبل أني نفسي أخدك مكان بعيد يستاهل جلبك الطيب، بس للظروف اللي احنا فيها مالجتش أبعد من اكده..
شدت (بدارة) على يده وقالت بتفهم:
المهم تكون مرتاح وماهعوزشي حاجة تاني..

أمسك يدها واتجه معها نحو الطاولة التي تتمركز وسط الغرفة التي جهزت فيها (ناتالي) الافطار من أجلهما فسحب لها الكرسي جلست وجلس قبالتها وأخذ يطعمها بيده وعلى هذه اللحظات السعيدة تناست كل ألامها التي عاشتها لأشهر متواصلة.


look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 04:16 مساءً   [29]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

الحكايا الجميلة تبدأ دائما ب كان يامكان وتنتهي وعاشوا في سعادة أبدية لكن الواقع يختلف كلما بدأ الأمر بسعادة ينتهي بأمنية ياليته ماكان ومع ذلك لا يتوقف الناس عن السعي وراء النهايات - دعنا لا نقل سعيدة وإنما مُرضيّة.

لو خلت (بدارة) بنفسها وفكرت بما تشعر به وقد عاد (مهران) يحاول إصلاح مابينهما لوجدت أن مافعله وسيفعله لتعويضها يدخل إلى قلبها بعض السكون لا السرور حتى وإن بدت مشعة و راضيّة، ومع ذلك لا تنفي شعور الإكتفاء بداخلها.

لقد ملأ خزانتها بالكثير من الهدايا أحضرها معه من روما، فساتين حمل أنيقة، اكسسورات وعطور، فأدركت (بدارة) وقتها أنه لازال يعاملها بواجب لا حب ومع ذلك أرادت أن تكون أنانية لمرة واحدة وتستمتع بما تراه عينها وتكذب ما يراه قلبها وتسكت ما يتبادر بعقلها من أفكار لتستعيد عافيتها وتعيش بعض لحظات السلام.
لازمت غرفتها الجديدة بينما (مهران) توجه للأسفل للقاء والدته الملتاعة على غربته..

لفته بين أحضانها وأخذت تقبله غير مصدقة أنه عاد إليه ثم أخذت تلومه تارة وتطمئن عليه تارة أخرى.
جلسوا يتحدثون في أمر (نوار) ومصابها فقال (مهران):
نوار لازمن تدخل المشفى تتعالج يابوي!
فرد والده:
لاع، خليها وسطنا ونجبلها العلاج واللازم اهنه حدانا، كفيانا فضايح بين الخلج!
فقال (مهران) باصرار:.

ماينفعش الكلام ده، مايهمنيش الفضايح، المهم سلامة نوار وصحتها ولا مْصمم تخسرها تاني ويمكن تعاود تجتل نفسها وتفلح، حرام يابوي! البنت ادمرت ومش باجية على الدنيا، لازمن تساعدها تفوج لروحها!
بدا التفكير على ملامح (عسران) لتقول (ثريا):.

كل واحد مننا عايش حياته ومهملها عايشة فى حزن مالوش آخر، من يوم ما جيت ياحاج وجلت إكتب عليها ياولدي أني حسيت إن في حاجة كابيرة بس جلت يمكن فيها الصلاح لنوار وطلع مافيش صلاح ولا حاجة البت كانت بتسند نفسها بلي فى بطنها ولمن راح روحها راحت معاه،
ماجدرينش نساعدها يبجى ضروري تتعالج وترجع لعجلها، أني من رأي مهران ياعسران، نوار عتدخل المشتشفى لو مش اهنه يبجى تاخدها مصر حتى، المهم تبجى زينة.

رفع (عسران) رأسه فلاح نظره (زبيدة) التي تقف بعيدا متخفية تخشى الظهور أمام (مهران) ليرى نظرة الانكسار واليأس على ملامحها فقال:
دام كلاتكم شايفين اكدة يبجى على خيرة الله، وديها يامهران!
أومأ (مهران) برأسه ثم تجهم وقال:
هطلجها في المحكمة كومان، هجول لناجي يرفع الجضية.
ردد (عسران) لا حول ولا قوه الا بالله بينما قالت (ثريا):
ليه ياولدي أكده، البت لا بتهش ولا بتنش خليها على ذمتك هتبجى انت والدنيا عليها.

فقال (مهران):
لو مطلجتهاش هبجى ظلمتها وأنى والدنيا عليها زي مابتجولي، أكده أحسن يا أما!

بينما هم يتحاورون دخل (ناجي) يلقي السلام فرحبوا به أحسن ترحيب، جلس إليهم وقد استدعاه (مهران) من أجل قضية طلاقه من (نوار) وبعد الحديث في ذلك وجدها فرصة ليفاتح الحاج (عسران) في موضوع دراسة (راوية) وكما توقع لقد استشاط وامتعظ من هذا الأمر غير أن (مهران) رحب بالفكرة ووعده أن يقنع والده الذي لم يعجبه الحديث وغادرهم وهو يجر عصاته وراء ظهره.

توجه (مهران وناجي) إلى المشفى من أجل الحصول على تقارير بخصوص حالة (نوار) تمكنهما من تسهيل مجرى القضية ومن أجل أن يطمئن (مهران) عليها ويقوم باللازم من أجل تحويلها إلى قسم المساعدة النفسية..
دخل غرفتها التي دلته عليها الممرضة فوجد (فدوى) إلى جانبها تقرأ على مسامعها (رواية) وما إن رأته حتى وقع الكتاب من يدها وأشرقت ابتسامتها وقالت بلهفة:
مهران!، إنت هنا؟، إنت رجعت؟ حمد لله على السلامة!

تخطاها كأنه لم يلاحظ وجودها ولم يصله صوتها وجلس بجانب (نوار) التي تحدق في السقف ساهمة وقال:
نوار، خيّتي المليحة! أنى إهنه، جيت أشوفك وأطمن عليكي، بصيلي يانوار!
فقالت (فدوى):
على فكرة هي بتسمع بس مش بتتجاوب مع الكلام!
فأردف (مهران) كأنه لم يسمع حديثها فغيم الحزن عليها وقد أدركت أنه لن يسامحها أبدا:.

فاكرة يانوار لمن كنا صغار، لمن وجعت بالترعة و جرحت رجلي وفضلت تنزف ماجدرتش أدعس عليها و أطلع، كنتي إنتي وزهرة معاي، هي راحت تنده لأبوي وانتي جعدتي وياي عشان ماخافش،.

عطيتيني منديل راسك وجلتلي اربط رجلك يامهران يمكن يخف الوجع، وربطت رجلي و طلعني أبوي وانتي خدتي علجة منه عشان كشفتي راسك وجولتيله وجتها أعمل إيه ياخال أفكر في راسي وأسيبه للوجع وماعملش حاجة وبعدها راضيتك وجبتلك عروسة من المولد، وجلتيلي اديها لزهرة يامهران يعني العروسة هتنسيني العلجة! وجلتلك مش عتنسيكي بس عتفكرك بأن اللي عملتيه مايستاهلش علجة جد مايستاهل العروسة.

دلوك أنا اللي كشفت راسي جدام الخلج كولاتها ومش عسيبك للوجع وهاخد بيدك عشان ترجعي نوارة زمان اللي جلبها على الكل، أنا معاكي وبشد على يدك لحد ما يخف وجعك، جاي أجولك اللي عمالتيه مايستاهلش تموتي على جد مايستاهل تعيشي يانوار، كفياكي ظلمة ياخيتي شدي على يدي نتمسك في الحياة ونطلع للنور اللي تستاهليه، بصيلي يانوار، لازمن تطلعي من عندك!

لازالت تحدق في السقف ساهمة و (فدوى) تقف إلى جانبها تطالع (مهران) بأسى، استقام ليغادر و قال:
هرجع أشوفك بكرة يانوار، فكري فى كلامي أنى عارف إنك سمعاني.
شعر بيدها تشد قليلا على يده فابتسم وانحنى إليها يدير وجهها نحوه وأردف:
هي دي نوارة اللى أعرفها، أنى معاكي لحد ما ترجعي!

تركت يده فخرج يخبر الطبيب بردة فعلها، فأكد له أن استجابتها تلك بداية مبشرة بتقبلها للعلاج، أما (فدوى) شعرت بشيء يحترق في قلبها، نغز مؤلم يجعل أنفاسها متضاربة، لقد جافاها (مهران) وتجاهله لها طعنة أخرى تنزف قلبها العاشق مجددا.

وبالحديث عن القلوب العاشقة، كان (عويس) يشعر بشيء باتجاه (ناتالي)، انجذاب جميل إلى أحاديثها -التي أصبحت تثير الضحك مؤخر لتهجئتها العربية- وروحها الطيبة، بعدما غادرت رفقة (بدارة) إلى بيت (عسران) شعر كما لو كان شيء ينقصه، كما لو غاب ماينير بيته.

أما (زهرة) فقد أثار الحمل هرموناتها، فزادت إنفعالاتها الحب والغيرة، الغضب والبكاء لأتفه الأسباب ولكن دائما ما تجد راحتها بين يدي حبييها (محمد) يهدهدها بحنانه وتفهمه وإستيعابه لكل حالاتها فيعيد إليها إتزانها، كان هو كذلك قد جهز غرفة لطفله المنتظر يشاركه فيها طفل (عزام) الذي سيولد بعد أيام قليلة..

كان (عزام) لأول مرة يبدي سعادته بولده وقد جهز كل مايلزمه من سرير وثياب ومستلزمات، كان ذلك يشعر (فضيلة) بسعادة غامرة تخفف عنها تعب الحمل في أيامه الأخيرة..
أصبح (عزام) يستشير (محمد) دائما في الأشياء التي يمكنه فعلها من أجل إدخال السرور إلى قلب (فضيلة) فيساعده في ذلك بعد أن ينال جرعته من السخرية التي تثير عصبيته لكن (محمد) سرعان مايراضيه..

أما (ناجي) فطالته السعادة بعد أن وافق الحاج (عسران) والحاج (عويس) على دراسة (راوية) وتحديدهما لموعد الزفاف الذي سيكون بعد شهرين من الآن..
بعد مرور أسبوعين...

إجتمعت أفراد العائلتين يحتفلون بولادة الطفل (فاروق عزام الجبالي) كما توافد أهل البلدة على منزل عمدتهم (عويس الجبالي) لتقديم التهاني، وقف (عزام) بينهم يحمل الطفل ويبتسم بفخر، لاحظ الجميع تحول (عزام) إلى رجل آخر كليا، يبتسم دوما وقد انخفظت عصبيته وصار متفهما وقابل للمناقشة والاستماع لأراء من حوله، لقد غيره الحب و الأبوة.

بينما جلست (فضيلة) وسط النسوة ينشدن الأغاني الرائعة ويصفقن جميعا بتناغم، بينما ترقص بعض الفتيات إحتفالا بسبوع أول حفيد لعمدتهم.
سموا المولود سعد الله إن شا الله يعيش إن شا الله.

وضعن البخور على جمر متقد في المكان الذي ستتم فيه غربلة المولود ثم وضعن المولود في الغربال وقامت القابلة بالبسملة ثم تبخيره، وبدأت (فضيلة) بتخطي ولدها (فاروق) بقدمها اليمنى ثم تعود إلى مكانها متخطية إياه رجوعا مرة ثانية، وهكذا حتى أكملت سبعة أشواط، بينما القابلة تردد: الأوله بسم الله، والتانيه باسم الله، والتالته باسم الله، والرابعه بسم الله، والخامسة باسم الله، والسادسة باسم الله، والسابعة يا بركة محمد بن عبد الله.

بعد ذلك بدأت (سعدة) - والدة (فضيلة) - في دق الهاون مع هزّ القابلة الغربال بالمولود، قائلة:
- اسمع كلام أمك، ما تسمعش كلام أبوك.
ثم قامت القابلة بهز الطفل ورفعه بين يديها و إعادته إلى الأرض وهي تردد:
-غربلة يا غربلة غربلتين وغربلة للقمحاية غربلة للفولاية غربلة للشعيرة غربلة للعدساية غربلة للرزاية غربلة للحلباية.
ثم تم رش الملح مصحوباً بأغنية..

يا ملح يا مليح يا ملح يا مليح يا جوهر يا فصيح يحطوك في النار تطرجع يحطوك في الماء تسيح يا ملح دارنا عمر ديارنا يا ملح دارنا كبر عيالنا كتر عيالنا.
وفي نهاية الاحتفال دعون للمولود بالسرعة في المشي قائلات:
-دارج يا فاروج دارج، دارج يا ولد دارج دارج بين البيوت دارج على المساطب دارج وسط الغيطان دارج...
بينما جلست (بدارة) بينهم شاردة بفستانها الأبيض الأنيق الذي اختاره (مهران) من أجلها.

فجلست جوارها (زهرة) قائلة:
-عجبالك يامرت أخوي.
أفاقت (بدارة) من شرودها ورسمت على شفتيها إبتسامة وهي تشير إلى بطنها المنتفخة بدورها قائلة:
-عجبالك إنتي كمان يازهرة ربنا يجعلها فرحة علينا جميعا.
طالعت (زهرة) ملامحها الشاحبة قائلة:
-إنتي زينة يابدارة؟
هزت رأسها وهي تعتدل في جلستها تقول بوهن:.

-أني زينة متجلجيش، الحمل بس تاعبني هبابة، ده حتى الدكتور جالي أتسطح على ظهري الفترة الجاية، بس أني مجادراش أجعد في السرير كاتير، عتطج روحي.
قالت (زهرة) بقلق:
-أدام جالك تتسطحي في السرير يبجي لازمن تسمعي كلامه وإلا هخلي مهران يجف على دماغك
هزت (بدارة) رأسها قائلة وهي تبتسم:
- لاه! حاضر، عسمع الكلام يازهرة.
فقالت زهرة:
أيون اكده، لازمن أخوفك يعني!
نوار كيفها ياخيتي؟
فأجابتها (بدارة):.

مهران بيروحلها كل يوم، بيجول لسه متجبسة وموجوعة، لساتها مابتكالمش بس بتتجاوب مع كلامهم لمن يطلبو منها حاجة، بتسمع الداكتور بيكلمها وتتفاعل معاه، ده اللي جالهولي مهران.
فقالت (زهرة):
ربنا يشفيها، المسكينة مالهاش حظ! الحمد لله على كل حال.
قالت (بدارة):
فضيلة مبسوطة وشكلها حلو، من زمان ماشفتهاش أكده، ربنا يفرحها بولدها، أتاري الأمومة بتغير.
ردت (زهرة) بابتسامة:.

جصدك الحب ياخيتي! عزام بجى يهتم بيها و يحاول يسعدها على جد مايجدر، عرف جيمتها وهو كمان اتغير بجى واحد تاني بيتحدت ويانا بطولة بال ويضحك تجولي واحد تاني.
قالت (بدارة):
تعبت معاه جوي فى اللول اكمنه ماكنشي رايدها بس الحمد لله أنه جدرها وبيحاول يسعدها.
أومأت (زهرة) برأسها و هما يطالعان (فضيلة) المتوهجة التي تضم (فاروقها) إلى صدرها بحنان كأنه دنيتها التي أمسكتها بيديها.

وفي الجانب الأخر كانت (فدوى) تجلس برفقة (ناتالي) التي اشتاقت إليها كثير بعد أن قلت لقاءاتهما بسبب انشغالها مع (بدارة) وانشغال (فدوى) مع (نوار)...
قالت (فدوى):
سأعود إلى روما الليلة ناتالي، من الجيد أننا التقينا لأراكِ قبل أن أسافر..
حدقت فيها (ناتالي) لبعض الوقت ثم قالت:
لم تفعلين ذلك عزيزتي؟ لم تستسهلين الهروب دائما؟
أجابتها (فدوى) بصوت حزين:.

هذه المرة ليس هروبا ناتالي، أنا أطلق سراح مهران من قلبي ليعيش حياته، ألا ترين أنه يحاول جاهدا اصلاح زواجه مع بدارة، ولأكون صادقة إنها تستحقه أكثر مني!
قالت (ناتالي):
الحب ليس إستحقاق، أنت أحببته أولا و..
قاطعتها (فدوى) قائلة:
وليس بالأسبقية أيضا، إنه بالأصدقيّة، معك حق! أنا سبقتها في حبه لكنها هي من صدقت في حبه، صدقها يجعلها تستحقه أكثر مني، قد بدأ مهران يدرك ذلك أيضا..
لذا عليّ أن أرحل من هنا!

عانقتها (ناتالي) بحنان وهي تقول:
آه، صغيرتي آه، الرحيل لن يخفف معاناتك ولن يجعلك تنسينه!
كانت تعلم (فدوى) أنها لن تستطيع نسيانه لكنها على الأقل ستمنحه فرصة للعيش بسلام مع عائلته، طلبت من (ناتالي) البقاء معها هذه الليلة حتى يتسنى لها توديعها وكي تضمن عدم قولها ل (مهران) على رحيلها.

لم تكن (فدوى) وحدها التي أسعدها بقاء (ناتالي) فالجميع لاحظ ابتسامة (عويس) العريضة و قد عادت (ناتالي) الى بيته، جلست (فضيلة) بجانبه وأسندت رأسها إلى كتفه وقالت:
معجولة والله ياعمي جول يامسهل بس!
فقال باستغراب:
و ايه هو اللي معجول يابت اخوي؟
فقالت:
إن ناتالي تجعد حدانا على طول!
فقال بلهفة سرعان ما تداركها:.

بصوح جولك؟!، احم، جصدي كيف يعني، هي بتجعد اهنه عشان فدوى ولا بدارة، غير أكده جعدتها معانا ماتصحش!
ابتعدت عن كتفه وطالعته بعيون ماكرة وقالت:
نخليها تجعد طوالي عشان حدا تاني!
طالعها باستنكار فأردفت وهي تغمزه:
نطلبلك يدها من مهران!
فقال:
تفتكري عيوافج!
فقالت:
إلا عيوافج، ولو ماوفجشي هو الخسران هناخد منه بدارة...
فقال بينما هي تبتسم:
أيوه صح!
ثم تدارك نفسه ودفعها بعيدا عنه وأشهر عصاه أمامها يتهددها قائلا:.

جومي من يمي ياأم نص عجل، انى غلطان اني بتحدت وياكي..
ركضت وهي تضحك بينما تردد:
استهدى بالله ياعمي، أنى جلبي عليك!
بينما هما كذلك تقدمت (جمالات) وقالت:
ياكبير، سليمان ولد أخوك عاوز يتحدت وياك، جلتله يدخل بس جال عيستناك في الجنينة!
قالت (فضيلة) بحيرة:
سليمان أخوي! عيعوز ايه بالوجت ده؟
عنشوف!

قالها (عويس) وهو يتوجه إلى الخارج بينما صدح صوت (عزام) ينادي على (فضيلة) من أجل أن تطعم إبنها الباكي فتوجهت إليه وهي تتمتم يامنحوسة يافضيلة جلتي ياهادي خلصت من عصبية عزام أهو جالك ابنه.

ماهي لحظات حتى عاد (عويس) إلى الداخل ولا يزال يرسم على وجهه ابتسامة بشوشة،
نادى على (فدوى) وسألها على انفراد فأجابته
قائلة:
-أنا آسفة ياخالي، اعتذرله بالنيابة عني!
قال (عويس):
-ليه بس يابتي؟ده ولد زين جوي والكل بيتحدت عن أمانته وأخلاجه، وكمان شغلنته زينة وبيكسب منها بما يرضي الله، غير أنه ابن خالك وأجربلك من أي حد يعني ماعيتعيابش واصل.
قالت (فدوى) بمرارة:
-العيب مش فيه ياخالي العيب فية أنا!

عقد (عويس) حاجبيه قائلا:
-كيف فيكي؟!تجصدي إيه بحديتك ده؟
إبتلعت (فدوى) ريقها تبحث عن إجابة تمنحها إياه وقد أدركت أنه أساء فهمها، فلم تجد غير الصراحة، قالت بحزم:
-بصراحة ياخالي، أنا مقدرش أتجوزه لإني بحب واحد تاني.
على عكس ماتوقعت وجدت خالها يصمت للحظة قبل أن يسأل بهدوء:
- طيب يابنتي لو راجل زين خليه ياجي هو وأهله يطلبوكي، أهلا وسهلا فيهم!
تنهدت قائلة:
- ماطلعش من نصيبي ياخالي!
قال خالها بحنق:.

-يعنى إيه الكلام الماسخ ده؟
قالت (فدوى):
-اللى بحبه إتجوز واحدة تانية وخلاص فرقنا القدر.
قال (عويس):
-أدامه إتجوز حرمة تانية وباعك يبجى لازمن تنسيه وتشوفى بختك مع غيره.
قالت (فدوى):
-متظلموش أرجوك، إحنا حبينا بعض وبعدين فرقتنا الظروف ولما قابلته تاني كان إتجوز وبقى من نصيب واحدة تانية، ورغم إني عارفة إنه خلاص مبقاش من نصيبي، بس لا قلبي قادر ينساه ولا ينسى حبه.
قال (عويس) بغضب:.

-معناته إيه الكلام ده، لتكوني لسه متأملة منه وعتاخديه على مراته؟!
قالت (فدوى) بهدوء:
- تفتكر إني ممكن أعمل حاجة زي دي ياخالي، اطمن أنا مش خرابة بيوت، ولا ممكن يسمحلي ضميري أكسر قلب وخاطر ست وادمر بيتها وحياتها.
صمت لا يدرى بما يجيبها ولكن احزنه حالها فمازالت صغيرة لتتخلى عن الزواج وتكوين أسرة من أجل مشاعر لن تجلب لها سوى العذاب ثم تتركها بالنهاية وحدها لا أنيس ولا ولد.
وجدها تربت على يده قائلة بحنان:.

-متقلقش عليا انا بعد ما لقيت عيلتي بقيت أحس، أنا خدت كل اللي عاوزاه من الدنيا.
هز رأسه وهو يضع يده على يدها قائلا بحنان:
-ربنا يراضيكي ويرضى عنيكي يابتي.
وجدتها فرصة لتخبره بأمر سفرها، أرادت ان تخبره حتى لا يشعر بعد ذلك أنها تخطته وخرجت عن مشورته، فأخبرته بذلك دون أن تتطرق لأمر رحيلها إلى الأبد، فضلت أن تخبره أنها عائدة إلى روما من أجل بعض الأعمال، فوافق على مضض بعد إلحاحها الشديد.

صعيدي
أنا ليا عاداتي وتقاليدي..
أصلي صعيدي.
اللى يروح مني بالقوة..
إتعلمت إنجيبه، بإيدي.
واللي يقدرني بتقديري..
عمي وسيدي.
واللي يحس اللي جوايا..
يبقى حبيبي.
إتربيت وكبرت صعيدي.
عمري منزعل م الأيام..
أصلي مآمن، إن اللى يصيبني...
دا نصيبي...
أصلي صعيدي...
ويابخت اللي أساسه صعيدي
إتربيت...
إن الست عمود البيت.
كان أبوي دايما يقولي يا ولدي..
مهما رحت ومهما جيت..
ومهما في براح أرض الله...
وفي الكون لفيت...

عمرك يا وليدي م راح تسعد.
إلا إذا كنت هترجع بيتك تلقى المسند.
اللي عليه هتريح ظهرك..
واللي في وقت الحزن يا ولدي..
ينسيك قهرك...
واللي لا يمكن هيكون طاهر...
إلا بطهرك
مرتك، أرضك!
وطنك، عرضك!
عامل ربك دايما فيها..
وهتديك كد متديها.
(الشاعر طلعت الشريف).

في خضم الأمور التي انشغل فيها (مهران) لم يلاحظ غياب (فدوى) إلا بعد أسبوع من رحيلها حين سمع (ناتالي) تتحدث مع (بدارة) صدفة عن أمر سفرها فسألها لتخبره أنها رحلت للأبد حتى يستطيع كل منهما العيش بسلام في الحياة التي كتبها لهما القدر..
شعر (مهران) بسخرية وتفاهة الموقف فقال ل (ناتالي):
ترحل مجددا، من دون إخبار أحد! من دون وداع!، إنها عادتها القديمة ولن تتخلى عنها، لن أتوقع منها غير ذلك!

ربتت على وجنته وقالت:
لاتحزن صغيري، هذا أفضل!
ابتسم وقال:
مايحزنني حقا أننى أحببتها جدا، أحببتها لدرجة أنني أصبحت لا أشعر بقلبي، أصبح مجرد كتلة تثقل صدري، أحببتها لدرجة كل ماتفعله بدارة من أجلي لا أستطيع الشعور به وأعتبره خيانة لحبي لها..

أنا مرهق من هذا الحب ناتالي، لقد سئمت منه وضقت به، أريد أن أتحرر منها، أريدها أن تختفي من أمامي ومن عقلي ومن قلبي، من عالمي كله! أخبريها أن تفعل أرجوكِ، أخبريها فحسب!
غادرها متوجها نحو غرفة (بدارة) التي ولذات الصدفة كانت متوجهة إلى غرفة (ناتالي) فسمعت حديثها، لم تفهم كلماته ولكن احساسه وصلها بالرغم من ذلك، فغيم الحزن على قلبها من جديد ليس من أجلها فقط بل من أجل ثلاثتهم!

مرت ثلاثة أشهر سريعة وهاقد بدأت حرارة الصيف النزقة تثبت وجودها بعنف..

خلال هذه المدة حاول كل من (بدارة ومهران) تجاهل مشاعر قلبيهما، كان هناك دفء يجمعهما، (بدارة) أصبحت قليلة الكلام أما هو فيثرثر في أي مجال ليجعلها تشاركه الحديث، يأخذها جولات قصيرة للمشي، وأحيانا لزيارة بيت والدها وأوقات أخرى يقيمها بين عمله وزيارة (نوار) التي يتابع حالتها الدكتور (ياسين)، الطبيب الخامس بعد أن عجر الأربع الذين من قبلهم على حملها على الكلام وإعادة أحياء مشاعرها..

يجلس معها دوما يشاهدان فيلما أو يقرأ لها قصائد تحبها..
أما هذه الليلة تختلف فمنذ عودته لم يعجبه حالها وصدقت شكوكه حين نزل ليحضر لها عصيرا تشربه وعاد إليها، ناداها عدة مرات فلم تجبه فظن أنها نائمة غير أن منظر الدماء طرف الغطاء جعله يدرگ أنها على غير مايرام، ركض بسرعة إلى غرفة (ناتالي) المجاورة لها يستنجد بها فأتت وأهل البيت جميعا على صوته...

كان يجول أمام حجرة العمليات كليث جريح، ينتابه خوف شديد كأنه يفقد جزء من روحه، لقد عانت (بدارة) في الفترة الأخيرة كثيرا، حتى أنهم أحضروها للمشفى عدة مرات، أما هذه المرة أخبرتهم الطبيبة أن ولادتها ستكون مبكرة.

إنها فى نصف الشهر الثامن لحملها لم يحن موعد ميلاد طفلهما بعد إلا أن ما أخافه حقا هو طلب (بدارة) الحديث مع والدها على إنفراد قبل إجراءها العملية وجلوسه حزينا شاردا منذ خروجه من عندها، وكأن سنوات عمره قد تضاعفت، إلى جانب نظراتها الأخيرة له وكأنها تحفظ ملامحه لتغمض عيناها على صورته قبل أن تختفى عن ناظريه كأنها تودعه الوداع الأخير، نفض أفكاره السوداء وهو يضرب الحائط بيده بقوة، فنهضت (ثريا) تقول بهلع:.

-وه وه يامهران، أجعد ياولدي، هانت، هبابة وهتفرح بولدك وتتطمن على مرتك.
قال (مهران):
-إتوخروا جوي ياأما، أني جلبي مش مرتاح.
قالت (ثريا):
-وحد الله ياولدي وادعيلهم.
زفر (مهران) قائلا:
-لا إله إلا الله، ربنا يجومهالي بالسلامة يارب.
فتح باب على حين غرة فخرجت الممرضة تجر الطفلة المولودة في الحاضنة وقالت:
ألف مبروك ياجماعة، عايزين والد الطفلة لو من نفس فصيلة دمها هنحتاج نسحب منه دم.

فأشار (مهران) على نفسه فتقدمته وهو يلحق بها يطالع صغيرته بعيون دامعة وفي عقله سؤال واحد يخشى طرحه ويخشى سماع إجابته.


look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 04:16 مساءً   [30]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الختامي

على الرقاب قدر نافذ قرأت هذه الجملة التي كانت عنوانا ليوميات أمي، وجدته عنوانا غريبا وبعدها أدركت بعد مئة وخمسون صفحة بقدر ما يجعل الحب الإنسان مهترئا ضعيفا قابل للكسر يجعله القدر قابل للصبر والزمن قابل للإمتلاك..
علمتني أمي أن لا بأس في أن أحب بقدر استطاعتي على تحمل ألمه وعلمني أبي أن مايسكن في أعماق القلب إذا ما قطعه القدر وصله الزمن، فاصبر!

كان يجلس على أرضيّة غرفته وسط ظلام دامس يدخن سجائره بشراهة سيجارة تليها السيجارة حتى غرقت غرفته بسحاب خانق، كأنه يزيد ما بداخله من لهيب الفقد والندم، ما يعيشه (مهران) الآن أشبه بكابوس مخيف يريد أن يستيقظ منه فلا يستطيع..
المؤلم أكثر من الفقد ذاته الذكريات التي تتقافز داخل العقل وتفتك بثباته، الصوت الذي لايفارق أذنيّه، والطيف المتسلط على بصره، و الرائحة التي لن تخفيها سجائر ولا ظلام..

(بدارة) في كل مكان حوله، في وجه صغيرتها الملائكي، في صوتها الجائع، في هدوئها اللطيف ولمستها الدافئة وهذا لم يزد (مهران) سوى اعتزالا لنفسه عن الجميع وحتى ابنته، أصبح مجرد شخص بائس، عصبي، حزين لا تريحه مواساة ولا تعزية.
احتارت (ناتالي وثريا) في أمر الصغيرة فلم تجدا بدا من ضمها إلى رعاية (فضيلة) حتى ترضعها مع ولدها (فاروق)، وكان ذلك وقد انتقلت معها (ناتالي) كي تكون لها أما عوضا عن الأم التي فقدتها..

بعد مرور شهرين وقد بدأ الجميع يعتاد فُقد (بدارة) وكفوا عن بكائها والتحسر على فقدانها إلا (مهران) الذي مازال على وضعه بالرغم من زيارة الدكتور (ياسين) - طبيب نوار النفسي الذي نشأت بينهما صداقة -ومحاولة التنفيس عنه وحمله على ترك ذكرى (بدارة) حتى تهنأ في قبرها لكنه لم يستطع تمالك نفسه وذكراها تحاوطه كذراعيّن تشدان عليه بقوة..

حان موعد وضع (زهرة) فأنجبت ولدا بصحة جيّدة اكتسب سمرة والده وملامح والدته وأخذ إسم خاله مهران، اجتمعت العائلة مجددا في سبوع المولود في وليمة بسيطة مراعاة لمشاعر الحزن التي خيّمت على قلوبهم..

حضر الجميع ما عادا (مهران) الذي لازم دور أحزانه- الطابق الثالث من بيتهم الذي جعله مسكنا له ول (بدارة) وصغيرتهما فأطلقت عليه العائلة دُور الأحزان الذي يعتزل فيه (مهران) نفسه مع حزنه- وقتذاك أدرك (عويس) أنه لابد أن يفعل شيء لإخراج (مهران) من ما هو فيه، استأذن من حضوره الذي أمّن (عسران) عليهم وتوجه نحو (مهران) وقد قرر ألا يعود إلا وهو بيده..

فتحت العمة (نفيسة) الباب وقد تفاجئت بالحاج (عويس) يقتحم البيت فقالت بينما هو يواصل طريقه إلى الأعلى:
ماحدش إهنه ياحج، كلاتهم عندك بالبيت!
فرد عليها بصوت عال:
فيهّ يانفيسة فيهّ لكن هو نسيّ نفسه و واضح الكل نَساه!
فتح باب الغرفة المظلمة فأزكمته رائحة التبغ المحترق فراح يسعل وقد أشعل كل الأضواء ودخل يزيح الستائر ويفتح الشبابيك الثلاث لتنسحب الرائحة خارجا.

والتفت يطالع (مهران) الذي يجلس على الكرسي المتأرجح يلف نفسه بشال أسود كان ل (بدارة) ولا تزال رائحتها عالقة به..
سحب كرسيا وجلس قبالته بينما هو ساهم زائغ البصر قد اسود وجهه وتشققت شفتاه وخط الدمع على خديّه خندقيّن سوداويّن بينما جفنيّه المنتفخيّن يوحيان أنه لا ينام إلا فاقدا لوعيه من البكاء والإرهاق، استغفر وحوقل ثم قال بصوت باكي:.

يومها لمن جيت وجلتلي يا أبا الحج بدارة رايدة تتحدت وياك ودخلت عندها حبت على يدي وسحبتني، جعدت حداها فحطت راسها على كتفي وجالتلي: يابوي رايدة منك تسامحني لمن هربت من البيت وجليت منك جدام العريس وأهله سماح حجيجي من جلبك الطيب مسحت على راسها وجلتلها: يابدر داري وحياتي كولاتها لو على السماح مني فاني لا يمكن أشيل منك، جلبي راضي عليك يانن عيني، أني اللي أجولك السماح عشان غصبتك وخليتك تهربي ده غلطي مش غلطتك..

ولو رايدة الحجيجة أني مبسوط بهروبك، هو اللي خلاني أرجع أتصافى مع عسران وبسببه هشيل حفيدتي باذن الله الي هتبجى أغلى منك، فبجولك من اللول ماعيزشي غيرة بيناتكم انتي وبتك عشان جدها هيدلاعها جوي جوي...

وجتها ضحكت وهي موجوعة بس بتداري، فجيت أجوم عشان أخليها تتسطح وترتاح فجالت: يابوي! عارفة إن مهران هيشيل شيلة كبيرة عتهد حيله ويمكن مايلاجيش اللي يسنده، أوعاك تهمله يابوي ده أمانة عندك! لو حصل ولجى نفسه لوحده ابعت لفدوى ترجع مش هأمن بتي على حد
غيرها..

ووجتها أني اللي بكيت، بكيت يامهران وأنى حسيت في كلامها وداع، طب جولي بالله عليك مين يحس بجلب الأب وهو بيشوف بته تتحط تحت التراب ويتلفت يرجع داره ويهملها فى قبرها بروحها...
وضع (مهران) وجهه بين يديه وأخذ يبكي حتى تردد صوت بكائه في البيت كله..
و (عويس) يواصل كلامه:
بتي ليها حق عليك ياولدي ماتبجاش خاين للأمانة، بتي حطت بين يدك حتة منيها، بتك بدارة !.
رفع (مهران) رأسه يحدق فيه بتحقيق، فأردف:.

إيوه، سميتها بدارة على اسم أمها، بدارة الصغيرة هتصبر جلبي على بدارة لكبيرة الله يرحمها، خابر إنك ماشفتهاش من وجت ما ولدت، بتك دلوك بجالها شهرين ونص بتضحك لمن تلاغيها وتلاعبك لمن تشيلها وتغفى لمن تغنيلها..
وقتها تذكر (مهران) كلامه ل (بدارة) حينما جهز غرفة الصغيرة، واصل الاستماع للحاج (عويس) دون أن يقول كلمة فقط نشيج ونواح وحنين يعبر عن الوضع المزري الذي آل إليه بعد خسارته العظمى، (بدارة)!

قال (عوبس):
جوم احلج دجنك واتسبح والبس جلبابك وحط عمتك على راسك وهم معايا، زهرة جابت مهران الصغير ويمكن يجمعه الجدر مع بدارة الصغيرة ومايفرجهمش الموت لحدن لمن يعجزو مع بعض.
وقتها أطلق (مهران) سراح صوته المختنق وقال:
أحب على يدك ياعمي ماتربطش بتي بأي حد ولا تأملها فى أي حد وينكسر جلبها..
ضحك الحاج (عويس) ضحكته المتقطعة وقال:
آه ياولدي آه، شيل بتك على يدك ووجتها عتعرف مافيش حاجة فوق الضنى حتى الحزن!

سار (مهران) بخطى متعثرة يسند نفسه إلى الجدار يشعر بالدوار نتيجة قلة أكله، انسحب (عويس) إلى الخارج ونزل ينتظره بالأسفل وقد طلب من من (نفيسة) أن تحضر ل (مهران) كأس عصير المانجا وتكثر العسل بداخله حتى يتزود ببعض الطاقة تجعله لاينهار بينما تتشبث ابنته بأصبعه...

وكما وجد (مهران) الأمل في إبنته (بدارة) يجعله يتعافى ويعيش من أجلها وجدت (نوار) الأمل أيضا في (ياسين) الذي سحبها بقوة لتعود إلى وعييها، جعلها تطلق مشاعرها التي أطفأتها بداخلها، نجح في جعلها تصرخ وتنتفض حزنا، جعلها تحرر غضبها وتنفس عنه، جعلها تبكي بلوعة وتبتسم بعفوية، نجح في جعلها تستعيد ثقتها بنفسها وتشعر بالأمان بينها وبين نفسها..

في باديء الأمر لم يكن من السهل التحكم في مشاعرها المتدفقة بقوة إلا بالدواء وشيء فشيء استطاعت الموازنة بين ردود أفعالها، توقف هو عن الثرثرة وبدأت هي في تحرير معاناتها، انتابه الألم لمصابها وتعاطف معها حبا لا شفقة وهي ميّزت ذلك
لقد رأت في عينيه احتراما وعطفا لم تراهما في عينيّ أحد..

كانت خائفة من الانجذاب إليه والوقوع في نفس الدوامة السابقة ومع ذلك بقي الإنسان الوحيد الذي تثق به أكثر حتى من والدتها التي لازمتها طوال فترة العلاج..

شهر بعد شهر و (نوار) تعود إليها إشراقتها من جديد كما عادت الحياة تسري في عروق (مهرا) ن الذي أصبحت (بدارة) تشغل كل أوقاته، أصبحت الرمق الأخير الذي يمسك روحه عن التلاشي، كان أحيانا يأخذها في نزهات ويكلمها عن والدتها التي تشبهها كثيرا وكلما مرر يده على شعرها الأبيض الذي ورثته عن أمها تخنقه العبرات وتنتابه تلك الأمنية التي تمنتها المرحومة (بدارة) عن أخذ ابنتها نفس لون شعرها فيطلق لدموعه العنان إلى ماشاء الله لها أن تتوقف فيعود برفقتها إلى (فضيلة) حتى تطعمها ويخلدان للنوم في حضن (ناتالي)...

(ناتالي) الغريبة التي أتى بها الحب لطفل من غير كبدها لتكون له أما وفية تلملم شتات نفسه وترعاه كأنه جزء من روحها...
أسلمت (ناتالي) و أصبح إسمها حبيبة وبدأت تتعلم أمور الدين بعد أن رأت الجميع يلجأون إلى التضرع لله حتى يثبت قلوبهم الحزينة الجزعة على فراق (بدارة)...

عقد الحاج (عويس) قرانه عليها وأصبحت أم الجميع السيدة الطيبة التي قدر الله لها أن تحيا غريبة وقد أنجبت عوض الولد أربعة، وتحيا أما حبيبة في غربة أصبحت لها الوطن والسكن لتتشارك مابقي لها من العمر وسط دفء عائلي مع الحاج (عويس).

الحاج (عويس) الذي كان يذكر (مهران) دائما بوصية (بدارة) رحمة الله عليها بأن تكون (فدوى) أما لابنتها لكن (مهران) يغضب بشدة ويكرر جملة واحدة:
- مافيش اللي يستاهل جلبي ولا جربي ولا بتي غير بدارة.

وهتبجي عروسة زينة وحداكي العيلة كولاتها وبردك هتجولي ياريت أمي حداي هتجوليها مش إكدة ياروحي؟ لو كنت بتمنى حاجة كنت هتمنى أشوفك في اليوم ده، ألبسك وأمسح دمعتك وأبوسك..

أنا بحبك جوي جوي يازينة البنته، ويعز عليا أسلمك لأي حد، لكن متأكدة أنك يمة الراجل اللي جلبك رايده، عارفة طالعه لأمك مش عترضي حد يغصبك على حاجة ماريدهاش، لكن فدوى جنبك هتعمل الي أنى كنت هعمله معاكي، لكن ده مايمنعشي أني أنصحك حبي يابتي على جد ماتجدري تتحملي الوجع ماتكلفيش نفسك حب كبير يجتلك وجعه الحب اللي حبيته ليكي ولأبوك كان كابير، كابير جوي مايسعوش جلب ولا تساعوش روح، ولساتني بحبكم حتى لو انمحت ذكرايّ جواتكم...

تركت ليكي يومياتي كنت بكتبها ليكي عشان تعرفيني وتحبيني كيف مابحبك...
بنتي الحلوة دي آخر حاجة أكتبها ليكي بجيت بدوخ كاتير وماجدرش أرفع راسي..
هخلص كلامي بدعوة كيف ما الأمهات تدعي لبناتها باليوم ده الله يرزجك الفرحة اللي يستاهلها جلبك ويرزجك العلم النافع و الراجل الصالح والولد البار ويصلح حالك ويرضى عنك ويراضيكي دنيا وآخرة يارب.

طوت (بدارة) الدفتر الذي بين يديها وجلست تبكي وتدعو لوالدتها وبينما هي كذلك دخل والدها غرفتها فوجدها على حالها وقد أدرك من الدفتر أنها قد قرأت مابداخله للمرة المليون أو أكثر، جلس إلى جانبها وأخذ رأسها إلى صدره وقال:
إنتي نسخة منها بالظبط مع انك شبهي، لكن جلبك نضيف كيفها يابخت عريسك بيكي وياحسرتي على فرجتك..

عانقت والدها وقد ازداد بكاؤها وهي تتذكر كيف كان لها الأب والأم، كيف سهر من أجل تربيتها، تعليمها، تمريضها، كيف كان الصديق الذي تفضي إليه بكل مايكدر صفو بالها، كيف لها الآن أن تترك يده وتمسك بيد رجل آخر قد خفق له قلبها وقاسمها مساحته مع والدها..
دخلت الست (حبيبة) وهي ترتكز على عصاتها وقالت بلهجتها المتكسرة التي لاتزال تتعثر فيها بالرغم العشرون سنة التي عاشتها وهي تتعلم وتحاول اتقانها:.

ياميران ياولدي، جوم الناس برا رايدينك!
قبل رأس إبنته وهو يبتسم ويمسح دموع وجنتيها وربت على كتفها أن تطمئن، ثم خرج فغمزتها الجدة حبيبة وقالت:
عريسك برا كمان، عيريد يشوفك!

ابتسمت (بدارة) ونهضت سريعا تغسل وجهها ثم توجهت مع جدتها (حبيبة) تلف ذراعها حول كتفها إلى المطبخ لتخرج من بابه إلى الجانب الشمالي من الحديقة حيث ينتظرها خطيبها الذي عاد ليلا من عمله مشتاقا لرؤيتها ولأنه يعلم عقلية خاله لكان أتاها وقتها الرائد مهران محمد الجبالي ..
كان يجلس على الأريكة المتأرجحة فاقتربت منه بحماس شديد وألقت السلام فرد على سلامها:
وحشتيني!

جلست بقربه وقد تذكرت أن عرسهما بعد يوميّن فغيّم الحزن على وجهها فأردف (مهران):
البدر مضلم اكده ليه بس؟ لازمن ينور ده فرحنا بعد يومين!
فقالت:
مش هاين عليا أسيب بابا لوحده، أنا عارفه أنه هيحس بوحدة بغيابي، كده هبقى أنانية وبفكر في نفسي وسعادتي بس!
فرد عليها بتفهم:
دي سنة الحياة ياحبيبتي، مصير كل بنت تطلع من بيت أبوها عروسة لبيت جوزها، وده مايتحسبش أنك فرطتي فيه، احنا أكيد هنزوره دايما.
فقالت بحزن:.

هو، ماما الله يرحمها سابت وصية إنه يجوز الست فدوى، بس هو مرضيش كنت دايما بسمع جدي يطلب منه حتى جدتي حبيبة كمان لكن هو كان بيتعصب منهم ويرفض ويقولهم دي خيانة لذكرى بدارة..
فقال (مهران) مستغربا:
بعد عشرين سنة لسة بيعتبرها خيانة!؟
فأجابته ممتعضة:
جرى إيه ياسي مهران، كلامك ده مابيطمنش وشكلك هتبيع مع أول فرصة؟
دفشها (مهران) وهو يقول:.

امشي من هنا، أنا جاي عشان اسمع منك كلام حلو بس لسانك طول، آدي آخرة الدلع وأنا اللي بلبس في الآخر..
واستقام يسير فلحقت به وهي تقول:
-استنى بس، استنى! أنا كنت بهزر!
استدار نحوها ليقول شيء فتعلقت عيناه وراءها ليبتسم ابتسامة مصطنعة وهو يقول:
فاروج!
التفتت (بدارة) بدورها وقد شعرت ببعض الإحراج من أخيها الذي جمع يديه على صدره يطالعهما باستنكار وقال:.

مش جلنا في حظر تجوال بالجنينة ياحضرة الرائد، بتعمل إيه عنديك؟
حافظ (مهران) على إبتسامته واقترب من (فاروق) وتأبط ذراعه ففعلت (بدارت) مثله وقال:
كنا بنتناقش في مصير خالي بعد ما اخد بنته!
فقال (فاروق) بسخرية:
والله؟! فيكم الخير بجد!
فأردفت (بدارة):
أيون أومال! يعني أمشي وأسيبه كده لوحده!
فقال (فاروق):
لو جلبك عليه جوازيه!
فأجابته بحزن:
مش هيرضى، اذا كان مارضيش باللي حبها فكرك هيجوز أي ست كدة وخلاص!

بدا التفكير على (فاروق) ثم قال:
تقصدي الست فدوى؟
فسألته بحماس:
إنت عارف مكانها؟
فأجابها:
أنا سمعتها بتكلم جدتي حبيبة، هي بنابولي رجعت إيطاليا وفتحت فرع لشركتها الفرنساوية اهناك!
فقالت بذات الحماس:
أكيد مش متجوزة؟
فقال:
لاه دي معرفهاش الصراحة.
فنظر كل منهما نحو (مهران) نظرات مستفسرة..
فقال وهو يرفع ياقة قميصه متفاخرا:
عندي الجضية دي، أنا هطجس عليها وأجولكم.
فقال (فاروق) وهو يسحبه من ذات الياقة:.

بجولك إيه يابو نسب، إنت رائد مالي هدومك ومتعلم أحسن تعليم، بتتكلم صعيدي ليه، بتتريج علينا ياولد الداكتور؟
تصنع (مهران) الخوف وقال:
حاشا ياود عمي، أنا بفتخر فيكم والأصل أصل يعتز بيه!
تعانقا وأخذ كل منهما يقول:
-حبيبي ياولد العم!
بينما وقفت (بدارة) تراقبهما بتذمر وقالت:
أيوه حبوا فى بعض كده ولا كإني هنا زيي زي عمود النور!
فقال (فاروق):
تعالي فى حضن أخوكي يابت جلبي يأم شعر أبيض!

ونظر إلى (مهران) بتشفي واردف بهمس:
أنا اللي أحضن إنت لاه.
بينما قالت (بدارة) ممتعضة:
بس ماتقولش أم شعر أبيض ده هدية من أمي الله يرحمها ومش هفرط فيه وأغيره واللي مش عاجبه الله يسهلوا..
فقال (فاروق) يغيظ (مهران):
بتجول الله يسهله واجف عندك بتبحلج على إيه امشي من اهنا، مش كفاية هتاخد أختي مني وتسافر..

تركهما (مهران) وغادر وهو يدرك حاجة (فاروق) لقضاء بعض الوقت مع (بدارة)، أخته من الرضاعة التي تعلق بها كأنها توأمه ويعزها أكثر من بقية أخواته الحقيقيّين.

الزمن يداوي الجروح التي تركت ندوبها على الأرواح، هكذا فعل الزمن ب (نوار)، منحها فرصة ثانية للحياة، امتهنت التمريض و تزوجت من (ياسين) وأنجبت ثلاثة أبناء كانوا لها العوض بعد معاناتها، أما (ياسين) فكان يعاملها بحب شغوف بها يتطلع إليها بإعجاب لم يتغير أبدا خلال الخمسة عشر سنة التي تشاركاها مع بعضهما، وكذلك (ناجي) الذي أصبح قاضيا مشهورا و زوجته (راوية) التي أصبحت مستشار قضائي لم تؤثر حياتهما العملية على حياتهما العاطفية والأسرية بل في خضم انشغالهما كانا ينقبان تنقيبا عن لحظات يتشاركان فيها مع توأمها الفتاتيّن الرائعتيّن التي أنجبتهما (راوية) بعد طول إنتظار وكانتا وصالا وتكملة لحبهما الكبير المبني على المساندة والمشاركة والتقدير..

أما (فضيلة وعزام) كما زادها الزمن قربا وعاطفة زادهما عصبية ومع ذلك كانا يجدان في بعضهما الراحة والسكن مع التفاف أبنائهما الأربعة حولهما، كذلك الأمر بالنسبة ل (زهرة ومحمد) وحبهما الملحمي هاهما يحضران لزفاف ولدهما البكر (مهران) من إبنة خاله بدارة مهران الهواري والتي ستكون ابنة ثالثة لهما إضافة إلى إبنتيّهما...

مات (عويس) منذ خمس سنوات تاركا الجدة (حبيبة) وصديقه (عسران) يشعران بمرارة فقد لاتوصف ومع ذلك كانت ولا تزال (حبيبة) الأم الحبيبة للجميع ولا يزال (عسران) كبير العائلة الذي لايخرج أحد عن مشورته...

وها قد انقضى اليومان واجتمع أهل البلدة على زفاف حفيد الجبالي على حفيدة الهواري، مافرقه القدر جمعه الزمن مرة أخرى، قُدِر ل (بدارة الجبالي) أن تفارق الحياة لبيقى (مهران الهواري) وحيدا يشكو بثه في حب ابنته التي جعل منها أملا يحيا من أجله، وهاهو الزمن يجمع بين (بدارة الهواري ومهران الجبالي) جمعة حب لاكسرة قلب فيها..

انتهى الزفاف المهيب الذي بدت فيه العروس كأميرة خرافية زفها الجميع إلى عريسها بفرحة حزينة وهي تتمنى ياليت أمي كانت بجانبي اليوم أمسكت يد عريسها لتعيش السعادة الأبدية كما تمنى لها الجميع..
اعتزل (مهران) نفسه مجددا في دور الأحزان
وهذه المرة يشكو بثه من البدارتيّن اللتان ملأتا حياته حبا كبيرا وحزنا بذات الكبر.

أما الآن فحان وقت السعادة أن تطرق القلوب التي أنهكها الحزن..
حضر (مهران) على عُجالة يعد الساعات ثانية ثانية لتحط طائرته على أرض روما فيهرع راكضا إلى إبنته التي اتصلت به تستنجد أنها مريضة...
وحطت طائرته فوجد صهره (مهران) ينتظره وقد طمأنه أن (بدارة) ذات الشعر الأبيض بصحة جيدة وقاده إليها...

أمام الجسر توقف (مهران الجبالي) وقد لمح الحنين على وجه خاله الذي تعلقت عيناه بالجسر، استرجل من السيارة وفتح له الباب فنزل وأشار له إلى يساره وقال:
هي مستنياك إهناك ياخال!
نظر إلى ذلك الإتجاه فرآها، لم تتغير كثيرا
زادها الزمن جمالا رغم شحوبها وهزالها، اقترب منها بخطى بطيئة كما تفعل هي وقد امتزجت ابتسامتها بالدموع...

خطوة خطوة كل خطوة ترسم ومضات من الذاكرة فيها ألم، وفيها حب، وفيها خيانة، وفيها تضحية، وفيها فراق!
لقد وقع القدر على رقابهم كسيف حام اردى صفاء أرواحهم وهنائها..

وقفا أمام بعضيّهما صامتيّن فحسب فكان ذلك الصمت يعبر عن الشوق ولوعة الفراق ولذة اللقاء، أسكنت (فدوى) (مهران) قلبها فكان حارسه يصد أي رجل عنها، وأسكن (مهران) حزن (بدارة) قلبه حتى غطى على رغبته في (فدوى) كأنه يلوم نفسه ويلومها على موت (بدارة) الذي كان مقدرا لاذنب لهما فيه.

لم يبحث (مهران عسران الهواري) عن نهاية سعيدة بعد أن أختار القيام بواجبه بحب فعاد له الحب كواجبا من الإبنة على أبيها فكانت النهاية مُرضيّة وسعيدة في آن واحد.
تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 5 من 10 < 1 3 4 5 6 7 8 9 10 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
لمالكي هيونداي النترا تحذير من هيئة الرقابة علي الصادرات Moha
0 336 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، الرقاب ، نافذ ،











الساعة الآن 01:37 PM