نظرت رهف الى نضال بخيبة أمل قائلة: أنا عرفت دلوقتى ليه اتجوزتنى؟، تعرف؟ مش انت لوحدك الغلطان في حكايتنا دى، الغلط كان منى أنا، أنا من الأول اللى قبلت بوضع مكنش ينفع أقبل بيه، وانا دلوقتى اللى هصلح غلطتى دى عقد حاجبيه قائلا في سخرية: ازاى بقى؟ نهضت ناظرة اليه ببرود قائلة: طلقنى أحس بوجع في قلبه ولكنه أخفى وجعه وهو يرفع حاجبه الأيسر بسخرية قائلا: اعمل ايه ياحلوة؟ نظرت اليه مكررة كلمتها في هدوء:.
طلقنى يانضال، وكل واحد يروح لحاله نظر اليها يقاوم مشاعر الفقد والوحشة والالم الذين اعتروا قلبه، ليقول بهدوء: هيحصل يارهف متقلقيش، بعد اللى شفته انهاردة، اتفاقنا اتلغى خلاص، هطلقك بس بعد ما اخلص الصفقة اللى في ايدى، انا مش عايز شوشرة دلوقتى تأثر عليها ابتسمت بسخرية قائلة: طبعا، نضال الجبالى هيفضل نضال الجبالى، كل اللى يهمه الشغل وبس ومفيش مكان في قلبه للمشاعر قال في برود: كويس انك عارفة.
رن هاتفها فلم تعيره انتباه ليعيد الرنين مرة أخرى فنظرت اليه في ضيق لتجده رقم والدتها، أعطته ظهرها لتجيب الهاتف قائلة: ألو عرف نضال ان والدتها من تتحدث من ملامح رهف عندما رأت رقمها فكاد ان يغادر الحجرة لولا سماعه لصرختها وهي تقول بفزع: ماما.
أسرعت رهف داخل أروقة المستشفى يتبعها نضال والتى لا تدرى لم أصر أن يرافقها الى المستشفى، فهو يكره والدتها التى أخبروها انها سقطت مغشيا عليها وانها تحتاج الان الى اجراء العملية على الفور، وهي الآن تحت أيدى طبيبها تخضع لعملية دقيقة في القلب، وصلوا الى حجرة العمليات، تطلعت رهف الى ذلك النور الأحمر الذي يعلو بابها في قلق، قلبها يكاد يتوقف من الخوف، تخاف الفراق عن أمها، الانسانة الوحيدة بالدنيا التى أحبتها بصدق والتى لم تبخل عليها بمشاعرها وحنانها، لايمكن ان تكون أمها بذلك السوء كما يقول عنها نضال، لا يمكن، نزلت دموعها وهي تقول بهمس مرير:.
ابوس ايديكى ياماما متسيبينيش، انا ماليش حد غيرك، لو جرالك حاجة مش هعيش من بعدك.
انهارت بالبكاء ولم تعد قدماها تحملها، كادت ان تسقط فأسرع نضال اليها يسندها وهو يحس بروحه تتألم مثلما تتألم هي، استندت اليه بضعف فأحاطها بحنان لتبكى وتبكى، ضمها اليه وهو يربت على ظهرها حتى بدأت شهقاتها تخف ودموعها تتوقف لتدرك أين هي، في أحضان حبيبها القاسى لتبتعد بارتباك حين فتح باب حجرة العمليات ليخرج الطبيب، اقترب نضال منه قائلا: طمنا ياابراهيم، مدام سهام أخبارها ايه؟
نظر الطبيب الى نضال بدهشة قائلا: نضال، انت تعرف مدام سهام؟ قال نضال: تبقى حماتى ظهرت الصدمة على وجه الطبيب ليقول: انت اتجوزت؟، الف مبروك يانضال، طب كنت قلتلنا، ده احنا اصحاب من زمان قالت رهف بعصبية: احنا في ايه ولا في ايه دلوقتى، ما تطمنى يادكتور على ماما قال نضال باعتذار: معلش ياابراهيم انت عارف غلاوة مامة رهف عندها تنحنح الطبيب قائلا:.
احم، أيوة طبعا، العملية الحمد لله نجحت، والنتيجة أحسن كمان من توقعاتنا، هي بس هتفضل تحت الملاحظة في العناية المركزة، لغاية ما نتأكد ان كل شئ تمام زفرت رهف بارتياح ولسانها يتمتم بحمد الله، في حين توجه ابراهيم بالحديث الى نضال قائلا: بالمناسبة، مدام سهام كانت عند والدك لما جتلها الأزمة نظر نضال الى رهف التى اصابتها الدهشة بينما استطرد ابراهيم قائلا:.
المفاجأة بقى ان والدك علاماته الحيوية فجأة اتنشطت وفاق من الغيبوبة وانا سبته مع الدكتور فريد بيفحصه قبل ما أدخل العمليات جاء الدور على نضال ليصاب بالصدمة قائلا: يعنى بابا فاق؟ ابتسم ابراهيم قائلا: أكيد، وأكيد الدكتور فريد اتصل بيك عشان يبلغك تحسس نضال هاتفه في جيبه فأخرجه ليجد بالفعل مكالمات واردة كثيرة من الطبيب فريد ولكن هاتفه كان صامتا فلم يسمعه، قال نضال بلهفة:.
انا مش عارف اشكرك ازاى ياابراهيم على الاخبار الحلوة دى ابتسم ابراهيم وهو يربت على كتف نضال قائلا: روح شوفه واطمن عليه يانضال، وانا هخلص متابعة للحالات واحصلك، باباك أبونا كلنا، ربنا يخليهولنا يارب نظر اليه نضال بامتنان فغادر الطبيب، وسط دهشة رهف لما تسمعه، كاد نضال ان يذهب ولكنه بدا مترددا وهو يقترب منها قائلا: تحبى تيجى معايا؟
اتسعت عينيها دهشة لطلبه الغريب، لم تعد تفهمه على الاطلاق، في لحظة يهينها ويشكك في أخلاقها وفي لحظة أخرى ينسى كل ذلك و يقف بجوارها ولا يتركها في محنتها، ثم فجأة تراه كالطفل الصغير يحتاج لمساندتها وتعاطفها، نظرت الى غرفة العمليات بتردد قائلة: بس ماما... قاطعها قائلا وهو يمسك بيدها: انتى سمعتى الدكتور وهو بيطمنك على حالتها، وعلى ما تخرج ويدخلوها العناية المركزة هنكون رجعنا.
نظرت الى يده المتمسكة بيدها فرق قلبها الذي ينبض عشقا له لتومئ برأسها موافقة، اتجها سويا الى حجرة والده وما ان دلفوها حتى توقف نضال كالتمثال وهو ينظر الى والده الذي بادله نظرته المشتاقة، نظرت رهف الى الدموع التى ترقرقت في العيون لتدرك كمية الحب المتبادل بين الأب وابنه، ظلوا هكذا لثوان وكأن كل منهم لا يصدق انه يرى الآخر معافى، حتى قال رفعت بضعف: نضال.
ترك نضال يدها ليتجه الى والده ويضمه برفق حان وهو يقول: وحشتنى يابابا، وحشتنى ضحكتك، ووحشنى كلامك لية ربت رفعت على ظهره قائلا بحنان: انت كمان وحشتنى يانضال ووحشونى اخواتك كمان ثم ابتعد عنه وهو يضم وجهه بيده قائلا وهو يشير بعينيه لتشوه وجهه: ده من الحادثة؟ اومأ نضال برأسه فاستطرد رفعت قائلا: وليه لغاية دلوقتى معملتش حاجة للموضوع ده؟ نكس نضال وجهه وهو يقول بخزى:.
اللى حصلى ده كان جزائى عشان كنت هضيعك منى يابابا رفع رفعت وجه نضال بيده في حنان قائلا: كل شئ قسمة ونصيب يانضال، متحملش نفسك فوق طاقتها ياابنى.
ترقرقت عينا رهف بالدموع وهي تشاهد زوجها وحبيبها بهذا الضعف، نعم حبيبها، فقد أدركت انه مهما فعل بها هي لا تستطيع ان تكرهه، هي تعشقه وفي لحظة ضعفها عرف جسدها قبل عقلها وقلبها ان ملجأها هو حضنه وفي حضنه فقط تجد موطنها، ربما أدركت الأن فقط ان ما فعله معها هو انتقام حب، انتقام لرجل هو كل شئ بالنسبة لنضال كما ان نضال هو كل شئ بالنسبة لها، التقت عينا رفعت في تلك اللحظة بعينى رهف، ليقول في صدمة: سهام!
نظر نضال خلفه الى حيث رهف فرأى دموعها وأدرك رقة قلبها ليبتسم في حنان، نهض وذهب اليها وأمسك بيدها وهو يقربها الى والده قائلا: دى مش طنط سهام يابابا، دى رهف، مراتى نظر رفعت الى نضال ليدرك أنه عرف كل شئ عن ماضيه، وأدرك ان ما سمعه في غيبوبته كان حقيقيا ولم تكن أوهاما، نظر رفعت الى رهف بحنان قائلا: الف مبروك يابنتى ثم نقل بصره الى نضال قائلا: ربنا يهنيكوا ياولاد ردوا في نفس واحد: الله يبارك فيك يابابا.
الله يبارك فيك ياعمى نظرنضال ورهف الى بعضهما نظرة طويلة معبرة ليفيقا على صوت رفعت يقول بفزع: سهام فين ياولاد، فيين سهام؟
قالت ميس في عصبية: وأنا ذنبى ايه يامازن، انت ماشفتش عمل ايه في سامى وكان هيعمل فية ايه، نضال ده وحش، وحش معندوش قلب ولا مشاعر قال مازن في حقد: يعنى الزفت نضال ده بوظلى تخطيطى لخطف رهف، واخد نائل من بيتى وخسرنى كل الفلوس اللى كان ممكن أكسبها من وراه، ماشى يانضال، مبقاش مازن ان ما كانت نهايتك على ايدى قالت ميس بخوف:.
بقولك ايه يامازن، سيبك من نضال ورهف وخلينا بعيد عنهم، نضال مش سهل وجنبه فهد ويزيد، ودول ممكن يودونا ورا الشمس، خلينا في حالنا احسن نظر اليها مازن باستنكار قائلا: انتى بتقولى ايه؟، ده تار بايت بينى وبين الزفت ده، وانا مبسيبش تارى، لازم احرق قلبه واخد فلوسه ومراته وكل حاجة بيحبها، هو صحيح فلت منى المرة اللى فاتت ومماتش هو وأبوه بس المرة دى هموته وهو حى نظرت اليه ميس في صدمة قائلة:.
يعنى انت اللى كنت ورا الحادثة اللى عملها يامازن؟ ابتسم في سخرية قائلا: طبعا انا قالت ميس في خوف: لأ كله الا القتل يامازن، احنا متفقناش على كدة امسك مازن ذراعها بعنف قائلا: بصى يابنت الناس، انتى عرفتى كل اسرارى، وياتكونى معايا، ياتكونى ضدى، وساعتها انا بنفسى اللى هدفنك حية ياميس قالت ميس بألم: دراعى، سيب دراعى يامازن، خلاص والله معاك، معاك تركها قائلا بسخرية:.
أيوة كدة اتعدلى وسيبينى أمخمخ لهم في خطة، وهنشوف ياسى نضال، مين اللى هيضحك في الآخر، أنا، ولا انت؟