logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .







look/images/icons/i1.gif رواية صوتها الوردي
  11-01-2022 12:41 صباحاً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

طافت به، أرجاء الدار، تشرح، وتوضح..
وتشير هنا وهناك، لكن هو، كانت عينيه تنصب
عليها هي، لا تهتم، الا بمحياها، يراقب حركاتها
وسكناتها، ولهجتها الباردة، التي تلقى بها، المعلومات على مسامعه، هو يعلم انها، تقوم بتلك الجولة مجبرة، ولو الامر بيدها، لقامت بألقاءه خارجا..
غير مأسوف عليه..
، وأخيرا وصلوا لمكتب السيدة رحمة..

فاستقبلتهما، بنفس الابتسامة المحببة، وهي تقول في حماس، : - أرجو ان تكون الدار، حازت على إعجابك،!؟.
-اه، بالطبع، كثيرا، قالها وعينيه تقصد شيئا أخر، فرأيه بالدار كونه منذ اللحظة التي خطت بها قدميه، لداخلها، فهو كان يقصد، بالطبع، تلك الصغيرة، التي تجلس في المقعد المقابل، ساكنة.
بوداعة، تشبك كفيها الرقيتين، على حجرها..
وتتحاشى ان تتلاقى نظراتهما، بشكل هستيرى..

تبادل النظرات اليها، والى السيدة رحمة، وهو يقول بلهجة رجل الاعمال، والتى كانت تسمعها منه للمرة الاولى بالطبع: - -اريد، بعد إذنكِ طبعا، كشف بعدد الاطفال، الذين هم، في حاجة لسماعة طبية، او جراحة عاجلة، وانا سأحاول المساعدة، قدر استطاعتى..

-حقا،!؟، هتفت كل من رحاب والسيدة رحمة في آن واحد، مما جعله يبتسم في حبور، ونظراته معلقة، برحاب التي، تغيرت ملامح وجهها للنقيض تماما، وشعت من عينيها، سعادة لا توصف..
-ها هو الكشف سيد مازن، وقدرك الله دوما، على فعل الخير، قال السيدة رحمة وهي تقدم له الكشف
بحبور عظيم، وابتسامتها المعتادة تزداد اتساعا..

-شكرًا، رد في تثاقل، وهو يضع الكشف في جيب سترته الداخلى، وينهض ملقيا التحية، وتستقبل السيدة رحمة يده الممدودة، بسعادة غامرة، مع التأكيد على وجوب تكرار الزيارة، اما رحاب، فقد وقفت بدورها، لتحيته، مد كفه، فترددت قليلا، لكنها في النهاية، ألقت كفها، في خضم كفه، ليقرأها، بكل سلاسة، مستمتعا، و ها هي كلمة شكرًا، تصله مزيلة بابتسامتها..

خرج من الدار، ووصل حيث ترك سيارته، جلس في مقعده ساكنا، وعيونه مقيدة لا أراديا، بهذا المكان، والذى وجد نفسه مدفوعا اليه بقوة كالمغناطيس، والآن، بعد رؤيته لها، أصبح
مدفوعا اكثر، بدافع داخلى، لا يعرف كنهه..
دافع اكبر بكثير من مجرد رغبة في التسلية..

او التفكير في العبث، فتلك الفتاة، ليست من ذاك النوع، الذي يمكن ان يعبث معه، او يفكر حتى مجرد تفكير في التسلية معها، فنظراتها، كانت قادرة تماما، على فضح مكره، وخبثه، تلك النظرات النارية، التي كانت تنعته كل لحظة بالمخادع..
، اندفع بشكل مفاجئ مبتعدا بسيارته، لا يلوى على شئ، وصوت داخلى، بأعماقه، يكرر متسائلا، ما الذي أقحمت نفسك فيه،!؟.

مد كفه ووضعها على موضع الورقة، في جيب سترته، والتى تحمل اسماء الاطفال..
ممن هم في حاجة لمساعدة، واخذ يحدث نفسه..
ويرد عليها، محاولا إقناعها، بصواب ما أقدم عليه..
-هل انت قادر على الوفاء بهذا الالتزام، الذي ورطت فيه نفسك،!؟.
-لا اعلم، لكن كل ما اعرفه، ان هؤلاء الاطفال بحاجة فعلا، للمساعدة..
-وانت ملاك الرحمة، المبعوث لإنقاذهم..!؟، سأل الصوت الداخلى، ساخرا..

-لا، انا لست ملاكا، انا اعرف ذلك جيداً، لكن هذا ما اشعر به حقا، هم بحاجة الى مساعدة منى، حتى ولو بسيطة..
-اعترف انك تفعل كل ذلك لاجلها، وليس بدافع انسانى، كما تحاول ان تبرر..
-انا اعترف، ان وجودها دافع قوى، للرغبة في المساعدة، لكن ليس هو الاساس، رؤية هؤلاء الاطفال، وهم يفتقدون ابسط الحواس التي ننعم بها، حركت شئ ما، بداخلى، شئ لا اعرف كنهه، ولم أكن اعلم بوجوده، او استشعرته من قبل..

-فلترى اذن كيف يمكنك الوفاء بما ألزمت به نفسك، وانت تخسر صفقاتك، واحدة تلو الاخرى..!؟.
-لا اعلم...
هكذا انهى حواره مع نفسه، ساخطاً واجماً...

كاد ان يخرج كشف الاسماء، من جيب سترته، ويمزقه، ويلقى به، من نافذة السيارة تزروه الرياح، لترتاح نفسه الامارة، ويقسم الا يعود، لتلك الدار من جديد، الا ان رنين هاتفه، أخرجه من خواطره، و كانت دعوة الهاتف من القوة، لتخرجه من خواطره، وخاصة لأن اسم أكرم صديقه، يضئ على شاشته، لم يكن بحاجة للصحبة، كانت رغبته في البقاء وحيدا، طاغية، لعله يهتدى، لما يجب عليه فعله، لكنه لم يستطع مقاومة إلحاح الرنين الذي لم ينقطع، فرد مجيباً في حنق، الا ان أكرم بادره في حماسة، : - أين كنت..!؟، واستكمل في حبور، دون ان ينتظر جواباً لسؤاله، صاحب الصفقة الاخيرة، التي تم رفضها اليوم، أعاد النظر في ما قدمته، من شروط، ووافق عليها جميعا، دون تحفظ..

-حقا..!؟، هتف مازن في عدم تصديق..
-نعم، وهو من طلب منى التوسط لديك، لتعاود الاتصال به، لإتمام الصفقة، وبسرعة، هتف أكرم في سعادة..
-حسنا، اخبره بموافقتى، وحدد معه ميعاد بالتنسيق مع نسرين، قالها مازن شاردا..
-حسنا، وداعا يا صديقى، ومبارك عليك...
واغلق أكرم، ليترك مازن في حيرة من أمره، هل هي مجرد مصادفة، أم فأل حسن، أم ماذا..!؟..
ووضع كفه لا أراديا، على مكان ورقة الاسماء..
يتحسسها، وهو يزداد تعلقا بها..

ويبتسم للطريق أمامه في سعادة غامرة، فتلك الصفقة التي كانت تعنى له الكثير، ها قد عادت اليه ازدادت ابتسامته اتساعا، و قد اضحى يدرك تماما
انه لن يستطيع ان ينسى تلك الدار، بمن فيها، وخاصة، تلك الرائعة، رحاب الأمن والحنان..

اسبوع كامل، لم يستطع ان يرفع رأسه عن الملفات التي كان يدرسها في مكتبه، اسبوع مضنٍ من اللقاءات والاجتماعات، وكأن الصفقات، قد خلقت خصصياً، لأجل شركته، فما ان يعقد اجتماعاً، لمناقشة بنود صفقة ما، الا ويتم الموافقة على تلك البنود من أول اجتماع، دون اى جدال ومناقشات..
وبشروطه كاملة، حتى ان أكرم نفسه، أبدى تعجبه
هاتفاً، بمرح، ان مازن يسحرهم خلال الاجتماع، فيوقعون، دون معارضة تذكر..

مازن وحده، هو من كان يعلم، أين يكمن السحر!؟
انه هناك، في تلك الدار الموحشة، التي وطأتها قدماه، منذ أيام، ومنذ لحظة خروجه منها، ومنذ حسم أمره، وقرر مد يد العون، لهؤلاء الأيتام..
الا، وفُتحت أمامه أبواب الخير، على مصرعيها..
وهو بدوره، قرر العودة اليها من جديد..
وها هو، في طريقه اليها، وفي يده، ما استطاع
توفيره، من سماعات طبية، لأجل اطفال الدار..
والتى وصلها الان، وها هو يخطو درجاتها المتهالكة.

بإحساس جديد، يغمره، مخالفا تماماً، لإحساسه
في المرة الأولى..
وقف حارس البوابة، في احترام عندما ألقى مازن التحية، وهو يعبر بوابة الدار لداخلها، وبصحبته
شاب انيق، هادئ الملامح، بحمل حقيبة طبية في
يده..
اندفع مازن في ذاك الممر المؤدى لحجرة السيدة رحمة، لكنه لم يستطع مقاومة رغبة، تدفعه دفعا.

ليمر من امام قاعة الاطفال، حيث تكون، رحاب دائما، نظر خلسة للقاعة فرأها، كما رأها المرة الاولى، تجالس الاطفال في وداعة، وتنشر اريج
حنانها، بكرم منقطع النظير، تحرك شئ ما في نفسه، لا يعلم أين يكمن!؟، ولا ماذا يكون..!؟.
لكنه يستشعره بقوة، دفعت به للابتعاد، ليلتقط انفاسه، ويستمر في اتجاهه، مع مرافقه لحجرة السيدة رحمة، و، التي هللت فرحا عند رؤيته في دارها من جديد..
-مرحبا، سيد مازن، الدار نورت..

-مرحبا سيدة رحمة، اليوم انا في مهمة رسمية، لا زيارة عادية..
-خيراً ان شاء الله،!؟، سألت بترقب..
-هذا، وأشار لضيفه، الذي رحبت به رحمة، هو الدكتور خالد عمران، طبيب متخصص في امور ضعاف السمع، جاء خصيصا، للكشف على الاولاد، وتحديد، الحالات الأكثر احتياجا، لكى نعمل على توفير السماعات الطبية لهم فورا..
هللت رحمة في فرحة، : - جزاكما الله خيرا، تفضلوا
من هنا، لقاعة الاولاد..

اندفعوا بحماسة، لقاعة الاولاد، وما ان فتحوا بابها
حتى طالعهم وجه رحاب الصبوح وابتسامتها الصافية
نهضت في تساؤل، تتبادل النظرات بين ثلاثتهم..
وقد شعرت باضطراب عجيب، شملها ما ان طالعها
وجه مازن، مراسبوع كامل منذ اخر لقاء بينهما
وقد ظنت انه لن يعود، لكن ها هو يخيب ظنها..
ويأتى، وكان هذا دليل دامغ، على براءته من ظنونها
شعرت بالذنب تجاهه، فحولت نظراتها، بعيدا عنه.

حتى تسترجع رباطة جأشها، وهي تتطلع للسيدة رحمة، والتى هتفت متحمسة، بعيون تملؤها دموع الفرحة، : - السيد مازن، احضر الدكتور خالد عمران، لفحص الاولاد، استعدادا، لمنحهم سماعات طبية، طبقا لحالاتهم..

نظرت رحاب لمازن غير مصدقة، والفرحة تطل من عينيها، وهو قابل نظراتها الدافئة، بابتسامة هادئة كانت تخفى الكثير من المشاعر خلفها، وقال في هدوء، محاولا انتشال نفسه من الغوص في بحور الدفء، التي تغرق عينيها، : - هذا الدكتور خالد، يا آنسة رحاب..
مدت كفها في حماسة، : - مرحبا بك، شرفت بلقاءك، فالأطفال بحاجة لعلمك..

كانت كفها الرقيقة، الممدودة لسلام خالد بود، كفيلة بجعله يجفل في ضيق، لا يعرف له سبباً، ورغبة، في ازاحة تلك اليد الصغيرة بعيداً، حتى لا تحتضن، اى كف، غير كفه، رغبة تملكية غريبة تلك التي اجتاحته، ما ان رأى كف رحاب، ممدودة
للسلام على رجل غيره، رغبة سيطرت عليه، بشكل جنونى وخاصة وهو يرى ابتسامتها، الموجهة لخالدوهو يؤكد في هدوء، : -.

-وانا سعيد بالحضور وتقديم المساعدة، في اى وقت، ابتسامته الدافئة، لرحاب، جعلت مازن..
يشعر بغصة ما في حلقه، وضيق يعتمل في صدره
مما دعاه، لتصنع المرح وهو يأخذ بيد خالد، جاذبا إياه، مبتعدا عن رحاب، هاتفاً: - لا وقت للمجاملات، فلنبدأ العمل..
واندفع، لداخل القاعة، حيث يجلس الاطفال..

كانت المرة الاولى التي يجلس بينهم، كان بالكاد يستطيع الجلوس على تلك المقاعد الصغيرة الخاصة بالاطفال، فكاد مظهره ببدلته الغالية، على كرسى كهذا، يثير الضحك، أحاط به الاطفال في فضول، حاول ان يحرك اصابعه وكفيه، ليفهمهم
سبب وجوده، لكنه لم يفلح، فأنفجروا ضاحكين..
لتتقدم رحاب، في بشاشة، تترجم بلغة الإشارة
ما يريد إبلاغهم به، وما ان انتهت، حتى هلل الاطفال، مندفعين اليه، محتضنينه في فرحة..

شعر بصدمة ما، شئ ما يتحرك بداخله، يشعره بسعادة مبهمة، فظّل بينهم مشدوهاً، لا يقوى على الإتيان برد فعل مناسب، وقد جذب انتباهه، احد االاطفال، والذى لم يتعد الخامسة، كان ممسكاً بكفه في سعادة، هتف في نفسه بتعجب، كم ان عيناه، تشبه عينى رحاب كثيرا، نفس اللون الجوزى الساحر، والنظرة الطفولية
المحببة، شد من الضغط بخفه على كف الصبى..
يرسل بها رسالة محبة، تلقاها الصبى في سعادة..

مهديا إياه، اروع ابتساماته، فجذبه مازن، لاحضانه بشكل لا أرادى، وقبل جبينه، رافعا رأسه
لرحاب، التي كانت ابتسامتها المدمرة، تكلل وجهها
-ما أسمه..!؟، سأل مازن، متأثرا..
-عمر، أجابت رحاب في تأثر ايضا..
-حسنا يا عمر، فلتكن انت الاول بين يدىّ، طبيبنا الماهر لفحصك، ونهض بالصبى، وكأنه مارد ينهض
من بين الاقزام، حاملا احدهم على كتفه..

تناوب الطبيب فحص جميع الاطفال، وجعل لكل منهم، ملف خاص به، وبحالته، وما يحتاج اليه، من علاج، سواء سماعة، او عملية جراحية..
، وجاء وقت تركيب السماعات، لمن هم بحاجة اليها كان عمر هو الاول، وقف خائفاً، يرتعش، لا يعرف، ماذا سيحدث له بالضبط، كان يمسك بكف مازن، يرفض تركها، فجذبه مازن اليه، لا يعرف.

كيف يحدثه، ليبث الطمأنينة في نفسه، لكن كل ما استطاع القيام به، هو ان أشار لنفسه، وهمس ببطئ يحرك شفتيه، لا تخاف انا هنا...
دمعت عينى الطفل، متأثراً، ومنح مازن، أحدى
ابتساماته الرائعة، ووقف أخيرا في ثبات، والطبيب، يثبت له تلك السماعة على أذنه، ويضبط تعديل ترددها، لتناسب طفل يسمع الأصوات المحيطة، به..
، للمرة الاولى..
قال خالد، بصوت جاد، : - عمر، هل تسمعنى..!؟
لم يجب الطفل، على الرغم من اضطراب مقلتيه..

والتى كانت تهتز بصدمة في محجريهما، فقرر الطبيب النداء بصوت اعلى قليلا: - عمر، حبيبى
هل تسمعنى..!؟، لكن عمر لم يستجب، ولم يرد على سؤال خالد، و الذي ظل ينتظر ردة الفعل الاولى
لسماع عمر لصوته، في ترقب..
وفجأة، اندفع عمر ملقياً بنفسه، في احضان مازن الذي كان يجلس، وهو يمسك كف الصبى، في انتظار النتائج، بترقب..
انفجر عمر في البكاء بأنين يدمى القلب، وهو، يخبئ وجهه باحضان مازن..

الذي غمره بين ذراعيه، ونهض به مبتعدا، لأحد
جوانب القاعة، محاولا، بكل حنان ان يمتص صدمته..
وهنا ابتسم خالد، في ثقة، وهو يقول: - انها الصدمة الاولى، لسماعه الأصوات، مبارك..
كانت كل من السيدة رحمة، ورحاب، قد غمرت وجوهما الدموع، وخاصة رحاب التي، كانت تكتم شهقاتها تأثرا، وخجلا، وعيونها لم تفارق..
ذاك المارد، الذي احتضن طفلا من اطفالها، هناك
في احد أركان الغرفة، يغدق عليه بحنانه..

هل يعرف ذاك المخادع، الحنان..!؟..
انها تراه الان، وهو يغمر الطفل بين ذراعيه..
أقرب لأب يحنو على أحد أطفاله، ويغدق عليه..
بوافر عطفه، وتفهمه..
ان هذا الرجل يحيرها، كيف يكون بمثل تلك القسوة
ليرفض دعوات السيدة رحمة للتبرع، ثم يكون معها
هي بمثل ذاك المكر واللؤم، وهو يدعى العمى..
ليتسلى قليلا بسذاجتها، واخيرا، يعطى كلمة، اقرب للوعد، بالعودة للمساعدة في حالات الاطفال
ثم يعود بالفعل، لينفذ ما وعد به..

من انت، مازن مختار..
ذاك القاسى القلب، ام المخادع الماكر، ام صاحب الكلمة التي لا ترد، ام انت ذاك الحانى، الذي تراه
أمامها الان، يهتم بطفل لا يمت له بصلة..
ويغمره بحنانه، وعنايته..
انتهوا من عملهم، مع الاطفال داخل القاعة، فتوجهوا جميعا، لمكتب السيدة رحمة، و التي هتفت بصوت متأثر، يغلب على نبراته الامتنان: - لا اعرف كيف أشكرك، سيد مازن، انت، وطبيبنا الماهر، لما قدمتماه اليوم، للاطفال، جزاكما الله خيرا..

-لم نفعل ما يستوجب الشكر صدقينى، قالها مازن في نبرة تحمل صدقا خالصا..
اندفع خالد ناهضاً، متعللا بان هناك الكثير من العمل المؤجل، ولابد له من العودة لعيادته..
-نشكرك كثيرا على مجهوداتك معنا اليوم، قالت رحمة، في امتنان حقيقى..
-لا شكرعلى واجب، انا في خدمتكم في اى وقت..
-رحاب، مع الدكتور خالد، حتى الخارج لو سمحتى، هتفت رحمة..

الا ان مازن انتفض في سرعة، هاتفاً: - لا، وانتبه ان الجميع، يحملق فيه بتعجب، فأستدرك..
انا سأرافق دكتور خالد للخارج، وأعود لكِ سيدة رحمة، في طلب، شخصى..
هنا قال خالد في هدوء موجها حديثه لمازن: - لا مانع من مرافقة الانسة رحاب، فأنا بالفعل، اريد التأكيد معها، على بعض الملاحظات، للاطفال حديثى العهد باستخدام السماعات الطبية، لموافاتى بها..
-تحت أمرك طبعا، قالت رحاب بابتسامتها المعتادة.

وخرجت مع الدكتور خالد، تحت مرأى من مازن الذي كان يستشيط غيظا، وقهرا، لا يعرف لماذا.!
و قد كان عدم ادراكه السبب، دافع أخر، ليزداد غيظه اشتعالا..
مما دفعه لينهض في عصبية غير مبررة، ويستأذن السيدة رحمة سريعا، ويندفع خلفهما...
كان يحاول ان يبدو هادئ، وغير مبال، لكن ما أن رأى رحاب. تتعرقل، من جراء ذاك البساط الاخرق، وتسرع يد الدكتور خالد، للحاق بها..
قبل ان تسقط أرضاً..

هنا فقط، أنطلقت شياطين غضبه، ليندفع في سرعة
محاولاً، اللحاق بها، دونه، لكن، خالد كان الاقرب
مما جعله يطلق سباباً داخلياً، وتقذف عيونه شرارات غاضبة كالسهام المسمومة تجاههما، ويقف مسمراً في مكانه، تتأكله تلك المشاعر التي برزت كالعنقاء
من كهفها، والتى لا يدرى لها تفسير ايضا..
ألقى خالد التحية في هدوء كعادته، ورحل مودعاً..
أما هو فوقف ينتظر عودتها، في منتصف المسافة.

الى مكتب السيدة رحمة، مبتعدا قدر الإمكان، عن ذاك البساط، الذي يشبه الشرك، يصطاد الارجل بين طيات نسيجه المتهالك، بلا فكاك..
ها هي قادمة، وما ان أصبحت في مواجهته، حتى تحدث من بين اسنانه محاولا تمالك نفسه، حتى لا يبدأ في هزها، حتى لا تسمح لأى من كان، بأن يلمس كفها و لأى سبب، : - هل أعطاكِ الدكتور خالد تعليماته المزعومة..!؟.
-مزعومة..!؟، تسألت في دهشة..
-عذراً، فأنا لم أرى الا مشهد لحاقه بكِ بين ذراعيه.

حتى لا تسقطى أرضاً، قالها مستهزأ..
-عفوا..!؟، وقفت في تحدى صارخ، ومع كلماته المستفزة، ما كان لها أبداً، ان تصمت، دون رد مناسب يرد لها كرامتها، ويضعه في موضعه الصحيح، من يظن نفسه، ليحدثها بتلك الطريقة..
وبهذه اللهجة الساخرة، المستهزئة..!؟.
-سيد مازن، قالت وهي ترفع رأسها ونظراتها المتحدية تقابل جحافل نظراته الغاضبة، لتبدأ المعركة.

ويشتعل الصراع، أنا أقدر تماما، ما فعلته من أجل أطفال الدار، لكن، أعتقد ما يخصنى، شأنى وحدى
لا علاقة لك به، من قريب او بعيد..
-لكن للدكتور خالد، له علاقة بكل ما يخصكِ، أليس كذلك..!؟، هتف في غيظ..

حاولت أن تهدأ، حتى لا تتهور، في الرد على سخافاته هذه، والتى يطلقها، الان، بوجهها، كقاذفة لهب، وحتى تخرج من هذا الجدال العقيم، تنفست بعمق، ثم قالت: - سيد مازن، أنا لا أفهمك، ما هي مشكلتك بالضبط، هل بإمكانك اخبارى..!؟..
تراجعت حدة نظراته، وهو يهتف في ثورة عارمة..

لم تتخطى مخيلته، : - مشكلتى..!؟، انتِ مشكلتى، وكل ما اعانى، وسقوطك الوشيك ذاك، كان من المفترض ان يكون بين ذراعىّ أنا، وأنا فقط، أفهمتى..!؟.
كان يتمنى لو يهتف بتلك الكلمات، كان يتمنى ان تسمعها بحق، لكن لم يكن يجرؤ على فعل ذلك..
وبأى حق، سيتمكن من فرض سيطرته على تصرفاتها وافعالها، سيوصم بالجنون، حتماً..
-حسنا، همس وهو يغرس أصابعه بين خصلات شعره في اضطراب، ويهز رأسه في تردد، ويتركها.

وحيدة، ليلحق بالسيدة رحمة في مكتبها..
ولحقت هي به، وقد جعلها تصرفه، في قمة الحيرة، والعجب..
ها هي الان، على اعتاب مكتب السيدة رحمة وقد سمعته يطلب الأتى، : -أريد ان أتطوع هنا في الجمعية
-ولما لا..!؟، هذا يشرفنا بالطبع، لكن، حضرتك غير قادر على القراءة بطريقة بريل، لتعليم الاطفال المكفوفين، او حتى لديك اى معرفة بلغة الإشارة..
لتساعد الانسة رحاب مع الاطفال ضعاف السمع..!؟

ونحن في أمس الحاجة، لمتطوعين في المجالين..
كان هذا جواب السيدة رحمة على عرضه الغريب..
وهي تدلف لداخل المكتب وتتخذ لها مقعدا، بعيدا عن
مجال نظراته، والتى اصبحت توترها لسبب مجهول عنها..
أجاب مبتسماً: - لكننى ماهر جداا في رواية القصص
للصغار..
كان الشئ الوحيد المتبقى في ذاكرته، عن ابيه، بخلاف تلك الصورة الباهتة، التي تزين مكتبه..

في حجرة نومه، التي كان ومازال يشغلها، منذ مولده، وحتى الان، وبرغم زواج أمه من أخرين، ربما زوج، أو أثنين ربما، فلم يعد يتذكر، ولا يريد، الا ان اى منهم، لم يحتل قط، معزة والده في قلبه، ذاك الراحل الحاضر الغائب في ذاكرته، كان رائع حقا، في رواية القصص الخيالية..
والتى لم يكن يهنأ له نوماً، الا بسماعه احداها، ، من بين شفتى ذاك الرجل المميز...

والذى، يكاد يجزم انه يسمع همساته تخترق أذنيه الان، كما كانت، منذ مولده، حتى اضحى طفلا لم يتخطى الثامنة من عمره، حين توفاه الله..
جذب نفسه بقوة من أتون ذكرياته، وهو يستطرد: -
يمكن ان أخصص بعض الايام، لأقص الحكايات على الاطفال المكفوفين، حتى تعثروا على من يعلمهم
الكتابة بطريقة بريل، ويمكن ايضا، ان أتعلم لغة الإشارة، اذا تكرمت الانسة رحاب بمساعدتى..
-ماذا..!؟، هتفت رحاب دون وعى..

-ولما لا..؟!، فكرة رائعة يا رحاب، نظرت اليها رحمة، بتعجب لاستنكارها، ثم عاودت النظر لمازن، قائلة، لا أعرف كيف أعبر لك عن امتنانى، لكل ما قدمته، وتقدمه للجمعية، جزاك الله خيرا..
كان رده ابتسامة هادئة، وجهها لرحمة، وانتقل بها تدريجيا لرحاب، حيث كانت تجلس، ولم يمنعها ابتعادها، من وصول دفء تلك الابتسامة اليها..
واستطرد في نبرة مشاكسة: - متى نبدأ أول درس!؟

-أه، حسنا، أجابت في اضطراب، عندما تحدد الايام التي ستأتى فيها، يمكن ان تتضمنها الدروس
-هذا مناسب تماما، قالها وهو يغمرها بنظرة شملتها
من قمة رأسها، حتى أخمص قدميها، جعلتها تشتعل خجلا، هذا الرجل يثير حنقها وجنونها..
نهض مودعا، في هدوء على غير العادة، ولا رغبة لديها، لتصاحبه حتى الباب، ولم تفعل، لتتركه يرحل وحيداً...
على أيه حال، هو لم يعد ضيفاً، أليس كذلك..!؟.

فسيصبح فردا، من افراد الدار، وعليه الا يتوقع معاملة خاصة..
انتشلتها السيدة رحمة من خواطرها الحانقة تجاهه
وهي تؤكد بلهجة تحمل الكثير من التقدير: -
-رجل رااائع بحق...
-من تقصدين..!؟، الدكتور خالد، انه لكذلك..!؟، قالت رحاب، في تأكيد..
-طبعا الدكتور خالد رجل محترم جداا، أجابت رحمة، لكن، ليس هو المقصود، انه السيد مازن..

لم تنطق رحاب، بكلمة واحدة، تأكيدا أو نفيا، مما جعل رحمة تستطرد، انا لا أعلم سر ذاك التحول العجيب، كان دوما ما يصدنى، ولا يلين ابدا، او يتعاطف مع دعواتى للتبرع لدارنا، بالاجهزة الطبية التي يعمل في مجالها، لكن، على ايه حال
ربما كانت زيارته للدار قد غيرت من قناعاته..
كانت رحاب تستمع لكلماتها دون تعقيب بحرف واحد
كل ما جال بخاطرها الان، هو انها، تتعجب حقا..

من ذلك التبدل في موقفه، هل يمكن ان يكون لها يد في ذلك التغير، حتى ولو بقسط بسيط؟!؟! لامت نفسها على ذلك الخاطر فهو، لم يكن يعرفها من قبل ولا يعلم أين تعمل، وحتى ذاك التصادم في المركز التجارى، لم يمنحهم فرصة للتعارف..
وغابت في خواطرها من جديد، كيف سيكون درسهما يا ترى..!؟، وهي التي لا تستطيع التواصل معه لحظات، دون ان ترتجف خجلا..
وترتعد من تأثيره الطاغى، على أعصابها،!؟.

ساعدنى يا رب،!؟، هتفت في رجاء، وهي تتذكر كيف ألقى، بأحدى نظراته، وهو راحل..
تاركا إياها، تلملم المبعثر من ثباتها..





الساعة الآن 08:58 AM