logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .






look/images/icons/i1.gif رواية على الرقاب قدر نافذ
  03-03-2022 03:40 مساءً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

لحظات مرت كأنها ساعات وقد توقف الوقت وتجمد الزمن، كليهما يرمق الآخر بصدمة...
كليهما يإن قلبه شوقا وفرحة..
عاشوا شهورا قليلة من الشوق ولكنها مرت كالسنوات العجاف...
أبحروا فى محيط الأحزان دون مجاديف العشق أياما طوال...
صارت الدموع أمطارا فى الغياب..
والكون ماهو إلا فراغ قاتل...
سنين يعيشون فى غربة ولكنهم لم يشعروا بها حقا سوى عند مغادرة أوطانهم الصغيرة، قلوب أحبابهم.

روعة اللقاء كانت أبلغ من الكلمات، وطيف الحضور زين المكان، وصارت السعادة، بالإمكان.
قطع أفكارهم صوت (عويس)الذى قال بود:
-عارف فدوى تبجى مين ياعسران؟
قال (عسران)بحيرة:
-كنها مش غريبة عنى ياعويس مع إنى واثج إنى مشفتهاش كبل إكده فى الناحية كلياتها.
إبتسم (عويس)قائلا:
-فدوى تبجى بنت خيتي ولسة راجعة من بلاد برة.
إقترب منها (عسران)حتى توقف أمامها قائلا بدهشة حانية:.

-بت حسنة وحافظ، جربى يابتى خلينى أتأملك، ما شاء الله بتاخدى العجل، زينة بنات هوارة و الجبالية، عتجمعى أحلى مافى العيلتين، شد حيلك ياعويس ونجيلها عريس زين يربطها بأرضنا وميخليهاش تفارجنا من تانى.
كاد أن يصرخ معلنا..
انا هنا...
لا أحد غيرى أحق بها...
ولكن قيوده منعته من التصريح بمكنون قلبه بينما ظهر صراعه على وجهه لتلحظه هي فقط، زوجته (بدارة).

زادت نارها إشتعالا، وهي ترى نظرته تجاهها، نظرة تمنتها هي فلم تنالها قط، تتعجب من وجود تلك المراة قدر ماتكره حضورها الآن، ولكن مهلا..
ألم يخبرها عن عشقه لأخرى، ألم يخبرها عن شذاه؟إذا لماذا يبدى هذا الإهتمام بتلك المرأة التى كرهتها بقوة، فقط لحصولها على إهتمام زوجها وإنتباهه بالكامل.
صدحت ضحكة(عويس)بالمكان ثم قال:.

-اطمن معتفارجناش تانى واصل، فدوى مخطوبة لإبن عمها رحمان وبكرة ولا بعده هبعت أنادم عليه وعلى بوه توفيج يرجعوا لأرضهم وميخافوش منينا واصل، الظاهر الفرح عيدج بابنا بالنوبة، وهنجاوز فدوى و ناجى اللى لجينالوا عروسته هو كمانى فى ليلة واحدة كيف ماعملنا مع باجى ولادنا.

زفرت (بدارة) بإرتياح، بينما شعرت (راوية)بغصة فى قلبها وهي تدرك أن (ناجى)سيتزوج قريبا بدوره، تلعن تسرعها وتعلق قلبها به، وهي تأمل ان يكون من نصيبها، لترنو بسرعة بإتجاهه فوجدته يطالعها بإبتسامة هادئة، أشاحت بوجهها على الفور تشعر بدقات قلبها تتسارع وكأنهم فى سباق، بعد أن ضبطها وهي ترنوا إليه بنظراتها، بينما عقد (مهران )حاجبيه بشدة وهو يستمع إلى كلمات حماه، يطالع (فدوى)بعيون غائمة تطالبها بتوضيح فأرادت أن تمنحه إياه ولكنها غير قادرة فى الوقت الحالى، فهي لم تكد تخبر خالها أنها خطبت لإبن عمها حتى دلف (ناجى)مرحبا بها فى البداية ثم أخبر والده بعرض (عسران الهوارى)ودعوتهم لزيارته، فإنشغل (عويس)بتلك الدعوة كلية، لذا أجلت الحديث عن موضوعها لوقت لاحق، وها هي الآن فى ورطة لا تدرى كيف تخبرهم والجميع يطالعونها بنظراتهم التى تثير توترها إلى أقصى حد، أفاقت على صوت (عسران )وهو يقول:.

-إن شاء الله ياأخوي.
ثم إلتفت إلى (فدوى)قائلا:
-طيب فين أبوكى وأمك، ماجوش معاكى ليه أمال؟
قالت(فدوى)بصوت رقيق يشوبه بعض الحزن:
-ماتوا، الله يرحمهم.
قال(عسران)بحزن:
-الله يرحمهم يابتى، الله يرحمهم.
حاول الخروج من جو الحزن هذا فسحبها من ذراعها قائلا:
-تعالى يابتى لماأعرفك بإبن عمك مهران ومرته بدارة وباجى عيلتك.

كانت تبتسم بخجل وهي تمد يدها لتسلم عليه وما إن إستمعت للجزء الثانى من عبارة هذا الرجل، حتى تجمدت كلية وأصابتها الصدمة للحظات، فتحركت بآلية تهز رأسها بهدوء ل(مهران)، لم تقوى على لمسه فستتداعى وقتها كلية وتنهار بين يديه، ثم سلمت على تلك المراة التى تقف بجواره وتطالعها بنظرات حادة.
يقولون زوجته...
هل تزوج غيرها بتلك السرعة؟
هل نسيها كما يبدو وأكمل حياته دونها؟
بينما هي لاتزال تعيش معذبة على أطلال عشقه..

تبا لمعشر الرجال، يغدقون على النساء أجمل كلمات الحب ثم عند أول إختبار حقيقي لهم، يضربون بتلك الكلمات عرض الحائط ويخونون، ومع خيانتهم يتحطم القلب مطعونا بسكين الخيانة، ينكسر، يحترق بنيران الغدر ولكنه بطريقة ما، مازال ينبض.
عرفها (عسران)ببقية العائلة، فكانت تبتسم بمجاملة وروح، خلت من الحياة.

كان يقف بالخارج يتطلع إلى شرفات المنزل بلهفة، لم يهدأ له بال حتى وصل إليها، يبغى فقط رؤيتها فقد إشتاق إليها حتى أصبح مجنونها، مجنون (نوار).

يريدونه أن يسلاها، كيف يسلاها وقد ابتلي بحبها فصارت بشرايينه تسرى كما تسرى الدماء؟هي نفسه التى يفتقدها بجنون، يبحث عنها بين جنبات وجدانه فلا يجدها فيشعر بالتيه، أكثر مايخشاه القدر والفراق، يختنق لمجرد شعوره بأنهم يبقونها بعيدا عنه، يتساءل عن السبب، هي زوجته، روحه التى سكنته، هي إبنة عمته، أولم ترد أمها ان تزوجها إبن أخيها (عسران)، هاهو ذا، أوليس ولده؟!

لا، ليس ولده، فإن كان ولده حقا ماتخلى عنه لأي سبب من الاسباب، هو مجرد طفل أنجبته الخطيئة فصار هكذا، لا قيمة له بين البشر.

لا يهمه، لقد إرتضى بنصيبه أيا كان، ولكن فراقها هو شيئ لن يرتضيه أبدا، شعوره بأنها تلومه يقتله، ظنها الخائب فيه يمزق روحه لأشلاء، يبغى أن يفسر لها، يخبرها بالحقيقة كاملة، لا تدرى أنه مااخفى عنها ماضيه سوى لخزي يقبع بدواخله، ماأخفاه عنها سوى لشعوره بأنه منذ عرفها وأحبها صار رجل آخر لا يشبهه فى شيئ، سوى إسمه.

جلس على الرصيف، ينتظر طلتها، يكفيه أن يكون حدها، لم يعد يطيق الوجود فى بلدته، حيث كان بين عبقها يحيا، فأخذت معها عبقها حين رحلت، تهمس له تلك الأماكن التى جمعته بها قائلة...
لقد كانت هنا يوما واليوم رحلت..
توقفت به الحياة وأصبح حقا غريبا فى وطنه بعد إن رحل من وطنه الصغير، قلب(نوار).
أمسك عصا صغيرة يكتب على الرمال أمامه إسمها، يدندن بحب وشوق امتزجا بمرارة الغياب:
-الفراق جاسى..
أيامه ولياليه طويلة..

والضلمة محاوطانى من كل يما..
مستنى أشوفك عشان السمس تشرج وتنور صباحى وتعدل الميلة...
كيفك انت..
جوليلى عاملة إيه فى ليل الفرجة، جوليلى عتلومينى ولا جلبك سامحنى خلاص ونسى النار والحرجة؟
طب مش هتاجى؟
مش هتبلى ريجى الناشف بكلامك المعسول؟
مش هتسد جوعي بلمستك اللى كيف الزاد، اوعاكى غيابك يطول؟
ياأغلى علي م الدنيا ومن روحي..
ياكيف البلسم اللى عيطيبلى جروحي..
يانسمة بتهل تبرد جلبى اللى والع نار..

ياما نفسى يجمع مابينى وبينك دار...
بجيت زي مجنون ليلى بنادم عليكى ليل ونهار...
وعم بستنى تطلى كيف صاحب الكيف لما يستنى الجهوة...
طلى ياسمسى، يانوارة جلبى، طلى لجل تبرد نارى وينطفى لهيبي من جوة..
كيف الشجرة عشطان والريح بتهبد فية وتهزنى، مستنيكى تسجينى عشان أجف جصاد الريح وعودي من تانى يزداد جوة.

لم يستطع النوم، يتقلب ذات اليمين وذات الشمال، يشتعل قلبه بأتون الغضب فلا يغمض له جفن دون ان يشعر باللهيب، حانت منه نظرة إلى وجه زوجته النائمة فى سلام، أغمض عيناه وهو يشعر بالذنب تجاهها، فها هي بجواره ولكن عقله وقلبه مع أخرى، أخرى تركته راحلة بعد أن عادت إليه ذاكرتها، لقد قالت له (ناتالى)..
دع مسافة بينك وبينها، ربما تكون مرتبطة، أنت لن ترضى لها ان تكون خائنة.

نعم حذرته (ناتالى)ولكن بعد فوات الأوان لقد كان قد أحبها بالفعل وإنتهى الأمر، ولكنها هي المخطئة، (شذا)، كان لابد وأن تدرك حين عادت إليها ذاكرتها أنها إمرأة مرتبطة فلا تكتب لآخر عن العشق.
(أنا حبيتك جدا)...
لماذا قالت تلك الكلمات وعلقت قلبه بها أكثر إن كانت مرتبطة؟
لما منحته أملا فى عشقها؟!
(شذا ومش هكون غير شذا، بحبك)...
وهاهي تنكرت ل(شذا )و أصبحت( فدوى )...

ولم تكترت لهذا الهوى الذى تشدقت بالتصريح عنه...
بقربه هي ولكنها بعيدة كل البعد عنه..
يلوم والده على عذاب قربها الذى يقض مضجعه..
فهو من دعا حماه وعائلته لقضاء بضعة أيام معهم هنا، ولم يدرى كم يصعب عليه تحمل ذلك، يتركه مشتعلا بنار الجحيم ولكنه عاد ليدرك أنه هو، من أشعل الفتيل.

فتح عيونه وهو يزفر بقوة، يشعر بأنه لن يستطيع البقاء فى سريره لحظة واحدة، بل فى حجرته بأكملها، نهض يسحب عبائته وهو يغادر الحجرة متجها إلى الحديقة بخطوات سريعة غاضبة، توقف متجمدا حين رآها جالسة على إحدى المقاعد تمنحه ظهرها، تنسدل خصلاتها خلف ظهرها، تتمايل مع إهتزاز جسدها فيميل قلبه مرغما، أغمض عيناه عن مرآها فشوقه يغمره وينسيه هذا الأتون المستعر فى قلبه غضبا، يود لو اسرع بخطواته وضم جسدها الصغير هذا إلى صدره يشبع توقه الشديد لها، ينفض عنه شعور الغربة الذى ينخر فى كيانه ويشعر بأنه صار، بالوطن.

فتح عيونه الغائمة بالعشق وهو يلتفت مغادرا ولكن شهقاتها الصغيرة أوقفته متجمدا، إلتفت إليها ببطئ يتأكد من أن تلك الشهقات تصدر منها هي، لتتسع عيونه وشهقة أخرى تصله ليقترب منها فى خطوتين يتوقف خلفها تماما وهو يقول بصوت هامس:
-شذا.
إنتفاضة إعترت جسدها ويداها تتحركان بسرعة تمحو دموعها على مايبدوا قبل أن تنهض وتواجهه بنظرات باردة قائلة:
-فدوى، إسمى فدوى.

عيونها المنتفخة قليلا من أثر البكاء رق لهما قلبه فقال بصوت حان:
-اللى عرفتها وحبيتها كان إسمها شذا لكن فدوى دى انا معرفهاش.
قالت بصوت هادئ:.

-حبى ليك خلانى إتحولت لشذا، كنت بحاول أقاوم عشان ماأغرقش بهموم فدوى بس دلوقتي مبقاش في داعي لشذا، الظاهر ان قدر فدوى هيلازمها حتى لو غيرت اسمها وحياتها ودنيتها كلها، روح دور على شذا يامهران فى حتة تانية، لإنها خلاص مشيت ومبقاش لها وجود، اللى أدامك دلوقتى تبقى فدوى، فدوى اللى ميهمهاش فى الدنيا دلوقتى غير نفسها وبس.
قال بقلة حيلة:
-وشذا راحت فين؟!
قالت:
-رجعت لنصيبها.

تقصدين (رحمان)أليس كذلك؟تلقين بها بكل قسوة فى وجهى، أمسك ذراعها بقوة يقول بمرارة:
-جبتى القسوة دى منين؟انتى مكنتيش كدة.
طالعته بعيون غاضبة وهي تقول:
-انتوا السبب، انتوا اللى خلتونى كدة، متلوموش غير نفسكم، أنا بكرهكم، بكرهكم كلكم.
عقد حاجبيه قائلا:
-كلنا مين؟

كادت أن تقول(أنتم عائلة الهوارى، فأحدكم قتل امى ويريد أن يزوجنى بآخر شاركه الجريمة، وانت ياهواري، من أحببتنى ومنحتنى أملا فى الحياة ثم حين رحلت تزوجت بأخرى ونسيتنى وكأننى لم أكن يوما جزء من حياتك وكأن عيناك لم تعدنى بالكثير، فصارت كل الوعود رمالا تذروها الرياح)ولكنها إكتفت بقول:
-الرجالة، مبكرهش فى حياتى أدكم ولو طولت أجرحكم كلكم هعملها، هعملها ومش هندم أبدا.
ترك يدها قائلا بجزع:.

-انتى قصدك ان مشاعرك كانت تمثيلية قصدتى بيها تعلقينى بيكى وبعدين تمشى وتعذبينى؟!
لم تجبه وإنما طالعته ببرود فأردف قائلا بغضب:
-معقول إنى إتخدعت فيكى بالشكل ده، معقول تكونى بالقذارة دى؟
قالت بسخرية:.

-لا، أرجوك، عذاب إيه اللى بتتكلم عنه، إنت مش آخد بالك إن حضرتك معشتش على أطلال حبى لمدة سنة حتى، ده انت إتجوزت علطول وعايش حياتك بالطول والعرض ولا كأنك عرفتنى وحبيتنى زي ما كلامك بيقول، فبلاش تمثل دور الضحية لإنه مش لايق عليك.
عقد حاجبيه قائلا:.

-إنتى تخرسى خالص، إنتى متعرفيش حاجة عنى ولا عن مشاعرى، كويس إنى قابلتك من تانى، عارفة ليه؟عشان أبطل الهبل اللى كنت عايش فيه وأفوق، وأقدر مراتى اللى مكنتش عارف أسعدها بسببك انتى وبسبب لعنة حبك، دلوقتى هقدر أكمل وأنا...
أمسك رأسه فجأة يضغط عليها بقوة، فعلته تلك مع شحوب وجهه أصاباها بالقلق، فإقتربت منه بسرعة تربت على كتفه قائلة:
-مهران إنت كويس؟
نفض يدها عنه قائلا:
-بعدى عنى.

تراجعت خطوة بينما عاد ليمسك رأسه بكلتا يديه، وهو يإن لتقول بصوت قلق:
-مهران...
قاطعها بجلوسه المنهك فجأة فرأت تلك الدماء التى تنزف من أنفه لتقول بجزع:
-مهران انت بتنزف.

اقتربت منه تجلس على ركبتيها أمامه وهي تمسك بشالها وتمسح به الدماء من على وجهه ليطالعها بعينيه التى تعلقت بعينيها فتوقف الزمن، لم يعد هناك غضب او لوم او عتاب، لم يعد هناك زيف فى المشاعر، لم يعد هناك سوى شعورهما الذى لاريب فيه، عشق خالص لا تشوبه شائبة، كانت هي اول من قطع تلك العلاقة وهي تبعد ناظريها عنه قائلة:
-وطى راسك عشان النزيف يقف.
قال بصوت منهك:
-شذا، انا...
قاطعته قائلة بحزم:.

-قلتلك وطى راسك عشان النزيف يقف.
أطاعها بصمت، نهضت تنوى إخبار أحدهم ليساعده فوجدت (محمد)قبالتها يناظرها ببرود، فقالت له بسرعة:
-إلحق مهران يامحمد، بينزف مش عارفة ليه؟!
إقترب (محمد)من (مهران)يفحصه بسرعة قبل أن يقول:
-متجلجش يامهران، الموضوع باذن الله بسيط، لكن عاخدك المستشفى عشان أفحصك ونطمن أكتر.
هز (مروان)رأسه ببطئ وهو منهك الجسد و يشعر بوجع فى رأسه لايحتمل، قالت(فدوى):
-أنا هاجى معاكم؟

قال(محمد)بإستنكار:
-تاجى فين بس؟خليكى إهنه، عشان تبلغيهم باللى حوصل ومتخرعيهمش، الموضوع مش كابير وآنى هبجى أطمنهم بالمحمول.
هزت رأسها مرغمة على المكوث، بينما أسند (محمد)(مهران) حتى وصلا إلى سيارة الأول فأجلس الأخير بحرص ثم إتخذ مكانه فى مقعد القيادة راحلا، بينما تبعتهما هي بسرعة وهي تشير لسيارة أجرة، تخبر سائقها أن يتبع تلك السيارة التى غادرت للتو وأن لا يجعلها تغيب عن ناظريه، أبدا.

ماإن غادر (محمد)مع الطبيب، حتى دلفت هي إلى الحجرة متسللة بهدوء، رأته نائما فى السرير، قد عاد اللون قليلا إلى وجنتيه، إقتربت منه تتشرب من ملامحه التى عشقتها دوما، أمسك بيده الرابضة إلى جواره تقول بهمس مرير:.

-سامحنى، أكيد انا السبب فى اللى حصلك، أنا آسفة بس كان لازم اعمل كدة، لازم كنت تحس إنى عمرى ماحبيتك وإنى كنت بضحك عليك وبخدعك، انت خلاص مبقتش لية، بقى قلبك ومشاعرك وحياتك ملك لواحدة تانية، وهي أحق بيك منى، مبقاش ينفع تجمعنا حكاية واحدة، كان لازم تكرهنى عشان تكمل، أنا شفت نظرتك ليها، مفيهاش الدفا اللى بشوفه فى عنيك لما تبصلى، ذنبها إيه إنى حبيتك وانت حبيتنى من قبل ماتشوفها أو تعرفها؟لما إتفاجإت بوجودك وجوازك من بدارة سألت زهرة، حبيت أعرف خنتنى إزاي وليه؟حبيت أتأكد انك لما عرفتنى مكنتش خاطبها وبتلعب بية وبمشاعرى، حكيتلى عنكم وعرفت انت إتجوزتها إزاي، وإيه اللى ممكن يحصل لو إتخليت عنها عشانى، فلازم تنسانى يامهران عشان خاطرها وخاطر عيلتك، وانا كمان لازم أنساك عشانك، أنا مش ورايا غير التار والدم، مش ورايا غير هلاكك وموتك، عيش يامهران، عيش عشانى أنا.

تأملته للحظات قبل ان تميل وتطبع قبلة على جبينه رافقتها دمعة، إستقامت تمسحها بأناملها، تترك يده وتغادر الحجرة بسرعة ودموعها تتساقط على وجهها كشلال متدفق، بينما ظهر (محمد )من أحد الأركان ينظر فى إثرها بعيون غائمة حزنا، قبل أن يجرجر قدميه ويجلس على كرسي أمام الحجرة يستند بكوعيه على فخذيه ويضم رأسه بين يديه، ألما.

إستقبل الجميع (مهران)بالترحاب، والعبرات خاصة والدته ثريا وزوجته (بدارة)اللتان أخذت كل واحدة منهما بذراع له تأبيان تركه او الإبتعاد عنه، مما أثار مزاح الآخرين، إضطرتا (زبيدة)و(نوار)للخروج من حجرتيهما للمشاركة فى إستقبال (مهران)فتعجبت(ثريا)من إستكانة (زبيدة)وإنكسار نظراتها، إلى جانب شحوب (نوار)وهزلانها، تنوى البحث ورائهما ومعرفة السر فى ذلك، تشعر بوجود مشكلة ما تخصهما وتنوى مساعدتهما قدر الامكان، فرغم كرهها لتصرفات (زبيدة)إلا أنها تظل من عائلتها والعائلة شجرة تظلل على أفرادها تحميهم من كل شر وتسندهم وقت الحاجة.

إنفض الجميع وذهبوا إلى حجراتهم بعد أن دلف (مهران)إلى حجرته بينما غادر(عسران) و(عويس)إلى الفندق، ينوى (عويس)ان يفاتح(عسران)لخطبة إبنة الأخير لولده (ناجى)و ظلت ثريا بالمطبخ تحضر الطعام مع (حورية و نفيسة).
وجدت (زهرة)زوجها(محمد)يجلس فى حجرتهما، هادئ على غير عادته، إقتربت منه وجلست بجواره قائلة:
-مالك ياسى محمد، إيه اللى شاغل بالك و مكدرك إكده؟!
طالعها للحظات قبل أن يقول بحزن:
-خيك يازهرة.

نهضت قائلة بجزع:
-ماله مهران؟إوعاك يكون مرضان وانت عتخبى علينا؟!
سحبها من يدها يجلسها قائلا:
-إهدى بس، خيك زين، اللى فيه ده شوية سحر، الشيخ وهدان عيخرجه منه بإذن الله.
طالعته بحيرة قائلة:
-وده اللى شاغلك ومكدرك بالشكل ده؟انت مش جلت حاجة بسيطة؟
شرد قائلا:
-انى مش خايف من سحر الشياطين يازهرة، ده مجدور عليه وربنا جادر يرد سحرهم، لكن سحر الإنس كيف بس نرده؟
إزدادت حيرتها قائلة:.

-سحر الإنس، جصدك إيه؟أنى مفهماش حاجة واصل.
عاد يطالعها بعينيه قائلا:
-خيك عشجان يازهرة.
لمعت عيناها قائلة بخجل:
-وفيها إيه دى؟ماإنت عشجان ياسى محمد.
قال(محمد)بحزن:
-أنى عشجان مرتى، حلالى، لكن هو عشجان مرة تانية غير بدارة خيتي.
إتسعت عيناها بدهشة قائلة:
-مرة تانية، تبجى مين المرة التانية دى وعرفها فين وإزاي، يكونش جصدك نوار، لع، دى...
قاطعها قائلا:
-خيك عشجان فدوى.

تجمدت ملامحها للحظة قبل ان تنفجر ضاحكة وهي تقول:
-فدوى، كيف يعنى عيشجها؟ده لسة عيشوفها امبارحة بس، شكلك جنيت إياك.
طالعها بغضب فأسرعت تقول برجاء:
-سامحنى يااخوي مجصدش والله، أنى بس مش عارفة اعجل الكلام.
لانت ملامحه وهو يقول بمرارة:
-اللى معيعرفش هيجول كيف مابتجولى تمام، بس أنى سمعتها بودانى وشفته كيف بيطلعلها، خيك عشجها لمن كان فى روما، جبل ماياجى بلدنا ويتجاوز بدارة.
إتسعت عيونها بصدمة قائلة:.

-طب والعمل ياسى محمد؟ده كنه هيبجى خراب مستعجل.
اطرق (محمد)برأسه قائلا:
-مش عارف يازهرة بس على صدرى هم تجيل ومش عارف آخد نفسي او أفكر منيه، خيتى لو عرفت أو أبوي...
قاطعته وهي تمسك بذقنه ترفع رأسه ليطالعها قائلة بحنان:
-سيبها لربك يامحمد، جوم إتسبح وإتوضى، زيل عن جسمك همه وابعد عن عجلك الأفكار العفشة وتعالى نصلى وندعى ربنا يفرج الهم وهو جادر يكتب اللى فيه الخير.

هز رأسه وهو يربت على يدها بيده الحرة بحنان قبل أن ينهض ويتجه إلى الحمام بخطوات بطيئة حزينة.

عاد كل من(عسران)و(عويس)من الفندق تحمل وجوهم فرحة المصاهرة مجددا، ليلمح (عسران)(راجى)يجلس أمام المنزل، توقف بالسيارة، قائلا ل(عويس):
-إسبجنى إنت ياحاج، أنى ورايا مشوار هجضيه وأعاودلكم، مش هعوج بإذن الله.
هز (عويس)رأسه وهو يهبط من السيارة متجها للمنزل، بينما يتابعه (عسران)حتى اختفى داخل المنزل، ثم هبط بدوره يتجه ل(راجى)و يمسك بتلابيبه قائلا بغضب:
-عتعمل إيه إهنه يابومة؟إيه اللى جابك ورانا؟

قال(راجى)بجسد هزيل أنهكه الشوق وقلة الطعام:
-عستنى سمسى لما تطل وتضوى نهارى عشان تزول العتمة اللى عايش فيها.
قال(عسران)بإستنكار:
-كنك جنيت، هم ياواكل ناسك، كدامى على الحية أمك، كداااامى.
إستسلم(راجى)ليد(عسران)يجرجره خلفه وقد شعر بالضعف، ليضعه فى مكانه بالسيارة ويصعد بدوره إليها يقودها إلى بلدتهم بسرعة وكأنه يسابق الريح.

كانت تجلس منهكة بعد ليلتين قضتهما فى القبور، تصنع العمل ل(مهران)، وتدفنه هناك، طرقات عنيفة على الباب فتحاملت على نفسها ونهضت تفتحه، ولكنه فتح فجأة ووقف (عسران)على عتبته، يمسك بتلابيب إبنها شاحب الوجه مغبر الثياب، ظهر على ملامحها الجزع وهي تجرى عليه قائلة:
-راجى، ولدى، عملت فيه إيه ياعسران؟
دفعه (عسران)ليقع بين يديها فاسرعت تسنده و(عسران)يقول:.

-أنى لساتنى معملتش حاجة بس جسما عظما لو جرب من بتنا تانى لأجتله وأشرب من دمه كمانى.
قالت (عوالى)بغضب:
-جادر وتعملها ياإبن إحسان، جادر تجتله بدم بارد ولا كنك بتجتل حشرة وبتدوسها برجليك، جادر تجتل ولدى اللى ماليش غيره بالدنيا، سندي وعزوتي وناسي، وتحسرني عليه، بس ياترى لو تعرف إن الواد ده من صلبك هتجتله برديك بدم بارد إياك؟!

إتسعت عينا(عسران) بجزع وهو ينقل بصره بينها وبين (عوالى)قبل ان يستقر بصره على (راجى)الذى طالعه بعيون ذابلة وأنفاس متهدجة وجسد على وشك الوقوع أرضا، ليستمع إلى صوت (عوالى)وهي تقول بشماتة:
-إيون ياعسران، ملى عنيك منيه، عيشبه جدك صالح الله يرحمه مش إكده، لازمن طبعا مش حفيده، إتطلع ياعسران لولدك منيح، ولدك اللى إتخليت عنه وعن أمه زمان، وجه الوجت عشان تدفع التمن.

كاد (عسران)ان يقع أرضا من هول الصدمة ولكنه إستند على الجدار وألم فى قلبه يزداد، مع الوقت.





الساعة الآن 03:26 PM