رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع( دفئ وجوده )تسرب القلق إلى قلب يُسر وهي تسألها مجددًا باهتمام:- خير يا مريم قلقتيني في إيه؟تنهدت مريم بحزن، بينما يتجمد الدمع بمحجريها وهي تتكلم بالكاد مواصلة:- هحكيلك...فلاش باك..- لسه عندك صداع؟كان سؤال تهاني لها وهي ممدة على فراشها في وقت مرضها، لتتعجب مريم من سؤالها وتجيب عليها بارهاق:- أيوة..بسطت تهاني كف يدها بشريط به حبوب مع قولها الهادئ:- طب خُدي حبيتين من دا هيضيع الصداع خالص، دا واحدة صاحبتي جبتهولي ومن ساعتها مافيش صداع بيجيلي.. إمسكي.ظلت مريم تنظر لها باستغراب شديد، بينما تسألها بخفوت:- بس أنتِ مش بتحبيني، ليه عاوزة تساعديني؟ردت عليها بتهكمٍ:- لأن مابحبش أشوف إبني متضايق، وطول ما أنتِ تعبانة هو بيكون متضايق، مش بساعدك عشان سواد عيونك.. إتفضلي..تركته أمامها وبرحت الغرفة، لكنها بقيت عند الباب تراقبها بفضول، أما عن مريم فقد تناولت الحبتين كما قالت، وتناولت خلفهما كوبا من الماء، وراحت في سبات عميق وبالفعل ذهب عنها ألم رأسها..باك...وبعدين؟سألت يُسر بعينين جاحظتين من هول الصدمة، لتجيبها مريم تلك المرة وهي تنفجر باكية:- وبعدين.. كل ما يجيلي صداع أخد منه، ولما رحت الصيدلية عشان أجيب زيه الدكتور قالي إنه برشام مخدر!شهقت يُسر بفزع وهي تردد:- مخدر! .. إزاي؟! إزاي ماما تديكي حاجة زي كدااا، وأنتِ إزاي متقوليش ليوسف حاجة زي كدا أصلا؟أجابت عليها بضيق:- أنا لسه عارفة من كام يوم الكلام دا، ولما رحت سألتها ليه عملت كدا قالتلي عشان أخلص منك ولو قلتِ ليوسف هرمي على وشك مية نار..تجمدت قسمات يُسر وهي لم تستوعب جبروت والدتها، إلى أي مدى وصلت والدتها؟..وصلت للخطورة ولابد من موقف فتتمادى فتضيع وتضيع من حولها!بعد صمت قصير قالت يُسر بجدية:- لازم يوسف يعرف كل حاجة في أسرع وقت يا مريم، وأنتِ أوعي تاخدي من البرشام دا أبدًا تاني..مريم من بين دموعها الكثيفة:- أنا بقيت أحس بتعب من غيره أصلا وهو كدا كدا مش موجود في أي صيدلية، بس أنا تعبانة وكنت بحاول أداري عن يوسف ومش عارفة هيعمل إيه لما يعرف، وكمان خايفة مامتك ترمي عليا مية نار زي ما قالتلي..يُسر وهي تحاول تهدئتها:- ماتخافيش يوسف هيحميكِ مهما كان، هو ممكن يزعل إنك خبيتي عليه وبصراحة أنتِ غلطانة فيه حد يخبي حاجة زي كدا؟ ماما بتهددك بس مش هتقدر تعملك حاجة..ردت مريم بقلق:- هقول ليوسف أول ما يرجع ويارب يسامحني..مساءً..أصبح الجو أكثر برودة كما تساقطت حبات المطر من السماء، ليلة شتوية رائعة كان يتأملها يوسف من خلف الزجاج وهو يبتسم بود متذكرًا صغيرتهُ المهووسة بجو الشتاء خاصة المطر، تمنى لو كانت معه الآن بين أحضانه تحتسي من نفس فنجانه هذا كما عودها..راح يسحب هاتفه من جيب بنطاله وقرر محادثتها لكنه وجد الهاتف مغلق، فخمن أن تكون نائمة أو ربما فصلت بطارية الهاتف..على الجانب الآخر..تسحبت تهاني على أطراف أصابعها متوجهة إلى غرفة مريم وهي تتلفت حولها حتى لا يراها أحد وخاصة "همام" رغم أنه غير موجود. !فتحت الباب عازمة على إخراجها من البيت هذا كما خططت، ولجت إلى الغرفة وبحثت عنها لكنها لم تكن بالداخل، ظنت أنها بالحمام فذهبت إليه فلم تكن هناك أيضًا..تجهم وجهها وخرجت تبحث عنها في غرفة ابنتها يُسر، فتفاجأت بيسر بمفردها!عقدت حاجبيها وسألتها بحدة:- هي فين؟استغربت يُسر من حديثها وقالت؛- هي مين؟أجابتها بنفاد صبر:- مريم!يُسر بدهشة:- معرفش، هي مش في أوضتها؟- لا..تعجبت يُسر وقررت الذهاب إلى الحديقة ربما تمكث هناك، فهي تعلم أنها تحبذ هذا الجو الشتوي، بالفعل ذهبت وبحثت عنها أيضًا لم تجدها..شعرت بالقلق يجتاح قلبها، هتفت بارتجافة احتلتها:- مريم راحت فين، مرييم..توقعت على الفور أن والدتها هي وراء اختفائها المفاجئ، لتزمجر فيها بحدة:- فين مريم يا ماما؟ مريم فييين!والأخيرة ردت بعنف:- وأنا مالي ياختي، تلاقيها هربت ولا شافت لها شوفة!كادت تتكلم يُسر لولا مجيء والدها الذي بتر عبارتها وسؤاله الحاد وهو يقول:- في ايه؟ مالكم؟أجابت يُسر بقلب وجل:- مريم مش لاقينها..اتسعت عينيه بصدمة وهتف:- نعم؟.. مش لاقينها يعني إيه؟تابعت تهاني بشماتة:- يعني مش لاقينها ايه بنتكلم عبري ولا إيه يا همام!رمقها حينئذ بنظرة شرسة هاتفا وقد جزّ على أأسنانه:- أنتِ نهارك إسود، ورب الكعبة لو ما ظهرت البت لأكون مطلقك فيها، البت فين يا تهاني؟تهاني وقد هتفت بحدة مخيفة:- تطلقني يا همام؟ دي أخرتها، معرفش هي فين والله ما أعرف أنت إزاي تتهمني إن أنا اللي ضيعتها..همام بعدم ثقة لكلامها:- إومال مين العفريت هيجي ياكلها ولا هي تكون طفشت إن شاء الله؟أومأت تهاني مؤكدة:- أيوة طفشت..تحكم همام بأعصابه قدر المستطاع، ليكمل وهو يشير إليها بسبابته:- والله العظيم لو مشيت بسببك ليكون فيها طلاقك يا تهاني..أسرع يركب سيارتهُ مرة أخرى عازمًا على البحث عنها عله يجدها! بينما يردد في نفسه بتوتر:- يا نهار إسود البت إتخطفت ولا إيه!وطئت بقدميها ذاك البيت الخُرافي، صاحب الأثاث الرقيق وألوان الحائط الهادئة وفرشهُ المُبهج.. ما هذا؟ما هذا الجمال، المنزل في غاية الأناقة وصغير الحجم به حديقة مليئة بالورود والأشجار التي كانت تتمايل بفعل الرياح والأمطار..مسحت على وجهها وهي تبتسم بارتياح متسائلة:- إيه دا يا دادة عطيات؟ دا بيتك؟هزت عطيات رأسها قائلة:- لا يابنتي أنا مأجراه من ناس معرفة كدا، المهم أنتِ ارتاحي وأنا هفضل هنا في خدمتك..مطت مريم شفتيها قائلة بتحيّر:- دادة أنتِ بجد سمعتي نهال وهي بتقول لها انها هتسمني؟! أنا مش قادرة أصدق انهم بيكرهوني للدرجة دي.قالت عطيات:- والله يا بنتي ما بكذب عليكِ، أنا قلت أنجيكي منهم لحد ما يرجع الاستاذ يوسف وتبقي في حماه زي ما كنتِ، أنا عملت اللي يرضي ضميري وبس..مريم بامتنان:- شكرا يا دادة مش هنسى إنك وقفتي جنبي طول عمري..في اليوم التالي..لم يغمض لهمام جفنا، حيث لف الشوارع كلها بحثا عنها، الأقسام والمستشفيات وحتى المساجد ربما تكن بأحدهم!لكنه لم يجدها أيضًا أخذ يوبخ زوجته وبكل من في البيت بجنون، أين هي؟سيجن بالتأكيد، وماذا سيقول لابنه حين يعود من سفره؟تلك الأمانة التي تركها بحوذته أين هي؟جلس على المقعد بانهاك وبدا الحزن واضحا بشدة على ملامحه وعقله سينفجر من كثرة التفكير..كانت تسير مريم بحديقة ذاك المنزل المُريح الذي أسعدها وبشدة، أنه منزل تماما كما تخيلته وحلمت به، وهناك أرجوحة أيضًا كما تمنت بوسط الحديقة، هل هذا منزل الدادة عطيات؟كيف؟ ..سألت نفسها بتعجب وهي تشعر بشيء غريب يحدث، لم تفكر كثير لتنتشلها تلك الرائحة المميزة التي اخترقت أنفها...إنها رائحته.. يوسف هي رائحة يوسف!التفتت لتنظر خلفها فتشهق بعدم تصديق، بالفعل هو يقف خلفها ويبتسم ابتسامته الخاصة بها، سريعا وتلقائيا ألقت بنفسها داخل حضنه، وهو لم يتردد كثير للف ذراعيه حولها يضمها بقوة إليه، بينما يتنشق عبيرها مستمتعًا وهامسًا بنبرة دافئة:- قلبي..