نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس
بعد اخر تقارب بينهما اصبح الدنو منها مهلكا واصبح التعامل معه حذرا، كلاهما كان يتعامل مع الاخر من وراء ستار يحجب عن الاخر مشاعره الحقيقية، هي تستشعر ان من الواجب والمفروض ان تنتظر ابيها حتى يعود ليكون لها حياة خاصة بعلمه ومباركته، وهو ينأى عنها لانه أعطاها وعدا بان يظل الزواج شكليا لحمايتها وصونها حتى عودة ابيها وهو لن يسمح لمشاعره بان تجعله يخسر رجولته بكسر وعده لها مهما حدث ومهما كان القرب منها مضني والبعاد اكثر وجعا من انتزاع الروح..
طرق على الباب المتهالك عدة مرات حتى ظهرت نعمات من خلف الطاقة التي كانت تضع مكان بعض اسياخها المفقودة قطعة كرتونية، تطلعت اليه للحظة ثم هتفت في نبرة حانقة: - نعم!؟. هم بالحديث الا انها هتفت من جديد هذه المرة بادراك لكنيته: - مش انت اللي جيت قبل كده مع البت سعادة!؟. غض الطرف متحدثا: - اه يا ست نعمات، اني.. هو.. قاطعته متسائلة في فضول: - امال هي فين!؟، مجتش معاك ليه!؟.
ابتسم ساخرا فقد تعجب من سؤالها وهي التي طردت سعادة باخر مرة كانت معه هنا تسأل عن ابيها وهتف في عجالة: - هتبجى تاچي معاي المرة الچاية بس هو الحاچ سعيد رچع!؟.. اطلقت نعمات ضحكة ماجنة مجلجلة جعلته يجفل في حرج وهتفت متشدقة بكلماتها في سخرية: - سعيد بقى حاج!؟، وده من امتى!؟، ع العموم هو لا جه ولا ورانا وشه من ساعة جوازة الشوم، بس انت بتسال عليه ليه!؟.
مد حزن كفه بورقة مطوية تسلمتها هي من خلال الطاقة المشرعة هاتفا: - ده عنوان سعادة، لما يرچع بالسلامة جوليله انها ساكنة ف البيت ده.. هتفت نعمات متطلعة للورقة في حيرة وأخيرا هتفت في لامبالاة: - طيب يا خويا، بس هو يظهر ويبان وهبلغه.. هتف حزن بالتحية في عجالة ورحل مبتعدا تاركا إياها تتفرس بالورقة في تمعن ثم أغلقت الطاقة ودفعت بالورقة بأحد ادراج الطاولة المتهالكة والوحيدة بالشقة..
سار باتجاه البيت لا يعلم ان كان ما قام به صحيحا ام لا فهو كل غرضه ان يستأذن من ابيها في الزواج بها، قلبه يستشعر ان هذا هو سبب تمنعها الوحيد وهو يريد ان يلتزم بوعده معها ويفعل ما يريحها.. مر بالخرابة التي جمعتهما يوما فابتسم عندما تذكر كيف خرجت له من بين الركام والفوضى كجنية ارعبته يومها ولم يكن يعلم انها سرقت قلبه في غيبوبته التي سقط بها عندما طالعه محياها المرعب المسربل بالسواد لحظتها..
تحسس حافظة نقوده وابتسم فما كان يتوقع ان يحصل يوما على مبلغ كهذا الذي يحمله بداخلها، كان يعلم ان وجودها بحياته سبب كل السرور ومصدر كل السعادة التي يتمني اكتمالها عندما يضمها بين ذراعيه زوجة طائعة.. وصل لباب حجرته وطرقها في تأدب لتفتح هي الباب وقد ارتدت ردائها الجديد، هديته اليها، تطلع اليها وقد خطفت ناظريه تتبعها أينما حلت بأركان الغرفة التي كان تعمل بها في جهد لتحضر له وجبة الغذاء..
جلس على حصيرته لتحمل له الاطباق لتضعها امامه الا انه شعر بالاختناق داخل الغرفة فنهض مسرعا امرا إياها: - هاتي الاكل بره، الاوضة خانجة وريحتها كلها طبيخ.. حملت خلفه الاطباق طائعة وهمست وهى تضعها امامه ارضا: - حاضر انا هفتح الشباك مع الباب وأهويها قبل ما تدخل تنام.. هتف في حنق: - ومين جال اني هنام چوه!؟، اني هسحب الحصيرة وأنام هنا ف الطل.. هتفت تعارضه: - لكن الدنيا هاتبقى برد عليك..
هتف وهو يمد كفه يتناول طعامه مجيبا دون ان يرفع عينيه اليها: - لاااه، اني هرتاح كده، اجفلي عليك بابك وسيبيني براحتي.. رفع ناظريه أخيرا ليجد عيونها تحمل دمعا محبوسا بمآقيها وهمست في حيرة: - هو انا زعلتك ف حاجة يا سي حزن!؟. هتف مؤكدا: - لاااه، ليه بتجولي كده!؟. همست منكسة الرأس: - اصل بقالك كام يوم وانت مش زي عوايدك.. هتف معللا: - يمكن تعب الشغل، اصل ربنا فاتحها عليا الحمد لله، والبركة فيك..
هتفت متضرعة: - ربنا يوسع رزقك، ويكفيك شر طريقك.. هتف في راحة وقد زال كل هم بصدره الا الرغبة في وصالها والتي تنغص عليه عيشه: - اللهم امين.. انهى طعامه لتضع بين كفيه كوب من الشاي الساخن ارتشف منه رشفة في استمتاع، واستأذنت متثائبة: - انا رايحة انام يا سي حزن، عايز حاجة!؟. هم بان ينطقها: - ايوه، عايزك..
لكنه احجم وهز راسه نفيا وهو يعلم علم اليقين انها تحاول ان تحتجب بالغرفة والوقت لايزل مبكرا جدا على النوم الذي ادعت الرغبة فيه، لكنه استشعر ان ذاك افضل للجميع، امسك بالكوب وسار بخطوات وئيدة يتطلع من فوق سطح البيت على الحارة وخاصة ذاك المقهى الذي يديره عزوز الذي كان يجلس بإحدى الطاولات بركن بعيد يتابع كل ما يحدث بمقهاه..
لقد اعتبره اهل الحارة واحدا من الابطال لشجاره مع عزوز وهزيمته بضربة العصا التي يضع حول موضع اصابتها عصابة حتى الان، ويعتبرون ان جرحه الذي اندمل والحمد لله إصابة حرب جاءت غدرا من يد عزوز الخسيس.. لقد كان الجميع من أبناء الحارة يستقبله استقبال الفاتحين ما ان يمر عليهم الا عزوز ورجاله الذين يستشعر من نظراتهم اضمارا للشر..
فهو على يقين ان عزوز لن يترك ما حدث بينهما يمر مرور الكرام دون ان يرد له الصاع صاعين ليستعيد مكانته وهيبته المفقودة بالحارة.. انهى كوبه وسار نحو الحصيرة التي انتزعها من الداخل مسرعا ووضعها جانبا وتمدد عليها يحاول ان يمسك بخيوط النعاس الذي يجافيه..
لكنه انتفض ما ان تناهى لمسامعه صرخة مكتومة قادمة من داخل الغرفة جعلته يطرق بابها في لهفة وعندما ساد الصمت ولم يتلق ردا دفع بالباب ودخل متوجها رأسا الى المرتبة التي كانت تجلس عليها متكومة تضم ركبتيها لصدرها وتبكي في ذعر واضح جلس على طرف المرتبة هاتفا في قلق عليها: - ايه في!؟، ايه اللي حصل!؟. ساد الصمت الا من صوت نحيبها وأخيرا همست آسفة: - معلش، انا خضيتك، بس اصله كان حلم صعب..
نهض بسرعة وتناول القلة الفخارية وعاد بها ليجلس من جديد مقدمها اليها هامسا في تفهم: - ولا يهمك، خدي اشربي، ده يمكن عشان كلتي ونمتي طوالي.. ارتشفت بضع رشفات من الماء ليعيد القلة الفخارية لموضعها هاتفا في نبرة مطمئنة وهو يهم بالخروج من الغرفة حيث حصيره الممدود على السطح بعيدا عن الغرفة: - سمي الله ونامي واني چارك ع السطح لو عوزتي أي حاچة، نادمي.. همست تناديه قبل ان تخط قدمه اعتاب الغرفة: - حزن..
كانت المرة الأولى التي تناديه باسمه مجردا، توقف متسمرا ونظر تجاهها ليجدها تفرك كفيها اضطرابا وهمست: - ينفع يعني، تنام هنا ف الاوضة، مش بحس بالأمان وانت بعيد.. هتف مازحا يحاول السيطرة على تلك الرجفة التي اصابت قلبه لمطلبها بذاك الصوت الناعس: - ده انت هتبجي ف الأمان اكتر واني بره.. وهم بالخروج لتناديه من جديد: - حزن.. هتف واضعا كفيه على هامته: - يا حزنك يا حزن..
وتطلع اليها هامسا: - يا بت الناس نامي وسيبيني ف حالي الله يكرمك.. نهضت من موضعها متجهة الي الخارج مرورا به مما اشعل نيران صدره التي لم تهدأ جزوتها من أساسه.. وهتفت وهى تقف بوسط السطح: - انا مش جاي لي نوم.. هتف هو معاندا: - اما اني بجى هنام.. وتمدد على حصيرته هاتفا في حنق: - تصبحي على خير..
تركته يفعل ما يحلو له وجلست بأحد اركان السطح تتطلع الى الذاهب والأيب، وأخيرا شعرت بالملل فقررت التوجه لغرفتها لعلها تجد النعاس الذي ولى هاربا من بين جفونها جراء ذاك الكابوس الذي رأت فيه ابيها كفه مدرجة بالدماء التي كان يرغب في ان يلطخ بها ثوبها الجديد الذي جلبه لها حزن وهي تفر مبتعدة حتى لا تطالها يده..
كان تلك الصورة هي المسيطرة على تفكيرها في تلك اللحظة فلم تبصر تلك القطع الممزقة من الحصير التي اشتبكت بقدمها لتتعثر رغما عنها لتطلق الصرخة الثانية لهذه الليلة وهى تسقط لينتفض هو موضعه مذعورا متلقيا إياها بين ذراعيه.. ساد الصمت وظل الوضع على ما هو عليه للحظات حتى رفعت نظراتها متطلعة اليه بنظرات تحمل كم من الأسف لا بأس به وكم من المحبة لا يستهان به كذلك..
مد كفيه مطوقا خصرها حتى لا تنهض هاربة وهمس بصوت أبح: - اني رايدك يا سعادة، وهموت من شوجي، جوليها، اني ريداك يا حزن وفكي الوعد اللي مطوج رجبتي، جوليها يا سعادة.. همست متعلثمة غير قادرة على الإفصاح عما بداخلها فالحروف لا تطاوعها جراء ذاك الصخب الدائر بداخلها: - انا، ايوه، انا كمان ريداك..
اعتصرها شوقا بين ذراعيه ونهض من موضعه جاذبا إياها في اتجاه الغرفة الا انه توقف لحظة وتركها على أعتابها هاتفا في لهفة: - بصي، شوية وراچع.. هتفت متعجبة: - على فين!؟. اكد وهو يندفع هابطا الدرج: - هتعرفي لما ارچع..
تطلعت اليه في دهشة، واتسعت ابتسامتها وهي تدخل الغرفة تضم جسدها بذراعيها في سعادة فقد كانت منذ لحظات بين ذراعيه وبعض قليل يعود ليدثرها بحنان قلبه ويغمرها بحبه وتصبح احضانه موطنها الدافئ للأبد..
جال سعيد بنظراته مستوضحا ذاك العنوان الذي يطالعه بالورقة التي يحمل، شاهده عزوز من على البعد وهو يقف حائرا فتقدم نحوه متسائلا: - أي خدمة يا حضرت!؟. هتف سعيد: - انا بدور على عنوان بنتي، قالوا لي ساكنة هنا ف البيت ده.. تطلع عزوز للورقة مؤكدا: - اه مظبوط، بتك اسمها ايه!؟. هتف سعيد: - اسمها سعادة.. انتفض عزوز صارخا: - مرات الواد الصعيدي اللي اسمه حزن!؟.
هتف سعيد في حنق: - مراته!؟، ده حصل ازاي وامتى!؟. هتف عزوز في فرحة غامرة: - هو كمان متجوزها من غير علمك!؟، انا قلت من ساعة ما شوفته انه واد مش تمام.. اندفع سعيد لداخل البيت تاركا عزوز وصعد الدرجات مسرعا حتى وصل للسطح وهتف باسمها في غضب: - بت يا سعادة.. انتفضت سعادة من داخل الحجرة مندفعة للخارج عندما تناهى لمسامعها صوت ابيها..
تطلعت اليه في شوق واندفعت تطوقه بذراعيها الا انه دفع بها بعيدا في عنف كاد ان يسقطها ارضا لولا محاولتها التوازن لتقف متعجبة من رد فعله العجيب وهو يهتف: - اتجوزتي!؟، اتجوزتي ومن غير شورتي ومن واحد جربوع مش لاقي لقمته!؟.
همت سعادة بالنطق لتوضيح الصورة له الا انه لم يمهلها هاتفا في غضب هادر وهو يمسك برسغها جاذبا إياها خلفة كالذبيحة: - ياللاه بينا، ده مش مكانك، مكانك اعلى من هنا بكتير، هطلقك م الشحات ده واجوزك سيد سيده.. انتزعت سعادة رسغها من كف ابيها هاتفة في هدوء: - لكن انا مش عايزة اسيب جوزي ومش هطلق عشان اتجوز الاحسن منه لان مفيش احسن منه..
قهقه ابوها ساخرا: - ايه اللي عاجبك ف القرف اللي انت عيشاه ده، منيمك على حصير، فيه اللي ينيمك على حرير ويتمنى لك الرضا ترضي.. هتفت في إصرار: - وانا مش هرضى الا بيه.. هتف سعيد: - يا بنتي فوقي، حتى متفكريش ف نفسك، فكري ف أخواتك الغلابة وأبوك اللي مش عارف يأكلهم، بموافقتك الجواز من العريس اللي انا جايبهولك هتعيشي وتعيشينا معاك فعز محدش شافه..
هتفت سعادة: - مبعش جوزي ولا بكنوز الدنيا ومش هبقى بيعة وشروة عشان خاطرك او خاطر اخواتي اللي انت أصلا راميهم ومش سائل فيهم.. هتف سعيد في حنق: - هو ده اخر كلام عندك.. اكدت سعادة في حزم: - ومعنديش غيره.. هتف سعيد في غل وهو يهم بالمغادرة: - تمام، يبقى انت اللي اختارني..
جلست على اقرب مقعد لها في صدمة من أفعال ابيها وهي التي كانت تنتظره رغبة في إتمام زواجها من حزن فإذا به يأتي بعد كل هذا الانتظار من اجل تزويجها من شخص اخر كصفقة رابحة تدر عليه دخلا يسعده ويسعد اخوتها وتكون هي الخاسر الوحيد فيها.. بكت وارتفع نحيبها حتى انها لم تدرك مجئ حزن والسعادة تحمله على جناحيها ليقف متطلعا في تعجب لتلك التي تركها في قمة الفرح ليعود ليجدها بقمة الحزن..
اقترب حزن منها واضعا تلك اللفافة التي احضرها جانبا وأنحني بمستواها يرفع ذقنها لتواجه نظراته هامسا: - ليه البكا وانت السعادة كلها!؟، اذا كنت غيرتي رايك، خلاص ولا يهمك.. واستطرد مازحا رغم ان داخله يتمزق: - رغم اني هموت مجهور لحد ما ابوك يرچع، لكن.. هتفت سعادة في وجع: - ابويا رجع يا حزن.. واستطردت في قهر: - وعايزك تطلقني عشان يجوزني واحد غني على هواه..
هم حزن بالرد عليها الا ان ابوها الذي كان يقف في تلك اللحظة على اعتاب السطح وسمع حوارهما الأخير هتف في غضب وخلفه عزوز وبعض رجاله: - وهيطلقك، برضاه او غصب عنه.. واستطرد سعيد امرا في قسوة: - شوف شغلك يا عزوز.. انتفض حزن يزود عنها يقف في ثبات امامها ما ان رأى عزوز ورجاله يقتربون منه في بطء وتشفي وعلى وجههم ابتسامة صفراء فقد حان اللحظة التي انتظرها عزوز لينل ثأره ولكن بطريقة وضيعة كأصله..
وقعت من يديه تلك اللفافة التي كان يحملها وهو يقف كجبل شامخ يشهر كفين عاريتين الا من قوة حق يزود بها عن سعادة التي احتمت خلف ظهره هربا من اقرب الناس اليها..
نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس
دار القتال واجتمع عزوز ورجاله على حزن الذي كان يقيده خوفه على سعادة التي هتف بها لتدخل لغرفتهما وتغلق بابها لا تفتحه مهما حدث، وما ان همت بإطاعة امره الا وجذبها ابوها اليه مطوقا إياها حتى لا تستطيع الهرب من قبضته.. رأى حزن ما حدث لها فاستشاط غضبا وحاول على قدر استطاعته منازلة عزوز الا ان الكثرة غلبت الشجاعة..
هتف ابوها وحزن مكبل بواسطة رجلين من رجال عزوز: - طلقها، ارمي اليمين عليها دلوقتي ويا دار ما دخلك شر.. هتف حزن ونظراته لا تفارق عينيها التي تعلقت به تخبره الا يفعل فهتف في عزم: - والله لو حصل ايه وجطعتوني حتت ما هيحصل، دي مرتي واني رايدها ومبجاش راچل لو سبتها، على چثتي.. هتف عزوز في تشفي هاتفا بسخرية: - يبقى انت اللي طلبتها يا خفيف، ياللاه بالشفا..
واخرج مطواته من جيبه موجها نصلها في اتجاه رقبة حزن الذي لم يهتز للحظة ما اثار حنق عزوز وهو ينظر في عينيه التي لا تعرف الخوف فشعر بقدر من الاهتزاز داخليا حاول ان يداريه مقهقها وهو يهتف: - لااا، الواد جامد صحيح.. هز سعيد ابنته في ثورة امرا إياها: - لو خايفة عليه صحيح قوليله يطلقك، والا بدل ما تبقى مطلقة هانخليكي ارملة..
نظرت سعادة في وجع الى حزن كأنما تخبره بغير ان تنطق حرفا واحدا ان ما ستفوه به اللحظة لا يعبر عن رغبتها وإنما من اجله.. همت بالحديث الا ان حزن صرخ في قوة اخرستها: - أوعي تنطجيها، ده اني ما صدجت انك ريداني، أوعاك يا سعادة، هموت لو نطجتي باللي رايدينه، هموت جبل ما حتى يفكروا يجتلوني، الجتل علي اهون.. هتف سعيد في صوت هادر: - لا انت بجد ناوي على موتك النهاردة، علموه الادب يا رجالة عشان ينطقها غصب عنه..
تكاتلوا عليه حتى أشبعوه ضربا وما عاد يستطيع المقاومة ولم يبقى له الا صوتها الذي يأتيه من خلف غيبوبته صارخا بأسمه، لكنه كان بعالم اخر يتطلع اليها عاجزا غير قادر على الإتيان باي رد فعل لمنع ابيها من اصطحابها إجبارا لخارج السطح وهو ملقح ارضا عيناه عليها حتى غابت ومن خلفها رحل رجال عزوز واحدا تلو الاخر تاركين إياه ملقى كجثة هامدة بلا روح بعد ان انتزعوها من احضانه عنوة..
غامت الدنيا امام ناظريه وسقطت عيناه على تلك اللفافة التي تقاذفتها الأقدام لحظة العراك وقد كانت تضم بين طياتها رداء عرس اقسم يوم عقد قرانهما ان تكون يوم عرسهما الحقيقي عروسا ترتدي ثوب زفاف ككل العرائس وانه سيحضره ما ان تقول قبلت بقلبها لا بلسانها.. اغلق عينيه وراح في غيبوبة عميقة وما عاد يتذكر إلاها..
دفع سعيد بجسد سعادة في قسوة داخل بيت نعمات هاتفا في حنق: - هتقعدي هنا لحد ما تموتي، يا يطلقك يا عمرك ما هتشوفي الشارع، وع العموم عزوز قالي انهم ادوله علقة موت، يعني هيجلنا خبره قريب وبرضو هجوزك اللي على مزاجي.. اندفعت نعمات صارخة في غضب في وجه سعيد متجاهلة سعادة الملقاة ارضا تحت أقدامهما: - اهلا يا عريس، شرفت يا سبع البرمبة، بس جايب لي السنيورة على هنا ليه!؟.
وأشارت لسعادة في قرف مستطردة: - دي تلزمك وتلزم عقربتك الجديدة، انا كفاية عليا السنين اللي فاتت ربتها مع عيالي، الدور جه عليها يا حبيبي.. امسك سعيد يعضدها جاذبا إياها محاولا إقناعها: - بقولك ايه متبقيش غبية وتخلي الغيرة تعميك، البت دي قايل عليها قريب مراتي الجديدة.. صرخت نعمات في حنق: - بس متقلش مراتك، خطافة الرجالة دي بقت مراتك..
هتف سعيد يهادنها: - يا ستي العقربة دي جاي من ناحيتها رزق هايبقى ليك ولعيالك نصيب منه تكرهي!؟، قريبها طالب سعادة للجواز وده بقى هينغنغا معاه ونتنقل حتة تانية، خليها مرمية عندك لحد ما يجلنا خبر اللي ما يتسمى جوزها ده.. ضربت نعمات على صدرها هاتفة في صدمة: - هي اتجوزت!؟.
اكد سعيد في حنق: - ايوه يا ستي الواد الصعيدي اللي جالك وادالك العنوان، ومش راضي يطلق، ادناله علقة موت يا رب تحوق ويغور فيها ونجوزها بقى للي عليه العين.. هتفت نعمات متسائلة: - طب وانا هعمل بيها ايه وهي متربطة كده!؟. اكد سعيد: - هتخليها مرمية ف الركن ده لحد ما نعرف اذا كان جوزها غار ساعتها هنعرف نتصرف، أوعي تفكيها او تتحرك من مكانها..
واتجه في عجالة لخارج الشقة لتتشبث بذراعه هاتفة في غل: - وانت رايح على فين جري كده!؟ هو احنا ملناش نصيب فيك ولا ايه!؟. تطلع اليها يغازلها نفاقا: - طبعا يا نعمتي ده انت الخير والبركة، بس اخلص م الموضوع ده ودماغي تروق ونعيش ف العز، ساعتها مش هسيبك ابدا.. هتفت نعمات وقد استطاع استمالتها: - اهو كلام بن عم حديت.. هتف سعيد متعجلا: - عيب، اصبري بس، اللي يصبر ينول..
وخرج قافزا درجات السلم المفضية لخارج البيت مستطردا: - وخلي بالك م البت، سلام.. تنهدت نعمات في قلة حيلة مغلقة الباب خلفه وتطلعت الى سعادة الملقاة بذاك الركن البعيد اسفل النافذة الوحيدة الموجودة بالمكان، لتتجاهلها منصرفة لشؤون أولادها كانها غير موجودة من الأساس..
أغمضت سعادة عينيها وجبينها ملتصقا بالأرض الباردة وكفيها مقيدين خلف ظهرها واستدعت صورته وهو يلوذ عنها ويصرخ بها الا تنطق حرفا من شأنه ان يفرقهما، لتنساب العبرات على خديها حسرة ووجعا، فقد اتسعت صورته الأخيرة التي طالعتها وهي مساقة خلف ابيها لتشمل مخيلتها، كان ممددا مصلوبا ارضا عيناه معلقة النظرات بها وشفتاه تهمس بأحرف تظنها حروف اسمها ووجهه غارق بدمائه..
اتراه ينجو!؟، تساءلت في تمني ووجيب قلبها يهتف متضرعا لتنساب المزيد من الدموع على خديها وهي تهمس باسمه في وجع حقيقي أدمى قلبها العاشق: - حزن.. وأغمضت عينيها في انكسار حقيقي..
خرج سعيد من بيت نعمات ليتلقفه عزوز ومن حوله رجاله ليهتف في نزق: - ادينا خلصانك منه، فين حلاوتنا!؟. جز سعيد على اسنانه غيظا لكنه لم يستطع ان ينطق حرفا واخرج بعض النقود من جيبه وسلمها لعزوز في حنق هاتفا: - انتوا سبتوه مرمي ع السطح قدام أوضته، عايز واحد بقى يجيب لي الخبر الأكيد انه راح فيها وساعتها الحلاوة هاتبقى اكبر، ماشي يا معلم عزوز!؟.
اكد عزوز: - هو سواد الليل واخليلك راجل من الرجالة يطلع يشقر عليه والبقاء لله مقدما، وزيادة احتياط لانه واد بسبع أرواح هحط راجل يقعد لك طول الليل قصاد البيت عشان لو حصل وطلع عايش وحب يزوغ نخلص بقى ونجيب م الاخر بس ساعتها الحساب هيتقل.. هتف سعيد في استحسان للفكرة: - عفارم عليك يا معلم، هو ده الكلام، شد حيلك انت واللي هاتطلبه كله هتاخده وزيادة..
اومأ عزوز في إيجاب ورحل خلفه رجاله ليلق سعيد نظرة أخيرة على الشقة حيث تقبع سعادة وزفر في حنق فقد أفسدت هذه الحمقاء كل خططه من اجل الثراء والنعيم الذي كان يمن النفس به..
صاحت الديكة في حماسة لمطلع الفجر الذي جاءه اذان صلاته من مآذنة المسجد القريب لتجعله يفتح عينيه في تثاقل يدفع نفسه محاولا استوضاح الرؤية المشوشة، حاول مرار الاستناد على كفيه حتى يستطيع النهوض لكنه فشل تماما فما عاد لديه القدرة على الوقوف على قدميه.. شحذ كل طاقته واستجمع قواه حتى استطاع بعد جهد جبار النهوض بجذعه عن الأرض والزحف على ركبتيه حتى وصل لاقرب سور للسطح فاستند عليه مجاهدا ليقف منتصبا..
تنفس الصعداء وهو يترنح موضعه فتشبث بالسور في قوة حتى لا يتمدد ارضا من جديد، وقع ناظريه على احد رجال عزوز المرابط بالأسفل امام باب البيت، فتطلع حوله يحاول ابعاد ذاك التشوش عن ناظريه وإجلاء ذاك الضباب المخيم على الرؤية امامه وكذا قدرته الصائبة على التفكير، ايقن ان عليه الرحيل وفورا من هنا، فوجود ذلك الرجل بمدخل البيت يعني انهم لم ينتهوا منه بعد..
سار خطوات غير ثابتة وهو يستند على السور مع كل خطوة حتى وصل لتلك اللفافة التي تحوي رداء عرسها فانحنى في وجع ملتقطها ضاما إياها لصدره حتى وصل للحد الفاصل بين سور سطح بيته وسطح البيت المجاور، قذف باللفافة أولا ومن بعدها دفع بنفسه دفعا حتى يصل للجانب الاخر، اخذ يتحسس طريقه حتى وصل لباب السطح ومنه لخارج البيت الذي كان بابه يطل على زقاق ضيق متفرع من الحارة..
كان الكل نياما الا اهل الفجر وخاصته والذين كانوا في طريق عودتهم من المسجد بعد أداء الصلاة ليفاجأ الشيخ صالح بحزن يقف مترنحا على باب داره.. شهق الشيخ صالح في صدمة ما ان شاهد منظر حزن ووجهه الدامي: - ايه يا بني اللي عمل فيك كده!؟. ترنح حزن مستندا على الشيخ هامسا في إعياء: - هموت يا سيدنا الشيخ، ألحجني.. وسقط بين ذراعي الشيخ صالح الذي تلقفه في إشفاق وجذبه لداخل داره لعله يستطيع إنقاذه..
جلست نعمات بجوار سعادة المقيدة ارضا ودفعت امامها بصحن من طعام لا يكفي لقطة وهتفت في حنق: - كلي ياختي لما نشوف اخرتها معاك ومع ابوك.. همست سعادة متسائلة: - هاكل ازاي وايدي متربطة كده!؟، فكيني طيب.. هتفت نعمات معترضة: - افكك ده ايه!؟، ابوك لو جه وشافك مش متربطة زي ما سابك هيموتني..
هتفت سعادة تحاول استخدام الحيلة في إقناعها: - وايه اللي هيعرف ابويا بس!؟، فكيني عشان أقوم اساعدك ف اخواتي اللي مجننينك دوول واشيل لك الشقة واغسل لك الهدوم زي زمان، ولما تسمعي بمجية ابويا ع الباب ابقى ربطيني بسرعة ولا مين شاف ولا مين دري..
تطلعت اليها نعمات وكان كلام سعادة قد لاقي استحسانها وجاء على هواها لتهتف مؤكدة: - على رأيك يعني مين هيقوله!؟، وانا محتاجة ارتاح من قرف العيال دي والغسيل اهو كوم عايز اللي يغسله همتك بقى.. ومدت نعمات يدها تفك وثاق سعادة التي تأوهت وهي تجمع ذراعيها امام جسدها بعد ليلة كاملة مقيدة خلفها، اخذت تحاول تدليكها لتعيد تدفق الدماء الى شرايينها لتهتف بها نعمات: - ياللاه كلي وبعدين قومي شوفي شغلك..
همست سعادة في ألم: - ماليش نفس.. أمرتها نعمات: - لا هتاكلي لحسن توقعيلي من طولك، هروح بيك فين ساعتها.. مدت سعادة كفها للطعام امامها وما ان وضعت اول لقمة بفمها حتى انسابت الدموع من عينيها وقد تذكرته فكادت ان تغص بلقيمتها.. هتفت نعمات متطلعة اليها في تعجب: - بتبكي ليه يا بت!؟، ايه اللي حصل يعني!؟، ابوك وعايز مصلحتك، مش احسن م الواد المقشف اللي اتلميتي عليه وضحك على عقلك واتجوزك!؟.
هتفت سعادة في وجع: - لا مش احسن يا خالتي، المقشف اللي مش عاجبكم ده هو الوحيد اللي كان قلبه على سعادة وخايف عليها، هو الوحيد اللي حماها وصان عرضها، وهو برضو اللي كان عنده استعداد يموت ومايفارقهاش، والله اعلم هو لسه عايش ولاه رجالة عزوز البلطجي قتلوه.. هتفت نعمات متعاطفة: - الشهادة لله الواد مؤدب وعينه مبتترفعش من ع الأرض.. نظرت اليها سعادة في تعجب: - وانت تعرفيه منين!؟.
اكدت نعمات: - ايوه عرفاه، يوم ما جه معاك مرة، والتانية جه واداني عنوانك عشان لما ابوك يرجع يجي يزورك، ومقلش ساعتها إنكم اتجوزتوا.. شهقت سعادة باكية في وجيعة: - يعني جه لحد هنا وهو اللي دل ابويا من غير ما يقصد على العنوان..!؟، كان فاكر ان لما ابويا يظهر هيقدر يطلبني منه عشان يريحني، عشان كان عايزني بجد، عشان..
وشهقت باكية من جديد ولم تستطع إكمال كلماتها فهتف نعمات في لامبالاة: - ما خلاص بقى يا سعادة فضيها سيرة واسمعي كلام ابوك، هو عايز مصلحتك ومصلحتنا..
لم تلق سعادة بالا لكلمات نعمات ونصيحتها الجوفاء وتذكرت فقط كيف كانت تخبره انها لن تقبل بزواجها منه بهذه الطريقة الا اذا ظهر ابوها وطلبها منه بشكل يحفظ كرامتها، ليتها رضيت ونعمت بقربه، كانت تعتقد ان ابيها سيحفظ له جميله بصون ابنته والحفاظ عليها في غيبته وسيبارك زواجهما، لكن ما حدث كان العكس تماما، وهاهي تتجرع كؤوس الندم تتمنى لو تحظى منه بنظرة، لكن هيهات، فأين هو منها الان!؟، وأين هو من الدنيا في الأساس!؟.
نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع
هتف سعيد في صدمة لعزوز: - بتقول ايه!؟، هرب!؟، ازاي!؟، وانا اللي كنت جاي وسايب مصالحي عشان اخد البشارة.. اكد عزوز في لامبالاة: - اهو اللي حصل.. بعت راجل من رجالتي يتأكد انه لسه متلقح ع السطح لقاه هرب.. هتف سعيد في حنق: - طب وبعدين!؟. واستطرد في غضب: - يا ريتني ما سمعت كلامك وكنت خلصت عليه ف ساعتها، كنا خلصنا م الهم ده..
هتف عزوز في غضب مماثل: - بقولك ايه يا راجل انت!؟، انت داخل تتأمر وتتشرط على ايه!؟، انا كان كل غرضي أادبه عشان ميطاولش عليا تاني ويعرف مقامه وموضوع اننا نخلص عليه ده كان خدمة هنكسب من وراها سبوبة حلوة، مجتش وطلع ليه عمر خلاص، قضيت واتكل على الله بدل ما اتهور واجيب رقابتك تحت رجلي.. تنحنح سعيد واندفع مبتعدا وقد ادرك ان لا قبل له بمناطحة عزوز ورجاله فأثر السلامة متجها لبيت نعمات ليرى ما جري..
لا يعلم كم مر من ايام وهو على هذه الحالة لكن كل ما يدركه اللحظة هو انه ببيت الشيخ صالح الذي كان اخر من تذكر وجهه قبل سقوطه في تلك الدوامة التي لم يستفق منها الا لتوه.. ابصرالشيخ صالح يدخل عليه الحجرة مستطلعا حاله وما ان رأه ينظر اليه حتى هتف في فرحة غامرة: - حمدالله بالسلامة، ما شاء الله، بقينا عال الحمد لله، قلقتنا عليك يا راجل..
ابتسم حزن في وهن هامسا: - البركة فيك يا شيخ، لولاك لكان زماني رحت.. هتف الشيخ صالح في تواضع العلماء: - الفضل لصاحب الفضل يا بني، ده انت ربنا نجاك ببركته ورحمته.. ونهض الشيخ في اتجاه الباب ليهتف حزن يتمهله: - على فين يا شيخنا!؟. اكد الشيخ: - اجيب لك لقمة تتقوت بيها ده انت اديلك تلات ايام مدقتش الزاد من يوم ما وقعت على عتبة بابي.. وخرج الشيخ ليهمس هو لنفسه: - تلات ايام!؟. يا ترى عاملة ايه يا سعادة!؟.
ودمعت عيناه في شوق هامسا: - اتوحشتك.. وتذكر هتافها باسمه وهو تجر خلف ابيها وهو مضرج بدمائه غير قادر على إغاثتها فاغمض عينيه في حزن كتب عليه تجرعه حتى الثمالة..
طرق على بابها لتصرخ نعمات وقد ادركت انه زوجها من طرقاته التي تميزها على الباب وجذبت سعادة لتقيدها في سرعة في نفس موضعها بذاك الركن الذي تركها فيه منذ بضعة ايام.. فتحت الباب ليندفع سعيد في غضب مكبوت مما حدث عند عزوز فوجد أخيرا منفسا له صارخا: - لطعاني ساعة ع الباب عشان تفتحي!؟، فيه ايه..!؟. هتفت نعمات مضطربة: - مفيش ياخويا هيكون فيه ايه!؟. هتف احد الأولاد واشيا: - ماما فكت سعادة يا بابا..
ضربته امه دافعة به بعيدا حتى لا يفصح عن المزيد ليندفع سعيد ليتأكد ان سعادة بموضعها وخلفه نعمات هاتفة: - اوعى تصدق الواد الفتان ده!؟، انا فكتها بس عشان تروح الحمام وترجع تاني تتربط زي ما كانت، واديك شفتها اهو..
همس سعيد وهو يجذب نعمات مبتعدا: - خلي بالك منها دي ممكن تغفلك وتهرب في أي وقت الواد جوزها هرب، واكيد هيجلها على هنا، أوعي يا نعمات تديها فرصة تخرج من باب البيت والا كل تعبنا وكمان العز اللي مستنينه هيروح، ادعي بس نعتر ف الواد ده والا كل اللي بنعمله هيروح.. هتفت نعمات في تأكيد: - متخش يا سعيد، كله هايبقى تمام، وربنا هيعترك فيه ونخلص بقى.. اندفع سعيد راحلا لتستوقفه نعمات: - على فين وسايبني كده!؟.
هتف سعيد في حنق متطلعا اليها بقرف وهو يعلم ما الذي ستطلبه: - هو انت مبتشبعيش انت وعيالك!؟. هتفت في غيظ: - وهم عيالي لوحدي، ايدك.. مدت كفها اليه وقد أدخل كفه بجيب بنطاله واخرج منه بعض النقود واضعا إياها بين كفي يدها لتضمهما مستشعرة النقود في سعادة لتدعه يذهب لحال سبيله مطلقة سراحه..
هتف حزن في عزم بعد ان قص كل ما حدث للشيخ صالح: - اني مش ممكن هسبها لهم يعملوا فيها اللي على هواهم، ابوها على عيني وراسي، بس دي بجت مرتي يا سيدنا الشيخ واني أولى الناس بحمايتها، واني رايدها ولا يمكن اطلجها ولو فيها موتي..
ابتسم الشيخ صالح في مودة رابتا على كتف حزن في اكبار وهتف موافقا: - كلامك مظبوط يا بني، انت أولى بيها طالما حلالك وهي ريداك محدش ليه انه يفرقكم، ده ربنا خلى طلاق المكره لا يقع، يعني حتى ولو كنت طلقتها بلسانك قدام ابوها لما اجبروك ومكنتش دي نيتك يبقى محصلش وهي لسه مراتك برضو، بس انت عارف هي فين دلوقتي وهتروح لها تطمن عليها ازاي!؟.
هتف حزن بعد تفكير: - اني معرفش ابوها ممكن يكون خباها عني فين!؟، بس اني حاسس انه سابها عند مراته الجديمة لحد ما يعتر فيا عشان اطلجها ويرتاح ويعمل فيها اللي يعچبه، بس اني مش هنولهاله.. هتف الشيخ صالح متسائلا: - هتعمل ايه!؟. اكد حزن في إصرار: - هعمل اللي كان لازما يتعمل من زمن.. ونهض متغلبا على ألام جسده وجراحه عازما على تنفيذ ما جال بخاطره وليكن ما يكون..
وقف متواريا عن الاعين بالقرب من بيت نعمات يراقب الذاهب والايب ليتأكد ان سعادة بالداخل.. كان دليله الوحيد هو رؤيته لأبيها خارجا من عند نعمات التي يعلم انه لن يعودوها وأولادها الا لامر جلل وقد صدق حدسه عندما ابصر اللحظة سعيد خارجا من باب بيت نعمات وعلى وجهه إمارات الغضب والقرف فأختبئ حتى غاب سعيد راحلا..
تسلل في خفة في اتجاه خلفية البيت حيث النافذة وطرق عليها في رقة هامسا: - سعادة!؟، سعادة..!؟، انت عندك!؟. تطلعت حولها في تيه وهي غير مصدقة ان ذاك صوته الذي ينادي باسمها، تصنعت اللامبالاة وهي تكنس الأرض بالقرب من النافذة وهمست في وجل: - ايوه يا حزن، ابويا حابسني هنا لحد ما يعرف طريقك.. همس في فرحة متسائلا: - انت بخير!؟. همست مؤكدة: - الحمد لله، المهم انت كويس بعد اللي عملوه فيك البعدة، منهم لله..
انتفضت سعادة في ذعر عندما هتفت بها نعمات في تعجب: - بتكلمي مين يا بت!؟، هو انت عقلك خف ولا ايه!؟. هتفت سعادة متلجلجة وكذا حزن الذي اضطرب خارجا خوفا من انكشاف أمرهما: - لا يا خالتي، أتكلم ايه بس!؟، ده انا بغني، اهو بسلي حالي وانا شغالة.. هتفت نعمات مقتنعة بحجتها الواهنة: - طيب ياختي، غني وماله بس خلصي اللي ف ايدك لسه غسيل هدوم أخواتك على حاله عايز ينضف.. هتفت سعادة: - من عنايا، حالا اهو..
وادعت الكنس من جديد في حماسة حتى غابت نعمات منشغلة بفض بعض المشاحنات بين أطفالها لتعود سعادة تقترب من النافذة هامسة: - حزن.. همس بدوره: - اني موچود، ومش هسيبك ابدا.. ابتسمت وقد استشعرت قلبها يرفرف عشقا بين جنباتها ليستطرد مؤكدا: - احنا لازما نهرب من هنا، اسمعي، لما مرات ابوك وأخواتك يناموا، استني مني خبطة على الشباك ده على نص الليل كده، جهزي حالك، تمام!؟ همست موافقة: - تمام، متتأخرش عليا..
همس بدوره وهو يهم بالابتعاد عن النافذة قبل ان يع له احد: - حاضر.. واندفع في اتجاه بيت الشيخ صالح من جديد ينتظر منتصف الليل بفارغ الصبر..
أنهت كل ما أمرتها به زوج ابيها من اعمال حتى اذا ما انتهى العشاء غسلت أطباقه وبدأ الجميع في الخلود للنوم.. تمددت هي موضعها المعتاد لتهمس بهما نعمات وهي تحتضن طفلها الأصغر لصدرها لعله يغفو: - ألا قوليلي يا بت يا سعادة!؟، هو ايه اللي خلاك تتجوزي الواد الصعيدي ده!؟.
همست سعادة متطلعة لسقف الغرفة المشقق والذي تخلى عن لونه فأصبح باهتا يثير الانقباض: - مكنش فيه حل تاني بعد ما طردتيني ونمت ف الخرابة كذا يوم هموت فيهم من الجوع والبرد واخرتها أتهجم عليا واحد سكران، الصعيدي ده هو اللي حسسني بالأمان وهو لا يعرفني ولا يعرف حكايتي ورغم ان ظروفه كانت زي ظروفي مبخلش عليا بهدمة تدفيني ولا لقمة اقاسمه فيها ودافع عن شرفي وكان ممكن يروح فيها، فلما عرض عليا الجواز عشان ألاقي سقف يحميني قبلت طبعا، وطول الفترة اللي عشتها معاه عمره ما فكر يقل أدبه عليا ولا يجبرني على حاجة مش عيزاها وفضل اد كلمته معايا..
شهقت نعمات حتى ان رضيعها الذي كان قد بدأ يعفو بالفعل استيقظ مذعورا وهتفت في تعجب: - انت عايزة تقولي ان جوازك بيه كان على ورق بس!؟. هزت سعادة تهز رأسها في تأكيد: - اه يا خالتي.. عشت معاه ومكنش ليه غرض الا حمايتي، بزمتك ده راجل يتساب!؟. هتفت نعمات مؤكدة: - الصراحة لا، هو فيه رجالة كده أصلا!؟، ياختي ما اديك شايفة ابوك ميملاش عينيه الا التراب..
واستطردت بعد لحظة صمت: - ده ابوك هيموت م الفرحة لما يعرف بالكلام ده، عشان خاطر العريس اللي جايبهولك.. وهتفت تحاول إقناعها: - ما تسمعي كلام ابوك يا بت وخلينا كلنا نقب على وش الدنيا ونشوف العز بقى!؟، بلا حب بلا كلام فاضي مبيأكلش عيش.. هتفت سعادة ساخرة: - نقب على وش الدنيا وعز!؟، هو ابويا قالك كده وده اللي ضحك على عقلك بيه!؟. هتفت نعمات في حدة: - قصدك ايه!؟.
قهقهت سعادة مؤكدة: - قصدي ان عمرك انت ولا ولادك هطولي من ابويا لا عز ولا يحزنون لا بجوازي ولا بأي جواز تاني.. هتفت نعمات في غضب: - ازاي يا بت!؟، ده قالي ان العريس ده غني قووي وهنعيش معاه السعد والهنا كله..
هتفت سعادة شارحة: - ده لو حصل يبقى السعد هيروح لمراته الجديدة عشان ده قريبها، هو قالي كده يوم ما جه ياخدني، انت وعيالك راحت عليهم ولا هتشوفوا مليم من فلوس العريس اللي بيقولك هينغنغك بيها، وبعدين انت ضامنة بعد ما العريس ده يتجوزني شوية وممكن يزهق ويطلقني عشان يدور على غيري!؟، ساعتها بقى كل حاجة هاترجع على قديمه واللي قدر ابويا يسرسبه من وراه مش هيكون لكم فيه نصيب ولا حتى مليم ابيض..
تطلعت لها نعمات وقد ايقنت ان كل كلمة تفوهت بها سعادة هي صحيحة ولا تقبل الجدل او حتى التشكيك فيها فهى تعلم سعيد جيدا وتدرك انه قادر تماما على التخلي عنها وأولاده.. همست نعمات بصوت متحشرج: - يعني هيرميني انا والعيال!؟، طب هروح فين بيهم!؟، دوول كوم لحم متعلق ف رقبتي، وانا اللي قلت هات يا خلفة عشان أربطه اتاريني مربطش الا حالي..
تطلعت اليها سعادة في شفقة لكنها سريعا هتفت في حماسة: - طب واللي يقولك تعملي ايه!؟. هتفت نعمات في حماسة مماثلة: - اديله اللي يطلبه بس اعرف اتصرف ازاي.. هتفت سعادة مؤكدة: - طب نتفق.. تطلعت اليها نعمات هامسة في تعجب: - على ايه!؟. هتفت سعادة: - على انك تفكيني وتسبيني امشي مع جوزي وانا هديك عنوان مراته الجديدة اللي سمعته بيقوله لرجالة عزوز..
برقت عينا نعمات في فرحة هاتفة: - والنبي صحيح!؟، انت عارفة العنوان!؟. اكدت سعادة في ثقة: - هكتبهولك على ورقة قبل ما امشي.. واستطردت في مهادنة: - ده لو وافقتي تسبيني امشي مع جوزي لما يجي ياخدني كمان شوية.. هتفت نعمات في حماسة: - طبعا تمشي معاه وتروحي للي يصونك، واديني العنوان اطبق على انفاسه هو والسنيورة الجديدة.. هتفت سعادة في فرحة: - اتفقنا، تعالي فكيني بقى عشان اظبط نفسي واجمع حاجتي..
نهضت نعمات من موضعها تنحني تفك قيد سعادة متسائلة في قلق: - طب ولو سألني هربتي ازاي وهو رابطك!؟. اجابت سعادة في سرعة وهي تنهض من موضعها في اتجاه صندوق يحمل حاجياتها لتخرج منها ما قد تحتاجه وهي تتجه لذاك المجهول معه: - قوليله حد م العيال فكها وانا نايمة وسهتنا وهربت..
ما ان جمعت سعادة بعض الأغراض في (بؤجة) صنعتها من غطاء فراش مهلهل حتى سمعت دق على النافذة كما كان متفق، فاندفعت تشد على رباط سرة ملابسها وهي تهمس لحزن من خلف خصاص النافذة: - انا خارجة حالا..
همت بالاندفاع من باب الشقة الا ان نعمات استوقفتها مطالبة بعنوان زوجة ابيها الجديدة فتطلعت سعادة حولها في اضطراب وأخيرا وجدت قلم مكسور وورقة ملطخة بالزيت كانت لطعام العشاء كتبت عليها عنوان وهمي في عجالة ودفعت به لنعمات التي تطلعت اليه في اهتمام وقد تناست سعادة ورحيلها..
خرجت سعادة من باب البيت ليتلقف حزن عنها حملها هاتفا في تعجب: - هو ايه اللي حصل!؟، مرت ابوك كيف تساعدك ع الهرب!؟، مش خايفة من ابوك..!؟. هتفت سعادة وهي تبتعد عن ذاك البيت الذي لم تذق به الا طعم الذل والقهر: - هقولك كل حاجة بس مقلتليش الأول، هو احنا رايحين على فين!؟. مد كفه محتضنا كفها في عشق وهمس وهو يسير معها جنبا لجنب: - رايحين لأمي!؟. هتفت في تعجب: - امك!؟، فين!؟.
ابتسم ولم يجب بل جذبها لتلحق به في فرحة وقد اجتمعا أخيرا..