رواية إبن الخادمة وسليلة العائلة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث عشر
في منزل عاصم سمعا صوت جرس الباب فتوجه عاصم ليفتح ويري والدته بصحبة زوجها وأولادها وما أن رأته عانقته بشده وهي تقول بلهفه: إزيك يا حبيبي وحشتني خالص إبتلع عاصم ريقه بمرارة وتجمد مكانه لا يتحرك حتي قالت وهي تبتعد عنه: طمني عليك يا حبيبي عامل ايه أجاب عليها بجديه قائلاً: كويس بينما أقبلت عليها حنان وهي تعانقها وتقول: ماما وحشتيني أوي عانقتها الأخري وهي تقول: أنتي وحشتيني اكتر يا حبيبة ماما.
ودلف أحمد بصحبة أولاده وصافح عاصم الذي صافحه بضيق، وكذلك أبنائه، فقال خالد مازحاً: إزيك يا عصوم واحشني عاصم بجديه: أهلا يا خالد، إتفضلوا ولجوا جميعا إلي الداخل بينما تحدثت حكمت بإبتسامه وهي تقول: معلش بقا يا عاصم يابني هنتقل عليك اليومين دول! هز رأسه لها وقال بصوت رجولي: أهلا بيكم، ثم نهض وقال: أنا عندي شغل ولازم أمشي دلوقتي حنان معاكم لو إحتاجتم أي حاجه.
ثم لم ينتظر كثيرا وتوجه إلي خارج المنزل وهو يتنفس بصعوبة فبمجرد رؤيته لوالدته، تذكر معاناته التي لا يعلم بها سوا خالقه وكم قضي من أيام يتألم فيها وحده ويتحمل المسؤولية دون مساعد أو رفيق له فقط كان يتوكل علي الذي خلقه ويستعين به حتي أصبح رجلا له إحترامه ووقاره...
بينما جلس أحمد جوار زوجته وهو يقول بحنق: علي فكره إبنك مش طايقنا! حكمت بتنهيدة: لا متهيئلك يا أحمد أصبر بس أحمد: أما نشوف.
مر إسبوعان، حتي جاء يوم يحمل في طياته مفاجآت كثيرة ويحمل فرحة كبيرة حيث كان ذلك اليوم عقد قران أمل وعمر الذي كان فرح للغاية علي عكس أمل التي كانت جالسة تزفر بضيق، وتتأفف كلما سمعت الزغاريد تصدغ في أركان المنزل وضحكات شقيقتها تتعالي لتعطي المكان روحا من السعادة والبهجة، دلفت نجيه وهي تقول بفرحة: يلا يا أمولة جهزي نفسك الكوافيرة علي وصول أمل بلا مبالاه: اوف طيب طيب.
بينما إقتربن إخواتها منها وهن يصفقن بأيديهن ويغنن بمرح: ما تزوقيني يا ماما قوام يا ماما ده عريسي هايخدني بالسلامه يا ماما زفرت أمل بحنق وهي تقول غاضبة: ما تسكتي يا ختي أنتي وهي وأمشوا بعيد عني ضحكت نجيه رغما عنها علي فتياتها وقالت: يوه جتك ايه يا بت يا أمل يابت إفرحي بقا إخواتك فرحانين ليكي وبيهزروا معاكي وكمان عريسك زي الفل والله استهدي بالله وافردي خلقتك دي أمل بغضب: مالها خلقتي يا ماما مالها بس.
إيمان ضاحكة: ملهاش يا أمولة تعالي يلا بقا عشان تلبسي العريس علي وصول.
كان البيت مزين بالحبال التي تنير وتطلق شعاع ملون كما علت أصوات الأغاني وإبتدت المعازيم تهل ليمتلئ منزل الحاج محمود بالمعازيم جميعهم يهنؤنهه ويتبادلون المباركات، بينما وصل سعيد وعائلته ليستقبل مع أخيه المعازيم وتقف سهام بجانب نجيه وسمره يقدمون الحلوي والعصائر، وكذلك كان هشام يحاول أن يري أميرة وعيناه تزوغ في أنحاء المنزل بحثاً عليها، وفيما دلفت سارة إلي غرفة الفتيات لتتشارك معهن في الضحكات والمزاح عدا أمل التي كانت تنظر إلي المرآه بشرود تاركه لخبيرة التجميل تفعل ما تشاء في وجهها ذاك الملامح الهادئه حيث كانت أمل عيناها تختلط بين اللونين العسلي والأخضر وذات بشرة بيضاء هادئه وأيضاً جسد رشيق متناسق، وما إن إنتهت خبيرة التجميل من وضع مساحيق التجميل واللمسات الأخيرة علي وجه أمل حتي أصبحت كالملكة المتوجة في فستانها ذو اللون الموڤ الهادئ وكذلك إرتدت طرحة ستان بنفس اللون فكانت حقا جميلة إلي حد كبير.
صفقن الفتيات وأطلقن الزغاريد حين إنبهرن بجمالها مما جعل أمل تبتسم رغماً عنها حينما نظرت إلي المرآه ف لأول مرة تضع علي وجهها مستحضرات تجميل، إنبهرت هي الأخري بجمالها وثوانٍ معدودة وإستمعت إلي صوت الزغاريد تعلو وتعلو تُعلن عن مجئ عمر بصحبة عائلته لتتوتر أكثر ويتملكها الإرتباك...
بينما نهض مصطفي ليصافح عمر وعائلته ويرحب بهم وكذلك هشام والحاج سعيد وبقيّ محمود جالساً لم يعد قادراً علي القيام، فتقدموا جميعاً نحوه وصافحوه وتبادله المباركات والتهاني وبعد قليل آتي المأذون وجلس بين الحاج محمود وعمر الذي كان يتألق في ملابسه حيث كان يرتدي بنطال من الجينز الأسمر وقميص أبيض وچاكيت سبور باللون الأسمر أيضاً فأصبح أكثر وسامة وإشراق...
وضع عمر يده في يد الحاج محمود وبدأ المأذون يقول مراسم الزواج حتي إنتهي وأنهي كلماته ب بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير، وأخذ مصطفي الدفتر لتوقع عليه أمل وما إن وقعت تعالت الأغاني من جديد وطغي علي المكان بهجة وسعادة... نهض عمر بعد أن إستأذن الحاج محمود أن يدلف إلي زوجته، توجه إلي غرفة الفتيات بصحبة مصطفي فتقدم مصطفي وهو يقول مرحا: بعد اذنكم يا جماعة العريس عايز عروسته علي إنفراد..
ضحكن الفتيات ونهضن من مقاعدهن وتوجهن إلي الخارج وهن يتمازحن مع أمل ومنهن من تغمز لها ومنهن تمزح ليجعلوها ترتبك أكثر وأكثر، بينما إبتلعت أمل ريقها وهي تتوسل لأخواتها بالنظرات بأن لا يتركوها ولكن دون جدوي لا يشفقن عليها لحظةٍ واحدة...
خرج الجميع ودلف عمر وما إن دلف حتي إنبهر بجمالها الطاغي، تسمر مكانه وهو يبتلع ريقه ويتنهد بحرارة إقترب منها بخطوات متمهلة حتي وصل إليها وتقلصت المسافة بينهما، فتوردت وجنتي أمل وظلت تفرك كلتي يديها في بعضهما، فإبتسم عمر وقال هامساً: طب ما إحنا بنتكسف زي البنات الحلوين أهو رفعت أمل بصرها إليه وقد نست خجلها في لحظة لتجيب عليه قائله بجديه: امال يعني فاكرني قالعه برقع الحيا!
تفاجئت بذراعه يلتف حول خصرها ويجذبها إليه وهو يقول مازحاً: لا فاكرك مراتي حبيبتي إزدردت ريقها بخجل شديد ثم دفعته في صدره وإبتعدت عنه قائله بإرتباك: آآ أنت قليل الأدب إطلع بره لو سمحت ضحك عمر وإقترب منها مره ثانيه وهو يقول: بلاش غلط ماهو خلاص أنا بقيت جوزك وهربيكي علي ايديا.
عبست أمل بوجهها وقالت بحدة: ده علي أساس اني مش متربيه ولا إيه، لا بقولك ايه أوعي تفتكر إني مكسورة الجناح وهقولك لا والنبي يا سي عمر وهخاف منك! إقترب عمر أكثر وهو يقول ناظراً إلي عينيها: ممم يعني معني كده لو عاقبتك هتعاقبيني وزي ما هعمل هتعملي أومأت أمل رأسها قائلة: بالظبط كده رفع عمر حاجبه وقال: يعني لو ضربتك بالقلم هتعملي ايه؟!
نظرت أمل إليه بتحدي وقالت: أولا متقدرش ثانيا ضربة علي قلبك ثالثا هردهولك علي طول باغتها عمر بحركة سريعة حيث ألصق ظهرها في الحائط وحاوطها بذراعيه وهو يقول ناظراً إلي عينيها: لسانك طويل يا أمولتي! وعايز قصه ده أولا ثانيا بقي أنا عمري ما همد ايدي عليكي، ثالثا وده الأهم، إقترب من آذنها قائلاً: بحبك إتسعت عينيها ولا تعلم لما خفق قلبها بشده، رفعت بصرها إليه وهي تقول فارغه شفاها: ها.
ضيق عينيه بمكر وهو يقول بمراوغة: بتقوليلي بقا زي ما هعمل هتعملي قد كلامك يعني؟ عادت نظرة التحدي إلي عينيها لتنظر له قائلة بثقه: ايوه طبعا طبع قبلة مطوله علي وجنتها متمهلة لتتفاجئ بها وتدفعه ليبتعد عنها وقالت بجديه: أنت بحد قليل الأدب أمسك أنفها بيده وقال ضاحكا: بلاش غلط قولنا وبعدين خليكي قد كلامك ورديلي الي عملته.. توترت أكثر وقالت: ها لاء طبعا أنت مجنون أصلا.
تنهد بنفاذ صبر وقال: طب اديني ايدك ألبسك الشبكه يا روح قلبي زفرت بضيق ومدت له يدها فأمسك بها وشرع في تلبيسها الخاتم والمحبس وإنسيال رقيق، وسط خجلها ونظراته المتفحصه لها وما إن إنتهي مد يده لها وقال غامزاً: لبسيني دبلتي بقا إبتلعت ريقها وأخذت الدبلة بيد مرتعشه وأدخلتها في صابعهُ، ومن ثم قالت: آ إتفضل خلاص إرتحت غمز لها مره أخري وتابع قائلا: أنا مرتاح عشان معاكي يا مراتي العزيزة!
رمشت بعينيها وأشاحت بوجهها كي لا تضعف أثر غزله الصريح لها وتكشف نفسها أمامه وأنها كأي أنثي تذوب من كلمة رقيقة... تنهد عمر قائلا بمزاح: أحبك وأنت مكسوف، ثم أمسك يدها وقال: طب تعالي نخرج للناس ولا عايزني اقعد معاكي هنا، ها قوليلي متتكسفيش رمقته بنظرات مغتاظه وهي تقول: لاء يلا نخرج.
ضحك وسار معها إلي الخارج فهلل الجميع حين رأوهم بكامل أناقتهم، بينما عانقتها فاطمة والدة عمر وكذلك إيناس شقيقته وبينما ساعدت نجية زوجها علي الوقوف فنهض بصعوبة بالغة و إحتضن إبنته التي أقبلت عليه وعانقته بشده لتشهق بقوة ولم يتحمل محمود فبكي هو الآخر وهو يشدد من إحتضان إبنته الغاليه ويمسد علي ظهرها ويقول: متعيطيش يا بنتي إفرحي ده جوزك ونعم الرجال وأنا كده مطمن عليكي مش عايزك تعيطي أبدا يا حبيبتي ربنا يهنيكي ويسعدك..
إنحنت أمل بجسدها وقبلت كف والدها ثم قالت من بين دموعها: ربنا يخليك لينا ويباركلنا في عمرك يا بابا وميحرمناش منك أبدا نظر الحاج محمود إلي عمر وقال: أوعدني يابني تحافظ عليها ومتهنهاش عمرك عشان أبقي ميت مطمن عليها أسرع عمر واجاب عليه قائلاً: متقولش كده يا حاج أمل في عنيا ربنا يبارك في عمر حضرتك إبتسم له الحاج محمود وقال: أنا متأكد انك هتحافظ عليها يابني ربنا يسعدكوا...
ثم جلس ونظر إلي إبنته أميره الواقفه مع المعازيم وحدث نفسه قائلاً: عقبالك يابنتي أنتي كمان ربنا يسعدك زي اختك...
مر إسبوع علي عقد قران عمر وأمل كانت الحالة مستقره للجميع ما عدا الحاج محمود الذي كان يتدهور يوما عن يوم...
وفي ذات يوم في المساء تشاجر مصطفي مع إيمان لنفس ذاك السبب وهو عملها الذي أخذ وقتها في الفتره الأخيرة وعادت تهمل في بيتها مرة أخري مما جعل مصطفي يثور عليها ويخرج تاركا إياها تبكي وخرج هو غاضباً...
في منزل الحاج محمود نهض عن فراشه بخطوات متثاقله ولكنها سريعه نوعا ما متجهاً إلي المرحاض ليتقيئ وينازع مع الآلآم التي سكنت جسده الواهن، أصبح في حالة من الهزيان والمرض حاصرهُ بل وتمكن منه، ظل يتأوه بصوتٍ عالِ في المرحاض حتي إنتفضت نجيه في الفراش ومن ثم أسرعت متجهه إلي الخارج وهي تقول بلهفه: يالهوي يا ساتر يارب مالك يا حاج.
أخذ الحاج محمود يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، وهو يشير لها بيده ويقول بصوت متقطع: ه ه هموت يا نجية أمسكت نجيه به وهي تقول من بين دموعها التي إنسابت بغزاره حزناً علي زوجها: بعد الشر عليك يا حاج محمود متقولش كده تعالي معايا يا حاج تعالي...
سار معها الحاج محمود وهو يستند عليها، حتي وصلا إلي الفراش ومن ثم ساعدته نجيه علي النوم وجسده يرتعش وكأنه أصبح لوحاً من الثلج، وأخذت حبات العرق تنبع من جبينه بغزاره، حتي لاحظت نجيه فأمسكت كف يده رأته كالثلج تماما إنتفضت ذعراً من هيئته وهي تري جسده يتشنج وكأنه بالفعل يصارع، وقفت لثوان لا تعرف ماذا تفعل! إقتربت وهي تهزه بيديها بقلق وخوف شديدين، وقالت بتوجس: يا حاج فيك ايه طمني اطلب الدكتور ولا إيه.
أخذ محمود زفيراً قوياً بصوت عال، مما جعلها تلطم علي صدرها وهي تنادي بأسماء أولادها، يا أميره. يا أمل، يا سالم أنتفض ثلاثتهم ونهضوا متجهين الي غرفة والديهم، أسرعت أميره وهي تقول: في ايه يا ماما بابا ماله نجية من بين دموعها مش عارفة يابنتي مش عارفة وبينما صُدمت أمل وهي تري والدها يطلق أصوات غريبة عليهم ف لأول مرة يروه علي هذه الحالة...
تقلصت عضلات جسده أكثر وكأن الدم هرب منه، وعيناه تنفتح ثم تنغلق ببطئ شديد! وهو يحاول نطق الشهادة ولم يستطيع، صوته يطلع بخفوت ليقول بتقطع: آآ أش أش ه هد، ثم يصمت وهو ينازع مع سكرات الموت وكأن أنفاسهُ تنتزع منه نزعاً، فيعود يردد بصعوبة بالغة: آآ أش أش ه هد آ آ، صرخت أميرة عالياً وقد علمت أن آباها سوف يفارق الحياة لا محالة، وقالت بذعراً: ب بابا بيحتضر يا ماما بابا بيموت يا أمل.
لتصرخ أمل هي الأخري باكية: لا لا بابا لا بابا وكذلك سالم الذي كان مذهولا ودموعه علي وجهه تتساقط بشده وهو ينادي علي والده الممدد علي الفراش لا حول له ولا قوه! جلست نجية بجانب زوجها وهي تبكي ولكن محاولة التماسك وقالت: حاج لا متسبناش ده احنا ملناش غيرك يا حاج.
صمتت لبرهه وهي تراه يحاول نطق الشهادة ولكنه عاجز، فمسدت علي فروة رأسه وهي تردد له الشهادة عله يردد خلفها، وظلت هكذا لعدة دقائق حتي نطقها بصعوبة بالغة، ثم بعد ذلك تجمد جسده فجأه ووأخرج آخر نفس فيه ولم يستنشق نفس بعده فلقد خرجت الروح وصعدت إلي بارئها، ليصبح جثة هامدة منغلقه العينين، لم تصدق نجيه أن زوجها قد فارق، فارق الحياة ولن يعود مرة ثانية، لتطلق صرخة مداويه يكاد أن تهتز لها جدران المنزل، بينما حضنت أمل إخواتها في آن واحد ليشهقوا ثلاثتهم باكين بمرارة فها هو الأب قد رحل، رحل من كان سنداً وأمان وحماية، رحل الرجل الذي كان يفني حياته لأجلهم ويشقي ويسعي من أجل إسعادهم الآن رحل!
عاد مصطفي إلي المنزل بعد أن سار بسيارته ساعتان متواصلان ليخرج فيهما شحنة غضبه، دلف إلي الداخل وأغلق الباب خلفه وإتجه إلي غرفة النوم، فلم يجد زوجته، فأتجه إلي غرفة إبنته فوجدها جالسة علي الأريكه الصغيرة وقد غفيت وهي جالسة أمام إبنتها الغارقه في نومها، تنهد مصطفي بعمق ثم إتجه إليها ليفيقها بهدوء وهو يقول: اإيمان، إيمان!
لم تجيب إيمان عليه وتصنعت النوم، وما كان من مصطفي إلا أنه حملها برفق بين ذراعيه بعد أن إعتقد أنها نائمة، وإتجه بها إلي غرفتهما وكاد أن يضعها علي الفراش ولكنه تفاجئ بها تتعلق في عنقه وتقول بدلال: خليك شايلني شوية يا مصطفي عشان خاطري رفع مصطفي أحد حاجبيه وقال بجديه: يعني كنتي عامله نفسك نايمه! إبتسمت له وطبعت قبلة علي وجنته وهي تقول: أعمل إيه ما أنت أكيد لسه زعلان فقولت أتدلع عليك عشان تصالحني.
أنزلها مصطفي لتقف علي قدميها وينظر إلي عينيها: ايمان ملكيش كلام معايا من فضلك ياريت تخليكي في حالك ودلوقتي أنا عايزك تختاري بينا! يا أنا يا شغلك يا ايمان! أغلقت ايمان عينيها في ضيق ثم أعادت فتحها وهي تقول؛ يا مصطفي ليه عايز تمحي وجودي و... قاطعها مصطفي بحده وهو يقول: كلمة واحدة يا ايمان ومعنديش غيرها.
كادت أن تتحدث ولكن قاطعها رنين هاتفها لتقول باستغراب وهي تلتقطه من علي الكومود، : خير يارب يا تري مين الي بيتصل! تسرب القلق إلي قلبها حين وجدت إسم أمل علي الشاشة فأجابت سريعا قائلة بقلق: أمل في ايه أنتوا ك... لم تكمل جملتها حتي آتاها صوت شقيقتها الباكي وهي تقول: ايمان بابا مات يا ايمان إلحقينا بابا مات.
تصلبت إيمان في وقفتها وقد إتسعت مقلتيها وهي تنظر إلي زوجها بأعين دامعة ضائعة لينتابه مصطفي القلق وقال متساءلا بقلق: في ايه يا ايمان مالك! خرج صوتها كمن تحت صخرة كبيرة، لتقول بصوت باكي متألم: ب ب بابا مات ب بابا أمل أنتي بتقولي ايه، لتصرخ باكيه بهستيريه بعد ذلك، فأخذ مصطفي الهاتف وقال بحزن: لا اله الا الله حصل امتي يا أمل.
أمل ببكاء مرير: دلوقتي احنا مستنينكم، ثم أغلقت الخط ونظر مصطفي إلي زوجته ليأخذها في أحضانه بحزن شديد فقد كان الحاج محمود عزيزاً عليه ويعتبره مثل والده، أخذت إيمان تبكي وتشهق بمرارة، وهي تنتحب وتقول: بابا مات يا مصطفي بابا مات أخذ يهون عليها وهو يربت علي ظهرها وهو يقول بنبرة حزينه: ده مكتوب علينا يا ايمان اهدي يا حبيبتي ربنا يرحمه برحمته.
إبتعدت عنه لتركض الي الخزانه قائلة من بين دموعها: لازم نسافر دلوقتي يا حبيبي يا بابا يا حبيبي دلف مصطفي إلي غرفة إبنته وحملها من فراشها وهي نائمه علي كتفه، ثم خرج وأخذ مفاتيح سيارته حتي انتهت ايمان من ملابسها وسارت معه إلي خارج المنزل وسط بكائها المرير.