رواية زوجتي المنبوذة للكاتبة سارة علي الفصل الرابع عشر
بعد مرور اسبوع كان تميم في غرفة مكتبه يتابع اعماله كالعادة حينما دلف اياد اليه... رماه تميم بنظرات جامدة قبل ان يقول بنبرة هازئة: واخيرا تذكرت ان لديك صديق يجب زيارته والسؤال عنه... تحدث اياد بخجل: اعذرني يا تميم لقد كنت منشغلا للغاية.. قال تميم بسخرية: نعم افهمك، بالطبع انت مشغول مع عائلة خطيبتك الغالية... زفر اياد انفاسه ضيقا وتقدم منه وجلس امامه متسائلا: ما اخبار دينا...؟ كيف اصبحت الان...؟!
اجابه تميم: وضعها الصحي بخير، لكن وضعها النفسي سيء للغاية... هل جلبت لها طبيب نفسي..؟! رد تميم بجدية: بالطبع، وقد بدأ اولى جلساته معها منذ يومين... اردف تميم بتساؤل: ولكن مالذي جلبك لي اليوم...؟ اشعر ان هناك امر ما جئت لاجلك... اومأ اياد رأسه مؤكدا ما قاله تميم ثم قال: وضع والدك الصحي سيء للغاية، يبدو ان ايامه اصبحت معدودة... تنهد تميم بضيق وقال: وما المطلوب مني...؟! اجابه اياد:.
يريد ان يراك، انه مصر على رؤيتك... انت تعرف انني لا ارغب برؤيته.. ارجوك يا تميم، ان الرجل بين الحياة والموت، هو لا يريد شيء سوى رؤيتك، يقول ان هناك كلام مهم يجب ان تسمعه... لا يعلم لماذا شعر تميم برغبة في رؤيته، سماع ما يريد قوله، هل هو فضوله لمعرفة ماذا يريد ان يخبره...؟ ام رغبة في رؤيته لاخر مرة...؟! نهض تميم من مكانه وقال ببساطة فاجئت اياد: حسنا، سأراه...
ثم انطلق خارج مكتبه وشركته باكملها متجها الى المشفى الذي يقطن بها والده...
وقف تميم امام غرفة العناية المركزة حيث يرقد والده هناك، كان يقدم خطوة ويؤخر اخرى، يشعر برغبتين متناقضتين، الاولى ان يرى والده ويسمعه والثانية ان يهرب من هذا المكان باكمله... شعر بكف اياد يربت على ظهره محاولاتقديم القليل من الدعم له، تقدم الى داخل العناية المركزة وهو يرتدي ملابس التعقيم... تقدم ناحية والده الذي فتح عينيه ما ان شعر بوجوده ليبتسم ببهوت قبل ان يقول بصوت بالكاد يسمع:.
كنت واثق من أنك ستأتي وتراني... ماذا تريد مني...؟! سأله تميم ببرود وازدراء قتله، ابنه يراه على فراش الموت دون ان تهتز شعرة منه... تحدث الاب بصوته الضعيف الواهن: انا ظلمتك يا بني، اعترف بهذا... قاطعه تميم: انت ظلمت والدتي، قتلتها... ابتلع الاب ريقه وقال بألم وقد بدأت الذكريات تعود اليه: نعم انا قتلتها، وحملت ذنبها طوال عمري... لماذا...؟ لماذا فعلت بها هذا...؟!
قالها تميم وهو ينحني ناحيته بملامح كارهة نافرة ليرد الاب بانكسار: جدك، جدك من اجبرني على هذا، هددني اذا لم اتركها فانه سوف يجعلني اخسر جميع اموالي... تخليت عنها من اجل اموالك... صرخ تميم به لتتسارع نبضات الاب قبل ان يكمل: جدك يده طائلة، كان سيفعل الكثير من الاشياء لو لم اتركها، اقسم لك بأنه هددني و... قاطعه تميم بكره:.
هذا كله لا يبرر ما فعلته، انت تخليت عنها، ولم تكتف بهذا، بل تزوجت اخرى غيرها، حطمتها تماما... اغمض الاب عينيه بألم وصدى كلمات تميم تتردد داخله... ابتسم تميم بألم وقال: تمنيت لو اجد مبرر واحد لما فعلته، مبرر يجعلني اغفر لك... انسابت دموع الاب بغزارة على وجنتيه، الشعور بالذنب يزداد عليه ويخنقه... مد يده محاولا الامساك بيد تميم الا ان تميم ابعد يده بنفور عنه... تميم لحظة، هناك شيء لم اقله...
توقف تميم في مكانه بعد ان كان يهم بالرحيل ليسمع والده يقول: نوران، نوران امانة لديك...
تقدمت نوران ناحية الغرفة التي يقطن بها عمها بعدما طلب رؤيتها لتجد العائلة جميعها هناك... نهضت ليلى من مكانها وصاحت بها: انت ماذا تفعلين هنا...؟ ألا يكفيك ما حدث بسببك...؟! الا ان صوت تميم الصارم اسكتها فورا: اخرسي ولا تتحدثي معها بهذا الشكل... انا لا اسمح لك بالتحدث مع اختي هكذا... قالها نزار موجها حديثه الى تميم الذي رد ببرود: هي من بدأت ورفعت صوتها على زوجتي...
نقل نزار انظاره بين نوران وتميم وقال بسخرية: رائع، انت تمثل دور الزوج الصالح المثالي على اكمل وجه.. ماذا تقصد...؟! قالها تميم وهو ينوي الانقضاض عليه ليقف اياد حائلا بينهما: اهدا يا تميم من فضلك، اهدأ ارجوك... كادت نوران ان تبكي بسبب ما يحدث، فانكمشت في مكانها خوفا من هذا العراك المؤلم بالنسبة لها... شعر نزار بذلك فاقترب منها متسائلا بلهفة: نوران، هل انت بخير...؟! اتركها...
صرخ به تميم محذرا قبل ان يدفع اياد بعيد عنه ويتقدم ناحيته ممسكا به من ياقة قميصه قائلا: اياك ان تقترب منها او تتحدث معها... كاد نزار ان يرد عليه الا انه توقف عن هذا حينما تقدمت احدى الممرضات بسرعة ناحية العناية المركزة بعد ان رن صوت صفير الجهاز الخاص بنبض والده...
بعد مرور سنة... بخطوات واثقة رشيقة كانت تتحرك داخل الشركة، تتحدث مع هذا وتضحك مع الاخر، توزع ابتساماتها هنا وهناك، الجميع يعاملها بلطف ومحبة، اما هو فيراقبها من بعيد، عيناه تحومان حولها طوال الوقت، دون ان يصل لاي نتيجة مرضية معها... عاد وجلس على مكتبه وهو يزفر بضيق ثم اتصل بها طالبا منها ان تأتيه حالا... لحظات قليلة ودلفت اليه، تقدمت منه ووقفت امامه ثم سألته بهدوء: نعم سيد تميم، ماذا تريد...؟!
تأمل ملابسها المكونة من تنورة سوداء قصيرة وفوقها قميص ابيض اللون عاري الاكتاف، انها تتعمد ان تلبس ملابس عملية لكنها مثيرة في نفس الوقت... شعر بالدماء تغلي داخل عروقه وهو يتخيل نظرات الموظفين لها وانجذابهم اليها... حاول الحفاظ على رباطة جأشه فقال بنبرة جاهد لجعلها تبدو هادئة: انت هنا للعمل وليس لتبادل الاحاديث والابتسامات مع موظفي الشركة... رفعت احد حاجبيها وقالت بتهكم:.
يبدو انك تقضي وقتك هنا في مراقبتي بدلا من ممارسة عملك... قاطعها بصلابة: لا تغيري الموضوع الان...