logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .







look/images/icons/i1.gif رواية إلى تلك الرائعة أحبك
  09-01-2022 11:47 مساءً   [7]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

اندفع الجميع لغرفته بعد ذاك اليوم الشاق والذى نتيجته كانت سعيدة للكل لكن صاحب الفضل الاول فى ذلك لم يعد بعد من انطلاقته على دراجته البخارية..
تمددت على فراشها لا تعلم لما تشعر بذاك القلق الذى يعتريها لخروجه بهذا الشكل..
همست بأدعيتها المعتادة و فتحت مذياعها على القران الكريم و الذى لا تغير قناته، و أغمضت جفنيها لا رغبة لها فى النوم حتى تطمئن انه عاد سالما، و قررت تأجيل شكرها له حتى الصباح..

مرت ساعة و اكثر و لا جديد و استوحشت جدران غرفتها دون طرقه عليها محذرا إياها لتخفض صوت المذياع، لتعاند هى فى صلابة ليرضخ هو فى النهاية و يكف عن الطرق بكفه الضخم على حائطها الذى تستشعر انه يوم ما سيخرقه فى احدى نوبات غضبه.

ابتسمت للخاطر رغما عنها و حاولت ان تصرف شبح النعاس عن أجفانها لبعض الوقت لكنها لم تستطع فالإرهاق قد بلغ منها مبلغه فراحت فى سبات عميق و لم تدرك صوت محرك دراجته البخارية التى توقفت فى الذقاق خلف المقهى مؤكدا على عودته..
استيقظت هى على صوت جوالها الذى كان يصدح مؤذنا لصلاة الفجر، نهضت فى صعوبة تجر جسدها جرا خارج الفراش فهى لم تنل ما يكفى من النوم بعد..

وضعت مئذرها و غطاء رأسها و توجهت للحمام لتتوضأ فتنبهت لضوء ينبعث بالقرب من التلفاز، اقتربت فى حذّر محاولة عدم ازعاج من يجلس هناك و الذى لم يكن الا هو، لكنه كان نائما فى وداعة تتناقض تماما مع ذاك الحجم الذى احتل الأريكة بكاملها، كان يحتضن شيئا ما الى صدره لكنه على وشك السقوط منه.

اقتربت اكثر فى حرص لا تعلم ما الذى يدفعها لذلك، فلتدعه ينام كيفما شاء لما تتدخل من الاساس، لكنها تجاهلت ذاك الصوت التحذيرى داخلها تماما و تحركت باتجاهه حتى وقعت عيناها على شاشة التلفاز التى كانت تعرض صورا لفتاة ملائكية رائعة تضحك فى شقاوة و..
مهلا، اهذا هو!؟، كادت تصرخ فى صدمة و هى تراه يتحرك امامها على شاشة التلفاز مندفعا باتجاه تلك الفتاة الصغيرة التى كانت تجرى فى سعادة صارخة حتى لا يلحق بها..

من هذه!؟، و ذاك الفيلم الذى يجمعهما، يبدو انه من فترة ليست بالبعيدة، فشكله لم يختلف كثيرا على ايه حال، نفس الضخامة و الطول الفاره و الذقن و اللحية الا انهما اكثر تهذيبا و اقل طولا كذلك شعره و تلك العقدة التى تجمعه خلف عنقه، شيئا واحدا فقط هو المختلف، نظرات عينيه تلك تحمل الكثير من الأمل و المحبة و السعادة، اما نظراته الحالية فلا تحمل سوى شئ واحد، الحزن الدفين..

تسللت ببطء و امتدت كفها تسحب ذاك الشئ الذى كان على وشك السقوط من بين كفه و الذى لم يكن الا صورة فوتغرافية لنفس الفتاة فى إطار طفولى يحمل نماذجا لشخصيات كرتونية و مزيل بكلمة رقيقة على احد جوانبه بالإنجليزية، ملاكى..
كادت الدموع تطفر من عينيها فى وجع.

و قد ادركت ان هذه الفتاة هى ابنته بالتأكيد، لكن ما الذى أبعده عنها!؟، و اين تراها تكون!؟، هى لا تعلم، لكنها ادركت بحدسها ان هذا هو السبب الذى أبعده عن طريق الله، لابد و انه كذلك..
نهضت فى هدوء و انسحبت فى حرص شَديد مخافة إيقاظه و دخلت الى الحمام تتوضأ و منه الى حجرتها لتفرد مصلاها المعطرة بالمسك و ترفع أكفها للسماء مكبرة ليسل دمعها دون وعى منها على حاله، و حالها..

حاولت النوم بعد صلاة الفجر لكن بعد ما رأته ما عاد لديها القدرة على ان تغفو و رأسها مشتعل بأفكار و خواطر عديدة جعلت النوم يولى هاربا بعيد عن أجفانها
و تنبهت لصوت حركة بالخارج و باب الغرفة المجاورة لها يُغلق فتأكدت انه استيقظ و نهض من موضعه امام التلفاز ليعاود النوم من جديد بغرفته قبل ان يستيقظ احد من قاطنى المنزل و يراه بهذا الشكل، بالتأكيد هو لا يعلم ان ذلك حدث فعلا و انها رأته..

و تذكرت حاله عندما لمحته بالحفل و هو يحمل الطفلة الصغيرة ذهبية الشعر التى جعلته يحملها حتى تضع ذنب الحمار موضعه و كيف كانت ملامح وجهه رغم الأصباغ صورة حية من الوجع و تعجبت لحظتها، الان لم يعد هناك حاجة للعجب فقد عرفت سبب وجعه و تيهه، فيبدو ان ذاك الحفل و رؤيته الاطفال قد أهاج ذكرى ابنته و جعلته يتذكرها ليعاود نفس الالم و الاحساس بفقدها من جديد، هى لا تعلم ما الذى جعله ينفصل و يبتعد عن ابنته لكن كل ما تدركه انه أب يتألم قهرا لفراقه إياها، ألما قضى على إيمانه و ثباته و جعله يفقد بوصلة صوابه للأسف..

تنهدت فى إشفاق و حاولت ان تنام من جديد لكن لا فائدة فقررت ان تهزم تلك الخواطر التى تضج مضجعها بالعمل فنهضت و أرتدت ثيابها و اندفعت للأسفل حيث المطبخ الذى تنسى فيه همومها..

لكن ما ان بدأت فى عجن فطائرها الصباحية حتى هلت هناء امامها و يبدو انها لم تهنأ بنوم مستقر الليلة السابقة و الدليل هو تلك الجفون المنتفخة و التى لا تدل على إرهاق واضح من مجافاة النوم و لكن ايضا تدل على بكاء مضن..
هتفت غفران متعجبة: - ما هذا الوجه!؟، هل كنتِ تبكين هناء!؟.
لم تكن غفران بحاجة للسؤال فقد طفقت الدموع من عيني هناء قبل ان تنه غفران سؤالها..

تركت غفران ما كان بيدها و اندفعت تحتضن هناء فى حنو هامسة: - ما الذى يجرى!؟، ما هذه الليلة العجيبة!؟.
هتف منير مجيبا بدلا من هناء التى لم تكف عن البكاء بعد: - نعم ليلة عجيبة بحق، و رؤية الاطفال البارحة جعلت منها ليلة كئيبة ايضا..
هتفت غفران متعجبة: - رؤية الاطفال!؟

ثم تنبهت ان هناء لديها بعض المشاكل فى الإنجاب و سمعت من قبل بعض المناقشات بينها و بين منير عن ذلك، شعرت غفران بمزيد من الذنب فيبدو ان ذاك الحفل الذى كانت فكرة إقامته من اقتراحها قد احزن الجميع و ليس هناء فقط فها هو يوسف قد ظهر على اعلى الدرج ألقى التحية فى عجالة و اندفع من باب المطبخ الخلفى للذقاق هاتفا: - انا اليوم اجازة، استميحكم عذرا..
و اختفى مع صوت محرك دراجته البخارية الذى ابتعد بدوره..

هتفت هناء اخيرا فى وجه منير: - لما تصر على عدم تحقيق رغبتى!؟، ما لدينا من مال كاف..
هتفت غفران بتعجل: - كاف لماذا بالضبط!؟.
تنهد منير مجيبا: - كاف لإجراء عملية طفل انابيب اخرى بعد تلك المرة التى حاولنا فيها و فشلت..

و صمت الجميع الا من صوت نحيب هناء الدامى ليستطرد منير و هو يقترب منها جاذبا إياها فى هدوء لتقترب منه مستندة برأسها على كتفه: - انا خائف، بل خائف جدا، عندما فشلت العملية المرة السابقة اخذ الامر منك فترة طويلة حتى استوعبته و عدت هناء التى اعرفها، لقد اثر عليك الحزن لفشلها كثيرا، و انا لا ارغب فى تكرار الامر، لا اريد ان افقد جزء من روحك مع كل تجربة، انا أريدكِ انتِ..

ارتفعت شهقات هناء و هى تحتمى بصدره هاتفة بأحرف متقطعة: - و لكنى اريد طفلا، اريد ان امنحك طفلا يسعدك و يزيح احساس الذنب تجاهك عن كاهلى، أريده منير، أريده بشدة..

بكت غفران فى ألم و هى ترى ما يحدث أمامها و لم تستطع ان تفوه بكلمة حتى هتف منير بنبرة عمل جاهدا على ان يكسوها ببعض المرح المصطنع محاولا تهدئة هناء: - حسنا، سنحاول مرة اخرى، لكن عدينى ان نعتبر الامر مجرد تجربة قابلة للنجاح او الفشل و ليست نهاية العالم..
هتفت هناء فى حماسة غير مصدقة انه وافق اخيرا: - أعدك، أعدك من كل قلبى.

هتفت غفران و هى تمسح دموعها من على خديها مؤكدة: - و انا هنا للمساعدة دوما، لا تحملا هما للمقهى و ادارته و ايضا لا تحملا هم النقود..
هتف منيرا ممتنا: - لقد ساعدتنا بالفعل، فلولا مشاركتك لنا فى المقهى ما كان لدينا المال الكافى الان لنقرر اجراء العملية، فلقد خسرنا مدخراتنا فى المرة الاولى و هذا كان سببا لعرض المقهى للبيع و عندما عدلنا عن الفكرة، ظهرت انتِ و ظهر موضوع الشراكة..

هتفت غفران فى محبة و هى تربت على كتف هناء: - حتى لو احتاج الامر للمزيد، كل ما املك فداء لهناء..
احتضنتها هناء فى امتنان لتبادلها غفران الأحضان فى سعادة لسعادة صديقتها..
.

دخل المقهى زوج من الأجانب و جلسا فى انتظار ان يأتيهما احدا لأخذ مطلبهما، تقدم منير محييا بانجليزية متقنة و بادلاه التحية و لكن كان يبدو ان الانجليزية ليست لغتهما الاساسية و لا يعلمان منها الكثير و ظهر ذلك فى لكنتهما و تشاورهما فى شأن اختيار الطعام و كان منير على حق فى حدسه فعندما هما بطلب الطعام لم يفهم منير ما المطلوب حتى بعد ان أشارا على بعض الأصناف تحدثا كثيرا دون ان يفهم ما عليه جلبه بالضبط، هنا اقترب يوسف متدخلا و ابتسم فى لباقة للضيوف و اجاب بلغتهم بشكل متقن جعل منير يفغر فاه فى صدمة، اخذ يوسف طلبهما مع كل التوصيات التى أكدا عليها و جذب منير فى هدوء خلفه لداخل المطبخ و هنا هتف منير فى تعجب: - منذ متى تعرف تلك اللغة الغريبة چو!؟، انا لم افهم حرفا مما قالا، اين تعلمتها!؟، اعترف..

هتف يوسف فى هدوء: - انها الروسية، تعلمتها من تنقلاتى فأنا احب السفر كثيرا، و قد عشت فى روسيا لبعض الوقت..
غامت عيناه و استبد به وجع ذكرى ما أطاحت بثبات ملامح وجهه الذى بدا عليه الحزن بشكل جلى لا يخفى على طفل ساذج لكنه تدارك الامر سريعا و هتف مؤكدا: - هل ستستطيع تقديم ما امرا به
ام..!؟.
قاطعه منير مؤكدا: - سنحاول ان نبذل ما فى وسعنا، لكن ما طلبهما بالضبط!؟، انت لم تخبرنى بعد..

هتف يوسف: - الاسترجانوف، هذه اكلة روسية مشهورة..
هتف منير فى اضطراب: - اعرفها بالتأكيد لكن لم اجرب صنعها من قبل او تقديمها هنا بالمقهى، لم لم يختارا من قائمة الطعام الموضوعة امامهما!؟.
هتف يوسف معتذرا: - انها غلطتى، فلقد طلبا و انا وافقت ببساطة معتقدا انه..
شعر منير باضطراب يوسف فهتف
مؤكدا: - لا عليك، سنفعل اللازم..

كان ذاك الحوار دائرا بالقرب من غفران التى لايزل يتجنب محادثتها او التواجد معها وحيدا، هى ايضا شعرت برغبته فى الابتعاد فأحترمتها فى صمت و قررت ان تحذو حذوه و تتجنبه ايضا، خرج يوسف ليقف موضعه بقاعة المقهى بينما نظر منير الى غفران فى توتر هاتفا: - ماذا سنفعل الان!؟، لم يتسن لها الإجابة حتى وجداه قد عاد مجددا للمطبخ و بدون مقدمات تناول تلك المريلة البيضاء المعلقة فى احد الأركان و احكم ربطها على خصره والتى بالكاد ناسبته و توجه فى سرعة للمبرد يخرج منه مكونات محددة فى سرعة و احترافية جعلت كل من منير و غفران يتبادلا النظرات فى تعجب لفعلته..

هتف منير قاطعا الصمت و الدهشة: - ماذا تظن نفسك فاعلا چو!؟.
هتف يوسف دون ان يلتفت لمنير مستغرقا فيما يفعل: - انا من ورطكم فى هذا الطلب و انا من سأف به..

هتف منير معترضا لكن يوسف لم يستمع لاعتراضاته فقد كان مأخوذا كليا بما يفعل و الذى كان يقوم به فى سرعة و احترافية ادهشت منير نفسه مما جعله يبتلع اعتراضاته و يلتزم الصمت و هو يشاهد ما يفعله يوسف بدهشة لم تكن من نصيبه وحده بل كانت غفران تشاركه إياها و هى تقف فى ذهول تتابع ما يقوم به يوسف بدورها و لم تجرؤ على التفوه بكلمة..

مرت الدقائق فى صمت تام لا يقطعه سوى أصوات المقلاة على الموقد و أشياء توضع هنا او يتم تناولها من هناك حتى انتهى يوسف و بدأ فى وضع الطعام فى أطباق مجملا إياها فى سرعة و بشكل متقن حد الكمال اخذ بلبهما حتى ان غفران صفقت فى سعادة و انبهار بما يفعل..

ناول يوسف منير الاطباق ليذهب لتقديمها فى عجالة و ما ان اختفى منير حتى هتفت غفران رغما عنها و قد نسيت تماما انه يرغب فى الابتعاد قدر الإمكان عنها وهى لا تعرف لما بالضبط: - احسنت فعلا، كان ذلك رائعا، اين تعلمت ذلك!؟، فأنت تبدو محترفا و قادرًا بشكل مذهل..
هتف يوسف محاولا التهرب من الإجابة قدر استطاعته بالسخرية: - أخبرت منير منذ قليل بالسبب و اظن أذنيك كانت تشاركنا الحوار..

قهقهت فى أريحية و هو الذى كان يظن انها ستغضب او حتى تشعر ببعض الضيق من صفاقته فتتجنب الحديث معه لكن ظنه لم يكن بمحله مطلقا فقد هتفت فى سلاسة و تهور: - نعم قلت انك عشت فترة بروسيا، هل فى تلك الفترة تزوجت و انجبت ابنتك الجميلة، ملاكك..

انتفضت كل خلية بجسد يوسف لسماعه كل تلك التفاصيل فاندفع ممسكا بمرفقها هازا إياها فى غضب مكتوم يحدثها جازا على اسنانه: - من اخبرك بهذا!؟، انطقى!؟، كيف عرفتِ ذلك!؟، هيا اخبرينى..
كان يهزها فى عنف ارعبها و كادت ان تبكى من فرط ألم ذراعها الممسك بها بهذا الشكل القاصى، ماذا فعلت او قالت حتى تثور براكين غضبه و تلقى حممها بهذا الشكل!؟.

تركها فى نفس اللحظة التى دخل فيها منير المطبخ هاتفا فى سعادة: - احسنت يا چو، لقد نال طبقك استحسانهما كثيرا، سندرج ذاك الطبق فى قائمة الطعام و سيكون مسؤليتك منذ الليلة..

لتوه شعر منير بتلك الذبذبات العدائية المنتشرة بجو المطبخ و تبادل النظر الى كلاهما فى تساؤل عما يجرى لكن لا احد منهما تفوه بكلمة فقد ابتعد يوسف فى عجالة خارج المطبخ حيث الذقاق و دراجته البخارية التى تكون ملاذه وقت ضيقه ليندفع بها محاولا اخماد ذاك الثوران الرهيب لبركان وجعه و الذى اثارته هى بتساؤلاتها و تلك المعلومات التى يحتفظ بها فى كهف بأعماق روحه و التى أدلت بها بكل بساطة..

زفر منير فى اضطراب هامسا: - ماذا حدث هذه المرة!؟، و لما خرج بهذا الشكل العاصف!؟.
لم ترد غفران بحرف واحد فلازالت صدمة ما فعله و غضبه الذى جعلها لا تزل ترتجف داخليا من جراءه يلجم لسانها عن النطق، لكنها بكت فى صمت بدموع حارقة و تشاغلت بما كانت تصنع محاولة مداراة دموعها عن اعين منير و هناء التى وصلت لتوها من الخارج و ادركت بحدسها ان ثمة امرا ما كان يجرى هنا و ستعرفه بالتأكيد..



look/images/icons/i1.gif رواية إلى تلك الرائعة أحبك
  09-01-2022 11:48 مساءً   [8]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

بكت كما لم تبك من قبل، حتى عندما حدث ما حدث من خطيبها و تركت بيتها و كل ما تملك خلف ظهرها لم تبك هكذا، لا تعلم لما أوجعتها فعلته!؟، تلك الاهتزازات القوية التى نالتها منه جعلتها تعيد كثيرا من حساباتها و كأنها اعادت ترتيب كل شئ موضعه الطبيعى بعقلها..

هى اخطأت بالتأكيد لكن ليس خطأ مقصود، ربما كانت رغبة دفينة داخلها منذ علمت بان له ابنة فى معرفة اصل الحكاية، لكن لما!؟، سألت نفسها فى وضوح تام، لا اجابة، فقط صمت مطبق داخلها و كأن قلبها ذاك الذى كان دوما ما يحدثها فى شفافية قد اصابه الخرس، وروحها التى كانت كتاب مقروء لها اصبحت طلاسم مكتوبة بأحرف عجيبة يصعب عليها فك رموزها، أنها تشعر بحالة من التخبط و التيه لم تعتريها من قبل..

رفعت صوت مذياعها بأيات القران حتى تشوش على صوت نحيبها الذى كان يعلو رغما عنها و لا تستطيع السيطرة عليه..
انتفضت موضعها و كتمت صوت شهقاتها عندما جاءت طرقاته المعتادة على الحائط المشترك بينهما يخبرها برغبته فى خفض صوت المذياع..
وللعجب وجدت نفسها تدير ذر تقليل الصوت فى هدوء دون رغبة منها فى مناكفته كالعادة..

لحظات وعاد الطرق من جديد لكن هذه المرة على باب غرفتها مما كلفها دقيقة كاملة لتدرك ان الطرق بالفعل قد تغيرت وجهته ليصبح على بابها..
تسمرت مكانها متسائلة فى اضطراب، ترى ماذا يريد ليطرق باب حجرتها فى مثل تلك الساعة!؟.
ارتدت مئزرها ووضعت غطاء رأسها و فتحت الباب فى بطء بإنفراجة ضئيلة هامسة: - نعم!؟.
هتف متسائلا: - لما أخفضت صوت المذياع!؟.

هتفت تجيبه فى هدوء: - أليس ذاك مطلبك المعتاد الذى تطرق لاجله الحائط يوميا!؟، هاقد نفذته..
هتف بنبرة حادة: - لكن ليس ذاك مطلبى اليوم، انا أطالبك بان يعلو الصوت اكثر حتى يطغى على صوت شهقات بكاءك التى تؤرقنى..
هتفت فى هدوء مناف لذاك الالم الذى تستشعره بين أضلعها: - سأفعل، اى خدمة اخرى..

هتف متسائلا بنبرة حانية استوقفتها: - ألن تشاكسينى..!؟، ألن ترفضى طلبى و تخفضى الصوت نكاية و امعانا فى اغاظتى!؟، ألن تبدأى فى الصراخ لا النحيب فقط من اجل إقلاق راحتى!؟.
هزت رأسها نفيا و همست راغبة فى غلق بابها: - عن اذنك، ارغب فى النوم..
همس بنبرة زلزلتها: - و انا كيف لى النوم و انتِ بمثل هذه الحالة بسببى!.
ساد الصمت ليستطرد فى لهجة معتذرة: - انا آسف لما حدث، سامحينى..

هزت رأسها غير قادرة على النطق بحرف مع ذاك الوجيب القوى بصدرها و اخيرا همست بصوت متحشرج: - لا عليك، الخطأ خطأى اولا، ما كان علىّ التدخل فيما لا يعنينى، اعتذر بدورى..
هز رأسه متفهما و ابتسم فى هدوء هامسا و هو يستدير مغادرا باتجاه غرفته: - تصبحين على خير..

هزت رأسها و اغلقت بابها و استندت عليه يتملكها شعور عجيب تماما لم تستطع تفسيره كما اصبح معتاد فى الآونة الاخيرة، مشاعر عجيبة و احاسيس اغرب و لا تفسير على الإطلاق..

عندما تحججت بالرغبة فى النوم لغلق بابها و التخلص من تلك المشاعر التى كانت تعتريها فى حضرته لم يزرها النوم و لو للحظة بل ظلت أجفانها مسهدة معلقة بسقف الغرفة فى انتظار مجهول لا يأتى..

زفرت فى ضيق لذاك الأرق الذى اصبح رفيق لياليها و قررت النهوض فى هدوء لتنزل الى مطبخ المقهى بديلا عن مطبخ الشقة حتى لا توقظ احدهما لتصنع لها كوبا من اليانسون او النعناع او خليط منهما قد يساعدها على الاسترخاء و النوم، فصلاة الفجر قد اقترب موعدها و هى لم تحصل على قسط كاف من النوم و العمل فى المقهى غدا سيكون على اشده..

كعادتها و هى خارجة من غرفتها ارتدت مئزرها و حجابها و هبطت فى هدوء للمطبخ، أشعلت ضوءا جانبيا خافتا و بدأت فى إعداد كوب أعشابها المهدئة
ليهمس صوتا فى احد الجوانب: - هل لى بكوب من فضلك!؟، فيبدو ان الأرق صديقنا الليلة..
انتفضت فى ذعر حتى كادت تصرخ فى صدمة الا ان خروجه لمجال رؤيتها من ركنه المظلم ذاك جعلها تلتقط انفاسها فى تتابع محاولة ان تهدئ من روعها.

وودت لو ألقت عليه بعض من أدوات المطبخ لتفرغ شحنة غيظها لخروجه لها بهذا الشكل المفزع الا انها اثرت السلامة و المهادنة ووضعت كوبا اخر جوار كوبها لأجله..
أنهت صنع المشروب وناولته كوبه و قررت تناول كوبها فى غرفتها فليس من اللائق التواجد معه وحيدة فى مثل ذاك الوقت..
همت بالانصراف الا انه استوقفها متسائلا فى تعجب: - كيف عرفتِ!؟.

لم يكن من الصعب ادراك عن اى شئ يسأل، فبالتأكيد هو يسأل عن كيفية معرفتها بأمر ابنته..
همست فى هدوء: - يوم حفلة عيد الميلاد خرجت لأتوضأ لأجل صلاة الفجر فوجدتك نائما امام التلفاز و الذى كان يعرض فيلما مصورا لفتاة شقراء صغيرة و انت معها و بين ذراعيك كانت صورتها المزيلة بكلمة ملاكى فأدركت انها ابنتك، و انك افترقت عنها لسبب ما، هذا كل ما فى الامر..

همت بالانصراف مجددا و هى تهتف فى لهجة صادقة: - اتمنى ان يجمعكما الله قريبا..
هتف فى لهجة تحمل الكثير من الغضب المكتوم: - لن يفعل، و لم يرد ان يفعل، ان كان قادرًا على ذلك من الاساس..
كان رد فعلها على كلماته الصمت لا الصدمة فقد اعتادت كلماته المتزمرة دوما التى تتسربل بالسخط وهمست فى هدوء: - هو قادر تماما، فهو القادر، و سيجمعك بها اذا احسنت الظن به..

هتف مؤكدا فى نبرة تحمل وجعا بحجم الجبال الرواسى: - لم و لن يفعل، لانها ماتت، رحلت بلا رجعة..
شهقت فى صدمة فاغرة فاها فما خطر ببالها ان تلك الملاك قد رحلت عن دنيانا و جل ما اعتقدته انها مع امها التى اخذت الفتاة بعيدا عن والدها لخلاف ما بينهما..

استطرد فى وجع و هو يجلس بأقرب مقعد صادفه: - نعم، رجوته كثيرا ان ينقذها، ان يهبها حياتى لتبقى هى و ارحل انا، انا المذنب الحقيقى فيما حدث، لكن إلاهكِ المزعوم لم يسمع توسلاتى..

شهق كمن يحاول كتم دمعات تحاول الفرار من بين حنايا روحه لا عينيه و استكمل فى لهجة مزقتها كليا و هو يهمس: - يومها كنت على خلاف حاد مع امها، تلك الروسية التى تزوجتها و عشت معها لسنوات هناك اعمل بأحد المقاهى، كنت شيفا محترفا، و كان العمل فى رواج رائع حتى اننا افتتحنا مطعمنا الخاص بعد فترة بسيطة من زواجنا و بعدها قررنا الإنجاب، جاءت انچل لتنير حياتى، و تتوج نجاحى فى العمل ثم فى تأسيس أسرة تمنيتها دوما كبيرة العدد حتى تعوض احساسى بالوحدة فقد كنت وحيد ابوى، سنوات وانا اعمل بكد لأجل بناء تلك الاسرة، سنوات و انا أكافح حتى احقق لاسرتى وضعا لائقا و حياة رغدة ولكن زوجتى كانت فى واد اخر، كانت مدللة، كنت اعرف ذلك، و لكن ما لم اكن اعرفه انها كانت مريضة، مريضة بأحد الأمراض النفسية التى دفعتها لإدمان الكحول، وقفت جانبها و لم أتخل عنها مطلقا، فهى فى الاخيرام ابنتى الوحيدة، لكن استمرت الخلافات، حاولت على قدر استطاعتى تجاوزها، لكن هى من لم تتجاوزها مطلقا، و عندما اشتدت الخلافات بيننا، قررت هى ان تأخذ الفتاة و ترحل كانت تريد ان تنتقم منى لمعرفتها بمدى حبى و تعلقى بابنتى، هذا ما كنت اعتقده عندما عدت من العمل ووجدت خطابها ذاك تخبرنى فيه برحيلهما لكنها كانت وصلت لحافة الحنون بالفعل لانها كانت قد قررت الانتحار و اخذ ابنتنا معها حتى تذيقنى مرارة فقدها و تمعن فى الانتقام منى كما جاء فى رسالتها..

جلست غفران بدورها فى ذهول تام لما تسمع حتى انها نسيت كوب شرابها و تنبهت بكامل حواسها له و هو يسترسل بعد لحظات من الصمت يستعيد فيها ثباته: - لحظة اخبارهم اياى ان ابنتى بالمشفى بين الحياة و الموت و ان امها رحلت فى ذاك الحادث انهرت كليا امام باب غرفة العمليات، اخذت احدث الله، حدثته كثيرا و توسلت له اكثر، تمنيت ان يقتطع من عمرى و روحى فداءً لابنتى، نمت ليلة بكاملها امام غرفتها لا افعل الا الدعاء و الابتهال لتعود سالمة لأحضانى..

صمت ساد للحظة ابتلع فيها دمع كاد يخنقه وهمس بوجع: - لكنه ابدا لم يسمع، ابدا لم يستجب، ابدا لم يكن هناك و يرحمنى و ترك امها تأخذها، تركها لتنفذ انتقامها منى على ذنب لم ارتكبه، كان كل ذنبى أننى رغبت فى عائلة و دفء فلم أنل الا الوجع و مرارة الفقد و اشهر طويلة قضيتها فى مصحة للعلاج..
هتفت فى صدمة: - علاج!؟.

هز رأسه فى تأكيد: - نعم علاج نفسى مكثف فقد كان لدى ميل كبير للانتحار، فصدمة فقد ابنتى كانت قاصمة، افقدتنى عقلى و صوابى و ايمانى ان هناك رب يسمع و يستجيب، اخذها لأمها و حرمنى منها و عندما حاولت انا ذلك منعنى..
واشارلأثارجرح بعرض معصمه دلالة على محاولته فعلا الانتحار ليلحق بابنته.
بكت فى صمت و سالت دموعها سخينة على أوجاعه التى تراها حية مجسمة الان على كل قسمات وجهه..

لقد تأكدت ان حدسها كان بموضعه و ان أزمة إيمانه تلك كان سببها فقد ابنته..

همست رغما عنها: - لكن الله موجود، يسمع و يرى و يستجيب، كل ما يحدث لنا بحياتنا مقدر منذ الأزل ما من احد يمكنه تبديله و لو كان مقدر لنا اختيار أقدارنا ما اخترنا الا اختيار الله، فالله يعطى على قدرك، و لا يكلف نفسك الا وسعها، انه يبتليك ليطهرك، و ربما كانت وفاة ابنتك لها حكمة لا يعلمها الا هو سبحانه و تعالى، والامر حدث وعليك ان تؤمن بالقدر كله خيره و شره، و ترضى..
هتف فى اعتراض: - ارضى!؟.

هتفت مؤكدة: - نعم، ترضى بما قسمه الله، لقد مات ابى وانا فتاة صغيرة، رأيت حزن امى على فقده و تحولها من امرأة فائقة الجمال الى امرأة فقدت ابسط أسباب التمسك بالحياة، ذبلت حرفيا و لولا ايمانها لكانت عملت على اللحاق به، بجانب وجودى الذى كان محفزا لتبقى مجرد جسد بلا روح حتى تربينى و حينما شعرت ان مهمتها قد اكتملت لحد كبير رحلت بدورها لأكون وحيدة فى الحياة، أواجهها بكف خال وعار من اى سلاح يساعدنى بحربى معها الا التسلح بالله و الاتكال على ركنه، صدقنى، الله هو السند الحقيقى، انه..

ارتفعت عقيرة المؤذن من مأذنة المسجد القريب داعيا لصلاة الفجر: - الله اكبر، الله اكبر..
رددت خلفه فى خشوع و نهضت فى تؤدة هامسة و هى تمسح دمعاتها: - انها صلاة الفجر، فلتسلم امرك لله و عد الى طريقه وانهض لتجب داعيه، و سأدعو الله ان يربط على قلبك، فالفقد مرارته تبقى كالعلقم بالحلق، لكن الله جابر..

وتحركت باتجاه الدرج صاعدة وهى تهمس داعية اياه من جديد: - انهض، فدعوة الله لا تُرد، و من ردها هو الخاسر الأكبر..
وعادت تهمس مكررة كلمات الاذان و اختفت بأعلى الدرج و تركته غارقا فى بحورالتيه من جديد بعد ان افرغ ما يحمله بجعبته من ألام و اوجاع و ذكرى ناء بثقلها صدره، و شعر انه بمفترق طرق و عليه الاختيار لا محالة، اختيار اجبارى..

عاد يوسف للمقهى و ما ان دخل الى الذقاق يصف دراجته البخارية حتى تنبه الى ذلك الذى يقف على اعتاب باب المطبخ ينتظر امرا ما و لم يكن من الصعب عليه ان يدرك ما يحدث، انها نوبة من نوبات كرمها المعتاد و ذاك الشخص المعدم الذى يقف على الأعتاب ليس استثناءً بالتأكيد، تنهد فى عمق فعليه مواجهتها الان فمنذ تلك الليلة التى اخبرها فيها عن ماضيه كاملا و هو يستشعر انها تنأى بنفسها عنه بشكل اثار حيرته فقد توقع انها تقترب منه بعد كل ما أفضى به لها و لها وحدها دون غيرها، لا يعرف لما، لكنه وجد نفسه بحاجة الى شخص يصغى اليه و يتحمل عنه بعض من أوجاعه التى اثقلت قلبه و اصبحت عبء لا يحتمل على عاتق روحه المنهكة فكانت هى ذاك الشخص المختار، زفر فى حنق و قد تأكد ظنه عندما ظهرت غفران تحمل طبق من طعام تقدمه لذاك الشخص لكن ها قد حدث ما توقع فاندفع يجذبها فى اللحظة المناسبة لداخل المطبخ وبدأ هو فى التعامل مع ذاك الاحمق الذى حاول التهجم عليها، لم يكن من الصعب التخلص منه مع فارق القوة الجسدية بينهما لذا لم يستغرق الامر كثيرا حتى دخل المقهى خلفها صارخا كعادته بصوته الاجش: - ألن تتعقلى مطلقا!؟، كدت تودين بنفسك مورد التهلكة، اما من ذرة واحدة لعقل بداخل هذا الرأس الاحمق يا امرأة!

هتفت فى غيظ تتطلع اليه وهى متخصرة قبالته فى تحدى تحاول قدر استطاعتها الا تحيد بنظراتها عن عينيه مدعية القوة و الصلابة: - كف عن ذاك اللقب و الا..!؟
هتف ساخرا: - و الا ماذا..!؟.
نظر من عليائه على طولها الذى لا يتجاوز مستوى معدته على أقصى تقدير فاتسعت ابتسامته و تخصر بدوره متحديا لتهتف هى فى غيظ: - و الا ستلقى منى ما لا تتوقعه مطلقا، صدقنى انا لا اهدد بكلمات جوفاء، انا قادرة تماما على التنفيذ..

قالت كلماتها و توجهت خلف طاولة المطبخ تستأنف عملها..
هتف متوجها خلفها: - حقا!؟، ولما لم تنفذى و ترينا مهاراتك مع ذاك الشحاذ المدعِ الذى كاد يصيبك و يهرب وانت تقدمين له طبق الطعام بكل محبة كبلهاء!؟
زفرت فى ضيق: - لم انتبه، انه حادث عارض..
هتف يوسف صارخا: - عاااارض!؟، انه الحادث الثالث خلال ذاك الشهر يا امرأة.

امسكت مقبض السكين الذى تركته من كفها منذ لحظات فى حنق و ضربت نصله بقوة فى لوح التقطيع الخشبي أمامها هاتفة بلهجة تحذيرية: - انطق ذاك اللفظ مرة اخرى و اقسم ان اجعلك غير قادر على النطق مجددا..

انفجر ضاحكا بدلا من ان يتأثر لحنقها البالغ المتوار خلفه ذاك التهديد المبطن و هو ينظر باستمتاع الى نصل السكين المغروز ذاك ليقترب منها بهدوء هامسا: - اهدأى، فشرارات الغضب المتطايرة هنا و هناك تكاد تتسبب فى كارثة..
و ابتعد قليلا ليستدير مستطردا بلقب جديد لإغاظتها: - ايتها القصيرة..

و اندفع راحلا قبل ان تنفذ تهديدها و تستخدم سلاحها بالفعل تتعقبه صرخاتها و بعض من أدوات المطبخ التى ألقتها خلفه فى غيظ لينفجر مقهقها مبتعدا عن مرمى أدواتها الثائرة، لتصرخ هى فى
غيظ: - استغفر الله العظيم، ان وجودك جوارى مكفرا لسيئاتى..
انفجر يوسف ضاحكا و هتف يغيظها بدوره: - اذن بجوارى ستضمنين دخول الجنة التى وعدك بها ربك، أليس كذلك!؟.

كانت كلماته عادية فى مجملها لكنها لا تدرى لما شعرت بدبيب عجيب و صدى اعجب يتردد بين جنبات نفسها لتلك الكلمات البسيطة و التى ألقاها فى أريحية، ستضمن الجنة قربه!؟، ام انها لن تجنى من ذاك القرب الا جحيما من نوع خاص!؟، جحيما لها وحدها ستعيشه قبل حتى ان تُحاسب على ذبوب لم تقترفها و اوجاع لم تكن تدرى عنها شيئا..

استطرد هو فى نبرة مازحة يخرجها من أتون خواطرها المستعرة: - نعم ستتنعمين فى جنتك تلك و تعيشين نشوة كاملة و انتِ ترينى هناك اتردى فى الجحيم المزعوم، لا أظن ان هناك مشهدا سيكون اكثر اسعادا لكِ من ذلك!؟.
هتفت تجارى مزاجه: - نعم صدقت، رؤيتك تتعذب فى الجحيم، امر ممتع لا محالة..

ساد الصمت لاحظة تبدلت فيها نبرته مما استرعى انتباهها لتنظر اليه فى تعجب و هو يهمس بوجع: - اذن يمكنك الاستمتاع منذ اللحظة و لا داع للإنتظار، فها انا أتعذب فى جحيمى الخاص..
كادت ان تشهق فى صدمة لكلماته التى اوجعتها فى الصميم، و كادت ان تهتف بأى كلمة تحاول بها ان تستعيد جو المرح ذاك و الذى تبخر فى لحظة الا انه لم يمهلها لتفعل بل اندفع خارج المطبخ و تركها تغرق فى عذاب من نوع خاص، خاص جدااا.



look/images/icons/i1.gif رواية إلى تلك الرائعة أحبك
  09-01-2022 11:48 مساءً   [9]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

سمع صوتها عاليا على غير العادة، يبدو ان امر ما قد اغضبها فترك موضعه المعتاد فى قاعة المقهى بالقرب من المطبخ و مد رأسه مستفسرًا فى هدوء حتى لا يلاحظه احد..
اخذت تتحدث عن غلو الأسعار و جشع الموردين لمستلزمات المقهى كانت تبحث بعينها عن شئ ما أدركه من فوره، فدخل المطبخ فى تؤدة و هى توليه ظهرها و اقترب من مكانها واضعا جوارها ما كانت تبحث عنه و خاصة عندما تغضب، وضع تفاحة..

هتفت زافرة: - استغفر الله العظيم..
وألتقطت التفاحة أو التى ظنت انها كذلك فى عجالة و قضمتها فى عنف تخرج فيها غيظها الا ان التفاحة انفجرت بوجهها و دفعت بعصيرها على خدها و ملابسها، هنا انفجر يوسف مقهقها و انتبهت هناء ملتفتة الى غفران مستفسرة عما يحدث لتقهقه بدورها على حال غفران المغطى بعصير الطماطم التى قضمتها معتقدة انها احدى التفاحات المسكينة التى تفرغ فيها غلها..

وقفت غفران فى ثبات منتظرة انتهاء مزاحهما فهتف يوسف بدوره: - ما رأيك هناء!؟، أليست هكذا افضل!؟، بعض من عصير الطماطم على ذاك الوجه الثائر يعطيه بعض من..
قاطعته غفران ساخرة: - من السخافة..
قهقه كلاهما على رد غفران الغاضب، و التى بدأت فى ازالة اثار الطماطم المنتشرة على وجهها و ملابسها..
ليستطرد يوسف ممعنا فى اغاظتها: - بعض من الفلفل الأسود و الملح سيكون رائعا لتكتمل مقادير السخافة..

علت قهقهات هناء و لم تعقب بينما نظرت غفران فى ضيق لذاك المنشرح لما فعله بها و قررت ان ترد له الصاع صاعين، والبادئ اظلم..
تظاهرت بالانشغال من جديد وتوجهت حيث يقف فى اعتداد مدعية تجاهلها لمزاحه فى خيلاء و سكبت بعض الزيت فى طريق عودته و انتظرت لثوان حتى تنل ثأرها، خطوة و اخرى خطاها مبتعدا حتى يخرج لقاعة المقهى الا ان ذاك السائل الزلق جعله يفقد توازنه ليبدأ السقوط الكبير، سقوط السيد الضخم..

كانت فى قمة نشوتها و هو يجاهد لكى يظل على ثباته الا ان محاولاته باءت بالفشل و سقط بالفعل سقوطا مدويا..
انفجرت كل منهما ضاحكة على ذاك الممدد ارضا ينظر اليهما شذرا، لتهتف هناء باسمة: - هذا حق ما فعلته بغفران، تحمل وانهض يا بطل..
و مرت هناء فى حرص بعيدا عن موضع سقوطه و هى تحمل بعض طلبات الطعام لتقديمها..

ظل ممددا بلا حراك ينظر اليها و هى توليه ظهرها لكنه يستشعر فرحتها و يدرك ضحكاتها التى تكتمها من جراء اهتزاز جسدها فى محاولة للسيطرة عليها..
هتف فى صوت واهن مدع: - يبدو انى قدمى أصيب بسوء، انا لا أستطيع النهوض..
انتفضت موضعها مستديرة الى موضع سقوطه واندفعت فى ذعر تنحنى لتتأكد بنفسها مما يزعم هاتفة: - هل أصيبت قدمك حقا!؟.
اكد فى إيماءة مستكينة: - يبدو ذلك، لكن لا عليكِ، احتاج فقط للنهوض كى اتصرف..

مدت كفها بشكل لا ارادى تحاول ان تمد يد العون و قد بدأ شعورا بالذنب يكتنفها فهى المتسبب فى ذلك، فى لحظة تهور منها رغبت فى نيل ثأرها و هى التى ما كان ذاك طبعها ابدا فدوما هى المتسامحة التى تقدم الغفران مهما كان الخطأ لكن معه لا تعرف ما الذى دفعها لارتكاب فعلتها تلك.

نظر هو الى كفها الممدودة اليه فى أريحية و بساطة لم يعتدها و شعر انها ليست فى وعيها لتفعل ذلك فالتلامس معه بأى طريقة كانت خط احمر بالنسبة اليها لا يجب تجاوزه مها كانت الظروف و يشهد على ذلك ذعرها حين أنقذها من عصبة الكلاب التى كادت تفتك بها وهتفت بوجهه فى جملة صريحة، لا تلمسنى مجددا ..

ابتسم رغما عنه ففعلتها العفوية تلك تعنى له الكثير مد كفه بدوره متشبثا بكفها الرقيق محاولا النهوض الا ان الامر لم يكن بتلك البساطة، لزوجة الارض كانت شديدة و هى كانت ضعيفة كفاية حتى لا تتحمل محاولة جذبه بكل هذا الجسد الضخم لتكون النتيجة الطبيعية هى سقوطها مندفعة الى احضانه..

لحظات فارقة من الزمن مرت على كليهما و نظرات كل منهما معلقة بأحداق الاخر كانما كلاهما قد اعاد اكتشاف صاحبه و ادرك ان نوافذ روحه تلك التى يتطلع اليها تحمل الكثير من الأسرار و الخبايا، شعر بقربها ان ذاك الأيمان الذى افتقده قد عادت جزوته المنطفئة فى الاشتعال من جديد و احست هى ان ذاك الأمان الذى افتقدته دهرا حتى ظنت ان وجوده ضربا من الخيال ها قد اضحى حقيقة ملموسة الان..

انتفضت حين ادركت ان ما يحدث لا منطقى و لا يصح حدوثه من الاساس، انبت نفسها فى غضب داخلى مكتوم حاولت الا تظهره على محياها و بدأت فى الانسحاب من جواره مبتعدة عن موضع سقوطه و منه الى الاعلى تختبئ بعيدا، بعيدا عنه و عن تلك المشاعر التى يوقظها بها كلما ظهر بالصورة او حتى اختفى..

وصلت غرفتها واغلقت خلفها بابها و شهقت باكية تستغفر فى تضرع وهى تضم تلك الكف التى مدتها اليه دون وعى منها تنظر اليها فى تيه امام وجهها تود لو قطعتها او ربما احتضنتها، و ما بين تناقض الرغبات المُهلك ذاك ظلت عالقة تتأرجح كبندول ساعة لا يهدأ..

كانوا قد اتفقوا على تجهيز حفل باهر للاحتفال برأس السنة الجديدة، كانت الاستعدادات على قدم و ساق و بدأ إقبال الذبائن منذ السادسة..
تبادلوا جميعا الإشراف على وضع الطلبات و تقديمها و الاستعداد ليكون الكل في أبهة حلة لاستقبال عاما جديدا تمنى الجميع ان يكون ملئ بالسعادة..

وقف هو في موضعه كعادته و ابتسم للزوار على غير العادة، و ظهر منير و خلفه طلت هناء بثوب رائع منتشية تنظر إلى مقهاهم الذى كان في نفس الوقت من العام الشبه منصرم بعد ساعات قليلة خال و لم يكن يستوعب هذا الكم من الزبائن و لم يكن أبداً بهذه الشهرة، العام الماض يعد الأفضل على الإطلاق، و الفضل يعود إلى غفران، تلك الفتاة التى ما ان هلت إلى المقهى حتى تبدل حاله في شهور قليلة من مقهى متواضع على احدى النواصى إلى مقهى يأتي اليه المرتادين خصيصا، واصبح اسمه ذائع الصيت و أكلاته و كعكات غفران محل إعجاب الجميع، تلك الفتاة وجه الخير على الجميع..

ظهرت غفران متأخرة قليلا عن منير و هناء، جالت عيني يوسف باحثة عنها بين الوجوه التي كانت تضع أقنعة تنكرية لكنه لم يبصرها و سخر من نفسه فمن السهل العثور عليها لانها تضع غطاء رأس، استدار قليلا ليكاد يشهق في صدمة، هل هذه غفران!؟.

كانت تقف في ثوب رائع بلون زهرى و حجاب بلون مماثل، تغطى وجهها بقناع فضى رائع، كانت تقف باحد الأركان ولم يكن باستطاعته الاقتراب، لا يعلم لم ثقلت قدميه و ما عاد قادرا على الحركة ليدنو منها فمنذ حادث سقوطه او بالأحرى سقوطهما و كل منهما كان يتحاش صاحبه و ينأى عن التواجد معه قدر الإمكان و كأن اتفاق بينهما..

كانت غفران تقف اللحظة وحيدة تشعر بخجل شديد فقد كانت ترفض الهبوط بين رواد المقهى من الأساس لذا استخدمت ذاك القناع الذى تضعه لتخبئ قسمات وجهها التى تشتعل حياء..

كانت تنظر من خلال ذاك القناع حولها بحرية ووقعت نظراتها عليه، دق قلبها بسرعة غير معهودة و حاولت ان تجذب نظراتها مبتعدة عن محياه و استطاعت ببعض من عزيمة و هى تتمتم باستغفار، كان مهلك الطلّة بتلك البدلة السوداء و رباط العنق، انها المرة الاولى التى تراه بهذا الشكل الرسمى بعيدا عن ملابسه المعتادة و خاصة سترته الجلدية السوداء التى لم يمكن يتخلى عنها..

كان المقهى مزدحم و قد قرروا اثناء الاعداد للحفل ان تكون الخدمة به على طريقة الاطباق المعدة مسبقا كلها موضوعة على احد الجوانب و للعميل حرية الاختيار مما هو مقدم حتى يتسنى لهم الاستمتاع بأجواء الحفل قليلا..

لم ترغب غفران فى الجلوس و فضلت البقاء منزوية بالركن الذى وقفت فيه محاولة ان لا تلفت الانتباه لوجودها من الاساس، لكن بالنسبة له كان وجودها فارضا نفسه على ما عاداها، كانت نظراته مسلطة عليها لا تحيد عنها ابدا، مما استرعى انتباهها فشعرت بانها تذوب خجلا و تتمنى لو تبتعد على الفور، لكنه تحرك اخيرا من موضعه، كاد قلبها ان يتوقف فقد اعتقدت انه فى سبيله اليها لكن حمدت ربها سرا انه ابتعد للجانب الاخر من القاعة و قد قرر ان يضع موسيقى او اغنية ما من اختياره كما فعل بعض الزبائن و اختاروا أغنياتهم المفضلة مهداه لأحبائهم..

تهادى لمسامعها كلمات الاغنية التى اختارها، و التى حازت إعجاب الجالسين حتى ان بعض منهم قام مع رفيقته للرقص على أنغامها و كلماتها الساحرة..
يا سيدتى، ليس هنالك شئ يملأ عينى..
لا الاضواء و لا الزينات..
ولا أجراس العيد و لا شجر الميلاد..
لا اتذكر الا وجهك انت..
لا اتذكر الا صوتك انت..
تعالى، تعالى، تعالى..
هات يدك اليمنى، كى اتخبأ فيها
تعالى، تعالى، تعالى..
هات يدك اليسرى، كى استوطن فيها.

قولى اى عبارة حب، حتى تبتدأ الأعياد.
لا تعلم لما شعرت ان تلك الاغنية ما هى الا رسالة مبطنة بشكل ما مرسلة اليها، طردت هذا الخاطر و بدأت فى التركيز على امور اخرى اكثر أهمية تخص العمل.
لم يبق الا لحظات و بدأ الزبائن فى العد التنازلى فاليوم الاول من العام الجديد على وشك البدء..
اغلقت الأنوار عندما حان منتصف الليل تماما، و بدأت الصرخات المنتشية و التهانى ما ان فتحت من جديد..

نظر يوسف الى موضعها فلم يجدها و كانها كانت مجرد صورة من وحى خياله المشتاق لمحياها..
تنبه و اندفع فى اتجاه الدرج الداخلى المفضى لحجرات النوم، كان عليه ان يستنتج هذا بكل سهولة..
صعد الدرج فى خفة و فى ثوان كان يقف امام باب حجرتها المغلق، سمع همهمات دعائها، كانت تناجى ربها كما اعتادت و كما بدأ يعتاد هو بل يأنس لذلك و يتوق اليه فى سكينة عجيبة أدهشته..

تناهى لمسامعه حديثها مع ربها فى تضرع وبنبرة يملأها الحياء فأقترب يكاد يلتصق ببابها رغبة فى الا يفته حرفا مما تنطق الان هامسة: - انا لا اعلم ما الذى يجعله مميزا و انت ادرى الناس بحاله يا رب، و لا يد لى فى ميل قلبى الذى يكمن بين إصبعين من يدك تقلبه كيفما شئت، يا رب ان كان خيرا فقربه وان كان شرا فاصرفه واقض لى الخير حيث كان و كيفما شئت و ارضنى به يا الله..

تسمر للحظات يتردد صدى دعائها بين جنبات روحه و اخيرا انتفض مبتعدا فى حرص يهبط الدرج حتى اصبح فى لحظات داخل الحفل من جديد، لكن لا ذاك الصخب الدائر و لا ذاك الضجيج الذى يعم المكان كانا اكثر صخبا و ضجيجا من طرقات قلبه و بعثرة روحه و فوضى مشاعره او غليان افكاره و التى هامت هناك حيث تركها، و قد اعترف من توه انه عاشق حد الثمالة لتلك الرائعة بالأعلى، و لا حيلة له فى ذلك..

شعرت بحركة مريبة تحدث بالأسفل فأقشعر بدنها خوفا و فكرت ان توقظ الجميع لاستطلاع الامر، لحظات مرت قبل ان تتخذ قرارها و تنهض من فوق مصلاها بعد أداءها صلاة الفجر، ارتدت مئذرها على عجالة و فتحت الباب فى حذّر و ما ان همت بطرق الباب على غرفة منير و هناء حتى تنبهت ان باب غرفة يوسف مفتوح و ذاك الظل الضخم الذى كان يتجه للأسفل بالتأكيد هو ظله، لابد و انه استمع للجلبة التى حدثت بالأسفل و نهض يستطلع الامر مثلها..

قررت الذهاب خلفه و هبطت الدرج فى تؤدة تتلمس خطواتها حتى وصلت للمطبخ حيث يظهر الصوت الان اكثر وضوحا، تنحت جانبا تختبئ حين ظهر ذاك الظل الغريب الواقف امام المبرد يستطلع ما بداخله و يخرج بعض ما فيه و اخيرا ظهر يوسف من احد الأركان منقضا عليه، لم يكن ذاك الظل الغريب ضخما مقارنة بيوسف لذا استطاع يوسف السيطرة عليه بسهولة و إخضاعه و ما ان دفع به نحو احد الأركان حتى استطاعت استيضاح اللص الذى لم يكن الا شابا صغيرا لم يتعد الثامنة عشرة من عمره، و الذى هتف فى ذعر محاولا تجنب اى ضربات قد يتلقاها من يوسف بكفه التى يرفعها فى مواجهة وجهه: - انا لم افعل شيئا و لم اخذ شيئا، صدقنى انا لست لصا..

انحنى يوسف مواجها له جازا على اسنانه و هو يهتف فى غيظ: - اذا ما الذى أتى بك الى هنا!؟، ضللت طريقك للجحيم ام ماذا..!؟
اكد الشاب متلجلجا: - لا، انا فقط كنت جائعا و..
و لم يكمل كلماته و قد بدأت الدموع فى الظهور بمآقيه، مما جعل قلب يوسف يرق له هاتفا: - هل كنت تسرق جوعا!؟.

اطرق الفتى برأسه خجلا و همس بعد لحظات: - ليس من أجلى، اقسم لك انا ما فعلت الا من اجل امى و اختى الصغرى، استحيت ان ادخل عليهما و انا لا احمل قوتا لهما..
هتف يوسف فى حنق: - استحيت منهما و لم تستح من إطعامهما من حرام!، استحيت منهما و لم تستح من الله!.
كادت تشهق فى صدمة من كلمات يوسف للفتى، هل ذكر اسم الله!؟، هل يخبر الفتى ان يستح من رؤية الله له فى موقف كهذا!؟، تكاد لا تصدق ما سمعته اذناها.

و بدأ قلبها يدق فى سعادة حتى كادت تندفع هربا من موضعها حتى لا تفضحها دقاته التى كادت تصم أسماعها، و تنبهت عندما هتف يوسف بالفتى امرا: - انهض..
هتف الفتى فى ذعر: - هل ستسلمنى للشرطة!؟، ماذا ستفعل امى و اختى دونى!؟، ارجوك، انا..
هتف يوسف فى نفاذ صبر: - قلت لك انهض، و لانت نبرة صوته عندما ادرك ذعر الفتى الذى كان يطل جليا من نظراته هاتفا: - ما اسمك!؟.

هتف الفتى متعجلا و هو ينهض مقابلا يوسف: - رامى...
ربت يوسف على كتفه مطمئنا و هتف مؤكدا: - يمكنك اخذ ما يكفيك انت و امك و اختك، و انا سأتكفل بثمنه، و عدنى ألا تكرر ذاك الحمق مرة اخرى..
هتف الفتى مذهولا: - أحقا ستتركنى ارحل و لن تبلغ الشرطة!؟.
هتف يوسف مازحا: - هل أتحدث الروسية يا فتى!؟، نعم اذهب و عد مرة اخرى الساعة الواحدة ظهرا..
هتف الفتى مذعورا: - هل ستسلمنى ساعتها للعدالة!؟.

هتف يوسف و هو يضم قبضته غيظا: - الا تفكر الا فى السوء أيها الاحمق!؟، لو أردت لقضيت عليك دون الحاجة لجلبة احضار الشرطة، بل ستعود لأجد لك عملا تنفق به على اختك و امك من الحلال، اسمعت!؟، بالحلال، حتى لا تعود لفعلتك الغبية هذه مرة اخرى..
هلل الفتى و انبسط وجهه فرحة و هتف فى سعادة: - حقا!؟.
ابتسم يوسف مؤكدا: - نعم، هيا ارحل الان و عد كما اتفقنا..

أومأ الفتى برأسه موافقا و اندفع راحلا لا يصدق انه نجا و سينال عملا ايضا..
تنبهت غفران لتتسلل عائدة لغرفتها قبل ان يفطن يوسف لوجودها و اغلقت بابها خلفها و هى تفكر فيما رأته بالأسفل..

تمددت على فراشها و تعلقت نظراتها بالسقف كالعادة عندما يصيبها السهاد لكن هذه المرة ما يعتريها هو خليط عجيب من المشاعر لا يمكنها وصفه او تفسيره..
مزيج من فرحة مخلوطة بسعادة بلهاء يكتنفها بعض الرهبة و القليل من القلق..
لا تعرف كنه ذاك الخليط العجيب لكن جل ما تدركه تلك اللحظة هو الانشراح و النشوة التى تغمرها كلما استعادت افعال يوسف او حواره مع الفتى بالأسفل..

دمعت عيناها فى حبور و ابتسمت فى امتنان و رفعت أكفها للسماء شاكرة فقد استشعرت ان يوسف قد بدأ يخطو اولى خطواته فى الطريق الصحيح، طريق الله..
اما هو فقد عاد حجرته و قد اربكه ما فعله مع ذاك الفتى، و تساءل فى تعجب لعله يجد اجابة تريح اضطراب خواطره، لما فعل ذلك!؟، لما ترك الفتى يرحل دون ان يعاقبه على فعلته!؟، الم يكن هذا احد أسباب الخلاف الدائم بينه و بين غفران!؟

هل اضحى دون ان يشعر نسخة منها يتصرف كما تتصرف هى!؟، هل اصبح كذلك بالفعل!؟.
نهض يزرع الغرفة جيئة و ذهابا يخلل أصابعه فى توتر بين خصلات شعره و يزفر فى ضيق..
لقد اصبح تأثيرها عليه قوى لدرجة لم يكن يتخيلها انه حتى اصبح يتحدث بلسانها هى، الم يذكر الله فى حديثه مع الصبى!؟ منذ متى يفعل!؟، انه لا يذكر الله الا ساخطا غير معترف بربوبيته من الاساس
فكيف به الان يلوم الفتى على عدم مراعاة الله فيما فعل!؟.

انه يشعر بنزاع رهيب تدور رحاه بين جنباته و صراع محتدم بين رغباته، و عليه ان يجد طريقه، لكن الى اين يتجه!؟، فوجعه على فراق ابنته لايزل مغروسا بجذور متشعبة و ممتددة بخلايا روحه، لازال يجذبه للثورة و العصيان
لايزل يدفعه بعيدا عن طريقها، ذاك الطريق المضئ بالبهجة و الطمأنينة القلبية التى يفتقدهما منذ زمن بعيد، فهل حان الوقت ليستعيد سعادته و إيمانه!؟، ام ان وجعه سيكون الاقوى و المسيطر دائما!؟.

هو لا يعلم، و يود لو يفعل..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، الرائعة ، أحبك ،












الساعة الآن 04:50 PM