رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر
قال أنور بحيرة: -تصدق لغاية دلوقت أنا مش فاهمك، بقى مرتضى إبن الشيخ سالم الفيومى، اللى كل البنات بتترمى تحت رجليه، يبقى في الحالة اللى أنا شايفها دى عشان حتة بت متساو... قاطعه مرتضى وهو يمسكه من تلابيب عنقه، قائلا بغضب: -لو سمعتك جايب سيرتها بكلمة وحشة هخلى راسك في حتة وجتتك في حتة تانية خالص مفهوم؟ ظهر الرعب على وجه أنور وهو يقول: -مفهوم ياسيد الناس، مفهوم. تركه مرتضى وهو يعتدل قائلا:.
-أصلك عبيط ومتفهمش في النسوان، هاجر دى حاجة تانية، مش بس بنت حلوة، لأ، دى أحلى من الحلاوة نفسها، و كمان شخصيتها تبهرك، تهزك من جوة، حاجة كدة ممرتش علية خالص، كان نفسى تكون من نصيبى، بس... وصمت مرتضى، ليقول أنور يستحثه على الحديث: -بس إيه؟ قال مرتضى بغل: -ما إنت شفت بعنيك، طلعت مخطوبة لزفت الطين اللى إسمه حسن. ظهر التفكير على وجه أنور قبل أن تلمع عيناه قائلا: -طب ما دى بسيطة وفي إيدينا ياسيد الناس.
رمقه مرتضى قائلا بسخرية: -هي إيه اللى بسيطة يابغل إنت؟ قال أنور بحنق: -بس متقلش بغل، إبتسم مرتضى بسخرية، ليتمالك أنور نفسه وهو يرى في فكرته مالا كثيرا سيكسبه من هذا المرتضى الذي يعيش في ظل خيره منذ زمن طويل، ولكنه سأم الذل والهوان، و إن نجحت فكرته، سيكون هو سيد نفسه، لذا نظر في عيون مرتضى قائلا بخبث: -نفسخ الخطوبة ونجبر السنيورة تتجوزك. إختفت إبتسامة مرتضى الساخرة على الفور ونظر إليه قائلا بلهفة:.
-ودى نعملها إزاي؟ قال أنور وهو يتراجع بظهره إلى كرسيه قائلا: -في دماغى فكرة لو نفذناها، هتنول مرادك ياسيد الناس، بس الفكرة دى هتكلفك كتير. قال مرتضى بسرعة: -تتكلف أد ما تتكلف، انشالله أبيع ورثى من أمى، المهم تكون من نصيبى. إبتسم أنور بإنتصار وهو يميل على الطاولة مقتربا من مرتضى قائلا بنظرات شيطانية: -يبقى نخطفها ياكبير. لتتسع عيون مرتضى، في صدمة.
الأب هو من يحمل همك ويسند ظهرك ويكون لك أمانا مطلقا، يمهد لك الطريق ويحميك من العثرات، تثق تماما بأنك معه لن تضيع ولن يصيبك مكروه. فإن غاب الأب، كان الأخ عوضا عنه، خاصة إذا كان جبلا شامخا فكن متأكدا من أنك معه قد تستطيع أن تواجه أعتى الرياح، ولن تنكسر، وإن كسرت، كن على ثقة بأنه سيجبر كسرك.
كان حسن يتابع تلك المباراة الرياضية على التلفاز حين أحرز ناديه هدفا، لينظر إلى مجد يكاد أن يصيح في سعادة، ولكن مالبثت إبتسامته أن خبت، وهو يرى شرود أخاه الحزين، ناداه فلم يستجب لنداءه، ليربت على يده قائلا في حيرة: -مجد. أفاق مجد من شروده قائلا: -أيوة ياحسن، فيه حاجة؟ قال حسن وهو يجلس بجانبه معتدلا، يواجه أخاه قائلا: -لأ، بالشكل ده فيه حاجات، مالك، سرحان في إيه مزعلك بالشكل ده؟ زفر مجد قائلا:.
-أنا مش زعلان، بس قلقان. قال حسن: -من ايه بس؟ قال مجد: -قلقان على إخواتك البنات. قال حسن في حيرة: -مالهم، أنا لسة مكلم سمر النهاردة وكانت كويسة، وسماح مكلمها من يومين وكانت برده كويسة، هي صحيح مردتش علية النهاردة ودى غريبة بس، ليعقد حاجبيه مستطردا في توجس: -تكون سماح حصل معاها حاجة، حسام ضايقها مثلا؟ تنهد مجد قائلا:.
-الظاهر كدة، حسيت من صوتها وقلق مراد عليها، بس انت عارف أختك مش هتحكى حاجة، طول عمرها بتشيل همومها جواها وتحاول تبان أدام الكل سعيدة ومبسوطة، بس صوتها وعينيها دايما بيكشفوها، صوتها في العادى بيبقى مليان بالفرحة، بالحياة، وعيونها بيضحكوا لكن لما بتحزن، صوتها بيهدى وعيونها بتنطفى، والنهاردة كان صوتها مفيهوش نبض، ده غير ان مراد قاللى ان باباه مسافر وانت عارف حسام لما بيسافر اختك مبتطيقش البيت، وبتنزل تقعد معانا، لكن لما كلمتها كانت في اوضة نومها، سماح اللى بتقوم من النوم الفجر، نايمة في سريرها لغاية العصر، وبتقول عندها برد، تخيل؟بس لما حاصرتها قالتلى انها متضايقة بس منه لإنه وعدها يتفرغ لهم وموفاش بوعده.
قال حسن بتفكير: -غريب فعلا الكلام اللى بتقوله ده، فيه حاجة متطمنش، مش سماح اللى تزعل من حسام وتبقى حالتها كدة بسبب تافه زي ده، أقولك، إحنا نروح القاهرة نطمن عليهم ونرجع. قال مجد: -إزاي؟ طب والبنات، أخاف نسافر، حد يضايقهم. عقد حسن حاجبيه بقسوة قائلا: -قصدك مرتضى؟ هز مجد رأسه بتأكيد دون أن ينطق، ليقول حسن مستطردا في صرامة:.
-يبقى تنزل إنت القاهرة تطمن على إخواتنا، وترجع، أما البنات فإطمن انا هكون موجود، ولو حد بس فكر يقربلهم، هيلاقينى ليه بالمرصاد. نظر مجد إلى حسن للحظات قبل أن يومئ برأسه وقد إقتنع أن هذا هو الحل السليم، سيسلم غدا بعض القضايا لزملاءه في المكتب، ويسافر على الفور، فقلقه على أخواته البنات يقض مضجعه، يشعر بأنهما في محنة، تحتاجان إليه، ولا يدرى، كم كان صائبا.
إنتفض مرتضى واقفا وهو يقول بصدمة: -كلام إيه اللى بتقوله ده يازفت إنت، إنت عايز تودينى في داهية؟ قال انور وهو يتلفت يمينا وشمالا: -أقعد بس وإسمع كلامى وإن معجبكش يبقى خلاص، كإنى مقلتش حاجة. جلس مرتضى قائلا في حنق: -وآدى قعدة، قول يامصيبة. قال أنور: -إيه اللى ممكن يخلى راجل يسيب خطيبته؟ قال مرتضى بسخرية: -إيه ياعبقرى زمانك؟ إبتسم أنور بخبث قائلا:.
-إنها تتمس من راجل تانى، بإرادتها بقى أو غصب عنها، مبتفرقش كتير، وإحنا هنخلى حسن يسيب السنيورة، وهنخلى أهلها كمان يترجوك عشان تتجوزها وتستر عليها. فهم مرتضى مايرمى إليه أنور ليقول بقلق: -أيوة بس انا كدة ممكن أروح في داهية، لو قالت إنى انا اللى عملت العملة السودة دى. أشعل أنور سيجارة محشوة بهذا السم الذي يذهب العقل وهو يأخذ منها نفسا عميقا، ثم يطلق دخانها، يناولها إلى مرتضى قائلا:.
-وهي بس هتعرف منين؟إحنا هنخطفها وناخدها على مكان متطرف وهناك نخدرها، تاخد مزاجك منها، وتسيبها ترجع بطريقتها، وساعتها بقى خطيبها اللى هي فرحانة بيه ده هيسيبها، أما إنت فهتكون الفارس، الرجل الأصيل اللى هيستر عليها، ده لو يعنى كنت لسة عايزها، رضت بيك، كان بها، مرضتش، تبقى خدت غرضك منها وشفيت غليلك من حسن.
أخذ مرتضى نفسا عميقا من سيجارته وهو يفكر في كلمات انور الشيطانية، تتراءى له هاجر في صور جعلت قلبه يدق بشدة، تعرق جبينه وثقلت أنفاسه وقد بدأت تلك الخطة تروق له، ربما هي ليست فكرة سيئة على أية حال، لا، بل هي فكرة رائعة بالفعل، سينالها ثم يتزوجها، أم لن يفعل.
هي ونصيبها، ثم إنها المذنبة، هي من فعلت ذلك بنفسها، لقد أرادها في الحلال ولكن صدها له أحبطه، إذا هي التي جنت على نفسها، هكذا صور له عقله المريض الذي تسلل إليه هذا المخدر اللعين تزامنا مع كلمات الشيطان الذي يرافقه، شيطان الإنس الذي يشبه شيطان الجن، لا فرق بينهما، لقد عرضا عليه سويا تلك الخطة الحقيرة، فسولت له نفسه الدنيئة القيام بها، وليرى مستقبلا، مصير من يتبع الشيطان.
حين تحب إسأل نفسك، ماذا قدمت لمحبوبتك؟إن كانت التعاسة هي الإجابة، فقد أخفقت في أن تكون العاشق الذي تستحقه تلك المحبوبة، لذا فلترحل وإتركها لمن يستحق. كانت تتظاهر بالنوم تبغى هروبا من واقعها المؤلم، ونبضات عشق تخبو في صدرها، تناضل من أجل الحياة تصارع من أجل إستعادة أنفاسها المهدرة، دون فائدة.
حين تناهى إلى مسامعها صوت الباب يفتح بهدوء، عرفته من خطواته التي تحفظها عن ظهر قلب وعطره الذي يسبقه، شعرت في قلبها بلهفة إمتزجت بغصة، فالحبيب قد عاد ولكن في عودته مرارة الذكرى، حاولت أن تتمالك نفسها كي لا تستقبله كما إعتادت، فالجرح مازال غائرا، وما فعله بها لم تنساه بعد.
شعرت به يتسلل إلى فراشها، يتأملها للحظات كالدهر، حاولت تنظيم أنفاسها قدر الإمكان، وجدته يتمدد بجوارها، يمد يده ليسحبها إلى حضنه، يمرغ وجهه في عنقها، يأخذ نفسا عميقا مشتاقا لنفحاتها العطرة، كادت أن تنتفض مبتعدة، ولكن جسدها الخائن لم يصغى اليها، بل إستكان بين ذراعيه، لتصلها همسته التي شعرت بها تقطر ندما وهو يقول: -سامحينى. فتحت عينيها تتسلل نبراته إلى وجدانها تجبرها مجددا، على الغفران.
وقفت تهانى تزفر في حنق وقد ملت من البحث دون جدوى، فلقد إختارت النوبة الليلية فقط لكي تستطيع البحث في حجرة الطبيب هادى، تبحث عن أي شئ قد تستطيع أن تؤذى به سمر، تلك المغرورة التي تنوى ان تمرغ انفها بالوحل عاجلا كان أم آجلا، ولكنها حتى الآن لم تعثر على أي شئ قد يؤذيها، ظلت قرابة الساعتان تقلب تلك الحجرة رأسا على عقب ولا شئ حتى الآن.
نظرت إلى المكتب مجددا ثم إتجهت إليه، تبحث في أدراجه عن أي شئ قد يفيدها ولكنها لم تجد شيئا، ليصيبها الحنق وهي تسحب هذا الدرج الأخير بعصبية، فخرج من المكتب واقعا على الأرض، لتنقلب محتوياته جميعها، زفرت بقوة وهي تجلس بركبتيها على الأرضية الخشنة، تلملم محتويات الدرج وتضعهم به ثم تحمله لتضعه في مكانه، إصطدمت يدها بشئ ما، فرفعت الدرج تنظر إلى أسفله، لتلتمع عيناها في أمل وهي ترى ذلك المظروف الملتصق بأسفل الدرج، أسندت الدرج على المكتب بيد ثم نزعت المظروف باليد الأخرى، قبل أن تضع الدرج بأكمله على سطح المكتب، ثم تفتح المظروف بلهفة، لترى محتوياته التي جعلت عيونها تلمع بإنتصار، ترتسم على شفتيها إبتسامة شيطانية.
إستيقظ يشعر بالفراغ بجانبه، ليعقد حاجبيه وهو يفتح عيناه يلاحظ غيابها، ترى هل إستيقظت فوجدت نفسها في أحضانه، فإبتعدت نافرة منه؟هل هي الآن بالخارج تبكى، لقد لاحظ عيونها المتورمة بالأمس، ولاحظ ان جسدها أصبح هزيل بعض الشئ، تبا له ولأفعاله الحمقاء التي تصيبها بالحزن، وتبا لعقل لا يفكر في تبعات تصرفاته عليها، نهض من الفراش، يخرج من الغرفة باحثا عنها، لتقع عيناه عليها وهي تحضر بعض الاطباق، توقفت للحظة تتطلع إليه قبل أن تكمل طريقها بإتجاه الطاولة التي يجلس عليها مراد، إقترب بدوره منهما، قبل أن يقول بتردد:.
-صباح الخير. لم يجبه مراد بينما قالت سماح بهدوء: -صباح النور. نهض مراد لتقول سماح بدهشة: -رايح فين يامراد؟ نظر إليها قائلا بثبات: -شبعت، هاخد الشنطة وأنزل عشان متأخرش عن الباص. ليبتعد قليلا قبل أن يستوقفه حسام قائلا: -مراد، مش هتسلم علية قبل ما تنزل زي عوايدك. قال مراد دون أن يلتفت: -للأسف، محدش بيفضل محافظ على اللى إتعود عليه، ولا حد بيفضل على حاله.
ثم حمل حقيبته وإتجه إلى الخارج بهدوء، ليلتفت حسام إلى سماح قائلا بحنق: -شايفة الولد ياسماح؟بيعاقبنى. رمقته سماح بهدوء قائلة: -قدر يعمل اللى مقدرتش أنا أعمله ياحسام. أصابه الإضطراب ليقول بتوتر: -أنا مش عارف، قصدى يعنى آسف على اللى حصل منى، صدقينى كان غصب عني، أول وآخر مرة تتمد إيدى... قاطعته قائلة بعيون غشيتها الدموع قائلة:.
-متأكدة إنك مكنتش تقصد ومتأكدة كمان إنه كان غصب عنك وإنك مش هتكررها، لولا كدة مكنتش سامحتك ياحسام. نهض يقترب منها بسرعة يركع على ركبتيه بجوارها، يمسك بيديها بين يديه قائلا بلهفة: -بجد ياسماح، بجد سامحتينى من قلبك؟ومش هتسيبينى؟ أومأت برأسها ودموعها تتساقط على وجنتيها لينهض بسرعة ينهضها معه آخذا إياها في حضنه قائلا بإمتنان: -أنا مش عارف أقولك إيه، بس صدقينى انا بحبك وعمرى ما هخليكى تندمى على قرارك ده.
إستسلمت سماح لعناقه وهي تغمض عينيها قائلة بدون صوت ولكنه إبتهال صامت تردد بداخلها: -ياريت ياحسام، ياريت متخلنيش أندم على إنى سامحتك وقررت أكمل معاك.
قال رائف بحدة: -ما هو ما ينفعش كدة يابيرى، أنا مش فاضى كل شوية أسيب كل الشغل اللى في إيدى وأجيلك، دى رابع مربية أطفال اجيبها وتطفشيها، وأنا مبقتش قادر أستحمل تصرفاتك دى.
غشيت عيون بيرى الدموع قبل أن تطرق بحزن، زفر رائف بقوة وقد أصابته غصة في قلبه، فأكثر ما يكره أن يرى هو دموع صادقة الحزن في عيون أنثى خاصة إن كانت تلك العيون لمدللته الصغيرة، طفلته التي لا يبغى في الحياة شيئا سوى سعادتها، يتيمة الأم نعم، ولكنها تحظى به، وكفى به حضنا يضمها ويبعد عن قلبها الحزن للأبد،.
لذا فقد إقترب منها بهدوء، قبل أن يجلس على ركبتيه أمامها ليصبح في محازاتها يمد يده ليرفع ذقنها فتواجهه عيونها المغروقة بالدموع، مسح دموعها بيده في حنان قائلا: -أنا آسف إنى إتعصبت عليكى وآسف إنى زعقتلك، بس أنا بخاف عليكى يابيرى، ومش هينفع آخدك معايا الشغل، المربية هتاخد بالها منك طول ما أنا مشغول. قالت بيرى بصوت متهدج: -خلينى أروح عند طنط ماجى وجيسى، خلينى أفضل معاهم علطول. قال رائف:.
-مش هينفع ياحبيبتى، إنتى بتروحيلهم كتير يابيرى بس لازم تفهمى إن طنط ماجى مش هتكون فاضيالك علطول وبعدين كفاية عليها تاخد بالها من جيسى، مش هينفع نزود عليها بأميرة قلبى كمان. قالت بيرى: -طب ليه ميبقاليش ماما زي طنط ماجى يابابى؟ أصاب رائف الإضطراب وهو لايدرى بما يجيبها، ليقول بإرتباك: -عشان، عشان انا بحبك اوى، وانتى ساكنة كل قلبى ومش مستعد ييجى اي حد وياخد حتة من قلبى ويشاركك فيه ياحبيبتى.
عقدت بيرى حاجبيها في تركيز وكأنها تزن الكلام في رأسها، بدت شبيهة به بشكل كبير، رائعة كما يجب ان تكون، كاد أن يبتسم ويحتضنها بحب كبير، ولكن استوقفته كلماتها وهي تقول بهدوء: -إنت صح يابابى، وأنا خلاص فهمت، ومش هطفش النانى تانى، بس لو سمحت إختارها المرة دى كويس، وقولها إنها جاية عشانى أنا، مش عشانك انت، أوكيه.
نظر إليها بدهشة دامت للحظة قبل أن ينفجر ضاحكا، ثم آخذا إياها بين ذراعيه، يحتضنها بحب، يقربها إلى قلبه الذي يمتلئ عشقا لها.
كانت تجلس في هدوء لتغمض عينيها وقد تراءت لها فجأة ذكرى أخرى من حياتها الماضية،.
في تلك الذكرى كانت تجلس في شقتها القديمة، على سريرها، وحيدة كعادتها في تلك الفترة الأخيرة، تفكر، فقد إنشغل زوجها عنها بعمله كالعادة حتى أنه عاد ليأخذ بعض الأوراق الخاصة بعمله ثم ذهب، دون أن يلاحظ أنها مريضة للغاية، تشعر بمغص شديد بجانبها الأيمن، وحرارتها في إرتفاع متزايد، أغمضت عينيها بألم وقد عاد الوجع من جديد، بعد أن زال مفعول المسكن، تأوهت بقوة تشعر بأنها على وشك الإغماء، لتدرك ان الأمر خطيرا للغاية، لذا ودون تردد، أمسكت هاتفها، فلم تتصل بزوجها، وإنما بحثت عن إسم آخر، هاهو يتراءى لها في تلك الذكرى الحية، عقدت حاجبيها بقوة وإسمها يتراءى لها على شاشة الهاتف...
إختفت الذكرى، ففتحت عينيها بقوة، تتساءل في صدمة، إن كانت مريضة للغاية هكذا، لما لم تتصل بزوجها؟هل لإدراكها أنه لن ينجدها؟او ربما لن يجيب عن إتصالاتها كما أيقنت من سر فعلتها تلك، لابد وأن وجعها هذا كان بسبب الزائدة الدودية وهذا يفسر أثر الجرح في جانبها الأيمن، إنتابها الحيرة تتساءل، لماذا كانت تتصل برقمها هي في هذا الوقت العصيب، لماذا كانت تتصل بسمر وهي على وشك الموت؟زفرت بقوة وصداعها يعاودها، تنتوى أن تحادث الطبيب هادى ما إن يزول هذا الصداع البغيض، أعلن هاتفها عن وصول رسالة، وجدت نفسها تسرع بفتحها، ليتوقف إصبعها قبل أن يمس الشاشة، وهي تتعجب من نفسها، هل باتت تنتظر رسائل هذا المجهول الآن؟وماذا عن مجد؟بماذا تفسر شعورها نحوه، أغمضت عيناها بألم، كم باتت تكره نفسها الآن، تلك النفس المضطربة، التي تتعلق برسائل تبثها بعض الاهتمام والمشاعر، وتتعلق بنظرات رجل لا يمت إليها بصلة ولكنه يمنحها شعور رائع بالأمان، ربما تبحث في كل هذا عن شعور إفتقدته في حياتها الماضية، نعم هذا ما تؤمن به، تماما.
فتحت عيناها مجددا وصوت رسالة أخرى تعلن عن وصولها إلى هاتفها، لتحزم أمرها وهي تمد يدها تفتح الرسائل، لتتأكد من أن صاحب الرسالتين هو هذا المعجب المجهول، كان يقول في الرسالة الأولى.
الحياة أقصر من أن نضيعها هباء، ننشغل عن أحبتنا بسعينا الأبدي نحو المال، الحياة زائلة إن ظننا أننا خالدون فخسارتنا أكبر دليل على كذب ظننا، في سعيي نحو تحقيق أهدافى إكتشفت أن الحياة حقا في إبتسامة نرسمها بقلب روح سكنت روحنا، وأن الحياة دائرة، بدايتها أنت ونهايتها أنت، أبتهل إلى الله أن لا يكون إكتشافى هذا بعد فوات الأوان ز ا م.
إبتسمت رغما عنها، فقد وصفها بروح تسكن روحه، ثم عمق وصفه ليجعلها بداية الحياة وآخرها، كم دللها في تلك الرسالة، جرت عيونها على رسالته الثانية تبغى المزيد، تلك الرسالة التي تقول كلماتها في جوف الليل، حين يستبد بك الخوف، فقط فكرى بشخص لا رغبة له في الحياة سوى ان يضمك ويمنحك الطمأنينة. في لحظات حنقك، حين تعصف بك أمواج الغضب العاتية، فقط فكرى بشخص جل غايته أن يضمك ويأخذ منك غضبك بعيدا.
في لحظات حزنك، حين يغمرك الشجن، والحنين، فقط فكرى بشخص أمنيته الوحيدة ان يضمك ويمنحك السكينة وفي لحظات فرحك، حين تهللين من السعادة، فقط فكرى بشخص يرغب بكل ذرة في كيانه أن يشاركك مرحك ويبارك طفوليتك البريئة في كل لحظاتك، فكرى بى، فأنا هذا الشخص الذي يحبك، بكل ذرة في وجدانه. ز ا م.
مست قلبها كلمات رسالته، غمرتها براحة غريبة، وكأن كاتبها يدرك أنها تحتاج إلى تلك الكلمات التي ترفق بقلب أنهكته الوحدة، قلب يريد الإهتمام، حتى وإن لم تمنحه هي أي شئ في المقابل، سيظل يساندها، بدعمه الروحي، بكلماته التي تشعر مجددا بصدقها، باتت توقن من أنه شخص تعرفه من حياتها الماضية، ربما كان زوجها، لا لم يكن زوجها، فزوجها كما تتذكره لم يكن بذلك الحنان ولم يكن بتلك الرومانسية، ربما إشتركا في شيئ واحد، كلاهما طيف بلا ملامح، لا يهم، أيا كان هذا الشخص، ففى لحظات وحدتها الآن، هي تفكر فيه حقا، وتفكر في شخص آخر، مجد.