تجلس أمام مرآتها تعتدل من زينتها، فكانت بحق جميلة، ترتدى فستان طويل من اللون الأسود المطرز، وتضع القليل من مساحيق التجميل التى لم تستطع إخفاء براءتها، بعد أن أنتهت تقف أمام المرآة تنظر لنفسها فى رضا وتتجه إلى الشرفة الكبيرة الموجودة فى شقتها والموضوع عليها تورتة صغيرة فقط، تقترب من التورتة وتمسك فى يدها عدة شمعات، تضعهم فى التورتة ببطيء شديد واحدة تلو أخرى وهى شاردة وتحدث نفسها قائلة: سنة بتمر ورا سنة، وعمرى ما قدرت أنسى اليوم ده، اليوم اللي قابلتك فيه وبقيت أهم شخص فى حياتى تنظر إلى التورتة فى شرود وتعود بالزمن للوراااااااااء...رواية عاشق المجهول الجزء الأول للكاتبة أمنية الريحاني الفصل الأول( حب لا تراه الشمس )أمام إحدى الفلل العريقة فى الإسكندرية:تقف فتاة صغيرة لم يكمل عمرها الثلاثة عشر أعوام أمام الفيلا، وبجانبها رجل كبير فى السن يمسك يدها فى حرص قائلاً: بصى يا بنتى، أنا كده عملت اللي عليا، دا العنوان اللي والدك أدهولى، وقالى إنك هتلاقى أهلك هناتنظر له الفتاة بعيون راجفة قائلة: بس أنا خايفة يا عم نوحنوح: خايفة من إيه يا بنتى، دول أهلك، وهيبقوا أحن عليكى من أى حدوينظر لحارس الفيلا قائلاً: لو سمحت يا ابنى، يحيي بيه موجود؟الحارس: لا يا حاج مش موجود حالياًنوح: ولا غالية هانم؟الحارس: لا غالية هانم موجودة جوا، هى وعادل بيهنوح: طب إديها يا ابنى خبر إن حد عايز يقابلهاتوجه الحارس لإبلاغ غالية، بينما يربت نوح على ظهر فاطمة قائلاً: يالا يا بنتى، الهانم جوا أهى، وأكيد هتفرح لما تشوفكتتشبث به بتلقائية، ليمسك يدها فى حنان قائلاً: متخافيش، وافتكرى دايماً إنتى مين وبنت مينفى داخل القصر:يقف عادل أمام المرآة يصفف شعره ويضع عطره وهو يتحدث فى التليفون قائلاً: يا ابنى خلاص أنا لبست ونازل أهو(عادل الصفدى: شاب وسيم، وهو الأبن الأكبر ليحيى الصفدى فى السنة الأخيرة من كلية السياسة والأقتصاد )يستعد عادل لجمع كتبه، ولكنه يتوقف حين يسمع صوت شجار عالى يأتى من الخارج، يعتليه صوت والدته غالية، فيركض مسرعاً نحو الصوت، ليجد والدته تتشاجر فى الاسفل مع فتاة صغيرة لا تتجاوز الثلاثة عشر عامتلقى غالية بعض الأورق فى وجه الفتاة الصغيرة التى تبكى بشدة، وهى تقول فى غضب: إنتى فاكرة شوية الورق دول هيخلونى أصدق إنك بنت عاصم، هو أى واحدة نصابة تيجى تقولى إنى بنت أخوكى هصدقهاالفتاة وهى تبكى فى براءة قائلة: نصابة، صدقينى يا طنط أنا مش نصابة، بابى هو اللي قالى أجى على حضرتك، وقالى إنكم أهلى وهبقى فى أمان وسطيكم، وأنا معرفش حد تانى أروحلهغالية: روحى يا شاطرة من مطرح ما جيتى، بكفيانا نصابين وولاد شوارعتمسك الفتاة حقيبتها الصغيرة فى حزن شديد، وتتجه إلى الباب تجر فى قدميها لا تعلم إلى أى مكان ستذهب، ينظر لها عادل فى شفقة، وتتقابل أعينهم فى نظرة طويلة، نظرته لها نظرة إرتياح وشفقة، ونظرتها له نظرة خوف ورجاء، بعد خروج الفتاة ينظر عادل إلى والدته متساءلاً: مين دى يا ماما؟غالية: ملكش دعوة أنت يا عادل، دى بنت نصابةيركض عادل إلى الأعلى محدثاً والده فى الهاتف، ويحكى له كل ما حدثأما عن الفتاة التى خرجت من باب الفيلا فى قهر، تبحث عن نوح أملاً منها أن تجده ينتظرها، ولكن يتلاشى الأمل سريعا حين لا تجده، تنظر الفتاة حولها لا تعلم إلى أى مكان ستذهب، فهى لأول مرة تخط قدماها هذه البلد ولا تعلم أى شيء عنهاأما فى الداخل بعد أن روى عادل ما حدث لوالده يتفاجيء به يصيح قائلاً: والبنت راحت فين يا عادل؟عادل: معرفش، ماما طردتها برة الفيلا، ومعرفش راحت فين؟يحيى: تقب وتغطس وتلاقيها، البنت دى لازم تلاقيها بأى شكلعادل: أنا مش فاهم حاجة، هى مين دى، وليه حضرتك بتقولى لازم ألاقيها؟يحيي: البنت دى تبقى بنت خالكعادل: بنت خالى؟!يحيي: أيوا بنت خالك عاصم، يعنى لحمك ودمك، يعنى لازم تلاقيها وتحافظ عليها، وأول ما تلاقيها وديها لعمتك مريم لحد ما أرجع من السفر وأتصرف معاهاعادل: ايوا يا بابا بس...يحيي: مفيش وقت للكلام، لما أرجع هفهمك كل حاجة، المهم دلوقتى تحافظ على عرضك ولحمك، عادل، البنت دى بقت أمانة فى رقبتنا، مفهوم؟عادل: حاضر يا بابافى خارج الفيلا:تجلس الفتاة بعيداً عن الفيلا على أحد الأرصفة خائفة، تضم نفسها بذراعيها محاولة بث الطمأنينة إلى نفسها، وتنتفض ناظرة حولها مع أى قطة أو كلب يمر بجانبها، بعد قليل شعرت بسيارة تقف أمامها، وينزل منها شخص ما متجهاً نحوها، فأمسكت حقيبتها فى ذعر وركضت محاولة الهرب، ولكنه ركض تجاهها وأمسكهافى داخل الفيلا:تسير غالية فى توتر داخل حجرتها محدثة نفسها: كنت فاكرة إن صفحتك أنطوت من زمان، من ساعة ما أخترت تبعد عننا وتعصانا وتروح تتجوز الهانم، ومكنتش عارفة إن الصفحة دى هتتفتح تانى بعد أكتر من 13 سنة، بس لا يا عاصم صفحتك هقفلها من تانى زى ما قفلتها زمانونعود للفتاة التى أمسكها الشخص فى ذعر منها قائلة: أنت عايز إيه، أنا مش معايا أى حاجة أديهالك، أنا ...يضع الشخص يده على فمها فى حنان، ويضمها إليه محاولاً تهدئتها قائلاً: هشششششش، بس يا حبيبتى متخافيش، أنا مش عايز آذيكى، أنا ابن عمتكتنظر له لتجده نفس الشخص الذى قابلته داخل الفيلا أثناء خروجها، مازال جسدها ينتفض داخل حضنه، فيضمها إليه فى حنان قائلاً: اهدى، خلاص أنا معاكى، مفيش حاجة هتحصلك وأنا معاكىتنظر له وشفتاها تنتفض قائلة: بس عمتى طردتنى، أنا مش نصابةعادل: أنا عارف إنك مش نصابة، وعارف إنك بنت خالى، ممكن تهدى بقى وتيجى معاياالفتاة: على فين؟عادل: هنروح نشرب أى حاجة فى أى مكان لحد ما تهدىيمسك عادل يدها ويدخلها سيارته، ويتحرك بهافى إحدى الفنادق فى إنجلترا:يقف يحيي فى شرفة حجرته محدثاً نفسه: ياه يا غالية، لسه قلبك قاسى، كل السنين اللي فاتت مقدرتش تحنن قلبك على أخوكى، وصلت بيكى تطردى بنته، طب ذنبها إيه البنت الصغيرة دى، يمكن يكون الذنب الوحيد ليها إنك أنت أهلهاويتذكر هذه المكالمة الهاتفية التى أجراها مع عاصم قبل سفره بيومين يوصيه فيها على إبنته إذا وصلت مصر فى أى وقت، وأنه يخشى أن يحدث له شيء ويتركها فى الدنيا وحيدة، خاصة وهو يعلم مدى قسوة أخته غالية، ولكن يحيي طمأنه أنها ستكون فى حمايته إذا حدث أى شيءفى إحدى المطاعم:يجلس عادل بجانب الفتاة التى تشرب كوب من عصير البرتقالعادل: ها بقيتى أحسن؟الفتاة: الحمد لله، أنت طيب أوى، مش زى عمتوعادل: معلش، هى بس تلاقيها اتفاجئت بيكى، بصى انا معرفش حكايتك إيه، بس اللى متأكد منه دلوقتى إنك بنت خالى، وطالما طلعتى بنت خالى يبقى مهمتى أحافظ عليكى وأحميكى لحد ما بابا يرجع من السفر...تااااابع اسفل