
رجل لا اراه الا ان ينفض غبار ذكرياتى عن قلبه امامها يتجاهل النظر بى.. لم يعر بكائى واوجاعى العظيمه اى اهتمام.. ينسحب بكل هدوء عكس ما اقتحمنى.. ايقنت انه تخلص منى عندما بكيت وتضور قلبى جوعًا لضمة منه ولم ياتى لى هامسا فيخبرنى ( شعرت انك تشتاقى ياصغيرتى )..
<a name=\'more\'></a>
- هشام طيب ممكن تقولى بس إيه اللى قالهولك سيادة اللواء خلاك تبقي قلقان كده!
اردفت فجر جُملتها بقلق عندما توقف هشام بسيارته أمام باب فيلتهم وظل متسلحا بالصمت طول الطريق.. فرد بهدوء
- صدقينى والله معنديش فكرة، قال لى فى مصيبتين، هروح أشوفه بقي..
حاولت تشتيت انتباهُ عن القلق.. فأحتوت كفه بلطفٍ انساه ما يُزعجه وهى تقول
- اكيد بيبالغ شويه، متقلقش، انا هنزل وهستناك تكلمنى تطمنى..
التقت اعينهم المفعمة بمشاعر لا تُقال فابتسمت بخفوت وبنبرة إصرار
- هستناك تكلمنى! اتفقنا..!
اومئ ايجابا فاستدارت متأهبة للنزول فأوقفها ندائه قائلا
- فجر..!
عادت سريعا إثر ندائه: خير يا هشام!
- عايز اطلب منك طلب!
انكمشت ملامحها باستغراب، وهى تقول
- غريبة، اتعودت عليك بتأمر وبس!
فهم مغزى ما تُشير إليه، فتبسم بخفوت قائلا
- ده كان زمان بقي!
رمقته بعيون لامعه متعمدة خربشة دواخله بفضولها: اومال ايه اللى اتغير!
اتكئ على مقعده للخلف ضاحكًا قاصدا الهرب من فضول إمراة حارب نفسه كى لا يبوح لها بسره.. ضحكته أثارت الشغف بجوفها فأطالت النظر به منتظرة رده، الى أن قال
- اللى اتغير كتير! المهم، حاولى قربي من عايدة.. واكسبيها بلاش تغلطى غلطتى معاها.. عمرى ما واجهتها كنت بشيل فى نفسي واكتم لحد ما اتبنى جوايا جسر طويل من ناحيتها مش عارف اهده..
باتت الدهشه مُقيمه على جفونها كأقامة الطيور فوق أغصانها، ظلت تتطلع فى ملامحه كثيرًا مستغربة على حاله.. كيف لازال قويا بأحزانه لهذا الحد.. تحمحمت بخفوت ثم قالت
- هتفضل لحد أمتى تعرفنى على حياتك صدفة، او بالقطارة كده ؟!
التوى ثغره مبتسمًا
- لحد لما تكونى ليا بدون أى حواجز...
اختلج قلبها إثر جُملته.. فهو لم يبح بحبه بنصٍ صريح ولكن كل افعاله وأحاديثه تنطق ما يكتمه بين ثناياه، صافحت قلبه باهدابها المرتجفه وألف سؤال يتقاذف من انظارها فبادلها بنظرة اصابتها بضربه احدثت اثرها كدمه من تلك التى لا تراها العين مبتسما
- واخده بالك أن فى مصيبتين واحنا عمالين نتساير كده.. عندى شغل يلا انزلى!
زفرت بيأس: أنت متعرفش تكمل حاجه حلوة للاخر ابدا.. وبعدين أن كُنت نازلة انت اللى ندهت عليا اصلا.. كل ماتتزنق تخلع!
شوحت بكفها وهبطت سريعا وهى تغمغم مع نفسها بكلمات غير مفهومه، أما عنه فهَمّ بقيادة سيارته ضاحكا على الحالة التى كانت بها متنهدا بارتياح
- هانت!
غزت جملته الاخيره رأسها فظلت ترددها بصوت خفيض مرارا وتكرارا.. وهى تقول لنفسها
- هو كان يقصد ايه ب كلامه، يعنى أيه تكونى ليا من غير حواجز، هو بيحبنى ولا بيستعبط طيب! بجد يعنى هو ناوي يجننى...
فاقت من شرودها على فراغ البيت.. فانعقد مابين حاجبيها متسائله
- هما راحوا فين!
صعدت السلم متجه نحو غُرفة هشام وهى تدنن ببعض الاغانٍ التى تتناسب مع حالتها المزاجية، ففتحت الباب بتلقائيه وبجهل تام بأن بها أحد.. فتوقف فجاة مذهولة وبعيون جاحظة إثر الدهشه عندما ألتقمت مُقلتيها ميادة بالغرفة.. فاردفت بخفوت
- أنت مين ؟! وبتعملى إيه هنا..!
رفثت ميادة ملابس فجر بقدمها واقتربت منها بخطاوى مُختالة
- أنا مين! انا صاحبة البيت ده ومراة هشام، وبعمل إيه! بنضف الاوضة من الزبالة اللى فيها..
حرقها جمر اليقين الذي بخر شكوكها.. فاستجمعت فجر قوتها لتقف متحدية منتويه الانتصار فى الحرب التى اعلنتها ميادة.. فعقدت ساعديها أمام صدرها قائله بسخرية:
- ااه انت بقي ميادة! بصراحه هشام مجابليش سيرتك خالص، بس اللى عرفته من رهف أنه سابك يوم كتب الكتاب عشانى تقريبًا..!
اصابت رصاصة فجر قلب ميادة فتبدلت ملامحها وبَدَ التوتر يتسلق ملامحها وظهر ضُعف موقفها فى نبرة صوتها العالية
- انت ازاى يابتاعة انت تتجرأى وتردى عليا بالاسلوب ده! انت نسيتى نفسك يافلاحه..!
لازالت فجر مُحافظة على هدوئها بثبات انفعالى تجرعته من هشام فقالت..
- حقيقي مش عارفة مين فينا اللى نسي نفسه، ونسيتى أنى كمان مراة هشام اللى اختارها بقلبه وعقله.. على العموم انا هسيبلك الاوضة لحد ما يجى هشام يطلعك منها بمعرفته.. بس اوعدك مش هتباتى ليلة فيها!
لم تستطع مياده أن تُجيبها فأقتحمت رهف عليهم الغرفة لترتمى بين أحضانها مهلله
- وحشتينى وحشتينى... اخيرا رجعتى! هشام هينبسط اوى اوى لما يعرف..
ارتسمت ابتسامة انتصار على ثغر مياده وهى تبتعد عن رهف قليلا
- والنبى يا روفا علَّى صوتك وسمعيها، وعرفيها أنى أبقي ايه بالنسبة لهشام، عشان شكلها كدبت الكدبة وهتصدقها..
تبدلت ملامح فجر وأصيبت بلعنة الحيره تقف فى صف من منهن! فارتفعت اعينها بخجل نحو فجر قائله
- جوجو.. دى بقي ميادة مراة هشام اللى حكيتك عنها..
بابتسامة ماكره اردفت فجر وهى تطيل النظر بمياده: مااحنا اتعرفنا، وكل واحد عرف مكانته!
ثم وجهت انظارها لرهف قائله
- انا هروح ارتاح شويه فى اوضة زياد، يكون هشام رجع ويتصرف هو بقي فالموضوع ده!
ضحكت ميادة بسخرية وهى تضرب كف على الاخر
- ده لسه عندها شك ان هشام هيفكر للحظة ويحُطنى فى مقارنة معاها..
توقفت فجر بثقه على اعتاب الباب قائله:
- للاسف متأكده.. متأكدة ان هشام مش هيتردد للحظه عشان يختار ما بينا، لانه واخد قراره من زمان.. بس أنت اللى مش عاوزه تشوفيه..
غادرت فجر منتصره ظاهريا ودواخلها تنهار حرفيا، ظلت محتفظة بدموع حُزنها الى ان وصلت لغرفة زياد فازفت لحظة انفجارها باكية وهى تحتضن قلبها الذي ضُمر من تفاقم الاحزان عليه.. فعندما تتزحزح صخرة حزنها إنش ليتسلل شعاع الفرح لكهفها المُظلم لم يلبث طويلا حتى تنهال صخور اخرى تعوق شعاع فرحتها..
أما عن ميادة بات الغضب برأسها وقلبها كشُعب مرجانية.. فكلما حاولت رهف تهدئتها ثارت نيرانها اكثر وهى تقول
- اموت واعرف الفلاحه دى جايبة الثقه دى كلها منين!
- خير يا نشأت بيه.. قلقتنى!
هتف هشام جُملته وهى يضع بأشيائه بهدوء فوق سطح المكتب ويجلس على المقعد المجاور له.. فهتف نشات بامتعاض
- وهيجى منين الخير!
انعقد جبين هشام قائلا: قلقتني يا جنيرال!
- سلطان هزاع! لقيوه مُنتحر الصبح فى الزنزانه!
لم يبد هشام اى معالم الدهشة على وجهه وكأنه كان يعلم بمصيره المحتوم.. فاجاب بثقة
- او اتقتل!
- لسه التحريات شغالة يا هشام..
واصل هشام قائلا
- وحضرتك متفاجئ ليه دى النتيجه الطبيعية اللى كُلنا متعودين عليها.. اول ما يحسوا انهم هيتكشقوا وحد هيمسكهم من ايدهم بيقطعوها..
- الامل بيبهت يا هشام، ودايرتهم بتوسع، واحنا مش قادرين نوقف مخططهم..
فكر هشام لبرهة قبل ما يرد عليه.. فقال
- المفروض اننا بناخد الامل من سعاتك يا نشأت بيه!
اشار إليه نشأت بكفه متفهمًا
- عارف يا هشام، وعارف أننا مش هنقدر نقضي على الجماعات دى ليوم الدين، ده قانون الارض يا بنى لازم الشر يستمر والخير يفضل يحاربه، أحنا كل هدفنا نثبطه، نخلى انتشاره اقل، اللى بيحاول يقلع جذور الشر نهائيا زى اللى بيحاول يمسك الهوا بايده!
تفحصه هشام باعجاب فقال مؤيدًا: عندك حق معاليك..
- أنت ابنى ياهشام وانا عمرى ما اتعاملت معاك رسمى، ودايما كلامى معاك زى اب وابنه مالهوش قيود..
رد بامتنان: ده شرف ليا سعاتك..
- طيب المصيبة التانيه..
تبدلت ملامحه بقلق: استر يارب، قول يافندم..
- حماك.. كامل بشير قاصد يعملك بلبله، وقدم فيك مُذكرة أنك متجوز بنت راجل محكوم عليه بالاعدام.. ودى فى حد ذاتها وصمة عار لآل السيوفى ومش حلوة بين زمايلك.. لسه عمك مكلمنى وقال لى اتكلم معاك..
اصابته اشواك الاحباط فهتف
- قصدك بجوازى من فجر!
- فوق ياهشام مش مستواك يابنى، متبقاش انانى وتدمر مستقبل ولادك معاك.. فكر فيهم واختارلهم نسب يشرفهم..
لم يقتنع بنظرية اللواء، فتعثرت الكلمات بحلقه قائلا
- نشات بيه.. ابوها بريئ انا كلمته النهارده، وهو حكالى كل حاجه.. صبري اتهدد ببنته عشان يعترف على نفسه..
نشأت بيأس: القانون عاوز أدله..
هشام بلهفة كمن تعلق بقشامة عندما اوشك على الغرق
- والدليل معانا.. وبطاقة الظابط اللى اتقتل كانت فى الملف اللى اتبعتلنا عن زيدان، وراجل زى ده اقل من أنه يستورد شُحنه تمنها فوق العشرين مليون سعتك..
اتسعت ابتسامة نشأت متذكرا ذكرى تسره
- واضح أنك متمسك بيها يا هشام..
بتلقائية رد هشام: متمسك بالحق يافندم، انا من قبل ما اقابل فجر وانا بدور على دليل براءة ابوها من غير ما اعرفه ولا يعرفنى.. ما بالك بعد ما بقيت بينا صلة!
اردف نشأت بمزاح: ومش أى صلة..!
هشام باهتمام: ساعدنى نبرأه يافندم.. حرام يتعدم وهو ملهوش ذنب.. هو قال لى هيعترف بكل حاجه.. ولا معاليك شايف إيه!
تنهد اللواء متذكرا زوجته الراحله فقال
- شايف حب كبير فى عينيك لازم تعيش عمرك كله تحارب عشانه.. لآخر نفس يا هشام حارب..
بد الارتباك قليلا على ملامحه إثر اتهامه الصريح الذي اصابه فى قلبه.. فلكت الكلمات بفمه.. اتسعت ابتسامة نشأت قليلا
- عشان كده طلبت نقلك لبنى سويف، يلا يا بطل ورينى هِمتك.. هتدافع ازاى..
ردت الروح بقلب هشام الذي شعر بأنه يود أن يحتضنه ويشكره.. فأجمل شعور يقابل الشخص منا شعور الدعم لكل ما تهواه الروح.. أن تجد من يدعمك كمن وجد عكازا يتكأ عليه عند بتر ساقيه..
انتهت بسمه من تفريغ الكاميرات لتثبت إهمال زياد عن عدم حضوره واهتمامه بالمعمل وانه غير جدير بالمسئوليه، ولكن صُعقت بحقائق الواقع، عندما التقطت الكاميرا مقاطع تبديل العينات، وحركة نهى وعلوى الحريصة بالمعمل والتهامس بينهم، وتدوين تقارير جديده والتخلص من الاصل فى الفور..
تفرغ فااه بسمة مذهولا محاولة تخمين جرائمهم التى رفضها عقلها مرارا وتكرارا.. قفلت جهاز _اللاب توب_ الخاص بها وتحركت صوب معمل التحاليل..
فتحت الباب بدون استئذان فوجدت الدكتوره منال.. فنادت مستغيثه
- منال، أنا محتاجه مساعدتك، مفيش حد غييرك ممكن أثق فيه هنا.
ربتت منال على كفها
- اهدى اهدى يابسمة.. قوليلى فى إيه وانا هساعدك..
اخذت بسمه نفسًا بصعوبة وهى تعود لتقفل الباب خلف فقالت
- عاوز اصل كل التحاليل اللى اتعملت هنا قبل ما تتسلم للدكتور علوى والدكتوره نهى.!
انعقد ما بين جبينها باستغراب
- بسمه.. فى حاجه حصلت.. فهمينى
- مش وقته يا منال.. نفذي بس وهستنى منك تليفون فى اسرع وقت.. بصي سيبى كل حاجه فى ايدك دلوقتى وأعملى اللى قولتلك عليه..
- حاضر ياحبيبتى...اللى تشوفيه اهدى بس..
- أنتوا المزرعه بتاعتكم دى آخر الدنيا كده!
تسير سيارة زياد فى مفترق الطرق الزراعيه الضيقه بين الاشجار والخُضره، فاردف سؤاله بشيء من الملل.. فاستقبلته نور بابتسامه هادئه
- معلش قربنا نوصل أهو...
بادلها نفس الابتسامه وهو يقرب كفها من شفتيه ليطبع عليها سم شفتيه.. بعد عدة دقائق صف سيارته أمام مزرعة والدها.. فنزلت قبله وتقدمت خُطاه قليلا.. فأوقفه ندائه
- خدى يابنتى هنا.. انا جاي معاك على فكرة!
ضحكت بصوت مسموع: منا بمشي قدامك عشان اعرفك الطريق يا دكتور.. يللااا بابا قاعد هناك أهو..
تابع زياد خُطاه مجبرًا حتى وصل لمجلس والدها، فبعد تبادل السلامات والتراحيب بينهم اقترح عليه معالى المستشار أن يجلسوا بالداخل، فلم يملك زمام الامر بان يرفض..
ظل يُلهيه بالقصص القديمه والجديده عن حياته الى أن وصل لمجلس واسع اشبه ( بدوارٍ) يبدو عليه الفخامه.. فكانت الصدمه بالنسبة لزياد عندما وجده مليئا بالرجال وبالاخص أعمام بسمه واولادهم واقرابها.. فتأكد انه وقع فى فخ اعماله..
وقف مكانه مذهولا محاولا استيعاب الصدمه.. فكل مخاوفه من اعتاب الفيوم تحققت.. هتف المستشار رشدى قائلا بمكر
- طبعا مش محتاج اعرفكم على بعض..
تقدم يُسرى عم بسمه عن مجلس رجاله فى زيه الصعيدي مستندا على عكازه قائلا
- اهلا بولد السيوفى..
ثم تابع والد نور قائلا: ونسيبكم يا يسري بيه..
ارتفعت انظار زياد نحو نور التى تقف ثابته وشظايا الشر والانتقام تتقاذف من عيونها.. فلازال تحت تاثير الصدمه وهو يبلل حلقه قائلا
- نور... في إيه! أنت فاهمة غلط!
شرعت نور أن تتفوه ولكن اوقفتها زمجرة رياح والدها وهو يتحدث بصوت قوي
- أبن السيوفى جاي يطلب بتى وعلى ذمته واحده تانيه! ده نسميه إيه يا بهوات ؟!
هجر يسري قائلا:اسمه عار وقلة أدب يا بيه، ده معملش حساب هو مناسب مين ولا عمل حساب هو هيناسب مين!
تجاهل زياد جمر كلماتهم فاقترب من نور معاتبا
- كنت بتضحكى عليا! بتشتغلينى يا نور!
وقفت بثبات تام ثم قالت بقوة
- بعرف امثل كويس! زيك.. مش كده..
قطعها قائلا: ليه! دانا حبيتك وكنت فعلا جاى أخطبك!
التوى ثغرها ساخرا
- ااه وابقي زوجه تانيه! أنت واحد ولا احترمت مراتك ولا قدرت اهلك ولا اهلك ولا حبيتنى يازياد..
ثم دنت منه خطوة: أنت اللى زيك عامل زى العيل الصغير بيفرح باللعبه فى ايده كام يوم وبعدين يرميها.. لكن للاسف مش أنا اللى اكون لعبة..
ثم رفعت انظارها لوالدها مستأذنة ليتركها تواصل فقالت
- أنت مفكر أن معالى المستشار مش هيعرف يجمع اصلك من فصلك وجاى بمنتهى السهولة تطلبنى منه! مش بقولك عيل صغير وأكبر خدعه فى حياتى..
نفذ صبر زياد فهب صارخا:
- بس أنا بحبك يا نور.. ولازم تفهمى أن جوازى من بسمه فرض مش اختيار..
ردت صارخه فلم تمنع دموعها تلك المرة من الانهيار
- انت كداب، انت عمرك ما حبيت غير نفسك.. انا مش عاوزه اعرفك تانى.. بجد يا خسارة...
ثم توقفت عن الهتاف للحظه وهى تستجمع شتات قوتها وبغتة فجأته بلطمة قويه على وجنته أمام الجميع وبجبروت امراة قالت
- والقلم ده عشان كل ما تلعب على واحده تانيه تفتكره وتفتكر أنك اد ايه خسيس..
جففت دموعها سريعا ثم قالت بقوه
- بابا انا كده خدت حقي منه، يلا بينا...
ثم هتف يُسري قائلا بغضبٍ
- بس حقنا أحنا لسه مخدناهوش... ولازم يتاخد قبل ما نبلغ عمك سيادة المحافظ واخوك حضرة الظابط..
مر والد نور من جواره هامسا بلوم
- ياخسارة! كويس أن عماد السيوفى مات قبل مايشوف ابنه فى موقف زى كده!
شعر زياد بوخزات الضعف وقلة الحيله فهتف جاهرا
- انتوا بأى حق أصلا تتكلمو معايا كده، بسمة انا هطلقها ومفيش حاجه هتربطنى بيكم بعد النهارده..
قفل الخفير باب المندره ثم صوب فوهة البندقيه على كتفه.. فقال يُسري
- ما أنت كده كده هتطلقها، بس لما حقها يرجع الاول..
ثم هتف: هاتووووه يرجاله عشان نربوه كيف يتعامل مع بنات الناس قبل ما يتجوزهم...
( مفيش راجل خلقه ربنا بكارت الجوكر، الجوكر اللى يديله الحق يتسلى مع كل واحده شويه، الست اللى تسامح وتغفر لراجل عاش حياته قبلها بالطول والعرض يبقي بتقبل الذل وبترخص نفسها ربنا بس اللى بيسامح أحنا كبشر ماينفعش ندى الفرصة مرتين، زى ما هما ليهم شروط فى الست اللى هيكملو معاها مايكونش ليها اى تجارب سابقة انت كمان لازم تختارى شخص معرفش قبلك ولا عنده نيه يعرف غيرك، ماتربطيش حياتك بشخص شايف ملاذه مع كل بنت شويه وتيجى تلومى على الحب.. اللوم على اشباه الرجال اللى أنت بتسلميهم قلبك ومستنيه منه يصونه..
زياد كان لازم يتعاقب اللى زيه مايستاهلش فرصه تانيه تسمعيه لانه هيكذب زى ما كذب فالفرصة الاولى.. مش هنكر انى حبيته واتعلقت بيه، بس مش أنا البنت اللى ترضي بشخص كذب، الكذب ابشع حاجه فالبشر.. مش هرمى نفسى فى حضن واحد واخدنى مجرد نزوه فى حياته.. يااكون لك بكلى فتكن لى بكلك يا يأم لا تكون ).
اردفت نور كلمتها سرا لتواسى قلبه وتقنعه أن هذا الصواب وهى تركب السياره بجوار أبيها وتحرك السائق نحو شقتهم بالقاهره... معاتبه نفسها
(رجل كالنحل لم يوقع تعاقده مع زهرة واحده... وتظل تتسائل دوما أهل العيب على الورده المتاحه للجميع أم عدم وفاء النحل ؟!)
تتحرك فى غرفة زياد بعشوائيه.. تُكاد الحيره أن تطيح برأسها، كمن يقف فى المنتصف بين نهاية البر ومقدمة البحر، فيبدو البحر شهيا للغايه ولكن البر أكثر أمانًا.. هل تتبع الاعراف أم تسير خلف اهوائها لتعيش مغامرة اخرى مع القدر!
قطعت شرودها دخول رهف المفاجئ.. وهى تقول
- كنت متوقعة أنك لسه ما نمتيش!
المرة الاولى التى لم تقدر فجر فيها على رسم ابتسامه كذابة على وجهها لرهف.. فقالت برسميه
- كنت هنام اصلاا..
فركت رهف كفيها بارتباك: أنا عارفه انك زعلانه منى.. بس يا فجر حطى نفسك مكانى! ميادة غير انها صحبتى ومتربين سوا هى كمان اتعذبت اوى لحد ما خلت هشام يحبها..
- هشام ما بيحبهاش يارهف..
هرب اللفظ من شدقها بدون تفكير وبنبرة ثقة أحدثت اثرها قشعريره فى جسد رهف.. ثم قالت
- هشام قالك كده!
صمتت فجر بقلة حيلة متحاشية النظر عنها، فتابعت اسئلتها
- قالك انت بحبك صراحة!
دهشه بعد الاخرى اصابتها فلك الكلام بفمها.. وفضلت الصمت.. واصلت رهف حديثها الحاده..
- جوجو اسمعينى، ممكن هشام حاسس بالمسئوليه ناحيتك لان ده طبعه، مش بيرد لحد طلب، مشفق على حالتك، شايفك صديقة كويسه زي ما انا شيفاكى.. لكن مش ام لولاده، بلاش تبوظى حياة هشام بعد ما صدقنا انه استقر.. فين رد الجميل ؟!
انهالت عليها الذاكرة كشلالا قويا يجرفها الى حيث لا تعلم.. فرت دمعه مكابرة من طرف عينه
- عايزة ايه يارهف ؟!
- رهف... سبينى معاها شويه!
أتت عايده من الخلف وهى تلقى جمر جملتها وتقطع حديثهم الحاد لتحوله لنيران ملتهبه.. زفرت فجر باختناق ثم استدارت لتجلس على اقرب أريكة دافنه وجهها بين يديها.. فنقهقرت رهف ببطء ودلفت عايده ثم اغلقت الباب خلفها بهدوء وجلست بجوار فجر وهى تربت على كتفها برفق
- فجر.. لو سمحتى عايزاكى تسمعى كلامى للاخر..
هتفت فجر بنفاذ صبر وألم حاد يأكل بقلبها وبصوت باكٍ
- أنا مش همشي من هنا غير لما هشام بنفسه يقول لى أمشي..
زفرت عايدة بهدوء ثم قالت
- أنت معاك حق! بس ليه تستنى لما يكرهك فيه ويسيبك تمشي ويخذلك.. انت مفكرة أن هشام ممكن يفكر للحظه انه يكمل حياته معاك...
اخذت عايده نفسا طويلا ثم نهضت بثبات للتتحرك فى الغرفه وتلقى فوق قلبها شظايا كلماتها..
- بصي يا فجر انا ام يا حبيبتى ولازم احمى ولادى كويس واعرفهم مصلحتهم.. مممم أنا عارفه انك حبيبتى هشام وده شعور طبيعى بعد كل حاجه عملهالك.. بس اللى عايزاكى تتأكدى منه أن هشام محبكيش! هو عطف عليك! شافك بنت حلوة قدامه قال أما يتسلى شويه، لكن حب تؤ متحلميش، انا اعرف ابنى اكتر منك...
صمتت عايده لبرهه محاوله استجماع الكلمات
- هقولك كلام محدش يعرفوا حتى هشام... بس من فضلك لو بتحبى هشام بجد مش عاوزاه يعرف حاجه..
تحركت لتجلس على طرف السرير وهى تقول
- أنا لو خليتك مع هشام هيكرر تاريخ ابوه، هيوجعك زى ما وجعنى.. فجر الحقيقه اللى لازم تعرفيها إن هشام مش ابنى..
تلك الرعشه المكهربة التى اصابتها بسبب هول ما اردفته عايظه افقدتها النُطق.. ظلت تستمع باهتمام بالغ لحديثه، مسحت عايده دمعه متمرده فردت من طرف عينيها بمرارة..
- هقولك، ابو هشام اتعرف عليا وأنا فى الجامعه وحبينا بعض وعشنا اجمل ايام ممكن تتخيليها، واتجوزنا وعشنا اجمل ٣ شهور مع بعض، فجاة لقيت معاملته اتغيرت، بقي قاسي.. شخط ونطر حياته كلها بقيت لون واحد... واستمر الحال ده سنتين لحد ما لقيته داخل عليا بهشام بين ايديه.. كان ياحبيبي لسه مولود ومامته اتوفت لما ولدته..
همست فجر بصدمه: مامته!
- ااه منا هقولك.. عماد الظروف حكمت عليه انه يتجوز بنت عمه المطلقه عشان الورث واهلها اتوفوا مكنش ليها حد غير عماد وابو مجدى كان لسه بيدرس وخاصه انه كان عندى مشاكل فالخلفة وقتها، المصيبه بقي أنه حبها واتعلق بيها جدا لدرجه انه فضل عمره كله يروح يزورها وكتب عنها، كل مذكراته وكلامه كان عشانها...
همست فجر بشغف: وبعدين.
- ولا قبلين حياتنا بقيت جحيم نطلق ونرجع ونطلق تانى هو مكنش معترف بحد من ولاده غير هشام.. مكنش يخطى خطوة بدونه.. بصراحه انا حبيت هشام واتعلقت بيه وكنت مهتمه بيه جدا كنت حساه ابنى لحد ما جيه زياد وبعدها رهف.. بدا هشام يبعد ويبعد لحد ما وصلنا للحاله دى..
تحركت عايده ببطء ثم جلست على المنضدة المقابله لمقعد فجر.. قائله بتوسل
- فجر لو بتحبى هشام انسحبى من حياته، سبيه يتجوز واحده بس ويعيش معاها مبسوط.. واحده تنفع تكون أم لولاده وتشرفه.. بلاش تشتتى ولادى زياد اهو مش عارفاله مكان.. مش باقيلى غير هشام سبينى مرة اختارله حاجه صح..
ثم اخرجت من جيبها ورقتين.. قائله
- بصي ده شيك بمليون جنينه حطيه فالبنك وعيشي من فوايده، وده عقد تمليك شقه فى التجمع الخامس خُديها وعيشي فيها، مش هقولك ارجعى لقرف البلد تانى.. عيشي حياتك بعيد عن هشام وسبيه هو يعيش.. فجر انا اول مرة اترجى حد.. بس لما اشوف هشام بيضيع منى يبقي لازم اعمل ايه حاجه...
ساد صمت للحظه استعادت فيهم عايده قوتها
- اللى عاوزاكى تتأكدى منه.. هشام ماحبكيش.. والخيار قدامك..
ارتعشت جفونها الباكيه وكفها وهى ترمق عايده بنظرات استفهام.. وتضع نفسها مكانها.. وتلقى نظرة آخيره على قلبها الذي يصرخ قائلا
اين اضع حُبك اليوم ؟! فى ذاكرة الحب، ام ذاكرة النسيان!
فى جرح الوجع ام فى جروح الشفاء..! فى قلبى ام بين ثنايا اضلعى! فى الماضي ام فى الحاضر! فيما بعد الموت ام فى جداول الحياه ؟! عجبى لرجل يتنقل داخلى ككقطرات الدماء الجاريه بعروقى! ولا أملك طريقا للوصول إليه...
خرت دموعها بغزارة وازداد ارتعاش شفاها حتى اوشكت على الانهيار وهى تهز رأسها نافيه
- لا.. أنا مش همشي غير لما هشام يقول لى أمشي..
وبنبره حارة تصهر جبلا من الجليد
- انا بحبه وهو كمان بيحبنى.. أنا متأكده...
تركت عايده الاوراق بجوارها ثم وثبت قائما بثباتٍ
- معاك لحد بكرة تفكرى.. وهستنى ردك النهائى!
للقلب قوانينه التى لا تُناسب اراء الناس جميعا.. كل منهما ان رأوا شمعة حب مشتعله اتحدوا لاخمادها..
- ايوة يا مجدى! انت فين ؟!
اردف هشام جُملته فى الهاتف وهو يتحرك نحو سيارته ويركبها.. فرد مجدى وهو يقود
- جايلك...
- حصل ايه ؟!
- بلاوى.. المهم هتعمل إيه مع أمك!
شغل هشام سيارته ثم نصب عوده ليتأهب للقياده
- ادينى رايح اتكلم معاها.. وهتبقي ضربة فى مقتلك لزيدان..
تأفف مجدى ثم قال
- الحرباية مراته.. بقيت تدى خالد حبوب ادمان لحد ما حالته اتدهورت.. شكلها عرفت انه شغال معانا..
ضرب هشام مقود السياره بكفه وهو يقول
- وانت عرفت ازاى ؟!
- فى بنت من الخدم عندهم وشكلها حبيبته.. المهم اخدتها وروحنا لدكتور فى المركز وكتبلها ادويه تحطهاله مع الاكل بيحث تخفف الالم شويه.. وفى اقرب وقت هتحاول تخليه يكشف على خالد..
زفر هشام بنفاذ صبر
- وبعدين فى التعبان اللى محدش عارف يقتله ده..
هب مجدى معارضا: قصدك الحيه... العقل المدبر للتعبان اللى احنا شايفينه... بس ليهم يوم.. دول وقعوا مع اللى ما بيرحمش..
- طيب يلا اسرع وانا هستناك فى البيت نخمخلهم..
- طيارة يا ميجور..
- طيب ياخويا.. سكتك خضره..
- هااا يا منال عملتى ايه ؟!
رفعت بسمه رأسها بكلل من الاوراق التى تفحصها وارشيف المشفى والعمليات التى تمت حديثا.. فقالت جملتها الاخيرة بتنهيده تعب.. فردت منال
- دكتوره بسمة أنت شكلك تعبان اوى!
هزت بسمة رأسها نفيا ثم قالت
- سيبك منى.. المهم وصلتى لحاجه!
اومأت منال بأسف ثم قالت
- الفلاشة دى عليها كل حاجه انت طلبتيها.. وللاسف فى حاجات غريبه اكتشفتها..
نزعت بسمة نظارتها الطبيه ثم قالت بشكٍ
- فى عمليات غير مشروعه تمت فالمعمل ؟!
اطرقت منال بأسف وهى تعطيها الفلاشه
- فى عيناات دخلت المعمل نسبة نجاحها زيرو فالميه، والغريب انها كانت تنجح ووو
اغمضت بسمه مقلتيها بأسف ثم نادت عليها
- طيب تعالى اقعدى جمبى.. هحتاجك معايا اكيد..
وصل هشام امام فيلته وصف سيارته فالتقمته أعين مياده من اعلى فهم رحالها ودلفت على الفور لتكون فى استقباله.. عبط هشام من سيارته وتمهل فى خُطاه مصدرا صفيرا خافتا وهو يفتح الباب ففوجئ بمياده تحت مرمى انظاره..
زام ما بين حاجبيه وهو يحاول تلقى الصدمه فهى أخر واحده ممكن يتخيل تواجدها.. اتسعت ابتسامة مياده وهى تقترب منه بثقه وبنبرة عاليه متعمده وصولها لاذان فجر
- هشااام... وحشتنى ياهشام!
لازال تحت تأثير صدمة تواجدها.. اقتربت منه وعانقته بحبٍ فاصبح أمامها كلوح ثلج لا يتأثر مهما غليت درجة حرارة قلبها.. حاول ابعادها عنه بهدوء حتى التقت أعينه بأعين فجر التى تراقبه من أعلى بقلب منتفض كطير ذبيح ودموع هالك إثر ما جرى من دمع عينيها.. وما أعتصره قلبها ألما..
احكمت مياده غلق ذراعيها حول عنقه وبدلال..
- جبتلك كل الحاجات اللى أنت طلبتها منى اجيبهالك من امريكا..
ارتفع هبوط وارتفع صدر فجر التى اندلعت بقلبها نيران الغيره والهزيمه.. فلازالت تأكله عتبا ولوما باهدابها.. فأخيرا تحرر هشام من أسر مياده قائلا
- انت هنا بتعملى ايه..
استند بكلا ذراعيها على كتفيه بميوعه
- فى بيتك ياحبيبي.. ومش هسيبك تانى ولا هسيب حد يبعدك عنى ابدا..
اخفض هشام ذراعيه وابتعد عنها بوجه مكفهر.. فقال
- أحنا لازم نتكلم.. مياده احنا مش...
فأخرسته باصابعها التى وضعتها على شفتيه قائله
- إتش أنت وحشتنى.. وانا عايزه اقعد معاك لوحدنا نتفاهم ونحل مشاكلنا.. من فضلك تعالى نطلع فوق..
عقد ما بين جبينه قائلا: فوق فين!
- اوضتنا ياحبيبي..
رفع انظاره الحائره الى فجر فسرعان ما انسحبت من امامه فخانها الصبر ايضا وعادت الى غرفة زياد سابحه فى بركة وجعها وهى تشهق من كثرة البكاء.. ظنت ان متاعب الحياه نهايتها بين يديه ولكن أصبحت اشده قسوة على شفا التلذذ منه..
رجل لا اراه الا ان ينفض غبار ذكرياتى عن قلبه امامها يتجاهل النظر بى.. لم يعر بكائى واوجاعى العظيمه اى اهتمام.. ينسحب بكل هدوء عكس ما اقتحمنى.. ايقنت انه تخلص منى عندما بكيت وتضور قلبى جوعًا لضمة منه ولم ياتى لى هامسا فيخبرنى ( شعرت انك تشتاقى ياصغيرتى )..
قبض هشام على ساعد مياده متوعدا مما جعلها تلتوى الما
- مياده الحركات دى مش عليا.. احسنلك لمى حاجاتك وامشي وورقتك هتوصلك لحد عندك..
صرخت بصوت مكتوم: دراعى يا هشام!
حرر ذراعها متأففا
- اخلصى.. عايزه تقولى إيه..
سحبته من كفه خلفها نحو المكتب: تعالى نتكلم جوه..
نجحت خطه عايدة عندما جعلت الكراهيه تتسرب لقلب فجر فاتجهت نحو غرقة زياد ورأت حالة فجر المنهاره فقال بثقه
- قولتلك.. هشام ابنى ما حبش حد.. بلاش تعلقى نفسك بحبال دايبه..
جففت فجر دموعها ونصبت عودها بصعوبة باالغه
- انا خلاص خدت قراري.. انا ماشيه.. وابقي قولى لهشام مايدورش عليا..
تنهدت عايده بارتياح ثم قالت
- ربنا يوفقك.. هنده على السواق يوصلك لمكان ما انت عايزة..
هزت رأسها نفيا
- ملهوش لزوم.. همشي لوحدى..
ثم توقفت للحظه وهى تقول بنبرة باكيه
- هشام الصبح كان بيوصينى عليك.. خلى بالك منه واقربى منه لانه حاسس أنك مش امه.. اقتلى الاحساس ده جواه.. وعامليه زى زياد.. هشام يستاهل كل خير..
ثم اجهشت نبرتها بالبكاء
- اشوف وشك بخير...
بقدر ما كان يلعن الحظ الذي قذفها به ولكنه كان يموت فى غيابها عشقا.. متعجبا على حالهُ فما اسهل ان يكون حرا ولكنه وقف عاجزا عن التحرر منها!.. كيف تكون امراة النجاه والغرق ف آن واحد!.. فكيف استئصل حبها من منتصف قلبى!
هزت رأسها نفيا وبصعوبة بالغة
- ملهوش لزوم.. همشي لوحدى..
ثم توقفت للحظه وهى تقول بنبرة باكيه
- هشام الصبح كان بيوصينى عليكِ.. خلى بالك منه وقربى له لانه حاسس أنك مش امه.. اقتلى الاحساس ده جواه.. وعامليه زى زياد.. هشام يستاهل كل خير..
ثم اجهشت نبرتها بالبكاء وبنبره متقطعة
- اشوف وشك بخير...
جرت فجر ذيول أوجاعها وهى تمشي بخطوات رجل كسيح وقلبها معلق بالمنتصف بين الرحيل الواجب والاشتهاء فى العودة، حائرة بين قلبها وخوفها الذي خيم على ذهنها بأنها فى المكان الخاطئ وان كل ما تسرب إليها منه ما هو إلا اضغاث أحلام..
وقفت فى منتصف السلم تراقب ظله الثابت النعكس من زجاج الباب الزجاجى، تستحم ذكرياتها بعطره ورائحته ولحظاتها المسروقة التى عاشتها فى كنف رجل عشقت اسره حتى بات الهرب فى حبه البطوله الوحيده التى تخسرها فى كل مرة تعلن فيها الرحيل..
ألقت نظرة اخيره على عايدة التى تترقبها بانتصار من أعلى، فأومات بانكسار وهى تمسح دموعها.. ثم عادت اعينها تتفحص باب المكتب ربما يمر طيفه فيمنع رحيلها..
استسلمت فى حروبها الداخليه وواصلت سيرها حتى لمست اقدمها ارضيه دهليز المنزل.. فصارت امامها اسواره حريه.. والعالم بدونه منفى لعين..
حضنت كفها بضعفٍ وهى تغلق الباب بهدوء خلفها وتبث فى نفسها كلمات لتستند عليها متمتمه بارتعاش: هل سأموت بدونه؟! على كُل جربت الموت من قبل ولم يزعجنى كثيرًا! يا ليته موت ولكنه موت على قيد الحياة.. ياوجعى على حياه سأبداها بدونك!
تنهدت رئة عايدة بارتياح قائد منهزم انتصر فى أخر لحظه بسبب حسن حظه وليس لذكائه، صدفة تبدلت فيها الاقدار.. عادت إلى غرفة زياد فوجدت الاوراق التى اعطتها لفجر لم تتحرك من مكانها.. فلعنتها سرا وهى تقول
- غبية وغاوية فقر!
زفر هشام مختتقا إثر ثرثرة ميادة الغير مُجديه قائلا
- ميادة أنت بترغى من الصبح فى كلام فاضي!
تسكعت نظراتها المتيمة عليه وهى تقول
- حبيت افكرك بأيامنا.. وكلامنا وكل لحظه عشناها سوا كانت سبب فى إنى اتعلق بيك..
تحرك خطوة باتزان.. واردف بنبرة هادئة
- مفتكرش إنى كنت معاك الشخص اللى اتمنتيه! بالعكس انت حشرتينى جوه قالب شخصية تانيه اتمنيها وحبتيها.. ومش هو ده الحب يا ميادة!
داعبت شفتيها ابتسامة حزينه واقتربت منه خطوة سُلحفية
- وهو إيه الحب فى نظرك يا هشام..؟!
صمت للحظة ثم قال
- الحب بيتعاش مش بيتشاف يا ميادة.. ومفتكرش أن عندى رد كافى يوصف لحظه عشتها معاها!
انعقد مابين حاجبيها وقالت بنبرة مكسورة
- هى مين؟!
استدار بجسده فصدر ظهره وهو يمسح على وجهه بنفاذ صبر ثم قال
- ميادة أحنا مش هينفع نكمل مع بعض..
اردفت بانكسار : عشانها!
هتف مبررا :" حتى من قبل ما تظهر، أحنا الاتنين كُنا بنكذب كذبة وللاسف صدقناها.. "
بللت حلقها بعد صمت ساد لدقيقة.. ثم قالت
- حبيتها؟!
ألجمته بسؤالها..فكانت تعرف انه لم يدافع عن نفسه لم يعترف كبريائه بما ينطوى بين ثناياه.. اغمض هشام جفونه لبرهه ثم اطرق قائلا
- الكلام ما بينا مفيش منه فايده!
كررت سؤالها مرة ثانيه بنبرة مُصرة بالحصول الاجابه
- حبيتها ياهشام؟!
- اااااااااه حبيتها يا مياده، حبيتها ومش هسمح لمخلوق يجرحها...
اندلع الصوت من ثناياه اضلعه بنبرة عاليه كانفجار البركان فأهتزت له الجدارن ووصلت لاذان الجميع حينها ظفرت فجر فى الخروج من الباب الخلفى بعدما تأكدت من انشغال الحرس بتناول غدائهم..
احمر وجهه وجحظت اعينه نادما على تسرعه، على قذف كلمة لم تعر اهتمامه من قبل، ولكن كانت الصدمة الكُبرى رد فعل ميادة الغير متوقع.. وهى تبادله بابتسامه واسعه منتصرة
- أنا كده لقيت رد اللى جيت عشانه!
رفع هشام حاجبه مندهشا فقال
- قصدك إيه؟!
اغمضت عينيها لبرهه لتمنع انسكاب دموعها وترتب الكلمات بجوفها فقالت بثبات ظاهرى
- متقلقش مرجعتش عشان ابوظلك حياتك، أنا جيت اشوف الحب اللى اتمنيت اشوفه تلات سنين، رجعت اتأكد انك عمرك ماحبيتنى.. فى ظل ما كنت بستنى منك كتير بس كنت برضي باتفه حاجه عشان بس اشوف منك نظرة حب ومكنتش بلقاها، الحب منور ملامحك ياهشام مخلينى واقفه قدام شخص أنا اتمنيت انه يكونلى.. كده أنت سهلت عليا الطريق، وإنى اقدر انساك بسهولة بدل ما كنت متعلقه مابين بتحبنى ولا لا!
تنهدت بوجع ثم واصلت حديثها قائله
- بس للاسف الانسان الغبى اللى يكمل فى علاقه مش متأكد منها، الحب والحيرة مش بيجتمعوا، مافيش حب رمادي ياسيادة الرائد..هو يا ابيض يا اسود.. بس هرجع واقول أنا اللى كنت غبية..
شرع ان يحرك شفتيه بعدما ما فاق من هول حديثها ولكنها قاطعته محاولة اخفاء ما تشعر به جاهده فقالت بتفهم
- هعفيك من اي اعتذار.. او كلام مش هيفيد بحاجه! هشام طلقنى!
وقف هشام مذهولا عاجزا عن الرد يتأملها تارة ويسرح طورا.. فكررت ميادة طلبها باصرارٍ
- هشام من فضلك أرمى اليمين حالا، مش محتاجه تفكير أنت خلاص اخترت وانا خلاص قررت..
توقفت الكلمه على طرف لسانه بدون اى تردد فكان الامر بالنسبة له كخلع ثوب فضفاض لا يُناسبه ابدا، ولا سبق وتمنى وجوده، فحسم قلبه الامر فى أقل من لحظه فلا يوجد ثمة مقارنة بينها وبين إمراة منصوبه فى قلبه كعمود خيمه، تحمحم بخفوت ثم اردف بهدوء
-تمااام.. أنت طالق..
اعترف اليوم وانا بكامل قوايه القلبيه بإننى لم أحبك.. لانك لم تر الحب بعينياى منذ اللقاء الاول وحتى بعد عدة محاولات.. وذلك اكبر دليل على ان قلبى يخلو منك تماما لانه اخفق فى ارسال اشعه اقوى من اشعة الشمس لمعضله قلبك فتغلف تمردك حبى.. إذًا فأنا لم أحبك..
شردت ميادة فى بحر دموعها وتركها هشام وغادر عندما ألقى كلمته الاخيره التى حررتهما معًا.. ما كادت اقدام تصل لاول درجه بالسلم فأوقفه نفضة صوت عايده المصطنعه وبيدها ورقة
- ألحق يا هشام.. فجر مشيت، لقيتها سايبه الورقه دى على سرير زياد..
اكل منتصف السلم بقدميه بخطوتين فقط وهو يخطف الورقه منها مصدومًا.. فمرر عينه عليها سريعا
- ( انا مشيت يا هشام، ومدورش عليا حكايتنا خلاص انتهت )
عصر الورقه فى قبضة يده وجاشت مراجله وهى يهتف صارخا
- ايه الجنان ده!
غادر سريعا ليلحق بها وتابعت عايدة خُطاه نحو مياده الواقفه بعيدا تراقب الموقف فى صمت، فاردفت بانتصار محارب
- كده خلاص ياحبيبتى خلصانا منها للابد! افرحى.
باتت على جمر الواقع تحترق وهى تتعمد كبح دموعها
- مبقاش له لزوم..
ضاقت عيون عايده متسائله : نعم! اى الجنان ده!
اومأت بخذلان وهى تمسح دموعها الجاريه
- هشام طلقنى خلاص، هشام لقى مكانه خلاص بعد سنين من التعب، ماينفعش افرقه عن حبه اللى مش هيزوره غير مرة واحده..
آمتلأ لحاظها دهشة وذهولا : انتو كلكم اتجننتوا رسمى، مياده انت هتسيبى هشام لواحده جاهل زى دى! فوقى..
تنهدت ميادة بارتياح :
- الحب وراحة قلوبنا متعرفش تفرق بين جاهل ومتعلم، انا كده اقدر انسي هشام وانا مطمنه، انا رايحه ألم هدومى وأمشي.. بس طنط من فضلك مش عايزة بابا يعرف إنى جيت هنا...
جلست عايده ببطء فوق اقرب مقعد وهى تضرب كف على الاخر فسرعان من انهالت مخططاتها فوق رأسها وهى تقول بحسرة
- العيال دول اتجننوا رسمى..
وصل هشام لباب البوابه وبزمجرة صوته التى باتت تتنافس مع صوت الرعد مناديا على الحرس المتجمعين فى غُرفة الحراسه تاركين الباب الجانبى للفيلا مواربا.. جاهرا
- والله عال! ما تقلبوها قهوة بلدى أحسن!
صفوا جميعا باحترام امامه مطأطأين رأسهم لاسفل.. فواصل هشام زمجرته معاتبا
- انا بديكم فلوس عشان تقعدوا تتسايروا كده ومش واخديم بالكم من اللى طالع واللى داخل.. دانت يوم منيل معايا..
- حصل ايه بس يا فندم.. احنا واخدين بالنا كويس من المكان..
هبت زعابيب جزعه
- ااه ما هو واضح بأمارة أن مراتى خرجت ومحدش شافها..
ثم توجه سريعا نحو غرفة الكاميرات وفرغها وشاهد آخر ربع ساعه التى رحلت بهم واستقلت عربية أجره.. ظل الحرس يتبادلون الأنظار بحرج فيما بينهم حتى عاد هشام معاتبا بعد ما دون رقم السيارة الاجرة ليبحث عنها..
- شوفتوا أنكم مش واخدين بالكم ولا حاجه.. طيب كلكم مرفودين ومش عاوز اشوف ضل واحد فيكم هنا.. وكده انا أبن اصول معاكم..
القى جمر كلماته ثم ركضا عائدا نحو سيارته وبسرعه فائق شغلها واوشك على مغادره الفيلا الى أن اعترض طريقه ظهور مجدى المفاجاة ووقوف سيارته امامه على اعتاب البوابه.. فنزل هشام سريعا وعلى المقابل نزل مجدى.. فهتف هشام بحماس
- مجدى فجر هربت، وانا لازم الحقها.. بقولك تعالى دور معايا وكل واحد يدور ف مكان..
صُدمَ مجدى من هول الكارثه ولكنه بادر معارضا
- والمهمه يا هشام..
انفجرت غازات غضبيه الحبيسة فى وجه مجدى
- بقولك مراتى هربت يامجدى...!
اشار إليه مجدى بكفوفه متفهما : تمام تمام.. هدور معاك بس اهدى...
- يا ميادة اعقلى.. آكيد انت خرجتى هشام عن شعوره.. فقال الكلمه دى..
اردفت رهف متوسله وهى تحاول منع رحيل ميادة التى اخذت قرارها، ولكن بدون جدوى اردفت مياده
- صدقينى يا روفا لو شوفت فى عيون أخوكى نظرة بس بتترجانى أقعد كنت هتحدى العالم كله واكمل معاه.. لكن صعب، أنا وهشام بيقينا زى البحر واليابس، لو اجتمعوا مصايبهم هتكتر، خلينا بعيد احسن..
ضربت رهف الارض بقدميها
- انت اكيد فاهمه غلط، هشام بيحبك افهمى..
قفلت مياده حقيبتها وسحبتها بتثاقل وقالت بهدوء
- انا كويسه والله، كده ريحت ضميري من ناحية أخوكى، وهعرف اكمل حياتى عادى.. اشوف وشك بخير!
ارتمت رهف بين ذراعيها باكيه
- بس آكيد ده مش هيأثر على علاقتنا! مش كده..
ربتت مياده بحنان على كتفها : مش معنى أن علاقتى مع هشام فاشله يبقي اخسرك.. انت اختى الصغيره ياهبله!
ابتعدت رهف عنها وهى تُجفف دموعها :
- طيب أنت هتروحى فين!
- هضطر ارجع امريكا.. بس يارب ألقى تيكيت، يلا خلى بالك من نفسك ومن مجدى، بلاش تخسريه لانه بيحبك بجد..
رحلت مياده وفى قلبها علة الخذلان التى لا تظن انها ستشفى منها، انحبست ابخرة الوجع بين ثنايا اضلعها حتى شعرت بانفجار حتمى سيكون مصدره جوفها.. (جارت الانظار واغتنمت الفرص التى دكت القلوب دكا فسقطت رغم عن انف عقلى مُتيمه بظلال رجلٍ لا يرانى.. لو كان الامر باختيارى ما اخترت المُر لثانيه.. ولكن عندما تُغلق كل ابواب البقاء اصبح الرحيل واجب... )
ما هى إلا عدة دقائق من مغادره مياده للمنزل التى تمنت العيش فيه بقية ايامها شارده وهى تمشط ارصفة الطرقات بحثا عن شخص يعوضها ويسد رمق قلبها الذي كان سببه خذلان رجل.. فصرخ صوت البواب فى اللاسيلكى برعب
- ألحقى يا ست عايده... ست ميادة خبطتها عربية قدام البيت!
تقلصت اشعة الشمس التى كانت كافيه ان تصنع حبا بقلب رجل عاش هاربا منه طول العمر، واندلت ستائر الليل وحل الظلام الداكن الذي يتنافس مع لون ظلمة جوف كل شخص منهم.. بات على جمر من الشوق محرقٍ وهو يمسح الطرقات باحثا عنها كمن فقد ضالته..
مرج لهب عينيه عندما وجد فتاة ترتدى نفس زيها فاوقف سيارته بغتة وهبط منها مسرعان وهو يجذب الفتاة بكل قوتها من ساعدها حتى هبت صارخه.. فسرعان ما تراجع للخلف معتذرا وعائدا الى سيارته، عجبى على حبٍ يجعلنا نرى وجه من نحب فى جميع الاوجه..
بقدر ما كان يلعن الحظ الذي قذفها به ولكنه كان يموت فى غيابها عشقا.. متعجبا على حالهُ فما اسهل ان يكون حرا ولكنه وقف عاجزا عن التحرر منها!.. كيف تكون امراة النجاه والغرق ف آن واحد!.. فكيف استئصل حبها من منتصف قلبى!
هاجت اشباحه بداخله ونفذ صبره وهو يري دقات عقرب الساعات تقترب من العاشرة مساءا.. فتتضاعف الخوف فى قلبه عليها من سُكان الطرق التى لا ترحم..
قطعه رنين صوت هاتف مجدى يائسا
- ايوة يا هشام أنا وصلت لصاحب التاكسي.. ولااسف قال انه نزلها تانى شارع من بعد بيتكم لانها مكنش معاها تمن الاجرة..
ضرب مقود السيارة بقلة حيلة ليصرخ قائلا
- يعنى راحت فين! انشقت الأرض وبلعتها..! هتجنن يا مجدى..
صمت مجدى للحظه مفكرا بشيء ما ثم اردف سؤاله باهتمام
- هشام.. هى فجر بتحبك!
هتف هشام بنفاذ صبر : وده وقته انت بتقول ايه؟!
انحرف مجدى بسيارته اقصى اليسار وهو يقول
- جاوب بس، يمكن تصيب المرة دى!
- اووووف ايوه يا سيدى.. بتتنيل!
اتسعت ابتسامه مجدى بهدوء : متأكد يعنى قالتهالك بلسانها ولا ده استنتاج..!
اختنق هشام من هدوء مجدى المُبالغ فيه فقل الهاتف بدون اى انذار وهو يسب فى نفسه علنا
- عيل تافه، طيب يا مجدى بس اشوفك! والهانم التانيه بس تقع تحت ايدى!
عاد مجدى الى فيلا عمه وأخذ يجوب الطرقات باحثا حول المكان.. وبحكم خبرته العريقه بالحب والروايات وعالمه السري الدفين متاكدا ( أن المحب لا يفارق بدون وداع حتى ولو بنظرة عن بعد )..
تجلس تحت احد الاشجار على المقاعد الخشبيه المجاوره لفيلتهم وهى تحضن نفسها من شدة البروده او على الاغلب لبرودة رحيلها عنه فتوقف المطر ولم تكف دموعها ظلت سابحه فى بحور اوجاعها على لحن صليل قلبها التى نسيت كيف يدق من غير ألم!.. برغم هدوئها العظيم الا أن كان هناك صوت يجلدها من الداخل يتعالى صوته ليخترق طبقات السماء السبع..
أبى قلبها الرحيل قبل ما ترمقه بنظرة وداع آخيره تصم فيها ملامحه التى حُكم عليها مغادرتها للابد.. فما اصعب ان يمضى الانسان وهو حاملٌ فى قلبه الحب، الاشتهاء فى العوده، والحياه فى البقاء.. ثنت ركبتيها ودفثت رأسها بداخلهم لتطفىء من شهوة الشوق التى اندلعت فى قلبها.. هاتفه بصوت مقهور
- يارب أنا مكنتش عايزه احبه..
عجيب أمر الحب لا يأتى الا للرافضين له دومًا، اما المنتظرين فلا تمر نسائمه على قلوبهم..
توقفت عربية سوداء بالقرب منها شيئا فشيئا وحاصرتها انوارها فاتسعت ابتسامه مجدى منتصرا وهو يدلف من سيارته ويجلس بجوارها، أما عنها لم ترفع رأسها بعد الا عندما جهر مجدى معاتبا
- فكرك ده الحل؟!
رفعت عيونها الهالكه من كثرة البكاء لتردف بصوت كسيح
- مجدى بيه؟!
استدار مجدى بجسده ليبقي مواجها لها وهو يكرر سؤاله بصيغه آخرى
- انت كده عملتى الصح يعنى وانت سايبه هشام هيتجنن عليكى؟!
تدلت اقدامها المرتجفه وهى تقول متوسله
- بلاش هشام يعنى.. انا بوظتله حياته وكفايه كده.. انا بس كنت حابه اودعه.. مهنش عليا اسيبه وامشي من غير ما اشوفها..
وقف مجدى بثبات وهو يمد لها كفه
- قومى يا فجر يلا..
هزت رأسها نفيا : مش هينفع... خلاص ماينفعش ارجع تانى..
اخذ نفسه بارتياح : لا ينفع..طالما هشام بيدور عليك زى المجنون كده يبقي قرارك ظلم ليكم انتوا الاتنين.. لوسمحتى قومى..
تصلقت انظارها الذابله ملامحه بتردد وهى تهز رأسها نفيا الى ان حسم الرعد والبرق الموقف وانهالت السماء بامطار غزيرة فوق رؤوسهم فاختطلت بدموع عينيها.. فلم يكن لها مجالا للاعتراض..
وثبت قائمه باستسلام وجلست بالمقعد الامامى وهى منكمشه حول نفسها تحمل هم لقائهم ولكن هناك شعور خفي يتراقص بداخلها فارحا بالعوده مصابه بنوبة حنين لرائحة ليالٍ كانت مغموره به..
هاتف مجدى هشام واخبره بوجودها معه، فبرغم من هدوء صخب دواخله إلا أن اندلعت نيران الانتقام بجوفها جاهرا بتوعد
- اوعى تهرب منك يا مجدى... أنا جاي حالا..
- متقلقش يا سيوفى، هوصلها الفيلا ومش هتحرك غير لما تيجى..
مر قرابة النصف ساعة حتى عاد هشام الى منزله غاضبا.. باتت دمائه تغلى فى نفسه... توقف بسيارته امام سيارة مجدى المصفوفة ونزل منها بوجه محمر بنيران الغضب وهو يركل بابها بقوة..
رجفة قوية اصابت جسدها فانكمشت فى باب سيارة مجدى اكثر.. هبط من سيارته إثر ضجيج صوت هشام
- والله عال ياهانم.. تخرجى ولا كأنك متجوزه كيس جوافه!
وقف مجدى أمامه محاولا تهدئته
- اهدا يا هشام واتكلموا بعقل..
صرخ قائلا : دى عايزة تكسير دماغها.. عقل ايه بس يا مجدى! انزلى..
فتحت باب السياره بخوفٍ وهى تندلى منها ببطء شديد وترمقه بعيون ثابته.. رجل لا يفهم الحب الا عبارة عن قفص يأسر من أحب بداخله.. امراة لا ترى الحب الا اجنحه تحلق بهم فوق سحب السماء مع من تحب.. هل يجتمعان؟!
نزلت فجر ونصبت عودها وبدت هيئتها المرهقه امامه ولاول مرة تنتابها قشعريرة خوف منه.. اوشك ان ينقض عليها بغضب اعماه عن نتي?