logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





31-05-2021 04:11 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 31-05-2021
رقم العضوية : 5
المشاركات : 540
الجنس :
قوة السمعة : 16







%25D8%25AD%25D8%25A8%2B%25D8%25AE%25D8%25A7%25D8%25B7%25D8%25A6

- يُرهقُني كوني شخصٌ متعمق جدًا لاتجري مُجريِّات الأمور من أمامهِ بل من خلالهِ، وتتركُ فيهِ ندوبًا و آثارًا - مقتبس.

ـ عمّااار، عمّااار، جلجل صوتها الصارخ المفزوع في الطريق المتداخل مع صوات أبواق السيارات، شحب وجهها وبدأ قلبها بالخفقان بعُنف بين جنبات صدرها، تحاملت على نفسها ووقفت وهي تتأوه بألم ثم ركضت إليه بعرج بسيط و عبراتها تنهمر بغزارة، هو لن يصيبه سوء لن تسمح لهُ.. <a name=\'more\'></a>

توقفت نادين عن الركض عِندما سمعت صوت اصطدام، تيبست محلها وانقبض قلبها خوفًا من الالتفات مما سوف تري، شهقت بقوة وحجظت عيناها عِندما أبصرته فركضت عائدة إليهما دون تردد..
تأوه بقوة وهو يمسك ذراعه بوجه مُحتقن لاعنًا اليوم الذي رأي كلتيهما به، ركعت ليلى أمامه وهي تصرخ باسمه بخوف ويديها تصفع وجنتيه بخفة..
تمتم بألم وهو يحاول الانتصاب والوقوف لاهثًا وصدره يعلو ويهبط في عُنف: أنا كويس، كويس..

ساعدته ليلى في الوقوف بتعب لتشاركها نادين وهي تعتذر إليه بندم: أنا آسفة، كُل ده بسببي..
هزَّ رأسهُ بلا بأس وهو يسير بترنح وعدم اتزان و دوارًا قويًا يداهمة، وألم جامح يجتاح رأسهُ من قوة الضربة شاعرًا كأن أحدهم ينخر جمجمتة..
بينما التي ضربته بالسيارة خرجت كي تعتذر أو تأخذه إلى مستشفي لكنها وجدتهم يبتعدون به بهدوء فعادت أدراجها..
همست ليلى بإسمها بحزن: نادين..

تجاهلتها ولم ترد عليها وهي تزدرد ريقها حتي دلفوا إلى المنزل، سارعت ليلى بإحضار كوب مياه إليه بعرج بيِّن، ساعدته بارتشافة وهي تربت على ظهره بتلقائية جعلته ينظر إليها نظرة خاوية، ينقصه فقط أن تطلب منهُ التشجؤ بعد ارتشاف الحليب! انتبهت على نفسها و أبعدت يدها بسرعة كأنهُ شخصا موبوء ثم سألته بقلق: اطلب دكتور او تروح المستشفي؟

نفي بهزَّ رأسهُ ثم طلب و ملامحه تتقلص من الوجع وهو يحاول تذكر أسمه: لأ هاتيلي بس البتاع ده اربطه على ايدي..
نظرت إليه بعدم فهم ليعيد بنفاذ صبر من الألم الذي يفتك به وهو يضم قبضته على كفه الموجوع حتى مرفقة الذي ينبض بالألم، ورأسهُ تكاد تنفجر: البتاع اللي بيلف ده عامل زي الصوف.
هزَّت رأسها بجهل ثم صاحت فجأة عِندما فهمت: أصدق رباط ضاغط؟.

أومأ بشكلٍ متكرر وهو يتأوة فهرولت إلى المطبخ وأتت به وهي تتمتم باستنكار: دكتور ايه ده اللي مش عارف اسم الرُباط الضاغط؟
وضعت علبة الاسعافات الأولية أمامه ومدت يدها تساعده لكنهُ منعها بهدوء: لأ أنا هعمله، وهاتي رجلك اتصابت..
هزَّت رأسها بنفي وقالت بنبرة حادة لا تعرف إن كان فهم المغزي منها أم لا: لأ انا كويسة..
زفر ومدّ يده السالمة إلى قدمها لتبتعد صارخةً به بحدّة: أنت مبتفهمش؟ قولتلك كويسة!

صرخ بها بنبرة جمهورية جعلها تنتفض ويتضاعف ألم رأسه: إيــــــه بقولك رجلك متعورة؟!
هبَّت واقفة وصاحت بوجة مكفهر من الغضب، مُحتقن وهي على حافة البُكاء بسبب غباءة أمام نادين تانيةً: أنت انسان بجح وده مش ذنبي مش عايزة حاجة..
دفع علبة الاسعافات من أمامه بحدّة وهو يزمجر بخشونة ثم هبَّ واقفًا وغادر بملامح مكفهرة..

خللت أناملها داخل خصلات شعرها بعصبيه وصرخت به كي يعود: ضمد ايدك الاول وبعدين امشي!، لكنهُ غادر وصفع الباب خلفه بقوة رجت أرجاء المنزل..
ـ أنا طالعة أنام، قالت نادين بهدوء دون النظر إليها وصعدت، هرولت خلفها متحاملة على نفسها صعود الدرج لكنها لم تلحق بها، كانت قد أغلقت غُرفتها عليها من الداخل..
طرقت باب غرفتها وهي تسند جبينها عليه تتوسلها كي تفتح: نادين افتحيلي لازم نتكلم عشان خاطري..

لم يأتها رد لتستطرد وهي تبكِ بانهيار: انا قولتلك من الأول بلاش عمّار، افتحي عشان خاطري لازم نتكلم عمّار كان بيهزر أنتِ عارفة أنه بيعزك، لكن لم يأتها رد..
شهقت بحرقة وهي تسقط جالسة أمام الغرفة وظلت تطرق عليها كي تريح قلبها وتفتح لكنها لم تفعل..

عاد إلى منزله بعد أن ضمد ذراعه في المستشفى، صفع الباب خلفه وصعد مباشرةً إلى الغرفة بألم يفتك برأسهُ، فمن الجيد أنهُ لم يصيب بارتجاج، القى بجسده فوق الفراش ودفن رأسهُ أسفل الوسادة باستياء كـ طفل غاضب حزين يحتاج إلى مواساة، هو بحاجة إلى والدته هي الوحيد التي تطبطب على قلبه المسكين وتطيب خاطره، تواسيه بعناق، تغمره بحنانها دون أن يطلب، سيذهب إليها غدًا، لقد إشتاق إليها ويحتاجها أكثر من أي وقتٍ مضي..

داخل القاعة التي تنطق بالفخامة، الخاصة بالطبقة المخملية فقط، الثريا الضخمة تدلي في المنتصف وسط الإضاءات المتلألئة والبذات الأنيقة و الروائح الذكية المنبعثة منهم صارخة بالثراء الفاحش، الهمسات المتحفزة، والنظرات المختلسة، الحلقات حول الطاولات دائرية، الجميع يقف باستقامة يحدقون في كؤوسهم تارة وأخرى يتبادلون أطراف الحديث، الأجواء شاعرية والموسيقي كلاسيكية هادئة تبعث الراحة في النفس..

وفي المنتصف حول طاولة دائرية صغيرة، كان جاسم يقف يتبادل أطراف الحديث مع عشق بهدوء حتى تنهد وأخذ يتلفت حوله عله يلتقط أحدًا يجلب لهُ مشروب لكنهُ يئس من تحقيق هذا وبعمليةٍ قال: هجيب حاجة نشربها وجاي..

أومأت بهدوء وراقبت ذهابه بابتسامة عذبة وهي تدلك رقبتها بخفة، فكانت ترتدي فستان كريمي بكتف واحد ضيق يتوسطه حزام أسود لامع رفيع يتماشى مع حذائها وتركت شعرها منسدلا خلف ظهرها، تلاشت ابتسامتها عِندما أظلم المكان فجأة وعمّ السكون في الأرجاء عدي من صوت تلك الموسيقي..

شهقة متفاجئة خرجت من بين شفتيها تلتها شهقة مرتعشة وهي تشعر بتلك اليد الدافئة تحتضن كفها تسوقها إلى مكانٍ ما وسط الظلام، رجفة بسيطة سارت على طول عمودِها الفقري وقلبها أخذ يقرع كالطبول بعُنف عِندما طوق خصرها بتملك ورفع يدها لتستقر على قلبه النابض بجنون، وأخذ يراقصها ويتمايل معها في الظلام دون أن يبصران، لكن قلبيهما كانا يبصران جيدًا، تعرف أنهُ هو، فهي لا تتوه عنهُ رائحته تسكن مساماتها..

دارت وتحركت معهُ بثلاثة والعبرات تشق طريقها لوجنتيها ولا تعلم اعتابًا أم إشتياقًا، فالقلب يميل لمن يُحب وهي مازالت تميل كُل الميل، كالنجمة تنير و تهدي في عتمة الليل كانت هي هكذا بين يديه، قلبه لم يهدأ ويتوقف عن الخفقان قط منذُ أن رآها، فهي أصبحت المالكة وغدي هو العبد..
ـ وحشتيني، همس بجانب أذنها بلوعة اشتياق، بوهن صاحبة واستشفته في صوته و أنفاسه الهادرة..

هادئة، ظلت هادئة بينما داخلها خراب تعض على شفتيها بقوة لكي لا يخرج صوتها الواهن حتى أدمتها، دفع بها إلى صدره بقوة مكبلًا إياها ويديه تمر فوق ظهرها بتلهف معطيًا الإشارة لها كي تبوح، شهقت بحرقة وهي تدس رأسها في رقبته ويديها تلتف حول منكبه بقوة تنوح وتبكِ بقلبٍ مُنشطر دون توقف..

ـ مكنتش أعرف إني بحبك اوي كده غير لما بعدتي، قال بشغف وهو يُدثرها داخل أحضانه بقوة وحميمية، هذا كلامًا جميلا مفعمًا بالحب لكنها لم تسمعه منهُ بقلبٍ صافي، رُبما مازالت غبية و تتفاعل معهُ لكنها لن تعود عشيقة من جديد هذا لن يحدث، لقد أقصته من حياتها..

ـ عشق مش هتردي عليا؟!، سألها بصوتٍ ضارع متوسلًا للرد، ليأتيه صوتها الباكِ المتعب الذي أشتاق لهُ كثيرًا بعد صمتٍ دام لثوانٍ بجانب أُذنه: أسكت يا قُصيّ وأحضني جامد، ابتسم بحنين وهو يتذكر هذا القول، فيا إلهي كم يشعر بالحنين إلى تلك الأيام، هو بالفعل كان يُقيدها وليس يعانقها فقط، هي فقط تريد وداعًا لائقًا.

همست بنحيب وهي تشد على كتفيه بقبضتها: أنت مشيت بعد ما غرزت خنجر مسموم في قلبي يا قُصيّ وسبته ينزف، و روحي تنزف معاه..
ارتفع صوت الهمسات والتمتمات المنزعجة حولهم بسبب طول الانتظار والأضواء مازالت مُغلقة ليتخلل الأصوات صوت جاسم القلق المُرتفع وهو يهتف باسمها بلهفة: عشق، عشق، أنتِ فين؟

ابتعدت عن قُصيّ بترنح وهي تجفف وجنتها براحة يدها بخفة، تستعيد رباطة جأشها على مهل تهدأ روحها المعذبة، اصطدم جسد صغير في كتف قُصيّ وسط الظلام ليصل إلى مسامعه صوت تمتمة اعتذار: آسفة..

قطب كلا حاجبيه وهو يفكر بهذا الصوت المألوف، استدار تزامنًا مع عودة الضوء ليتسمر مكانه و تتهجم ملامحه عِندما أبصر ريمه تهرول وهي تتلفت حولها كاللصة بنظراتٍ ضائعة وغرام في يدها! تلك المعتوهة تستحق الصفع كيف تأتي دون علمه؟

هرول خلفها سريعًا دوم أن يعبأ بالتي كان يتودد إليها من ثوانٍ فقط، ضحكت عشق بسخرية و تساقطت عبراتها بمهانة وهي تراه يهرول خلف الفتاة، مازال كما هو لم يتغير فمن تظن نفسها هي كي تغير قُصيّ رشدان بجلالة قدره؟!
انتفض جسدها بفزع عِندما وضع جاسم يديه فوق كتفها، التفت إليه بوجه شاحب ذهب لونه ليسألها بقلق وهو يقطب كلا حاجبيه ماحيًا عبراتها بنوعٍ من الاستنكار: عشق مالك حصل حاجة؟

هزت رأسها نافية بسرعة وهي تزدرد ريقها قائلة بارتباك: مفيش، مفيش كُنت بدور عليك خُفت شوية من الضلمة بس..
مسد ذراعها العاري بحنان وسار بها إلى طاولتهم بينما يقول برفق: متخافيش ده كان عطل واتصلح خلاص..
أومأت بتفهم ثم طلبت بهدوء: هروح الحمام بسرعة وجاية..
اختبأت ريمة خلف أحد الحوائط، تلهث بتعب وهي تطبق جفنيها بقوة مرددة لنفسها بخوف وهي تضم جسد غرام إليها: شافني، شافني، و هيقتلني..

تذمرت غرام بحزن وهي تدبدب بقدميها أرضًا: مش هشوف مامى بقي؟
ربتت ريمة على رأسها بحنان وهي تتوسلها: هنشوفها هنشوفها بس وطي صوتك والنبي دلوقتي..
أومأت بطاعة وظلت هادئة عابسة تحدق حولها بحزن لتشهق فجأة وتقفز بحيوية وهي تشد على يد ريمة لكي تنبه إليها..
سألتها باستفهام وهي تطالع ابتسامتها: ايه يا حبيبتي في ايه؟

قالت بحماس وهي تبتسم بإشراق، مؤشرة بسبابتها ناحية دوره المياه: مامى مامى شُفتها دخلت هنا تعالي نروح..
نظرت ريمة تجاه دورة المياه بريبة ثم سألتها بشك: متأكده يا حبيبتي، أومأت وهي تشد يدها بقوة حتى سارت معها بانصياع..
جلست ريمة القرفصاء أمامها بجانب باب دورة، ثم أمسكت يدها بحنان بينما تقول برفق: حبيبتي هتدخلي وزي ما اتفقنا ها عشان نبقي نشوفها تاني أوكيه..

أومأت بابتسامة مُشرقة ثم ركضت داخل دورة المياه لتعض ريمة أناملها بتوتر وهي تنتصب واقفة، فركت كفيها معًا بانفعال وهي تدور حول نفسها في مكانها متسائلة عن هوية التي بالداخل هل هي جـنّـة أم عشق!

جففت عشق أناملها وهي تحدق في انعكاسها في المرآة بنظرة خاوية لكنها لم تخفي نفورها واشمئزازها من نفسها أيضًا، قطبت كلا حاجبيها و اخفضت رأسها بجانبها عِندما شعرت بيدٍ رقيقة تلامس قدميها ويبدو أنها صغيرة أيضًا وليست رقيقة فقط..
جلست القرفصاء وهي تبتسم ملاطفة أمام تلك الصغيرة التي شعرت بكونها مألوفة بالنسبةِ إليها..

قرصت وجنتها الممتلئة بخفة وهي تسألها برفق: جاية؟ لوحدك يا حبيبتي؟ فين بابا؟! تايهـ، توقفت عِندما اندفعت لأحضانها وعانقتها بقوة، طوقت رقبتها بذراعيها الصغيرين وهي تدس نفسها داخل احضانها أكثر مطالبةً بالدفء والحنان، بكت بخفوت ورقة وهي تشد قبضتها فوقها أكثر أصابتها بالتعجب..
ربتت على ظهرها بحنان بيد بينما الأخرى كانت تمسح على شعرها برقة وهي تسألها بقلق: بتعيطي ليه يا حبيبتي خايفة؟ توهتي من ماما؟

فصلت عشق العناق وقامت بمسح عبراتها برقة وملامح الحزن تكتسي وجهها بسبب بكاء تلك الجميلة الصغيرة..
لثَّمت جبهتها بحنان ثم مررت يدها على ضفريتيها بابتسامة مشاكسة: حلوين أوي دول يـ، هخمن أنا متقوليش..
ضحكت برقة وهي تنظر إليها بشغف ترمش بين الحين والأخر في ترقب لمَ ستقول فهي بالتأكيد تمازحها..

بينما في الخارج كان التوتر لدي ريمة قد وصل لذروته وهي تفكر بتشوش غير قادرة على التركيز، هزَّت رأسها بيأس وهي تزفر بعمق تهيأ نفسها للدخول فلن تتركها معها حتي الصباح..
وضعت قدم داخل دورة المياه لكن ذراع قبضت على مرفقها جعلتها تغمض عينيها بخوف منتظرة تلقى صفعة قُصيّ لكن ذلك الصوت الأنثوي جعلها تتمنى لو كان قُصيّ هو من وجدها وصفعها..

ـ ريمة! بتعملي ايه هنا؟ نزلتي امتي؟ غرام؟ غرام معاكِ فين؟، كان هذا سؤال جـنّـة الذاهل الذي سرعان ما تحول إلى تلهف عِندما أتت بسيرة غرام..
ضحكت ريمة ضحكه أقرب للبكاء وهي تعود بخطوتها إلى الخارج مجددًا بوجه شاحب هرب لونه و بتلعثمٍ قالت وجبينها بدأ في التعرق: أنـ، أنـ، أنـ..

توقفت تستعيد رباطة جأشها ورفعت كفها تجفف جبهتها بأناملها المرتجفة بارتباك جلى لاحظته جـنّـة فعاجلتها بسؤالها بصوتٍ مُرتفع نسبيا من العصبية: ريمة! مالك متوترة كده ليه؟ حصل ايه؟
ضحكت ريمة ببلاهة وهي تعض شفتيها بتذبذب ثم قالت وهي تشملها بنظرها: أنتِ هنا يا جـنّـة معقولة؟

قلَّبت عينيها وهي تدفعها من أمامها لأنها تماطل وهذا واضح، دلفت إلى دورة المياه لتتحجر مكانها كمن سقط فوق رأسهُ سطلا من الماء البارد، اغرورقت عينيها بدموع قهرها، وصوت ضحكات غرام المتداخلة مع ضحكات عشق الرنانة تخترق أذنيها كدوي الطنين دون رحمة، تساقطت عبراتها وهي تشد على نواجذها، تضم قبضتها بقوة والحقد والغِل ينهش أحشاءها بضرواة، واللهيب يندلع داخل صدرها المتأجج بالنيران، صغيرتها تضحك مع أخرى! تقف معها براحة كأنها تعرفها؟!

نطقت بحسرة وعبراتها تتساقط بغزارة: بـ، نـ، تي، بنتي بتعمل ايه مع عشق؟!.
صدى رنين تلك الكلمات الخاصة بـ قُصيّ أخذت تتردد في أذنها بصوت عالٍ كأنها تذكرها بخيبتها و بلاهتها وتصديقها لهُ..
ـ مين قالك انها محرومة منك؟ دي عارفاكِ وبتشوف صورك دايمًا أول ما هتشوفك هتعرفك..
ـ بجد يا قُصيّ عارفاني يعني لما تشوفني هتعرفني ومش هحتاج أشرح انا كُنت فين وبعيدة عنها ليه؟
ـ ولا تقولي أي حاجة هي عارفاكِ..

ـ شكرا يا قُصيّ..
ـ على ايه بس أنتِ مراتي ومهما حصل هتفضلي أم بنتي!.
هذا الوِد كانت تعلم أنهُ زائف، هو يعاقبها يُريد أن يحرمها منها طوال حياتها لكن، لكن لمَ بتلك الطريقة؟ هكذا يقهرها! هل سيجعل من عشق والدتها؟! هل هذه خطته الفاشلة؟ خسأ أبن رشدان فلن ينتصر وسيري ما ستفعل بها...

استنشقت ما بأنفها وحركت شفتيها للتحدث، لا بل للصراخ لكن ريمة وضعت يدها على فمها و سحبتها من ذراعها إلى الخارج بسرعة قبل أن تفتعل شيءً ما غبي، حاصرتها بينها وبين الحائط وهي تتنفس بعصبية وانفعال، وبرجاءٍ قالت: أنا والله جيباها عشانك أنتِ جـنّـة اهدي انا هاخدها وهمشي هستناكِ في البيت بلاش مشاكل ها نتكلم في البيت..

رفعت يدها عن فمها بجزع واستدارت لكن جـنّـة جذبتها من مرفقها بعنف تسألها بجنون وهي تهز رأسها باستنكار: بتعمل ايه مع عشق بقولك؟
نفضت ريمة يدها بعنف وهي تنظر إليها نظرة فارغة وببرودٍ قالت: أنتِ فهمتي بنتك معاها ليه مش محتاجة أقول، وتركتها ودلفت إلى دورة المياه..
يئست غرام من كثرة توقعاتها الخطأ و بطفولية قالت وهي تضحك بسعادة: غرام يا مامي غرام..

تلاشت ابتسامة عشق وحل محلها التعجب وهي تنظر إليها وقبل أن تتحدث وجدت من يهتف بإسمها بقلق: غرام يا حبيبتي أنتِ هنا أنتِ كويسة؟.
قالت ريمة وهي تقبل عليهما ثم حملتها بين يديها رغمًا عنها بقلق، اختلست النظر إلى عشق بطرف عينيها ثم قالت بامتنان: شكرًا ليكِ، أومأت عشق بخفة وهي تحملق في وجهها ببعض الحيرة فهي مألوفة هي والطفلة لدرجة لا تستوعبها يُجب أن تتذكر!

استفاقت على اختفائها من أمامها مع الطفلة لتهز كفايه بريبة ثم عادت تحدق في المرآة تهندم من مظهرها..





اولتهم جـنّـة ظهرها عندما رأت ريمة تخرج من دورة المياه مع غرام لتبصر قُصيّ يقبل عليها بملامح متجهمة وخلفه جاسم الذي يتلفت حوله يبحث عن عشق بالتأكيد هذا الأبلة! خطرت لها فكرة خبيثة عصفت بها جعلتها تبتسم بمكر ثم دلفت إلى دورة المياه..

رتبت عشق غُرتها في المرآة لتتوقف أناملها في الهواء عِندما رأت انعكاسها الشرير يحدق بها بابتسامة حاقدة! هي تهذي! لقد بدأت تهذي، ازدردت ريقها بخوف وشحب وجهها حتى لم تعد الدماء تجد طريقها إليه، أوصدت جفنيها بقوة وصدرها يعلو ويهبط بعنف تستعيد من الشيطان الرجيم ثم فرقت بين جفنيها على مهل وجسدها ينتفض دون مبالغة، صرخت بذعر وهي تجد رأسها ترتطم بالمرآة بعنف جرحتها ويدٍ ناعمة تطبق على عنقها بقوة تخنقها دون تردد لا تعي ما تفعل وهي تدفع بها للخلف ليلتصق ظهرها بطرف الرخام الملحق بالحوض أسفل المرآة بقسوة كادت تقسم ظهرها نصفين..

صاحت بشراسة والشر يقدح من عينيها وهالة الشر تسيطر عليها وهي تضغط على رقبتها أكثر بعنف وانفعال حتى احتقن وجهها وجحظت عينيها ولم تعد تستطيع التنفس: هقتلك، فاهمة هقتلك مش هسمحلك تاخدي مني حاجة تانية هتموتي قبل ده ما يحصل هتموتي..

ضربت عشق يديها بشكلٍ مُتكرر وهي تشهق باختناق بأعين جاحظة دامية، وشفتيها تتحرك محاولة إلتقاط أنفاسها بصعوبة، وخط الدماء بدأ يسيل من جانب جبهتها المدمية، لتدفع جـنّـة برأسها بقوة أكبر كادت تخترق زجاج المرآة وبدأت تحذرها بهسيس صوتها المشابه لأفعى كان يضرب أذنها يلدغها: أنا براقبك و عارفة أنتِ بتعملي ايه في كُل ثانية، وبحذرك لو شوفتك مع قُصيّ تاني هتموتي يا عشق والله هتموتى..

توقفت يديها عن الضرب وضعفت مقاومتها وبدأ جسدها يرتخي مستسلمة لموتها المحتوم الذي رأته داخل مقلتيها المرعبة بعد أن تحولت بشرتها النضرة المتوردة إلى زرقاء قاتمة كالأموات بينما الأخرى كانت عروقها نافرة وجهها محتقن بحمرة إثر ضغطها بقوة واصرار لكن تراخت يديها عن رقبتها فجأه ودفعتها بعيدًا عِندما سمعت صوت قُصيّ يقترب هادرًا بإسم ريمة بانفعال..

أخذت شهيقًا من الأعماق وهي تبتسم براحة، القت نظرة ساخرة على جسدها المسجى أرضًا ولذة تجتاحها وهي تسمع صوت سُعالها المختنق، هزَّت رأسها بأسف مصطنع وملامحها تتقلص بنفور بسبب صوت سُعالها المزعج..

اتجهت إلى الخارج بخطواتٍ متهادية رشيقة لتصدم بصدر قُصيّ المندفع للداخل، شهقت برقة وهي تريح يديها فوق صدره تناظرة بمكر وهي ترفع احدي حاجبيها ليتوقف متعجبًا لاهثًا بانفعال و جبينه يتفصد عرقًا، ، شملها بنظرة من أعلاها لأخمص قدميها وباستنكارٍ قال: جـنّـة؟!

دفعته إلى الخلف و ابتسامة شيطانية تعتلي ثغرها ليصطدم ظهره بالحائط ومن دون مقدمات هجمت على شفتيه تقبله بشغف وهي تدخل يديها من خلف من سترته تحوط خصره بقوة دون أن تفصل قبلتها المحمومة ودون أن يفهم ما يحدث! لقد باغتته وتلك الآلام المبرحة عادت تفتك بجسده..

ـ عشق!، وصل إليهما صوت جاسم المنصدم الذي طغى عليه الخذلان لتبتعد جـنّـة بابتسامة منتصرة وهي تمسح طرف شفتيها بإبهامها أمام نظرات قُصيّ المستهجنة وبخسةٍ همست أمام شفتيه: يا انا يا هي يا قُصيّ، رفقت كلامها بقبلة سطحية فوق شفتيه ثم التفتت تنظر إلى جاسم الذي أحس بأن قدميه لم تعد لهما من موطئ صلب، كان يجرها خلفه وهو يقترب منكسرًا لثانِ مرة بسببها والنيران تندلع بين جنبات صدره، لتغمزة بعبث وهي ترسل لهُ قبلةً في الهواء ثم استدارت و غادرت تاركة قُصيّ يحملق في ظهرها يستوعب ما فعلت، تلك الشيطانة!.

أنفاس هادرة ضربت وجهه مع زمجرة قوية فالتفت ليجد جاسم يقف أمامه وملامحه لا تبشر بخيرٍ البتة، وهو يشعر بالوهن لا يقدر على المشاجرة..

هزَّ رأسهُ بنفي ونطق مبررًا أمام ملامحه المتجهمة وزرقاوية الجحيميتين المشتعلة بخطورةٍ طغت على لمعتها النقية: لأ، لأ، استني، دي مش عشق، مش عشـ، عاجلة بلكمه أطرحته أرضًا بعنف، تأوة بألم إثرها وهو يرفع جسده، يستند على راحة يديه ليركل جاسم معدتهُ بِغل أسقطه على وجهه وظل يركله كأنهُ كيس ملاكمة متكوم أمامه في أوج غضبه العاجز وهو يسبه بأبشع الألفاظ، ولم يتوقف، لم يتوقف رغم تعبه وتعرقة لأنهُ يُريد الانتقام لشرفة لكن تلك الراحة تلاشت عِندما بصق قُصيّ دماءًا وهو يسعل بقوة..

توقف يلهث بأنفاس متسارعة وهو يراقبه بوجوم وجسده ينقبض وينبسط بقوة، جلس القرفصاء أمامه وقبض على تلابيبه يهدده بقوة هادرًا وهو يهزه بين يديه: لو قربتلها تاني هقتلك، هقتلك، وضرب رأسهُ أرضًا ووقف كي يغادر لكن انتفض قلبه وتنبهت حواسه عِندما سمع صوتها المُنهك يأتي من خلفه: جـ، جاسم، نطقت بهذا وهي تتحامل على نفسها كي تقترب وتخرج لكن العالم دار بها وسقطت بضعف ليهرول إليها بسرعة البرق ويطوقها قبل أن تسقط لتستقر رأسها على صدره..

نظر إليها بتشتت وهو يحتضنها بحرص شديد ثم نظر إلى قُصيّ الذي يحاول الوقوف بتعب بعدم إستيعاب لحالته! فما هذا الضعف؟!
هتف بتقتير وهو يحاول الوقوف بإنهاك: قـ، قولتلك مش عشـ، زمجر بغضب وركله مجددًا وهدر بمقتٍ شديد: متجبش سيرتها تاني..

سعل بتعب وتوقف عن المقاومة وظل مسطحًا يلهث والألم يفتك بكل خلية في جسده متابعًا ابتعاد جاسم وهو يحمل عشق بين يديه وقدميها تتراقص في الهواء بهذا الحذاء الأسود، فلغبية الأخرى أتت بحذاء ذهبي وهذا ما كشفها..
تحامل على نفسه واتكأ على الحائط كي يقف بثبات وبدأ في السير بترنح وألمه يتزايد في أعلى بطنه، مسح الدماء من فوق فمه بذراعه وسار إلى الخارج يطوح بجسده هُنا وهُناك حتى كادت السيارة تضربه..

ضغط المكابح بقوة واندفع خارج السيارة مهرولًا ناحيته بقلق، رفع قُصيّ رأسهُ وهو يحوط معدته بألم ليتمتم بتعجب وهو يرى ذلك الصفيق يقبل عليه: سامي!
صاح بتعجب وهو يشمله بنظرة معبرة ثم سأله باستفهام: أنت كُنت في الحفلة؟
رد بنزق وهو يلهث بتعب: أنت مالك؟
ـ طيب جاسم جِه؟، سأل وهو يتلفت حوله، ليرد عليه بغلظة: معرفش..
وضع يديه داخل جيب بنطاله وهو يهز رأسهُ بتفهم ثم قال باقتضاب: كويس اني شوفتك عشان تنفذ وعدك.

سأله بنفاذ صبر ومعدته تتقلص من الوجع: وعد ايه موعدتش بحاجة!
ارتفعت زاوية شفتيه بسخرية ثم هدر بتزلف: لا اتفقنا وعشق لسه مش معايا ولا سلِّمت ايه؟!
هز رأسهُ وهتف ممتعضًا: ايه؟ اعملك ايه؟ روح خُدها من ابن عمك انا مالي؟!، واستدار ليذهب لكن سامي أمسك مرفقة بقوة وهدر باعتراض: لا يا حبيبي انا ساعدتك كتير مش عشان جمال عيونك! ساعدتك عشان عشق تبقى بتاعتى فى الأخر مش عشان تاخدها أنت؟

ورغمًا عنهُ ضحك بسخرية حتى تأوه من نبض معدته إثر الألم الفتاك الذي يرجف بدنه..
هتف ببرود وهو يقاوم تلك الآلام: أنا خدتها؟ فين؟ مفيش الكلام ده عشق بح خلاص..
مسح وجهه بغضب وسأله بأعصاب مشدودة: يعني ايه الكلام ده؟

اقترب منهُ وهتف باستصغار: يعنى تشوف أنت رايح فين ووريني عرض كتافك وبيك أو من غيرك كُنت هعمل اللي انا عايزة عارف ليه؟، ابتسم واستطرد هامسًا بجانب أذنه باستفزاز: عشان عشق حبتني انا و متحاولش، تاكس تاكس.

توقفت سيارة أجرة أمامه ليصعد ويختفي عن وقع أنظاره بينما هو ظل يقف محله كالنخلة يُحدق في السيارة وهي تبتعد وحرارة الغضب تنصهر داخله و مقلتيه تقدح شرًا وهو يفكر بخبث شيطاني لأنهُ سيحصل عليها مهما طال الانتظار وهو متأكد من هذا، فإن لم يساعده يوجد جـنّـة سوف تساعده بصدرٍ رحب، صفَّ سيارته وهو يصفر باستمتاع ثم دخل إلى الحفله لأن ليلته ستكون حافلة..
على جانب الطريق داخل سيارة جاسم..

وضع اللاصقة الطبية فوق جرحها برفق بعد أن نظفها وهو يتابع ملامحها الساكنة بتأنيب، مرر أنامله فوق وجنتها برقة والذنب ينهش داخله لأنها تأذت وظنَّ لوهله أنها عادت إليه، بل كان متأكد أنها عادت إليه لكنهُ صعق عندما رآها! فلم يعد يفهم ما يحدث تلك جـنّـة أليست محجبة؟ ما خطب تلك التعابير التي كست ملامحها والنظرة التي تلألأت في مقلتيها ونظرت إليه بها؟! تلك ليست البريئة التي كانت معهُ! ليست هي بالتأكيد هُناك ما يحدث وهما جاهلان به، لكن ما فهمه أنها تريد الإيقاع بينهما وبشدّة كي تقبل على فعل هذا؟

دلَّك نحرها برقة من ذلك الاحمرار القوي الذي غمَّ قلبه وأشعره بالألم كأنهُ هو من تعرض للإختناق من النظر إليه فقط، الحزن يكتسي ملامحه مؤنبًا نفسه بسبب ماحدث معها..
شهقت وهي تنتفض من على المقعد ليثبتها من منكبها وهو يهدئها بحنان: هشش أهدي متخافيش..
مسدت نحرها بهستيريا وجسدها يرتعد من الخوف وبدأ تساقط عبراتها بغزارة وهي تقول بخوف: كانت هتموتني كانت هتموتني..

ضمها إلى صدره بحنان ويديه تمسد ظهرها برفق: هشش اهدي أنتِ كويسة مفيش حاجة هتحصلك وحشة الحمد الله اني لاحظتك، تشبثت في قميصه تبكِ بحرقة، دافعة بنفسها لأحضانه أكثر بخوف لأول مرة يراه يصدر منها ويشعر به بتلك الطريقة..

شدد قبضته حولها داعمًا وهو يمسح على شعرها بحنان، هامسا لها بعبارات مطمئنة حانية حتى هدأت وتوقف انتفاض جسدها نسبيًا: اهدي خلاص هنمشي، أومأت بتذبذب وهي تبتعد عن صدره ليخلع سترته الثقيلة و يضعها فوق كتفيها وهو يُريح ظهرها على المقعد برفق: ارتاحي لحد ما نوصل..

أراحت رأسها على المقعد، وأخذت تُحدق من النافذة وهي تضغط على الزر كي يختفي الزجاج ويصل إليها الهواء النقي لأنها تختنق، فقبضته جـنّـة مازالت تشعر بها فوق عنقها مسببةً لها الرعب، حركت جفنيها المتورم ببطء شاعرة بالحرقة داخل مقلتيها الحمراء ليفتح جاسم عبوة العصير من أجلها ثم وضعها بين يديها يحثها على ارتشافها وهو يداعب وجنتها بنعومة: اشربي ده، أومأت بابتسامة اخرجتها بصعوبة بالكاد رآها ثم بدأ في القيادة في طريقه إلى الإسكندرية..

صفعت جـنّـة باب المنزل بعُنف ثم قذفت الحذاء من قدميها وسارت إلى الداخل وهي تصيح بإسمها بثوران مُزِج بعصبية: ريمة، ريمة، ريمة.

أتتها ركضًا لكن ليس ريمة بل غرام الصغيرة، تبدل الغضب و تهللت أساريرها و أهتز كيانها وهي تراها تركض تجاهها بسعادة خالصة، جلست القرفصاء وفتحت يديها على مصراعيها وقلبها يخفق باضطراب واغرورقت عينيها بالدموع وهي تستقبلها بصدرٍ رحب، مبتسمة بحنان ومن دون مقدمات حملتها بين يديها وهي تقف بها مغرقتًا إياها بوابلاً من القبلات الموزعة في أنحاء وجهها الناعم وعبراتها تتساقط بغزارة، وشعورها بتلك الغريزة الأمومية يداعب حواسها ويدغدغها ويرهف بها، لا تصدق أنها بين يديها وتعانقها الآن..

همست في أذنها بحزن وهي على وشك البُكاء: وحشتيني أوي يا مامي..
قبلتها بهلفه وهي تضمها بقوة أكبر قائلة بحنان: أنتِ أكتر يا حبيبتي أنتِ أكتر، مش هسيبك تاني ابدا والله مش هسيبك هتفضلي معايا على طول..
هزت رأسها بخفة وهي تخفي وجهها فى رقبتها، لتميل جـنّـة و أوقفتها أرضًا ثم جلست على ركبتيها فوق البُساط عِندما شعرت بالحرقة في عينيها، تلك العدسات اللاصقة يُجب أن تخلعها..

رفعت سبابتها مع طرف إبهامها ونزعت العدسة من عينيها اليسرى ليتناهي إلى مسامعها صوت شهقتها الصغيرة وهي تبتعد إلى الخلف بخوف لتصطدم بجسد ريمة التي توقفت امامهما الآن، اختبأت خلفها وهتفت برفضٍ تنبذها وهي تشد على ملابسها بقوة: دي مش مامي..

هزَّت جـنّـة رأسها بنفي وهي تقترب منها بلهفة كي تفهمها: لأ، يا حبيبتي دي عدسة بصي بتتشال وبتتحط اهي، ورفقت قولها وهي تضعها داخل عينيها أمامها ثم خلعتها واستطردت وهي تبكِ بحزن: شوفتي دي عدسة عادي يا حبيبتي انا ماما!
هزّت رأسها بنفي وأخفت نفسها خلف ريمة وهي تقول بنبرة مرتعشة قبل أن تبكِ: بابي مش قالي كده دي مش مامي، واجهشت في نوبة بُكاء وهي تغمر وجهها بين راحة يديها الصغيرة، فطرت قلبها وهي تراقبها.

بحسرة، تعض على شفتيها ندمًا وقهرًا من قُصيّ فهي لن تسامحه على هذا الفعل أبدًا، رفعت رأسها ونظرت إلى ريمة التي تحدق بها ببرود وتعالٍ، فهي تستحق أكثر من هذا..
أمسكت كفها المتدلي برجاء وهمست متوسلة: ريمة قوللها يا ريمة أني أنا أمها..
ردت ببرود وهي تنفض يدها عن كفها: عشانها مش عشانك، أومأت بانفعال والأمل يحيي داخلها وهي تمسح عبراتها وظلت جالسة هادئة مترقبة لها، لايهم من أجل من فلن تضيعها هي الأخرى..

جلست ريمة القرفصاء أمامها ثم أبعدت كفيها عن وجهها وقبلتهم بالتناوب وهي تبتسم برقة أمام عبوسها ثم قبلت أسفل عينيها فوق دمعاتها الساخنة جعلتها تضحك بطفولية وهي تنظر إليها بحُب لتقول ريمة برقة وهي تقربها من جـنّـة: دي ماما يا حبيبتي وبتحبك اوي زي ما بابي قالك بالظبط، هي دايما بتخرج بالعدسات وبتتصور بيها عشان شكلها حلو بس علشان كده الصور اللي بابا ورهالنا لماما كُلها بالعدسة بس لكن هي ماما يا حبيبتي مش حد تاني، شكلها متغير ها؟

هزَّت غرام رأسها بنفي وهي تنظر إلى ملامح جـنّـة المطابقة للصور وعينيها تلمع أمام نظراتها الحانية تجاهها، وببطءٍ سارت خطوتين وجلست على قدمها ودثرت نفسها بأحضانها دون أن تتحدث..

لدقائق ظلت هادئة تعانقها بقوة مشفقةً عليها، فهي كانت ستقبلها بطريقة أو بأخري هي من تحتاجها وتحتاج لأمٍ في النهاية، قبلت جبهتها وهي تنهنه حتى سمعت صوتها الرقيق الهامس: سوري مامي، همست بندم وهي تدس نفسها داخل صدرها لـ تُقبلها وهي تغمرها بحنانها قائلة بحزن: حبيبتي انا اللي اسفه متزعليش مني، ثم فصلت العناق واستطردت بلهفة وهي تحتضن وجهها الصغير بين يديها: النهاردة عيد ميلادك صح انا مش ناسية وبُكرة هاخدك وهفسحك وهنروح والملاهي واي حته أنتِ عايزاها، وكل يوم هنخرج و هنتفسح انا هبقى فاضية ليكِ لوحدك طول الوقت ها..

أومأت وهي تبتسم ببراءة ثم رفعت كفها ومررت يدها الصغيرة فوق وجنتها بطفولية وهي تحرك أهدابها ثم طبعت قبلة رقيقة دافئة ذات ملمس ناعم..
تبسمت جـنّـة وكادت تقبلها لكن ريمة أخذتها وهي تحثها على الذهاب معها برفق: يلا يا حبيبتي عشان تغيري هدومك معاد نومك جِه..
أمسكت جـنّـة يدها أوقفتها عن السير وهتفت بحماس وهي تبتسم: انا هغيرلها وهتنام معايا النهاردة.

تلاشت ابتسامتها كـ تلاشي الدخان مع الرياح عِندما نفت ريمة وهي تأخذ غرام: لأ مش هينفع النهارده قُصيّ زمانه جي ولازم تتكلموا مع بعض..
أومأت بانصياع وهي تحدق في ابتعادها مع ريمة تتراقص أثناء سيرها بسعادة وهي تضحك، استدارت فجأة ثم بعثت لها قبلة في الهواء وهي تقول بفرحة: هستناكِ تحكيلي حدوتة قبل ما أنام..
أومأت بإيجاب ثم قالت بدفء: من عنيا الاتنين يا حبيبتي هحصلك..

صفَّ سيارته بعد عدة ساعات أمام عمارة منزلهم، أطفأ المُحرك بهدوء وهو يتنهد ثم القي نظرة سريعة على عشق الشاردة التي تطوف في مكانٍ آخر في زخم أفكارها التي لا تعرف لها نهاية، فقط ماذا قصدت جـنّـة بما حدث؟ الم تكن البريئة التي لا تقارن بها؟! ماذا حدث؟ وهل قُصيّ يعرف؟!
لمس كتفها برفق كي لا تفزع لكنها انتفضت رغم ذلك، ابتسم بأسف وهو ينظر إليها ثم حثها على الخروج: وصلنا يلا..

أومأت بهدوء وترجلت من السيارة ووقفت تنتظره ليقبل عليها فارغ اليدين من الحقائب وساعدها في السير، نظرت إليه بتعجب وقبل أن تسأل قال كأنهُ قرأ أفكارها: هنزل اجيب الشُنط بعد ما أطلعك..
أومأت وهي تبتسم في وجهه بامتنان، ضغط الجرس وهو يبحث في جيب السترة التي على كتف عشق عن المفتاح، توقف عِندما سمع صوت المفتاح يتحرك في المقبض من الداخل..

أطلعت عليه والدته ذات الوجه البشوش المبتسم لكن ليس في وجهها بالطبع، عانقها بحنان بعد أن قبل يدها ثم لثَّم جبهتها وهو يسألها عن حالها بنبرة رقيقة: عاملة ايه؟
ربتت على صدره بحنان وقالت بابتسامة عذبة ودودة: الحمد لله يا حبيبي فضل ونعمة من عند ربنا..
أومأ بخفة ثم أمسك بـ كف عشق التي ظلت واقفة أمامها كالغريبة دون أن يبدر عنها أي رد فعل يحثها على الدخول: مالك يا عشق ادخلي أنتِ لازم ترتاحي!

أومأت وسارت إلى الداخل لكن روحية دفعتها بحدّة بقدر ما ساعدتها قوتها، فلم تسقطها لكنها كانت كافية كي تترنح و يلاحظها جاسم..
أسندها جاسم وهو ينظر إلى والدته بعدم فهم وقبل أن يتحدث طردتها بغلظة: مش هتدخلي بيتي تاني غير على جثتي فاهمة؟! اتفضلي غوري من هنا..

ابتلعت غصتها وهي تنظر إليها بثبات ترفع رأسها بشموخ دون أن تشعرها بانكسارها ليشرع جاسم في التدخل بسبب قول والدته الذي استنكره لأبعد حد متمتمًا بذهول: ماما في ايه؟ ده بيت عشق مراتي؟!

صاحت بجنون تنفي هذا القول بانفعال: لا مش مراتك و هتطلقها ومش هتفضل معانا كفاية فضايح لحد كده كفاية اوي، سيبها تروح للي فضحتنا عشانـ، صرخ في وجهها بغضب وهو يمسك بيد عشق بقوة: لو سمحتي دي مراتي والموضوع ده بينا ومحدش يتكلم فيه..
علا صوتها وأصبح يتردد في البناية وهي تقول بهيستيريا لا يفهم سببها: لا هتكلم ومش هسكت ومش هتدخل بطل الهبل والطيبة اللي انت فيها دي وفوق بقى لنفسك ولا عايزها تديك قلم تاني؟

مسح وجهه بعصبية وقال من بين أسنانه مستنكرًا: أمي لو سمحتي كفاية أنتِ اللي بتعملي الفضايح مش معقول كده؟
أعادت قولها بنبرة نافرة وهي تشملها بتدني من أعلاها لأخمص قدميها: عادي ماهي مفضوحة مش محتاجة أتكلم أنت اللي مغفل ومتعرفش بيقولوا ايه؟ والشهر اللي رمتني فيه لوحدي كان كفيل إني اسمع كويس اوي.

تمتم باستهجان: رميتك؟ انا سايب معاكِ ممرضة وكُل ساعتين كُنت بتصل أطمن عليكِ كده أبقي رميتك؟ أنتِ عارفة أني مشغول مع عشق في الامتحانات؟!
قلبت عينيها ثم رشقتها بنظرة كارهه قبل أن تقول بقسوة: تمام وخلصت الامتحانات وخلاص خلصت تشوف بقي هي هتروح فين وتطلقها لأني مش هسمحلك تفضل معاها ولا اسمها يبقى مرتبط باسمك غير على جثتي..

ضم قبضته بغضب ينفث عن غضبه من خلالها حتى ابيضت غير متنبهًا على كف عشق الذي كان يسحقه سحقًا دون أن يدري من شدّة غضبه، عضت شفتيها بقوة وتساقطت عبراتها من الألم دون أن تلفت نظرة على هذا..
هدر بيأس لأنه يعرف أن والدته لن تغير رأيها: ماشي هنمشي هاتي مفتاح بيتها لو سمحتي..
سألته بدون تعبير: بيت مين؟ مالهاش عندي بيوت! وهتمشي مش هنمشي أنت هتفضل في بيتك..

نطق مستفهمًا بثبات إنفعالي الحرارة تجتاح جسده من العصبية: يعني ايه مالهاش بيوت عندك فين المفتاح والمستندات اللي تثبت ملكية عشق؟ هي ليها كتير أوي وأنتِ عارفة؟!
ردت بجفاء كمن نزع من قلبها الرحمة: كان ليها لما كانت محترمة وصاينه نفسها لكن دلوقتى مالهاش عندي حاجة دي فلوس أختي..

ابتسمت بسخرية وهي تخفض رأسها تجفف عبراتها ثم رفعتها بشموخ والابتسامة تزين ثغرها فهي لن تجعلها تنتصر عليها تلك المرأة، لطالما شعرت بأنها سوداوية من الداخل لكنها كانت تبعد تلك الأفكار عنها دومًا لكن ها هي تظهر نفسها متحججة بإبنها..

فوجب عليها أن تقول هذا متصنعة القوة لكن نبرتها خرجت مرتعشة رغم هذا وهي تنظر إليها بتحدي: أنا مش عايزة حاجة بس حابة اوضحلك أن دي فلوس ابويا مش فلوس أختك اشبعي بيهم ان شاء الله هيدخلوا عليكِ بالخراب..
رفعت يدها لأقصاها وهي تبسط كفها هاويةً به على وجنتها والشرار يتطاير من عينيها لتشهق عشق مجفلة و تغمض عينيها منتظرة الصفعة لكن يد جاسم التي منعتها حالت هذا..

نظرت بينه وبين يدها التي يمسكها بصدمة ليتركها زافرًا بحدّة وهو ينظر إليها بخذلان قائلا بعدم تصديق: انا مش مصدق اللي انا بسمعه ده مش مصدق، على العموم انا مش هسيب عشق ولو مشيت همشي معاها مع السلامة، يلا عشق..
هزت رأسها بنفي كي يبقى مع والدته ولا يخسرها من أجلها لكنهُ لم يترك لها المجال للتفوه بحرف وسحبها معهُ بقوة لم يستخدمها قبلًا معها..

راقبته بحسرة أمٍ على طفلها ثم صاحت من قهرتها قائلة بجدية دون رجعة: لو مشيت معاها قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين يا جاسم ليوم الدين..
توقف عن السير وحزنٍ عميق استعمر قلبه، فهي تضغط عليه وتستغل نقطة ضعفه لأنها تعلم أنهُ لا يستطيع ان يحزنها ولو لخمس دقائق، لكن هذه المرة مُختلفة ماذا تعني بما قالت؟ هل نبذته الآن إلى يوم مماته؟ كيف تستطيع بتلك السهولة فقط بسبب كرهها لعشق! هو أبنها بعد كُل شيء؟!

استدار وهتف بدون تعبير وهو ينظر إليها بتمعن: شكرا لأنك اظهرتي قدر محبتك ليا في أقرب فرصة جاتلك، وحدث مالم تتوقعه وغادر وتركها بسبب عشق تلك الشيطانة الملعونة..





صفقت الباب بعنف ووقفت خلفه تبكِ بقلبٍ مفتور بسبب ضياع عزيزها منها بلحظة اندفاع وقت غضب..

فتح باب السيارة بغضب وعمد على إدخال عشق لكنها توقفت وأغلقت الباب ثم استدارت لتكون مقابلة، توسلته بأعين دامعة: اطلع يا جاسم أنت مش هتيجي معايا في حته مش هسمحلك تخسر كل حاجة بسببي..
قبض على ذراعها بخشونة وهدر بحدّة: مش هسيبك أنتِ فاهمة؟ مش هسمحلها تحطني قُدام الأمر الواقع لأي سببٍ كان!

انسلت عبراتها من فيروزتيها المتلألئة أسفل ضوء القمر ثم احتضنت وجهه بين يديها بلهفة وتحدثت بنبرة ضارعة والذنب يتأكلها: دي أمك يا جاسم مش اي حد لازم تسمع كلامها، انا هبقي كويسة متخفش عليا، هكلمك كل يوم و هستناك بس لازم تبقي راضيه عنك مش هسمحلك تبوظ حياتك عشاني كفاية..

هز رأسهُ وحرك شفتيه للأعتراض فوضعت جبينها فوق جبهته و ترجته بصوتٍ مذبوح وهي تبكِ: أبوس ايدك اسمع الكلام انا مش هستحمل الذنب ده كمان لو بتحبني بجد أطلع وخليها ترضى عنك يا جاسم هي
رضاها اهم من اي حاجه في الدنيا لازم ترجع..
كبّل خصرها بيديه وهو يبلع غصته بمرارة قائلا بعذاب وشفتيه تلامس طرف شفتيها: متعمليش فيا كده انا بحبك متبعدنيش عنك..

استنشقت ما بأنها وقالت بنشيج وهي تربت على وجنته: ده الاحسن ليك دلوقتي بس انا هستناك وهفضل مستنياك وهكلمك كل يوم صدقني..
رفض بقوة وهو يقربها منهُ أكثر مشددا قبضته حولها بخوفٍ من فقدانها: انا هجيبلك مفتاح بيتك وحاجتك وهتفضلي معايا..
عضت على شفتيها ثم قالت متحسرة: انا عارفه و متأكده إنها عمرها ماهتديك حاجة مش هتديك حاجه، يمكن معاها حق و وجودي هنا مبقاش لطيف لا ليكم ولا ليا ولازم أمشي من هنا يا جاسم..

امتقع وجهه وعصفت الأفكار السيئة برأسهُ لتريح قلبه بقولها بصدق وهي تجفف عبراتها بتعب: عمري ما هرجعله يا جاسم ولو أخر يوم في عمري مش هرجعله، انا هرجع الشقة اللي كُنا قاعدين فيها صاحبها ملحقش يأجرها اكيد، أرجوك متمنعنيش محتاجة أكون لوحدي..
أومأ بانصياعٍ من أجلها، مراقبًا انكسارها و انطفاء بريق عينيها المشع وذبول ملامحها كـ عجوزٍ وذهاب زهوها حد الجحيم، فعشق لم تعد كما اعتادها لم تعد ويشك أن تعود..

تمتم بقلقٍ أضناه وهو يرى حالتها: انا خايف عليكِ اللي حصـ، أوقفته بقولها بهدوء كي يطمئن: محدش هيعرف أني رجعت انا مش هروح في حته ممكن يشوفوني فيها متخفش عليا..

تلفت حوله كي يشتت نفسهُ وأفكاره ولا يتأثر ويبكِ لأنهُ يشعر أنها تضيع للمرة الثانية أمام أعينه: طيب، طيب أنا هوصلك اركبي، قال وهو يستعد للمغادرة لتمسك ذراعه تمنعه من التقدم قائلة بابتسامة منهكة: لأ يا جاسم أنا هاخد تاكس ولسه بدري الساعة متأخرتش لما اوصل هرن عليك متقلقش..

تنهد بـ همٍ وهو يرفع رأسهُ للسماء يضم شفتيها بقوة كي لا يظهر ارتجافها الآن، فـ بالرغم من وقوفها أمامه مباشرةً يشعر بأن المسافة بينهما كالمسافة بين السماء والأرض متباعدة ومن المستحيل أن يصل إليها، صعبة كصعوبة إحصاء عدد نجوم السماء، معقدة كمحاولة فك بعض الطلاسم، هي بعيدة أثناء قُربها وبعيدة أثناء بُعدها، فكما يبدو أن أحدهم فقد قلبه و سيكمل بقية حياته شاردًا يفكر في كيفية استعادته..

لوحت بيدها أوقفت سيارة أجره وهي تكتم أنينها فما يحدث معها يفوق طاقتها وقدرتها على التحمل حقًا تلك المرة، جاسم فقط ما يجعلها صامدة مثابرة، تظن أن هذا تكفير ذنبها وخطأها بحقه، وليست معترضة فإن كان هكذا ستتحمل حتى تتوقف عن تأنيب نفسها وتكتفي، لكن تشك بهذا لأن كل موقف يمر عليها معهُ يشعرها بدنائها وكم هي و ضيعة حقيرة لا تستحق الغفران..

حثته على التحرك والانتباه للسائق كي يتوقف عذابها وتذهب: جاسم خرجلي الشنطة من العربية ممكن..

انتبه إليها ثم حدق بسيارة الأجرة قليلًا يفهم ما يحدث ثم تحرك بآلية وأخرج حقيبتها من السيارة، أعطاها إلى السائق كي يضعها في سيارته وسارع بإخراج بطاقته الائتمانية ثم وضعها بين يديها وهو يضغط عليها بقوة يوصيها بترجي لأنهُ يعرف أنها لن تقبل أمواله: خليها معاكِ واستخدميها في أي وقت تحتاجي فيه فلوس، هزت رأسها بنفي وهي ترخي قبضتها فوقها ليضغط عليها اكثر معيدًا قوله بلهجة آمرة مهددًا: لا هتاخديها يا إما هاجي معاكِ..

أومأت بانصياع ثم عانقته بقوة وهي تشهق ليحوطها بقوة حتى لم تعد قدميها تلامس الأرض دافنًا رأسهُ بشعرها هامسًا بنبرة دافئة مطمئنة هدأت من قلبها المحترق: أنتِ بنت خالتي يا عشق، ومهما حصل هنفضل مرتبطين، عمري ما هبطل أساعدك أو أقف في ضهرك مهما حصل دايما هتلاقيني، يومين بالكتير و هجيلك مش هسيبك..

شعر بتحريك رأسها ضد رقبته موافقة وهي تبكِ، ليفصل العناق ثم لثّم جبينها وانامله تمسح عبراتها بحنان لتهمس لهُ بصدق للمرة الأخيرة: خلي بالك من نفسك واوعي تثق في سامي يا جاسم، سامي مش كويس ومش بيحبك، ورفقت قولها بصعودها إلى سيارة الأجرة دون أن تمهله فرصة كي يفهم منها معنى هذا وقبل أن يبدر عنهُ فعل طلبت من السائق الانطلاق وهي تودعه بنظراتٍ لم تهدأ قلبه المُلتاع..

صعد رغمًا عنهُ، أجفلها طرق الباب فابتعدت عنهُ وجففت عبراتها ثم فتحته بخفة، شهقت و تهللت أساريرها قائلة بفرح والسعادة تغمرها: جاسم! كُنت عارفه انك هترجع ومش هتسيبني..
ردّ ببرود وهو يتخطاها صاعدًا إلى غرفته: مرجعتش عشانك..
نظرت إليه بحزن وهي تهدأ من روعها فلايهم بروده معها طالما عاد، ستراضيه مثلما فعلت الخائنة وسامحها وهي والدته بالتأكيد سيصفح..

دقت الثانية عشر وحلّ منتصف الليل وقُصيّ لم يحل بعد..
ذرعت غرفة الجلوس من ركنٍ لأخر وهي تفرك يديها معًا بقلق والخوف يحتل كيانها، فأين ذهب لمَ لم يأتي إلى الآن؟ هل لحق بعشق أم أن شيءً سيء أصابه؟ فهو متعب ويكابر فهل حدث شيء؟! هي مازالت تعشقه ومن قلقها لم تصعد خلف ريمة كما قالت..

وبخت نفسها بحدّة بسبب قلقها المفرط عليه، فهي ستصفعه ما أن تراه بسبب فعلته الشنعاء في حقها، ولبي النداء وأغلق باب المنزل بعد أن دلف بهدوء حاملا سترته بين يديه ووجهه مكدوم والدماء عالقة في قميصه الداكن فكانت لا تظهر مطلقًا..

هتف باستفهام وهو يوزع نظراته في غرفة الجلوس باحثًا عن ريمة: ريمة فيـ، ردت عليه صفعتها ذات الصدى هادرة بوحشية: أنت ازاي توري بنتي صور عشق على أساس إنها أمها يا حقير؟!، توقفت بقية الكلمات في حلقه وصدى تلك الصفعة يتردد في أُذنيه، تلك البغيضة هل صفعته الآن؟، غامت عينيه في سوادٍ قاتم وتقدح الشر من مقلتيه و جأر بغضب جامح وتلبسه الشيطان وهو يسحبها من جذور شعرها خلفه إلى غرفة النوم بقوة كاد يقتلعه بين يديه دون الإلتفات إلى صرخاتها المتألمة وضربها لذراعه بقوة كي يحررها لكنهُ أبي وقبضته تشتد أكثر حتى بكت بين وهي تحاول مجاراة سرعته على الدرج لكنها سقطت واصطدمت ركبتها في حواف الدرج..

صرخت بنحيب وهي تضرب قدمه كي يتوقف لكنهُ رفعها بعنف دون رحمة وعينيه تشِع بوميض مُدمر رأت موتها داخله، صفع باب الغرفة خلفه بقوة رج أركان المنزل، حاصرها بينه وبين المنضدة، الصق وجهها في المرآة بقوة كي تنظر لنفسها وهو يدفع مؤخرة رأسها بيده فكانت تقبل المرآة حتى كادت تختنق، سألها بحدّة وهو ينظر إليها عبر المرآة: مين دي؟ شايفة نفسك؟ انا مورتهاش غير صورتك أنتِ..

هزت رأسها بقوة فأرخى قبضته قليلاً عنها لتستدير وتقابله وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ويديها تمسد عنقها بلهاث، وهذا الشعور بكونه يرد لها ما فعلته بعشق يغمرها، هذا إن عرف ماحدث؟!، خلع قميصه بعنفوان وأخرج غيره من الخزانة بينما يقول بصوت أجش متبلد: حالتك أنتِ المسؤولة عنها مش حد غيرك..

ضربت صدره بقبضتها بقوة وهي تتحدث بجنون: إزاي يعني انا؟ المفروض أعمل العملية وارجع لشكلي الطبيعي هعملها إزاي دلوقتي؟ وهي هتقبلني إزاي؟ دي مش صغيرة عشان نضحك عليها؟! ليه عملت كده ليه؟
أمسك ذقنها بقسوة وهمس بتشفي وهو يحدق في مقلتيها المهتزة الممتلئة بالعبرات: بنتقم لنفسي منك يا جـنّـة! ينتقم لحياتنا اللي بوظتيها ولبنتي اللي حرمتيها منك مش من حقي؟

علا صدرها وهي تكتم شهقتها وشفتيها ترتجف لكنها لم تستطع السيطرة على عبراتها التي أخذت في الانسلال واحدة تلو الأخرى أمام نظراته الج?




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
5 أفعال خاطئة من الأهل تتسبب في فشل أبنائهم لهلوبة
0 228 لهلوبة
4 مفاهيم خاطئة عن الإفطار الصحي.. اكتشفي الخدعة لهلوبة
0 222 لهلوبة
5 فوائد للوقوف على الرأس.. تخلصي من معتقداتك الخاطئة لهلوبة
0 239 لهلوبة
5 عادات خاطئة توقفي عنها خلال ممارسة رياضة الجري لهلوبة
0 293 لهلوبة
5 عادات خاطئة قبل النوم تزيد الوزن لهلوبة
0 536 لهلوبة

الكلمات الدلالية
رواية ، خاطئ ، الفصل ، الحادى ، عشر ،











الساعة الآن 11:48 PM