شعرت بالضيق والإختناق بعد لقاءها بغمر وأحست وكأن الدنيا ضاقت عليها بما رحبت وأن حجرا ثقيلا قد أطبق على صدرها؛ سارت فى الطريق على غير هدى تغشى عينيها غلالة من الدموع ترى الناس أمامها وكأنهم أشباح لاملامح لهم فخطر لها أن تتصل بصديقتها الوحيدة شعرت منار بوقوع كارثه من صوت لبنى المنهار بعد أن هاتفتها فوصلت إليها وما أن رأتها لبنى حتى ألقت بنفسها فى أحضانها وإنسابت دموعها غزيرة على وجنتيها أخذت منار تربت على كتفها لتهدئتها وتتلفت يمينا ويسارا خوفا من أن يراهما أحد الجيران أو المعارف ولبنى فى هذه الحالة وما إن هدأت حتى أخذتها منار إلى بيتها ودخلا إلى حجرتها لتهدأ من روعها.
وبدأت لبنى تروى لها ماحدث عند لقائها بغمر فى المحل
طلب جدته من هاتفه
عمرو بمرح: ألو أيوه ياستي عامله إيه
نور بصوت ملأه الحزن: الحمدلله ياحبيبي بخير وإنت وهنا وبنوتك
عمرو: كلنا بخير ياستي طول ماإنتى بخير مال صوتك
نور بحزن: مافيش ياحبيبي
عمرو: غمر مزعلك صح
نور بحزن: ما إنت عارف دا العادي بتاعه مبيعديش يومين من غير مايزعلني
عمرو بأسف: حقك عليا ياستي بس هو مخنوق شويه الأيام دي وبكره يرجع أحسن من الأول
نور بحيره: بس لو أعرف إيه اللى مشقلب كيانه كدا شكلك ياواد إنت عارف حاجه
عمرو بسرعة مرتبكا: أعرف إيه ياستى دا غمر من البيت للمحل ومن المحل للبيت
هرع غمر ولينا إلى المستشفى ووجدا أمام غرفة العمليات أمها وأبيها وأخيها ومنار
فوجئت منار بدخولهما معا وأحست بأن الأمر غير طبيعى ووراءه شئ غير مطمئن
أسرعت إلى لينا تجذبها من يدها بعيدا موجهه كلامها لها بغضب: إيه اللى عملتيه دا وإزاى تجبيه هنا
لينا بلامبالاة: كان لازم يكون جنبها
منار بحزم: طب هنقول لمامتها وباباها إيه لو سألوا مين دا
ردت لينا بسرعة: قريبي
ظلت بغرفة العمليات أكثر من ثلاث ساعات والجميع فى حاله من الإنهيار وكانت أكثرهم إنهيارا وردة التى
لم تتوقف عن البكاء والنحيب و دموعها تسيل أنهارا؛ أما عادل فكان مابين مسجد المشفى وباب
غرفة العمليات لا يتوقف لسانه عن قراءة القرآن والدعاء لها ولم تتوقف دموع أخيها عن الإنهمار أما منار
فلم تتوقف عن قراءة القرآن من مصحفها الصغير ولم تتوقف دموع عينيها عن التوقف وجلست لينا بجوار
غمر الذى تمكن بصعوبه من حبس دموعه ومن وقت لآخر كان يخرج إلى السلم فارجا عنها لتنساب ساخنه
على وجنتيه مذكرة إياه بأنه هو السبب الأول والوحيد فى عذاباتها وتألماتها التى تعانيها الآن هو السبب
الأول والوحيد الذى جلب لها التعاسه وكم تحملت آلام ظلمه لها وكم عانت من غروره وكبره وجفاءه
وسخافاته التى لم يكن لها أى مبرر غير أوهام كانت مننسج خياله ووساوس شيطانه وكم كانت هى السبب الأول والوحيد الذى أضاء له حياته وملأت قلبه بالأمل والحب الذى لم يعرفه قبلها وكانت أيضا السبب
الأول والوحيد الذى جلب له سعادة قلبه وشفاء روحه التى عانت الحرمان من كلمه حنونه أو طبطبة قلب
كما كان هوالسبب الوحيد الذى جلب لها التعاسة وأخيرا ماحدث لها ...ز
خرج الطبيب أخيرا من غرفة العمليات
هرول الجميع إليه وإلتفوا حوله وتكلمت وردة باكية: طمني يادكتور بنتى عاملة إيه
الطبيب بأسي وحيرة: للأسف الحاله مش مستقرة صدمة العربية كانت قوية وأدت لتكوين تجمعات دموية
فى كل مكان بالجسم ودا بيسبب لها هبوط فى ضغط الدم وإرتفاع فى درجة الحرارة وفيه كسر فى ذراعها
الشمال وشرخ فى قدمة رجلها الشمال والكسور أمرها سهل جبسناها وهايتفك الجبس بعد شهر وفيه شوية
رضوض فى الوجه وهى دلوقتى هاتدخل العناية المركزة لمدة تمانية وأربعين ساعة لغاية مالحالة تستقر
إحنا عملنا كل اللى فى ايدينا ودلوقتى هى بين ايدين ربنا إدعولها
عادل بوجوم: طب نقدر نشوفها
الطبيب: نص ساعة وهتكون فى العناية المركزة لكن الزيارة ممنوعة إلا لشخص واحد ومن غير كلام
تركهم الطبيب وقد زاد كلام الطبيب من حالة الحزن السائدة
لم يجرؤ على البوح بما يجيش به قلبه من حزن وألم على حبيبته؛ وندمه على ما بدر منه فى حقها من ظلم وجور وعدم سماعه لدفاعها عن نفسها تكبرا وتجبرا منه وحبس كل هذا فى قلبه وإنزوى فى ركن منفردا بنفسه يجتر المرارة والألم مما إقترف من ظلم فى حق هذا الملاك البرئ النائم لاحول ولا قوة لها
أذن المؤذن لصلاة المغربأحس برغبة عارمة فى الوقوف بين يدى الله ليؤدى فرضه ويتذلل إليه راجيا متوسلا طالبا التوبه
والغفران وداعيا لمن ملكت قلبه وكيانه أن تعود إليه تنير قلبه وطريقه فى الحياة
دخل المسجد وتوضأ ووقف بين يدي الله وقد أطلق لدموعه العنان ودخل فى صلاته خاشعا مناجيا ربه
أن يقبل قيامه وسجوده ويستجيب لدعائه لها؛ ظل جالسا بالمسجد لا يبرحه بعد أن أنهى صلاة المغرب يقرأ فى
فى كتاب الله مستسلما لدموع عينيه حتى أذنت العشاء فأقام فرضه وأطال فى دعاءه ثم صعد إلى طابق
العناية المركزة وجد وردة فى حالة إنهيار تام تكاد لاترى أمامها وعادل لايقل عنها حزنا وكمدا وحسرة
ولكنه كان أكثر تماسكا ومناشدا زوجته أن تتماسك: ياوردة حرام عليكى نفسك إنت عندك السكر وبنتنا اللى
جوه دى محتجالك أكتر من أى وقت
وردة باكية بأسى ومرارة: عايزني أشوفها راقدة كدا قدامى ومش قادرة أعملها حاجة ..يا حبيبتى يابنتى يا
حسرة قلبى عليكى يا ست البنات
وإنهارت بكاءا مريرا يقطع نياط القلوب
عادل بأسي مختنقا: كدا برضه ياوردة هو دا اللى أنا عمال أوصيكى عليه إنتى الأفضل تروحى ياريت
وجودنا كان يفيدها يللا يا حبيبتي وأخذ بيدها لتنهض وهو يربت علي ظهرها فى حنان وذهب الجميع ولم
يتبقى غيره دون أن يشعر به الجميع كان ينظر إليها من خلف زجاج غرفة العناية
بدأت تفيق من نومها وكأنها تحلم بوجوده حولها؛ لم يستوعب عقلها ماحدث بعد، كل ماتشعر به الأن هو عبق عطره المحبب إليها يغزو أنفها ويدغدغ حواسها آسرا لقلبها مسيطرا على مشاعرها؛ ظهرت على شفتيها إبتسامه حائره سرعان ماإختفت وحل محلها آهات آلامها وأوجاع عظامها كان ينظر إليها وأسارير وجهه أسيرة إنفعالاتها؛ مبتسما حين تبتسم متألما حين تتألم كمن فقد السيطره على إنفعالاته مستسلما لإنفعلاتها هى.
بدأت تفتح عينيها وهى تأن تارة وتهدأ تارة أخرى؛ تتلفت رأسها يمينا ويسارا حتى إلتقطت عيناها من يجلس على مقعد قريبا منها فتسمرت عينيها فجأة عليه وإتسعت وفغرت فاها الذى خرجت منه شهقة كتمتها بيدها بصعوبة بالغة غير مصدقة أنه هو من يجلس أمامها محدثة نفسها:
" لم يكن حلما بل حقيقة لكن كيف ومتى ولماذا وماذا حدث لى "
" لايعنينى من كل هذا غير وجوده بجانبى "
كل هذه التساؤلات تداخلت فى عقلها لحظة رؤيته
وكادت تنم شفتيها عن إبتسامه ...ولكن فجأة تذكرت ما ألم بها من أحداث بل كوارث بسبب هذا المخلوق العنيد المملوء كبرا وغرورا؛ تحول الوجه الملائكى فجأة وأصبح كأنه جمرة مشتعلة تكاد تحرق من يقترب منها ثم أشاحت بوجهها عنه وفرت من مقلتيها دمعة شاردة وإختنق صوتها وظلت تقاوم آلامها
فى محاولة منها لإخراج حروف كلماتها التى كانت وكأنها أشواك تمزقها وهى تخرج من فمها وبصوت مختنق وكأنه يخرج بصعوبة من بئر أحزان عميق: إنت إااايه اللى جايبك هنا أخرج ... أخرج ... ماعنتش عايزه ... أشوفك ... تانى
كان غمر ينظر إليها متألما شاعرا بكل ما تعانيه من آلام عاجزا؛ لايستطيع القرب منها أو البعد عنها فهى قدره وسبب سعادته وآلامه
نظر إليها بأسى وعينين لامعتين بعبرات الندم هامسا: طيب إهدي يا حبيبتى؛ متتعبيش نفسك بالكلام وأنا هاعملك اللى إنتى عايزاه
لبنى التى غلبتها دموعها اللؤلؤيه ومع شعورها بآلامها المبرحة بعد زوال مفعول المسكن: مش عايزاك ... تعملى حاجة ... كفاية اللى عملته فيا
غمر وقد إمتلأ عن آخره حزنا ألما وندما هامسا: طب لما تقومى بالسلامة إن شاء الله إبقى إعملى فيا اللى إنتى عايزاه وأنا اللى هاجيبلك حقك من نفسى ومن الدنيا كلها بس بلاش دموعك الغاليه
لبنى ببكاء وشهقات طفوليه: خلاص ماعنتش عايزاك وماعتش فى كلام بينا خالص؛ إنسى إنك كنت تعرفنى ولازم تعرف إن اللي كان بينا خلاص إنتهى
زاد بكاءها وهى تقول له بعتاب مؤلم: أنا يا غمر ...أنا ... أجيلك لغاية عندك وتسيبنى وتمشى وكأنى ولا
أسوى حاجة عندك وبعد كده ألاقيك واقف تضحك وتهزر مع واحدة تانيه؛ أنا يا غمر تعمل فيا كدا ماكنتش
أعرف إن القسوة دى كلها فى قلبك.
نظر غمر إليها بدموعه المتحجره فى عينيه يعترى وجهه الندم وقلة الحيله لايجد مايقوله: ...
هدأت لبنى قليلا وتماسكت وإستدعت كل قوتها هاتفه: روح ياغمر ... أنا دلوقت اللى بأكرهك وبأكره
قسوتك وبأكره ظلمك ليا وبأكره خيانتك وعمرى ماهاأنسى إنك فى يوم من الأيام سبتنى ومشيت وأنا واقفة
بين إيدين ديب عايز ينهشنى ومن خوفى عليك منه حاولت أخلص منه مع إنى كنت محتجالك وبدل ماتيجى
إنت تخلصنى منه تقوم تسيبني وتجرى
إنهمرت دموعها كالشلال وهى تتذكر ماحدث وأخفت وجهها بوسادتها
إنهمرت دموع غمر وهو يتلقى كلماتها وكأنها سهام ناريه موجهه لقلبه لينال نصيبا من آلامها وأوجاعها
ناظرا إليها لايملك لها أى وسيلة يواسيها بها أو حتى يطبطب على قلبها بكلمة تسكن آلامه؛ فقد كانت محقه
كل الحق فيما قالته
نظرت إليه نظرات لائمه لم يقدر على تحملها فأطرق رأسه لأسفل
وقالت بهدوء برئ معاتبه: ليه ياغمر كدا هو دا أمانك اللى وعدتنى بيه، هى دى ثقتك فيا، للدرجه دي
شايفني خاينه للدرجه دي شايفني رخيصه هانت عليك لبنى
خرج من الغرفه وقد علا وجهه الحزن على ماآلت إليه حالتها من كسور وعدم قدره على الحركة
لمحته منار عن خروجه دون أن يراها وهو يركب سيارته منطلقا بها إلى عمله
دخلت منار على لبنى فوجدتها وقد ظهر على وجهها الدهشة
منار باسمه: صباح الفل على القمر مالك مستغربه ليه كدا
لبنى بحيرة: صباح الورد ياقلبى مش عارفه بقالي دلوقت إسبوع أصحى على برفيوم غمر مالى الأوضة
منار وقد كتمت ضحكتها وبخبث: وإيه المشكلة يمكن بتحلمى بيه
لبنى بحزن: المشكله إنه من ساعة ما قولتله إمشي وكأنه ماصدق وماعدش بييجى حتى فى الحلم
منار بحنو وهى تبتسم: غمر كان هنا من شويه وريحة البرفيوم بقالك أسبوع بتصحي عليها علشان هو
بيجيلك من يوم مامشى وإنتى نايمة وقبل ماتصحى بيمشي
لبنى بصدمة: بتقولى إيه...
دخل المنزل ووجهه يعتريه الحزن والألم
نور هاتفه بحزم: غمر
غمر متفاجأ وبسرعة: أمرك ياماما
نور بحزم: كنت فين
غمر متلعثما: عند...عند صاحبي اللي في المستشفى
نور بحزم وغضب: بقالك قد إيه متصلتش على أمك
أطرق رأسه إلى الأرض في خجل وبتوتر: أسبوع بس هي كلمتني النهارده إطمنت عليا
نور بحزم: وبقالك قد إيه متصلتش على رقيه ورؤى ولا بتروح عندهم
غمر مطرقا رأسه لأسفل لايجد مايقوله:...
نور هاتفه بغضب: إنطق
غمر بخجل دون أن يرفع رأسه: كتير ياماما
نور آمره بحزم وهى تمد يدها إليه: هات مفاتيح المحل
غمر بإستفهام: ليه
نور صارخة: هات بقولك ومن غير ليه
غمر مستسلما: حاضر
وأخرج المفاتيح من جيبه ومد يده بها إليها: إتفضلى
نور ساخرة: خليك بقى قاعد فى البيت زي الستات لا شغله ولا مشغله لغاية ماتحترم نفسك وتعرف إن الله
حق
ثم صرخت فى وجهه: ياللا إتفضل من قدامي مش عايزه أشوفك
غمر بعصبيه وقد علا صوته: إنتي بتعملي معايا كدا ليه أنا عملتلك إيه علشان تعملى فيا كدا
نور بغضب: عامللى البيت فندق للنوم بس لابتروح المحل ولابتسأل على أخواتك ...
قاطعها غمر صارخا بشده: أنا حر أعمل اللى أنا عايزه إنتى إشترتينى ولا يمكن بقيت عبد ليكى ...
لم تدعه يكمل كلامه وهوت عى وجهه بصفعه قوية
نور بصرامة وعيون غاضبه ترميه بسهامها الناريه: علشان تبقى تعلى صوتك عليا مرة تانيه أنا هاربيك
من أول وجديد وهاعلمك الأدب وأعرفك تتكلم معايا إزاى ولا إنت فاكر إنك كبرت على الضرب يابن نصر
كان يقف مذهولا لايدرى مايدور حوله ولماذا؛ ماهذا الذى يحدث معه ولما كل هذه القسوة التى يلقاها من
من أقرب الناس إليه
لماذا تضيع منه لبنى بعد أن أحيت قلبه بحبها وأنارت حياته البائسة المظلمة ولماذا تعامله جدته هذه المعاملة
القاسية لتصل الأمور إلى ضربه وإهانته ومن قبلها أمه التى تركته يختار مصيره وعمره لم يتجاوز العشر
سنوات ليجد نفسه يتيم الأب والأم أهكذا ستصير حياته من ألم لبؤس ليأس لم تكن لتتحمله قدماه فتمالك نفسه
ومسح عبرة فرت من عينه وكان لايزال واضعا كفه على وجهه مكان الصفعة مذهولا غير مصدقا فتحامل
على نفسه وصعد لغرفته وإستلقى على سريره لايدرى ماذا يفعل ووضع يده مرة أخرى مكان الصفعة ليتأكد
أن ماحدث كان حقيقيا وليس كابوسا كانت هى من تخفف عنه عندما تتراكم على قلبه الهموم ولكنها أصبحت
أبعد من نجوم السماء فهو الأن لايريد سواها تطبطب على قلبه الكسير المجروح من كل من أحب
متى ستعرفى كم أهواكى يالبنى
أبيع من أجلك الدنيا وما فيها
لو تطلبى البحر فى عينيكى أسكبه
لو تطلبى الشمس فى كفيك أرميها
أنا أحبك فوق الغيم أكتبها
وللعصافير والأشجار أحكيها
أنا أحبك فوق الماء أنقشها
وضع ظهر يده فوق جبهته ولم يجد للنوم طريقا ومرت أمام عينيه أحداث حياته من أول يوم وعى فيه للدنيا حتى صفعة جدته ولم يجد فى حياته للسعادة وجود إلا ومضات قليله؛ كانت لبنى هى القاسم المشترك فيها فكانت المواسية له وقت حزنه؛ وكانت إبتسامتها تنسيه مايؤلمه وقال لنفسه:
" يالك من غبى أبله؛ لم تحافظ على كنز حياتك ومستقبلك كانت بين يديك جوهرة مضيئه وكسرتها وأضعتها وأطفأت نورها بيديك فهى "
نور حياتى ونعيمها وسعادتها
لم تبتسم شفتاى إلا لمحياكِ
لم تقر عيناى إلا برؤياكِ
لم يطمأن قلبى إلا بفيض حنانكِ
لم تهنأ روحى إلا بوجودك فى حياتى
لم يعد أمامى إلا إسترداد قلبى وعقلى؛ ونهض فجأة وقام بفتح اللاب الخاص به فهو الوسيلة الوحيدة
للإطمئنان على لبنى؛ رغم مايعتريه من ألم نفسى إلا أنه أيقن أن راحته فى القرب منها فكان يريد أن يرى
ماذا كتبت اليوم كان يعرف أن كلامها المكتوب سيزيد حزنه ولكن كله يهون فهي الطريقة الوحيدة ليعرف
أحوالها ففتح صفحتها وحمد الله أنها لم تفعل مثله بحظر صفحته الشخصية صحيح أنه لم يصبح صديقا
مضافا عندها وذلك بسب تسرعه ولكن حمد الله مرة أخرى أنه مازال يستطيع أن يرى منشوراتها وكانت
آخر مشاركة لها منذ ساعه؛ وجدها قد كتبت فيها
"من يفارقك لأتفه الأسباب فهو لم يحبك من الأساس"
نظر إلى المشاركة التي قبلها وفيها
" لا تقل لما أصبحتي قاسية لكل فعل ردة فعل وماأصعب الظلم "
تنهد في حزن وقرر أن يغلق اللاب ولكن قرر أن يكتب
" خسرت كل شيء"
ثم كتب بوست آخر
"سألتزم الصمت الفترة القادمة وسأكتفى بهدوئي وسأتظاهر بأني بخير حتى وإن أصبحت روحي تحترق"
أغلق اللاب في حزن وأستلقى على سريره مرة أخرى مستسلما لأحزانه حتى ذهب فى نوم عميق
دخلت الغرفة وجدته وقد راح فى سبات عميق ولكن مازال بملابسه ويبدو على ملامحه الحزن حتى وهو
نائم خرجت وأغلقت الباب بهدوء
منار وهي تكلم لبنى بالهاتف: مالك يالبني
لبنى بضيق: من شويا جبت صفحة غمر
منار بجدية مستنكرة: ليه بقى إحنا مش قولنا نأدبه
لبنى بحزن: أيوه أنا إتفقت معاكى أدبه مش أسيبه يامنار
منار بحنو: طيب إنتى إتضايقتى ليه لما شفتي صفحته
لبنى بحزن: كاتب كلام حزين أوي منهم واحد بيقول أنه خسر كل حاجه وده معناه إنه في مشكلة تانيه
منار بحنو: يمكن يقصد إنه بخسارتك خسر كل حاجه
لبنى بحزن: مش عارفه حسيت إن قلبى مقبوض فتحت صفحته لقيته كاتب بوست تانى إنه هايسكت الفترة
اللي جايه حتى لو روحه بتتحرق حتى عمرو كان سايب كومنت بيقوله مالك وكاتب كومنت تاني رد على
موبايلك وده معناه إن في مشكلة تانيه مع غمر حتى عمرو مايعرفهاش
منار بنفاذ صبر: لبنى إنتي عايزه توصلي لإيه
لبنى بحزن: حاسه إنه محتاجنى
منار بغضب: على جثتي؛ ويرجع يبهدلك تاني سيبيه زى ماإتفقنا لما يتربى الأول ولا نسيتي اللى عمله
ونسيتي إنك كنتي هتروحي فيها
متذكره ماحدث وبعبرة فرت على وجنتها: عندك حق يامنار لازم يعرف إنه غلط فى حقى
منار بحنو: عايزاكي بقى تخفي بسرعة علشان فاتك حصص فى الدروس كتيرة لازم تراجعيها قبل ماتبدأى
تحضرى الدروس تانى والوقت بيجرى ولازم نستعد لإمتحانات آخر السنة مافضلش غير 5 شهور ونخلص
لبنى: حاضر يامينو متتأخريش عليا بكرا وإبقى هاتيلى كل ورق الدروس اللى فاتتنى
منار بمرح: أيوه كده يالولو تعجبينى هو دا الكلام هانخلص الدرس ونيجيلك على طول
لبنى بحب: تسلميلي ياقلبي
أغلقت الهاتف معاها
قام قبل الفجر بساعة توضأ ووقف مستقبلا القبلة على سجادته حاملا مصحفه متوجها لأحن من فى
الوجود ليناجيه ويشكو إليه قسوة الدنيا ويتوب عن ظلمه لأعز من له فى حياته وكان يطيل فى
سجوده حتى أن عينيه غفت وهو ساجدا على سجادته التى إبتلت بدموع خشوعه وندمه مختلطة بدموع
آلامه ولم ينتبه إلا على صوت المؤذن يرفع آذان الفجر فقام ونزل إلى المسجد ليؤدى به فرض الله
عاد بعد صلاة الفجر ونام ملئ جفونه
فتح عينه على أشعة الجوناء الذهبيه ونهض من سريره وتوضأ وصلي الضحى وإرتدى قميص من اللون
الزهري على بنطلون جينز بلون أزرق فاتح وهبط الدرج كانت نور تجلس على أريكتها تحتسى
قهوتها
نور بحزم: رايح فين
نظر إليها ولم ينطق: ...
نور بحزم وهى تمد يدها إليه: هات مفتاح العربية
غمر مذهولا: ...
نور هاتفه بحسم وقد علا صوتها: إخلص هات المفتاح
وضع المفتاح فى يدها
نور بحزم: هات الفلوس اللي معاك كلها
غمر وقد إختنق صوته وجف ريقه: ليه
نور آمره بحزم: مش عايزه أسمع ولا كلمة
غمر بحنق: يعني هامشي من غير فلوس
نور بلامبالاة: وأنا مالي
ضاق صدره وأخرج النقود من حافطته
نور بحزم: على الله تسحب فلوس من البنك يلا بقى شوف رايح فين
خرج مغاضبا صافقا الباب خلفه بعصبية وعنف مما أحدث صوتا فزعت له جدته
إلتقطت هاتفها
نور بحزم: صباح الخير
عمرو: صباح الخير ياستي
نور بحزم: قسما بربي ياعمرو لو عرفت إنك أعطيت غمر فلوس لأكون مكلمه حسين يطردك من البيت
ومن البلد كلها
عمرو مستفهما: في إيه ياستي وغمر هايطلب مني فلوس ليه
نور بسخرية: هو يبقى يحكي ليك
وأغلقت الهاتف في وجهه
ثم اتصلت بمحمد وقالت له نفس الكلام وأغلقت معه
نجلاء مستفهمه: في إيه يا محمد ستك مالها
محمد: مش عارف بس شكلها قلبت على غمر جامد وقالتلي إني أشوف حد يمسك الشغل الفترة دي بداله
وممنوع ياخد فلوس الأيام دي خالص
نجلاء بفزع: إتصل بأخوك وشوف فيه إيه
محمد: حاضر ياحبيبتي إهدي إنتى بس
أضاءت شاشة هاتفه برقم محمد
غمر: السلام عليكم
محمد بجدية: وعليكم السلام أخبارك إيه
غمر محاولا أن يكون طبيعيا: الحمدلله بخير وإنتم
محمد: بخير إنت فين كدا
غمر: رايح مشوار لواحد صاحبي
محمد: بس شكلك مش سايق
غمر: لا مش سايق هاركب مواصلات
محمد بحزن: طيب تعالي ياغمر أمك عايزاك وبعدين روح المشوار اللي إنت عايزه