نوفيلا دكتور النسا وحرمه المصون للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثانيالحقوووووني يا بشر، يا ناس ياللي برة إلحقوووني...إنطلقت صرخاتها المزعجة بالمركزٍ الطبي، ترقب الجميع جناح العمليات بنظراتٍ تحمل الدهشة بين أطيافها، لطالما عهد هذا المكان صرخات متألمة لولادات متعسرة ولكن ليس مثل هذا الصوت الصاخب، قيد عنان حركة يدها وهو يهمس لها بصوته المنخفض:.صوتي براحتك يا حبيبتي، خلاص أنا قررت إنك هتولدي النهاردة عشان خلاص إتخنقت منك ومن حجتك اللي بتستعمليها كل ما لسانك ما بيطول..ابتلعت ريقها الجاف بخوفٍ شديد، فمالت برأسها على كتفيها وهي تهمس بصوتها الخبيث كمحاولةٍ أخيرة بائسة لإستعطافه:يا عنونة راجع نفسك يرضيك تفتح على ابنك بالوقت دا، أكيد مش جاهز لإستقبالنا يا حبيبي...رسم بسمة ساخرة على وجهه وهو يجيبها ببرود:.إن شالله عنه ما جهز، هو مش مستعد بس أنا آه يا روحي...ثم أشار للممرضات متسائلاً بإستغراب:أمال فين دكتور عبد الرحمن؟..أجابته أحداهن بتوجسٍ:دكتور البنج لسه نازل من شوية يا دكتور، زمانه لسه على الطريق...قالت إسراء بابتسامة واسعة:شوفت بقى، نخليني بقى بكرا ولا الشهر الجاي أما عبده يبقى جاهز...شدد من إحكام يديه حولها وهو يقول ببسمةٍ خبيثة:متقلقيش يا عمري، الموضوع عندي...صرخت بوجهه بذعرٍ:.يالهوووي هتفتح كرشي من غير بنج!.تجاهلها تماماً وهو يخرج هاتفه لينتظر قليلاً حتى استمع لصوته فقال ببسمة هادئة:أنت فين يا دوك؟.آه يعني مبعدتش يعني، طيب إرجع حالاً عشان معانا حالة مستعجلة...حاولت ان تبعد يديه عنها فصرخت بغضب بالهاتف:متجيش يا عبده، الحالة مش موافقة...أغلق عنان هاتفه ببسمة إنتصار، وهو يشير للممرضات بتجهيز الغرفة في التو والحال، سكنت حركتها مما جعله يتطلع لها في ذهولٍ، حاولت التوصل لحل يخرجها من تلك المعضلة فابتسمت بمكر وهي تتدعي الحزن قائلة:يرضيك أولد كدهون من غير حد من عيلتي يقفلي بره ويستنى بدموعه الحارقة المقلقة عليا، يعني الناس تقول أيه لما تلاقيني جاية لوحدي يقولوا ماشية في الحرام وجاية تولد العيل وتحطه قدام باب جامع!..اتسعت بسمته وهو يرد عليها:لا يرضنيش، ثانية واحدة..وجذب هاتفه ليطلب عائلتها فزف إليهم خبر ولادتها، فكانت أخر مكالمة من نصيب حماتها، فتح عنان السماعة الخارجية وهو يخبرها فقالت بسعادة:والله خبر حلو، أهو ترتاح من تغير هرموناتها الشنيعة دي...نهضت اسراء عن الفراش وهي تحاول خطف الهاتف من يديه فرفعت صوتها بضيقٍ شديد:.هرمونات مين يام هرمونات أنا عارفة إنك عايزة ابنك يولدني عشان أموت وتجوزيه لبنت أختك، دا أنتي ولية قرشانة بصحيح مش تصبري ياختي لما أمر الله ينفذ لا الشماتة عيني عينك، ناس مبقاش عندها ضمير...أشار لها عنان بالصمت وحينما فشل بذلك أغلق هاتفه سريعاً وهو يشير لها بغضب:ليلتك سودة معايا...تحملت على ذراعيه وهي تجلس على السرير الصغيرمن خلفها لتشير له ببسمة هادئة:هرمونات هرمونات...جز على أسنانه بسخرية:.ماشي كلها دقايق وهنشوف...****************ولج طبيب التخدير لغرفة العمليات بعدما أبدل ملابسه لزي طبي موحد، توجه للداخل وهو يشير بيديه للممرضة بأن تستعد بما يحتاجه، اشرأبت بعنقها وهو تسأل بضيق:جيت ليه يا عبده...انزوى حاجبيه بتعجبٍ:عبده مين يا مدام اسمي عبد الرحمن...ولج عنان للداخل هو الأخر ليضع يديه على كتفيه قائلاً بحدة:سيبك منها وركز في شغلك، جهز حقنة التخدير...أومأ برأسه ثم استدار إليها بإستغرابٍ:كلي ولا نصفي يا مدام...اشرأبت بعنقها مرة أخرى وهي تسأله برعبٍ:ودا أيه دا يا خويا عصير ولا ايه معلش أول مرة...جذب الطبيب المحقن الغليظ وهو يقربه منها بضجرٍ:عصير أيه بس يا مدام دا بنج!..مررت نظراتها على ما يحمله بذراعيه لترسم بسمة صغيرة وهي تزيح الغطاء عنها مستغلة انشغال عنان بإرتداء القفازات الطبية وزي العمليات الخاص، كادت بأن تفتح الباب لتهرول للخارج، فأشار الطبيب له قائلاً بصراخ:الحق يا دكتور المدام بتهرب...سلطت نظراته عليها، فابتسمت وهي تحمل جلباب العمليات وتعود للداخل من جديد لتتمدد مثلما كانت وهي تغطي ذاتها بالملاءة لتشير له بأصبعيها بتأكيد كون الأمور على ما يرام، اشرأبت بعنقها من جديد لترأه يرتدي مريال طويل مخيف، فقال بصعوبة بالغة بالحديث:هو انت داخل المدبح ولا أيه يا حبيبي كدا انت بتقلقني...منحها نظرة جانبية وهو يتجاهل حديثها ليستكمل إرتداء ملابسه، نظراً لدخولهم الغريب والمفاجئ لغرفة العمليات لم تستطيع الممرضة تعقيم ادوات الجراحة جيداً فكانت تعمل لجوارها بحذرٍ من أن لا ترآها، سقط المشرط ارضاً محدثاً ضجة عارمة، أشرأبت من جديد بعنقها، لتشير لها ببسمة غريبة:حوشي اللي وقع منك يا بنتي..تلاشت بسمتها تدريجياً وهي تتساءل بصدمة:دا أيه؟.أخفته الممرضة سريعاً وهي تشير له:إهدي يا مدام...نهضت عن الفراش وهي تردد:هو الحاجات دي فيها هدوء برضك..أسرع إليها عنان ليدفعها برفق للفراش فصرخت بها بعصبية:أنت مجنون دي معاها مشرط!، هتسيبهم يفتحوا بطني كدا عادي وأنت واقف، إن شالله عني ما ولدت، خرجني من هنا حالاً بدل ما أرفع عليك وعلى العيادة قضية تجارة أعضاء...صُدم عنان وهو يستمع للفضيحةٍ التي أعلنتها عنها زوجته، فمنذ أن تأسس هذا المقر وهو يعمل بصحبة زملائه لرفع السمعة الطيبة عنه وهي الآن تحدث جلبة عظيمة بغرفة العمليات، كم مقت الساعة التي تزوج بها أو بالأحرى على تصميمه بأن تلد ابنهما الأول بعيادته وعلى يديه، رغبة منه بأن يضمن لها الأمان، ولكنها الآن تثرثر بالحديث الفاضح له أمام طقم ممرضاته، تعالى صراخ اسراء وهي ترى طبيب التخدير يقترب منها ليضيف ببسمةٍ هادئة وهو يقرب منها محقنه الغليظ:.متقلقيش...تعلقت بعنق زوجها وهي تحدجه بنظرة قاتلة لتجيبه على كلماته السازجة:مخافش إزاي بخلقتك دي...ثم تطلعت لعنان الذي يغلق عينيه بتحكمٍ بثباته الإنفعالي فقالت بصراخٍ مزعج:خرجني من هنا يا عم أنا بتدلع عليك لسالي شوية وأولد...تفتت طاقته بإستحمالها، فقيدها جيداً ثم أشار بالطييب التخدير قائلاً بعصبيةٍ بالغة:إحقنها وخلصني قبل ما تفضحنا هنا..بدا إليه وكأنه يطالبه بأمراً عظيم وخاصة حينما بدأ فريق الاطباء بالإستياء منها، فتمسكت الممرضات بذراعيها، ارتعبت خوفاً فصاحت بصراخٍ عاصف:الحقوووووووووووني، يا حماااااااتي ابنك هيموتني خرجوووني من هنا وأنا هوافق إنك تجوزيه لعايدة بنت أختك...ألتفت من حولها الممرضات، فمنحتهم نظرة مرتعبة وهي تهمس بخوف:أيه؟، بتبصولي كدليه؟!..ثم نقلت نظراتها لعنان الذي يستعد للجراحة بالتعقيمات فقالت بفزعٍ وهو يقترب منها ليطهر مكان الجراحة:يعني أنت هترتاح لما تفتح كرشي، طيب هيجيلك قلب تأكل معايا ونقعد في بيت واحد إزاي!..أفتر وجهه عن بسمة شر وهو يقترب ليهمس لها بشيئاً جنوني:هيجيلي قلب ولو مسكتيش هسرق كليتك وكبدك وأتبرع بيهم لحد مريض...جحظت عينيها بصدمةٍ، فصمتت بخوفٍ وهي تتلقى حقنة المخدر، أشرأبت من جديد لتتطلع لقدميها، فحاولت قدر الإمكان ان تحرك احداهما، شعرت بتثاقل بكلتاهما فقالت وهي تشير بخوف:رجلي!..إقترب عنان منها وهو يضع رأسها على السرير قائلاً بتذمر:عارف...تمددت من جديد والخوف من القادم قد تمكن منها للغاية، أشفق عليها أخيراً، فمسد بيديه على وجهها، ثم طبع قبلة على جبينها هامساً برفقٍ:متخافيش مش هتحسي بحاجة...حدجته بنظرةٍ شك فكيف سيفتح جزء من جسدها ولم يطوفها الألم، طمنها بضغط يديه على يدها ثم عاد ليبدأ عمله، إهتز جسدها بعنفٍ فقالت بصعوبة بالحديث:هو في أيه يا جدعان..ثم إشرابت بعنقها من جديد، لتجحظ عينيها بصدمة مما رأته، فعادت لتستلقى من جديد وهي تصرخ بخوف:يخربيتكم انتوا لابسين كمامات ليه، عندكم كورونا وهتفتحوا كرشي!..تجاهلها عنان وهو يستكمل مهامه، بل أرادها أن تلتهي بالحديث حتى لا ترآه وهو يقتحم بطنها بأداته الحادة، سرى المخدر بالجزء الاعلى من جسدها فقالت بتذمر:عنااااان مش عارفة أحرك أيدي يلا عملت فيا أيه يخربيت أمك...ثم قالت وعينيها تبرق بصدمة وهو ينتشل الجنين ليناوله للممرضات اللاتي قمن بعملهم:.أنتوا خدتوا أيه وطلعتوا تجروا!، ادتهم كليتي يا جزمة أنت جالك قلب يا جاحد تشيل أعضائي وتديها للبت أم فلونكة دي جالك قلب!..رفع عينيه بصدمة تجاه الممرضات اللاتي يبتسمن بالخفاء على نعته بألفاظٍ هكذا، ود لو بتر لسانها ليخلص منها ولكنه تماسك لإنقاذ صغيره من بطش تلك المجنونة، قالت بضيق:.ياض رد عليا اللي بيحصلي دا عادي ولا هموت وأمك تفرح وأنت تتجوز المزة اللي بتحلم بيها، بالك أنت عايدة بنت خالتك دي حتة ميكروباص مالوش موقف، معرفش امك شايفها مناسبة ليك إزاي دي لو قعدت على دراعك مش هتلاقيه، أياكش تعرف قيمة السمبتيك اللي أنت متجوزها...تعالت ضحكات الممرضات، فإقترب عنان منها وهو يشير لها بغضب:كلمة زيادة وهنتشل قلبك من مكانه وأبقى فرجيني على المزة لما الروح تطلع للي خلقها...أسبلت بنظراتها تجاهه وهي تضيف بضيق:وهيجيلك قلب تقتل مرأتك أم عيالك!، طيب هتقولهم أيه قتلت أمكم عشان أتجوز عايدة وأجبلكم مرات أب...اغلق عينيه بنفاذ صبر وهو يردد بهمس:يارب الرحمة من عندك يا كبير، أقتلها وأفقد ضميري المهني ولا أعمل أيه بالظبط...رفعت صوتها بغضب:.سمعتك على فكرة والله يا عنان لو فكرت بس تسرق اي حاجة من أعضائي إن شالله بس المرارة لأنا قابلة لأصحابك الكومن دول الرقم السري لحسابك في البنك وهقول كمان على آآ...بترت كلماتها حينما كمم فمها بيديه وهو يبتسم لمن حوله ليتمتم بصدمة متناسياً الدماء العالقة بيديه:أيه يا حبيبتي الجنان دا حساب أيه بس أنتِ خرفتي من البنج ولا ايه..أشرأبت بعنقها وهي ترى نصف وجهها لتميل بدوارٍ حاد وهي تهمس بصوتٍ منخفض:.أيه دا دم!..************مرت دقائق مبسطة فقدت فيهما إسراء الوعي، ثم عادت لتستفيق من جديد هامسة بصوتها الخافت:قتلتني وارتحت يا عنان أياكش تكون فاكر إني هسيبك، ورحمة أبوك الغالي لأتحول لشبح او روح شريرة أيهما يليق بيا وأسوح عيشتك انت وأمك و عايدة...زفر بنفاذ صبر، وهو يدعو الله أن تنتهي تلك المهامة على خير، فتحت عينيها بوضوح، لترفع رأسها مقابله فقالت بضيق: .أيه دا أنت لسه مخلصتش، تلاقيك بتتصرمح مع الممرضات وسايب كرشي مفتوح للي يسوى واللي ما يسواش..إقتربت منه أحدى الممرضات لتزيل حبات العرق على جبينه قبل ان تتساقط على الجرح الذي يضمه ببراعةٍ، لوت شفتيها بسخطٍ:بتقربي منه ليه كدا ياختي اشحال مكنتش المدام وشايفة كل حاجة بعيني، بتشيلي العرق بمنديلك ياختي على كرمك ورقتك...تطلعت الممرضة لعنان فقال بصوت مهتز وكأنه على وشك فقدان الوعي لما تعرض له من مجهود بدني ونفسي:معلشي حقك عليا..ثم استدار اليهم جميعاً وهو يهدر بآسف:حقكم عليا كلكم يا جماعة...تطلعت اسراء للجميع وهي ترد عليه في ذهول:حقكم عليا!، نهارك اسود لهو أنت غلطت مع كام واحدة يلا!..صداع رأسه هاجمها بشراسةٍ، ضغط على شفتيه بقوةٍ وهو يحارب ذاته بالا يقترف جرماً فاضح بحق مهنته، وقعت نظراته على قناع الاكسجين المجاور له فلمعت عينيه وهو يجذبه ليقربه منها بخبثٍ وهو يتطلع للشاشة الصغيرة من أمامه:أيه دا؟!.اشرأبت بعنقها وهي تتطلع لما ينظر اليه بعدم فهم:أيه يا ابني متقلقنيش على نفسي الله يكرمك..قال وهو يشير للممرضة التي غمز لها بمكر:حالتها صعبة اوي، لازم تتحط على الأكسجين بسرعة..ولف القناع حول وجهها، فرفعت يدها لتزيحه ليشير لها بتحذيرٍ:أوعي تموتي على طووول، ولو اتكلمتي الاكسجين يدخل بوقك وساعتها هيخيش على الرئة ومنقدرش ننقذك ويكون قدرك وأخرتك السودة وهنا وراحة لبقية عمري!..أشارت له بأصبعيها وكأنها تحاول قول أمراً ما فأشار لها على الجهاز لتصمت بخوفاً بعد سماع الجزء الأخير المتعلق بها، ابتسم بفرحة وهو يتمتع ببعض الهدوء وإن كان لبعض الوقت، فعاد ليستكمل عمله بسعادة بدت بأنها ستدوم طويلاً ولكنها كانت مؤقتة!..