التمساح الشرس القوي رمز الشجاعة فوق الأبواب وعند طرزان، والأناقة في القفاز والحقيبة ، والبركة ، عند الولائد والمتعة.ظللت فترة مبكرة أعتقد أن التمساح بدأ حياته في مجاري الأنهار منذ ظهور (طرزان) على شاشة السينما فقط ، وكان طرزان - أيامها - يكتسح الغابة الإفريقية متقافزا من <a name=\'more\'></a>شجرة إلى شجرة ، تاركا التمساح - الذي يطارد هذا المغامر - يتقلب مرارة ويأسا في وحل المستنقعات القديمة ، فاتحا فمه - الذي يشكل نصف جسده الطويل ذي الحراشيف الشرسة ، كان التمساح عاجزا - في الوحل - عن مطاردة طرزان في عنان الأشجار ، وكان ذلك مريحا وممتصا للقلق والخوف.
غير أن الأمور - بعد ذلك - سارت في غير ما اعتقد ، فقد اتضح أن التمساح حيوان مصري في الأصل - حتى أن اسمه الهيروغليفي كان تقريبا كما هو الآن: مساح ، كما أنه كان له نصيب في عبادة الأقدمين أيام تقسيمات المقاطعات بين الحيوانات ، وأودى التنسيق بالتمساح معبودا لمنطقة الفيوم - حول بحيرة قارون ، ويبدو أنها كانت من الماء العذب ، لأن المجرى القديم للنيل كان يصب فيها ، وربما كانت هذه البحيرة - كما تقول الجغرافيا القديمة - جزءا من البحر المتوسط المالح ، فيظل للتمساح مساحة محدودة من الماء العذب عند فم المصب - الذي هو بحر يوسف الآن الذي يبدأ رحلته من مدينة ديروط على مسافة ثلاثمائة كيلو متر جنوب الفيوم ، وواضح أن الأمر استمر حتى بعد العصر اليوناني في مصر ، والذي احتفظ باسم التمساح - كروكودايل .- في اللغات الأوربية كما هو الآن .ويبدو أن التمساح المعبود كان يعمل في مجال الشجاعة ، أو الحسد ، فقد اختفى في العصور المتأخرة من مجاري نهر النيل المصري وفروعه ، لكن الظاهرة اللافتة أنه ظل باقيا فوق أبواب مصر الشعبية ، مخترقا مختلف العصور والأنظمة ليكون محنطا على مدخل الدار ، أي أنه يدخل مجال الفولكلور من باب التبرك ومنع الحسد توازيا مع الدخول للدار بالقدم اليمنى ، كما أنه لا يزال حتى الآن جزءا من أدعيات شعبية تنتصر به على الشياطين التي قد تحيق الأذى بالولائد أو الأجنة ، (ارجع يا إبليس ارجع يا إبليس ، ده المشروخ ورا التليس) ، وترجمتها من العامية المصرية سهلة، فبعد صدور التحذير في شكل أمر متكرر ، يتم التفسير بأن المشروخ ، لأن فم التمساح يمتد حتى منتصف جسده فأصبح علما عليه مختفيا وراء جوال الغلال ، والذي لا يزال حتى اليوم (التليس) وقدره ثماني كيلات، أي ثلثا أردب ، فإذا كانت الشجاعة تكمن في معنى التمساح الفولكلوري لدى الناس البسطاء ، فإنهم أيضا يبحثون عن هذا العنصر أيضا - البسطاء وغيرهم - في التواصل بالبركة واليمن في الغلال ، التي يحتويها التليس الذي يكمن خلفه التمساح ، وهو ما أدى في نهاية القرن إلى انتشار اعتقاد كاسح بأن للتمساح - القوي المبارك - سحره الخاص في التزود بالثقة ليلة الزفاف ، أو عندما تنهك القوى تحت ضغط مرور السنين ، وهو ما يفسره انتشار بيع علب (احليل التمساح) في الخرطوم - عاصمة السودان حيث لا تزال التماسيح هناك - وفي أسوان أولى أسواق السودان في مصر ، والتي منها ينتشر في المحلات الشعبية القاهرية بأثمان عالية .وقد دخل التمساح الآن في قوانين تحريم الصيد التي تتبناها كثير من الدول الإفريقية ، خوفا من انقراضه ، مع أن حراشف جلده جامدة قوية ، وله صفائح عظمية عند بطنه ، إضافة إلى الفكين القويين والأرجل القصيرة والذيل الشرس المفلطح رأسيا ، لتجعل من التمساح النيلي من أخطر الحيوانات المائية ، أما التمساح الأمريكي فهو مشابه للتمساح الإفريقي ، وإن كان يقل طوله عنه قليلا: الإفريقي يصل إلى خمسة أمتار، أما الأمريكي فيصل إلى 435 سم ، وهو ينتشر من ولاية كارولينا الشمالية إلى فلوريدا ، لكن اكتساح العمران وعمليات الصيد لمناطق الغابات والبراري ، جعل نوع التمساح في القارتين يستند بظهره على "تليس" القوانين التي تحرم إبادته أو صيده ، لاسيما أن القرون الحديثة جاءت بعادة انتشرت سريعا في جميع أنحاء العالم: القفاز - والخاص بالمبارزين والمشعوذين - وحقائب يد السيدات وأحذيتهن ، من جلد التمساح، تغليبا على جلود التماسيح في القرون الوسطى التي كانت تفرش في مداخل حجرات الاستقبال إشارة إلى شجاعة رب البيت في الصيد، تماما كما كانوا يفرشون جلود الأسود والنمور والفهود في نفس الأماكن لنفس الهدف.وبذلك تكون آخر التماسيح قد استقرت في عالمنا اليوم ، أبطالا لأفلام الكارتون ، وجلودا للحقائب ، وبقايا حية في قطاع صغير من الأنهار ومستنقعاتها ، وثلاثة أو أربعة من نداءات الأمومة حماية لولائدها ، وفي البرك الصغيرة الخانقة في حدائق حيوانات عواصم العالم ، إضافة إلى مشاهد نادرة - الآن - لبطل يتقافز سينمائيا في الغابات خوفا من هذا القاتل العنيد.
https://archive.janatna.com/