
سعادته ﻗﺼﻴﺮﺓُ ﺍﻟﻤﺪﻯ، ﺃﻗﺼﺮُ ﻣﻦ ﺿﺤﻜﺔٍ ﺃﻃﻠﻘﻬﺎ ﻋﺠﻮﺯٌ بائِس ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪِ، ﻓﺘﺤﻮّﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﺳُعال. (مقتبس).
انطلق عمّار بالسيارة، لتنطلق خلفه سيارة الأجرة التي كانت تصف على جانب الطريق ترصد كل تحركاتهم من البداية.
تأملت ليلى المفتاح مطولًا قبل أن تنظر إليه لتجده ينظر إليها بهيام فتبسمت في وجهه بعذوبة وحثته على الانتباه على الطريق وهي تضحك: عمّار ركز في الطريق. <a name=\'more\'></a>
ابعد نظره عنها بعد أن ضربت كتفه بخفة وتابع القيادة بسعادة تاركًا العنان لجميع أفكاره للتدفق في عقله كما شاء فلا مانع الآن من التحليق بعيدًا، لكن ليعترف فقط أنه يعرف أن تلك الفرحة لن تدوم طويلا قبل أن تظهر لهُ إحدي المشكلات، فماذا يفعل؟ يُجب أن يُعجل بالزواج أولا وليحدث ما يحدث بعدها.
فكرت كثيرًا وترددت أكثر وهي تضم قبضتها فوق المفتاح قبل قول هذا، لكن هذه رغبتها وترغب أن تتحقق..
توترت وهي تفكر في رد فعله، سوف يصرخ في وجهها متأكده من هذا.
دلَّكت عُنقها بخفة وحركت شفتيها قائلة بتردد: عمّار، أنا، أنا، سكتت قليلًا ترتب جملتها ثم قذفتها في وجهه مرة واحدة بثقةٍ أكثر: أنا كان عندي كام شرط كده عايزاك تعرفهم.
عقد كلا حاجبيه وردَّ بجمود مشددًا على كلمته وهو يصب تركيزه على الطريق: شروط؟
أجابت سريعًا قبل أن يخطئ فهمها هذا إن كان لم يخطئ بعد: مش شروط أكتر من إنها طلب.
شدد قبضته فوق المقود وأومأ بتفهم وحثها على القول بنبرة هادئة لم تعكس ما يختلج في صدره: قولي!
استشفت غضبه ولاحظت ضغطة العصبي على أسنانه وهذا زاد من حدة توترها وخوفها من رد فعله أكثر لكن شجعت نفسها وقالت بخفوت: هُمه طلبين بس يا عمّار مش اكتر، عايزاك ترجع الشغل تاني و..
قاطعها سؤاله الجامد: ليه؟
ناظرته بتعجب وهتفت مستفهمة: يعني ايه ليه يا عمّار؟ أنت دكتور وشيء طبيعي إني أطلب منك ترجع شُغلك؟ عمّار أنت مِستقل بنفسك ووضعك اوي كده ليه؟
أجابها بسؤالٍ آخر لم يخفي نبرة الاستياء عنها: أنتِ وافقتي ليه؟ عشان أنا دكتور؟ لو مكنتش دكتور كُنتِ هتوافقي يعني؟
هزَّت رأسها متعجبة سؤاله وهتفت بعدم فهم: ده مالهوش علاقة بـ ده يا عمّار! أنا بقولك أرجع الشغل؟ علاقته إيه بموافقتي يعني؟
صرَّ على أسنانه بحركة عصبية وزاد من سرعته مع قوله بنبرة هادئة حازمة أخرجها بصعوبة: ملهوش علاقة عادي، وأنا مش موافق، إيه شرطك التاني؟!
شعرت بالضيق بسبب طريقته التي أخبرها من خلالها أن لا تتدخل ولا تناقش شيء يقرره، لكنها لن تصمت ولن تتجاهل أي تفاصيل، من واجبه أن يتشارك معها كل شيء.
قطبت جبينها بانزعاج وقالت بعدم رضي: دي مش طريقة كلام يا عمّار على فكره؟ وبعدين إنت وعدتني أنك هتحققلي كل اللي بتمناه مش كده؟
زفر بعصبية شديدة ثم نظر إليها وحذرها بقوله بنبرة محتدة: متحاوليش تستفزيني وتستخدمي كلامي غلط! أنا قولتلك هحققلك اللي إنتِ عايزاه وعلى ما أذكر أنا عمري ما كُنت ضمن خطتك و أحلامك عشان تنسبي طلباتك ليهم وتتهميني بالتقصير في الآخر!
غضبت هي الأخرى واحتقن وجهها وهتفت بصوت مرتفع نسبيا: أنت معقد الموضوع ليه و عامل مشكلة؟ هو بطلب حاجة مش كويسة ولا حاجة؟
طالعها ببرود ولم يعقب لتسطترد بعصبية: وبعدين أي حاجة أطلبها منك تدخلها تحت بند أحلام أمنيات براحتك انا ليا إنه يتنفذ في الأخر وخلاص.
عيل صبرة وغلت الدماء داخل عروقة وسحق شفتيه سحقا، وعقله يحثه على إفتعال حادث قبل أن يفقد أعصابه.
عضت شفتيها السفلي بغيظ وسألته باستنكار: إنت مش بترد عليا ليه؟
أخذ شهيقا طويلا كي يهدأ ثم سألها بضيق: طيب وزي ما انا هنفذلك اللي أنتِ عايزاه المفروض تنفذي اللي انا عايزة أنا التاني صح؟
قالت بتعالٍ وهي تكتف يديها أمام صدرها: المفروض..
ابتسم وحثها على الصمت بنبرة جادة: تمام، ينفع متجبيش سيرة الشغل تاني؟
برمت شفتيها بعدم رضي وهتفت بنبرة مترجية: لا مينفعش يا عمّار، حرام عليك تضيع سنين التعب دي على الفاضي! انا عايزة مصلحتك وسعادتك إفهمني!، وبعدين مش انا هبقي مراتك حبيبتك؟
تلاشي ضيقة وابتسم بحب ثم نظر إليها بطرف عينيه بعد أن كاد يغضب ويتشاجر معها بسبب ضغطها، إنها تسيطر عليه.
إستسلم وهتف بقلة حيلة كي لايكسر بخاطرها: مقدرش أوعدك بحاجة دلوقتي بس هفكر وأنتِ وشطارتك بقى.
ضحكت ضحكات ناعمة رنانة أذابته وهي تنظر إليه بحب ثم سألت برقة: ممكن أطلب الطلب التاني؟
تنهد بهيام وأومأ بخفة مصغيا إليها بكل جوارحه، أبعدت بعضا من خصلات شعرها خلف أذنها بقلق وطلبت وهي تفرك يديها معًا بتوتر دون أن تنظر إلي عينيه: كُنت عايزة، يوم كتب كتابنا تاخدني من أبويا.
ضغط مكابح السيارة بقوة إرتد إثرها الاثنين بقوة، تجهمت ملامحه وغضب غضبًا شديدًا وعلا صوت أنفاسه الهادرة أخافها أكثر وبدأ قلبها في الخفقان بعنف.
تطلع إليها بنظراتٍ مُحتدة قاسية مهتاجا أيما اهتياج، نظرات إن رأتها لأبكتها، لكنها كانت متوقعة رد فعل كهذا فأخفضت رأسها كي لا تتقابل أعينهما، إنها تطلب منهُ المستحيل دون أن تشعر، أو تعرف وتجرب فقط حظها، هي فقط تريد أن تظهر لوالدها أن هناك من يقف خلف ظهرها ويتفانى في حمايتها، تريد أن يري كيف يحبها ولن يفرط أو يتخلى عنها، ولن يستطيع أن يمسها بسوء مجدداً.
مدّ ذراعة وقبض على ذقنها كي تنظر إليه سائلا إياها باستهجان: ومن إمتي بتفكري في أبوكِ؟ أنا أموت ولا إني أحط إيدي في إيده فاهمة؟
اضطربت واهتزت مقلتيها بقلق، تمعنت النظر داخل عيناه ذات النظرات الموحشة المنذرة بالشر لتهمس برجاء: عشان خاطري.
تبسم بوحشية حتى بدت نواجذه وقال مستنكرا: خاطرك؟ وأنا أتحرق عادي مش مهم؟
هزَّت رأسها بنفي وهتفت متوسلة: أنا محتاجة إن ده يحصل، كتير عليا؟
حرر ذقنها ولانت ملامحه وعادت إلى طبيعتها وهتف بثبات إنفعالي: لا مش كتير، مفيش حاجة في الدنيا تكتر عليكِ بس مش هقدر أعمل كده آسف.
إختض قلبها وهمست بنبرة مرتعشة: يعني ايه؟
أطفأ محرك السيارة بكل هدوء وهو يبتسم لتدرك أنه أوصلها إلى المنزل وصف السيارة جانبًا أيضًا، التفت ينظر إليها وصب عليها اللوم بقوله: على فكره لو كُنتِ قلتيلي من الأول أنا مش موافقة يا عمّار بدل اللف والدوران مكنش هيحصل حاجة؟ أنا كُنت متوقع الرفض ومكنتش هتوجع زي ما أنا موجوع دلوقتي بعد ما وفقتي..
هزَّت رأسها بعدم فهم والحرقة إجتاحت مقلتيها وهي تطرف بشكلٍ متكرر، بسبب الخوف من طريقة حديثه، فماذا فعلت؟
استطرد بخذلان: لو كُنتِ بتحبيني زي ما بتقولي مكنتيش هتفكري في نفسك وبس، انا هنسي اللي حصل، هنسي انك جتيلي وهنسي أي حاجة سمعتها وبجد بتمنالك الخير من كل قلبي. وتتبع قوله بالتحرك كي يذهب، فأمسكت ذراعة سريعا قبل أن يذهب وهتفت بصوت مرتعش منفعل وهي على حافة البكاء: أنت بتقول إيه يا عمّار!، أنا ولا بلف ولا بدور الكلام ده مش مظبوط ومش عايزة حاجة خلاص إعمل اللي يريحك.
تراجع عن النزول وهتف بغضب: أعمل اللي يريحني؟ قلبتي الطربيزة عليا دلوقتي!
انسلت عبراتها وصرخت في وجهه بحرقة: أنا مش بقلب ولا بعمل حاجة!.
ضرب مقود السيارة بعنف وسألها بعصبية: بتعيطي ليه دلوقتي؟
لم ترد عليه وأبعدت أنظارها عنهُ والتصقت بمقعدها وتابعت بكائها وهي تنظر من النافذة.
أدارها إليه برفق وجفف عبراتها بحنو سائلا إياها بفقدان صواب: من إمتى كان ليه وجود في حياتك عشان يبقي ليه دلوقتي؟
تنهد ورفع وجهها عِندما طال صمتها وفقط صوت أنينها ما كان يسمع.
هتف بهدوء كي تفهم مقصده: انا الموضوع ده عندي خط أحمر ومقدرش أوعدك بحاجة انا مش هعملها، إنتِ عارفة اللي بينا كويس والمشكلة إنك عارفة، ليه بتحطيني موقف صعب ليه؟
لاذت بالصمت وظلت مخفضة رأسها دون الرد، فرفع رأسها وسألها بترجي كي تجيب: طيب قوليلي ليه؟
ازدردت ريقها وقالت ببرود: دي حاجة تخصني لوحدي يا عمّار.
عقد كلا حاجبيه بعدم فهم وسألها متهكمًا: تخصك لوحدك؟ ليلى أنتِ بتثقى فيا؟!
لم تريح قلبه ولم ترد بل نظرت إليه فقط بصمت دون أي قول وقد كان تعبيرا كافيًا ليحصل على إجابتها ويتركها ويذهب، فأي حُب هذا الذي تتحدث عنه وهي لا تثق به!
ـ عمّار، عمّار، عمّار..
أخرجه هتافها بإسمه برقه من شرودة ليتفاجأ بنظراتها القلقة المشوبة ببعض التعجب تجاهه.
نظر حوله بتشتت ليجد نفسه أمام منزله داخل سيارتها، هل كان شاردا طوال الوقت ولم يحدث هذا؟
مسح وجهه بقوة وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم ليشعر ببلل جبينه ببعض حبات العرق! كأنه كان في كابوس، يحق لهُ التعرق حقًا، فلو كان هذا صحيحًا وحدث هذا لأصابته ذبحة صدرية.
مسد كلا حاجبيه بأنامله بسبب تقطيبهم الشديد المثير للألم، ورفع نظرة إليها وهو يحاول تعديل تقاسيم وجهه دون أن يعرف أي تعبير ينظر إليها به الآن، فهو ممتن أن هذا من ضرب الخيال لا أكثر.
سألته بقلقٍ مُضاعف وهي تري التيه البادي عليه: عمّار إنت كويس؟ مالك؟
هزَّ رأسهُ بنفي وهو يبتسم بتعجب ثم أرخي رأسهُ على المقعد لثوانٍ قليلة حتى عاد لطبيعته وهدأ، ظلت هادئة تراقبه بابتسامة حتى حرك رأسه ونظر إليها دون أن يرفع رأسه متمتما باستفهام: هو حصل ايه؟
أجابت بإبتسامة: كُنا بنتكلم وفجأة سرحت.
أومأ بتفهم ثم سألها بقلق واستفهام: كُنتِ هتطلبي مني حاجة؟ محتاجة حاجة؟ عندك شروط لجوازنا يعني؟
قطبت جبينها بتعجب بسبب سؤاله وقلقة البيّن، لتجيب وهي ترفع كتفيها: لأ مفيش وليه السؤال ده؟
سألها سؤالا آخر متحيرا: يعني مثلا مش هتقوليلي أرجع الشُغل وكده؟
ضيقت عينيها تلك التي أبدع الخالق في صنعها ورفعت المفتاح بين أناملها وتركته يهتز في الهواء وهي تقول بثقة: إنت أوريدى رجعت يا عمّار! معقول مش هتاخد هديتي وهتكسفني؟ انا اللي إختارت فيها كل حاجة بنفسي مش هتشوفها وتقولي رأيك؟
ابتسم بسبب تلك الثقة التي راقته ثم مدّ يده وأخذ ذلك المفتاح من يدها ولا يعرف لمَ، فإن تطلب الأمر أن يعود لأجلها سيفعل.
سألها مشدودًا وظل مترقبا إجابتها: مش هتطلبي إن أبوكِ يبقى وكيلك وهو يسلمك ليا بنفسه؟
لم تشعر بالخوف أو تهتز قيد أنمله عِندما أتت بسيرته، بل ابتسمت وقالت بهدوء: لأ مكنتش هطلب، ومن غير أي طلب هو هيبقي موجود لأنك عمّار، وأنت مش قليل والكل هيعرف إنه فرحك معقول أبو العروسة مش هيبقى موجود؟ حتي لو مش موافق على الجوازة! الناس تاكل وشه طبعا، وطبيعي إنه يكون موجود.
إنه قولٌ منطقي كيف لم يخطر في باله قبل أن يغضب كما حدث؟ فيمكنه أيضا أن يجعل والده هو يقوم بتلك المهمة عنهُ ويضع يده بيد خليل، ما المشكلة فهو فعلها قبلا و المصلحة العامة أهم لديه من الشخصية.
ابتسم براحة وانشرح صدره ثم سألها السؤال الأخير والأهم: بتثقى فيا؟
ابتسمت بنعومة وهي تميل برأسها قائلة بهيام: من زمان يا عمّار مش من دلوقتي ولا عشان اللي عملته مع نادين، ده من ساعة ما دخلنا بيتك وعرفتنا على أهلك، مفيش راجل مش كويس هيدخلنا بيته ويعرفنا على أهله، وزادت أكتر لما عرفت اني ندي ومأذتنيش زي ما تخيلت، ولما جيت عشاني وأنت جرحك لسه مفتوح، كل ده مش كفاية؟ أنت صحيح إيدك طويلة وبتستخدمها قبل عقلك بس فيك مميزات بردو مقدرش أنكرها.
ابتسم بعبث وهتف وهو يراقص كلا حاجبيه بعبث: بس أنا عارف المميزات دي ايه؟
سألته بثقة: وهي ايه؟
تحدث ساخرا وهو يضيق عينيه: إني خنزير خرتيت همجي اوي ها أقول كمان؟
عبست بحزن وتمتمت بخفوت: عمّار إنت شكلك حلو، بس التصرفات تصرفات خنزير بس هي دي الحكاية، توقفت ممعنة النظر إليه ولم يقابلها سوى بابتسامة حانية لتستطرد: وأنا بقول إن كل ده بيرجع لطبيعة حياتك لأنها كانت جافة مفيهاش بنات تتعامل معاهم برقة حتى دهب بتقولها يا بومة!
ضحك وهو يرتفع بجسده ثم ضمها إليه بحنان لتدس رأسها في كتفه بخوف تستمد منهُ قوتها المسلوبة لأنها لا تملك نصف الثقة التي تتحدث بها وخاصةً عن والدها، إنها خائفة.
انتشلها من زخم أفكارها بإعتذاره الصادق: أنا آسف.
سألته بهمسٍ وهي تربت على ظهره بنعومة: آسف على إيه؟
همس بندم وهو يحرك رأسه ضد وجنتها وقبضته تشتد حولها: عشان ضربتك كذا مرة وقسيت عليكِ، عهد عليا إني عمري ما هرفع إيدي عليكِ تاني أبدًا.
أفرجت شفتاها عن ابتسامة عاشقة دون تعقيب، لأن ما تشعر به لا يوصف بالكلمات.
فصل العناق على مضض وشرع في الحديث بهدوء: انا هنزل اجيب الموبايل عشان اعمل مكالمات مهمة بعد ما أوصلك.
أوقفته بقولها بابتسامة: لأ لأ، أنا هروح لوحدي متتعبش نفسك.
احتج معترضا بضيق: بس كـ، وضعت يدها فوق يده وهمست بنعومة تطمئنه: عمّار أنا بأروح وباجي لوحدي دايما متخفش عليا، يلا مع السلامة مؤقتًا.
أومأ بطاعة وظل جالسا محله دون أني يتحرك إنشًا واحدًا قط، قهقهت و حثته على النزول بتعجب: عمار إنزل؟
تذمر رافضا كـ طفل: مش عايز.
ضحكت برقة و واسته قائلة: معلش هانت تعالي علي نفسك المرادي.
أومأ وهتف بعبث وهو يراقص كلا حاجبيه: عشان خاطرك بس يا غزالي.
خجلت وتدرجت وجنتيها بالحمرة وهي تنظر إليه على استحياء، تنهد بحرارة ثم ترجل من السيارة قبل أن يلتصق بالكرسي ويتراجع عن فكرة الذهاب، لتتحرك وتأخذ مكانه كي تقود إلى المنزل.
لوح مودعا من الخارج وهتف بابتسامة: هكلمك، أومأت بابتسامة وأدارت المقود وانطلقت..
راقب ابتعادها بهيام حالما بذلك اليوم الذي ستصبح به سيارتهما واحدة.
دلف إلى المنزل والابتسامة تزين ثغرة، أغلق الباب واتجه صوب غرفة الجلوس ليجد آدم يجلس فوق الأريكة يصب تركيزه على هاتفه وهو يهز قدميه بتوتر.
صاح عمّار بسعادة: آدم، آدم حذر فزر اللي حصل..
رفع آدم رأسهُ بملامح مغمومة لا تنم على خيرٍ البته لتتلاشى ابتسامة عمّار وسأله مشدودًا بقلق: في ايه؟ مالك؟
ازدرد آدم ريقة بحلق جاف ثم قال بصوت خافت بالكاد خرج: أنـ، انا، فتحت تليفونك..
كاد تنفلت ضحكة من بين شفتيه بسبب هذا الاضطراب وشحوب وجهه فقال بتعجب: وايه يعني فتحته؟
خلل آدم أنامله داخل خصلات شعره بحيرة ولا يعرف كيف سيقول لهُ خبرٍ كهذا.
سأله بنفاذ صبر بسبب الطاقة السلبية المسيطر على المكان: آدم في ايه؟
مسح وجهه بكفه بينما يقول بتردد: من ساعة ما فتحته والرسايل مبطلتش ولا المكالمات، وانا رديت صُدفة لقيتها دهب بنت عمك.
ــ وبعدين؟.
صاح بانفعال بسبب قوله هذا، لأن دهب لا تهاتفه سوى عند حدوث المصائب.
هزَّ آدم رأسهُ بأسف، يطالعة بحزن حتى جنّ جنونه وصرخ به بعصبية مفرطة: قالتلك ايه ما تتكلم؟
صاح بعصبية مماثلة في المقابل بسبب عدم مقدرته على إخباره مثل هذا الخبر المُفجع: مش هقول اتصل و اعرف لوحدك.
اختطف عمّار الهاتف من فوق المنضدة بحدّة وهو يحدجه بنظراتٍ غاضبة، ضغط على رقم دهب ووضعه فوق أذنه منتظرا الرد.
ليأتيه ردها بصوتها المبحوح تستنجد به بعد ثوانٍ: عمّار، إلحجني يا عمّار أمي، أمي، بتموت..
انتفض قلبه وهبّ واقفًا صارخا بها بأعين جاحظة وهو يركض إلى الخارج: كيف يعني؟ مالها؟
لم يأته سوي صوت عويلها الحارق وهي تشهق ليبدأ في القيادة بسرعة جنونية في طريقة للعودة، صارخا بها بجنون قبل أن يفقد ما بقي من صوابه: انطجي!
لم ترد عليه وظلت تبكِ بحرقة، تسمعه عويلها المدمي للقلب جعلته يغلق الهاتف في وجهها بعنف ويزيد من سرعته أكثر بهلع متنفسا بإختناف وقلبه ينتفض داخله مسببًا باجتياح البرودة لجسدة كأن روحه صعدت لخالقها، فلا يستطيع قط تخيل أن شيئًا سيئًا أصابها دون أن يكون بجانبها، يموت إن حدث لها شيء.
توقف ليلى أمام المنزل، أطفأت مُحرك السيارة وترجلت بهدوء ووضعت المفتاح داخل الحقيبة وسارت إلى الأمام كي تدلف من الباب لكن توقفت مرتابه وحركت رأسها للجانب قليلا عِندما شعرت بـ سير أحدًا خلفها.
ازدردت ريقها بخوف وسارت خطوتين، متذبذبة ليعود صوت الحذاء المحتك في الأرض بعنف، فحركت رأسها سريعا والتفتت لتجد رجلا طويل القامة يبتسم إليها بخبث لم يُريحها بتاتا، طالعته من أعلاه لأخمص قدميه ليختلج قلبها عِندما أبصرت ملابسه جيدًا، حثت نفسها على الهدوء والثبات أمامه دون أن تلاحظ أو تشعر بالذي يقف خلفها يضع مخدر فوق أحد الأقمشة، حركت شفتيها للسؤال لكن تم تكميم فمها بعنف كأنه يخنقها لا يخدرها، جحظت عيناها وحركت جسدها بسرعة هستيرية وهي ترفع يدها فوق القماشة محاولة إبعاده، لكن الآخر أنزل يدها بقسوة ضاغطًا عليها بقوة مؤلمة مراقبا مقاومتها الضعيفة بتسلية حتى سقطت حقيبتها أرضًا، ضعفت مقاومتها وبدأ جسدها في الارتخاء، وبدأت تغلق عيناها على مهل حتى فقدت الوعي.
حملها من قدميها والآخر قبالته من أسفل ذراعيها و وضعوها داخل السيارة وانطلقا إلى منزل والدها.
كانت عشق منغمسة في عملها منكبه فوق الأوراق تراجع المواعيد الخاصة باليوم، رنين الهاتف انتشلها من الزحام الغارقة به، تنهدت وأخذت شهيقًا طويلا قبل أن تقوم بالرد بلباقة وهدوء على المرضى..
ـ ألو، أيوه! موجود، لحد الساعة خمسة..
ابتسم وليد وهو يراقبها برضا حاملا بين يديه قدحين من القهوة منتظرًا إنتهاء مكالمتها حتى يتقدم.
أغلقت الهاتف ومسدت جبهتها بألم بسبب الصداع الذي لا يفارقها منذُ فترة، وقفت كي تصنع لها شيء يذهب بهذا الصداع.
توقفت وجلست محلها مجدداً عِندما تقدم منها بالقهوة هاتفا بلكنة مميزة: القهوة جاهزة.
تهللت أساريرها وتبسمت وهي تأخذها من يديه بامتنانٍ شديد شاكرة: ميرسي أوي.
أومأ بهدوء وسألها باستفهام ممعنا النظر إليها: مبسوطة في الشغل؟
أومأت بسعادة وقالت ببهجة: مبسوطة جدًا، بضيع وقت بدل ما أنا قاعدة فاضية مش بعمل حاجة.
ابتسم براحة ملاحظا نعاسها و تثاؤبها من حينٍ لآخر معظم الوقت: بتنامي كويس؟ ولا لسه بتاخدي منوم؟
هزت رأسها سريعًا نافية بينما تقول مبررة: لا والله مش باخد منوم ولا حاجة، بنام عادي بس أنا معرفتش أنام امبارح كويس من كتر التفكير مش أكتر.
تنحنح وسألها بفضول: عذرا لتطفلي بس ممكن أعرف كُنتِ بتفكري في ايه؟
عدلت من جلستها بارتباك ثم اعتذرت بندم وهي تطرق برأسها: أنا عارفة إنك متضايق مني من امبارح بس غصب عني والله مش بعرف اتحكم في نفسي خالص.
وضع القهوة من يده متنهدا بإحباط هاتفا بضيق: يعني كُنتِ بتفكري فيه؟
هزَّت رأسها بحركة بسيطة نادمة، تمعن النظر إليها ولا يعرف لمَ يُريد أن يخلصها من هذا الحُب المُدمر!
سألها فجأة دون أن يمهد: عشق تسافري معايا؟
طرفت بأهدابها بتفاجئ مبدية تعجبها من هذا العرض الغريب، فأين ستذهب معهُ؟
تلعثمت وهي تفرك يديها معا بتوتر سائلة بجهل: أجـ، أجي، معاك فين؟
شرح بكل هدوء: انا مسافر روسيا، انا حياتي بين هنا وهناك تقريبا وهناك اكتر كمان، انا معنديش غير أُخت وحيدة و متجوزة وعايشة هناك، وانا بحب أكون جنبها مُعظم الوقت لأن شغل جوزها سفر وبيسبها في الوقت اللي بكون انا هناك فاهماني؟
أومأت بتفهم وسألت سؤالا غبي ما كان يُجب عليها أن تطرحه: طيب وأنا هعيش فين لما أنت تعيش مع أُختك؟
عقد كلا حاجبيه بعدم فهم وسألها بتعجب: سوري يا عشق بس مين قالك إننا هنعيش مع بعض؟
توردت من فرط الإحراج وانعقد لسانها وبدي الأنفعال على ملامحها ولاحظ هذا ليستطرد شارحا: انا قصدي تسافري معايا بمعني تغيري جو تشوفي ناس جديدة وتنسي الماضي، تبني نفسك وتشوفي شغل كويس في مستشفي وانا هكون جنبك وهساعدك تبدأي من جديد بس مش هنعيش مع بعض؟!
أوصدت جفنيها لثوانٍ تسيطر على نفسها لاعنه الموقف المخجل الذي وضعت نفسها به بسبب غبائها الملحوظ.
هدأت وفتحت عيناها وهتفت بتوتر متفهمة مقصدة: انا، انا، مكنتش أقصد إننا نعيش مع بعض، هو سؤال غبي فعلا آسفة..
رد عليها بلطف كي يزول عنها البأس: مفيش داعي للإعتذار ممكن يكون خانك التعبير مش أكتر، أنا بس بفهمك قصدي عشان متفكريش بردو إنك هتكوني لوحدك في بلد أجنبية غريبة وتترددي فاهماني؟
أومأت بشرود وهي تحدق في العدم ليجذب انتباهها بقوله: كُل حاجة متوقفة عليكِ وعلى إرادتك، يا تبدأي من جديد زي ما كل اللي حواليكِ بدأوا ولا كإنك موجودة وتخطوكِ من غير مبالغة وبسهولة، يا تخليكِ مكانك تنامي كل يوم ودمعتك على خدك لحد العمر مايعدي بيكِ من غير ماتعملي اي حاجة او حتى يكون عندك ذكرى جميلة تفتكريها، كله هيبقي حزن وألم بس.
اجتاحها حزنا لا يوصف وبدت مغمومة وتجعدت تقاسيم وجهها كـ عجوز، وأغرورقت عيناها بالدموع وهي تنظر إليه بإستغاثة.
تنهد وسألها بعدم فهم بسبب تقلباتها المثيرة لعقله: هتعيطي ليه دلوقتي يا عشق؟
هتفت بنبرة مرتعشة يائسة وهي تبلع غصة مؤلمة وعبراتها تتساقط: السفر مش هينسيني قُصيّ ولا هيبقي من الماضي، مش في مجال إني أسامحه؟ انا مستعدة أسمعه وأعرف ليه رجعني لجاسم وممكن أسامحه، القلب اللي بيحب ميكرهش، هو أنا لو سامحته يبقى معنديش كرامة؟!
مسد جبينه بعصبية ويكاد يضحك بسخرية بسبب أقوالها الغبية، لكنه لن يسمح لها أن تعود لذلك الضلال مجددًا، لهذا هتف باستنكار: أنتِ لو رجعتي تبقي معدومة كُل حاجة يا عشق مش الكرامة بس، عشان كده لازم تفكري كويس وانا شايف الأحسن ليكِ السفر مش عايزة تنسيه متنسيهوش، بس جربي السفر والتغيير مش هتخسري حاجة!
أومأت وهمست وهي تجفف عبراتها: هفكر فى الموضوع بجد وعد.
أومأ بتفهم وعرض عليها وهو ينظر في ساعة معصمة: لسه في عندنا ساعتين فاضيين تيجي نتمشي؟
أومأت وهي تقف بوجه باكِ جعلته ينبذ صراحته المفرطة في الحديث معها ليسألها بتردد: عشق زعلتي مني؟
هزَّت رأسها نافية وقالت بابتسامة رقيقة رسمتها عنوة لأجله: لا مش زعلانة خالص بالعكس أنت دايما بتفوقني وبتنقذني من تفكيري العاطفي اللي مش بيودي غير في داهيه.
أراحته بردها وابتسامتها ليأخذها ويذهبا.
تجولا معًا في وسط الطريق بالسيارة ومن كثرة الزحام غير وجهته ودخل بالسيارة في أزقة ضيقة حتى انتهى به المطاف في أحد الأسواق.
توقف بالسيارة في منتصف السوق وتطلع حوله بتيه لتهتف عشق مستفهمة: توهنا؟
تردد بين أن يهم بالموافقة ويقول نعم وبين لا ونظراته تجول في الخارج باحثا عن أي لافتة بإسم الشارع لكن لم يجد، كاد يرد بـ نعم لكن استوقفه هتاف إمرأة لا تبصر ترتدي عباءة سوداء مُتسخة بالأتربة تسير في السوق بخطواتٍ متباطئة محنية الظهر تتوكأ على عصاها، والشيب يغزوا شعرها المجعد الظاهر من أسفل الشال الموضوع فوق رأسها ومنسدلا على كتفيها.
عقد كلا حاجبيه ممعنا النظر إليها لتتبين لهُ أكثر كُلما إقتربت لتذكره بالعرافة الشهيرة فانجا إن أحاديثها وتنبؤاتها تصنع ضجة دائما ولا يعرف لمَ الجميع يصدقها، يعجز عن فهم أسباب تصديقهم إلي تلك الخُرافات!
عاد صوتها يصدح في الأرجاء مرددة القول الشهير بطريقتها الخاصة: وشوش الودع.
تنهد و راقب إتكائها على عصاها التي كانت تمسك بها بجهدٍ مبذول لكي لا تسقط منها، ابتسم بتسلية وسأل عشق التي كانت تراقبها باهتمامٍ مماثل: تيجي نوشوش الودع!
ابتسمت بحماس ونظرت إليها ثم أومأت وعيناها تشِع لتلبي المرأة النداء وتقف بجانب نافذة وليد تريح قدميها قليلا وهي تنسد وجهها فوق يدها التي تمسك بها عصاها هاتفه بابتسامة وهي تحرك رأسها وعيناها غير مرتكزة على مكانٍ مُعين لأنها لا تبصر لكن شعورهما أنها تراهم كان مربكاً.
ــ عندك كلام كتير؟
قالت وهي ترفع رأسها قبل أن يسألها أي شيء
ابتسم وليد وقام بمجاراتها في الحديث: أكيد طبعا..
ـ عندك هموم؟
اتسعت ابتسامته وهتف وهو يتمعن النظر إليها: ومين فينا خالي من الهموم؟
ابتسمت هي الأخرى وتحدثت دون أن تجعله يوشوش الودع كما قالت: ولسه هتفضل مهموم، حيران، تايه بين الخير والشر مش مرتاح، مش عارف تعيش لحد ما يظهر الظبي..
قهقهة بسبب قولها هذا الذي تتنبأ به جميع العرافات فيهتف مفسرا لأقوالها: مفيش حاجة اسمها هتفضل مهموم؟ دي اسمها مشاكل وموجودة في حياة الانسان دايما وطبيعي تضايقه سواء دلوقتى أو بعدين أو طول العمر حتى!، والبشر في حرب دايما بين استمرار الخير والشر، في ناس كل يوم بتستسلم للشر
في ناس بتحارب بسبب الخير وبتقاوم
، زيى دلوقتي كده في حرب على أني أصدقك ولا أكذبك، بس أنا عارف هعمل إيه هشتري ظبي.
ظلت ابتسامتها قائمة دون التأثر بتلك السخرية أو ببقية كلماته، وحركت رأسها قليلا كأنها تمعن النظر في الداخل وهتفت بخفوت: عشق.
شهقت بصوتٍ خافت سمعه وليد المتعجب، وارتعد جسدها خوفًا من تلك المرأة واهتزت مقلتيها وهي تناظرها باضطراب.
فأعادت الهتاف بإسمها كأنها تريد أن تسمع ردها أولا قبل أن تتحدث: عشق.
ازدردت ريقها بحلق جاف وأجابت بنبرة مرتعشة والدموع تتجمع في عينيها من الإنفعال: نعم!
ابتسمت ابتسامة مطمئنة وهي تخبرها بهدوء: سافري يا عشق، سافري ومتخافيش هتنوليه.
تتبع قولها تحركها وذهابها بتباطؤ كما سيرها.
استفاقت عشق من صدمتها وتحركت سريعا متذبذبة لتفتح الباب كي تلحق بها، لكن وليد أمسك ساعدها ومنعها عن الذهاب خلفها وخلف تلك التخاريف هاتفا بحزم: متروحيش وراها ياعشق!
هزَّت رأسها بهيستيريا وسألته بانفعال وهي تأشر على مكان وقوفها: وليد محدش قالها حاجة! هي عرفت لوحدها ومن غير ما تاخد فلوس كمان؟! هي مش بتقول اي كلام خالص ومعندهاش سبب يخليها تعمل كده؟
وتحركت مجددًا ليصيح بعصبيه: كذب المنجمون ولو صدفوا يا عشق! ده شرك بالله متفكريش فيه الله يرضى عليكِ!، خليكِ في حياتك ومستقبلك وبس، دول بياعين كلام هو ده شغلهم وبتبقى صُدف وضربة حظ محدش يعرف المستقبل؟
صاحت مبررة بفقدان صواب وهي تتلفت حولها باحثة عنها بأنظارها بلهفة كأنها أملها الوحيد في هذه الحياة: هي مقلتش حاجة في المستقبل! هي قالت سافري عرفت منين عرفت منين.
زفر بحدة وحرر ساعدها وسارع بتحريك السيارة، وقاد وذهب بعيدًا عن هنا قبل أن تجدها وتستمع إليها وتصدق كل ما تمليه عليها، فهي بدون عقل وتصدق الكذابون بسهولة.
عاد إلى عيادته دون أن ينبس ببنت شفة طوال الطريق بينما هي كانت غارقة بأفكارها، صف السيارة جانبًا وترجل بهدوء دون أن ينظر إليها حتى.
صعد ودلف إلى غرفته مباشرةً بضيق، وهي استقرت في الخارج مكانها، شعرت بالحرارة تجتاح جسدها من كثرة التفكير، خللت أناملها في شعرها ولملمته ورفعته ذيل حصان كي لا يضايقها أكثر وهي تنظر تجاه النافذة بشرود وعقلها لا يتوقف عن تذكر قول العرافة، ماذا قصدت بأنها ستنول؟ ماذا ستنول؟
تخلل ذلك الهدوء صوته البغيض العابث أخرجها من شرودها: هو سايب أحلى يا عشق.
تملكها الذعر وتهدل ذراعيها وانساب شعرها وزاغت عيناها، رافضة فكرة الإلتفات ومقابلته، لمَ عاد للظهور في حياتها من جديد لمَ، ففكرة أنهُ يحوم حولها طوال الوقت تُرعبها وتخنقها.
جلس مقابلها وهتف بتسلية: إزيك يا عشق؟ وحشتيني.
ازدردت ريقها بحلق جاف ثم التفتت تنظر إليه بوجه باهت لكن بنظرات كارهة أمام نظراته الخبيثة لتقول بصوتٍ منخفض: إيه اللي جابك يا سامي؟ عايز ايه؟ وعرفت مكاني منين؟
قهقهة بسخرية وعينه تجيل وتتدحرج في المكان بتفحص شمولي قبل أن يقول باستخفاف: وحشتيني قُلت أما أعدي أسلم وأشوف أخبارك وأحوالك وكده!
انهي قوله بنظراتٍ مُعبرة شملتها من أعلاها لأخمص قدميها لا عقا شتفيه بشكلٍ مثير للإشمئزاز.
أومأت بتفهم وهي تحتضن ذراعيها بقوة شاعرة بالقشعريرة، تختبيء من نظراته الوقحة التي تجردها دون إستحياء أو خجل.
شكرته ثم طلبت منهُ الذهاب بحدّة لم تظهرها كثيرا كي لا يعاند معها: شكرا، ممكن تمشي بقي لأن ده مكان شُغلي.
ابتسم ورفع يده والتقط أحد الأقلام من أمامها وقلبه بين أنامله وطلبت باحترام: انا جي للدكتور محتاج أتعالج ممكن أخد معاد؟
احتقن وجهها من الغضب وطلبت بحدّة: لأ مش ممكن ولو سمحت اتفضل بره من غير مطرود!
ضحك ورفع ساق فوق الأخرى ثم سألها بخبثٍ وهو يرفع كلا حاجبيه: مش عايزة تعرفي مين قتل شاهي في الفندق؟
اهتزت مقلتيها باضطراب واختلج صدرها وتصنعت الجهل ناظرة إليه بعدم فهم ليستطرد موضحا أكثر: شاهي اللي اتقبض على قُـ..
قاطعته بحدّة وعلا صوتها وهي تقول: أنا مليش دعوة مش عايزة أعرف حاجة اتفضل اخرج بره بقي؟
تبدلت ملامحه لأخرى غاضبة أخافتها ليبتسم بدون سبب فجأة قائلا وهو يقف: على فكرة دي اتقتلت بسببك لو متعرفيش يعني!
هزَّت رأسها باستنكار وقبل أن تتحدث كان قد ابتعد عازما على الذهاب وتركها متحيرة لكنه تراجع وتوقف أمام الباب ودسّ يديه داخل جيب بنطاله وهتف بصوتٍ مرتفع نسبيا: على فكره جاسم بيعاملني بطريقة وحشة ولما نتكلم بيتكلم ببرود، وانا الصراحة شاكك إنك تكوني قُلتيله النوايا الطيبة اللي جوايا ناحيتك، حقيقي هزعل اوي لو طلع اللي في دماغي صح! وأنا زعلي وِحش أوي يا عشق.
حدجته بحقدٍ خالص وبدأ الغضب يتحكم بها فأمسكت قدح القهوة الفارغ و ضغطت عليه بقوة ونفاذ صبر، وكأنه رأي تلك النظرة بسمة فابتسم في وجهها باستفزاز وقال بتهكم: وعلى فكره قُصيّ مش بيحبك..
هبتّ واقفة من مجلسها وقد عيل صبرها فقذفته بقدح القهوة على طول ذراعها تزامنا مع متابعة قوله بكل استخفاف: لو كان بيحبك مكـ، آآآه، يابنت المجنونة..
انحني متأوها بقوة وهو يتحسس جبهته التي سالت منها الدماء بصوتٍ مكتوم ليجن جنونها عِندما سمعت شتمه لوالدتها فصرخت وهي تهم بحمل الكوب الصيني المعبأ بالاقلام وقذفته عليه صارخةً بعنف ليرتطم بكتفة بقوة: مين المجنونة يا حقير يا (، ) هقتلك يا سامي هقتلك..
عقد وليد كلا حاجبيه بسبب الضجيج الخارجي وصراخ عشق، فترك ما بيده وخرج من الغرفة سريعًا.
استند سامي على إطار الباب متألما، دون أن يتحرك خطوة شاعرا بتشنج كتفه، لتفتح حقيبتها وأفرغت محتوياتها فوق سطح المكتب بهيستيريا تبحث عن مبرد أظافرها بجنون كي ترشقه في رقبته ويخرج من حياتها وتنتهي منهُ إلى الأبد.
أمسكت به وابتسامة حاقدة تعتلي ثغرها وهرولت إليه و عينيها تقدحان شرًا مُغيبة عن واقعها تمامًا، لا تشعر سوى برغبتها في رؤيته جثة هامدة أمامها والآن.
صرخت بـ غل ورفعت يدها وهبطت بها على رقبته لتتسع عيناه بذعر وهو يرفع رأسهُ، لتتوقف يدها بين قبضته القوية سائلا باستنكار: إنتِ بتعملي ايه يا عشق؟
صرخت بهيستيريا و أعين جاحظة وهي تحاول تحرير يدها من قبضته بإصرار وصدرها يعلو ويهبط في عنف شديد: هقتله، هقتله، ده كابوس، كابوس لازم يموت..
حاول فك أناملها من فوق المبرد برفق لكنها كانت تمسك به بقوة تعجب أن تملكها في هذه الحالة، كانت قبضتها شديدة كالأموات لا تنفك وأناملها متحجرة لا تتحرك.
ضغط على يدها بقوة وصاح في وجهها بعصبية: في ايه يا عشق؟ سيبى البتاع ده؟.
وصرخ مستطردا في وجه سامي: وأنت لسه واقف مكانك؟ أمشي من هنا!
وقف باستقامة وهدر متوعدًا أشد وعيد بوجه مكفهر، وعيد أقسم أن ينقذه وهو يخفي جانب جبهته المجروح براحة يده: لو وقعتي في إيدي يا عشق مش هرحمك والله ما هرحمك.
صرخت في المقابل بحقد وكره شديد وهي تلهث من فرط الإنفعال: وأنا هقتلك والله هقتلك، يا حقييييير.
دلف إلى المصعد وألقي عليها نظرة أخيرة تنذر بالشر قرأت من خلالها الكثير، مقابلتهما القادمة ستكون خرابا وتدميرا لأحدهما، أو للإثنين معا.
دفعها وليد إلي الداخل وصفق الباب بعنف وسألها بحدّة: إيه اللي حصل ده؟
تركت المبرد من يدها ليسقط ويصدر رنين فوق الأرضية، ألقت بجسدها على الحائط تخرج أنفاسها المُرتجفة دفعة واحدة كأنها كانت تتعرض للإختناق.
عقد يديه أمام صدره بعدم رضي وهو ينظر إليها، لتبلل طرف شفتيها ثم همست بحلق جاف لاهثة: موافقة هسافر معاك..
سألها بعدم فهم: و ايه سبب موافقتك؟ خايفة منه؟
هزَّت رأسها نافيه وشرعت في الحديث لكن رنين هافتها أوقفها، نظرت تجاه المكتب بجزع مراقبه تحرك الهاتف بذبذباتٍ فوق سطح المكتب، خائفة من هوية المتصل، هرولت إلى المكتب وحملت الهاتف فوجدته جاسم.
ردت عليه متلهفة دون تردد في تعليقة قط: جاسم.
وصلها صوته المفعم بالحب: وحشتيني أوي.
قبضت على حافة المكتب بقوة وهي تغمض عينيها، تحاول الثبات والرد بهدوء دون أن يعرف أن هُناك مايحدث..
أجابت بصوتٍ هادئ لم يعكس خرابها الداخلي: أنت أكتر يا جاسم عامل ايه؟
أعرب عن سعادته عبر قوله الذي يشي بالحماس: الحمد لله يا عشق، انا جايلك على فكره.
ابتسمت ببهوت وسألته وهي تسقط جالسة فوق المقعد: جي فين؟
أجاب متعجبًا الجمود في نبرتها: جايلك القاهرة يا عشق انا في الطريق كُلها نص ساعة و أكون قُدامك، سلام بقى عشان أركز في السواقة مع السلامة..
ـ مع السلامة، ردت بهدوء وهي تنزل الهاتف عن أذنها وظلت ساكنة تُفكر كيف ستخبره بقرار سفرها المفاجئ.
في أحد المقاهي المكتظة بالزبائن، كان آدم يجلس على أحد الطاولات في منتصف المقهى، يهز قدميه الاثنتين بتوتر خالص جعل الطاولة تهتز معهُ بخفة وهو بفكر بـ عمّار، إنه خائفا عليه كثيرًا فإن هذه المرأة تشكل أهم شخص في حياته، إن فقدها سيفقد نفسه معها.
نظر إلى الهاتف يري كم الساعة بعصبية، فهذه المرة الثانية التي يعلقه بها شقيقة ولا يأتي، ماذا أصابه هو الآخر هل جُنّ؟ يتحدث صارخا ويأمره أن يأتي وهو لا يأتي؟!
حمل هاتفه ووقف كي يذهب ومع التفاته وجد مصطفي ممتثلا أمامها ينظر إليه ببرود، حرك شفتيه وكاد يتحدث لكن مصطفي ضغط على كفته أجلسه محله وجلس قبالته.
مسدت آدم كتفه بخفة وناظره بغرابة وسأله بتعجب: في إيه يا مصطفي؟
سأله ببرود مدققا النظر إليه: مفيش حاجة مخبيها عليا عايز تقولها يا آدم؟
هزَّ آدم رأسهُ نافيا بينما يقول ببرودة أعصاب: مفيش غير إن تالين كانت عايزة الشبكة وانا خدتها من البيت وإدتهالها وقالتلي أقولك إنها حامل بس!
ابتسم مصطفي ابتسامة ساخرة جعلت آدم يتعجب بسبب رد الفعل هذا وقال مستفسرا: حامل من مين يا آدم؟ أنا ولا أنت؟!
اهتز صدر آدم بعنف وبهت وجهة وتدرج بألوان قوس قزح السبع متمتما بنبرة مهزوزة مفاجئة: ا، زاي، ازاي، تقول كده؟
زمجر مصطفى بغضبٍ وقال بتهكم ضاربًا الطاولة بكفه: مستغرب كده ليه؟ بقول حاجة محصلتش! هااا؟ تقدر تنكر إنك بتحبها؟ ده انا سمعتك بوداني وأنت بتقول إنك مش هتنساها عمرك كله؟!
هز آدم رأسهُ بحركة عصبية وقال بانفعال وصوتٍ مُرتفع جذب الأنظار إليهما: لأ مقدرش أنكر بس ده مش معناه إنها حامل مني؟ مين ضحك عليك وفهمك الكلام الفارغ ده؟! وأنت ازاي تصدقه؟ أنت مش واثق في مراتك؟
صاح بنبرة جهورية غاصبة دون أن يعبأ بالمكان: لأ مش واثق دي طول الوقت كانت معاك ازاي أصدق؟
شخر بسخريه وضرب الطاولة بقوة وهو يهب واقفا بغضب جام: ما أنت كُنت سيبهالي عشان مقضيها مع سالي ودبستني فيها وخلتني خطبتها وأنت عامل معاها علاقة ودلوقتي بترمي بلاك عليا وبتتهمني بحاجة محصلتش؟! لأ فوق مش هتضحك عليا أنت وأمك.
قوله مبطن، يخبره أنها والدته! هل يعرف أنها ليست والدته طوال الوقت ويقصد تخريب حياته؟
لكمة مصطفي بعنف أسقطه أرضًا بعد أن إنزاح الكرسي من مكانه، فجأر بغضب ونفرت عروقه وكور قبضته ووقف وسدد إليه لكمة لم تكن بتلك القوة لكنه صعد فوق الطاولة وقفز عليه لتستقر ركبتيه فوق كتفي مصطفي أسقطة أرضا معتليه وظل يسدد إليه اللكمات بدون وعي صارخا في وجهه بقهر حتى ذهب صوته: تالين أشرف من عيلتك كلها يا (، )، بعد كل ده بتشك فيها وبتتهمها في شرفها يا واطي، أنت ماتستهلش ضفرها يا إبن الـ(، )، أنت هطلقها فاهم ولا لأ هتطلقها.
تجمع العاملين وبعض الرجال من المقهى وأبعدوه عنهُ بصعوبة بسبب تعلقه به وتشبثه في قميصه مما أدى إلى قطع أزراره العلوية وتطايرها.
سعل مصطفي بحدّة وهو يقف مع الرجل الذي يسنده ماحيًا الدماء من على شفتيه متراشقًا النظرات الكارهة مع آدم اللاهث الذي ينظر إليه بكره يضاهي كرهه و أكثر، وصدره ينقبض وينبسط بقوة ليصرخ آدم بنفاذ صبر في الرجال الذين يقيدوه يسألونه الهدوء: خلاص، سيبوني محصلش حاجة، وأنت بدل ما تفضل تجري ورا النسوان زي الكلب تبقى روح إعمل تحليل الـ DNA لوحدك واكبر بقي وخليك راجل بعيد عن أمك والتانية اللي سيقاك زي الحُمار.
دفع الرجل بانفعال واندفع كي يلكمه لكن آدم ضرب جبهته بجبهته بقوة ألمت كليهما، أمسك مصطفي رأسهُ بألمٍ لثوانٍ قليلة وزمجر مندفعًا إليه صائحا بتهديد: هقتلك وهقتلها يا آدم.
هدده بالمثل بخسة: هكون قتلك قبلها يا بتاع سالي.
حرر قبضته بعنف ولكمه بقوة ومدَّ يديه إلى رقبته خانقًا إياه لكن الرجال أبعدوه وأخرجوه من المقهى نهائياً، دون أن يستمع آدم إلي الترهات التي كان يتفوه بها. كادوا يخرجونه هو الآخر لكنه دفعهم عنهُ وزفر وعدل الكرسي المترنح وجلس عليه والدماء جفت فوق جرح شفتيه وجبينه بدأ يتورم من الجانب بوجه أحمر محتقن، يتنفس بلهاث وعصبية ثم انحني والتقط هاتفه الساقط.
اتي إليه النادل بثلج وقطن وبعض الأدوات الطبية ليسأله آدم بعصبية: مين قال اني عايز؟
تحدث النادل باحترام وهو يأشر خلفه على إحدي الطاولات في الزاوية: الآنسة اللي هناك دي هي اللي طلبته لحضرتك.
التفت خلفه بوجوم ليبصر فتاة تجلس ترتدي ملابس رياضية توليه ظهرها تحدق في الخارج لكن سرعان ما تعرف عليها بفضل شعرها الطويل.
زفر وحمل الثلج ووضعه فوق جبينه متمتما ببعض الكلمات الغير مفهومة بحنق، فهو مضجر وحالته لا تسمح بالحديث ولا الثرثرة معها.
حمل هاتفه بعد مرور وقت رُبما، يوازي نفس الوقت الذي قد يصل به مصطفى إلي تالين إن قرر الذهاب إليها، انتظر ردها عليه وهو يكاد يجن من فرط القلق من أن يكون قد ذهب وقام بأذيتها.
أغلق الهاتف وقذفه أمامه مخللا أنامله داخل شعرة بغضب وعمد على هزْ قدميه بقوة وتوتر. ثم حمل هاتفه من جديد وهاتف قُصيّ..
وفي هذا الوقت في منزل قُصيّ..
كانوا جميعًا يجلسون في غرفة الجلوس كعائلة سعيدة يشاهدون أحد الأفلام الأجنبية في التلفاز، قُصيّ كان يحتضن ريمة ومعظم الوقت كانا يتهامسان معًا خلسة بينما جـنّـة كانت قد احتجزت غرام معها على الأريكة المجاورة تراقبهما بغيره.
أخرجها من شرودها همس غرام الرقيق الذي كان وقعه عليها كـ بلسم مهدئ: مامي الكوكيز حلو اوي.
قبلتها جـنّـة بحنو وهي تضمها إلى صدرها وهتفت بنعومة وهي تداعب وجنتها الهلامية الرقيقة: بالهنا يا حبيبتي..
قرب قُصيّ قطعة البسكويت من فم ريمة وهتف بصوت منخفض ساخر: دوقي عمايل الشيف جـنّـة.
برمت شفتيها وقالت بامتعاض: مش عايزة.
تحدث مقترحًا: طب عصير؟
هزَّت رأسها برفض وهتفت بعبوس وهي تزم شفتيها: أنا جعانة يا قُصيّ؟
فكر قليلا ثم هتف بعبث: تيجي نعمل بيتزا؟
قفزت من محلها صائحة بحماس: موافقة يلاااا
قهقهة وحثها على الذهاب: روحي وهحصلك..
أومأت وركضت إلى المطبخ بحماس لتتحرك جـنّـة وتقترب منهُ لكن أوقفها رنين الجرس، تحرك قُصيّ كي يفتح لكن جـنّـة ركضت إلى الباب سريعًا وفتحته بحماس تلاشي عندما لم تجد أحدًا.
تلفتت حولها بحيرة وغيظ وعادت إلى الخلف كي تغلق الباب لتستوقفها وردة بيضاء وجدتها موضوعة أسفل قدميها، تبسمت بسعادة ومالت تلتقطها بحب، تفكر في قُصيّ بهيام فهو بالتأكيد من يفعل هذا.
عادت إلى الداخل بخطواتٍ سريعة مهرولة إليه بابتسامة عذبة ووجه بشوش، نظر إليها باستفهام وكاد يسأل من كان ليجدها عانقته بدون مقدمات وأحاطت خصره بقوة وإن لم تكن غرام جالسه لجسلت على قدميه وتدللت أيضًا.
همست بهيام وهي تحرك رأسها فوق صدره ويدها تداعب خصره: بحبك أوي.
نظر إليها من علو وتمتم مستفسرا: وده من ايه؟
رفعت رأسها وتركت خصره ثم رفعت الوردة أمام عينيه وهتفت بابتسامة سعيدة: ملقتش حد بره بس لقيت الوردة، الوردة دي شبه الورد اللي أنت جتبهولي إمبارح.
أومأ وهو يأخذها من بين أناملها بابتسامة غامضة، إنها لمار من فعلت هذا فأمس أخبرته أن لا مانع لديها من أن تبعث إليه كل يوم وردة.
أخذها من بين يديه ممعنا النظر إليها ومقلتيه تومض ببريق مميز كان يتلألأ داخلها جعلها تغار وتختطفها منهُ محتجة بحزن جعلته يضجر و عكرت صفوه: ايه يا قُصيّ مش عارفها مش أنت اللي باعتها؟
زفر وكاد يبعدها عن أحضانه لكن أبصر غرام تنظر إليهما بابتسامة سعيدة تراقبهما بشغف، فبعث إليها قبله هوائية فأعادتها إليه بلطافة ليتحرك تاركا جـنّـة وحملها هي وقبلها بحنان ضاما إياها إلي قلبه سائلا وهو يتحرك بها اتجاه المطبخ: تيجي تعملي بيتزا معايا انا وعمتو؟
أومأت بحماس لتقف جـنّـة عزولا أمامه قائلة باعتراض: لأ سيبها عايزاها وبعدين لسه مأكلتش كفاية.
نظر إليها بدون تعبير ثم وضع غرام بين يديها وتخطاها وذهب إلى المطبخ.
زمت غرام شفتيها وعبست قائلة بحزن: مامي عايزة اعمل بيتزا!
جلست بها جـنّـة على الأريكة وقالت برفق وهي تمسح على شعرها: حاضر يا حبيبي هتروحي وهتعملي بيتزا بس قولي لي الأول يا أميرتي عمتو بتاخدك وبتروح فين؟
عبثت غرام في أناملها وطلبت منها بخفوت: مامي عايزة عصير.
ناولتها جـنَّـة كوب العصير برفق وهي تبتسم وكادت تعيد سؤالها لكن غرام طلبت بلطافة: كوكيز بقي.
تنهدت جـنَّـة وأطعمتها بنفسها منتظرة حتي تشبع كي تعرف منها إلي اين تأخذها ريمة بإلحاح كل مرة، ووضعت يدها أسفل وجنتها تنتظرها حتى تنتهي.
لوكت غرام ببقية البسكوت داخل فمها ثم ارتشفت العصير ببطء وتمهل كادت تصيب جـنَّـة بجلطة من الانتظار، أنهته أخيرًا ثم وضعت الكوب من يدها برتابه فوق الطاولة وطلبت برقة وهي تطرف بأهدابها بلطافة: ممكن wipes يا مامي؟
ابتسمت جـنّـة بعصبية ورفعت يدها ومسحت حول فم غرام بأكمام منامتها لتهز غرام رأسها برفض وتبتعد منزعجة عاقدة ما بين حاجبيها، نظرت إليها جـنّـة بتعجب وأعادت تقريب يدها من وجهها ليحمر وجه غرام وتصيح بعصبية وهي على حافة البكاء: لأ جراثيم عايزة wipes يا بابي..
أتاها قُصيّ مهرولا من الداخل بقلق، لتقف فوق الأريكة وتمد ذراعيها مستغيثة به بأعين دامعة، فحملها بقلق لتجهش في البُكاء وتنحب فوق صدره بحرقة.
فغرت جـنَّـة فمها وهي تراقبها عاجزة عن التفوة بحرف!
ليسألها قُصيّ بحدّة: إنتِ عملتي إيه؟
حركت شفتيها للإجابة لكن غرام رفعت رأسها وهتفت بحرقة وهي تشهق بوجة متورد: ريمة بتديني wipes هي مش بتديني wipes و My lips مش نضيفة.
تبسم بحنان وضمها بقوة ومسح على ظهرها برفق كي تهدأ مواسيا: خلاص يا حبيبتى متعيطيش هجبلك أنا متزعليش نفسك.
أومأت بحزن وهي تقوس شفتيها، تنظر إليه ببراءة ليجفف عبراتها بنعومة ثم أنزلها فوق الأريكة وصعد إلى غرفة ريمة يبحث بداخلها فهي من تستخدم ذلك النوع من المناديل وغرام كانت تقطن معها لسنوات هذا طبيعي.
نظرت غرام بجانبها إلى جـنَّـة التي تناظرها بحزن ثم همست وهي تضم قبتضيها الصغيرة معًا بندم: sorry.
تشجعت جـنّـة و اقترب منها وأحاطت كتفيها برفق وهي تنخفض لمستواها سائلة: في بنت جميلة وحلوه تزعق؟
هزَّت رأسها نافية وتجمعت الدموع في عينيها وهمست بندم طفولي: مكنش قصدي مش هعمل كده تاني.
ضمتها جـنَّـة بقوة وربتت على وجنتها بنعومة قائلة بحنان: مش زعلانة يا حبيبتي متزعليش أنتِ مني.
هزَّت رأسها بخفة في أحضانها وظلت ساكنه حتي أتي قُصيّ بما تريد وجلس القرفصاء أمامها، تهللت أساريرها ووقفت وأخذت منديلا بنفسها ونظفت حول فمها بدقة أثناء مراقبته إليها بانتباه، انتهت وهرولت إلى صندوق القمامة ووضعته بداخله بهدوء ثم عادت وجلست بأريحية وابتسامة سعيدة زينت ثغرها.
قهقهة قُصيّ وسألها بابتسامة: مبسوطة؟
صاحت بسعادة: أوي أوي
سألها وهو يحوط خصرها: أنتِ أكلتي ايه بقى لكل ده؟
أجابت بلطافة: كوكيز.
ارتفع كلا حاجبيه وضيق عينيه قائلا بمبالغة شديدة: يا خبر كوكيز مرة واحده عندك حق فعلا. اومال لو أكلتي Meat هتعملي ايه؟
اتسعت عيناها وهتفت بخفوت شارحة بيديها الصغيرتين تحثه على خطورة السؤال: هغسل ايدي مرتين كويس أوي.
قهقهة ودغدغها مشاكسًا: بجد، يعني مش مرة واحدة ولا تلاته..
تلوت ضاحكة بين يديه صا