اصطكت تلك الأحذية الميري ببعضها ضاربة الأرض بقوة عند دخول العقيد حسان المصري وبصحبته النقيب هشام صبحي مندفعين باتجاه مكتب الأول الذي هتف في حنق وهو يستدير ليجلس خلف مكتبه: - العملية باظت، كنّا خلاص هنمسكهم متلبسين ونقفل القضية دي بقى..
هتف هشام في حنق مماثل: - هي البنت اللي ظهرت فجأة دي ودخلت مكان التسليم، قلبت الموازين كلها وكانت سبب ف بوظان الليلة كلها.. هتف العقيد حسان وهو يناول هشام كيسا بلاستيكيا به هاتف ما: - اهو ده اللي ممكن يوصلنا للبنت دي لو كان بتاعها ووقع ف مكان التسليم.. تناول هشام ذاك الحرز هاتفا: - هجيب اسم مالك الخط بس يا رب يكون باسمها فعلا عشان نعرف مين الأخت دي وايه علاقتها بالموضوع ده..
هتف العقيد حسان: - طب ياللاه شد حيلك وربنا يسهل..
نهض هشام ملقيا التحية وغادر الى مكتبه وهو يتطلع الى ذاك الهاتف بداخل الكيس البلاستيكي الخاص بالأدلة غير منتبه لتلك التي اندفعت في اضطراب فاصطدمت به ليترنح كلاهما ويسقط الهاتف المغلف من يديه.. تمسك هو ببقايا اتزان حتى استطاع الصمود واقفا بينما سقطت هي ارضا متألمة جوار الهاتف الذي لم تعره انتباها.. انحني هشام متطلعا اليها في تساؤل: - انتِ كويسة يا آنسة!؟، انا اسف انتِ اللي..
هتفت نجوى في غيظ: - انت هتسبني مرمية كده وتحكيلي قصة حياتك.. جز هشام على اسنانه في غيظ مماثل وهتف من بينها حانقا وهو يمد كفه لمساعدتها: - اتفضلي قومي.. وضعت كفها الرقيق بقلب كفه الضخم ونهضت تعدل من هندامها قبل ان تسأل في اضطراب وهي تتطلع حولها في تيه: - انا عايزة الظابط المسؤل هنا، اقدر ألاقيه فين لو سمحت!؟.
هتف هشام في سخرية: - والله لو مش عاجبك خلقتي وشايفة اني منفعش ابقى ظابط، ابعت اجيب لك واحد مخصوص على ذوق حضرتك.. تطلعت نجوى اليه في لامبالاة لكلماته الساخرة وهتفت في نزق: - لا تنفع وآمري لله.. هتف هشام في حدة وهو ينحني يتناول الهاتف الذي كان لايزل ارضا: - ده انا اللي امري لله، اتفضلي..
وأشار اليها لتتبعه حتى حجرة مكتبه التي دفع بابها ودخل ليستقر خلف مكتبها يشبك أصابع كفيه فوق سطحه متنهدا في تعب وهو تجلس قبالته: - هااا، خير، ارغي.. هتفت نجوى محتدة: - ايه ارغي دي!؟، هوانا جاية اتسامر معاك، انا جاية ابلغ عن اختفاء اختي الكبيرة.. تطلع هشام اليها في إرهاق واضح: - طب تمام، مرعلى غيابها أربعة وعشرين ساعة!؟.
هتفت مؤكدة: - المفروض هي وصلت أسوان امبارح الصبح واختفت ع الساعة خمسة المغرب بعد ما وصلت ابوسمبل، انا عرفت المعلومات دي لما كلمت الفندق اللي كانت نازلة فيه فاسوان.. هتف هشام متثائبا يتمطأ في تعب يرجع جسده للخلف مسندا إياه على ظهر مقعده: - طب يبقى لسه مقدرش اعمل لك حاجة، لسه مفتش يوم كامل على اختفائها، دي لو كانت مختفية من أساسه..
هتفت نجوى منتفضة من موضعها في تحفز: - يعني ايه!؟، هقعد كده معرفش عنها حاجة!؟. هتف هشام باعين يغلبها النعاس: - للأسف اه، لحد ما نتأكد انها مختفية بالفعل، ساعتها ممكن نتصرف..
انفجرت نجوى في البكاء وجلست موضعها من جديد فانتفض مذعورا لنحييها الذي جعله يستفيق دفعة واحدة وهي تهتف بأحرف متلعثمة يختلط فيها الكلام بشهقات متتابعة: - انا السبب، انا اللي كلمتها وعملت نفسي اتخطفت، كنت بهزر معاها قلت اجبها تتفسح معايا بعيد عن الحمل اللي هي شيلاه بعد وفاة بابا الله يرحمه، مكنش قصدي والله يحصل لها حاجة وحشة، انا كان كل قصدي انها تخرج بعيد عن المشاكل واضطربت اعمل كده لاني عارفة انها مش هاترضي تيجي من نفسها فاخترعت الكدبة دي..
وتطلعت نحو هشام هامسة في براءة وبنبرة تحمل رجاءً لا يمكن رفضه: - انا عايزة عين، عايزة اختي.. تنهد هشام وقد ادرك ان النوم قد ولى بلا رجعة وهتف في ضيق: - انتِ تهزري واحنا نشيل الهم هنا.. ومد كفه ليضغط على ذر مستدعيا عسكري الخدمة من الخارج والذي دخل في التو واللحظة ليأمره هاتفا: - روح هات كباية ليمون وفنجان قهوة سادة دوبل..
أدى العسكري التحية مندفعا لتنفيذ الامر وما ان هم بمد كفه ليدون بعض المعلومات عن عين حتى وقعت عيناه على الهاتف فأنار بعقله خاطر للحظة مما دفعه ليمسك بالهاتف المغلف مادا كفه به اليها هاتفا في تساؤل: - انت تعرفي الموبايل!؟.
تطلعت نجوى للهاتف وهو تمسح الدمع عن عينيها لنستوضح معالمه من خلف غلافه ثم هتفت في لهفة: - ايوه، ده موبيل عين اختي، لقيتوه فين..!؟. ضاقت عينى هشام يحاول الربط بين الاحداث وبعضها وهتف متسائلا من جديد: - ايه اللي جاب اختك لأبوسمبل!؟، انتِ مش بتقولي كانت ف أسوان!؟.
هتفت نجوى تخبره التفاصيل: - انا بعت لها ورقة من العصابة الوهمية مكتوب فيها مكان اللقاء والساعة، كنت عملالها مفاجاة ف فندق ابوسمبل، بس معرفش مجتش ليه!؟.
هتف هشام مؤكدا: - مجتش عشان راحت معبد ابوسمبل بدل ما تروح الفندق.. وتنهد مستطردا: - للأسف يا آنسة، اللعبة شكلها قلبت جد، بس بدل ما تكوني انتِ المخطوفة، اختك هي اللي اتخطفت.. انتفضت نجوى من جديد هاتفة في صدمة: - ايه!؟، اكيد ده هزار، اتخطفت ازاي يعني!؟. هتف هشام مفسرا: - الميعاد والمكان اللي راحت فيهم كان هناك عصابتين بيتبادلوا بضاعة مهربة وهي افتكرت ان تجمعهم ده عشان يخدوا الفدية منها ويرجعوكِ..
شهقت نجوى منتحبة من جديد تجلس على مقعدها واضعة رأسها ما بين كفيها لا تعلم ما عليها فعله.. نهض من موضعه ليجلس على المقعد المقابل لها هامسا: - انا عارف الموقف صعب، بس ان شاء الله خير.. دخل العسكري حاملا صينية المشروبات امره هشام ليضعها على الطاولة الصغيرة الفاصلة بينهما ليخرج مغلقا الباب خلفه.. مد هشام يده اليها بكوب الليمون هامسا: - اشربي وهدي اعصابك، وان شاء الله هيخلص الموضوع على خير..
مدت كفها تتناول الكوب هامسة في اضطراب: - يخلص على خير ازاي!؟، ده انت بتقول وقعت بين أيدين عصابة حقيقية، يعني ممكن يعملوا فيها حاجة.. ووضعت الكوب على طرف المكتب بيد مرتعشة هامسة في توتر: - انا لوعين حصل لها حاجة انا عمري ما هسامح نفسي، لا ده انا ممكن اروح فيها بجد لاني متخيلش أعيش من غيرها يوم واحد..
وانسابت الدموع على خديها من جديد ليهتف وهو يتطلع لمحياها الأكثر براءة على الاطلاق وكانه يخاطب طفلة في الخامسة من عمرها: - طب اشربي ومتقلقيش، والله لهترجع صاغ سليم.. تطلعت اليه نجوى هامسة في تضرع: - يا رب يكون كلامك صح، يا رب.. هتف مؤكدا: - لعله خير.. هزت نجوى رأسها إيجابا وهي ترتشف من كوبها لا تعلم هل فعلا ما حدث لأختها يمكن ان يكون خيرا!؟، ام ان ما حدث لعين الحياة شرا مستطيرا!؟.