ظل ساهرا منتظرا ردا منها وفي الثلث الأخير من الليل؛ وجدها قد قرأت الرسائل، ولكن لايوجد رد. ثم وجد مشاركة منها على الفيس وقد كتبت فيه: "مخيفه تلك الدنيا تبكينا رغم صغر عمرنا"
ثم تلاها مشاركة أخرى كتبت فيها: "الصمت إما حلم كبير أو هم ثقيل"
وتلاها صوره بها دموع
قرأ غمر هذه المشاركات منها؛ وتيقن لأول مرة مدى خطأه فى الحكم عليها؛ فهذه الفتاة التى تعدى عمرها الثامنه عشر بشهور قليلة؛ فعلا صغيرة السن؛ ولكنها تملك مشاعر وأحاسيس فتاة ناضجة؛ تسبق عمرها بعشر سنوات؛ فكما أنها تملك فى حبها، وتمردها، قلب طفله، فهى تملك فى غيرتها، قلب أنثى ناضجة عشرينية العمر؛ وتملك فى حزنها، قلب أنثى ناضجة ثلاثينية العمر؛ يالله فعقل الفتاة فعلا لايقاس بعمرها؛ صغرت، أم كبرت.
فكتب لها أبيات من الشعر فى تعليق على مشاركتها:
لو أنَّ حبَّكِ كانْ في القلبِ عاديَّا لمَلَلْتُهُ مِن كَثرةِ التَّكرارْ لكنَّ أجملَ ما رأيتُ بِحبِّنا هذا الجنونُ، وكثرةُ الأخطارْ حينًا يُغرِّدُ في وَداعةِ طِفلةٍ حيناً نراهُ كمارِدٍ جبَّارْ لا يَستريحُ ولا يُريحُ فدائماً شمسٌ تلوحُ وخَلفَها أمطارْ حينًا يجيءُ مُدمِّراً فَيضانُهُ ويجيءُ مُنحسِراً بِلا أعذارْ لا تعجَبي هذا التَّقلُّبُ مِن صَميمِ طِباعِهِ إنَّ الجنونَ طبيعةُ الأنهارْ مادُمتِ قد أحببتِ يا مَحبوبتي فتَعلَّمي أن تلعبي بالنّارْ فالحبُّ أحيانًا يُطيلُ حياتَنا ونراهُ حيناً يَقصِفُ الأعمارْ
بعد يومين دخل عمرو المكتب فى المحل وجده وقد جلس على مكتبه وأمامه بعض الأطباق ويتأهب لتناول طعامه.
عمرو بضيق: ماشاء الله عليك جايب أكل وهتاكل ولا على بالك الدنيا باللى فيها
غمر: فيه إيه يابنى؛ من إمبارح ماأكلتش وبعدين بصراحه ريحة الأكل هى اللى جابتني على ملا وشي
عمرو وهويزفر: وكأنك مش عامل حاجة فى حد ولا مزعل حد ولا جارح حد إيه البرود اللى إنت فيه ده.
ترك غمر الطعام وإكتسى وجهه بالحزن: أنا مش عارف أعمل إيه أصالحها إزاى
عمرو بجدية: غمر إنت بتحب لبنى بجد
غمر متفاجأ من سؤاله: دي عمري كله دي هى الحاجه الحلوه الوحيدة اللى حصلتلى فى حياتى هى اللي حلت دنيتى وخلت لها طعم بعد ماكنت تايه.
وفي ثالث يوم؛ دخل عمرو على غمر وجده وضع رأسه بين كفيه فوقف عمرو مستندا بكتفه إلى الباب ضاما ذراعيه إلى صدره
عمرو بجديه: لا والله بتحس وعندك دم بس للأسف بعد ما بتقع فى الغلط
إنتبه له ونظر إليه بضعف غمر: في إيه ياعمرو
عمرو وقد لاحظ ضعف صوته فهرول إليه.
عمرو بلهفه: مالك ياغمر
غمر بهدوء: مفيش حاجه ياعمرو أنا كويس
عمرو بأسي: لا شكلك مش كويس خالص
غمر: متقلقش نفسك إنت
عمرو واضعا يده على جبهة غمرو: لا دا إنت كدا لازم تروح إنت شكلك تعبان أوي وحرراتك عاليه؛ إستنى هاجيب العربيه قدام المحل ووصلك دخل محمد عليهم عندما رأى أخوه هكذا جرى عليه هو الآخر
محمد بخوف: في إيه ياعمرو غمر ماله
عمرو بأسف: درجة حرارته عاليه أوي وشكله مش قادر يتحرك انا هاجيب العربيه وأروحه البيت
محمد: خليك إنت ياعمرو أنا اللى هاروحه
عمرو: ياريس مينفعش إنتو الاثنين تسيبوا المحل
أوما محمد برأسه موافقا ثم نظر إلى أخيه وقد زاد تأثره
محمد بحزن: مالك ياحبيبي في إيه؛ مالك ياغمر
غمر بضعف: مافيش يامحمد متقلقش نفسك دول شوية سخونيه وهيروحوا إن شاء الله
محمد بحنو شديد: إجمد كده يا حبيبى وشد حيلك علشان خاطرى ياريت ياحبيبى اللى فيك كان يبقى فيه أنا.
غمر فى حالة ضعف وبحنو: بعد الشر عليك يا محمد ماتقولش كدا صعد عمرو المكتب
عمرو بحزن: يلا ياغمر
حاول غمرالنهوض ولكن قدماه لم تحملاه فوقع على الكرسى.
هتف محمد وعمرو معا بلهفة: غمر
أستند على محمد وعمرو وجميع عمال المحل ينظرون إليه وهم في حالة حزن فأول مره يروه
بهذه الحالة؛ خرج من المحل مستندا إلى كل من محمد وعمرو وأركبوه سيارة عمرو وأثناء خروجهم رأتهم منار وهى تمر أمام المحل.
منار محدثة نفسها بخوف: "في إيه مالك ياغمر"
دخل البيت مستندا إلى محمد وعمرو ولم تتمالك جدته نفسها من الصدمة وأجهشت بالبكاء وهى ترى حفيدها الأقرب إلى قلبها فى هذه الحالة من الضعف والهزال
نور وهى تشهق بالبكاء: ماله غمر يامحمد حصله إيه ياحبيبي يابني ياريتنى كنت أنا
محمد بحزن: إهدي ياستي والله هيبقى كويس
صعدوا به إلى غرفته وتذكرت نفس المشهد عندما دخل عليها نصر مستندا إلى أخويه عاصم
وحسين والذى توفي بعدها بيومين؛ لم تحملها قدماها وإنهارت على الأريكة فى نوبة بكاء شديد.
نور داعية إلى الله ببكاء شديد: يارب.. سيبهولى يارب؛ يارب.. ده هو الحاجه الوحيده اللي
مصبراني فى الدنيا على فراق حبايبى؛ قلبي مبقاش حمل فراق تاني يارب.. يارب
تماسكت وأسندتها صباح حتى وصلت لغرفة حفيدها فى الطابق العلوى وكان مستلقيا على
سريره بحالة من الضعف؛ فتذكرت أبيه وهو مستلقى على سريره فى مرض موته.
غمر وقد دخل فى نوبة ضحك أخرى: ماشي يا قطتى؛ وبعد مانروح المفاجأة الأولى هانروح للمفاجأة التانيه هتحبيها أوي لبنى بمرح: إشطه مشي بجوارها؛ يختلس النظر من وقت لآخر إلى هذه المخلوقة ؛ بإبتسامتها البريئة؛ وقد تخيلها بجانبه وهى تزف إليه مرتدية فستان زفافها الأبيض، وكأنها ملاك يمشى على الأرض متمنيا فى قلبه من الله ان يحقق له هذا الحلم الجميل لبنى وقد شعرت بنظراته التى أخجلتها وحولت وجنتيها إى زوج من حبتى الفراولة: بتبص لى كدا ليه غمر وقد أفاق من حلمه فجأة وبسرعة: لأ مافيش؛ بس كنت طاير فى السحاب مع حبيب عمرى اللى ملا على حياتى ودنيتى لبنى بخجل: ومين حبيبك دا ياسى غمر. غمر وقد علت وجهه إبتسامتة الساحرة: حبيبى اللى ساعة مابيفرح الدنيا كلها تضحك لى؛ ولما يغضب، بأحس إنى ضاع منى طريقى ولما بيغير عليا، بيطير النوم من عينى، حبيبى اللى قلبه شفاف فى فرحه، وفى حزنه، وفى حبه، وفى غيرته؛ حبيبى ملاك عايش بين البشر، بينور لى حياتى وطريقى. صمت لبرهه ثم إستطرد: عرفتى مين حبيبى.
إشتعلت وجنتيها إحمرارا، وأطرقت برأسها لأسفل، لتنظر إليه خلسة نظرات بطرف عينها؛ وكلما وجدته مازال ينظر إليها، بعينيه العسليتين الصافيتين اللتان ينطقان بحبه وعشقه له، تشيح بوجهها خجله، مطرقة رأسها لأسفل. غمر وقد كست وجهه إبتسامة متلهفا: مابترديش ليه. لبنى وهى تنظر إليه نظرات مترددة خجلة: لما بتقوللى الكلام دا وتبصلى بأنسى الدنيا وأنسى الكلام. غمر متحمسا بحب: أنا بقه بأنسى الدنيا لما بتيجى على بالى بس. إزدادت خجلا ونظرت إلى الأرض فى حياء: وبعدين أنا مش قادره أجاريك ياغمر أنا مش قد الكلام الحلو دا. وصلا إلى دريم بارك وكانت هذه هى المفجاجأة الأولى ...
صفقت بفرحة وكأنها طفلة ووضعت يديها على وجهها غير مصدقة: ربنا مايحرمنى منك أبدا أبدا يا غمر. غمر ضاحكا وهو يحدث نفسه: " والله ياغمر عشت وحبيت عيلة، بس بأموت فيها برضه ". غمر متوجها إليها ناظرا إلى عينيها بجدية ومشيرا إليها بسبابته محذرا: مش عايزك تبعدى عنى خالص؛ أنا لو كان عليا كنت أخبيكى من عيون الناس وأحطك فى عنيه وأغطيكى برموشى بس علشان فرحتك دى هاستحمل النهارده. اعارفه يالولو انا بحس فعلا انك ملاك عفويه مش بتصتنعي الكلام ولا بتعرفي تمثلي الحب ولاكل الكلام ده واضحه ففرحك وحزنك صريحه في غضبك وغيرتك مش بتعرفي تمثلي عارفه يالولو انتي حاجه حلوه اوي في مجتمع بقى اغلبه وحش انتي فعلا ملاك يالولو انا بتمنى بس اعيش علشان اشوفك واشوف ابتسامتك البريئه نظرت إلى الأرض في خجل وقد توردت وجنتيها خجلا فبتسم غمر بحب
وفي بيت نصر العمري جلس محمد ونجلاء في غرفتها محمد بإبتسامه: كنت مبسوط أوي إنك جيتي وزورتى غمر نجلاء بغضب: ماتفكرنيش يعنى ينفع أخوك يفضل يومين عيان فى السرير وإنتم كلكم هناك معاه وميهونش عليك حتى تتصل بيا تقوللى وأعرف منين ؛ من مراتك؛ هى مراتك أقرب لغمر منى خلاص إعتبرتونى مت ولا خلاص مابقاش ليا لازمة محمد بخجل وإرتباك: متقوليش كدا ياست الكل بس مش عارف ...كنت حاسس كدا إن الموضوع دا مش هايفرق معاكى هتفت نجلاء غاضبه: يفرق أو ميفرقش ده شئ أنا اللي أقرره مش إنت ياسى محمد إنت فاهم محمد بهدوء: فاهم بس هدى نفسك و ... قاطعته نجلاء وقد إشتعلت غضبا: أهدى ولا ماهداش خلاص يامحمد كبرت عليا وبقيت إنت اللي بتاخد القرارات بدل منى. صمتت قليلا ثم إستطردت وكأنها تذكرت شيئا فهتفت في وجهه غاضبة: أنا بقولك أهه يا محمد أى حاجة بعد كدا تخص أى حد من إخواتك يكون عندى خبر بيها. محمد وقد أحس بخطأه مهدئا إياها: خلاص ياماما حقك عليا ومش هاتتكرر تانى وعايزك تهدى. ونهض خارجا آسفا لغضبها محدثا نفسه: " معاها حق برضه تزعل مهما حصل هو برضه إبنها ".
أما فى منزل عمرو الذى كان مفروشا على أحدث طراز من الديكور وكان جالسا على الأريكة متابعا التلفاز وزوجته هنا بجواره. إلتفتت إليه هنا فجأة وهتفت: عمرو عمرووهو يتابع أحداث المسلسل على التلفاز غير مباليا: نعم ياهنا هنا بفضول متسائلة وقد وضعت قبضتها أسفل ذقنها مستنده بكوعها إلى وسادة وضعتها على فخذيها: هو فى حد فى حياة غمر. عمرو متفاجئا بالسؤال وقد إعتدل ناظرا إليها بسرعة وبجدية: ودا شئ يخصك فى إيه. هنا بقلق وتردد: لا ولا حاجه أنا بسأل بس عمرو مستنكرا: وإيه لازمة السؤال دا وإيه الغرض منه. هنا وقد أحست بأن شكوكها حقيقية: أصل فيه رقم كان بيرن عليه كتير وهو كان بيكنسل عليه مستطردة بمكر: يعنى لو حد من أصحابه أكيد كان هايرد عليه قدامنا. هتف عمرو بغضب: دا شئ مايخصناش ومش هاندخل فى خصوصيات الناس مفهوم. أومات برأسها موافقة وكأن الموضوع لايعنيها واعتدلت متابعة التلفاز مرة أخرى
أما في الملاهي غمر بجديه: إنسي يالبني أنا قلت قبل ماندخل أى لعب خطيرة ممنوعه نهائي أنا بخاف عليكي ياحبيبتى لبنى متوسله وقد زمت شفتيها أخذت تدبدب بقدميها فى الأرض: علسان خاطلى ياغمل ماليس دحوه غمر بإبتسامة رقيقة متنهدا محاولا إفهامها: بالله عليكي ياحبيبتى كل أما بتتحولى كدا بتوجعى قلبى وبأخاف عليكى أكتر والألعاب دى خطيرة إسمعى الكلام بقى يا كتكوتى لبنى زافرة بضيق مستسلمة عاقدة ذراعيها على صدرها: حاضر غمر بلطف: لأه بقى كدا تبقى زعلتى. وإستطرد بحنو: مش إنتى عارفه إن غمر حبيبك بيخاف عليكى أومأت موافقة ببراءة مطرقة رأسها لأسفل واضعه سبابتها على شفتها السفلى وتحرك قدمها اليمنى فى دوائر على الأرض كطفلة بريئة: ... غمر بحب ناصحا: يبقى نسمع كلام ولالأ فجأة وقد لمعت عينيها بإبتسامة ماكرة: لأ طبعا مانسمعش. وجرت من أمامه فجأة وظل يجرى خلفها لاهثا ضاحكا من هذه الطفلة العنيدة حتى حل عليها التعب من كثرة الجرى فجلسا على أريكة خشبية ليستريحا متضاحكان ويلهثان نظر إلى ساعته فجأة: هاقوم أجيب حاجة ناكلها عايزة حاجة معينة. لبنى وقد عقدت حاجبيها مستنكرة: قلت تعمل إيه. غمر ببراءة: هاشترى أكل لبنى بغضب مصطنع: تانى ياغمر .. تانى طب إيه رأيك إنى هاتصل بستك وهافتن عليك وأقولها على أكلك من الشارع وإن دا اللى تعبك المرة اللى فاتت. غمر ضاحكا: وربنا تحبسنى فى البيت دى دماغها لما بتقفل يالله السلامة. لبنى بخوف: لالالالا طالما فيها حبس خلاص مش هاقول. غمر بحب: خايفة ماتشوفنيش. لبنى بخجل: دا اليوم اللى بيعدى عليا من غير ماأشوفك بأحس إنه طويل وكئيب ومالوش آخر. غمر بحنو: حبيبى يا لولو يا مجننى إنت. ثم إستطرد وهو فى حيرة: طب هانعمل إيه دلوقتى فى موضوع الأكل دا. أخرجت فجأة من حقيبتها كيسا ممتلئا بالشطائر قائلة بمرح: وهى دى حاجة تفوتنى برضه يامعلم؛ عامله حسابى للفطار والغدا كمان، مش هاخليك تاكل من الشارع تانى أبدا.
غمر بحب متعجبا من تصرفها الناضج: يا سلام على أفكار حبيبى ياناس مش عارف أقول إيه بس. لبنى بخجل وهى تمد يدها له بشطيرة: متقولش حاجة يا غمر عايزاك تاكل وبس. قضمت قطعه من شطيرتها وفجأة مد يده وخطفها منها ضاحكا. لبنى بطفولة: إيه الحركات دى بقه إحنا فينا من كدا غمر وهو يذوب حبا: عايز آكل من مكان شفايفك. إبتسمت وإحمرت وجنتيها خجلا وفى قرارة نفسها ذابت هى الخرى فرحا من طلبه وما إن قضم من مكان قضمتها قطعة حتى إمتدت يدها وخطفت منه الشطيرة وفعلت مثل ما فعل وظلا هكذا يتبادلان الشطائر وأماكن القضمات لايتكلمان ولكن كانت عيناهما يتناجيان وقد ذابا عشقا وولها وكأن الزمن قد توقف عند هذه اللحظة. ولكن أينما يكون الحب والخير يوجد دائما الشر و الحقد يحوم حولهما . لم يعلم هذان البريئان أن هناك عيونا مترصدة لهما تتجسس عليهما وتتحين الفرصة. لم يفيقا إلا عندما إلا عند إنتهاء الشطائر. لبنى مبتسمة: الحمد لله يللا بقه نكمل لعب. عادا للعب والمرح مرة أخرى وكأن الدنيا ملكا لهما وحدهما. غمر بحنو: مبسوطة يا لولو. لبنى بفرح وشقاوة: أوى أوى يا غمر. غمر بحنو: يارب أشوفك سعيدة كدا طول العمر. لبنى بإبتسامة رقيقة وبريئة متسائلة: بتحبنى أوى كدا يا غمر. غمر بإبتسامته الساحرة: كلمة بحبك دى قليله أنا بأعشقك ونفسى أخبيكى بين ضلوعى من خوفى عليكى من الناس ومن الشر اللى ملا الدنيا وإنتى ياحبيبتى زى الجوهرة خايف يخطفوكى منى أو يكسروكى ولو كان ينفع كان زمانك دلوقتى ملكى فى بيتنا فى مملكتك بس أنا هاصبر لغاية ماتخلصى المدرسة. لبنى بخجل: أقولك حاجة وانا كمان نفسى أبقى قريبه منك وماتغيبش عن عينيا خالص لأنى وانا معاك بأحس بطعم تانى للحياة. مر بجوارهم بائع بالونات كبيرة وورود إشترى غمر لها بالونات وورود كثيرة. غمر بحب: إتفضلى يا اميرة قلبى. كانت تقفز بفرحة وحب وإمتنان كطفلة وهى تتناول البالونات والورود. لبنى بفرح وسعادة طفولية لاتوصف: كل دا ليا أنا. نظر إليها متعجبا من هذه الشخصية البريئة محدثا نفسه: " أقل شئ يسعدها ويفرحها يارب دايما أقدر أسعدك وتونى من نصيبى يا نور عيونى " وفى الساعة الرابعة غمر: يللا بقى يا لولو علشان نلحق نروح للمفاجأة التانية. لبنى بضيق: أنا مبسوطة هنا ياغمر خلينا شوية كمان. غمر بحب: يا حبيبى إحنا هنا من الساعة عشرة كفاية بقى أنا خايف عليكى تتعبى وبعدين دا إنتى هتحبى المكان التانى أوى يللا بقى علشان الوقت ميسرقناش. لبنى بفرح: ماسى ماسى.
وعند خروجهما من الملاهى لمحت ظفلا يجلس على الرصيف المقابل للملاهى ينظر إلى البالونات بيدها وقد إكتسى وجهه بالحرمان والبؤس وبساطة الحال؛ رق قلبها له ولحاله وغشت عينيها الدموع فهرولت إليه وناولته البالونات كلها بالكامل والشيكولاته التى أحضرها لها غمر وظلت تلاطفه وتلاعبه فترة من الوقت حتى إنفرجت أساريره وعلا صوته بالضحكات وكست وجهه الفرحة والسعادة وظل غمر ينظر إليهما وقد أحس أنها ليست قدره فقط ولكنها عطية السماء له وتسائل فى نفسه: " أكل هذا الحنان الأمومى والحيب الناضج وبراءة الأطفال فى قلب هذه المخلوقة أى طفلة أنتى بالله عليك لتجمعى فى قلبك كل هذه المشاعر والأحاسيس التى زادت وفاضت ؛ لقد عوضنى الله بك يا مليكة قلبى " لبنى بمرح وفرح وبإبتسامه ملائكية ساحرة متوجهه إليه وبحب: يللا بينا. غمر بحب وإعجاب: إنتى كدا إزاى!؟ كل الحنان والرقة دى فى قلبك طب أعمل أنا إيه دلوقتى فيكى؛ كل لحظة بتخلينى أتمسك بيكى أكتر وأطلب من ربنا يجمعنا النهاردة قبل بكرة. لبنى بنظرة عاشقة خجولة: وأنا كمان. غمر مبتسما بمكر: وإنتى كمان إيه. لبنى بخجل مطرقة رأسها لأسفل: بادعى ربنا إنك تكون من نصيبى لأنك أطيب وأحن قلب. ثم إستطردت ونظرت إليه بجدية: وماتنساش إن الطيبون للطيبات. وغادرا فى طريقهما للمفاجأة الثانية
جلست نور على أريكتها تحرك رجليها بتوتر وقلق وهى تحدث نفسها بغضب: " كدا ياغمر رابع مرة أتصل بيك وماتردش طب لما ترجع ياإبن نصر ".
فى مكان آخر لإستكمال المفاجآت لبنى بإنبهار: إيه المكان التحفة دا إنت عرفته منين غمر وقد غمرته السعادة لفرحتها: وأنا صغير كان بابا بيجيبنى هنا وكنت أنا الوحيد من إخواتى اللى أجى معاه هنا وكنا نقضيها لعب وضحك الله يرحمه ويجعل مثواه الجنه. فقد كان المكان يطل على النيل مباشرة وتكسوه الخضرة من كل جانب من شجر بجميع أنواعه ونباتات وأزهار بألوانها الزاهية وكأنها قطعة من الجنة. جلسا سويا متجاورين على الأرض العشبية. لبنى بجدية: ممكن أسألك سؤال. غمر بحب: إسألى ياعمرى خمسين سؤال. لبنى بتردد: إنت ليه سيبت بيتك والمكان اللى إتولدت فيه ورحت عشت مع جدتك مع إن حسب مافهمت منك جدتك شديدة شوية. غمر بإبتسامة صغيرة متنهدا: شديدة بس دا مافيش حد فى العيلة كلها يجرؤ يعترض على كلمة تقولها لما إنتقلت عندها ناس كتير قالوا دا مجنون لما كانت بتضربنى وأنا صغير ولأنها كانت عنيفة كان ضربها عنيف فكان صوتى بيوصل لعمتى وأنا صراحة كنت بأعمل شقاوة كتير ومابأسمعش الكلام فكانت عمتى تيجى تاخدنى أو أختى رؤى وكانوا يحاولوا يقنعونى إنى أرجع أعيش مع إخواتى وأمى لكن بالنسبة لى نار ستى ولا جنة أمى لبنى وقد كسا وجهها الحزن والأسى لحياة غمر فى طفولته: للدرجة دى شايل من مامتك.
غمر بحزن: عارفه يالبنى شعور صعب جدا لما يكون الواحد يتيم الأب والأم كمان مع إنها عايشة؛ فى حياة بابا الله يرحمه كان بيعوضنى عن حنان أمى لكن لما توفى بدأت أحس إنى حمل تقيل على أمى مافيش إهتمام مافيش حنية مافيش أى مشاعر أمومة عكس بقه اللى كانت بتعمله مع إخواتى فحياتى فى البيت مع أمى كنت بأحسها عذاب وألم ليا وليها فقررت إنى أعفيها من العذاب دا مع إن الحياة مع ستى ماكانتش وردى أوى ستى كان عندها كل شئ بقواعد ولو كسرت القواعد يعنى عقاب وعقاب صح ودا مايمنعشى إن ليا إستثناء عن الكل لكن فى بعض الأحيان كان بيبقى عقابى صارم بس مقابل دا فيه إهتمام وحب وحضن دافى وفضلنا على موضوع الضرب دا لحد مابقى عندى 19 سنه وبدأ الموضوع يقل تدريجيا لكن ماأنكرش إن ضربها ليا كان بيعلمنى حاجات كتير وخلتنى أبقى راجل يعتمد عليه. ثم إستطرد ضاحكا: خلتنى أبقى شديد زى ماهى بتقول على فكرة أنا بحبها أوى وبحبك إنتى كمان أوى أوى يالبنى وبأحس إن قلبك دا فيه حنان الدنيا كلها ومن يوم ماعرفتك وأنا بأعيش أجمل لحظات حياتى. هربت من عينها دمعة شاردة على وجنتها وهمست بحنان وحب وكأنها تطبطب على قلبه: ربنا يجعلنى فى حياتك سبب لتعويضك عن أى لحظة حزن أو ألم شفتها فى حياتك ... يا حيبى غمر بحب ولهفة: لالا كدا اللؤلؤ فى عنيكى بيوجع قلبى. مسحتها بأناملها الصغيرة وهى تبتسم له إبتسامة آسره. نظر إليها طويلا فإحمرت وجنتيها خجلا من نظراته وهتفت: بتبصلى كدا ليه أغمض عينيه ببطء مبتسما وهو يستلقى على ظهره على الأرض العشبية: أصل عايز صورتك ماتفارقش عينيه حتى وأنا مغمض عينيه ظلت تنظر إلى وجهه الوسيم وكأنه طفل يعيش حلمه مبتسما.
إشتعلت نور غضبا وهى تهاتف عمرو: بأقولك من الصبح معرفش عنه حاجه وبأتصل عليه مابيردش. عمرو: طيب إهدى ياستى وأنا هاحاول أكلمه. نور بغضب: لما يرد عليك قول له ستك هتبهدلك بس لما ترجع عارف لو ماقلتلوش هابهدلك إنت. عمرو حاضر ياستى هاقوله.
فتح عينيه فجأة على صوت هاتفه فوجدها تتأمل فى وجهه بحب وحنان شعرت بالخجل وأشاحت بوجهها مداراة لخجلها فإبتسم وسحب هاتفه من جيبه وقال لها معتذرا: آسف ياحبيبتى كنت المفروض أعمله صامت هاأرد على عمرو أكيد المكالمة دى وراها ستى. لبنى بلهفة: رد بسرعة ليكون حاجة مهمة. غمر داعيا الله فى نفسه ألا تكون نور وراء هذا الإتصال: أيوه ياسى زفت عايز إيه ياهادم اللذات ومفرق الجماعات. عمرو صارخا: إنت فين يامنيل. غمر وهو يضغط على أسنانه مغتاظا ويبتسم للبنى: طب لما أجيلك ياعمور. عمرو: تجيلى أنا هو إنت هاتلحق تجيلى الله يرحمك ستك قالبة عليك الدنيا وعمالة تتصل بسيادتك على موبايلك وإنت مابتردش عليها تحب أولعلك الدنيا وأقولها إنك كنت عامله صامت ومعاك خط تانى كمان. غمر وهو مازال مبتسما للبنى: وماله وأنا هاقولها إنك إنت اللى جبتهم لى وعليا وعلى أعدائى. عمرو ضاحكا: آه ياواطى. ضحك غمر عاليا فإبتسمت لبنى تلقائيا لضحكه. نظر إليها بحب وأغلق هاتفه ونهضا ليستعدا للعوده. وعند إقترابهما من منزلها هتف غمر فجأة وكأنه تذكر شيئا مهما: ثوانى وراجع هاجيب حاجة من السوبر ماركت. دخل غمر السوبر ماركت ليشترى لها شيكولاته بدلا من التى أهدتها لطفل الملاهى. وأثناء إنتظارها له إقترب منها شاب يكبرها بحوالى خمس سنوات ممشوق القوام ذو جسم رياضى ووجه وسيم وشعر كستنائى. مهاب يسكن على بعد بنايتين من سكن لبنى ولطالما حاول لفت نظر لبنى له بشتى الطرق ليظهر لها إعجابه بها وهو يعلم أنها لاتبادله نفس الشعور لأنه كان مستهترا وله علاقات نسائية كثيرة فكانت دائمة الإبتعاد عن طريقه أينما كان. مهاب بإبتسامه: لولو منوره الدنيا. لبنى وقد أفزعها هذا الصوت المألوف لها نظرت إليه غير مصدقه متلفته حولها بقلق: إنت عايز إيه. مهاب مقتربا منها أكثر: فى حد يقول لحبيبه كدا.
لبنى وهى تحاول الإبتعاد عنه وتحاشى إمكانية حدوث صدام بينه وبين غمر فبدأت تتقهقر للخلف كلما إقترب منها ولكن لم يكن عندها فرصة للإبتعاد أكثر من هذا لأنها إصطدمت بظهرها بحائط منزل خلفها فإستندت إليه وكانت لاتزال تتلفت ناحية السوبر ماركت بقلق وتوتر شديدين نظرت إليه وقد إتسعت عينيها عابسة الوجه وقالت: ماينفعش تقرب أكتر من كدا وبعدين مايصحش تضايق جيرانك بالطريقة دى. تقدم مهاب بتصميم وأسند يده اليمنى إلى الحائط وقبض على يدها اليمنى بيده اليسرى بقوة معتصرا إياها وإقترب بوجهه إلى وجهها حتى إنها أحست بأنفاسه تخترق وجهها وكأنها سهام نارية هامسا فى أذنها: مهما عملتى يا لولو إنتى ليا أنا وملكى أنا فاهمه. إشتعلت وجنتيها إحمرارا وحاولت دفعه وسحب يدها من قبضته بكل قوتها ولكنه كان كالوتد فى الأرض بجسمه وعضلاته فإرتعبت أكثر من خروج غمر ورؤيتهم هكذا . نظرت إليه متوسلة: طب علشان خاطر الجيرة سيبنى أعدى. مهاب مبتسما إبتسامه صفراء: وهما الجيران يكشروا كدا فى وش بعض ورينى إبتسامتك الحلوة وانا أسيبك. فإضطرت أن تبتسم له إبتسامه مصطنعه حتى يتركها قبل مجئ غمر ويحدث مالايحمد عقباه ولأنها تعرف إجرام مهاب وإستهتاره خافت أكثر على غمر من شره. ولكن كان للقدر كلمة أخرى. خرج غمر من السوبر ماركت ليجد حبيبته تقف مستنده للحائط ويقف أمامها شاب وسيم يكاد يكون محتضنها ويمسك يدها وهى تبتسم له بوجه يعلوه إحمرار طالما رآه وأحبه وحين إلتفتت ناحية السوبر ماركت وجدته يقف وقد فغر فاهه وينظر إليهما نظرات نارية وتلاقت أعينهما نظر إليها نظرة خلعت قلبها من مكانه ومادت الأرض تحت قدميها وعجزت عن حملها ولكنها تمالكت نفسها وتماسكت وعندما همت بدفع مهاب بكل قوتها كان غمر قد قذف مابيده على الأرض وغادر مسرعا غير مصدقا مارأى. دفعت مهاب بكل قوتها وجرت خلفه حتى وصلت المحل لاهثه ولكنها لم تلحق به لأنه قد ذهب لمنزله. ذهب إلى المنزل : إنسى إنك كنتى تعرفينى ومش عايز أشوف وشك بعد كدا. :على قد ماكنت بحبك دلوقتى بأكرهك بأكرهك
دخل المنزل كالشلال الهادر مكفهر الوجه تنطق عيناه بالألم والحزن وكثير من الشر يتصبب منه العرق وكأنه كان يجرى من زمن؛ مر عليها دون أن يراها جالسة على أريكتها تنتظره.
لاحظت ثورته وإنتابتها الدهشة حينما رأته بهذه الهيئة الغريبه صعد إلى غرفته وتصاعد الدم إلى رأسه بقوة وتحول وجهه إلى قطعة من الجمر المتوهجه؛ ألقى بنفسه على سريره بقوة وألقى برأسه للخلف محدقا لسقف الغرفه غير مصدقا مارأته عيناه وظل شريط هذه الأحداث يمر أمام عينيه مرارا وتكرارا وزاد عليها بعضا مما خيله له شيطانه كأصوات لضحكها مع ذلك الشخص الغريب وإقترابهما من بعضهما أكثر مما جعله يضع يديه على وجهه ليقطع مجال الرؤيه عن عينيه إنتفض من مكانه حينما رن جرس هاتفه دون توقف وأعلن عن إسمها على شاشته المضيئة فاعتدل جالسا على سريره وسكن قليلا ثم التقط هاتفه بقوة وعصبيه بقبضة يده وكاد يعتصره فى يده غمر وقد تطاير الشرر من عينيه: عايزه إيه
لبنى تبكي بكاء حارا وكأنها طفله فقدت أعز مالديها وقد تعالت شهقاتها: إسمعني ياغمر الموضوع مش زي ما إنت ... قاطعها غمر هادرا بغضب: إخرسي ما عنتش عايز أسمع صوتك ولا أشوف وشك تانى أنا اللى غلطان إنى عرفت واحدة واطية زيك وإستطرد صارخا: بكرهك... بكرهك وألقى بالهاتف على سريره وألقى برأسه على وسادته وأغمض عينيه محاولة منه لطرد مارآه من مخيلته تماما
وفى الطابق السفلى جلست نور تنظر إلى أعلى السلم بقلق لعله ينزل مرة أخرى وهى تحدث نفسها: " ياترى إيه اللى حصل للواد دا سترك يارب ".
لم تعى الطفلة البريئة وهى فى قمة حزنها وقلة حيلتها اللذين طغا على قدرة إستيعابها لوقع كلماته القاسية على قلبها الغض النابض بالحب لأول مرة ولم يكن من ضمن أولوياتها أن تحاسبه على هذه الكلمات القاسية بقدر ماكانت تسعى إلى إسترضائه وتوضيح الحقيقة له؛ فظلت على محاولتها لمكالمته ولكن هيهات طغى عنفه على رقته وقسوته على حنانه وقطع كل خيوط الإتصال بينهما وكأن قلبه الحنون قد تحول فجأة إلى قطعة من الحجر بل أشد قسوة ونسى هذا القلب الذى غلبه شيطانه؛ مليكته وحبيبته وأميرته الذى حولها فجأة لعدو يكرهه ولايطيقه لم يكن مستعدا أن يتحمل وحده نتيجة تهوره وتسرعه وإنسياقه وراء خيالاته التى صدقها بدون وعى أو حكمه فلم يجد غير قلبها الصغير ليقبض عليه ويعتصره بكل قوته و كانت كل جريرة هذا القلب أنه وهب نفسه عبدا فى محراب حبه وأهداه مفاتيحه يتملكها ويتربع داخله دون منازع. إستلقى على سريره ينظر للاشئ طوال ليله وقد إعتراه الغضب الذى يعمى القلوب قبل الأبصار
ماذا فعلتى بنفسك أيتها الصغيرة وكأن عمرك زاد عشرون عاما؛ كان صوت بكاءها المكتوم فى وسادتها تتقطع له نياط القلب عينيها وكأنهما قد امتلأتا دماءا وليس دموعا أضاءت شاشة هاتفها برقم منار فلم ترد في المره الأولى ولا الثانيه وفى الثالثه منار بمرح: إيه ياعم التقيل خلاص مبقاش لينا لازمه لبنى ببكاء: غمر سابني يا منار منار بصدمه: إيه إنتي بتقولي إيه لبنى ببكاء حار وقد بح صوتها وبتلعثم كبير: أنا...أنا مش عارفه أفهمه الحقيقه ... ولا هو ...ولا هو عايز يسمعنى ووو قفل موبايله وقبل ما يقفله كلمته وقالي إنه مش عايز يشوفني ولا يسمع صوتى وقاللى إنى إنى ... واطية وإنه بيكرهنى ثم إستطردت وقد زاد بكاءها وشهقاتها وكأنها إكتشفت شيئا أزعجها: أنا يامنار .. أنا يا منار واطية أنا واطية ... أنا إللى حبيته كل الحب دا؛ طب واطيه ليه؛ طب بيجرحنى ليه؛ دا أنا كنت عايزه أحميه وخايفه عليه طب يسألنى إيه اللى حصل؛ دا زى مايكون ماصدق ... وإنهارت فى بكاء شديد بكت منار معها على وجع قلب صديقتها منار محاولة التماسك: طب إيه إللى حصل بس قوليلى لبنى التى زادت نبضات قلبها وشهقاتها: علشان...علشان ... منار بخوف وحنو مقاطعة: متتكلميش دلوقتى أنا هالبس وأجيلك إهدي بس إنتى منار بقلق تحدث نفسها: " أسترها ياستير".
خرج من الحمام بعد أن إغتسل بماء بارد عله يطفئ النار التي تحاصر قلبه وتنهش في عقله إرتدى بنطلونه الجينز الأسود وقميصه الكحلي وجاكته الأسود وكأنه عاد سيرته الأولى نزل الدرج فوجد جدته أمامه غمر وهو شاردا: صباح الخير ياماما نور وعلى وجهها تساؤلات: صباح النور ياغمر همت لتسأله عما حدث بالأمس ولكنه لم يمهلها وخرج مسرعا دون أن ينظر إليها غالقا الباب خلفه وكأنه يهرب من مواجهتها نور محدثه نفسها بإستغراب: " ماله دا " دخل المحل عابسا علا وجهه غضبا إرتجف له العاملين بالمحل لعلمهم بما سيؤدى هذا الغضب وتأثيره عليهم ودخل مكتبه صافقا الباب خلفه محدثا صوتا إرتعب له العاملون بالمحل والزبائن طلب عامل البوفيه غمر بعصبيه: إبعتلي قهوه عاطف بخوف: حاضر ياأستاذ غمر كان يحتسى قهوته عندما دق الباب ودخل عمرو عمرو بمرح: أيوه ياعم الخروجه عامله معاك أحلى شغل ونسيت عمور حبيبك غمر بغضب وعصبيه: عمرو بقولك إيه سيبنى أنا مش طايق نفسي عمرو بدهشه: إيه يابنى مالك فى إيه؛ وبعدين إيه القرف اللي إنت لابسه دا ومش واقف مستني لبنى ليه زى كل يوم غمر هاتفا بغضب وبأعلى صوته: قلتلك مش طايق نفسي ومش عايز أتكلم فهمت ولا لأ أحس عمرو بالحرج من رد فعله وأسلوبه الجاف فخرج وترك المكتب صافقا الباب خلفه بغضب سند بكوعيه على المكتب واضعا رأسه بين كفيه وقد أحس بصداع يدق رأسه وعقله محاولا التركيز ليهدأ ولو قليلا
فتحت منار باب غرفة لبنى لتجدها على حافة الإنهيار وضربات قلبها التى جعلت صدرها يعلو ويهبط بقوة من شدة بكاءها وقد إحمرت عيناها وجفت بهما الدموع فتحت منار ذراعيها لترتمى لبنى فى أحضانها وقد لفت ذراعيها حولها متعلقة بها وكأنها وجدت ملاذا آمنا ينتشلها من بحر الأحزان الذى أغرقها فيه من كان هو ملاذها وأمنها وزادت من بكائها وشهقاتها وكأنه بركان من الحزن ووجد له طريقا ليخرج من أعماقه آهاته وآلامه المكبوته داخله أخذت منار تربت على ظهرها تارة وتمسده تارة وتضمها إليها بقوة كلما زادت من بكاءها لتطمئن قلبها وتشعرها بمساندتها فى هذه المحنة منار بحنو وهى تمسد شعرها: إهدي يا قلبى متخافيش أنا جنبك كل حاجه ليها حل بس إهدي إنتى بدأت تهدأ قليلا واضعه رأسها على صدر منار وكأنها طفلة تبحث عن مصدر للأمان والحنان أخرجت منار من حقيبتها منديلا وأخذت تمسح به دموعها وترتب خصلات شعرها المنسدله حول عينيها منار بحنو وهى تعتدل فى جلستها لتواجه لبنى: قوليلى بقه إيه اللي حصل وبهدوء كدا بدأت تنساب دموعها بدون بكاء وكأنها درر لؤلؤيه تتامس طريقا لها على وجنتيها وقد إختنق صوتها وهى تحاول إخراج الكلمه بصعوبه: مهاااااب منار بغضب: ماله الزفت دا وعملك إيه أخذت أعصابها تهدأ رويدا وهى تروى ماحدث بداية من إنتهاء رحلتهما حتى آخر مكالمة لبنى وقد بدأت دموعها تنساب مرة أخرى: تخيلي إنه ماهانش عليه حتى يسألنى إيه اللى حصل أو يطمن عليا ويعرف هو كان واقف معايا كدا ليه وبدل ما كان ييجى يحمينى منه يسيبنى ويختفى وكأنى ماساويش حاجه عنده ولما أكلمه فى الموبايل يقولى ياواطيه وأخذت شهقاتها تزداد وتعلو مرة أخرى وهى تقول: كدا يا غمر عملتلك إيه علشان توجع قلبى كدا دا أنا كنت محتجالك تحمينى منه لكن خفت عليك ياغمر خفت عليك والله وجريت وراك علشان أحكيلك وأشكيلك علشان تحسسنى بالأمان تقوم تسيبنى كدا وتقولى يا واطيه وبأكرهك بعد كل الحب اللى حبتهولك تكرهنى وتهينى ثم نظرت إلى منار وهى فى ذهول: طيب هوعمل كدا ليه هو أنا عملت فيه إيه قوليلى إنتى يامنار إيه الغلط اللى غلطه أنا مش فاهمه حاجة؛ ليه الإنسان بيبيع رخيص كدا؛ ليه يقابل حبى ليه بكرهه ليا ؛ ليه يخلينى أديله الأمان ولما أحتاجله يخلى بيا وإستطردت بحزن: راحت فين حنيته وطيبته؛ ليه إتحول فجأة لإنسان قاسى بالشكل دا؛ وإزاى هاقدر أفهمه اللى حصل إعتدلت منار فى جلستها وقد تجمعت الدموع فى عينيها ألما وحزنا على صديقتها: حبيبتى إهدى وماتعمليش فى نفسك كدا وتأكدى إنه هايعرف الحقيقة ويعرف إنه غلط فى حقك ثم إستطردت بجديه وإستنكار: بس واضح إن غضبه سريع وصعب وبيكون قاسى فى رد فعله وطبعا أى كلام معاه دلوقتى مالوش لازمه مش هايصدق أى حاجه وهو فى حالته دى ثم إستطردت رافعه إحدى حاجبيها بمكر: بس تعرفى إن الموضوع دا فيه ناحية إيجابية لبنى زافرة بحزن: بعد اللى حكيتهولك دا كله وتقوليلى إيجابيه منار بجدية: طبعا دا بيأكد إنه بيحبك جامد أوى ومش بيلعب بيكى؛ لأ وإيه بيحبك بجنون كمان ودا السبب فى رد فعله العنيف دا لبنى باكية بحرقة: بقولك دا قالى يا واطيه وإنه بيكرهنى يعنى شكله كدا بايع وكل شئ إنتهى منار مستنكرة: لأ طبعا الكلام دا مش مظبوط وعمره ماهايحصل ثم إستطردت بجديه: أولا دا ميدلوش الحق إنه يجرحك بالشكل دا؛ ثانيا إنتى عارفه ساعة الغضب بيعمى البصر ويندفع اللسان وإنتى عارفه فيه ناس بتخرب الدنيا بلسانها لكن اللى فى قلبها حاجة تانيه ثالثا ودى أهم حاجه إنه بيحبك ومش هيقدر يبعد عنك وزمانه هيتجنن دلوقتى أكتر منك كمان رابعا بقه مش عايزه أشوفك بالضعف دا إحنا داخلين على إمتحانات ولازم تتماسكى وتبقى أقوى من كدا
لبنى باكيه بأسى هامسه بحياء ومطرقه رأسها لأسفل: خايفه أوي يبعد عنى وهو فاهم غلط اللى شافه دا منار بحزم: أنا مش قلتلك متخافيش أنا عايزاكى تجمدى كدا وماتخليش أى حاجة فى الدنيا تكسرك مش عايزه أشوفك ضعيفه كدا فاهمه لو شافك ضعيفه كدا هيجي عليكي أكتر فاهمه لبنى وهى تمسح دموعها الساخنه بظهر أناملها الصغيرة: طب أعمل إيه يا منار مش عارفه أفكر خالص وكل ماأفتكر صوته وهو بيقولي إنى واطيه وبكرهك بأحس إن كل اللى بينى وبينه خلاص إنكسر وإنه ماسابليش فرصه حتى أقدر أسامحه منار بجدية مصطنعه لتخفيف حدة الحزن عند لبنى: أنا كل اللي مزعلني فى الموضوع دا وقاهرنى كيس الشيكولاته اللي رماه من إيده نفسي أعرف مين اللى خده ضربتها لبنى على كتفها وبإبتسامه صغيرة مغتصبه: هو ده اللي فارق معاكي ياكلبه منار بحنو: أيوه كدا عايزه أشوف الإبتسامة الحلوه دي وكله هيبقى تمام بإذن الله واللى إنكسر هايتصلح مر يومان لم يحدث فيهما جديد كان يقف أمام المحل أول مرة منذ يومين؛ وجدها تمر أمامه فى طريق عودتها مع زميلاتها نظر بإتجاههم بحذر لعدم لفت نظرها فلفت نظره؛ نظرة الحزن التى ملأت عينيها لينا بمكر: إنتو متخانقين ولا إيه همت لبنى بالكلام بعد أن تبادلت النظرات مع منار مستنجده بها والتى أشارت إليها غامزه بعينها بعدم الرد منار مبتسمه بتصنع: شادين مع بعض شويه ياحبيبتى زي أي إثنين مرتبطين بيدلعوا على بعض يعنى. وفى نفس اللحظة التى نظر إليهم إلتقتا أعينهما فكانت عينيها بدون وعى منها تستعطفه وتستجديه السماح وعينيه يرميانها بسهامه الناريه ثم أشاح بوجهه عنها فلاحظت منار ذلك فرق قلبها لصديقتها فألقت بذكاء بنكته عليهم جعلت لبنى تضحك ضحكة آسرة من قلبها فوصل إلى أذنيه صوتها مجلجلا ضاحكا فإلتفت إليها بسرعة وقد إشتعل وجهه إحمرارا ونهشت الغيرة قلبه فنظر إليها بغضب وإلتقت عيناه بعينيها الضاحكتين مرة أخرى ولأنها كانت تفهم نظرته جيدا أحست بسهام غيرته الناريه تكاد تنطلق من عينيه لتصيب قلبها الصغير والذى أخذ يدق بسرعة متخبطا بين جنبيها صارخا متألما من قسوته وجبروته التى لم ترحم براءتها دخل المحل بسرعة وهو في حالة غضب شديد همست إليها منار ناظرة إليها بطرف عينها بمكر: عرفتي بقه ياحبيبة قلبى إنك إنتي اللي فى القلب فأومات برأسها شارده ولكنها لم تنسى إشاحته بوجهه عنها مما أوجع قلبها
دخل مكتبه شاردا وألقى بنفسه على الكرسي وهو يحدث نفسه "معقول لسه بحبها؛ طب إزاي بعد اللى حصل واللى شفته لا لا أكيد بس بأحن للماضي؛ فينك ياعمرو ". وتذكر مافعله مع عمرو منذ يومين وكيف ذهب ولم يعد إلى المحل منذ ذلك اليوم
دخل البيت كالعادة يعترى وجهه الغضب ينظر للاشئ زائغ العينين وكل ما يشغل باله ماحدث اليوم ولماذا أحس قلبه بالغيرة عليها لضحكها بصوت عالى فى الشارع بعد كل ماحدث وعند دخوله البيت إستوقفته نور بحزم: غمر بيه ضغط قبضة يده بقوة حتى إبيضت يديه فهو فى حالة لا تسمح له بحديث أو تبرير تصرفاته إلى أى أحد أيا كان حتى ولو كانت جدته نور بغضب: بقالك يومين داخل خارج ولا كأنها تكيه غمر بوجه جامد وقد ضاق صدره ولكن محاولا إخفاء مشاعره: خير ياماما نور وهى تجلس: يعنى لا بتسأل في حد ولا كأني عايشه معاك في بيت واحد فى إيه ياولد؛ أول إمبارح فضلت أتصل بيك ومردتش عليا؛ حتى لما رجعت ماهانش عليك حتى تقولي ياستي كنت مش عارف أرد؛ ولا بتنزل تاكل معايا ولا تفطر معايا حتى السؤال ماعنتش بتسأل؛ إيه خلاص ياغمر معدتش موجودة معاك غمر محاولا تمالك نفسه وإخفاء غضبه: ماما معلش لما أروق نتكلم عن إذنك وإنصرف بسرعة أحست بالغضب لأنه يخفى شيئا عنها جعله مهموما هكذا
صعد إلى غرفته وجلس على طرف سريره وظل يلهو بهاتفه فظهر ملف الصور به فظهرت صوره لها كان قد إلتقطها لها في ذلك اليوم ياله من يوم كان يمكن أن يكون من أجمل أيام حياته ولكنه أصبح الأن من أسوأ أيام حياته التى مرت به كانت تظهر فى الصورة تضحك ضحكتها الساحره الآسرة وتعلو وجهها براءة طفوليه جميلة أخذ يتأمل وجهها الملائكى ويسأل نفسه " مستحيل مستحيل صاحبة الوجه الملائكى البرئ دون تصنع أوخداع ممكن تخون مش ممكن..مش ممكن " وأحس بأن رأسه ستنفجر من صراع قلبه وعقله. فقلبه يحدثه ببراءتها وإستحالة خيانتها وعقله لايتذكر إلا ما رآه وقد سلط عليه شيطانه يوسوس له بوساوس وأفكار وخيالات شيطانيه وحين وجد قلبه له الغلبه فى هذا الصراع صور له شيطان عقله ماحدث ووضعه أمام عينيه وتذكر ماحدث تصاعدت الدماء برأسه وقبض على الهاتف بيده ولم يدرى إلا وهو قاذفا به فى إتجاه المرآه مهشما لها ومحولها إلى فتات وكأنه أراد أن يحطم كل شئ إلى فتات كعلاقته بلبنى التى تحطمت وتناثرت أشلاءها تذروها الرياح فزعت نور لصوت حطام المرآه وخرجت من حجرتها متجهه إلى حجرته هاتفه: في إيه ياغمر غمر بهدوء: مفيش كنت متعصب ورميت الموبايل فاتخبط فى المرايه نظرت له نور بغضب وهو مطرقا رأسه لأسفل ورمقته بنظرة نارية: والله عيل وماعندك دم ياريتك كنت عايش يانصر كان زمانه كسر لك دماغك ثم خرجت وصفقت الباب وراءها بقوه وهي خارجه من الغرفه متمتمة بكلمات غاضبه ألقى بجسده على سريره محاولا النوم وكأنه يهرب من واقعه وحياته متمنيا أن يكون كل مايحدث ما هو إلا كابوس وسيصحو منه ولم يبال أنه ينام دون تغيير ملابسه
كان مستلقيا على الأرض العشبيه يتأمل السماء بزرقتها الصافيه ليجد أمامه فجأه شبح فتاه تجرى بفزع من على بعد ولا يستطيع أن يتبين ملامح وجهها وفجأه صرخ: " دى لبنى إيه اللى جابها هنا ". وجدها متجهه إليه مهروله فزعة وهى تشير إليه مستنجده وهاتفه بإسمه: غمر ..غمر إلحقنى ياغمر وكان فى أثرها حيوان يشبه الذئب وهو يحدث نفسه: " إيه الحيوان دا ...دا ديب فعلا " عندما وصلت إليه حاولت التعلق به لينقذها من هذا الذئب المفترس ولكنه وقف يشاهد ما يحدث أمامه دون التدخل لإنقاذها ومع صرخاتها المتتاليه فتح لها باب غرفه بجواره بلامبالاة لتختبأ فيها من هذا الذئب وبعد أن أغلق باب الغرفه فإذا بها تصرخ وتهتف بإسمه مرة أخرى وعندما فتح باب الغرفه وجد حيه رقطاء وقد إنقضت عليها لتلدغها فى يدها لدغه أفقدتها وعيها وعندما هم لإنقاذها وهو صارخا يناديها: لبنى ..لبنى؛ وجد نفسه يهب مستيقظا جالسا على سريره فزعا وقد تصبب وجهه وجسمه كله عرقا وكأنه كان يجرى بالفعل وأحس بأن حلقه قد جف ويحدث نفسه وكأنه يهذى: " لبنى ..لبنى ... دا كابوس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
نهض من فراشه متجها إلى الحمام وقام بالإغتسال والتوضأ وأقام فرضه ونزل فوجد جدته تتناول فطورها غمر بحزن: صباح الخير يا ماما نظرت له بضيق ولم ترد عليه نور بحزم: صباح ... يا صباح إعمليلي القهوه بتاعتي صباح: حاضر ياحاجه غمر وبمحاولة منه لإسترضائها: خليكي ياصباح وأنا هاعملها أنا نور بحزم: سمعتي قلت إيه ياصباح صباح: حاضر ياحاجه أنهت فطورها ونهضت متجهه إلى غرفتها فصدمته في كتفه ومرت وكأنه غير موجود أحس بالإهانة فخرج صافقا الباب خلفه في ضيق وصل المحل ثم غير رأيه ودخل محل عمرو غمر: أستاذ عمرو فوق يانهله نهله: أيوه يافندم صعد لمكتب عمرو وإستأذن للدخول ثم دخل كان عمرو مستغرقا فى مراجعة بعض الفواتير عمرو دون أن ينظر: في حاجة ياأحمد غمر بنفاذ صبر: أنا مش أحمد نظر عمرو لغمر بسخرية: أهلا بالبيه اللي مش طايق نفسه غمر: بلاش تلقيح كلام وميبقاش قلبك أسود بقه عمرو: أنا برضه اللى قلبه أسود؟ إترزع أقعد ياأخويا غمر وهو يجلس: أترزع هو إنت تقولي إترزع وستي تقولي ياريتك يانصر كنت عايش علشان يكسرلي دماغي بقيت الملطشه بتاعكم دلوقتى عمرو: أكيد عملت مصيبة زى عوايدك علشان تقولك كدا وبعدين إيه القرف اللي إنت لابسه ده فين اللبس الجديد ومين اللى كسر شاشة موبايلك كدا شكلك كدا مش مطمنى وعامل عمله سوده غمر: بالراحة عليا ياعم كرومبو إنت واحدة واحدة هو في إيه أنا هاطير سؤال سؤال ماأنا مرزوع معاك أهه عمرو: طيب ياأخويا هو دا اللي إنت فالح فيه لسان مترين عايز قصه غمر: هو أنا ليه حاسس إني قاعد مع ستي إنت إتعلمت منها ولا إيه عمرو: الله يكون في عونك ياستي غمر بحزن: ستك هاين عليها تكسر البيت باللي فيه علي راسى بس معاها حق عمرو بأسي: ليه كدا بس إنتم إتخانقتم تاني إنتم لحقتم تتصالحوا غمر بأسي وحزن مفاجئا: أنا سيبت لبنى عمرو بهدوء: ماأنا عارف غمر بدهشه: عرفت منين هي جاتلك عمرو بهدوء وهو يسند ظهره على الكرسي: لأ بس منظرك باين عليه البؤس نظر غمر إلى الأرض بحزن شديد:...
عمرو: ليه ياغمر عملت كدا غمر بغضب: لما أطلع ألاقي واحد واقف جنبها وكأنها فى حضنه والهانم إبتسامتها ماليه وشها متصور يعنى أعمل إيه عمرو بهدوء: وبعدين إيه اللى حصل غمر: سيبتها ومشيت وإتصلت بيا كذا مرة ولما رديت عليها فى الآخر إستطرد متلعثما: قلتلها ...قلتلها عمرو: قلتلها بكرهك ومش عايز أشوفك تاني صح غمر بغضب: عرفت منين مش ممكن؛ تبقى جاتلك أكيد وإنت مش عايز تقولى عمرو: قسما بربي لا جت ولا كلمتنى بس توقعت رد فعلك سكت غمر قليلا وقال مترددا: وقلتلها كمان إنتى واطيه عمرو مذهولا: كمان يا نهار ملحوس ومدهون أزرق هدأ غمر قليلا ليلتقط أنفاسه: فضلت ترن طول الليل عملت ليها بلوك من على الفيس وحطيت رقمها بلاك ليست عمرو بغضب: مافيش فايده فى تهورك دا مش هايتنهي أبدا هاتفضل طول عمرك عصبي ومتسرع وغلاط كمان قلتلك قبل كدا لبنى غيرنا وتعاملك معاها يبقى غير تعاملك معانا ودايما تسمع اللى يقولهولك قلبك مش الطوبه اللي في دماغك لم ينطق بكلمه وظل مطرقا رأسه لأسفل لا يجد مايرد به عمرو بغضب: مش عارف تنطق صح؛ فالح بس تهد الدنيا وتخربها كلها في لحظه؛ فعلا ياريت عمي نصر كان عايش كان كسرلك دماغك دى غمر: عايزني أطلع من السوبر ماركت أشوفها كدا كنت متصور أفهم إيه وأعمل إيه يعنى صمت الاثنين قليلا
عمرو بضيق: طب سألتها عن اللى حصل دا سببه إيه؛ سمعت دفاعها عن نفسها غمر: لأ طبعا أكيد كانت هاتكدب ومش هاتقول الحقيقة عمرو بأسي: فكرت ساعتها تقرب منهم وتشوف إيه اللى بيحصل مش يمكن كان اللي واقف معاها ده ماسك ليها مطوه ولا أى سلاح ولا بيهددها؛ طب خدت بالك من شكل لبنى مش جايز كان مخوفها إنت شفتها الأيام اللي فاتت دى لو واحده بتلعب بيك هيبقى شكلها كدا خدت بالك من السواد اللي تحت عنيها غمر بغضب: مش عايز أسمع سيرتها أنا كل ماأفتكر منظرها أبقى هاين عليا أخنقها عمرو بأسف: يبقى اللي في دماغك مش هيتغير؛ عموما ياغمر لبنى ناقص على إمتحانها فترة مش كبيره لو الفترة دى عدت من غير ما تصالحها أو تسمع منها وتفهم إيه اللى حصل قسما بربي هتسقط وساعتها هي اللي هتنهي اللي بينكم وإبقى خللي عقلك ينفعك قام غمر من مكانه ينوي الرحيل عمرو: على فكره إنت بتحبها وهتفضل تحبها طول عمرك فبلاش تكابر وكفايه تقسى على نفسك وعليها أكتر من كدا دى مش حملك خرج من المكتب بل من المحل متجها إلى محله شاردا فإستصدم بشخص أثناء دخوله معه فى نفس الوقت فنظر إليه ليعتذر له فوجدها لبني ولأول مره يراها منذ ذلك اليوم؛ نظر إليها فوجدها كما قال له عمرو دامعه العين وحول عينيها الجميلتين هاله سوداء من قلة النوم وقد أصاب جسدها الضعف من قلة التغذيه لمح عبره شاردة وقد إنسابت على وجنتها التى إصفر لونها لبنى بإستعطاف وعيون ملأها الحزن: ممكن تسمعني ياغمر علشان خاطرى مرة واحده ومش هاتشوف وشى تانى أغمض عينيه وتذكر ماحدث ذلك اليوم فرمقها بنظرة غضب وإحتقار وتركها وذهب وإصطدم كتفه بكتفها بقوة فشعرت بهوانها عليه وضعفها أمام نفسها فإنسابت دموعها بغزارة صعد مكتبه ونظر من نافذة مكتبه فوجدها مازالت مكانها ووجدها تمسح دموعها ثم ذهبت وكانت تمشي على مهل
جلس على مقعده ينظر إلى لاشئ وتذكر الكابوس وربط بينه وبين كلامه مع عمرو من هذا الذئب الذى كان يطاردها فى الحلم أهو نفس الشخص الذى كانت تقف معه أكان يهددها وعندما هتفت باسمى كانت تستنجد بى وما هذه الحية التى أدخلتها إليها ولدغتها أخذ رأسه فى الدوار لايعلم أين الحقيقة أهى بريئه أم هو الذى يبحث لها عن مبرر وفجأة هب واقفا وقرر الذهاب ذهب إلى الجراج وأخذ سيارته وذهب إلى أكثر مكان يستعيد فيه هدوء أعصابه وتهدأ نفسيته جلس عند قبر أبيه بعد أن قرأ له الفاتحة ودعا له أخذ يتحدث إلى أبيه بحزن: كلهم بيقولوا ياريتك كنت عايش علشان تكسرلي دماغي مش إنت دايما اللى كنت بتقولي إن دماغنا واحدة كان نفسي تكون موجود معايا أنا تايه أوي ومش عارف أعمل إيه ومش عارف أنا اللى ظالم ولا اللى مظلوم هل أنا الضحية ولا الجانى صحيح أنا شفت بعنيا بس فيه حاجة جوايا بتقولى إنها مظلومه ومش ممكن اللى زيها يغلط وهو فيه ملايكة بتغلط نفسى أصدق قلبى وأكدب عنيا مش قادر أعيش من غيرها يابابا حياتي رجعت سودا تانى من غير ضحكتها؛ صحيح هي صغيرة بس ساعات كدا بأحس إنها أكبر مني لما بتتكلم بعقلها أكنها أختى الكبيرة لما بتخاف عليا أكنى إبنها لما بتغيرعليا وتهتم بكل تفصيله في حياتي أكنى حياتها كلها وإنى ملكها هى لوحدها؛ مخنوق من جوايا أوي مش عارف أعمل إيه إزاي أبعد عنها وهى الهوا اللى بتنفسه وإزاى أسامحها بعد اللى شفته إزاي بس وشوقى لها بيدبحني كل يوم وأنا بعيد عنها
والحلم اللى حلمته دا إيه إنذار بإنى ظلمتها ولا مجرد كابوس قابلتها النهارده ومقدرتش أستحمل دموعها وحالتها اللى كانت صعبه وكنت هاقولها سامحينى بس قسيت يابابا قسيت عليها زي ماهي قسيت عليا جاءه من الخلف صوت أنثوي ناعم: بتحبها أوي كدا طيب ليه بتعذب نفسك إلتفت غمر إلى مصدر الصوت ونظر له في دهشه