رواية الشيخ و المراهقة للكاتبة سارة علي الفصل الخامس
دلف فارس الى غرفته وهو يجر لمار وراءه... اغلق باب الغرفة ثم دفعها بقوة على السرير لتسقط عليه... اخذ يسير داخل الغرفة ذهابا وايابا وهو يضع كفي يده على خصره بينما اعتدلت لمار في جلستها واخذت تتابعه بقلق وتوجس... التفت فارس اليها اخيرا وقال بنبرة عصبية مجنونة: ماذا افعل بك؟! أخبريني... ارتعش جسد لمار خوفا من غضبه الواضح لتهمس اخيرا: ماذا فعلت انا؟! رد فارس بنظرات مشتعلة:.
لم تفعلِ شيئا فقط تصرفتي كطفلة صغيرة، فضحتي نفسك وفضحتيني امام الجميع... انا اسفة، ولكنني كنت مشتاقة لوالدتي كثيرا... اقترب منها فارس وانحنى امامها مركزا عينيه على عينيها هاتفا بنبرة قوية: اعتذارك لا يكفي يا لمار، اسمعيني جيدا، تعقلي يا فتاة، تعلقي والا فأنني سأتصرف معك بطريقة لا تعجبك... ابتلعت لمار ريقها بخوف بينما ابتعد فارس قليلا عنها وقال: والان انهضي من مكانك واتبعيني... الى اين؟!
سألته بفضول وهي تنهض من مكانه ليجيبها: الى غرفة سيف ابني، سوف تتعرفين عليه... زمت لمار شفتيها بعبوس وتبعته، وصل الاثنان الى غرفة الصغير ليجدانه نائما بعمق على سريره... لم تستطع لمار اخفاء رغبتها برؤيته فهي تحب الاطفال الصغار كثيرا، اقتربت منه بلهفة واخذت تتطلع اليه بابتسامة... انه جميل للغاية... ابتسم فارس على ما قالته وعلى نظرات اللهفة في عينيها، ثم قال: ما رأيك ان تحمليه؟! مطت لمار شفتيها بضيق:.
اخاف ان اوقعه، انه ما زال صغيرا... حمله فارس وتقدم به نحوها، اعطاه لها وقال بنبرة ذات مغزى: انت يجب ان تعتادي على حمله... حملته لمار بتردد شديد وقد اخذ قلبها ينبض بعنف، تأملته بحنان واضح ثم طبعت قبلة خفيفة على جبينه قبل ان تتجه نحو الكنبة وتجلس عليها وهي ما زالت تحمله بين يديها... جلس فارس بجانبها وقال: عديني يا لمار انك ستعتبرين سيف ابنا لك وتعاملينه افضل معاملة...
تطلعت لمار اليه بنظرات حائرة للحظات سرعان ما اختفت وهي تطالع الصغير الساكن بين يديها فقالت: اعدك... ابتسم فارس براحة ثم احاطها من كتفيها بحنو...
مرت ايام اخرى... كانت العلاقة بين فارس ولمار تأخذ منحني جيد لا يعكرها سوى تدخلات صفية التي لا تنتهي... استيقظت لمار من نومها على صوت طرقات عالية على باب غرفتها... اتجهت بسرعة وفتحت الباب لتجد نورا امامها والتي قالت بابتسامةة: صباح الخيرر... اجابتها لمار: صباح النور... ثم اردفت: تفضلي... دلفت نورا الى الداخل على استيحاء، اغلقت لمار الباب واتجهت نحوها لتقول نورا:.
هناك ضيوف في الخارج، خالتي وبناتها، وهم يرغبون برؤيتك... توترت لمار لا اراديا ثم قالت بابتسامة مصطنعة: اهلا بهم، سوف اجهز نفسي واخرج لهم... حسنا، نحن في انتظارك... قالتها نورا ثم خرجت من الغرفة لتسارع لمار بتغيير ملابسها حيث ارتدت فستان صيفي اصفر اللون وسرحت شعرها الطويل بسرعة... خرجت لمار من غرفتها واتجهت الى صالة الجلوس لتجد صفية هناك ونورا ومعهما خالة فارس وبناتها...
القت التحية ثم تقدمت من خالة فارس وسلمت عليها لترد لها التحية ببرود ثم حيت الفتيات الثلاث وجلست على الكرسي المقابل لهن... تحدثت صفية موجهة حديثها للمار: اين سيف؟! لماذا لم تجلبيه معك؟! ابتلعت لمار ريقها وقالت: اسفة، يبدو انني نسيته... سمعت لمار صوت همهمات وضحكات خفيفة جعلتها تشعر بالخجل والارتباك، نهضت من مكانها وقالت بسرعة: سوف اجلبه حالا... الا ان صفية اوقفتها بإشارة من يدها وقالت:.
ابقي في مكانك، ستجلبه الخادمة الى هنا... جلست لمار في مكانها مرة اخرى بينما بدأت صفية تتحدث مع اختها وكذلك مع بنات اختها، استمرت الاحاديث بينهن دون ان يعيرنها اي اهتمام، جاءت الخادمة بالصغير فحملته لمار واخذت تلاعبه وهي تتحاشى النظر اليهن... بعد فترا قصيرة بدأ الصغير يبكي فنهضت لمار وقالت: يبدو انه جاع، سأخذه الى غرفته حيث يتناول طعامه... سأتي معك...
قالتها نورا وهي تتجه معها الى غرفة الصغير، اقتربت نورا من لمار وقالت: لا تتضايقي منهن... ردت لمار بكذب: !انا لست بمتضايقة، بالعكس انهن لطيفات للغاية... هل تمزحين معي، من اين جائتهن اللطافة... ارتبكت لمار من حديثها بينما اكملت نورا: لقد رأيتهن وهن يتهامسن ويضحكن، لا بأس هذه طبيعتهن، لقد كن يفعلن نفس الشي مع بشرى... صمتت لوهلة قبل ان تكمل: انتبهي منهن... لماذا؟! سألتها لمار بنبرة حذرة لتجيبها نورا:.
سوف اخبرك، ولكن لا تقولي لاحد بأنني اخبرتك، ابنة خالتي الكبرى كانت مخطوبة لفارس، لكن حدثت مشاكل بين العائلتين ادت لفسخ الخطوبة، وبعدها تصالحنا لكن فارس رفض ان يعيد خطبتها واختار بشرى كزوجة له، لهذا ستجديهن يتصرفن معكِ بطريقة سيئة وغير محببة... اومأت لمار رأسها بتفهم ثم شردت في كلام نورا رغما عنها...
مساءا... دلف فارس الى غرفته ليجد لمار جالسة على السرير شاردة لم تنتبه لمجيئه بينما سيف الصغير ممدد على السرير بجانبها... اقترب منها عدة خطوات دون ان تنتبه له ايضا ليحرك يديه امام وجهها فتنتفض من مكانها شاهقة بقوة: متى اتيت؟! سألته ليجيبها بسخرية: منذ وقت كبير، لكنك شاردة ولم تنتبهي لي... اسفة... غمغمت بها بخفوت ثم قالت بعدها: لقد جاءت خالتك وبناتها وسوف يبقين عدة ايام هنا... رد فارس بجدية:.
اعلم لقد التقيت بهن قبل مجيئي الى هنا... حمحمت لمار بحلقها مصدرة صوت جعل فارس يسألها: تحدثي، ماذا هناك؟! لمار بفضول لم تستطع تخبئته: هل التقيت بريم؟! اومأ فارس برأسه واجابها: نعم، هل توجد مشكلة؟! لمار بضيق واضح: كلا، لا توجد اي مشكلة... ثم تحركت مبتعدة عنه لكن فارس اقترب منها واوقفها قائلل بتعجب: اخبريني ماذا هناك؟! لقد علمت بأنها كانت خطيبتك... ماذا؟!
صاح بها فارس بعدم استيعاب قبل ان يبدأ بالضحك عاليا بشكل اغاظها... لماذا تضحك؟! سألته وهي تعقد ذراعيها امام صدرها بغضب ليجيبها: لانني كنت قد نسيت هذا الموضوع تماما... ولكنها لم تنسَ، هي ما زالت تتذكر هذا... ومن اين علمت؟! قالها فارس وهو يعبث بخصلات شعرها لترد: هذا واضح للغاية... لمار، لا تفكري بهذا الموضوع، لقد مرت سنوات على فسخ خطبتي منها، ما لداعي لاعادة فتح موضوع قديم كهذا؟!
ثم اقترب منها اكثر وانحنى نحو شفتيها وقال: هناك مواضيع اهم يجب ان نتحدث بها... ابتعدت لمار عنه وقالت بعناد: لبس قبل ان تخبرني عن كل شيء... فارس بعدم فهم: اخبرك عن ماذا؟! لمار باصرار: عن علاقتك بريم، وكل شيء كان بينكما... هم فارس بالتحدث لكن رنين هاتفه قاطعه، حمل هاتف وتطلع الى الاسم الذي يضيء الشاشة قبل ان يضغط بزر الرفض ثم يتجه نحو لمار ويحيطها من كتفيها ويقول:.
عزيزتي لمار، هذا الموضوع انتهى منذ زمن طويل وانا لا ارغب بفتحه، كوني عاقلة ولا تفتحيه معي مرة اخرى والا لا داعي لأن اخبرك ماذا بإمكاني ان افعل... ضربت لمار الارض بقدميها وقالت بملل: تهديد، تهديد، كل شيء لديك بالتهديد... ابتسم فارس على منظرها ثم قال: تبدين جميلة حينما تتعصبين... ارتبكت لمار خجلا بينما قال فارس بنبرة خبيثة: انا اشعر بالنعاس، ما رأيك ان ننام؟! الا ان لمار كان لها رأي اخر:.
يبدو انك نسيت ان سيف ما زال مستيقظ... زفر فارس انفاسه باحباط وقال: اذا لننتظر سيف حتى ينام...
رواية الشيخ و المراهقة للكاتبة سارة علي الفصل السادس
في صباح اليوم التالي... جلس فارس امام والدته وقال: خير يا ست الكل؟!اخبرتني الخادمة انك تريدنني... كل خير يا بني، اريد ان احدثك في موضوع مهم قليلا... قطب فارس حاجبيه متسائلا بحيرة: موضوع ماذا؟! تحدثي... اجابته صفية وهي تربت على كف يده: ريم... ما بها؟! هل يرضيك وضعها الحالي؟! ماذا تقصدين؟! تحدثت الام موضحة مقصدها: انها لم تتزوج حتى الان يا فارس، وهذا كله بسببك... تراجع فارس الى الخلف مذهولا:.
وما علاقتي انا بهذا يا امي؟! تنهدت الام بقوة وقالت: لا احد يقبل الزواج بها كونها مطلقة، انت تعرف طبيعة الرجال هنا، لا يقبلون الزواج بإمرأة مطلقة وإن كان عقد قران فقط.. اعترض فارس حديث والدته: ماذا تقولين يا امي؟! هل اصبحت انا السبب في عدم زواجها؟! اسمعني جيدا يا فارس، المشكلة ليست هنا فقط... إذا أين تكمن المشكلة بالضبط؟! اجابته صفية:.
ريم تعاني من مشكلة في الرحم، يجب ان تتزوج وتنجب قبل سن الاربعين، وهي في الثلاثين من عمرها، فرصتها للزواج شبه معدومة، هي من حقها ان تتزوج وتنجب اطفال... صمت فارس واخذ يفكر في حديث والدته بجدية قبل ان يقول: ومالذي يثبت لي صحة كلامك؟! شهقت الام بعدم تصديق: هل تكذبني يا فارس... فارس بسرعة: حاشا لله يا امي، لكن انا لا اثق بكلام خالتي، قد تفعل هذا فقط لاتزوج ابنتها...
خذها الى الطبيب بنفسك وتأكد من كلامها ولكن بشرط، اذا تبين ان كلامها صحيح فأنت عليك ان تتزوجها كونك السبب الرئيسي في بقائها بدون زواج الى الان... ولكن يا امي انا متزوج بالفعل... صفية باعتراض: وهل تحسب زواجك هذا بزواج، لمار مجرد طفلة لا تفهم شيئا، هي لا تصلح لأن تكون زوجة، انت بحاجة لزوجة حقيقية... فارس بعدم اقتناع: لا اعلم، قد يكون كلامك صحيحا ولكن...
جميع رجال القرية متزوجون من اثنين وثلاثة ويعيشون حياة هادئة وسعيدة، مالذي ينقصك لتفعل مثلهم؟! زفر فارس انفاسه بإحباط بينما اخذت صفية تربت على ذراعه وهي تقول: وافق يا فارس، وافق من اجلي... الا ان فارس قال منهيا الحديث: يجب ان افكر جيدا يا امي، انا لن اتخذ قرار كهذا بهذه السرعة، كما انني يجب ان اتأكد من صحة كلام خالتي وريم... كما تريد...
قالتها صفية بإمتعاض بينما تحرك فارس خارج المكان وهو يفكر في كلام والدته بجدية.
مساءا... كان الجميع يجلس على طاولة الطعام حينما تقدمت لمار منهم والقت التحية ثم جلست بجانب فارس وبدأت تتناول طعامها بصمت... كانت صفية تراقبها وهي تتناول طعامها بشرود حينما حدثتها قائلة: لمار ابنتي، ضعي الطعام لزوجك، ارى انه لا يتناول الكثير... نقل فارس بصره بين والدته ولمار التي قالت: ولما لا يضع هو الطعام لنفسه؟! ردت صفية:.
عندنا السيدات يطعمن ازواجهن بأنفسهن، ثانيا لا تردي علي، نفذي كلامي دون نقاش... زفرت لمار انفاسها بضيق ثم بدأت في وضع الطعام امام فارس الذي لم يفتح فمه بكلمة واحدة... انتهى الجميع من تناول الطعام فخرجت لمار من المكان واتجهت الى غرفة سيف... كان سيف ما زال مستيقظا حينما حملته لمار واخذت تلاعبه بصمت... لم تشعر بفارس وهو يقترب منها ويطالعها بنظرات حائرة... التفتت نحوه ما ان شعرت بوجوده ليغمز لها قائلا:.
ما رأيك ان تنيميه بسرعة وتأتين الى غرفتنا؟! ابتسمت وقالت: كما تريد، اذهب انت اولا وانا سألحق بك... بعد حوالي ساعة دلفت لمار الى غرفتها لتجد فارس غارقا في نومه وهو عاري الصدر... تقدمت منه وجلست بجانبه واخذت تهزه لكنه لم يستيقط... تطلعت اليه بإحباط وقررت ان تنام هي الاخرى، وقبل ان تنام بالفعل وجدت فارس ينتفض من مكانه ويحتضنها من الخلف قائلا بنبرة ماكرة: الى اين يا حلوتي؟! لدينا سهرة طويلة اليوم...
ظننتك نائما... رد فارس وهو يقبل رقبتها: ما زال الوقت مبكرا على النوم... التفتت لمار بجسدها نحوه ليقبلها فارس من شفتيها ثم يغرقها بين احضانه... استجابت لمار لقبلاته ولمساته حتى غرقت تماما معه في فوضى مشاعر باتت غريبة عليها وغير قادرة على تمييزها... بعد فترة ليست بقصيرة كانت لمار ممددة بين احضان فارس الذي يتمسك لها كشيء ثمين لا يعرف ماهيته لكنه لا يريد ان يخسره... فارس.. نعم...
أريد الحديث معك في موضوع مهم... تحدث... متى سأذهب الى المدرسة؟! عقد فارس حاجبيه متسائلا: أي مدرسة؟! نهضت لمار من مكانها بعدما لفت جسدها بالغطاء جيدا وقالت: هل نسيت انني طالبة في المدرسة؟! ويجب ان اذهب اليها.. وهل من الضروري ذهابك الى المدرسة؟! اومأت لكمار برأسها ليهز فارس رأسه بضيق و يقول: اعطني فرصة لأفكر في هذا الموضوع جيدا... ماذا يعني هذا؟! انت لن ترفض بكل تاكيد،!
قالتها لمار باعتراض ليرد فارس بحزم وهو يرتدي سرواله: قلت سأفكر... ثم ارتدى قميصه وخرج من الغرفة تاركا ايلها تتطلع الى اثره بإحباط...
وقف فارس في حديقة المنزل يأخذ نفسا عميقا ويفكر في موضوع ريم حينما شعر بأحد ما يقترب منه... التفتت ليجدها ريم التي اقتربت منه وقالت باستيحاء: كيف حالك؟! فارس ببرود: بخير... تنحنحت ريم قائلة بحرج: اريد الحديث معك... تفضلي... ريم بجدية: تزوجني يا فارس، تزوجني وانقذني من جحيم عائلتي... هل جننت يا ريم؟! هل وصل بك الحال ان تعرضي الزواج علي؟ انسالت دموع ريم على وجنتيها وهي تقول:.
انت لا تعرف ما اعيشه وما اعانيه، اهلي يعايروني لانني لم اتزوج حتى الان، ولا يوجد احد تقدم لخطبتي كوني مطلقة، اخواتي الاصغر مني سيتزوجن وانا سأبقى كما انا، لقد قاربت على الثلاثين يا فارس، فرصتي بالزواج انتهت، اذا لم تتزوجني فإنني سأبقى في جحيم حقيقي... وماذا عن زوجتي؟! هل نسيت بأنني متزوج؟! ردت بسرعة:.
لمار سأعتبرها أخت لي، كما انني سأكون خير زوجة وام لابنك، ثق بي يا فارس، وانا اعدك بأنك لن تندم على هذه الزيجة... تطلع اليها فارس بتفكير قبل ان يهتف بها: الامر ليس بهذه السهولة يا ريم، انا يجب ان افكر في الموضوع اولا... ابتلعت ريم ريقها وقالت: كما تشاء، كما تشاء يا ابن خالتي... ثم تحركت بإنكسار بعيدا عنه...
رواية الشيخ و المراهقة للكاتبة سارة علي الفصل السابع
دلف فارس الى غرفته ليجد لمار ما زالت مستيقظة... اقترب منها متسائلا بتعجب: لماذا لم تنامي بعد؟! اجابته: لا اشعر بالنعاس... اومأ برأسه متفهما ثم جلس بجانبها على الكنبة يفكر في ما قالته ريم، لاول مرة يشعر بالشفقة اتجاهها، هو يفهم جيدا معاناة من تمر بنفس وضع ريم وكيف يتعامل معها الجميع، لكن ماذا عن لمار؟! كيف ستتقبل شيء كهذا؟! بالتاكيد لن تتفهم موقفه...
استغرب من الإتجاه الذي اتجهت اليها افكاره، هل يعقل انه بات يفكر بلمار وردة فعلها؟! منذ متى وهو بهتم بزوجته؟! كيف يفكر بها وبردة فعلها؟! لم يكن هكذا، لطالما تعامل مع نشوى وكأنها شيء غير مرئي، لم يمنحها اي اهمية في حياته، ولم يفكر يوما في مشاعرها، لماذا اذا يفكر بلمار وردة فعلها ومشاعرها؟! افاق من افكاره على صوت لمار تسأله بإلحاح: هل فكرت بامر المدرسة؟! زفر انفاسه بملل من إلحاحها:.
يا لمار لقد اخبرتك بأنني سأفكر في هذا الامر... اشاحت وجهها بعيدا عنه بضيق ليزفر انفاسه بقوة مرة اخرى ويقول: حسنا اذهبي الى المدرسة، طالما هذا الامر يهمك الى هذا الحد... حقا؟! سألته بعدم تصديق ليومأ برأسه لتقفز من مكانها ببهجة غير مصدقة لما قاله قبل ان تحتضنه بقوة وتقبله من وجنته وهي تصرخ بسعادة: شكرا، انت رائع... ولا اراديا ابتسم فارس وهو يتابعها...
مرت الايام وبدأت لمار بالذهاب الى المدرسة... كانت تلك اسعد اوقاتها التي تقضي بين اسوار المدرسة فهي تحب الدراسة كثيرا وتتفانى بها دائما... في احد الايام كانت لمار تجلس في غرفتها تذاكر دروسها حينما شعرت برغبة كبيرة بالتقيؤ... ركضت بسرعة نحو الحمام الملحق بغرفتها واخذت تتقيء وتفرغ ما يوجد بجوف معدتها...
دلف فارس الى داخل غرفته ليجدها تخرج من الحمام وهي تستند على الحائط بيدها بينما تضع يدها الاخرى على بطنها، ركض فارس بسرعة نحوها واسندها واجلسها على السرير قبل ان يسألها بقلق: ما بك لمار؟! هل انت بخير؟! هزت برأسها نفيا قبل ان تجيب: كلا، لست بخير... بماذا تشعرين؟! سألها بحيرة وخوف لتجيبه بألم: ألم قوي في معدتي... ثم اكملت ببكاء: خذني الى الطبيب ارجوك...
وبالفعل اخذها فارس الى الطبيب الذي فحصها بحذر قبل ان يقول: اظن ان المدام حامل، لنقم بتحليل الدم ونتأكد من حملها... جحظت عينا لمار بصدمة ووضعت كف يدها على بطنها لا اراديا بينما اتسعت ابتسامة فارس فرحا... طبعا، سنقوم بالتحليل فورا... قالها فارس وهو يتجه بلمار المصدومة الى مركز تحليل الدم...
جلست لمار بعدها بجانب فارس دون ان تنطق بكلمة واحدة، كانت تنتظر النتيجة برعب، فكرة ان تكون حامل ترعبها بشدة، لماذا لم تأخذ احتياطاتها؟! كيف نسيت شيء كهذا؟! بعد فترة ليست قصيرة ظهرت التحاليل التي تؤكد حمل لمار... كانت فرحة فارس كبيرة بهذا الخبر السعيد، عكس لمار التي كادت ان تبكي من شدة الصدمة... عادا الى المنزل ليجدا صفية تستقبلهما بالزغاريط، احتضنت صفية لمار وهي تهتف بحب: مبارك، مبارك لك حبيبتي...
كما انها احتضنت فارس وباركت له... باركت لهما رؤية ايضا والتي لاحظت وجوم ملامح لمار ولكنها لم تعلق بشيء... استاذنت لمار منهم وذهبت الى غرفتها بينما جلس فارس بجانب والدته السعيدة بهذا الخبر لتهمس لها رؤية: هل رضيت على الفتاة الان يا امي؟! ابتسمت الام وقالت براحة: الحمد لله، لقد انتظرت هذا الخبر طويلا... ربتت رؤية على كف يدها قبل ان تحتضنها بسعادة...
دلفت لمار الى غرفتها لتنهار على سريرها باكية... ظلت تبكي كثيرا، تبكي حظها العاثر الذي اودى بها الى هنا، لم تتخيل يوما ان تحمل وتصبح اما في سن كهذا، هي ما زالت صغيرة على شيء كهذا... شعرت بشخص ما يقترب منها فرفعت بصرها لتجد فارس يطالعها بنظرات مستغربة قبل ان يسألها بقلق: لماذا تبكين؟! هل حدث شيء ما؟! اومات برأسها دون ان ترد ليجلس بجانبها ويسألها بلهفة: لماذا البكاء صغيرتي؟! اخبريني...
ابتلعت ريقها وهي تجيبه بتردد: لا اريده، لا اريد هذا الطفل... ماذا يعني لا تريدنه؟! سألها مدهوشا قبل ان ينفعل غاضبا: ماذا يعني لا تريدنه؟! هل جننت؟! نهضت من مكانها وقالت: انا لم اجن، انا ما زلت صغيرة، ألا تفهم؟! كيف سأنجب واصبح ام في سن كهذا؟! اخبرني بالله عليك... نهض فارس بدوره واقترب منها قائلا: انت امرأة متزوجة يا لمار، ومن الطبيعي ان تنجبي وتصبحي ام... هزت رأسها نفيا بعنف وقالت: انا لا اريده، افهم هذا..
لقد بات أمرا واقعا، لا مهرب منه.. سأجهضه... قالتها بجنون ليقبض بكف يده على ذراعها ويهزها بعنف قائلا بملامح غاضبة: اخرسي، اذا كررت ما قلته فسوف اقتلك، هل فهمت؟! اقتلني، اقتلني فهذا افضل من أن اعيش هكذا... رددتها بحزن كبير ليبتعد فارس عنها وهو يقول بعدم تصديق: يبدو ان الحمل قد اصابك بالجنون، ساتركك قليلا علك تعودين الى رشدك... ثم تحرك خارج المكان تاركا اياها تسقط على الارض وهي تبكي بعنف...
مرت الايام ولمار تلتزم الصمت والبقاء في غرفتها، لا تخرج منها نهائيا، حتى المدرسة امتنعت من الذهاب اليها... كانت تشعر بكآبة شديدة لما يحدث معها، تشعر بأنها محطمة... تطلعت لمار الى باب الغرفة الذي فُتح لتجد ريم تدلف الى الداخل وهي تبتسم لها... ماذا تريدين؟! اختفت ابتسامة ريم وهي تسمع سؤالها الجاف لتجيبها ببرود: جئت لاطمئن عليك... انا بخير، بإمكانك الذهاب الان...
تعجبت ريم من اسلوبها البارد والقاسي معها لتقول بحزن واضح: لمار لماذا تعامليني بهذا الشكل؟! اذا كان هذا بسبب امر زواجي من فارس، فأنا لا ذنب لي به... ماذا تقولين انت؟! اي زواج؟! ابتلعت ريم ريقها وشعرت بأنها اخطأت بما قالته فردت بسرعة: لا شيء، انا لم اقصد شيء... وهمت بالتحرك بعيدا عنها قبل ان تقف لمار في وجهها وتقول: انتظريني هنا، ماذا كنت تقصدين بحديثك؟! زواج من الذي تتحدثين عنه؟! لم يتم بعد...
لمار بعدم تصديق: هل ستتزوجين من فارس؟! لمار اسمعيني اولا، انت يجب ان تفهميني... صرخت لمار بها: افهم ماذا؟! انك ستتزوجين من زوجي؟! انا مجبرة اقسم لك... اخرسي... هدرت لمار بها قبل ان تهتف بجمود وهي تضع يدها على بطنها: اخرجي لا اريد ان اراكي... لمار هل انت بخير؟! سألتها ريم بقلق وهي تحاول لمسها لتدفعها لمار بعيدة عنها وهي تقول: لا تقتربي مني، اغربي عن وجههي...
شعرت لمار بنفس الالم يعود اليها لتصرخ اخيرا بوجع قبل ان تنهار على ارضية الغرفة.