رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع
( انقلب السحر على الساحر )
اعتلت الصدمة ملامحه، وسيطر الذهول عليه رغم أنه كان متوقع مثل هذا السؤال، لكنه صُدم.. وبشدة! ظل محملقًا بها لعدة لحظات، توترت مريم أكثر وأخذت تناظره بقلبٍ واجل، وحينما اقترب منها ركضت مبتعدة وخائفة فملامحه كانت لا تبشر بالخير، ظنت أنها أخطأت خطأ فادح، من الممكن ألا يغفره لها، كيف تفوهت؟.
ليتها لم تسأله.. ليتها! اقترب منها مجددًا، اقترب اقترابًا قاتلًا متمهلًا، اصطدمت بالحائط من خلفها، فحاوطها وقد لفحت أنفاسه بشرتها، شعرت لوهلة أنه سيقبلها، سيقبلها كما سألته وها هو على وشك فعل ذلك! أغمضت عينيها بشدة واستسلمت! ثوانِ تمرُ وهو قريبا منها للغاية، هي مازلت مغلقة لعينيها حتى سمعته يقول بهدوء: - إفتحي عيونك يا مريم وبصي لي! فتحت عينيها ببطء، راحت تنظر إليه بقلب خافق، بخجل..خوف.. توتر.. أنفاس متسارعة..
تحرر من صمته القصير وهو يسألها بهدوء صارم: - عاوزاني أبوسك؟ أغلقت عينيها مجددًا وكادت تموت خجلًا وحرجا، في حين تابع بعصبية: - ردي؟ فحركت رأسها نافية وهي تفتح عينيها مجددًا وتقول بخفوت: - لا.. آآ أنا كنت بسألك و.. و بقولك اللي حصل.. قال وهو يتأمل ملامحها بعينيه: - أنا ممكن أبوسك يا مريم، بس عارفة أنتِ هتبقي إيه؟ صمت قليلًا ثم استطرد بنبرة ذات مغزى: - رخيصة!
رمقته بذهولٍ وهي تفتح فاها ببلاهة، بينما يردد يوسف بصرامة: - كل المخطوبين اللي بيعملوا كدا مش محترمين ومش متربيين ومعندهمش أخلاق يا مريم، مش كل حاجة الناس بتقولها او بتعملها تبقى صح، او نقلدهم.. مريم وقد نظرت إلى الأرض باحراجٍ تام، ثم قالت بهمس خافت: - بس أنا مش عاوزة أعمل زيهم، أنا قلت لك اللي هما قالوه، وكنت بسألك كدا عشان أعرف إن ليه مش زي اللي بيحبوهم هما، أنا أسفة..
أومأ يوسف بتفهم، ثم أخبرها في جدية: - بصي يا روما، أنتِ طيبة جدا وفيه حاجات كتير مش فاهماها، أنا عشان بحبك محافظ عليكِ صحيح أنا مش ملتزم أوي بس بحاول أعمل اللي أقدر عليه، الحب مش زي ما صحباتك قالتلك كدا، دا عيب وحرام، أنتِ غالية واللي بتعمل كدا زي ما قلت لك رخيصة، وهي اللي بترخص نفسها بإيديها، وأي واحد في الدنيا مش بتعجبه البنت اللي زيهم هو بس بيقضي معاها وقت حلو وياخد منها اللي هو عاوزه ويسيبها ويشوف غيرها ما هي رخصت نفسها أصلا هيبقى عليها ليه؟ واحدة مش خايفة على نفسها هيخاف هو عليها؟! أكيد لا صح ولا إيه؟
أومأت برأسها موافقة على ما قال، ثم استطردت بابتسامتها المُحببة له: - يعني أنا غالية يا يوسف؟ أومأ برأسه ضاحكًا بشدة قائلًا من بين ضحكاته: - غالية جدا والله، بس عاوزك تركزي شوية وتتصرفي بعقل وحكمة وتنقي البنات النضيفة المؤدبة وتصاحبيها إنما اللي بيتكلموا في الحاجات دي سيبك منهم خالص..
هزت رأسها بإيجاب وقالت متسائلة في هدوء حزين: - طيب أنا مش متربية؟ رفع حاجبيه بدهشة مرددًا بحزم رفيق؛ - مين قال كدا؟! تابعت مجيبة عليه بضيق؛
- مامتك هي اللي دايمًا تقول عني كدا، وأنا عارفة إن كلامها صح، عشان أنا من غير أهل على رأيها، يوسف أنا كان نفسي أبقى مؤدبة والله مش بإيدي إني متربتش! انفجر ضاحكا بقوة وهو يُحرك رأسه بعدم تصديق لما تقول صغيرته العفوية، بينما زفرت هي بغيظ وهي تدفعه برفق وتقول متذمرة: - شوفت، بتضحك عشان دي الحقيقة.. هدأت ضحكاته ولم يتخلى عن ابتسامته وهو يُخبرها بنبرة حانية: - أنتِ مؤدبة ومتربية يا روما، أومال أنا بعمل إيه وبابا؟
حركت رأسها نافية وتابعت: - أنت بتنصحني كتير أعمل الصح بس أنا مش بسمع كلامك ودا دليل على إني مش مؤدبة، غير يُسر اللي على طول بتسمع كلامك وكلام عمو جلس إلى جوارها وهو يقول متنهدًا بابتسامة هادئة: - روما أنتِ بريئة جدا هو فيه كدا يا ناس؟.. وبعدين أنتِ بتغلبيني أه شوية بس بعد كدا بتسمعي الكلام ومش معنى إنك لمضة تبقي مش مؤدبة يا هبلة..
انزوى ما بين حاجبيها وهي تهتف بضيق: - أنا هبلة؟ - جدا - مخصماك يايوسف
شاكسها قليلًا إلى أن ضحكا معا وتعالت ضحكاتهما، فتفاجئا بالباب يُفتح مرة واحدة وتدخل والدته بصحبة والده! ومعهما " نهال" أيضًا! يبدو أن حدث خطب ما! .. راحت والدته تهتف بحدة شرسة وهي تلوح بيدها: - شايف يا همام! شايف المسخرة! لولا إن نهال جات ونبهتني للي بيحصل كان زمانا نايمين على ودانا وإبنك غرقان هنا مع اللي ما تتسمى دي!
هب يوسف واقفًا مزمجرًا في غضب ناري: - إيه في إيه! جات قالتلك إيه إن شاء الله يا ماما!؟ اندفعت في قولها لتُخبره بعصبية: - أنا نهبت عليك ميت مرة متدخلش أوضتك ولا تقفل عليكم وأخرتها تحصل المسخرة دي! لاااا وألف لا..!
كاد يوسف يتكلم، فصمت حين أشار له والده بكف يده هاتفا بحزم: - قولي اللي سمعتيه يا نهال.. قالت نهال بلا تردد وعلى وجهها ابتسامة منتصرة: - سمعتها بتقول له بوسني يا أنكل، وكلام تاني أتكسف أقوله وأخلاقي متسمحليش.. يوسف وقد صاح بها: - دا على أساس إن عندك أخلاق يا... - يووووسف قاطعه والده بصراخ حاد، فتوقف يوسف عن كلامه، ليقول بعدها جازا على أسنانه: - يا بابا أنت هتصدق الفيلم اللي عاملينه دا؟
همام بصرامة شديدة: - أنت غلطت يا يوسف وأنا حذرتك كتير ودلوقتي هتعمل اللي بقول عليه وبالحرف الواحد فاهم؟ يوسف وقد تأفف بضجر شديد، بينما راح ينظر إلى مريم التي تتابع بصمت وتقف إلى جواره، هدئها بنظراته.. ألا تخاف! تابع والده بصوت أجش صارم: - الغلط دا يتصلح، معنديش حل غير إنك هتكتب على مريم تمام؟ رمش يوسف بعدم تصديق وناظره بصدمة، بينما شهقت تهاني وهي تصيح بانفعال: - إيه التخريف دا يا همااام؟!
همام بهدوء أثار استفزازها: - اللي غلط يصلح غلطه يا تهاني، أنتِ مش جيتي تصحيني من النوم أنتِ وبنت أختك عشان أشوف المسخرة بتاعة إبني، أنا بقول بدل ما أطرد بنت أخويا في الشارع زي ما أنتِ عاوزة، الأحسن نخلي المسخرة تبقى رسمي ونفرح وكلنا يا تهاني واللي زعلان بقى يبقى يوريني عرض كتافه عشان أنا زهقت! ابتسم يوسف حينها بارتياح شديد وتنفس الصعداء.. أين كنت يا همام؟! أخيرًا سينول المراد...
حركت تهاني رأسها بعدم تصديق وهي تصرخ بغير رضى: - لا يا همام مش هتمشي كلامك عليا، دا مش هيحصل أنت فاهم؟! صرخ بها بحدة مماثلة: - مش فاهم يا تهاني، اللي أنا عاوزه بس هو اللي هيتم وأنتِ اللي لازم تفهمي كداااا برح الغرفة ما إن أنهى حديثه القاتل لتهاني التي راحت تضغط أسنانها بغضب شديد، وراحت تخرج من الغرفة تتبعها نهال التي كادت تصيب بسكتة قلبية، حيث أن السحر انقلب على الساحر!
وباتت خطتها في فشلٍ ذريع! ... وكاد يوسف أن يطير من شدة سعادته، رمق حبيبته بنظرات شغوفة قوية وهو يقول برومانسية: - مبروك مقدما يا رومتي أنا.. بينما مريم لا تعلم أتفرح أم تحزن؟.. ستتزوج ممن تُحب وتخشى..! تخشى أن يُفتح عليها بابا لا يُسد.. هل ستتركها تهاني وشأنها لتنعم بالسعادة مع حبيبها؟! لا تظن.. لا تظن أبدًا..
لاحظ يوسف تغيرها فقال بهدوء وقد فهم ما يدور بخاطرها: - مريييم متفكريش في أي حاجة ومتخافيش يا حبيبتي طول ما أنا موجود.. ابتسمت وأومأت برأسها قائلة: - مش خايفة يا يوسف، أنا كنت مستنية اللحظة دي من زمان أصلا يا حبيبي يوسف مراوغا: - مش أكتر مني على فكرة يعني! يا سلام لو بابا يخليها دخلة على طول تبقى حاجة زي الفل بصراحة..
أخذت تسير تهاني ذهابا وإيابا في غضب شديد، تدور حول نفسها وهي تعض على شفتها بحنق، بينما تهمهم غير راضية على ما فعله زوجها! - أه يا ناري أه.. ماشي يا همام ماشي بينما تهتف الأخيرة بحقد: - اتصرفي يا أنطي، دول هيتجوزا معقولة هتسمحي بكدا؟! تهاني وقد رفضت بعنف: - لا لا مش هسمح أبدا، أنا ماليش قعاد في البيت دا أبدًا بعد اللي حصل.. تابعت نهال بنظرة شيطانية: - طب ما أنتِ لو مشيتي برضوه هيتجوزا فأنتِ مش لازم تمشي أبدًا يا أنطي، لازم نفكر في حل يفرقهم عن بعض.. فكرت تهاني في كلماتها السامة ووجدت أنها محقة في قولها ربما تذهب ويتزوجا بالفعل، فعليها ألا تذهب وتبقى لتُفسد علاقتهما أولًا، عليها أن تتخلص من تلك الصغيرة وتسترد إبنها ثم تزوجهُ بمن تستحقه كنهال مثلًا!
في الصباح..
أفاق يوسف من نومه بحيوية شديدة، نهض بخفة عن فراشه ثم توجه إلى الحمام واغتسل، أخذ يرتدي ملابسه وهو يحدث نفسه بابتسامة: - مريم معقولة نايمة لحد دلوقتي! مجتش ترخم عليا يعني! انتهى من ارتداء ثيابه سريعًا وخرج من غرفته متجها إلى غرفتها وطرق الباب.. مرة وإثنان وثلاثة ولم تفتح بعد!
شعر بالقلق ففتح الباب برفق وأطل بوجهه ليجدها مازالت نائمة بفراشها، عقد حاجبيه ودخل يهتف بمشاكسة: - رومااااا، معقول نايمة لحد دلوقتي، قومي يا كسلانة! لم يأتيه رد أيضًا، فاقترب أكثر ونزع الغطاء عن وجهها برفق ليجدها تئن بصوت خافت، بينما وجهها مُتعرق وأنفاسها غير منتظمة، انقلع قلبه بقلق بالغ وهو يضع يده فوق جبينها ففُزع من درجة حرارتها المرتفعة.. ليقول بخوف حقيقي: - مريم.. مريم، حبيبتي أنتِ سمعاني؟ - يوسف أنا تعبانة أوي..
قالتها وهي بالكاد تنظر له وتحرك رأسها يمنة ويسرة بثقل، فقال سريعا وهو يتجه نحو الباب: - ثواني يا حبيبتي وراجعلك متخافيش هتبقي كويسة ركض سريعا هابطا الدرج ثم إلى المطبخ وأحضر صحن به ماء مُثلج وقطع قطن لعمل كمادات علها تخفض من درجة حرارتها تحت أنظار العاملين بالمطبخ الذاهلة.. عاد إليها من جديد في سرعة وراح يجلس جوارها ثم بدأ فعليًا بفعل الكمادات وقلبه يخفق خوفا على صغيرته المدللة..
بينما يحدثها بهمس حنون: - روما، أنتِ حاسة بإيه يا حبيبتي، كلميني متسكتيش كدا.. تنهدت بثقل وهي تتكلم بصوت خافت جدا: - تعبانة أوي يا يوسف.. فأخبرها بحنان: - هتبقي كويسة يا قلب يوسف...