رواية نوفيلا أعترض حضرة القاضي للكاتبة شاهندة و جود علي الفصل الخامس
معادلة الحب لا تكون ثابة غالبا، أحيانا ما تكون النتيجة حاصل إثنين، ثلاثة!. هكذا هي القلوب لاتكون خاضعة لأي قوانين، متمردة، تتعلق بحرية، كما تريد و بمن تريد!
هناك الكثير من الأيام الحافلة الثقيلة وهذا أحدها، كانت (نور) تتخبط بينها وبين نفسها كطائر مجروح بينما يجلس في الغرفة المجاورة أبويٌها مع عائلة عمها يناقشان أمر زواجها الذي لاترغب به.. دخلت والدتها وقالت بحزم: خمس دقائق وألاقيكي قدامي! جذبتها (نور) من يدها وقالت تستعطفها:.
ياماما حرام عليكم، أنا مش عايزة الجوازة دي وبعدين إنتي مش بتطيقي مرات عمي وطول عمرك بتقولي عليها عقربة، اشمعنى الحب ده اللي جيه فوق دماغي أنا دلوقتي؟ ياماما أرجوكي أنا مش عايزة هشام، ده أبيه، في واحدة تتجوز حد بتناديه أبيه! ارحموني أنا زي بنتكم بقى! قالت والدتها وهي تشير بأصبعها وتتجه خارجا: خمس، دقايق، مافيش غيرهم!
زفرت (نور) بضيق وجلست على طرف سريرها وقد احمرّ وجهها من الغضب وقتذاك وردها إتصال من (هبة )التي قالت: ها يانور عملتي إيه؟ فأجابتها بصوتها الباكي: معملتش حاجة، الباشمهندسة دخلت من شوية تهدد فيا قال عايزاني برة بعد خمس دقائق، الحقيني ياهبة بجد أنا مخنوقة وعلى شوية هجنن وأطلع أموت هشام وأمه. ابتسمت (هبة) وقالت: عين العقل والله. قالت (نور)بحنق:.
هو ده وقت تريقتك ياهبة ماتتلمي في يومك اللي مش فايت ده هو أنا ناقصة. ابتلعت (هبة) ضحكتها وحاولت أن تكون جدية فقالت: هما ليه مصرين على هشام مش كنتو على خلاف مع عيلة عمك، إيه اللي جد؟ قالت(نور):.
أبدا ياستي، دكتور هشام هينتقل على ماليزيا هيشتغل في مستشفى كبيرة هناك، أمي شايفه حياتي هناك حظ من السما وبتقولي أحسن ماتتعفني هنا وانتي بتترافعي عن المجرمين، والحاج حبيب قلبي بقى بيقول اخويا اولى من الغريب خصوصا يعني بعد ما عمي قاله أهو ورثنا يبقى مننا وعلينا ومايطلعش للغريب بعد ماكانو ماسكين في خناق بعض على كام حتة أرض وكام عمارة وحاجات تانية سابها جدي الله يرحمه من غير مايقسمها بينهم فعمي كوش على كله لأن بابا خلفته بنات هو جاب هشام و همام و حسام على وزن واحد كدة زي ماانتي شايفة...
انجزي الخمس دقايق خلصت وهتطب عليا من تاني.. فقالت (هبه) وابتسمت( نور) بمكر. رتبت (نور) هندامها وخرجت من غرفتها وتوجهت نحو المطبخ وقد أعدت القهوة للجميع وملأت صحن تقديم الحلويات بكمية معتبرة من البوتيفور ورسمت إبتسامة عريضة ودخلت عليهم تلقي التحية... (هشام) الجالس بجانب والدته راح يطالعها بهيام متناسيا وجود الجميع في حضورها..
ابتسامتها الطفولية وشعرها الأحمر المجعد الذي تخفيه تحت الحجاب و كيف تطرف بعينيها من الخجل وصوتها الناعم الذي يغمر روحه، كل هذا يجعله ينجذب إليها بشدة، ولكنها لا تراه سوى أخ بل تستثقل ظله فلا تكلمه إلا مجاملة... قال وهي تناوله القهوة: أخبارك إيه يانور؟ تمام يا هشام، وإنت؟ قالتها باقتضاب ليجيبها: الحمد لله! أومأت برأسها وعادت تجلس مكانها.
ارتشف (هشام) من فنجانه ومالبث أن لفظ ما في فمه وراح يسعل ووالدته تنظف ثيابه، قال بعصبية: انتي هبلة في حد يحط فلفل اسود في القهوة يابنت انتى! هبت واقفة وتخصرت وقالت: هبلة، أنا هبلة. سمعت يابابا ده بيقول عليا هبلة وقدامكم، شفت ياعمي! حاول (هشام) تدارك الموقف وقال: ماقصدتش، بس فلفل في القهوة يانور، وسعت منك شويتين! قالت باستنكار:.
الحقو ده بيبرق فيا كمان! هو ده ياناس اللي هأمن على نفسي معاه؟ وكمان هيغربني يعني لو قطعني ماحدش هينجدنى. وجلست على المقعد بطريقة درامية تمثل الضيق.. فقال (هشام ): كبري عقلك يانور ماحصلش حاجة لرد فعلك ده! قالت لأبيها: ده أنا أشطر محامية في المدينة يقولي عقلك صغير يابابا! فقال والدها وهو يمسك بيدها:.
ياهشام انتي ابن اخويا يعني زي ابني وقلت ماحدش هيكون أمين على بنتي غير ابن عمها بس تصرفك ده خلاني أفكر أعيد حساباتي.. قالت والدته متدخلة: حسابات إيه بس يا عبد الحميد! الولاد متوترين شوية وشكل نور مدلعة زيادة فخلطت بين المزح والجد... وقتها صاحت (نور): يا ماما! فقال العم يخاطب ابنه: قوم ياهشام اغسل ايدك ووشك واقعد أنت ونور اكلمو شوية.. والتفت نحو (نور )وأردف: قومي يابنتي الله يرضى عليكي.
نظرت (نور) نحو والدها تستنجد به لكنه أومأ لها موافقا فنهضت على مضض تتبع (هشام) وقد شعرت أن مخططها بدأ يفشل.. غسل (هشام) يديه وتوجه إلى المطبخ حيث كانت تجلس وأمامها علبة عصير تشرب منها مباشرة، طالعها باستنكار وقال: الشرب بالشاليمو مش صحي على فكرة! فقالت: كمان هتعترض أكل واشرب ازاي، لاء دي مبقتش عيشة أنا هروح لأهلي! فقال بحزم: اثبتي مكانك! عادت لتجلس فأردف بصوت خفيض هاديء:.
بصي يانور، احنا بنعرف بعض عمرنا كله، والحركات اللي بتعمليها دي عارف انها حركات تطفيش... عاوزك تهدي عشان نعرف نتكلم.. زفرت بضيق وقد دفت وجهها بين ذراعيها اللذان جمعتهما على الطاولة فأردف: عيزاكي تنسي إنى إبن عمك وتعامليني كإني أي عريس متقدملك، بس عريس محترم كده ومايترفضش.. رفعت رأسها تحدق فيه نظرات موحية كأنها تقول لا ماشاء الله فرفع حاجبه قائلا: يعني أترفض ولا إيه؟ استعادت ثباتها وقالت:.
اسمعني يا أبيه!، قصدي ياهشام، مش بقول انك شخص فيك عيب وتترفض، بس الجوازة دي كإنها صفقة فيها ربح للعيلة، بس أنا فين من الربح ده، أنا ماقدرش أعيش بوضع زي ده وحياة زي دي، أرجوك إفهمني ووقف المهزلة اللي بتحصل دي!
كان (هشام )يحافظ على ابتسامته وهو يستمع لكلمات (نور )ثم قال: معقول يانور تفكري إني موافق أرتبط بيكي عشان مصلحة أي حد.. فاكرة في فرح أخويا همام لما وقع الورد اللي رمته العروسة بين إيدك قلتلك إيه وقتها؟ قالت: هتبقي عروسة بعد مي على طول! قال: بالظبط، وقتها كنت مراهن نفسي لو مسكتي البوكيه هطلبك من عمي على طول.
أنا بحبك يانور، ومالية قلبي وعيني وكل تفكيري، إنتي الإنسانة اللي أقدر أأمنها على مشاعري وحياتي كلها، أنا مارضيتش أجي أقولك حبيني عشان بحبك، أنا دخلت البيت من بابه، مايهمنيش الناس اللي قاعدة هناك نواياها إيه من الجوازة دي، إلى يهمني مشاعرك إنتي حتى لو ماكنتش حب على الأقل تكون راحة، فكرى كويس يانور أنا لايمكن أقلل منك أو أعنفك واللي حصل من شوية بسبب قهوة الفلفل كان لأني حسيت إنك قصداها عشان تطفشيني.
استقام وغادرها وهي لا تزال تحدق في طيفه ببلاهة، استقامت هي الأخرى ودخلت غرفتها وقد شعرت أنها وقعت في فخ لن تخرج منه، لم تكن تتوقع أن( هشام )يحبها ويتعامل معها بهذا القدر من الاحترام الذي جعلها صغيرة بتصرفاتها معه أمام نفسها فأخذت وسادتها وراحت تعض عليها غيظا وهي تصرخ...
إنتهى اليوم لتنتهي (هبة )إلى جانب صغيرها الذي تضع رأسها بقرب صدره العطر وهو يبعثر شعرها بيديه الصغيرتين بينما تحاكيه: هتسامحني ياسيف لما تكبر وتعرف إني سبب في سجن باباك؟ ولا هتفهمني وتقدر إني كان لازم أحميك منه وأحمي نفسي كمان؟ هتسألني عليه ياسيف؟ هتحبه أكتر مني مثلا؟ خايفة من بكرة، لما تكبر وتبدأ تسأل عليه، هو أنا لو كدبت وقلتلك باباك إنسان كويس وبيحبك هبقى بخدعك؟
أنا حبيت ومحسبتهاش لليوم ده، سامحني ياحبيبي معرفتش أختار صح! وبالحديث عن الاختيارات الخاطئة اعترض (حمزة) ذاكرتها بقوة بصورته الجميلة التي رأتها ببيت والديه، أصبح جزءا من حياتها منذ أن وجدت كومة من رسائله داخل صندوق البريد الخاص بشقتها، تجاهلتها في باديء الأمر لكن عنوان السجن الذي طبع عليها أثار فضولها ففتحتها وفتحت معها شقاء لقلبها من جديد...
حشرت أصبعها بيد صغيرها الدافئة والتفت تسحب درجا بجانبها وأدخلت يدها وجذبت رسالة عشوائية فتحتها وراحت تقرأ:.
اليوم الجمعة الليلة الأخيرة من رمضان المبارك 2012 كل عام وأنت بخير. الأيام متشابهة هنا يانسمة فكيف أيامك هناك؟ أمازال يوم الجمعة كما كنت أذكره؟ يتسابق الناس فيه إلى المساجد فيرتفع صوت الخطيب بكلام الله ورسوله فيثبت القلوب ويريح الأرواح ويزيل غمة النفوس..
يعودون بعدها بخفة فيتشاركون الغداء برفقة عوائلهم فتسأل الزوجة أو الإبنة عن موضوع الخطبة فيعيدها رجل البيت عليها كأنه يروي نبتة لتزهر! كانت تلك أمنيتي أعود إليك محملا بعظة تزهر المودة بيننا! اليوم جمعة قال لي العم عزيز فهو ضليع بالوقت كما تعلمين، وجمعة العم عزيز لا تختلف كثيرا عن جمعاتكم، نجعله بيننا فيخطب بحب مايبث الأمل بقلوبنا مايجعلنا نصبر على الفتن فنحمد الله ونشكره.
انقضى رمضان بدون تراويح فكانت كلمات العم عزيز تراويحا لنا قال ذات ليلة: الجنة من معجزات الله العظيمة، إنها الراحة اللامتناهية التي لا يعرف فيها جزع، فكيف ندخلها من دون ثمن، هاه! جعلني أفكر كما لو كنتي جنتي وأنني أشقى للراحة فيك! طوت (هبة) الرسالة بعنف وقد نزلت دموعها وراحت تلعن( نسمة) الخائنة وتتعجب من تفريطها في شخص بخضم كل ما هو فيه لايزال يتكيء على حبها ليقاوم... هدأت قليلا ثم أعادت فتح الرسالة:.
أتوق إلى رؤيتك والعيش في نعيمك! لي عتب عليك يانسمة! أذكريني برسالة تطمئن قلبي وتؤنس وحدتي تكون لي كيقين بأن الغد أجمل فأصبر من أجل غدنا الأجمل! عيدك مبارك وكل أيامك مباركة يا كل عيدي ويابركة أيامي المقبورة في منفايٌ. حمزة. وضعت الرسالة جانبا وقد شغل تفكيرها هل تكشف له حقيقة (نسمة) أم تجعله يواصل وهمه كي يستطيع المقاومة إلا أن تحرره.. قاطع تفكيرها بكاء( سيف) فحملته بين يديها تهدهده لينام.
ارتفع أذان الفجر بصوت (عزيز) المبحوح فاستيقظ بعض السجناء لصلاة الفجر من بينهم( حمز)ة الذي توضأ بسرعة واصطف خلف (عزيز) ليلتحق به البقيّة فقام بهم( عزيز )وهم خاشعين يتبعونه. انتهت الصلاة فانفض الجمع لمضاجعهم وبقي (عزيز) و(حمزة) جنبا إلى جنبا يطالعان نفوذ الشمس من بين قضبان نافذة صغيرة بآخر الجدار فقال( عزيز )... من بين الضيق يندفع الفرج، زي ما دخلت الشمس هنا من شق صغير طرف السقف! فقال (حمزة ):.
دول أربع سنين مروا ياعم عزيز ولسة سنتين كمان ويمكن أكتر! ربت( عزيز) على ركبته وقال: هانت ياابني، هانت! فقال (حمزة ): خايف ياعمي! أنا حاسس إن اللي كنت صابر عشانها مابقتش ليا، في برود جوايا ناحيتها، ولا البعد خلق الجفى؟ ابتسم العم( عزيز) وقال:.
ربنا قذف في قلبك العشق عشان يكونلك مخرج من الضيق ياحمزة، ما العشق عبادة كومان ياابني زيه زي الدعا، ولو ربنا برد على قلبك يبقى رفع إبتلاه عنك، دي حكمة ربنا هو أدرى بحال عبده، ماتخافشي من أى حاجة إللي إداك مش هيحرمك لو خد منك عطيته. فردد (حمزة): ونعم بالله!
أنا إتغيرت والحياة اتغيرت مابقتش عارف من الناس اللي برا غير أمي وأبويا، خايف أطلع من هنا ماقدرش أعيش برا، كإني طير وآلف القفص لو اتحرر مش هيعرف يطير وهيقع. فقال (عزيز )من بين تسبيحاته: كن على يقين إنك بعد كل الظلم إلى اتظلمته هتلاقي اللي يمسك إيدك ويسندك ويجبر بخاطرك، اطمن ياحمزة! فقام (حمزة) إلى دفتره كالمعتاد و خط رسالة إلى والديه الذي قطع خبره عنهما من مدة طويلة.
هنا في هذه المقبرة كما كان يسميها (حمزة )قد تعلم الكثير، تعلم الإخلاص والثقة بالله، تعلم الصبر والقرب من الله، فنجى من أحلك الأيام سوادا، أما الطمأنينة التي ستصله قريبا فهي كلمات ستنفخ في روحه يقينا صادقا أن الفرج إقترب.
لو سألتني عن الحب لحدثتك كيف تحول رسالة واحدة فقط من شخص ما، بكلمات قليلة، حياة شخص أخر من العدم إلى الوجود، كيف تعيد له ملامحه، إبتسامته، ومشاعره... فتكون كلماته أقرب لنفخ روح جديدة في جسده البالي... هكذا تلقى( حمزة) بعد يومين رسالة من غريبة تحمل عنوان (نسمة) وإسم (هبة ).. قلبها بين يديه بعد أن سلمها إياه الحارس وجلس في الفناء تحت ظل شجرة وفتح وراح يقرأ.. مرحبا حمزة!
اليوم -بما أنك تنسى ترتيب الأيام- هو الجمعة وقد حضرتها، أتريد أن تسمع ما جاء في خطبة الخطيب؟ أعلم أنك تريد فاسمع إذن..
قال: كان يوسف عزيز أبيه فكادوا له إخوته فأصبح عبدا في أرض غريبة، إبتلاء يوسف كان عظيما لكن ذاك لم يمنع أن يكون محبوبا، أينما حلّ، البلاء لا يمنع المحبة ياحمزة ولا يكون عائقا لها هكذا ظل يعقوب متعلقا بريح ولده شغوفا به بطول غربته وانقطاع خبره، وهكذا يوسف رغم ضيقته حول بؤسه إلى فسحة مودة بنفسه الطيبة ويقينه القوي بالله عز وجل..
وقال: إذا اشتعل الحب في النفس بما لاتطيق أهلكها، كما فعل بزليخة فصارت تعذبه على أيدي جلاديها يصبر هو وتنزف ألما هي، أمر القلوب غريب أليس كذلك؟ الحب الخالص لله والصادق بين عباده هو ما يعلق أرواحهم ببعضها فيكون لهم نجاة لا ظلمة! ربما ستراودك نفسك لما تقول هذه الغريبة هذا لي وأنا لا أعرفها؟ وقبل أن أخبرك ترددت كثيرا لكنني عزمت أمري وأنا أدرك أنك لست بشخص قانط يعارض قدر الله وحكمته..
أنا هبة صديق إنتقلت مؤخرا إلى المنزل التي كانت تسكنه نسمة مع عائلتها وللصدفة وجدت صندوق البريد يكتظ بالعديد من رسائلك على مدار أربع سنوات.. نعم، نسمة لم تستلم أي من رسائلك لأنها رحلت، ولأكون دقيقة تزوجت - على حسب ماقاله الجيران - بعد أشهر من دخولك السجن وسافرت إلى أروبا.
شعر (حمزة )بانسحاب الهواء من صدره وهو يقرأ كلماتها وراحت يداه ترتجف وهو يردد: أكيد جبروها تعمل كده، نسمة مستحيل تسيبني، ابوها!، أكيد أبوها أجبرها.. ستقول ربما كانت مجبرة أو مضطرة لا أعرف ذلك لأن عيني لم تر لكنني زرت والداك وأخبرانني أنها تزوجت راضية وسعيدة، الحقيقة قاسية لكن لابد منها لأن تستفيق ياحمزة. لذا أعود إلى ما جاء في الخطبة وأقول لك البلاء لايمنع المحبة ولا يكون عائقا لها.
هذا ما شعرت به من رسائلك التي بثثت فيها كل مشاعرك لنسمة. رسالتي هذه لم أرسلها كبيان لإنهيار أحلامك ووقوعك منكسر الخاطر، بل من أجل أن أخبرك أن حبك الصادق سيخلصك من منفاك ومن مقبرتك.. استعد ياحمزة سأمسك بيدك لأخرجك إلى النور. هبة صديق.
أتم (حمزة) قراءة الرسالة وجسده كله يرتعد و شفتاه ترتعشان بدا كما لو أنه مصاب بحمى ويهذي، أراد أن يقف لكن رجليه لم تستجبا له رآه (عزيز) من بعيد فاقترب منه وأمسكه من ذراعه ليقف وقال بلهفة: مالك ياحمزة، خير ان شاء الله؟ تأتأ (حمزة) بكلمات لم يفهمها (عزيز) فنفضه بقوة إليه واردف: حمزة بصلي.. نظر إليه( حمزة) نظرة زائغة وقال: ن، نيسمة، نسمة، خانت...
فهم( عزيز) مايرمي إليه( حمزة) من حالته تلك فأسنده إليه يسحبه إلى الداخل وهو يردد: قدر الله وماشاء فعل، قدر الله وماشاء فعل! لا بد من بعض الألم حتى تتضح الرؤية وهذا ما سيعيشه( حمزة )من أيامه المقبلة قبل أن يدرك ما ينتظره من عوض جميل.
رواية نوفيلا أعترض حضرة القاضي للكاتبة شاهندة و جود علي الفصل السادس
جلس (حمزة)في احد اركان زنزانته يكتب بحروف متعثرة..
نسمة، أيتها الفتاة جاحدة القلب خائنة الكيان، وهبتك قلبى فأضعتيه بخيانتك، سلبتينى أمانى وإيمانى، العشق كان مايمنحنى الصبر على ابتلائي فصار هو ابتلائي حين أصبت بالخذلان، صار محيطي باردا ووسادتي جلمودا والثلوج تحاوطنى، أسكنتك قلبي فذبحتيه بغدرك، أسكنتك عيني فأدميتها بجرحك، أسكنتك روحى فأحرقتها بجحودك، أحببتك كثيرا ولكنى الآن أكرهك أكثر وأتمنى لو لم ألقاكِ قط.
تأمل الخطاب للحظات، قبل أن تغشى عيناه الدموع وهو يمزقه إربا، يلقيه في تلك السلة بجواره قبل أن يسند ظهره إلى وسادته وهو يغمض عيناه فتتمثل أمامه، فتحهما حانقا، وهو يتعجب من نفسه. فعندما يكون الجُرح غائرا يصبح وجعك عصيّ الفهم حتى على نفسك، تتعجب من حُرقة القلب وقد خان الحبيب وبدلا من أن تلقيه مع ذكرياته في غياهب النسيان، تجد ذكرياته تلك حاضرة فتعتصر القلب بجمر الألم، وتتركك تتلظى بنيران الغدر.
من المؤلم حقا أن تبحث عن الوفاء في زمن الخيانة، ومن المؤلم أن تدرك أن من ظننته طوق نجاة قد تخلى عنك بكل سهولة وتركك للردى، نعم، الردى. فلم تقتل(حمزة) قيود السجن ولم تخنقه قضبانه بل قتلته هي حين قامت بجريمة قتل لقلبه مع سبق الإصرار والترصد وعقوبتها الموت قهرا وكمدا، يتنفس ربما ولكنه حتما لا يعيش.
كان يصاب بالدهشة حين يرى الكره من حوله، يعتقد أنه لايمكن أن يكون كذلك حتى صفعته هي بقلم الخيانة حينها تأكد أنه قادر على الكره تماما وقد كرهها من كل قلبه تماما كما أحبها من كل قلبه أيضا. كان لابد وان يمقتها فقد أخبرها أنه يكره الفراق فهجرته، أخبرها أنه يكره الدموع فأبكته وأخبرها أنه يكره الخيانة فخانته وتركته الآن ناقما على الحب يلعن الوفاء ويقسم على النسيان.
دلف(عزيز)الى الزنزانة في تلك اللحظة فرأى ملامحه الشاحبة ودموعه التي أغرقت وجهه، اقترب منه بسرعة وجلس جواره قائلا: -وحد الله ياابنى، احنا مش قلنا ننسى ونرمى ورا ضهرنا.. اليومين اللى فاتوا دول كانوا صعبين اوى عليك انا عارف، انت فاكر ان الجرح هيفضل كبير؟لا ياابنى مع الأيام صدقنى هيصغر وهتشوف ان محنتك دى كانت مجرد عثرة في طريقك هتخرج منها أقوى بإذن الله. قال(حمزة)وهو يمسح الدموع من على وجهه:.
-أنا فعلا لازم أنسى ياعم عزيز، اللى زي نسمة لازم تتنسى وينحرق طيفها مع ذكرياتها ويترمى رمادهم في وش الريح، اللى زي نسمة مش لازم ينبكى عليه وأنا قررت من النهاردة إنى أنسى ووعد منى هنساها ومش هفكر فيها تانى رغم انه صعب علية بعد ماحبيتها الحب ده كله واستحملت على امل لقياها كل العذاب ده، بس مش مستحيل وبعون الله هقدر. ربت(عزيز)على يده بحنان قائلا:.
-هو ده الكلام ياابنى، قوم يلا اتوضى وتعالى صلى معانا الضهر وادعى ربك يخفف ألمك ويفرج كربك. نهض (حمزة)متثاقلا، يتبع (عزيز)الذي توقف فجأة وهو يستدير إليه ويخرج شيئا من جيبه قائلا: -بالمناسبة جالك جواب النهاردة من واحدة اسمها هبة صديق. ناوله الخطاب مردفا بفضول: -هي مين هبة دى ياابنى؟يعنى محكتليش حاجة عنها قبل كدة. أخذ (حمزة)الخطاب ووضعه في جيبه قائلا: -نصلى الأول ياعم عزيز وبعدين أحكيلك.
هز (عزيز)رأسه وهو يتقدمه مجددا بينما قبض (حمزة)على الخطاب في جيبه دون وعي وقد راى في صاحبته طوق نجاة سيخرجه من ظلمات سجنه ووهمه إلى نور الحرية.
نظرت (هبة)إلى ورقة التوكيل برضا قبل ان تقول موجهة حديثها لوالدي (حمزة): -كدة تمام اوى، من بكرة بالتوكيل ده هقدر ارفع قضية بإسم حمزة، اطالب فيها بإطلاق سراحه لعدم وجود ادلة حقيقية تدينه بس لازم كمان أرتب زيارة أشوفه فيها عشان أفهم منه أبعاد القضية أكتر. قالت(ناهد)بلهفة: -وهتقدرى تشوفيه يابنتى وتقعدى معاه؟ قالت(هبة)بهدوء رغم تسارع خفقاتها للفكرة ذاتها: -بإذن الله ياطنط، ربنا يسهل. قالت(ناهد):.
-طب واحنا مش هنقدر نزوره؟ قالت(هبة): -هحاول طبعا لان زيارتكم ليه هتكون عامل نفسى مهم يشجعه في محنته، وبرده التيسير من عند ربنا. طالعتها (ناهد)بامتنان بينما قال(مصطفى): -طب نتوكل على الله ونشوف فندق نقعد فيه اليومين دول لحد ما نشوف الدنيا فيها إيه. قالت(هبة)على الفور:.
-في العمارة اللى ساكنة فيها فيه شقة اوضة وصالة دور أرضى، انا كلمتلكم عم فاروق صاحب العمارة عليها ووافق يأجرهالكم بمبلغ بسيط جدا، هيكون اكيد اقل من الفندق واحسن وكمان هتبقوا جنبى عشان لو احتجتكم في أي لحظة، ايه رأيكم؟ قالت (ناهد)بامتنان:.
-والله يابنتى ماعارفين نقولك ايه، انتى ظهرتى في حياتنا دي فجأة واديتينا أمل وكأنك ملاك ربنا بعته لينا عشان ينقذنا من اللى احنا فيه، واحنا مش عارفين نشكرك ازاي على كل اللى بتعمليه معانا. اعتلى وجه (هبة)حمرة الخجل وهي تقول: -دى حاجة بسيطة ياطنط متكبريهاش، يلا بينا نتوكل على الله ونروح ماما عاملالنا أكل هتاكلوا صوابعكم وراه.
تقدمتهم بينما وضعت (ناهد)يدها على كتف زوجها الذي طالعها بعيون شعّت بالرضا، والأمل.
كانت تقف أمام واجهة احد محلات هذا المول الشهير حين فوجئت بيد تسحبها، استدارت تنوى تقريع صاحب تلك اليد، فأُلجم لسانها تماما وهي تراه يطالعها بعتاب، تبعته دون كلمة حتى دلف إلى أحد الكافيهات وهي خلفه، توقف أمام طاولة وقال لها بهدوء: -اقعدى. جلست تطالعه بصمت فجلس بدوره يطالعها، جاء النادل فقال له (عز)دون ان يحيد بنظره عنها: -اتنين لمون لو سمحت. انصرف النادل فقال (عز)على الفور:.
-بقالك يومين مبتجيش المكتب واتصلت بيكى النهاردة مردتيش علية، ممكن أعرف السبب. قالت بعتاب: -وانت لسة جاي تتصل بية النهاردة ياعز، فينك من يومين؟مسألتش علية فيهم ليه؟ قال(عز): -كنت بديلك مساحتك يانور، مبحاولش اضغط عليكى واخليكى تختارى مابينى وبين أهلك، بديلك فرصة تختارى مابين واجبك اللى بيتمثل في طاعة باباكى وبين قلبك. طالعته بعيون دامعة وهي تقول:.
-وانا كنت محتاجالك جنبى عشان أقوى وأقف قصاد أهلى وأقول لأ مش هتجوز هشام، مش هختار غير اللى قلبى حبه مش هختار غيرك ياعز، كنت محتاجاك جنبى عشان أقدر أقولهم ان دى حياتي وانا حرة فيها، على فكرة ياعز أنا اضعف مما تتخيل بس حبك قوانى وخلانى أقول لأ، وفجأة اختفيت من حياتي لقيت نفسى رجعت ضعيفة من تانى وأنا بحس انك يمكن محبتنيش كفاية عشان تتمسك بية وتقف قصاد أهلي، وتقولهم نور لية ومش ممكن تكون لغيري...
-نور انتى فعلا لية ومش ممكن تكونى لغيري، بس انا كنت خايف، ايوة خايف، خايف ان حبك لية يكون ضعيف قصاد التحديات اللى بدأت تظهر في حياتنا، خفت تكونى بتحبينى يمكن بس ممكن تنسينى وترتبطى بغيرى وتتحول مشاعرك ناحيته، احنا لسة معترفين لبعض بمشاعرنا مبقالناش كتير، لسة في أول فصول روايتنا يعنى، لو بجد بنحب بعض هنعدى من أي ازمة وهتكون الخاتمة السعيدة هي النهاية، بس لو غلطنا و شكينا في مشاعر بعض زي ماحصل اليومين اللى فاتوا دول يبقى صدقينى نهاية الرواية هتكون، وفرقهما القدر.
ضمت أصابعها على يده قائلة بنبرة طفولية محببة إلى نفسه: -مبحبش النهايات الحزينة ومبقراش الروايات اللى بالشكل ده ياعز. ابتسم رغما عنه وهو يقول بحنان: -يعنى خلاص مبقيناش نشك في مشاعرنا وهنكمل الحكاية للآخر، هتفضل ايدينا في ايد بعض لحد النهاية. هزت راسها وهي تبتسم، في سعادة. جاء النادل في هذا الوقت بالليمون فترك (عز)يدها مرغما وهو يوجه حديثه للنادل قائلا: -معلش شيل اللمون وحضرلنا أحلى غدا عندك.
لينظر إلى حبيبته الخجولة قائلا بابتسامة: -انا نفسي اتفتحت على الآخر. لتتسع ابتسامة (نور)، بحب.
وكأن القدر يعاندنا، يجعلنا نهوى من لايهوانا أو يهوانا من لا نهواهم، ربما يرضى عنا ونجد من نهواهم ويبادولونا الهوى ولكنه يعود فيحرمنا منهم إما بالفراق أو الردى. خلقنا في كمد، نتجرع الحزن دوما ولكننا نثق في رحمة الله وأنه دوما ما يفاجإنا بها فيخلق من وسط الدموع فرح ومن وسط الإبتلاء نِعم. جلس في أحد اركان الزنزانة يتأمل الخطاب قبل أن يفضه ويقرأ مافيه. حمزة.
كيف حالك؟وكيف حال العم عزيز؟أبلغه سلامي وقل له أننى اعشق تفاؤله واؤمن مثله أنه مهما طالت رحلتنا على متن قطار الأحزان فلابد أن ينتهى الطريق يوما ونجد أنفسنا في محطة السعادة. أما أنت فلا أعلم كيف اداوى بكلماتي جُرحك الغائر ولكننى أوقن بأنه مهما كان الجُرح كبيرا سيأتى يوما ويلتئم بقوتك وعزيمتك وإيمانك بالقدر خيره وشره، بإيمانك بأن الله يحبك ولذا أظهر لك معادن من حولك، فأنقذك وسينصرك نصرا مبينا.
كُل منا لديه ذكريات محطمة في ماضيه، كُل منا احب وأمل في أن يكمل الطريق للنهاية.. كان لنا هذا الحب كل شيئ، فأضحى، لاشيئ. كان أشبه بضوء شمس ينير عتمة حياتنا فأضحى جحيما نتلظى بنيرانه. كان نعمة، فأضحى نقمة.
تحزننا حتى ذكرياته وتغشى عيوننا بالدموع، نبكى لأن الحب كان وهما أزاله سكين الغدر، فأصبح الصمت لغتنا وبقي في القلوب الأسى وفي الخفقات لوعة فنثرثر على الورقات، نعبر فيها بحرية، نصرخ نهذى نعاتب ونشتاق نبكى ونفرح كيفما نشاء، فلا أحد سيدرك مشاعرنا سوى من طُعن مثلنا بسكين الغدر، ولكن الحياة تمضى وصدقنى سيصغر الجرح رويدا رويدا حتى لا يبقى منه سوى أثر صغير يذكرك بأن تتأنى قبل ان تمنح مشاعرك لآخر، يعلمك أن هناك دائما الخير والشر في نفوس البشر.
، فقط عليك ان تحسن الإختيار. قرُب لقاؤنا ولقاؤنا هو الخطوة الأولى لتحريرك من قضبان سجنك أما تحرير مشاعرك فستقوم به بنفسك، ستحررها من تلك القضبان التي أدرك أنك أقمتها حول قلبك لتصير أسيرا للعشق، ستحرر مشاعرك لتتحرر بالكامل وتبدأ من جديد.. قرُب لقاؤنا ومعه ستجد مفاجأة أرجوا أن تحمل لقلبك بعض السعادة، كما آمل. هبة صديق.
أغمض عيونه على دموع غشيتها، قبل ان يفتحها مجددا وهو يقسم أن تكون آخر دموع يزرفها، أقسم ان يحرر نفسه كما طلبت منه تلك الفتاة الغريبة كلية عنه ولكنها استطاعت بشكل ما النفاذ إلى روحه لتصبح كلماتها بلسما طبطب على جُرحه فلم يعد يشعر بألم، مسح دموعه بقوة وقد ارتسم الأمل في ملامحه، ليفتح رسالتها مجددا يعيد قراءة محتواها بقلب، ينبض.
كانا يتناولان القهوة وبعض الجاتو التي أعدته (مها)لضيافتة (ناهد)، لتقول الأخيرة بابتسامة: -ازاى بتقدرى توفقى بين شغلك ورعاية البيت وسيف يامدام مها؟انا لما كنت بشتغل كنت لايصة ودايما حاسة انى في سباق. قالت (مها)بإبتسامة: -الأمر بسيط يامدام ناهد، استغلال الوقت بشكل صح، النوم بدرى والصحيان بدرى ده نعمة، بيطول يومك وينظمه بستغل كل ساعة وكل دقيقة في عمل وفي الآخر بتبقى الدنيا مظبطة.
كادت (ناهد)ان تقول شيئا ولكن دلوف (هبة)من باب المنزل قاطعها، ابتسمت قائلة: -وانا بقول البيت منور ليه، اتارى طنط ناهد عندنا. ابتسمت (ناهد)على الفور قائلة: -ده نورك ياوش السعد، تعالى يابنتي اقعدى و ارتاحى. وضعت(هبة)كيس البقالة على الطاولة وهي تتقدم منهما وتقبل رأس والدتها قبل ان تجلس جوارها قائلة: -سيف نايم؟ هزت (مها)برأسها قائلة: -من بدرى يعنى على صحيان، احضرلك تاكلى قبل ما يقوم. قالت(هبة):.
-لأ خليكى مرتاحة وقاعدة مع طنط ناهد، هحضر انا. لتنهض وتتجه الى المطبخ قبل ان تقف وتستدير عائدة وهي تقول: -بالمناسبة ياطنط ناهد، قدرت اجيبلكم زيارة لحمزة بعد ٣ أيام. قالت(ناهد)بلهفة: -بجد ياهبة، احلفى. ابتسمت (هبة )قائلة: -والله ياطنط زي مابقولك كدة. غشيت عيون(ناهد)الدموع وهي تقول: -واخيرا هشوفه واملى عينى منه، ياحبيبي ياحمزة. لتنهض قائلة: -لما أنزل أفرح مصطفى. قالت(مها)وهي تنهض بدورها وتتبعها للخارج:.
-لا رجعت ولا اتغيرت يالمضة، كلامي ده كان بسبب خوفي عليكى وعلى سيف، بس لما فكرت كويس لقيت ان عندك حق، مينفعش نسكت عن الظلم بحجة خلينا في حالنا، الساكت عن الحق شيطان أخرس، ده غير انى لماإتعرفت بعيلة حمزة لقيتهم شبهنا واتخيلتنى في مكان مامته لاقدر الله، كنت أكيد هحتاج حد يساعدنى ويقف جنبى، وربك كريم مبيسيبش المظلوم، لازم يبعت ملايكته في أرضه تساعده.
ابتسمت (هبة)وكادت ان تقول شيئا ولكن صوت معدتها أخبرها بجوعها لتقول: -أحضر لقمة آكلها وبعدين نكمل كلامنا ياست الكل. ليعلو في تلك اللحظة صوت (سيف)الباكى فابتسمت(مها)قائلة: -روحيله انتى وانا هحضرلك الاكل. القت إليها بقبلة هوائية قبل ان تتقدم تجاه حجرتها مع (سيف)بينما ابتسمت(مها)في حنان قبل ان تتوجه، الى المطبخ.
تأملت مظهرها للمرة السبعون ربما قبل ان تأخذ نفسا عميقا وتزفره بقوة، فاليوم ستلتقى ب(حمزة)، ترى انها غير مستعدة اطلاقا لهذا اللقاء ولكنها ستتمالك نفسها وتصبح المحامية العملية التي يمكن أن تكونها، بدلا من تلك الفتاة التي تطالعها في مرآتها تذكرها ب(هبة)قبل ثلاث سنوات، تلك الغرة الساذجة والتي تظهر مشاعرها جلية على ملامحها، لترفع شعرها على هيئة ذيل حصان بعد ان كانت تسدله، وتمسك غرتها بمشبك فتمردت عليها وسقطت مجددا على جبينها، لتزفر تاركة إياها وهي تغادر حجرتها متجهة، إليه.
كان يجلس في هذا المكان المخصص للزيارة يفصله عن زائرته لوح زجاجي بغيض، يشعر بالتوتر وهو يهز قدمه بإنتظارها وانتظار رؤيتها ومعرفة تلك المفاجأة التي تحملها إليه فتح الباب وأطلت هي، تمشى تجاهه بخطوات بسيطة، تعلقت عيناه بتفاصيلها الرقيقة، جميلة هي كما تخيل تماما، ترتدى بذلة عملية، متوسطة الطول بيضاء البشرة وترفع شعرها على هيئة ذيل حصان وغرة تغطى جبهتها، كانت عيونها متعلقة به بدورها لم يتبين لونها حتى توقفت امامه وجلست.
عيونها عسلية اللون رائعة، تسحبه بقوة، وتزيد من خفقاته رغما عنه، أمسكت ذلك الهاتف فأمسك خاصته بدوره، لتقول( هبة)بنبرة مرتبكة: -هبة صديق المحامية عنك ياحمزة. وجد خفقاته تتسارع بجنون في تلك اللحظة واسمه يلفظ من شفاهها وكأنها تألفه ووجد نفسه متعجبا، يألفها بدوره، يردد حروف اسمها دون وعي قائلا: -هبة صديق.
رواية نوفيلا أعترض حضرة القاضي للكاتبة شاهندة و جود علي الفصل السابع
التعيس هو من لم يجد الروح التي وجدت لتكون له سكنا، تلك القوة الخفيٌة الملموسة التي تُؤْمِنُ روعته وتذهب بأسه وتغمره حياة و لذة، الكف الدافئة القابضة على روحه المبعثرة فتجمعها وتعيد بعثها بسلام، كأنها تلِده من جديد.
وكأنه يوم ميلادي... راح (حمزة) يفكر على سبيل المقارنة كيف كان يحيا حياة الأموات بروح تعلق فيها فأصبحت له حياة يحيا بها لا حياة يعيش بها وكيف لفظته خارجها ليصبح تعيسا؟ وتساءل هل أنا حقا تعيس لخيانتها؟ بداخله بارد جدا جدا، هناك ثغرة كبيرة داخل قلبه -لاينكر ذلك - ابتلعت جميع آلامه وطُمِرَت، يحاول استيعاب مايحدث معه وكلمات (هبة )تتدفق إلى أذنه دون أن يصغي إليها، لاحظت شروده فقالت: حمزة! إنت سامعني!
فرد مرتبكا: أفندم؟، أسف، بعتذر من حضرتك سرحت شوية! فقالت بصوت هاديء ثابت: ولا يهم... قاطعها (حمزة) قائلا بلهفة: تعرفي راحت فين؟ لم تتوقع (هبة) سؤالا كهذا، شعرت بخيبة نوعا ما وقد بدا لها أنه من المفترض أن يفكر في نفسه وحريته ومن البديهي أن يشعر بالغضب الشديد من خيانتها لكن ماهذا الحنين في صوته؟! استجمعت تفكيرها وقالت: زيورخ. زيورخ! قالها (حمزة) وقد نابت عنه إبتسامة ساخرة فقالت: أيوة! وابتسمت مردفة:.
-دلوقتي لازم نطلعك من هنا... قاطعها قائلا: هطلع بعد سنتين، يعني مش مهم ماتتعبيش نفسك يا أستاذة هبة! فقالت بدهشة: معقولة! حمزة اللي مليان حياة وأمل بيستسلم بالسهولة دي؟ رد نافيا: أنا مش بستسلم كله اللي قلته انى خلاص قربت أخلص مدتي وهطلع بعد سنتين، كده كده مش هفضل العمر كله هنا! قالت: والسنتين دول مش عمر ياحمزة؟ حرك تساؤلها شيء في نفسه فطالعها بحيرة وقال: طب أعمل إيه بس؟ فقالت بحزم:.
احكيلي ياحمزة، دخلت ازاي و ايه اللي حصلك بالضبط! أمسك صدغيه وراح يحرك رأسه بعنف وقال: المصيبة انه محصلش حاجة! أنا مليش في السياسة ولا العنف، كنت في حالي من الجامعة للشغل للبيت، كنت عشقان وبحلم يجمعني مع البنت اللي أخدت قلبي بيت، ده كان كل همي! كنت زي أي شاب رافض النظام الظالم بس مش لدرجة إني أعمل شغب وأستغل الوضع ده وأنشر الفساد في البلد، يعني خراب فوق ماهي خربانة!
فقالت (هبة) وقد لاحظ (حمزة) أنها تصدق وستصدق كل مايقوله: لكن مش هيمسكوك من غير أدلة! أدانوك بإيه؟ منشورات معارضة فيها شتم وقذف في أعضاء الحكومة. قالها (حمزة) وهو يمسح على وجهه وواصل: -مش بتاعتي ولا كنت عارف إنها معايا كانت شنطة عماد الأسيوطي، زميلي اللى ظهر فجأة وسابها معايا قبل ساعة من القبض علية.
هزت (هبة )برأسها وقالت: منشورات بس! فقال: عماد كان شيوعي يساري واسمه أعلى القائمة عندهم وأنا كنت ملتزم وبصلي وبحضر دروس و خطب بالجامع، وعلى رأي المحقق إيه لم الشامي على المغربي، طبعا ماكنتش أعرف ميول عماد الديني غير من الظابط وشكيت أنه بيكدب عشان يلزق أي تهمة وخلاص، بس بعدين عرفت أنه كلامه حقيقي من معتقلين تانيين. قالت (هبة):.
أنا إطلعت على ملف القضية بتاعتك، إنت متهم بالتخريب و العنف ضد عناصر الدولة من خلال منشورات تحريض وشتم وقذف، ومشتبه فيك إنك... إخواني! قالها (حمزة) مقاطعا (هبة)، تعلو ملامحه إبتسامة، وأردف: ده أنا فضلت سنتين بحاول أفسر معنى كلمة إخواني وألاقيلها معنى ماعرفتش! يعني إيه إخواني يا أستاذة؟ شعرت (هبة) بالارتباك وأجابته فبدت إجابتها كأنها سؤال: يعني عايز دولة إسلامية مثلا! ضحك (حمزة) بصوت خفيض وقال:.
يعني سياسة! يعني سياسين مش رجال دين! يعني أطماع وحكم ونظام جديد! يعني ظلم تاني و خراب تاني! هي كلمة إخوان دي كانت في اللي سبقونا لما كانوا بيعملو فتوحاتهم؟ كان مثلا بيقتلوا حد بيوحد الله مسلم زيه زيهم؟ كانوا بيهتكوا عرضه وعرض أهل بيته؟ كانوا بيكفروه ويكرهوه على دينه؟ طب والأسرى كانوا بيقطعو أعضائهم ويسلخوا جلدهم بالجلد؟ حد بس يفهمنا بيحصل إيه؟!.. رفع يده أمامها وأشار إلى أصبعه المقطوع مردفا:.
-أهو الصوباع ده طار بس عشان أقول انى إخواني وأبلغ عن زعمائي اللي من بينهم عماد الله يجحمه مطرح مايكون! شتمونى بأمي لما رفضت ولما غضبت وإحتجيت قطعولى صابعى، أنا في القبر ده بسبب حاجة ماحصلتش! كنت بقاوم الموت اللي لافف حولين جتتي طول الوقت عشان أطلع، عشانها هي، نسمة! وأهي نسمة خانت هي كمان! حمزة منتهي يا أستاذة مابقتش حاجة فارقة معاه، عشان كده بقولك ماتتعبيش نفسك!
لفهما الصمت قليلا وكل منهما يطالع الآخر، فقال (حمزة)بصوت مكسور: إنك فتحتي عنيا على خيانة نسمة جميل مش هنساهولك طول عمري يا أستاذة، اللي عملتيه حررني من الوهم اللي كنت عايش فيه وده أكبر مساعدة عملتيهالي، بشكرك جدا جدا من كل قلبي! وضع السماعة جانبا واستقام مغادرا لتنهض بدورها وهي تقول بصوت عال ليصله صوتها عبر الزجاج: هطلعك من هنا ياحمزة، أوعدك!
استدار كل منهما مغادرا، هي من أجل مباشرة العمل على قضيته وهو من أجل إخماد نيران تعاسته بين كلمات( عزيز)... (عزيز)!، الإخواني هو الآخر! لو كان للكلمة معنى بعقل (حمزة) فلن تكون سوى أخا عزيزا يفرش لك في قلبه براحا مريحا لنفسك رجل كما( عزيز )يعرف الله، يخشاه حبا لا خوفا يعلم أن حب الوطن حبا لله يستحيل أن يخربه لما بينه وبين الله فيه... أخبرهم ياوطن.. أخبرهم ماذنبي! أخبرهم أن حبي لك عبادة..
فكيف للعبادة أن تكون دون طهارة! أخبرهم كيف لإيماني أن يضرك!. وكيف لتوحيدي أن يخربك! أنا وأنت البريئيّن الوحيديّن من كل هذا.. أنا وأنت لا بيننا كره ولا خيانة.. حتى وإن منحتني قبرا بداخلك.. سأحيا إلى النهاية... تكور (حمزة) على سريره وراح يبكي، يبكي وينتفض، رؤية (هبة) قد حركت شيء بداخله، لم يذق الإهتمام منذ أربع سنوات ولم ير إنسانا سليما منذ نفس الوقت أيضا..
إصرارها على تحريره والوعد الذي قطعته، آه من ذلك الوعد! الوعد الصادق الذي نطقت به عيناها جعلت كيانه ينتفض، لازال هناك عيون تحمل الحب والتقدير، لايزال هناك بشر حقيقيون خارج المقبرة وبعيدا عن أشباحها... راح يتساءل ويردد إسم (هبة) في نفسه وهذه المرة وجد معنى للإسم بسرعة، (هبة)! الهبة التي منحها الله له من أجل إسناده... هل سيتخطى خيبته ويتأمل من جديد؟ اقترب منه (عزيز) وجلس خلفه يربت على ذراعه ويقول:.
وحد الله ياابني! مين زارك ياحمزة، أهلك يابني؟ اعتدل (حمزة) في جلسته ولف ذراعيه حول رجليه يحتضنهما وأسند خده إلى أحد ركبتيه وقال بصوت باكي: لا، هبة! فتساءل( عزيز) بحيرة: المحامية اللي بتبعتلك الرسايل؟! فقال (حمزة): قالت هتطلعني من هنا، وعدتني! مسح العم (عزيز )على رأس (حمزة )وقال: يافرج الله! الحمد لله ياابني، دي بشارة خير! فرد (حمزة )بحسرة: هطلع لمين ياعم عزيز، كل حاجة اتغيرت برا، حتى البنت اللي بحبها خانت!
فقال( عزيز )بصوته الحنون: -تعرف ياحمزة قصة الحطاب اللي كان متجوز ست مفترية مغلباه وهو صابر عليها! أهو الراجل ده كانت مراته عامله فيه عمايل وهو صابر بيهرب منها للغابة عشان يحتطب، دي كانت شغلته اللي بيسترزق منها وربنا سخرله على الشقى اللي نفسه متحملاها، أسد! رفع (حمزة) نظره بتعجب فواصل (عزيز):.
أيوة ياابني، أسد بحق وحقيقي، الأسد المفترس ملك الغابة صار خادم أليف للحطاب يحمل عليه حطبه وحاجته، تخيل إنت بيشيل حمولته على الأسد. وبعد سنين ماتت مراته الشرسة اللي كان معاشرها بالمعروف واتجوز ست طيبة بتتقاسم معاه تعب الحياة ومريحاه وشايله عنه همومه فحصل إيه بقى؟، الأسد اللي كان بيخدمه راح منه مابقاش يجيله زي ماكان، الحطاب حزن و ضاق خاطره، فحكى قصته لأحد الحكماء وقتها تعرف قاله ايه الحكيم..
قاله: ربنا سخرلك الأسد المفترس أخطر المخلوقات عشانك صبرت على شر أهل بيتك -زوجته سيئة الطبع- ولما ربنا رزقك عتبة جديدة فيها الصلاح خلاص مابقيتش محتاج للأسد اللي هيشيل حمولك! فقال (حمزة ): سبحان الله! فأردف( عزيز): -إللي عايزك تعتبر بيه من الحكاية دي ياحمزة حاجة وحدة بس، لما ربنا ابتلاك بالسجن ياابني وكل الظلم اللي شفته هنا قذف في قلبك حب نسمة حتى وهي خاينة بس ماكشفلكش حقيقتها.
حبها كان الدافع عشان تقاوم وتعيش لحد الفرج، ولما حان الفرج ربنا كشفلك الحقيقة عشان الحياة الجديدة اللي هتكون عوض ليك.. حكمة ربنا ياحمزة فوق إستيعاب البشر عشان كده أمرنا بالصبر واستعينوا بالصبر والصلاة ربنا قدم الصبر على البلاء والضيق قبل العبادة، فاحنا مين عشان نعترض على أمر لله ياحبيبي! افرح ياابني ربنا بيراضيك!
ارتمى( حمزة )على كتف (عزيز) وعاد لبكائه الأول بينما يربت على كتفه ويذكر اسم الله عليه ليبث في قلبه الراحة.
المعاناة التي رأتها (هبة) على وجه (حمزة) جعلتها تفكر كيف أطفأ السجن من شبابه وملامحه المليئة بالحياة وعنفوان الشباب... جلست رفقة (عز )يناقشان قضية (حمزة) التي لا أدلة كافية قاطعة تجعله يدان لفترة كهذه، مما يعنى ان التهمة لفقت له بالكامل. كان( عز) شاردا طوال الإجتماع مما جعل (هبة ) تحمله على التركيز عدة مرات إلى أن ضاقت به ذرعا فصاحت به: ركز يا عز! ماتخلنيش أجنن عليك!
زفر (عز )بضيق ووقف أمام النافذة يجمع يديه خلف ظهره فاقتربت منه وأردفت: حاسة أن دماغك مش معاك خالص. فقال بضيق: هروح بيت نور الليلة ومتوتر ومرعوب، خايف أبوها يرفضني بعد ما خطبها لابن عمها! أنا براهن على قوة حبها ليا وإذا بتقدر تقف معايا وتواجه أهلها ولا لاء. فقالت (هبة) تطمئنه: نور بتحبك جدا ياعز، هتقف جنبك خليك واثق! لو عايز أجي معاك هاجي.. فقالت بلهفة: بجد ياهبة، هتدعميني! قالت بحزم:.
أكيد يا عز، مش كفاية وقفتك جنبي ومساعدتي أنا وعيلتي من أول ما رجعت على مصر، احنا اخوات وأنا مش ممكن أشوف أخويا متضايق ومساعدوش، معاك يا عز، يلا خد باقي اليوم أجازة واستعد، ليلتك طويلة! التفتت تجمع ملفاتها فقال برجاء: ماتجيبي سيف معاكي يستعطفهم وهو قمور كده ماحدش هيقدر يقاومه.. قالت من بين ضحكاتها: سيف هيدوشنا بعياطه وهيطردونا، خد مني بلاش سيف، ابني وعرفاه مجنون أكتر من أمه!
جعلت( عز )يضحك وأدخلت إلى قلبه بعض السرور والأمل، روح (هبة )المليئة بصفاء ومحبة تجعلها على مقربة مريحة مع كل من يعرفها.. والآن لا يمكنها أن تسكت على حق (حمزة) وقد أخذت موعدا لجلسته بعد أسبوعين وعليها التركيز جيّدا لإيفاءها بوعدها.. وضعت الملفات على مكتبها وأتت بكوب قهوة ثم جلست شاردة قليلا ثم أخذت رسالة عشوائية من حقيبتها وأخذت تقرأها: عيد الحب ٢٠١٣.. الحب يانسمة هو أنت بكل ما فيكِ..
رأيت يومها صدفة على شاشة ضابط التحقيق هذا التاريخ ١٤ فبراير وقلت، نسمة! فبراير الأسود يحمل يوما واحد فقط، ورديا! كانت اللكمات تنهال علي من كل جانب، كسروا رجلي المربوطة إلى الكرسي، كنت مبللا تماما وأرتجف هلعا وألما، وفجأة أغمضت عيناي وسبحت معك فيما يمكنني أن أفعله من أجلك في يوم كهذا، فزال الشعور، زال الألم والخوف تركت لهم جسدي وطافت روحي هائمة في أكوان العشق...
شعرت (هبة) برجفة تسري في سائر جسدها وراحت تتساءل أيعقل أن يحرر الحب الجسد من شقائه و ألمه؟! يوما كهذا سأقرأ الفاتحة في سري سبعا وجهرا سبعا وأدعو سبعا، دعوة لتكوني لي، ودعوة لتكوني من أجلي، ودعوة لتكوني حبيبتي، ودعوة لتكوني زوجتي، ودعوة ليجمعنا بيت، ودعوة ليطيل الله في عمري لأسعدك، ودعوة أجمع فيها كل الأماني و أدخرها لحاجتي، أناني ستقولين! أدعو لك وأستفيد أنا! وما أنا من دون أنت يانسمة!
واليوم هاهو فبراير يعود بيومه الوردي وإني في أمس الحاجة للدعوة السابعة التي ادخرتها لحاجتي سأتنازل عن كل أمنياتها، يكفيني فقط، أن تراسليني! حمزة.
تملك الغضب من( هبة) وعزمت شيء في نفسها عليها أن تفعله قبل جلسة محاكمة الطعن.
هناك حب هنا يتعرض لإختبار عسير يتطلب النجاح فيه عزيمة قوية ونفسا صافية تتحمل لوعته ولذته... أمسكت (هبة) يد (عز )فشد عليها وبيدها الأخرى تحمل( سيف )وبيده الأخرى باقة ورد، ضغط على الجرس وهو يقول استعنا على الشقا بالله.
فتح والد( نور )الباب وقد عرفهما فرحب بهما وقد طار عقله فرحا بسيف فحمله بين يديه وهو يداعبه، فأخذته زوجته هي الأخرى وراحت تلاطفه وتثني على جماله وهو هاديء بينهما همس (عز )ل(هبة) قائلا: مش قلتلك سيف باشا هيعمل معانا شغل! حاولت كبت ضحكتها بينما دخلت (نور) بلهفة عليهم وألقت السلام وعينيها تشع سعادة واقترب من (سيف) هي الأخرى تقبل (سيف) وتلاعبه فعاد( عز) يهمس: لاء أنا غيرت رأيي بخصوص سيف، لمي ابنك ياهبة!
ضحكت (هبة) بخفوت وهي تلكز (عز )الذي تنحنح وأخذ يسأل عن الأحوال وكلام متفرق ثم قالت (هبة) تخاطب (نور): خدي سيف يانور على أوضتك وريه ألعابك! فقال (عز) مندهشا: ألعاب! فلكزته بينما (نور) تحمل الصغير وتغوص به إلى الداخل وقالت: ياعمي عايزينك في موضوع وان شاء الله خير. بدأ عليه الحيرة هو وزوجته فأردف( عز): أنا جاي أطلب إيد نور بعد إذن حضرتك ياعمي! علت المفاجأة ملامحهما فقالت والدة (نور): بس ياابني نور مخطوبة!
وقالت (هبة): أنا عارفة ياطنط بس مافيش حاجة رسمية بينهم هي وهشام! وكمان نور مش موافقة عليه بتعتبره أخ... قاطع كلامها والد( نور )قائلا: امممم، وبتعتبر الأستاذ عز إيه؟ وأخذ ينادي على (نور) بعصبية بينما تسيد التوتر ملامح الجميع قال (عز): انت تعرفني ياعمي، من ناحية الشغل قصدي، أما شخصي فممكن تسأل عني أي حد عشان تطمن، وكمان أنا بحب نور جدا جدا، ومستعد أعمل أي حاجة عشان أسعدها...
وقفت( نور) تحمل (سيف )بين يديها وأردفت تؤكد على كلام (عز): أنا قلتلك يابابا هشام أخ ليا ماقدرش أرتبط بيه بس عشان أرضيكم، أرجوك افهمني! استشاط والدها غضبا وأمسك (عز )من ذراعه وأخذ يدفعه نحو الباب بعصبية و(عز) يردد: - افهمني ياعمي، خليني أقول اللي جاي أقوله وهمشي.
لكن عصبيته جعلته يضعه خارج البيت ويغلق الباب وعاد غاضبا إلى ابنته وقف قبالتها وعلى حين غرة هوى عليها بصفعة كادت تسقط (سيف) من يدها مما جعل قلب (هبة) ينخلع فركضت تحمل ابنها الذي تعالت صرخاته وحملته إلى الخارج حيث يقف (عز) وأعطته إياه ثم عادت إلى الداخل تحاول تهدئة والد (نور) الهائج كالثور... قالت والدة( نور) وهي تحتضنها: استنى نفهم الأول ولو نور غلطانة هتتعاقب..
لكنه سحبها إلى غرفتها وأخذ هاتفها لتلحق( هبه) به وهي تردد: ياعمي غلط اللي بتعمله اسمع مننا الأول! استدار نحوها وقال بغضب: والله عال، العيشة برا نستك الأصول يابنت ومجرجرة بنتي وراكي عايزاها تعيش عيشتك مش كده! قدامك حلين ياتطلعي تلحقي بمديرك يا أطلعك زي ما طلعته. نظرت( هبة )نحو والدة( نور) التي أومأت لها أن تخرج قبل أن يفقد السيطرة على غضبه ويفعل مالايحمد عقباه، استجابت (هبة) لها وقالت:.
أنا آسفة، هرجع في وقت تاني. سحبت نفسها إلى الخارج ثم إلى السيارة حيث ينتظرها (عز) المتجهم حتى فكاهة سيف لم تفلح في فك عبوسه واستقلتها وهي تقول: خد التليفون من نور، هتبقى أيام صعبة ياعز! زفر بضيق وهو يناولها (سيف) ليتولى القيادة دون أن يقول كلمة ونفسه تحادثه إلى متى سيصمد حبهما أمام هذه العقبة.