راجعني والد أحد الأطفال في عيادتي، وكان هذا الرجل مصارعاً، عندما زارني روى لي كيف أنه أخذ ولده إلى مستشفى الأطفال حيث استقبله الطبيب المناوب بشيء من الفتور، ثم عالج ابنه بصورة أحسّ معها الأب أنه لم يُعطَ العناية المناسبة...<a name=\'more\'></a>
فما كان منه - أي الأب - إلا أن حاول أن يُظهر مواهبَه الرياضية، ويضرب ذلك الطبيب المسكين، لولا أن عددا كبيراً من موظفي المستشفى منعوه عن ذلك، وحالوا دون حصول معركة غير متكافئة بين شخص أمضى معظم عمره يمرن عضلاته على حساب عقله، وآخر أمضى وقته يمرن عقله على حساب عضلاته.وكانت نتيجة ذلك أن أخرج الأب ابنه من المستشفى، ثم جلبه إليّ في عيادتي الخاصة.وقد داويت الطفل- كما هو واجبي- بالعناية المعتادة، لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي عن التعاطف مع ذلك الطبيب الذي لا أعرفه، والذي هدده صاحبنا المصارع، وكان أكثر ما أثار حنقي وغيظي أن صاحبنا هذا روى لي القصة متفاخراً ببطولته، وكأنه حاز ميدالية ذهبية أو وساماً رفيعاً. جاهلاً أن في عالم الطب، كما في عالم المصارعة، خشداشية (زمالة) قوية.ومع أن الأب ارتاح إلى معالجتي، وأُعجب بها، وتمنى أن يصير من زبائني الدائمين، إلا أن زيارته تلك كانت زيارة يتيمة.أما لماذا كانت تلك الزيارة كذلك، فثمة سبب غامض تجاوز معرفته مدارك صاحبنا، إذ كان كلما اتصل هاتفياً بالعيادة وردّت عليه الممرضة وعرفت صوته أنبأته أنني غير موجود، أما إذا حدث ولم تميز صوته ووصل الهاتف إليّ فإنني- لسبب أشد غموضاً على مداركه- يجدني دائماً مشغولاً جداً، لا أستطيع أن أعطيه أي موعد قريب لفحص ابنه، مع أنني ربما كنت في واقع الحال أفرغ من فؤاد أم موسى. ولكن ماذا كنت أستطيع أن أفعل ورابطة الخشداشية بتلك القوة والشدة؟ ومن لا يعرف ذلك فليقرأ تاريخ المماليك.
https://archive.janatna.com/