رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر
قالت سماح بإبتسامة: -والله ما كان ليه لزوم لده كله يامدام سمر، تعبناكي معانا. قالت سمر بإبتسامة خجولة: -تعبكم راحة، دى حاجة بسيطة يامدام سماح. قالت ماجى بإبتسامة: -والله وحشنى أكلك يا... قطعت كلامها، قائلة: -قصدى يعنى أكلك فكرنى بواحدة صاحبتنا كان أكلها ميفرقش عنك خالص، ماشاء الله نفسكم يجنن بجد. إزداد خجلها وهي تبتسم قائلة: -ميرسيه يامدام ماجى، ده من ذوقك. قال حسن بمرح:.
-فعلا الأكل البيتى مفيش زيه، انا كدة هعمل ثورة على التيك آواي، وهطالب بأكل بيتي كل يوم. إزداد خجل سمر بينما قالت هاجر بنبرات حملت شعور الغيرة: -وهتقدر تستغنى عن الأكل مع الشلة بتاعتك ياسي حسن؟ نظر إلى عينيها الجميلتين ليبتسم قائلا بهدوء: -حد يسيب عيلته برده ويدور على الصحاب؟ لم تستطع أن تحيد بناظريها عنه، تتساءل في لهفة، أيعدها من أهله؟أم فقط يقصد عائلته؟ قاطع نظراتهما سؤال سمر المتردد وهي تقول:.
-هو أستاذ مجد، احمم، يعنى مش موجود، قصدى يعنى مش هيتغدى؟ تبادلوا النظرات فيما بينهم، لتقول سماح بإبتسامة: -كلمته من شوية قاللى انه راح يقعد على البحر شوية. قالت ماجى بشفقة: -يبقى أكيد متضايق، مجد مبيروحش يقعد على البحر الا لو كان متضايق.
أومأ الجميع برءوسهم لتتأملها سمر بفضول امتزج ببعض الغيرة، تتساءل عن تلك المرأة التي تعرف دواخل مجد وتنطق اسمه بأريحية هكذا، إرتاحت نبضاتها وهي ترى هذا المحبس الذهبي في بنصرها الأيسر، فبعد أن تأكدت أنها متزوجة، ومن وضعها داخل تلك العائلة فعلى الأرجح أنها قريبتهم أو صديقة مقربة جدا، قطع أفكارها دلوف مجد إلى المكان ليتوقف بجمود وهو يرى الجميع جالسون إلى طاولة الطعام، تعلقت عيونه بسمر، وتعلقت عيونها به، حبس الجميع أنفاسهم، فقد طال حديث العيون، لتتنحنح هاجر قائلة بمزاح:.
-احمم، حماتك بتحبك ياأستاذ مجد، لسة واقف عندك ليه؟تعالى إلحقلك صابع محشى. أفاق مجد من أفكاره التي تعلقت كلها بتلك المخلوقة التي ملكت كيانه، وهو ينظر إلى هاجر بإبتسامة هادئة قائلا: -مشفتش حماتى بس أكيد كانت هتحبنى، متجمعين على الخير دايما يارب. قال الجميع: -آمين.
إقترب منهم لتسرع سماح بإحضار طبق له، جلس إلى الطاولة ونظر إلى الطعام الذي وضعته له سماح في طبقه، سمى بالله وأخذ أول إصبع محشى في فمه يلوكه، تجمد لثوان قبل أن يستكمل مضغه وبلعه ثم نظر إلى عيون سمر مباشرة قائلا بنبرة تقريرية: -انتى اللى طابخة. تأملته في دهشة قائلة: -عرفت إزاي؟ قال حسن بمزاح: -أكيد من طعمه الحلو، محدش من اخواتى بيطبخ بالحلاوة دى.
ضربته سماح على رأسه بخفة، بينما لا تدرى سمر لم ظهر في عيون مجد نظرة حنين لم تفهمها، لم يعقب على كلمات أخيه وإنما إكتفى بكلمة: -تسلم إيدك. أومأت برأسها في خجل، تشاهده يأكل كما لم تشاهد أحد من قبل وكأن كل لقمة تمنحه حياة.
كانت الفتيات يضبن الطاولة حين خرجت سمر الأخت من حجرتها تقول بسعادة: -باركولى، هبتدى الشغل من بكرة. بارك لها الجميع، لتقول: -سيبوا اللى في ايديكم ده، أنا اللى هلم السفرة وأعملكوا أحلى كابتشينو، أنا عارفة ياهاجر انك بتحبيه زيي، حسن قاللى. نظرت هاجر إلى حسن بسرعة فوجدته يبتسم بهدوء لتبتسم بدورها، قالت سماح:.
-طيب ابقى طلعيهولنا فوق ياسمر، أنا هطلع أطمن على مراد وأشوفه صحى ولا لأ، وكمان ماجى هترتاح شوية، وهننزلكم تانى، متمشيش ياسمر انتى وهاجر السهرة النهاردة صباحى وفيها فيلم رعب وتسالى كمان. قالت سمر الأخت بدهشة: -سماح وفيلم رعب، طب تيجى إزاي دى؟ إبتسمت سماح قائلة: -أهى جت وخلاص، يلا سلام مؤقت. ثم غادرت تتبعها ماجى، لتقول سمر الأخت: -هروح بقى أعمل الكابتشينو. قالت لها هاجر:.
-جاية معاكى هعلمك إزاي تعملى الرغوة بسهولة جدا. قالت سمر الأخت بسعادة: -تعالى تعالى، شكلنا هنبقى أصحاب أوى. قال حسن: -طب استنوا، أنا جاي معاكوا عشان أتعلم برده، أمال، العلام حلو مفيش كلام. قالت سمر الاخت بمزاح ساخر: -تعالى ياأخويا، عشان تبقى تعملهولى، أختك دكتورة والفترة الجاية مش هبقى فاضية خالص. قال حسن بسخرية: -آل وأنا فكرت لما تيجوا هنرتاح بقى، أتارينى كنت بحلم.
ضربته سمر الأخت بخفة على رأسه قائلة بمزاح: -أحلامك هتتقلب كوابيس على إيدى ياأبو على. إبتسم الجميع، ليتجه كل من حسن وسمر الأخت وهاجر إلى المطبخ، بينما أشار مجد لسمر بأن تجلس، فجلست إلى جواره صامتة، ترغب في أن تتحدث إليه ولكن ضائعة كلماتها، في عالم من مشاعر لا حصر لها.
قالت سمر الأخت: -تفتكروا فيه أمل؟ قالت هاجر: -أفتكر طبعا، وكبير كمان. قال حسن بحيرة: -انا بقى مش عارف، بس الموضوع مكلكع على فكرة، كان ليه بس من الأول؟ قالت هاجر بنبرة ساخرة: -نحن شعب يحب الموتى ولا يرى مزايا الأحياء، حتى يستقروا في باطن الأرض، رفع حسن حاجبه الأيسر يدرك اقتباسها من هذا الكتاب الذي أعاره لها، ونعتها الضمني للرجال بأناس لايدركون قيمة النساء حتى يتوسدن التراب، بينما قالت سمر بفرح:.
-يعنى جميلة ورقيقة ومثقفة وواضح جدا انها بتحب يوسف السباعي زيك ياابوعلى، هي دى البنات مش تقولى نورسي... قطعت كلماتها وقد شحب وجهها تنظر إلى حسن الذي تجهمت ملامحه، مستطردة بارتباك: -قصدى، يعنى... قال حسن متجهما: -أنا افتكرت تليفون مهم، هروح أعمله. ليغادر المطبخ بسرعة بينما عقدت هاجر حاجبيها وهي تتابعه بعينيها قبل أن تلتفت إلى سمر التي قالت بحنق: -كان لازم أجيب سيرتها وأفكره بيها، شكله زعل.
قالت هاجر في حيرة: -مين دى ياسمر؟ قالت سمر: -حبيبته نورسين، كانت جارتنا في القاهرة، حبها خمس سنين ودخلوا مع بعض نفس الجامعة، وفي الآخر اكتشف انها متجوزة صاحبه عرفى، كانت أيام مايعلم بيها غير ربنا، صدمة طبعا كبيرة؟خليته يسهر ويشرب وكان مجد وراه من نايت كلاب للتانى، لحد مافى يوم عمل حادثة وساعتها فاق من ده كله وساب القاهرة ورجع على هنا، بس بقى واحد تانى خالص، مش حسن اللى كلنا عرفناه، بقى شبه...
صمتت للحظة وقد كادت أن تقول أنه أصبح اكثر شبها بوالدها، بينما اشتعلت نيران الغيرة بقلب هاجر ممتزجة بالشفقة، استطردت سمر قائلة: -المهم، لما رجعنا اسكندرية تانى، بجد حسيته رجع حسن اللى أعرفه، وتعرفى حاسة بإيه كمان؟ نظرت إليها هاجر بتساؤل، لتستطرد سمر قائلة وهي تمسك بيد هاجر:.
-حاسة ان ليكى دخل في الموضوع ده وان انتى اللى قدرتى تغيرى حسن وترجعيه من تانى، وعشان كدة بترجاكى ياهاجر، لو مسكتى ايديه، متسبيهاش أبدا، لانك لو سبتيها أخويا هيضيع المرة دى، للأبد.
ضمت هاجر قبضتها على يد سمر، تعدها دون كلمات بأنها ستمسك يد أخيها للأبد وستساعده في محنته، بينما تمنت في قرارة نفسها لو أخذت هذا الوعد من سمر فيما يخص أخيها هادى ولكن ربما الوقت غير مناسب الآن، ولكنها متأكدة من أن الوقت قادم لا محالة.
تأمل مجد ملامح سمر المتوترة، ويديها اللتان تفركهما، يود لو مد يديه وضمهما ليمنحها الأمان الذي يشعر بأنها تفتقده الآن... أفاق من أفكاره على صوتها المضطرب وهي تقول: -أنا، أنا آسفة. نظر إليها بحيرة، فعلام تتأسف تلك الرقيقة الخجولة، لتبتلع ريقها بصعوبة وهي تنظر إلى ملامحه مستطردة: -آسفة يعنى لو كنت كلمتك بأسلوب بارد لما جيت تسألنى عن هاجر، بس الحقيقة أنا كنت مخنوقة شوية وي... قاطعها قائلا بلهفة:.
-مخنوقة من ايه؟فيه حاجة حصلت؟ هو مهتم بها، بمشاعرها، تبا، كم يضعفها اهتمامه، وكم يغمرها بالذنب، لتقول بارتباك: -لا أبدا، سوء تفاهم بس. زفر بإرتياح ثم قال: -سوء التفاهم ده مشكلة، ممكن يهدم أسرة بحالها ويضيعها. تنهدت قائلة: -والتجاهل وعدم الاهتمام، هم كمان ممكن يضيعوا أسرة. تأملها قائلا: -تقصدى جوزك مش كدة؟ نظرت إليه قائلة:.
-رغم انى مش فاكرة من حياتى غير أحاسيس، بس الأحاسيس دى بتموتنى، كنت بحبه، أنا متأكدة انى كنت بحبه زي ما انا متأكدة انه كمان بيحبنى، بس خانى. قال في صدمة: -خانك؟ تنهدت بعمق قائلة:.
-الخيانة مش بس جسدية، الإهمال خيانة، التجاهل خيانة، ونسيان الوعود خيانة، صحيح كنت متجوزة بس محستش انى متجوزة، كانت الوحدة بتقتلنى، وكنت ساعات مبعرفش أنام من الرعب، كان عندى خوف دايم من إنى أفضل طول العمر لوحدى، كنت بخاف أحس وهو مش معايا، بخاف أفرح أو أحزن، بخاف أتعب وهو مش معايا، بخاف أموت وهو... قال مجد بلهفة امتزجت بألم: -بعد الشر عنك. ابتسمت بمرارة قائلة:.
-حتى مجاملة زي دى، مبقتش أستناها منه، لانى أصلا مش في باله، كل اللى في باله الشغل وبس، أما أنا فديكور، بيفتكرنى وقت مايحب ويفتخر بية وقت مايحب وينسانى ويسيب تراب الاهمال يتراكم علية برده وقت مايحب. قبض مجد على يده بقوة وهو يشعر بكم الوجع في نبراتها، اذا، كان هذا شعور حبيبته زوزا، كم كان غافلا، يود لو يعود به الزمن ليصلح أخطاءه ولكن مجددا الزمن لا يعود.
لاحظت سمر توتره لتمد يد مترددة تلمس بها ذراعه قائلة: -أستاذ... انتفض فأبعدت يدها بسرعة، تنظر له بدهشة، ليقول بتوتر: -آسف بس غصب عني لقيتنى بروح لحياتى وبشوفنى بالظبط شبه جوزك وكأننا نسخة واحدة. نظرت إليه بدهشة لتشوب نبراته الحزن وهو يقول مستطردا:.
-كنت زيه تمام، واخد حبيبتى شيئ مسلم بيه بعد الجواز، مفكرتش يوم أقولها كلمة حلوة، مرحمتهاش مرة مثلا وقلتلها كفاية شغل بقى انتى تعبتى النهاردة أو تعالى نتغدى برة، أفرحها، ماهي كل يوم بتقف في المطبخ طول النهار عشان بس تسعدنى، مفكرتش أتكلم معاها أو أسألها أحلامها ايه واحققهالها زي ماكانت بتحققلى احلامى من غير ما أتكلم، ولما كانت بتتعب بجد مكنتش بتخبى عني لانى أصلا مكنتش شايفها وسط شغلى وملفاتى اللى بجيبها البيت وباخد فيها من وقت مراتى اللى المفروض يكون اهتمامى بس في الوقت ده ليها، قصرت معاها كتير ومحستش بده غير لما راحت منى.
قالت سمر بقلب متمزق من الألم: -فعلا زي ماتكون هو، بس الظاهر إنك لسة بتحب مراتك. أغمض مجد عيونه قائلا: -بحبها أوى وهفضل أحبها عمرى كله، كل اما اغمض عينى بشوف صورتها وكل أما افتحها... ليفتح عيونه ينظر مباشرة الى عيونها قائلا: -بشوفها، بشوفها في صورة كل بنت أدامى، ليتأمل ملامحها وهو يقول: -عينيها، رموشها، شفايفها. ليشيح بناظريه عن ثغرها وهو يغمض عينيه قائلا:.
-عذاب عايشه لوحدى وبدعى ربنا ليل ونهار يقدرنى عليه. كانت سمر تتمزق حزنا بعد سماع كلماته التي قضت كلية على أي أمل لها معه، لتنهض قائلة بتوتر: -أنا ماشية. وجدته يمسك يدها، يوقفها، نظرت إلى عيونه بحيرة ليقول لها متوسلا: -من فضلك متمشيش. نظرة الرجاء في عينيه مست شغاف قلبها، لم تستطع الرفض، لتجلس مجددا بجواره، ورغما عنها تركت يدها قابعة بيده التي تمسكت بها بقوة.
قالت سماح بسعادة: -بجد ياماجى، بجد يوسف قالك أروحله الشركة بكرة؟ قالت ماجى بإبتسامة: -بجد طبعا، انتى مش سمعتى المكالمة بنفسك؟ قالت سماح: -الحمد لله والشكر لله، قالت ماجى: -كل حاجة بتحصل لينا ياسماح فيها حكمة من ربنا وأهم حاجة ان احنا نآمن ان ربنا مش ممكن يضرنا، بيبتلينا ممكن، لكن مع ابتلائه بنصبر وآخر صبرنا فرج، ده قال في كتابه العزيز ان مع العسر يسرا وأكدها مرتين. قالت سماح بإبتسامة:.
-ونعم بالله ياماجى، ونعم بالله. لتتسع ابتسامتها قائلة: -يلا بقى نصحى مراد عشان أقوله على الخبر الحلو ده، وأهو بالمرة ينزل عشان يتغدى ونشوف الناس اللى تحت دول، احنا اتأخرنا عليهم أوى. إبتسمت ماجى قائلة: -يلا بينا.
طرقت هاجر الباب قبل ان تدلف الى الحجرة بعد أن سمعت صوته يسمح لها بالدخول، وجدته متمددا على السرير وعلامات الحزن تبدو على وجهه، اعتدل على الفور ما ان رآها، لتقول بابتسامة: -خلصت تليفونك؟ أومأ برأسه دون كلمة لتقترب منه تناوله مشروبه قائلة بإبتسامة: -طب دوق بقى وقوللى ايه رأيك في الكابتشينو بتاعى؟
أخذ الكوب منها دون أن يحيد بنظراته عنها، ليرتشف منه رشفة، فعلت شفتيه الرغوة مما أرغمها على الضحك، وهي تشير لوجهه... كانت ضحكتها رائعة صافية، خلابة، انتقلت عدواها إليه ليجد نفسه يضحك بدوره، فتوقفت هي عن الضحك وهي تنظر الى ملامحه، أجبرته نظراتها على التوقف عن الضحك بدوره، ليرفع حاجبه الأيسر في حركة باتت مألوفة لديها وهو يقول: -بتبصيلى كدة ليه؟ قالت بعفوية: -أصل اول مرة اشوفك بتضحك بالشكل ده، شكلك يجنن.
نهض بسرعة مقتربا منها وهو يقول: -على فكرة بقى انتى اللى مجنونة، موجودة في أوضة واحد غريب، وبتقوليله شكلك يجنن، إيه، مش خايفة منى؟ نظرت إلى عيونه بثبات تقول بصدق استشعره في نبراتها: -أنا واثقة فيك ياحسن.
تأمل عيونها بقلب تسارعت خفقاته، لقد وقع في الحب بقوة، وحبيبته رقيقة، قوية، رائعة التفاصيل، ابتلعت ريقها بصعوبة تستشعر قربه الشديد منها، هي لا تخشاه مطلقا، ولكن تخشى نفسها التي تضعف بقربه، تدرك أنها على وشك أن تلقى بنفسها بين ذراعيه، تمنحه السكن الذي تتوق إليه عيناه، لتتنحنح قائلة: -هستناك برة، هات الكوتشينة وتعالى عشان هلاعبك وهغلبك ياابو على. ثم أسرعت بالمغادرة تتبعها عيونه ليبتسم هامسا:.