رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن
اندفعت احدى خادمات شوق التى تثق بها الى مخدعها هاتفة فى غيظ: - شوفتى العمدة و عمايله..!؟. لم تجب شوق بحرف فهى ادرى الناس بما ينتويه زوجها الطاغية من جراء حبس ذاك المنشد الغلبان و زوجه.. و لكنها هزت رأسها ايجابا لتستطرد الخادمة فى تعجب و هى تضرب بباطن كفها على صدرها: - و هتسيبيه يعمل العملة الشينة دى..!؟. دى مصيبة كَبيرة.. و الغلابة دوول ايه ذنبهم بس..!؟. لم تتفوه بكلمة..
لكن عقلها لازال يحدثها بما يجب عليها فعله لتهتف اخيرا فى عزم: - لاااه متجلجيش انى مش هسيب حد ينكوى بنار عتمان، انى هتصرف.. ابتسمت الخادمة فى راحة و هى تدرك انه طالما اكدت سيدتها امرا فإنها ستنجزه على اكمل وجه.
دفع الخفير بكتف عبدالعزيز ليدخل الى القاعة مترنحا يحاول الثبات على قدميه التى أدماها و خشبها طول القيد و عدم الحركة و كذلك ذاك الضرب المبرح الذى ناله من الخفراء بوصاية مشددة من شيخهم و تحت إشرافه العالى و الذى جاء كأوامر عليا من جناب العمدة شخصيا.. لكنه للاسف سقط أرضا مع صرخة روح التى اندفعت من حلقها بشكل تلقائي ما أن طالعت محياه الدامى الجريح و عينه المتورمة..
اندفعت اليه فى لهفة و ذعر تضم رأسه إلى صدرها فى لوعة هاتفة بإسمه الغالى على روحها: - شيخ عبعزيز، ايه دِه، ايه اللى چرى.. عملوا ايه فيك الكفرة دوول..!؟. و اخيرا توجهت بنظراتها لعتمان صارخة بحرقة تدمى القلب لرؤية زوجها بهذا الشكل: - منك لله يا ظالم، اشوف فيك يوم يا بَعِيد.. هتروح من ربنا فين..!؟. ابتسم عتمان فى هدوء مقيت و اخيرا اندفع جاذبا إياها مبعدها عن زوجها هاتفا: - عچبنى جوى ان جلبك عليه..
بس لو جلبك عليه صح اطلبى منه يطلجك دلوجت..!؟. انتفض عبدالعزيز بقدر ما اتاحت له ألامه من سرعة فى اتجاه عتمان صارخا بثورة: - انتِ بتجول ايه يا نچس..!؟. اطلج مين..!؟، على جثتى..!؟. و ابعد يدك عنيها.. ووقف عبدالعزيز بينه و بين زوجه روح نافضا كف العمدة عن رسغها.. طلت نظرة من عين العمدة تعلن عن استمتاعه الفائق بذاك العرض المقدم أمامه..
و لكنه أبى ان ينهيه كما يريد أبطاله، بل سينهيه كما يرغب هو كالعادة ليهمس فى جزل: - يبجى انت اللى اخترت يا چربوع.. هنا ادركت روح ما يرمى اليه العمدة من كلماته.. لذا صرخت خلف عبدالعزيز الذى كان الخفر قد عادوا لداخل القاعة بإشارة من سيدهم ليصطحبوه من جديد للزريبة متشبثة بطرف جلبابه هاتفة: - طلجنى يا شيخ، طلجنى يا عبعزيز، طلجنى و روح لحالك.. ظلت متشبثة بجلبابه و بطلبها منه حتى استدار اليها فى هدوء.
هاتفا بثقة و محبة طاغية: - مش هيحصل و لو فرجتنى روحى يا روح.. هنا لم يعد لها قدرة على المقاومة لذا تركت طرف جلبابه و سقطت على الارض غير قادرة الا على النحيب بشهقات متتابعة تدمى قلب الحجر، لكن ليس ذاك القلب الذى يسكن صدر عتمان الذى مر بجوارها كأن ما يحدث لا يعنيه و ما ان هم بالخروج من القاعة حتى لحقت به روح تتشبث من جديد لكن بطرف جلبابه هو..
هاتفة فى لوعة ما ان توقف يستمع لها و هي تتفوه بكلمات غير مفهومة حاول تفسير معناها من بين شهقاتها المتلاحقة: - عشان خاطرى يا عمدة، متجتلوش.. انى موافجة على چوازنا و انى هجدر أخليه يطلجنى بس متأذيهوش لجل خاطر النبى.. استدار عتمان مواجها إياها متطلعا اليها من عليائه و هى جاثية قرب قدميه.. و لم يتفوه بحرف مما دفعها لتستطرد و هى تنحنى ملثمة حذائه: - أحب على رجلك يا عمدة ترحمه لوجه الله.
و هو هيطلجنى انى عارفة.. بس خلينى اشوفه مرة تانية و هو هيطلجنى جدامك.. اومأ عتمان برأسه موافقا و همس مؤكدا: - خلاص، جومى.. هعتبر دِه مهرك و هديله فرصة تانية بس لو مطلجكيش.. قاطعته هى فى ذعر: - هيطلج، و الله ليطلج.. انفجر عتمان ضاحكا على ذعرها الواضح و هى تجيبه و تركها ليرحل و يُغلق باب القاعة خلفه لكن ذاك الباب لم يحجب ابدا صدى تلك القهقهات الكريهة.
التى لاتزل تتردد فى ارجاء القاعة كصرخات تدمى مسامعها و تعتصر قلبها رعبا و هلعا..
أعدت العدة ووقفت على اعتاب باب حجرتها تنتظر سماع خطوات تقترب من ذاك الرواق الذى يضم حجرته و حجرات زوجاته.. تهيأت على اجمل صورة و وقفت بإنتظار صعوده.. هاهى تسمع صوت خطواته الثقيلة على الدرج صعودا و شعرت بغصة و رغبة فى إغلاق غرفتها هربا منه.
او تجنباً لمطالعة محياه الذى تمقته بشدة، لكنها ضغطت على نفسها لتنفيذ ما انتوته بينها و بين نفسها.. هاهو يطل على اول الرواق فتصنعت الدلال و تغنجت وهى تقف على اعتاب الحجرة تسند جسدها البض فى ذاك الثوب المثير بكفها على عارضة الباب و تتخصر بالكف الاخرى و ما ان لمحها حتى توقف مبهورا مقطوع الانفاس لرؤيتها بهذا الشكل كأنما تنتظره فى لهفة زوجة محبة ولطالما اشتاق هو الى مطالعة ذلك منها.
ما ان هم بالاقتراب منها مسحورا بها حتى خرجت احدى زوجاته من غرفتها و التى كانت تلك الليلة هى ليلتها فى جدول الأيام المخصصة لكل منهن، وما ان همت بمناداته الا و هتف فيها ناهرا لتعود لغرفتها و تغلق بابها فلا حاجة له بها الليلة.. و كيف يكون و هو يرى ساحرته بهذا الشكل الذى يكاد يفقده صوابه.. اقترب منها و هى لا تزل على حالها تنضح اغراءً يسكره.
حتى انه دفعها محيطا إياها لداخل الغرفة و أغلق الباب خلفه فى سرعة متطلعا اليها كجائع جاءه ما يشتهيه من طعام بغير توقع.. همس بالقرب منها بأنفاس كالجحيم رغبة وهو يطوقها بذراعيه: - النهاردة كنه ليلة جدر عشان تبجى مستنيانى، وااه يا شوج.. استنيتها كَتييير الليلة دى.. كَتير جوى يا بت الناس..
تملصت من أسر ذراعيه و هى تتوجه الى احد الأكواب الموضوعة جانبا على طاولة بزاوية نائبة من الغرفة الواسعة و حملته بدلال لتعود اليه فى تؤدة كأنها تمشى على الدخان مما أفقده البقية الباقية من تعقله و ما ان وصلت اليه حتى قدمت الكوب له هامسة: - أشرب العصير دِه، عملته بيدى ليك مخصوص.. اومأ برأسه موافقا و هو يتناول منها الكوب مشغولا بمحياها الفتان.. اكدت عليه فى غنج: - اشرب يا عتمان، و لا مش عاچبك..!؟.
و تصنعت الضيق فهتف بلهفة متجنبا أغضابها: - لاااه، كيف ما يعجبنيش و هو من يدك.. دِه شهد.. و استدار متجها الى الطاولة من جديد و هو يرفع الكوب دفعة واحدة على فمه حتى ان بعض العصير انساب على جانبى فمه.. وضع الكوب جانبا و اندفع اليها كالمجنون.. يريد ان ينهل من نبع عشقها الذى طال جفافه و اخيرا تفجر بعد طول انتظار.. تحملت بكل صبر تلك اللحظات المقيتة من قربه فى ترقب أرهقها.
و اخيرا همد و سقطت رأسه على صدرها دون سابق إنذار.. ظلت لحظات لا تقوى على شئ ثم تنبهت بسرعة لتدفعه بعيدا عنها و تنهض تضع عباءتها فى عجالة مندفعة من الغرفة كمن يتعقبها الشيطان.. و ما ان وصلت لأول الدرج حتى تحركت فى خفة تطل يميناً و يسارا حتى تتأكد ان لا احد يراها او يتعقب خطواتها و كما توقعت.. وجدت ذاك الخفير الذى يقف على باب القاعة الحبيسة بها روح نائم كالحمل الوديع.
صوت غطيطه يعلو كصافرة قطار، حمدت ربها ان خادمتها المطيعة نفذت ما اتفتا عليه و اعطته من نفس العصير الذى اعطته هى لعتمان وكان سبب في فقدانه الوعى بالأعلى.. فتحت باب القاعة ببطء و دلفت للداخل لتنتفض روح مذعورة الا ان شوق هتفت بها مطمئنة إياها: - متخافيش، انا شوج مرت العمدة..
هتفت روح متعجبة و قد تعرفت عليها فورا فقد رأتها فى الزفاف تجلس مع الحريم فى كبرياء دفعهن جميعا للنفور منها و تجنبها قدر الإمكان: - ست شوج، بتعملى ايه هنا..!؟. هتفت شوق على عجل: - مفيش وجت للحديت.. تعالى معاى بسرعة اوديكِ لچوزك و تروحوا من هنا طوالى.. هتفت روح فى فرحة طاغية: - و النبى صحيح.. اكدت شوق و هى تجذبها من كفها ساحبة إياها خلفها فى هرولة: - ايوه صحيح..
همى ياللاه جبل ما حد من الغفر اللى بره يوعالنا.. و اشارت لباب جانبى اخر للقاعة و استطردت: - هم جاعدين هناك، همى و لا تبجى مصيبة.. اندفعت روح خلفها و فتحت شوق باب القاعة الرئيسى تطل برأسها مستطلعة حتى تتأكد ان لا احد هناك و اخيرا اشارت لروح لتتبعها و اتجهتا لخارج القاعة فى اتجاه باب البيت هربا من عتمان و جبروته.. و ما ان همت بلمس مقبض باب الحرية.
حتى هتف صوت كالرعد من اعلى الدرج هز البيت الكبير هزا و جعل كل من شوق و روح تموت ألف مرة..
رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع
استفاق الشيخ عبدالعزيز من نوبة إغماءه بعد ما لاقاه على يد الخفراء و الذين تناوبوا على ضربه و كأن بينهم ثأر قديم ليتلفت حوله فى تيه قبل ان يدرك أين هو.. و ماذا حدث ليصبح بهذا الشكل المتورم.. هتف فى حنق و هو يحاول تخليص نفسه من أسر قيوده: - فكونى، تعالوا سيبونى يا ظلمة.. مرتى يا كفرة ف يد الظالم دِه، شرفى، فكوونى.. هتف احد الخفراء موبخا من خارج الزريبة: - اخرس يا جعر و احمد ربك انك لساتك عايش..
دِه لولا طيبة جلب العمدة كان زمانك مرمى ع السكة مجتول و لا محدوف ف الرياح و خلصنا من چعيرك.. صرخ فيهم الشيخ عبدالعزيز من جديد لكن بلا جدوى و كأنه يخاطب اصنام صماء.. حاول تخليص نفسه من جديد لكن لا قوة به لذلك فقد عدمها من كثرة الضرب المبرح الذى ناله.. توجه لله بقلب متضرع و عين دامعة.
و هو يتذكر روح زوجه وحيدة بين يدى هذا الجبار لا حول لها و لا قوة فتستعر النيران بين حنايا روحه نخوة و عصبية على شرفه يكاد يموت قهرا من عجزه لإنقاذ زوجته و الزود عنها و حمايتها كما يجب همس متضرعا: - ياااارب، انت الجوى على كل جوى يا چباااار.. و كأنما أبواب السماء مفتوحة على مصرعيها ليُستحاب دعاءه بهذه السرعة و يسمع صوتا مألوفا لأسماعه يناديه من خلفه الا تخاف و لا تحزن.
و يمد صاحب الصوت كفيه ليفك وثاقه فى سرعة فيستدير عبدالعزيز متطلعا لمنقذه فى تعجب هاتفا: - علام..!؟. انت ميتا جيت هنا..!؟. هتف علام ذاك المطرب الذى يجوب الموالد بحثا عن الرزق و فيها تعرف على عبدالعزيز و ربطت بينهما صداقة حميمة.. لكن منذ فترة ليست بالبعيدة لم يقابله عبدالعزيز فى اى من الموالد التى كانت دوما مقصدهما.
و انقطعت الصِّلة و خاصة بعد ما سمعه عبدالعزيز من بعض المقربين لعلام و حكاياتهم عن ذاك الحادث الذى أودى بحياة اخته الصغرى و التى وجدوا جثتها ملقاة غريقة فى الرياح القريب من هنا.. همس علام: - سمعت باللى چرى جلت لازما اجى اشوف عتمان ناوى على ايه تانى.. ياللاه بينا من هنا جبل ما حد من الغفر يدخل علينا.. استند عليه عبد العزيز واندفعا هاربين من احدى الفجوات الخفية فى حائط الذريبة..
تسللا حتى وصلا لظهر القاعة القبلية التى بها روح و انتظرا خلف احدى الأشجار يتحينا اللحظة المناسبة للانقضاض على الخفيرين اللذين يقفان الان بالباب و كأنهما تمثالان من الصخر..
كان هدير صوت عتمان الصاخب كفيل بقتل كل من شوق و روح حيتين فى موضعهما.. روح برعبها و إحباطها بسبب فشل هروبها و شوق بصدمتها به يقظا واعيا بعد ان تركته بالأعلى على فراشها جثة هامدة بسبب ذاك المخدر الذى وضعته له فى شرابه.. نزل عتمان الدرج فى تؤدة ممعنا فى ارعابهما مطيلا لحظة المواجهة بين ثلاثتهم.. و ما ان وصل الي موضعهما حتى كانت روح على وشك فقدانها وعيها فتشبثت بذراع شوق فى رجاء..
و التى اسندتها مشفقة على حالها و خاصة مع شحوبها الظاهر على محياها غير عابئة بما ينتظرها من عتمان.. الذى اقترب منها فى صفاقة غير عابئ بوجود روح هامسا لشوق فى لهجة ماجنة: - بالك انتِ..!. انى خالت عليا التمثيلية اللى عملتيها فوج دى.. لكن بجية من عجل هى اللى ردتنى و خليتك تفتكرى انى شربت العصير و جلت يا واد شوف ايه اخرتها.. بس ان چيتى للحج عچبتينى..
وجذبها اليه فى قوة ليستطرد بلهجة تقطر وعيدا: - بس مش عتمان اللى يتعمل معاه كِده.. و اللى مكلمش فوج من شوية ممكن نكملوه دلوجت، بس بطريجتى.. و اندفع كالمجنون جاذبا كرباج معلق على الحائط و طوح به فى الهواء لينزل سوطه على ظهر الارض بصوت كالصرخة جعل روح تشهق مندفعة لأحد الأركان بينما هتفت شوق بلهجة تحمل بعض من خوف تحاول مداراته: - انت هتعمل ايه يا عتمان..!؟. هتف صارخا كالمجنون.
الذى فقد السيطرة على ما تبقى له من تعقل: - هعمل اللى كان لازما يتعمل من زمن.. من ساعة ما دخلتى الدار دِه وكان المفروض أعاملك اجل من العبيد، لكن ملحوجة.. دِه هو اللى هيعدلك.. و رفع السوط للأعلى و هبط به على جسدها لتتردد صرخاتها مقترنة بصرخة روح التى فقدت وعيها بالفعل على اعتاب القاعة و التى جذبها اليها احد الخفراء بديلا عن ذاك الخفير المكوم أرضا جراء العصير المخدر.
و ألقى بها داخلها لتتكوم كخرقة بالية بلا حول و لا قوة ليعاود عتمان انتقامه من تلك المسكينة شوق هاتفا بها فى ثورة: - جولى بعشجك يا عتمان، جولى.. ونزل مرة اخرى بسوطه لتتردد صرخاتها محاولة الاختباء منه خلف المقاعد و الأرائك حتى لا يطولها، لكن ذنب ذاك السوط كان يطالها أينما ذهبت ليلهب جسدها لتهتف فى عناد وصمود جبار: - لاااه، عمرى ما هنطجها و لو فيها موتى يا عتمان.. انا بكرهك..
و بكره اليوم اللى شفتك فيه و بكره اى حاچة تاجى من ناحيتك، بكرهك، سامعنى، بكرهك.. وأمعنت فى اثارة غضبه بتكرارها كالمجنونة حتى اصبح لا يسيطر على نفسه و يطيح بالسوط يميناً و يسارا حتى اخيرا فقدت وعيها من جراء تعذيبه الذى أدمى جسدها لكنه ابدا لم يفت فى عضد اصرارها على تحديه..
رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر
تنبه عبدالعزيز و علام لذاك الصراخ القادم من داخل البيت حيث يقف كل منهما مداريا نفسه خلف الأشجار المحيطة بالبيت و انتهزا فرصة تبادل الخفيران النظرات المستفسرة بعد ان وصلهما صوت تلك الصرخات المدوية حتى ان احدهما اندفع يستطلع ما يحدث مما سهل الامر على كل من عبدالعزيز و علام لينقضا على الخفير المنتظر امام باب القاعة الخلفى.
و يجهزا عليه ويردوه فاقدا الوعى و يجذبا جسده ليخفياه حتى يعود صاحبه و يفعلا معه المثل.. لحظات و تم ما أرادا و استطاعا القضاء على الخفيرين و الولوج الى داخل القاعة فى هدوء مترقب.. و ما ان هم عبدالعزيز بالاندفاع لرؤية روح المكومة قرب باب القاعة الرئيسى حتى انفرج الباب مما جعله يتقهقهر فى سرعة محاولا الاختباء من جديد حيث كان ينتظره علام يطالع كل منهما ما يحدث مع دخول ذاك الطاغية المدعو عتمان للقاعة.
كاد عبدالعزيز يفقد التحكم فى أعصابه ويندفع اليه منتقما الا ان علام كان الأسبق ليجذبه ليسيطر على رباطة جأشه حتى تحين اللحظة المناسبة.. كانت روح قد استعادت وعيها حينما دخل عتمان القاعة و رفعت رأسها قليلا متطلعة اليه فى وهن غير قادرة على الإتيان بأى رد فعل الا الصمت المطبق و التطلع لذاك الحقير بنظرات كالخناجر تتمنى لو تقتله.. هتف فيها عتمان: - هااا، مستعدة يا عروسة..
أبعت اچيب الجعر بتاعك يطلج و نكتب على طول.. جولتى ايه..!؟. كادت ان تبثق على محياه البغيض لكنها تمالكت نفسها فهى قد رأت بأم عينها ماذا فعل بشوق حينما عارضت امر من اوامره.. صمتت و هى تبتهل لله رغبة فى الخلاص.. لم ينتظر عتمان ردها و هل لها رأى من الاساس لتفصح عنه مما دفعه ليهتف بها: - السكوت علامة الرضا يا عروسة.. و ما ان هم بالنداء على خفيره لجلب عبدالعزيز من الزريبة.
حتى انتفض علام قابضا على رقبة عتمان مكمما فيه بكفه و بالكف الاخرى يسيطر على ذراعه اليمنى التى حاول ان يخرج بها سلاحه من قلب جلبابه الا ان علام كان الأسرع بينما اندفع عبدالعزيز ملهوفا الى روح يتأكد انها بخير و التى اندفعت اليه بدورها تكاد لا تصدق انها تراه امام ناظريها حقا.. ما ان هم عبدالعزيز للعودة لعلام لمساعدته فى القضاء على عتمان و السيطرة عليه.
حتى هتف علام بإصرار: - اهرب يا عبعزيز و خد مرتك، ياللاه روح من هنا.. هتف عبدالعزيز فى إصرار: - لاااه، كيف اروح و اسيبك ف يد الظالم دِه..!؟. هتف علام من بين اسنانه فى ضيق و هو يحاول السيطرة على جسد عتمان الضخم الذى كان يزوم و يحاول التخلص من سيطرة علام على جسده و الذى كان لحسن الحظ اكثر شبابا و قوة من عتمان: - بجولك روح يا عبعزيز، انى بينى و بين النجس دِه تار و دم..
انى عرفت ان هو السبب ف اللى حصل لنرچس اختى.. روح يا عبعزيز الله يسترك و سبنى معاه نصطفل و ابعد انت و مرتك، روح بجا، روووح.. جذبت روح كف عبدالعزيز و كأنها دبت فيها القوة فجأة و اندفعا من باب القاعة الخلفى قبل ان يسمعا باب القاعة الرئيسيّة يُفتح و لكنهما لم يطلا للخلف ابدا ليعرفا من كان القادم فى تلك الساعة المتأخرة من تلك الليلة الدامية.
و لكن كل ما استطاعا تمييزه و هما يخرا عباب ذاك الحقل الملاصق للبيت الكبير مبتعدين هو صوت تلك الطلقة النارية التى اندفعت لتكون نهاية حتمية لأحداث متلاحقة فى ذاك اليوم العجيب و لكى تحثهما على الإسراع عدوا ليبتعدا قدر إمكانهما عن ذاك النجع المشؤوم..
انفرج باب القاعة الرئيسى فى نفس تلك اللحظة التى اختفى فيها كل من روح و عبدالعزيز خارج القاعة من بابها الخلفى.
ليواجه علام وحده ذاك المصير المجهول الذى ينتظره ما ان انفتح الباب بتلك القوة لتطل منه عيون بندقية ميرى كان يعتقد علام ان من يحملها هو احد الخفراء الذى ادرك الجلبة القادمة من القاعة فقرر الاستطلاع مما جعله يشدد الضغط على فم و ذراع عتمان الذى اصبح الان مع انفراج الباب اكثر عنفا ورغبة فى الخلاص من أسر علام المؤلم و الذى جعل الرعب يدب فى أوصاله على غير العادة..
و لكن علام تنهد فى راحة عندما ادرك هوية حامل البندقية و الذى لم يكن سوى شوق.. التى دخلت القاعة مترنحة قليلا تقف فى عزم رغما عن ذلك تحمل سلاح ذاك الخفير الذى كان لايزل فاقد الوعى خارج القاعة و لم ينتبه احدهم له او يتنبه انه لايزل يحتضن بندقيته و لم يتركها.. تطلع علام الى شوق فى حنين جارف دفعه اليه ذاك الشعور الذى لم يخمد منذ طالعها للمرة الاولى فى احد الافراح.
التى كان يحييها مغنيا و صادحا بصوته العذب.. كان كلاهما يكن للاخر الكثير من المشاعر التى تمنى ان تكلل بالحلال لكن عتمان كان لهما بالمرصاد ليتزوجها عنوة و رغما عن أنف الجميع لتعيش العذاب ألوان فى بيته اما علام فاندفع يذكرها فى كل حرف يشدو به يتمنى اللقاء بها من جديد.. و ها قد أتى ما تمنى على غير انتظار و لكن يا له من لقاء.. هى على جانب تحمل سلاحا.
و هو على الجانب الاخر يحمل مديته المسلطة الان على رقبة عتمان الذى كان ماثلا بينهما كما كان دوما.. هتف علام بلهفة: - شوج..!؟. هتفت بدورها و هى تغلق باب القاعة: - علام..!؟. ايه اللى جابك هنا..!؟. هتف علام فى حقد و هو يشدد أسره لعتمان الذى اصبح يئن الان ألما تحت وطأة يد علام الصلبة.
المتشربة بالرغبة فى الانتقام: -چاى اخد بتار اختى نرچس من النچس دِه، جيت اخد بتارى و تارك يا شوج، و مش ماشى الا و انى واخد روحه بيدى.. هتفت شوق بذعر و هى لاتزل ترفع البندقية موجهة لعتمان: - لاااه.. انت لاااه.. لو كان لسه فى و لو معزة جليلة ليا ف جلبك.. أوعاك تجتله أوعى يا علام.. هتف علام بحنق: - لساتك باجية عليه..!؟. هتفت شوق فى شجن: - لاااه، مبجياش عليه.. انا باجية عليك انت يا علام..
صرخ علام بصوت مكتوم: - و ايه اللى يضمن لك انه هيسبنى او يسيبك ف حالك لو سبناه دلوجت.. و كمان انا مفوتش تارى.. و هاخده منيه و لو كان دِه اخر حاچة اعملها ف حياتى.. تنهدت شوق فى حزن و هي تترنح من اثر ألمها جراء جراحها التي تحاول مداراتها هامسة: - حياتك تعز علىّ، خسارة يا علام تروح هدر.. عشان خاطرى روح و سيبه و عيش حياتك.. عيش يا علام، عيش و اتهنى و افتكرنى بالخير. وما ان هم علام بالنطق.
حتى فغر فاه عندما ضغطت شوق على زناد بندقيتها لتندفع منها تلك الطلقة النارية التى شقت صدر عتمان بصرخة مكتومة ليتثاقل جسده تدريجيا على ذراع علام فيتركه يهوى ممددا أرضا.. ظلل الصمت كلاهما و لم ينبس احدهما بحرف واحد و بينهما ذاك الجسد الذى صمت للأبد.. و اخيرا كانت شوق هى من قطع ذاك الصمت الصاخب بينهما لتهمس برجاء: - روح يا علام، روح عشان خاطر شوج.. روح و مترجعش البلد دى تانى..
و افتكرنى لما تعدى من هنا.. و جول كان ليا شوج بس الشوج ما كان ليا.. ترنحت فى وهن و كأنما فقدت قوتها التى كانت تدعيها بعد تلك الجلدات الحارقة التى نالتها من سوط عتمان مما جعله يندفع إليها مسندا إياها قبل ان تسقط أرضا و هو يهتف فيها: - مش هسيبك، هاتاجى معاى.. همست به وهى تدفعه بعيدا عنها: - لااه، معدش ينفع يا علام.. سكتنا مبجتش واحدة.. روح لو بتعز شوج، روح يا وچعى.. و دفعت به محاولة إبعاده.
لكنه تشبث بها و هى تلتقط أنفاسها في تتابع و تنظر اليه نظرة كانت تحمل الكثير من الأحلام الضائعة التي لم تتحقق و أخيرا سقط ذراعها و قد فارقتها روحها كما تمنت منذ اللحظة الأولى التي رأته فيها.. رحلت بين ذراعيه..