logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .






look/images/icons/i1.gif رواية صاحبة السعادة والسيد حزن
  10-01-2022 12:14 صباحاً   [7]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

جلست جواره تحتضن (بؤجتها) على تلك المقاعد الخشبية لقطار الصعيد الذي غادر في تمام الواحدة بعد منتصف الليل..
كان الطقس باردا وخاصة في مثل تلك الساعة ومع وجود النوافذ الخشبية المتهالكة والغير قابلة للإغلاق كان الامر اشبه بالوقوف في وجه ريح عاصفة..
انكمشت على نفسها مشددة احتضان كفيها للبؤجة تستمد منها دفئا وقد استشعر ارتجافاتها قربه فهمس في اهتمام: - شكلك بردانة!؟، معلش..

وحاول ان يتعامل قدر الإمكان مع تلك النافذة الخشبية التي تجاورهما ليخفف من ذاك الهواء البارد الذي يندفع منها ناخرا عظامهما لكن بلا طائل..
ربتت على كتفه تستوقفه ليكف عن المحاولة وما ان سكن جوارها حتى أسندت رأسها على كتفه وراحت في نوم عميق فابتسم في فرحة ولم يحرك ساكنا فاغفائها افضل حتى لا تستشعر مشقة الطريق وطول المسافة..

تململت على كتفه وأخيرا انفرجت عيناها على جانب وجهه المنحوت كما تمثال من عقيق اسمر وكذا شاربه المهذب فوق شفتاه اللمية..
تنبه لأستيقاظها فاخفض الطرف اليها لتبتسم في محبة وترفع رأسها عن كتفه الذي ما شعر بثقل رأسها قط..
تطلع اليه احد المسافرين وأشار لربابته هاتفا: - ما تدج لنا شوية يا واد عمي، السكة لساتها طويلة..

ابتسم حزن متطلعا اليها وقد اومأت برأسها في استحسان للفكرة فاحتضن ربابته وبدأ في العزف والغناء منشدا: -
يا وابور الساعة ١٢ يا مجبل ع الصعيد..
عبادي يا واد عبادي، كرباچك ع الهچين..
سلم لي ع الست بهية اللي حبت ياسين..

ليهتف بعض المسافرين معه مع التصفيق: -
عبادي يا واد عبادي، كرباچك ع الهچين..
ليشدو هو مستمتعا: -
يا وابور الساعة ١٢ يا مجبل ع الصعيد..
خبريني يا بهية ع اللي جتل ياسين..
ليهتف الجمع: -
عبادي يا واد عبادي، كرباچك ع الهجين
ليرد في حماسة مع إيقاع ربابته: -
جتلوه السود عيوني من فوج ضهر الهجين..
ليردوا: -
عبادي يا واد عبادي، كرباچك ع الهچين..

استمر الشدو والغناء، والمسافرون ما بين مردد اومصفق لتلك الأنشودة الصعيدية التي تغنت دوما
تصف حكاية بهية وياسين بكل تفاصيلها..

وصلوا لتلك المحطة المتواضعة التي ما ان توقف عندها القطار للحظات حتى اخذ بكفها جاذبا إياها خلفه ليترجلا منه..
تطلعت حولها لا تدرك اين هي بالضبط فما كان حولها الا رصيف المحطة المتهالك واتساع من الأخضر على مدد البصر..
تركها تستطلع المكان للحظات وأخيرا همس في محبة: - معلش السفر طويل وبلادنا بعيدة..
همست تستفسر: - لسه فاضل كتير!؟.
اكد هاتفا: - لااه، نچعنا جريب من هنا..

هبطا للطريق الترابي وسارا بعض الوقت جنبا الى جنب واضعا ربابته التي كان الفضل في استرجاعها من حجرتهما لصبي الشيخ صالح لسرة ملابسها حاملا إياها..
مضى بعض الوقت وما من امل في الوصول الى مبتغاهما حتى هل رجل يقود عربة (كارو) يجرها حمار وخلف الرجل بعض من أحمال البرسيم..
أشار اليه حزن طالبا في أريحية: - السلام عليكم، خدنا معاك ف طريجك يا واد عمي..
هتف الرجل في ترحاب: - اتفضلوا، على فين العزم!؟.

هتف حزن وهو يتجه بسعادة للعربة: - نچع مچاور..
هتف الرجل: - ده ف طريجي..
ظلت نظرات الرجل صوب الطريق تاركا حزن يتعامل مع سعادة التي لم تستطع اعتلاء سطح العربة ليمد كفيه محتضنا خصرها دافعا بها لتصعد جالسة على طرف العربة ويقفز هو جالسا جوارها وما ان انتهى حتى ربت على كتف الرجل محفزا: - ياللاه توكل على الله..
اصدر الرجل صوتا بفمه ليستجيب حماره ملبيا النداء في تلقائية..

كانت العربة تسير الهوينى على ذاك الطريق الغير معبد تاركة محطة السكة الحديد خلفها مكملة طريقها وعلى جانبيها تظهر الحقول الخضراء الممتدة حتى ذاك الجبل الشاهق هناك، وعلى الجانب الاخر تمتد ترعة بطول الطريق تتلوى لتتسع تارة وتضيق تارة أخرى..
اخذ حزن الحنين لتلك الأرض التي كان يعتقد عندما غادرها يوما انه لن يشتاق لها ابدا لكن هاهو يعب من ريحها العبق برائحة الثرى الندي..

وينتشي لمرآى السنابل الخضراء تتراقص في اغراء مع هبات النسيم التي تميل للدفء في هذا الوقت من النهار وبهذا الفصل من العام..
هتف الرجل مخرجا حزن من غياهب الخواطر والذكريات: - وصلنا يا واد عمي..
تطلع حزن لذاك الجسر الممتد للطرف الاخر من الأرض فوق الترعة والذي يفضي لمدخل النجع وبدأ قلبه في الخفقان بقوة حتى انه ظل موضعه لم يتزحزح وهو يتطلع الى حيث يجب عليه الذهاب..

تنبه انه اطال البقاء دون أي رد فعل وقد استشعرت سعادة اضطرابه فوضعت كفها فوق كفه المتشبثة بحافة العربة الخشبية تستحثه على النزول ليفعل مساعدا إياها كذلك على النزول حاملا متاعهما ليبدأ رحلة المسير تجاه الجسر وسعادة جواره في طريقهما لداره..

توقف حزن على اعتاب الدار المبنية بالطوب اللبن وتوقفت سعادة بدورها خلفه تحترم صمته واستشعاره الرهبة لامر لا تعلمه، جال بناظريه في أنحاء الدار يتذكر كل ما كان لدرجة انه يكاد يستمع الى صوته صارخا وهو يتلقى الصفعات من امه التي لم تكن تكف عن الصراخ بدورها لتلقنه أصول الرجولة ومبادئها..

دفع بالباب الخشبي الذي اصدر صريرا معترضا وهو يدفعه للداخل، وانتفض كلاهما عندما هتف صوت من الداخل يحمل بعض الخشونة الممتزجة بحشرجة الشيخوخة: - مين اللي بره!؟.
لم يستطع حزن ان يجيبها فقد احس ان لسانه اصبح بمنتصف حلقه فظل على حاله ساكنا لم يبرح موضعه لتظهر امرأة تتشح بالسواد من خلف احد الأبواب تسير في تؤدة وما ان توقفت على اعتاب الحجرة حتى ابصرت حزن يقف في تيه متطلعا الى موضع ظهورها..

طال تطلعها اليه لفترة وجيزة وأخيرا تحركت لتجلس امام ركوة من نار كانت على وشك الانطفاء فأعادت ازكاء جزوتها هاتفة في صلابة: - ايه اللي رچعك!؟.
واستطردت وهي لاتزل امام ركوتها توليه ظهرها: - لو راچع ولساتك راكب دماغك، يبجى عاود من مطرح ما چيت..
همس حزن وبنبرة صوت متحشرجة: - اني راچع اتحامى فيك يا مندهة..

استدارت متطلعة اليه بنظرة متفحصة أثقلها الزمان خبرة وما ان همت بالنطق حتى وقعت عيناها على سعادة المختبئة خلفه تتحامي فيه بدورها لتهتف في حدة: - مين دي اللي معاك!؟.
جذب حزن سعادة من خلفه هاتفا: - دي مرتي..
هتفت مندهة في حنق: - چالك نفس تحب وتتمعشج ووتچوز كمان وأبوك دمه لسه مبردش!؟.

اندفع حزن اليها جاذبا كفها مقبلا ظاهرها هاتفا في وجع: - ياما بجيناه الحديت ده من زمن، احب على يدك ما نرچعوا ليه تاني، ابويا مات من زمن، وعارف ان تاره ف رجبتي، بس مش هجدر أخده، اني مرحتش من هنا الا عشان الجصة الجديمة دي، بلاها ياما احب على رچلك..
تجاهلت كل ما قال وأشارت لسعادة هاتفة: - والحلوة دي رضيت بيك على ايه!؟.
هتف حزن امرا: - جربي يا سعادة..

قهقهت مندهة حتى بانت نواجزها المفقود احداها وهتفت في سخرية: - سعادة!؟، اسمها سعادة!؟
طب كيف يكون الحزن ويا الفرح!؟، ده بيدخل م الباب، التاني بيخرچ م الشباك..
هتف حزن في يقين: - ربنا چمعنا ياما من غير ميعاد، واللي ربنا چمعه محدش يجدر يفرجه ابدا..
ربتت مندهة على كتف ولدها هامسة: - واتچوزتوا ميتا!؟.
هتف حزن شارحا: - احنا لساتنا عرسان چداد طازة، يا دوب كتبنا الكتاب وچينا على هنا طوالي..

ونظر الي سعادة نظرة تحمل بين طياتها رغبته في عدم الإفصاح عما حدث في القاهرة من اهلها وكل ما كان فأثرت الصمت..
نهضت مندهة في انتفاضة قوية لا تليق بعمرها وهي تجذب سعادة اليها مؤكدة في صرامة: - عروستك تلزمني يا سيد الرچالة، ولما تبجى تاخد تار ابوك يبجى ليك عندي حريم..

وجذبت سعادة خلفها في اتجاه غرفتها التي خرجت منها عند قدومهما مستطردة: - ولحد ما ده يحصل، مرتك هتنام بجاعتي، ع الله ألمح خيالك معدي جرب الباب ده..
ودخلت بصحبة سعادة وأغلقت الباب الخشبي لحجرتها في عنف تاركة حزن وحيدا بقلب الدار.

يتطلع حوله في قلة حيلة وأخيرا هتف في غضب مكبوت وهو يندفع لخارج الدار: - اني ايه اللي رچعني، يا ريتني ما رچعت، يا ريتني موت على يد عزوز ارحم لي مية مرة من وچع الجلب اللي هبجى فيه ده..
صفق باب الدار خلفه في غضب وهو يتجه الى مكانه المفضل عندما تضيق به الدنيا وتنغلق امامه أبواب الفرج..

جلس على ذراع الساقية التي كانت تلف شاعرا ان الأرض تدور به كما هذه الساقية تحمله من موضع لموضع وتلقي به من مكان لأخر وهو لا حول له ولا قوة ليس بيده الا الإزعان لكل ما يحدث دون ان يكون له يد فيه ولا له القدرة على تغييره لما يرضيه..
اخذ يشدو في وجيعة: -
سبع سواجي كانت بتنعي..
على اللي نابها من المظالم..
فضلت حياتها تدور وتدعي..
الله أكبر عليك يا ظالم..

بينما كان يدور في دوامة أفكاره وخواطره مستأنسا بغنائه كانت هناك اعين تتلصص غير مصدقة انه هو، اخذ صاحبها يطيل النظر في غفلة من حزن حتى تأكد انه هو بالفعل، فاندفع مهرولا بين غيطان القصب حيث وجهة معلومة، بيت الحاج لطفي المراشدي..
دخل الرجل صارخا في مجلس الرجال الذي يترأسه الحاج لطفي: - ألحج يا حاچ لطفي، ألحج..

انتفض الحاج لطفي ومن معه موجهين أنظاره الى ذاك الرجل المدعو بسطاوي ليهتف في غضب: - ايه فيه يا واد يا مخبل انت!؟، داخل لا احم ولا دستور..

مش شايفنا متچمعين عشان نشوف هنعمل ايه ف..
قاطعه بسطاوي صارخا: - هتعلموا ايه ف رچعة واد عايش الضنك..
وقف الحاج لطفي في صدمة لم يستطع ان يداريها وتطلع لمن حوله ثم عاد لينظر الى بسطاوي متسائلا: - چبت الكلام الخايب ده منين يا واد!؟.
اكد بسطاوي: - شوفته بعيني وهو جاعد عند الساجية الجبلية اللي چار دارهم..

هتف الحاج لطفي في رجال المراشدة: - حد يعرف حاچة عن المصيبة دي!؟، ما اصلها كانت ناجصة واد مندهة كمان..
هز الجميع رأسه نافيا ليؤكد بسطاوي في ثقة: - والله هو يا عم الحاچ، هو اني هتوه عنه، واللي مش مصدجني يروح يشوفه بنفسه حدى الساجية زي ما جلت لكم، دخل احد الرجال ما ان انهى بسطاوي كلامه هاتفا في عدم تصديق: - مدريتوش، الواد ابن عايش الضنك رچع من مصر..

هتف بسطاوي متفاخرا: - مش جلت لكم، اهااا..
هتف رجل اخر من بين الجمع المحتشد للعائلة موجها كلامه لكبيرها الحاج لطفي: - ايه العمل دلوجت يا حاچ!؟، موال لا كان ع البال ولا ع الخاطر، ده احنا جلنا سافر وريحنا وريح روحه ومصر هتاخده وينسى النچع وناسه..
هتف الحاج لطفي: - صدجت، بس اهو رچع وكنه لا نسي ولا هاينسى طول ما مندهة وراه عمره ما هينسى ابدا..
هتف اخر: - طب العمل ايه دلوجت!؟.

هتف الحاج لطفي في حزم: - ملهاش الا حل واحد، وأمرنا لله..
هتف احدهم: - حل ايه يا حاچ!؟.
لم يجبه الحاج لطفي بل تطلع اليهم في صمت وهو يتذكر الماضي البعيد..


look/images/icons/i1.gif رواية صاحبة السعادة والسيد حزن
  10-01-2022 12:14 صباحاً   [8]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

جلست سعادة منكمشة على نفسها بأحد اركان الغرفة التي دخلتها مع مندهة ولم تنطق حرفا مما دفع مندهة لتهتف في حنق: - ايه مالك جاعدة كده كني هاكلك!؟، جومي غيري هدومك وتعالي ساعديني نعملوا لجمة ناكلوها..
هزت سعادة رأسها في طاعة هامسة: - حاضر..

خرجت مندهة من الحجرة تاركة سعادة وحيدة تتطلع حولها ولا علم لها كيف أصبحت هنا وكيف تركت كل حياتها السابقة خلفها كانما انتقلت من عالم لعالم اخر مختلف تماما عليها لكن العامل المشترك الوحيد بينهما هو الفراق..
هناك لا رغبة لاهلها في اجتماعها بحزن وهنا توجد نفس الرغبة لكن هذه المرة مشروطة، وللأسف مما فهمته من الحوار الذي دار امامها ساعة وصولهما انه مشروط بالدم..

الدماء هي المداد الذي سيكتب به قرار اجتماعها مع من تهوى، اما من رحمة في هذا العالم!؟.

دمعت عيناها في قهر ومدت كفها تفتح سرة ملابسها لتخرج ربابته وتضعها جانبا في إجلال وتعود لتبحث عن رداء ترتديه فوقعت كفها على لفافة ما ترددت في فتحها لكنها قررت ومزقت ورقها ليخرج لها من خلفه قماش ناعم الملمس تحسسته في ترقب وقلبها تضطرب دقاته وأخيرا فردت القماش ليظهر ثوب رائع الشكل، ثوب زفاف، شهقت في صدمة وعينيها تجول بتفاصيل الثوب الذي لطالما حلمت بارتدائه لمن تحب وعندما تزوجت حزن دون ثوب او حفل زفاف سلمت امرها لله ورضيت بنصيبها، لكن حزن لم ينس..

ضمت الثوب الي صدرها في شوق لليلة ترتديه فيها لمن ملك فؤادها، لكن متى تأتي تلك الليلة وكل ما حولها يحول دون ذلك!؟.
شهقت في وجع وهي تضم الثوب الى أحضانها اكثر وما عادت ترى تفاصيل الحجرة حولها بعد ان أعمتها غيمات الدموع التي انهالت ممطرة على خديها لتهمس في تضرع: - يا رب..

دخل حزن الى الدار مساء ليجد سعادة تجلس امام الفرن الطينية المقامة بأحد اركان الدار تحاول تنفيذ ما تأمرها به أمه حتى لا يحترق الخبز فهتف في ضيق: - بالراحة عليها ياما، هي ملهاش ف العچن والخبز ده، وبعدين دي لساتها عروسة چديدة..
هتفت امه ساخرة: - مليكش صالح انت يا حنين، وبعدين انتوا مش لازما تاكلوا، هنچيب مين يعمل يعني!؟، هنأجر ناس يوكلوكوا..!؟.

وبعدين لساتها مبجتش عروسة، لما تعمل اللي اتفجنا عليه يوميها هجيم لك فرح تتحاكي بيه الجيهة كلاتها، جبل كده، هي ف جاعة وأنت ف جاعة، لحد ما يحصل المراد..
نكست سعادة رأسها في استسلام تام بينما نفض حزن جلبابه في ضيق واندفع مبتعدا لا رغبة لديه في العراك مرة أخرى مع امه على امر هو لم ولن يقوم به..

دخل الى حجرة منعزلة عن الدار وتمدد على فراشها ليذهب في نوم عميق من اثر تعب السفر ورغبة في الهرب من واقع مرير فرضته امه عليه ولا يستطيع ان يتجاهله اويحجم عن التنفيذ..

انتفض يتصبب عرقا اثر رؤية ارتأها جعلته اشبه بالتائه بعد استيقاظه تطلع حوله في تشتت تام وأخيرا تذكر عودته للنجع وما هو مقبل عليه، تذكر تفاصيل رؤياه فتنهد في قلة حيلة ونهض متوجها الي طلمبة المياه المزروعة بقلب الدار توضأ وصل الفرض ونهض من موضعه ليطالعه صينية مغطاة موضوعة جانبا، تقدم اليها ورفع غطائها متطلعا للزاد الا انه عافاه هما فترك الغطاء كما كان واتجه للخارج يجلس على عتبة الدار يحاول ان يعب من هواء الفجر املا في أطفاء تلك النيران المضطرمة بجنبات روحه..

تطلع للافق البعيد وتنهد في ضيق لينتفض موضعه ما ان شعر بها تجلس جواره في هدوء حذر ومعها صينية الطعام التي ما استطاع ان يتناول منها حتى النذر القليل..
همست في حياء: - مكلتش ليه!؟، ده انا عاملة الاكل بأيدي..
ورفعت الغطاء عن الصينية محاولة إغراءه بأطايب الطعام الموضعة قبالته لكنه أشاح بناظريه هامسا: - والله ما ليا نفس للزاد، حاسس ان جوفي نار..

همست تربت على كتفه في تعاطف: - بعد الشر عنك، معلش ما اللي انت فيه مش شوية..
همس محزونا: - شايفة امي وعمايلها، عايزاني اغضب ربنا عشان ارضيها، اني مش چبان ولا عويل، لكن اني مليش ف الدم وحرمة النفس كبيرة، هي روح البني ادم دي ملهاشي تمن!؟.

اعادت الربت على كتفه من جديد هامسة: - معلش هي برضو امك وواجب عليك تراضيها، ده الواحد من غير ام حاله يحزن ويغم، واسالني انا، من بعد امي وانا من ايد لأيد ومن مرات اب لمرات اب، مفيش واحدة حنت عليا ولا عمرها كانت مكان امي، يا ريتها عاشت وعملت فيا اللي يعجبها ولا راحت وفاتتني للي يسوى واللي مايسواش يبهدل فيا ويرميني لكلاب السكك تنهشني، راضي امك يا حزن لكن متغضبش ربنا ابدااا..

تطلع اليها حزن والى عيونها الدامعة وقسمات وجهها الصبوح التي أورثته السهد ليالي وهو يتنفس أنفاسها تحت سقف نفس الحجرة..
همس بلا وعي: - اتوحشتك..
نكست رأسها حياء هامسة: - وانت كمان وحشتني وربنا العالم..
ورفعت نظراتها اليه مستطردة: - على فكرة، انا شوفت اللى كان ف اللفة اللي انت نسيتها ف البؤجة بتاعتي، حلو قوي تسلم ايدك..

ابتسم هامسا وقد مد كفه يحتضن كفها: - هايبجى احلى لما اشوفك بيه جصادي وربنا مچمعنا سوا..
اضطربت ما ان لمس كفيها وجذبتهما بعيدا مشيرة للطعام وقد مدت يدها منناولة كسرة من خبز وضعتها في الغموس ورفعتها لفمه هامسة: - كل دي من ايدي انت مدقتش الزاد من واحنا ف القطر..
واستطردت في دلال: - عشان خاطري ده انا خبزت العيش بنفسي ومعرفش بقى طعمه هايبقى ازاي!؟.

ألتهم اللقيمة من بين أصابعها هامسا وهو يلوكها في استمتاع: - شهد من يدك مهما كان طعمه..

ابتسمت وبدأت في تلقيمه الطعام من جديد ليلتهم اللقيمة كسابقتها وتلتها أخرى وأخرى وهو ذائب في روعة مرافقته لا في لذة الطعام وأخيرا ضم كفها التي كان في سبيلها لفمه محتضنا إياها في شوق والتهم اللقيمة متطلعا الى عينيها في عطش جارف لوصل محرم فتح كفها بين أحضان كفه وطبع قبلة طويلة الأمد عميقة الأثر أودعها كل ما يجول بصدره من مشاعر طاغية، ارتجفت هي وشعرت ان عليها العودة للداخل قبل ان تستشعر امه غيابها وقد أدت مهمتها في إطعامه..

انتفضت تشرع بدخول الدار لينهض منتفضا بدوره خلفها يحاول اللحاق بها وقد أضناه شوقه اليها حد اللامعقول الا ان طلقة نارية مرت جواره كان مقصدها موضعه السابق قبل ان يغادر خلفها..
صرخت سعادة للصوت المدوي ودفع هو بها للداخل لاحقا بها مستترا خلف جدران الدار التي وقفا خلفها متعانقين يحاول هو طمأنتها وهي ترتجف من صوت الرصاصات التي توالت لثوان من خلف الباب المغلق وأخيرا هدأت..

نهضت امه اثر الدوي الحادث متسائلة في ذعر: - ايه اللي بيحصل!؟.
هتف حزن متطلعا اليها في ضيق: - اللى انت عايزاه يحصل ياما، الحاچ لطفي عرف برچعتي النچع وجال يسبج، بدل ما اروح اني اجتل ولده يجتلني هو ويخلص، وهاتبجى الحكاية كده خلصت وبدل ما راح منك راچل هيروح اتنين، يا رب يكون ده اللي هيريحك يا مندهة!؟.

هتفت امه صارخة: - دم ابوك لازم ياچي حجه، مش هيرتاح ف تربته وهو حجه ضايع، وأرض ابوك اللي جتلوه بسببها وكلها المراشدي ف عبه لازما يكون ليها تمن، ومفيش حاچة هتبرد ناري الا دم ولده..
صرخ حزن في وجع: - مفيشي فايدة، مهما اجول برضك اللي ف راسك ف راسك..

تقدمت اليه سعادة تربت على ذراعه بعد ان هدأت من صدمة اطلاق النيران عليهما قبل دقائق تذكره بما قالته له ليتطلع اليها وقد ادرك ما كانت ترم اليه فزفر وهمس مهادنا امه: - ياما اني ولدك الوحيد اللي ربنا رزجك بيه بعد ما كان كل عيل ياجيكي يموت، وبلتيني بالاسم اللي فضل ملاحجني نحسه فين ما بروح، ومات ابويا بين درعاتي وانا ابن الستاشر ومن يوميها واني معاك وعمري ما عصيت لك امر لكن جتل ودم!؟، لاااه ياما..

انت مش خايفة على ولدك، منفسكيشي تشوفيه عريس وتفرحي بشوفة عياله..
واقترب منها منحنيا يلثم جبينها هامسا: - ياما، احب على يدك بلاها الليلة دي..
همست امه وقد رق قلبها قليلا: - وهو الحاچ لطفي هيسيبك!؟، ما اهااا، بعت اللي يريحه منيك..
هتف حزن في حماسة: - دي بجى سيبهالي..
هتفت امه مستفسرة: -هتعمل ايه!؟.
اندفع خارج الدار مجيبا: - اللي ربنا يجدرني عليه..

وتطلع للافق وقد بدأت الشمس تشق بأشاعتها غمام الليل الطويل..

اندفع حزن لداخل قاعة المراشدة هاتفا مستدعيا الحاج لطفي: - يا حاچ لطفي، انت فين يا حاچ!؟.
ظهر لطفي داخل القاعة وخلفه عدد من رجال العائلة وقد كانوا يتناولون الإفطار فنهضوا مندفعين استجابة لنداء حزن العجيب في قلب مضيفتهم..
تطلع الحاج لطفي الى حزن في دهشة وتساءل في كبر: - انت ايه اللي چابك هنا!؟.
هتف حزن في هدوء: - السلام عليكم الأول يا حاچ ده اني ضيف عنديكم برضك ولا ايه!؟.

شعر لطفي بالحرج لان حزن كان يوجهه للأصول والواجب وهو بقلب داره وهتف مهادنا بدوره: - وعليكم السلام يا سيدي، أي خدمة!؟.

ابتسم حزن هاتفا: - لاااه يا حاچ تسلم، اني بس چاي وجدام ناسك كلهم وانت كبيرهم اجولك اني عفيت عن حج الدم اللي بناتنا، اني مسامح يا حاچ لطفي، مسامح وسايب الحج على الله، ويبجى لا ليكم عندي ولا ليا عنديكم، وربنا يعوض على الكل وحبيت اجولك ان دخلتي بكرة باذن الله وعامل جاعدة ع الضيج، هي مش كد مجامكم بس تشرفوني وعلى راسي مچيتكم، سلام عليكم..

انهى حزن كلامه واندفع راحلا خارج مضيقة المراشدة تاركا إياهم يضربون كفا بكف، يتطلع كل منهما للاخر في تعجب لما حدث، حتى ان الحاج لطفي تطلع اليهم لعل احدهم يفوه بحرف لكن كأن على رؤسهم الطير مما دفعه ليهتف في اضطراب: - انتوا مصدجين اللي هو جاله ده!؟.

هتف احدهم: - والله يا حاچ الواد كان بيتكلم والصدج طالل من عيونه، ده لا يمكن يكون بيكدب ابدا، وبعدين يكذب ليه!؟، ما هو صاحب الدم وكان ليه ياخده، ايه اللي يخليه ياچي يسامح فيه!؟.
هتف اخر في نزق: - يا حاچ لطفي هو عارف جيمته زين وعارف انه بطوله لا ليه ناس ولا بدنه يعني هيروح فطيس، يبجى عليه من ده بكام!؟.

هز الحاج لطفي رأسه متفهما وتطلع الى الخارج حيث غاب حزن وهمس متسائلا مستأثرا بسؤاله لنفسه: - كيف مندهة ترضى باللي عمله ولدها ده!؟.
كان هذا السؤال فعلا ما يؤرقه فقد كان كل خوفه من ضغط مندهة على حزن لينفذ لها رغبتها في الأخذ بثأر ابيه، وساعتها سيحدث ما لا يحمد عقباه..

شعر حزن براحة عجيبة بعد هذه الزيارة التي كانت كفيلة بجعله يلق كل ما كان ينوء بحمله عن كاهليه ليجد قدميه تقوداه لقبر ابيه بذاك الجبل، كان موضع قبره يطل على نافذة حجرته التي تشغلها امه حتى اليوم والذي اختارته بنفسها حتى تستشعر قربه دوما..

جلس امام القبر وملس على ثراه في حنين جعل الدمع يتراقص بمآقيه وهمس في نبرة مترددة: - ازيك يابا، اتوحشتك يا غالي، اني سامحت ف حج الدم، دمك الطاهر، معرفش اللي عملته ده صح ولااه غلط، لكن من يوم ما وجعت بين درعاتي وحطيت يدي على چرحك وحسيت بدمك وسخونته وبوچعك وانت بتودع، عرفت كد ايه الروح غالية، غالية جوي وخصوصي على ناسها وحبايبها، كرهت اسبب الوچع اللي حسيت بيه بيجتلني واني شايفك جدامي بتنازع ومش جادر اعمل لك حاچة لأي حد مهما كان، سامحني يابا لو شايف اني جصرت ف حجك، واوعدك اني هرچع ارضك شبر شبر، بس كله بالحسنى وبما يرضي الله..

تنهد حزن وهمس مستطردا: - كان نفسي تبجى موچود يوم فرحي وتشوف عروستي، سعادة بت حلال وزي الجمر، اني عارف لو شفتها هتعرف ان ولدك واعر، وعرف ينجي ست البنات..
ووش السعد كمان، كن ربنا عايز يعوضني عن الحزن اللي شفته بسبب اسمي فبعت لي سعادة عشان تكون الفرحة اللي ف حياتي واشوف الحلو كله والفرج من ساعة ما عرفتها..

ابتسم جزن من جديد متطلعا لثرى قبر ابيه وكانه امامه يحدثه بالفعل وهمس في مشاكسة: - مندهة بتسلم عليك، اني مش عارف كيف كنت عاشجها والله!؟.

وقهقه مستكملا: - بس هي بتعمل اللي بتعمله ده كله عشان عشجاك وعمرها ما حست انك غبت عنيها، كنت بلمحها كل ليلة واجفة ف شباك جاعتكم تطلع لجبرك هنا وتتحدت معاك كنك هتسمعها، كنت بستعچب وأجول امي اتچنت، لكن بعد ما عرفت العشج ودجت ناره وعيت انها كانت ست العاجلين وانك مهما كنت بعيد عنها فانت حاضر بروحك مافرجتهاش..

ساد الصمت لفترة ونهض حزن ليقرأ الفاتحة على روح ابيه في خشوع وأخيرا رحل وقد شعر انه لم يكن بهذا الهدوء والسلام الداخلي من قبل..


look/images/icons/i1.gif رواية صاحبة السعادة والسيد حزن
  10-01-2022 12:15 صباحاً   [9]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر والأخير

طرقات على باب الدار جعلت مندهة تنهض في تثاقل باتجاهه لتفتحه فقد أرسلت سعادة لخلف الدار لتحضر بعض من البيض من تحت دجاجتها..
جذبت الباب الخشبي المتهالك معتقدة انه حزن وقد عاد بعد ان غادرهما منذ مطلع الشمس ولم يعد حتى اللحظة..

تسمرت موضعها تتطلع للرجل الذي يقف في هيبة على باب دارها المتواضع والذي لم تكن تحلم يوما ان تجده هذا الموضع، هذا الرجل الذي لم تكن تمر ليلة دون ان تحلم بعودة ولدها ليأخذ بثأرها منه ويطفئ تلك النيران التي ظلت لسنوات مستعرة بصدرها حزنا على زوج فقدته بسببه..
هتف الحاج لطفي عندما طال انتظاره وهي تتطلع اليه دون ان تنبس بحرف او حتى تدعوه للدخول: -ايه يا مندهة!؟، هتسبيني واجف ع الباب كده!؟
مفيش اتفضل!؟.

وهم بالدخول الا انها أوقفته بكامل كفها التي دفعت بصدره لتعيده موضعه هاتفة في حدة: - بيت عايش ميخطيهوش اللي استحل دمه، بيت عايش ارض طاهرة متتنچسش بخطاويك..
توقف لطفي يبتلع كلامها الأشد وجعا من الرصاص ملتمسا لها العذر هاتفا: - يا مندهة ولدك..
قاطعته في حزم: - ولدي رچع وصلب ضهري وهيچيب حج ابوه منيك ومن المراشدة كلهم ولو فيها موته..
تنحنح لطفي هاتفا: - حزن ولدك چاني وسامح ف حج الدم اللي بناتنا..

اتسعت عينى مندهة في صدمة وهتفت في غضب: - انت بتجول ايه!؟، لاااه، محصلش..
اكد لطفي في هدوء: - لاااه حصل وكل المراشدة شاهدين عليه، ولدك طلع كريم يا مندهة، واحنا مش اجل منيه ف الكرم، عشان كده چيت لك بنفسي اجولك للمرة المية، سامحي يا مندهة..
اني ياما چيت لك وياما طلبت السماح وانك تاخدي الدية، موت عايش كان غلط مكنشي مجصود، عمري ما كنت افكر اجتله او احرم ناسه منيه..

لكن انت عمرك ما صدجتي ده ودايما عايزة ولدك ياخد بتاره من المراشدة وعمرك ما جلتيله ان اللي حصل ده جتل خطأ وسط خناجة جوزك كان واجف ف النص يصلح مابينا وما بين الشوادف..
هتفت مندهة في وجع وقد بدأت الدموع تنسكب من عينيها في غزارة: - وأرض عايش..!؟، مكلتش ارضه وحطيت يدك عليها برضك!؟.

هتف لطفي في صدق: - عمر ما ده كان غرضي، ارض عايش ف الحفظ والصون، جبل ما يموت بكام يوم كان راهنهالي، ورجة الرهن اهي لو مش مصدجة..

هتفت مندهة في صدمة: - راهنها!؟، ليه!؟.
وتطلعت للورقة في تيه فلم تكن تحسن القراءة فأعادتها له ليهتف مستطردا: - عايش كان عيان ومكنش جايل لك، كان عايز الفلوس عشان يتعالچ ويعمل عملية كبيرة، ويوم ما رهن الأرض مكنش عايز حد يعرف انه راهنها وامني على كده ووصاني عليكم..
هتفت ولازال الدمع ينسكب في حسرة: - وليه مجلتليش الكلام ده من زمن!؟.

هتف مدافعا عن نفسه: - اجوله كيف وميتا وانت عمرك ما فتحتي لي باب ولا عايزة تسمعيلي كلمة، حتى ولدك جلت يكبر وافهمه، طفش من كتر زنك عليه..

هتفت مندهة في سخرية: - كيف كنت عايز تفهمه وكيف كنت عايز تجتله عشية!؟.

هتف لطفي في صدمة: - اجتله كيف!؟، والله ما حصل، ولا يخطر ف بالي اني اعملها، ما كان اسهل اجعد معاه واتفاهم، وده اللي كان ف نيتي وربنا العالم لما عرفت انه رچع بالسلامة وكمان معاه عروسته بس خفت لتكوني ميلتي راسه، بس اني عارف مين اللي فكر يعملها عشان يوجعنا ف بعضينا، هم الشوادف مفيش غيرهم، ربنا نچاه عشان عارف نيتي ونيته، واديني بجلهالك ولدك طلع كريم ويانا واحنا مش اجل منه..

ومد كفه لجيب جلبابه هاتفا وهو يضع نصب عينيها ورقة مطوية: - دي حچة الأرض اللي كان عايش سايبها أمانة ف رجبتي، اعتبري دين عايش اترد والأرض رچعت ملك لحزن وولاده ربنا يفرحك بشوفتهم..
تطلعت مندهة للورقة امامها في ذهول غير مصدقة ان ارض عايش قد عادت اليهم من جديد واستطرد لطفي وهو يضع حقيبة صغيرة كانت تحت إبطه مخبأة بعباءته: - ودي دية عايش اللي مرضتيش تاخديها جبل سابج..

هتفت مندهة في صرامة: - ومش هخدها دلوجت برضك، مش هاخد عوض لچوزي..
هتف لطفي في مهادنة: - ده مش عوض، ده حج ربنا وصى بيه، وبعدين حزن دلوجت عريس ومحتاچ كل جرش عشان يشوف روحه، ولا ايه!؟.
هزت رأسها في تفهم ليستأذن هو راحلا لتهتف مندهة في لهجة متصالحة للمرة الاولي: - مخدتش واچبك يا حاچ!؟.

ابتسم الحاج لطفي في سعادة هاتفا: - يوم ما هدخل بيت عايش هشرب شربات ولده ف فرحه بكرة باذن الله، ربنا يتمم له على خير، وكل مصاريف الفرح ولوازمه عندي، ربنا يفرحك بعياله عن جريب..
ابتسمت مندهة للمرة الاولي منذ عقود هاتفة في فرحة: - يااارب..
ألقى التحية وهو يسير تجاه الكارتة تاركا إياها تحلم بدار واسعة يمرح فيها أولاد حزن في شقاوة محببة الى نفسها..

دخلت سعادة من خلف الدار حاملة طبق ملئ بالبيض الطازج هاتفة في فرحة: - الله اكبر ياما، شوفي البيض ماشاء الله، أزيد من امبارح كمان..
ابتسمت مندهة لتتطلع اليها سعادة في تعجب، هذه المرأة التي كان الحزن هو سمة شخصيتها وطابع من طباعها حتى ان قسمات وجهها قد تشربت حزنا الان تبتسم في سعادة طالت نظرات عينيها مؤكدة ان تلك الفرحة قد غمرت روحها..

اتسعت ابتسامة مندهة لما استشعرته من تعجب سعادة واقتربت منها ناظرة الي طبق البيض بين يديها هاتفة: - صدج حزن لما جال عليك وش السعد..
ابتسمت سعادة في براءة وحياء لتستطرد: - اني عمري ما چبت كل الكحريت ده من تحت الفروچ الا لما انت دخلتي الدار..
وربتت على كتفها في مودة: - ربنا يچعل ف يدك اليابسة خضرا يا بتي..

ومدت كفها متناولة الطبق لتضعه جانبا جاذبة سعادة لأحضانها هامسة: - ويرزجك بالذرية الصالحة النافعة اللي يكونوا سند وضهر لحزن..
دمعت عينى سعادة في فرحة مستشعرة حنان هذه المرأة التي كانت لا تصدر لها ولولدها الا الوجه الصارم والصوت الحاد الامر..
أبعدتها مندهة عن أحضانها قليلا هامسة في حنو كان غريب على مسامع سعادة: - حزن طول عمره وحداني، خليك دايما چنبه وفرحيه بجربك شدي ضهره بالعيال وفرحيه بيهم..

ابتسمت سعادة تهز رأسها في طاعة لتهتف مندهة في فرحة: - بكرة ليلتكم الكبيرة، اما دلوجت، فلازما نجهزوا العروسة..
مدت مندهة كفها ساحبة سعادة خلفها للقيام بالازم حتى تصبح العروس في أبهى زينة..

دخل حزن الدار وجال بناظريه باحثا عن سعادة لتطالعه امه متسائلة: - كنت فين طول النهار!؟.
هتف حزن وهو يجلس على الاريكة الأقرب من موضعه: - كنت عند الحاچ لطفي، بصي ياما..
قاطعته مندهة هاتفة: - اني عرفت كل حاچة، كل حاچة ياريتني عرفتها من زمن، كانت وفرت علينا وچع كتير وحزن ياما..
تطلع اليها حزن متعجبا وهتف في قلق: - انت جصدك ايه ياما!؟، حديتك يجلج..

جلست جواره رابتة على كتفه هامسة: - لاه، متجلجش، بس عايزاك تسامحني..
هتف حزن متوترا: - خبر ايه ياما!؟، ايه في!؟
وانتفض مناديا باسم سعادة فقد شعر بالذعر ان يكون الامر يعنيها الا انه امه جذبت كفه ليعاود الجلوس من جديد لتهتف به مؤكدة: - متخافش، سعادة چوه جاعتي، مينفعش تطلع لك دلوجت..
خلاص هانت وليلتكم الكبيرة بكرة، ربنا يچمعكم على خير يا ولدي ويرزجك الذرية الصالحة..

تطلع اليها حزن وقد بدأ يشعر ان الامر الذي تراوغ امه لإخباره إياه امر جلل فهمس مزدردا ريقه في صعوبة: - ايه في ياما!؟، وجفتي جلبي، انطجي الله يخليك..
تنهدت وهمست وهي تخرج له الورقة الخاصة بحجة الأرض وكذلك الحقيبة التي تحوى مال الدية التي أعطاه لها الحاج لطفي..

انتشل حزن منها الورقة يفضها في لهفة وما ان ادرك ماهيتها حتى انتفض واقفا في صدمة، تتبادل نظراته ما بين الورقة وأمه عدة مرات في عدم تصدق وأخيرا تمالك أعصابه وجلس متسائلا: - چت منين حچة ارض ابويا!؟، انت مش جولتيلى يوم ما مات انك دورتي ياما ملجتيهاش..
هزت رأسها إيجابا وهمست بصوت متحشرج: - ابوك كان سايب حچة الأرض مع الحاچ لطفي المراشدي أمانة، ابوك كان راهن له الأرض..

هتف حزن في عدم اقتناع: - وليه مجالش الحديت ده من بدري، كلام ميدخلش العجل..
همست مندهة: - ابوك كان عيان، ورهن الأرض من غير علمنا عشان يتعالچ، لكن ملحجش بعد الرهن بيومين مات..
هتف حزن: - ايوه جتله الحاچ لطفي عشان ياخد الأرض اللي كان طمعان فيها، مش ده كان حديتك وجتها وياما كان نفسك اروح اجتله عشان تشفي غليلك منه..

تلعثمت مندهة هامسة: - لاااه مش دي الحجيجة، ابوك مات صحيح بطبنچة الحاچ لطفي، بس مكنش جصد ولا عشان طمعان ف ارض، كانت عركة كبيرة بين المراشدة والشوادف وانت واعي للعداوات اللي بناتهم وأبوك كان واجف يصلح چت فيه رصاصة بالغلط من سلاح الحاچ لطفي..
كتير كان عايز يراضيني لكن اني كان راسي كيف الحچر الصوان، وكان موت عايش جاهر جلبي وواخدة عجلي..

همس حزن مصدوما: - يعني لما كنت بتحرضيني عشان اخد بتار ابويا كان هيبجى م الراچل عشان حاچة ربنا نفسه ميحاسبوش عليها، وانت كنت رايده تحاسبيه..!؟.
سالت دموعها ولم تنبس بحرف ليرق لها قلب حزن فصمت بدوره عن تأنيبها وحاول تغيير الموضوع مشيرا للحقيبة التي تجاورها متسائلا: - وايه دي كمان!؟.

همست وهي تفتحها مسقطة كل ما فيها بحجر حزن: - دي دية ابوك، حج ربنا، جالي اديهالك عشان تعرف توجف على رچلك وتتچوز وتراعي ارض ابوك..
شهق حزن في اعين مفتوحة اشبه بأطباق فناجيل القهوة وهو يرى كل هذا المال بحوذته، ماله..
تلمس الأوراق التي خاصمته لسنوات من الجدب والجفاف عاش فيها الضنك بالفعل، واليوم بين يديه مبلغا ما حلم يوما في امتلاكه..

ابتسم في فرحة وهمس شاكرا ربه وتطلع لامه هاتفا: - ولسه هنشوف سعد ياما، مش بجولك سعادة دي وش السعد بصحيح..
ابتسمت بدورها هاتفة: - والله صدجت، ربنا يچعلها سكنك ودارك وام عيالك يا رب..
اتسعت ابتسامته في فرحة كانت تغمر روحه المشتاقة للسعادة منذ عصور..

لم يخل الحاج لطفي بوعده فمنذ الصباح الباكر أرسل النساء حاملات الكثير من الصواني و(القفف) تحمل من خيرات الله ما يمكن ان يطعم جيشا جرارا..
استقبلتهن مندهة في فرحة غامرة وقد اطلقت زغرودة رنت في سعادة مصاحبة لدمع ممزوج بسرور طاغ، فهذه المرة الأولى تماما التي يدخل فيها الفرح لعتبة دارهم من بعد مقتل زوجها وحزنها عليه..

ساعة وهل رجال يحملون أسلاك من الانوار الملونة لتعلق على واجهة الدار وكذا نصبوا شاردا بطول الباحة الخارجية وعرضها لاستقبال المهنئين فرشت بالبسط ووضع فيها العديد من المقاعد موزعة على جانبيه..
ظل العمل بداخل الدار وخارجها على قدم وساق حتى هلت المغارب وبدأ صوت الفرحة يعلو على أي صوت اخر مصاحبا للطلقات النارية التي ملأت سماء النجع ابتهاجا..

ارتدى حزن جلبابا جديدا نزل صباحا لشرائه خصيصا لهذه المناسبة وربط عمامة بيضاء ناصعة من عمامات ابيه الراحل زينت هامته ووضع على كتفيه احدى عباءاته التي زادته هيبة ووقارا وهو يقف يستقبل كبار النجع واشرافه..
مدت (الطبالي) ووضع عليها ما لذ وطاب من أصناف الطعام حتى امتلأت البطون..
وظل الفرح يطل على الدار والنسوة يتبارين في إسعاد ام العريس وعروسه بوصلات من الطبل والرقص وإطلاق الزغاريد من كل صوب وحدب..

انتصف الليل واصبح اطلاق النار كسيل لا ينقطع فنهض الحاج لطفي مهنئا العريس لينهض الجميع بدورهم خلفه وبدأ انسحاب المعازيم جماعات بعد التهنئة، ليدخل حزن للدار لتتلقفه النسوة برغاريد منطلقة لتدفعه امه لداخل الحجرة الواسعة التي أعدتها النساء من اجل العروسين والتي كانت تنتظره بها العروس بقلب واجف ونبضات تعالت فأصبحت كقرع الطبول..

اقترب مضطربا بدوره حتى وصل موضعها بذاك الركن البعيد بالغرفة وجلس جوارها هامسا بصوت أبح تأثرا: - مبروك يا سعادة..
همست في اضطراب مماثل: - الله يبارك فيك..
نهض وامسك كفها لتنهض بدورها مطيعة إياه ليجعلها تدور حول نفسها متطلعا الى ثوب زفافها الذي حلم كثيرا برؤيتها ترتديه لاجله..

همس في عشق وهو يتطلع اليها من خلف غلالتها التلية: - احلى بكتير جوي من ما اتخيلتك، انت بتحلى كل حاچة يا سعادة، كفاية انك حليتي حياة حزن بعد ما كان فاكرها هتفضل مرار كده على طول..
همست منكسة الرأس في خجل: - انت تستاهل كل خير يا سي حزن..
مد كفيه رافعا عن وجهها غلالته وتطلع الى ملامحها في هوى فاضح وطوق خصرها بذراعيه يدنو منها في شوق هامسا: - اني اكيد عملت حاچة زينة جوي ف حياتي عشان ربنا يرزجني بيك..

رفعت رأسها متطلعة اليه هامسة في عشق وعينيها تكللها دموع العرفان: - وهو فيه خير اكتر م اللي عملته فيا!؟، حمتني وسترتني ومبخلتش عليا وانت محتاج، وقفت قصاد الدنيا عشاني، رجعت بلدك عشان تحميني وانت عارف انك هنا ممكن تتأذي، لو حد ربنا رزقه بالخير يبقى انا عشان ربنا رزقني بيك ووقفك ف طريقي يوم ما الدنيا ادتني ضهرها ومكنش ليا حد فيها، لكن أنت بقيت كل دنيتي..

شدد من ضمها الى صدره بعد كل تلك الكلمات التي غزت روحه سعادة ونشوة وأخيرا حملها لفراشه ليهمس بالقرب من مسامعها: - سعادة، نسيني طعم الحزن الا معرفتش غيره من سنين.
فأطاعت وهي تضمه لصدرها تبثه اسرار قلبها وخبايا روحها العاشقة، تسير به في درب الهوى مانحة إياه رموز لأبجدية عشق صاف بلون الزهر..

همهمت معترضة لا تريد الاستيقاظ من ذاك الحلم الرائع الذي يدثرها لتخرج منه لعالم الواقع..
لوحت بكفها في ضيق وذاك الشئ يلامس وجهها يحرمها البقاء بدنيا الاحلام..
عاود ذاك الشئ ازعاجها بملامسة خدها من جديد لتضطر آسفة ترك ذاك العالم الوردي وفتح عينيها في تثاقل وما ان ابصرت ما كان يزعجها حتى اتسعت عيناها في صدمة متطلعة لتلك اليد التي تحمل هذا القرط الذهبي الرائع تحركه كبندول للساعة امام ناظريها..

قهقه حزن هامسا: - صباحية مباركة يا عروسة..
رفعت جذعها مستندة على الوسادة خلفها هامسة في خجل: - الله يبارك فيك..
همس مشاكسا إياها: - بجالي ساعة بصحي فيك، نومك تجيل..
همست بحياء: - اصل كنت فاكرة ليلة امبارح دي حلم ومكنتش عايزة اصحي منه..
قهقه مستمرا في مشاكستها وهو يؤرجح القرط امام ناظريها: - ولا تصحي عشان تاخدي ده..!؟
همست متسائلة: - ايه ده!؟.
اقترب هامسا في عشق: - ده هدية لاچمل عروسة ف الدنيا كلها..

امرها في لين وهو يغمز بعينيه: - جربي..
اطاعت ليبدأ في وضع كل قرط موضعه بأذنيها وأخيرا يهمس في مجون بالقرب من مسامعها: - الحلج زادك حلا..
والكحل رباني..
والعود كما الابنوس..
خلاني اجول ياااني..
اما الخدود رمان..
اعطش اجول تاني..
والجلب كله خضار
والضحكة حياني..
بروحي عاشجك اني
وغيرعشجي اني براني..

تنهدت متطلعة الى عمق عينيه هامسة في هيام أذاب فؤاده: - انت مش ممكن تكون حزن، انت الفرحة كلها، فرحة عمري كله..
طوقها بذراعيه لتغيب باحضانه حيث تجد أمنها وأمانها وتعرف ان الدنيا أصبحت باتساع صدره ودفء احضانه..

خاتمة
أشار احد الرجلين لذاك البيت القابع بين أحضان الغيطان هاتفا: - بيت مين ده يا واد!؟.
هتف الاخر: - ده بيت حزن ابن عايش الضنك..
كان بيت بالطين دلوجت اديك واعي بناه بالمسلح دورين وأرضه اللي على مدد الشوف لحد الچبل اللي جصادك ده..
هتف الأول: - سبحانه العاطي الوهاب، طب وعياله على كده اللي هناك دول..!؟.
اكد الاخر: - ايوه، فرحات وبهچة وسرور..
قهقه الأول هاتفا: - ده ايه الانبساط ده كله!؟.

اكد الأول: - اومال لو عرفت ان مرته اسمها سعادة!؟.
قهقه الرجل من جديد: - لااااه كده زاطت ع الاخر، حصلنا الانشراح..
قهقه الاخر بدوره وسارا سويا مبتعدين عن ذاك البيت الذي خرج صاحبه ينادي أولاده في محبة ليندفعوا جميعهم بأحضانه ليحملهم، فرحات على ذراع وسرور على الاخر اما بهجة فتشبثت في قوة مطوقة عنق ابيها ليدخل بهم الى الدار..
طالعتهم سعادة في فرحة هاتفة بهم: - كله ع الحمام يغسل ايده عشان ناكل..

هتف سرور محتجا: - انا يدي نضيفة..
أصرت سعادة: - لا هتغسلها برضو، اجري ياللاه مع أخواتك والا ملكش قصب النهاردة..
كان يعشق القصب حتى انه كان اشبه بعود من عيدانه برفعه الملحوظ ذاك فهتف في حنق: - طيب أديني رايح، والله لازرع اوضتي كلها جصب ومحدش هيجدر يحوشه عني..
قهقهت سعادة لخيال طفلها المتزمر ونظرت لحزن الذي كان يتابع الموقف في استمتاع حقيقي مستطردة: - شايف ابنك..!؟.

هتف حزن في مشاكسة: - اني مش شايف الا الچمر اللي واجف جصادي خايلني ده..
هتفت تشاكسه بدورها: - وده من امتى بقى!؟.
شهقت معترضة وهو يطرق خصرها بذراعيه فقد يظهر الأولاد في ايه لحظة لكنه جذبها لداخل حجرتهما لتسقط بأحضانه هامسا في عشق: - من ساعة ما حزن جابل سعادة..
تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 3 < 1 2 3 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
صاحبة السعادة تحتفل بـ سوسن بدر في حلقة خاصة.. Moha
0 256 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، صاحبة ، السعادة ، والسيد ،












الساعة الآن 11:12 PM