رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس
انتفض ثلاثتهم... صفوت وسهام وزهرة... التى وقفت فى شموخ تدارى فزعها بكبرياء مثيرة للإعجاب.. عندما سمعوا صوته الهادر يسأل فى غضب... وهو يوجه حديثه لسهام أخته التى انكمشت من الفزع .. ولزهرة .. التى منعها كبرياءها من ان تحذو حذوها... :- انتوا بتعملوا ايه هِنا... وايه اللى چبكم من الأساس!!؟؟... لم ترد أحداهن... فقط ضاعت الحروف وتاهت ..
وسط الثورة العاصفة المطلة من عينيه السوداوين... -يا عاصم بيه... أ... هم دكتور صفوت بالحديث إنقاذا للموقف لكن عاصم لم يمهله.. فأسكته بإشارة من يده.. جعلته يبتلع كلماته فى اضطراب... واستدار اليه فى تجهم قائلا :- متشكرين على مجهودك يا داكتور... مكافأتك محفوظة حلاوة جيام عزيزة بالسلامة... حاول ان يقاطعه صفوت ثانية موضحا ان المجهود والفضل يعود لزهرة... لكنه استطرد فى حزم... تجدر تتفضل يا داكتور... ألف شكر .. وَيَا ريت تضايف الداكتور اللى جبته معايا من المركز لحد اما أجيبه يعاين عزيزة وولدها...
لم يستطع صفوت الحديث من جديد... فأستدار مغادرا... وهو ينظر باشفاق لكل من زهرة وسهام... ما أن غادر صفوت... حتى انفجر بركان الغضب من جديد.. وكانت اول كلماته التى نطقها بصوت خفيض يقطر غضبا... :- مين اللى جابكم هنا ومن غير علم حد ولا بمشورة حد ..انطجوااااا... صرخ بالكلمة الاخيرة فى ثورة عارمة جعلت كل من زهرة وسهام تنتفض فى مكانها مذعورة...
توجه بحديثه لسهام التى كانت ترتجف رعبا... وهو يقول .. أكيد دى شورتك... مين ها يعرف يچبها هنا غيرك... وكاد ان يتهور ويرفع يده ليضربها .. إلا ان ذراعه توقفت فى منتصف الطريق إلى وجه سهام .. فقد وقفت زهرة فى المسافة الفاصلة بينه وبين أخته تحاول الزود عنها .. وهتفت فى حدة:- سهام ملهاش ذنب... أنا اللى غصبتها تجبنى هنا... هى مكنتش موافقة .. وأنا اللى أصريت...
كانت يده لازالت فى علوها... نظراته المشتعلة تقابل نظراتها المتحدية والتى تلقى بشرارت مستهجنة فى اتجاه يده المرتفعة فى وجهها... وما ان طالعته تلك النظرات المستنكرة... حتى بدأت يده فى الانخفاض تدريجيا وهو يجز على اسنانه غيظا هتف فى سهام أخته أن تنتظره بالخارج ..وألا تدع أحد يدخل دون أذن منه... فأندفعت فى رعب حقيقى مهرولة خارجاً... بينما ظلت هى معه وحيدة.. يا ويلها لما فعل ذلك ..!؟.. تحرك فى خطى بطيئة أشبه بفهد جائع... نظرات عينيه القاتمة تحاصرها.. وتجعلها تتراجع بشكل لا أرادى خطوات للخلف فى ذعر حقيقى تحاول مداراته بلا طائل .. أنقض فجأة على كتفيها .. يرجها فى عنف وهو يقول بصوت يغلى غضباً.. :- أنا مش حذرتك..
جبل سابج متراجعنيش فى الحديت .. مهما حُصل .. شكلك مبتتعلميش يا بت ناجى التهامي .. كرريها .. علشان يبجى فيها نهايتك.. ودفعها بعيدا عنه فى عنف.. و نادى على خفيره سعيد الذى ظهر من العدم كعادته... :- حضر العربية يا سعيد... وخد الهوانم على السرايا... واتجه اليها فى حديثه وهو يقول :- هموا... ياااالله... ولينا فى السرايا كلام تانى... اندفعت كلتاهما فى سرعة تختفى من أمامه اتقاءاً لموجة الغضب الهادرة...
أما هو فوجه انتباهه كليا لعزيزة ووليدتها... وأرسل فى طلب الطبيب الذى جلبه لفحصهما... ولإزالت تلك النظرات المتحدية... قابعة امام عينيه.. لا تفارقها... كيف استطاعت تحديه بتلك الجرأة..؟!... كيف استطاعت ان تقف فى وجهه تتحدى غضبه... ومن أين لها... بتلك القوة..!!؟؟.. انها فى كل مرة تتحداه... تكشف له سراً جديداً من اسرار شخصيتها... والتى .. لم يكن هناك من فرصة .. ليكشف أغوارها... ويتوقع ردات فعلها...
هدأت نفسه بعد أن أطمن على حال عزيزة ومهرتها الرائعة و التى احتار ماذا يسميها... !!؟؟... دخل السراىّ... فبادرته أمه منادية أياه... فأستجاب مسرعاً وتوجه حيث تجلس فى صحن الدار ..أنحنى مقبلاً رأسها..
وجلس صامتا... فنظرت اليه تثبر أغوار نفسه... فهو ولدها قرة عينها.. أصطنعته على عينها.. تفهم كل شاردة وواردة تصدر منه... سألت فى خبث محبب:- مبرووك .. على المهرة الجديدة... وعلى سلامة الغالية... عزيزة.. وابتسمت فى حبور عندما نظر اليها مبتسما... وهو يجيب :- الله يسلمك يا حاچة.. چابت مهرة... سبحان الخلاج..
-طاب.. ومش أجَل واجب تعمله... تشكر صاحب الفضل.. - انتى تقصدى مين !!؟؟.. الداكتور صفوت .. والله طلع شاطر... مكنتش مصدج... دِه مكافأته كبيرة عِندى.. -داكتور صفوت مين!!؟؟.. أنا بكلمك على مرتك... أنتفض عندما قالت كلماتها الاخيرة... فسأل فى تعجب:- وهى أيه دخلها فى الموضوع .. وايه اللى يوديها هى وسهام هناك لوحديهم... والمكان كله غفر ورجالة رايحة جاية..!!؟
-لولا مرتك وشطارتها... كان زمان عزيزة واللى فى بطنها راحوا.. بعيد الشر.. سهام اختك حكيتلى اللى حُصل كله... وكيف الداكتور صفوت مكنش عارف يتصرف لحاله.. ومرتك بشطارتها هى اللى نچدت عزيزة... وبدل ما تشكرها .. چيت عليها وعلى أختك... اللى مجطعة نفسيها بكا من ساعة ما رچعوا من عِندَك...
اتضحت الصورة أمامه كاملة.. تلك الصورة التى أعماه عن أدراكها غضبه الهادر عندما وصل ليجد زهرة تقف تضحك فى مرح مع ذاك الطبيب .. الذى يماثلها سناً تقريبا.
وتتفافز كالأطفال وهى تحتضن سهام أمام ذاك الغريب... هى دائما جادة ومتحفزة تطل من عينيها نظرات التحدى تلك... وكأنها شرارات نارية... قابلة للاشتعال فى أى لحظة وقد تعجب حقا عندما رأى منها ذاك الجانب الطفولى المرح..وقد كان احتجاجه فى الاساس على إظهاره امام ذاك الغريب .. الذى ضاحكته.. فى عفوية وبراءة.. ذاك جانب أخر... يكتشفه... فى زوجته... التى لم يعد يعرف كم من الجوانب... تحمل شخصيتها..
ولا نريد أن نعرف .. هكذا سمع عقله .. ينطق فى إصرار.. كانت أمه .. تعرف ما يعتمل فى نفسه.. فلم تقاطع تلك الخواطر أو تزاحم تلك الأفكار... لكنه قال فى هدوء... يقطع استرسال أفكاره عند هذا الحد :- أنا طالع .. أطيب خاطر سهام... بس ده ميمنعش انى مرضيش عن عملتها... بس النية كانت خير... -ومرتك... !!؟؟... تسألت أمه فى خبث محبب... وهى تدارى ابتسامة طلت رغما عنها على جانب فمها...
-خبر ايه يا حاجة .. مالك .. بتحاميلها ليه كِده..!!؟... مش دى بت ناچى التهامي برضك .. اللى چبتها لحدك علشان تشفى غليلك منيه... خبر ايه بجى!!..ايه الحنية .. اللى ع تعامليها بيها دى.. وخوفك عليها .. وعلى زعلها... ما تتفلج... لم تجد أمه .. ما تسطيع ان ترد به .. انه محق .. لكنه لا يفهم.
لما تفعل ذلك .. لما تغيرت مشاعرها تجاه زهرة بهذا الشكل المتناقض... لو انها تأكدت ان زوجة ولدها هى حقا ابنة اختها العزيزة... لو انها فقط تسمع كلمة من بخيتة خادمتها وحلقة الوصل التى كانت بينها وبين اختها الراحلة .. كلمة فقط تؤكد بها شكوكها التى تصل لحد اليقين... لكنها لا تعرف كيف يمكنها ان تخبره بكل تلك الشكوك والظنون .. وكيف ستكون ردة فعله عندما يعلم ان من حثته طوال سنوات للأنتقام من ابيها .. هى ابنة خالته..
وآخر ما تركته من ذكراها... ولابد من تكريمها .. لا أهانتها والانتقام من ابيها عن طريقها... لم يجد رداً يشفى فضوله.. وطال صمت الحاجة فضيلة.. فنهض مسرعا متوجها لأعلى حيث غرفة سهام... لكنه أخذ يفكر... فى شخصا أخر... شخصا مدينا له.. بفرحة كبيرة...
خرج من غرفة سهام بعد أن طيب خاطرها.. عيناه معلقتان بباب حجرته... جذبهما بعيدا .. وهو يهبط الدرج .. ويتوجه للخارج... مع تطلع أمه إليه .. دون ان تعقب بأى كلمة... لم يعد إلا متأخرا... كان كل من فى السرايّ قد خلدوا للنوم.. دخل حجرته... أشعل الضوء .. كان يعرف انها لازالت مستيقظة انتفضت مكانها .. عند دخوله.. تجمع أطراف غطاءها حول جسدها... خلع عباءته... ووضع عصاه الابنوسية جانباً..
جلس على طرف الفراش .. يخلع حذاءه ذى الرقبة العالية.. وقال بصوت أجفلها كالعادة.. :- هاتى المداس.. وهو يشير لنقطة ما أسفل خزانة الملابس... حيث يقبع خفه المنزلى... أتقدت عيناها غضباً وحنقاً... وهى تنظر حيث أشار... ولم تحرك ساكنا... وتجاهلت ما أمرها به للتو... فنظر من جديد فى نفاذ صبر .. وهو يهتف حانقا:- .. بجولك هاتِ المداس... اتحركى..
لم تحتمل اكثر من ذلك... فأنتفضت وخرجت من تحت دثارها الذى ألقت به بعيدا فى ثورة... وهو تقول :- أنا مش جاريتك اللى أشترتها.. أنا الدكتورة زهرة ناجى التهامي... قالتها فى تفاخر وعزة حقيقية .. وَيَا ليتها لم تفعل... فقد نهض فى تثاقل مريب... يسيرباتجاهها .. نظرت حولها .. تتلمس العون .. لكن إلى أين يمكنها الهرب .!؟.. وهو فى خطوة.
واحدة .. كان ممسكاً بها ..دفعها فى عنف ليلتصق ظهرها بخزانة الملابس ويشل حركتها تماماً وهو يحاصرها بجسده الرجولى .. وطوله الفارع... كان يقيد حركة ذراعيها .. الذى قبض عليهما بكفين من فولاذ... نظر فى عيونها مباشرة وهو يقول .. أنتِ هنا أجَل من چارية.. الچارية.. بيندفع تمنها.. لكن أنتِ هنا ببلاش .. تخليص حج... وأقترب من أذنها.. هامساً:- أنا نبهتك .. متراجعنيش فى الحديت .. ولا لاه..؟؟؟!!..
ودى المرة التالتة... والتالتة .. أيه .!!؟؟.. تابتة.. يبچى متلوميش إلا نفسك... أقترب منها... انفاسه الحارقة تلفح وجهها .. ونظراته تشتعل ببريق عجيب... مزيج من الغضب والرغبة فى السيطرة على جموح روحها... كانت تنتفض داخليا بحق لكنها لم تشأ ان تشعره بسيطرته وتأثيره عليها .. لذا التزمت.
أقصى درجات ظبط النفس .. وهى ترفع هامتها .. لتنظر لعينيه بجرأة ورغبة عارمة فى تحديه .. هى نفسها لا تعلم من أين واتتها.. لكنها كانت ممتنة لها .. قابلت نظراته العابثة والتى تشير لإدراكه .. لما يعتمل فى نفسها من مشاعر ..بنظرات حادة قاطعة .. لسان حالها يقول .. الا روحى .. لن تستطيع أسرها ولو بعد مليون عام... إياك ان تفكر حتى فى ان تلك الروح الوثابة .. يمكن ان تهابك لأى سبب من الأسباب... لقد نلت ما أردت ..
وجاءك إنتقامك على طبق من ذهب .. لكن روحى .. انت واهم .. بل حالم .. لو اعتقدت لحظة انك قادر على كبح جماحها وترويضها .. كفرسك المحببة.. واهم بحق .. ما ان تصادمت نظراتها المتحدية.. بنظراته النارية .. التى كان لايزال يرمقها بها .. حتى عقد حاجبيه .. يحاول مداراة دهشته التى طلت من عينيه تزاحم التحدى ..ظل لحظات يرمقها بتلك النظرات المندهشة .. وأخيرا .. وعلى حين غرة أطلق سراحها .. ليبتعد فى صمت عجيب .. ويتناول عصاه وعباءته... ويخرج من الغرفة .. ويغلق الباب خلفه فى عنف جعلها تجفل...
اندفع للحجرة فى ضيق وتوتر و هو يفتح خزانة ملابسه... ويتناول بعض الملابس منها ويضعها فى حقيبة سفر أنيقة.. وهو يتحرك ذهابا وايابا.. فى الغرفة يضع متعلقاته... اتجه للحمام ليأخذ حماما ويرتدى ملابسه .. بحثت عن جوالها ..تريد ان تطمئن أبيها على حالها .. وربما استطاعت محادثة أمها وندى ..انها تفتقدهما بحق... ها هو.. وقد وجدته قابع على المنضدة بجوار الأريكة حيث تتركه دائما .. لكن ما تلك العلبة من القطيفة القرمزية .. ومن تركها هنا !؟؟
تناولت العلبة فى فضول... وهى تتطلع لباب الحمام .. مخافة ان يُفتح فجأة.. لكنها لازالت تسمع صوت انسياب المياه .. فأطمأنت .. وفتحت العلبة فى حذّر... وأخيراً طالعتها... حلية ذهبية... قمة فى الروعة والجمال .. والأروع... انها منحوتة ببراعة على هيئة زهرة تلمع فى فروعها ماسات صغيرة... تتألق فى فخامة...
أُخذت من جمال الحلية الذهبية، لكن لم يكن ذلك ما جعل وجيب قلبها يرتفع، وإنما تلك البطاقة الرقيقة الموضوعة بعناية أسفل الزهرة الذهبية، وأمسكتها بأنامل مرتعشة وفضتها فى سرعة... لم تع شيئا منها لشدة توترها... فأعادت القراءة من جديد محاولة التركيز .. "أهديتنى زهرة... فأهديتك مثلها... شكرًا .." ماذا يقصد !!؟؟... سألت نفسها... ما تلك الزهرة التى أهديته
إياها .. انا لم اهديه اى زهور... !!؟؟..لم يمهلها عقلها .. للأستطراد .. بل هتف بها فى. ضيق... لا يهم ذلك كله .. الأهم الان هل ستقبلى هديته!!؟؟.. انتفضت كالمذعورة.. وهى تجيب... فى صوت عال.. لا طبعا... وأخفضت صوتها عندما لاحظت علوه المفاجئ .. وتناولت العلبة القرمزية... وألقتها فى الحقيبة المعدة لسفره...
هى لا تحتاج لهدايا ذهبية... وخاصة منه... يشكرها .!!! ولما يشكرها !!؟!؟.. كان الاولى به ان يعتذر... عن الطريقة التى عاملها بها... لكن طبعا... الغول .. لا يعتذر .. الغول يهين كرامتى... ويذل كبريائى... لكن لا يعتذر .. لا اريد هديته مهما كانت روعتها .. كلمة اعتذار من ذاك الوحش .. ستكون اكثر قيمة بالتأكيد... بل انها لا تقدر بثمن...
خرج أخيراً... من الحمام... ورأها جالسة فى هدوء مريب لم يعلق... وشعرت هى بنظراته القاتمة التى تنصب عليها وتحاصرها... انه قادر عن سبر أغوار نفسها وقراءة ما تفكر فيه بشكل تعجز عن فهمه وادراك كيفيته... رفعت نظراتها بشكل لا أرادى... لتجده وقد بدل جلده من جديد... فها هو يرتدى ملابسه التى رأته بها للمرة الاولى...
بعيدا عن جلبابه وعمامته وعصاه الابنوسية... انه يثير تعجبها... فها هى تراه شخصاً أخر لا يمت للوحش الذى يمثله... ذاك الرجل... الذى يرهبه الجميع .. ويضعوا لكلمته .. ألف أعتبار... ولا يستطيع أحد معاداته والوقوف فى صفوف منافسيه... قالت لنفسها... جاذبة خواطرها... بعيداً عنه... لابد من الهرب...
اندفعت للحمام هاربة .. ولم تكن تعى انه .. ألقى نظرة سريعة .. على الطاولة حيث وضع الهدية .. لكنه لم يجد العلبة القرمزية .. فأدرك انها .. قد رأتها .. ولكن أين هى يا ترى..!!؟؟.. فتح الحقيبة للمرة الأخيرة... ليضع فيها .. أحد الأغراض الإضافية... فوجد العلبة فى احد أركان الحقيبة .. ملقاة بأهمال... والعجيب .. انه لم يغضب لفعلتها.. والتى لا تعنى الا شيئا واحداً... رفضها لهديته... لكن على العكس ابتسم فى شقاوة... وحمل العلبة مرة أخرى... ليلقيها.. فى حقيبتها هى... والتى لازالت تحمل ملابسها التى رفضت ان تضعها فى خزانة الملابس... حيث تم إفراغ جزء خاص لها .. قبل الزفاف... لتضع فيه ملابسها...
همس وبريق عابث يلمع فى عينيه... وهو يشعر بانه يلعب لعبة القِط والفأر معها... ولما لا ..!!؟؟... واندفع خارج الغرفة فى اللحظة التى خرجت فيها من الحمام حتى انه لم يلق السلام مودعاً... لم تعرف كم سيغيب لكن محتويات حقيبته تدل على انه سيتغيب على الأقل... من أربعة أيام... لأسبوع كامل...
اندفعت للفراش... الذى اشتاقت له... أخيرا ستنام على فراش وثير بعيد عن تلك الأريكة التى أرهقتها.. اندفعت تحتضن الوسائد فى فرحة طفولية... ستكون تلك الغرفة لها .. ولأسبوع كامل .. ستعيش حريتها المفقودة... ستنام فى أرديتها الحريرية... وتخلع حجابها .. وتعيش فى هذة الحجرة... كل ما أفتقدته .. فى الايام القليلة الماضية... ستتحرر من كل قيوده... ومن حضوره الطاغى وأنفاسه.. التى تؤرق نومها... فى كل ليلة ..
وانتفاضاتها وفزعها.. كلما شعرت بحركة ما فى الغرفة أخيراً... ستتحرر .. من كل هذا... وتهنأ .. ولو لبضع أيام... فى حرية... وإنطلاق... بعيدا عن قيود الوحش... اندفعت... لحقيبتها... تنتقى منها ما تشاء... من منامتها وارديتها الحريرية التى اشتاقت لها... وفجأة .. أصدمت كفها بشئ ما... مخملى الملمس.. لم يكن الا العلبة القرمزية .. التى تحمل هديته اليها... امتعضت... لكنها لم تستطع ان تقاوم... بريق الزهرة اللامع... فأخذت تتحسسها بأنامل... رقيقة... لم تكن تعلم... ان له ذاك الذوق الراقى... انه ادهشها صراحة... لكن... الذى لا زال يدهشها... ويثير تعجبها هو تلك الكلمات المرافقة لهديته... لازالت لغزا بالنسبة لها...
تنهدت... ووضعت الهدية على الطاولة بجوار الفراش... وتدثرت... وراحت فى نوم عميق... تحاول ان تبتعد عن كل ما يخصه... ويحمل اسمه... لكن... هيهات... فها هو... قد سبقها... ليحتل أحلامها... ليقبع هناك... ماثلاً... يأبى الرحيل... حتى فى أحلامها... لا تستطيع الخلاص منه... ولكن منذ متى... يمكن الهرب... من الغول... !!؟؟
اندفعت سهام... فى شقاوة .. كعادتها .. لحجرة زهرة.. والتى مازالت مستغرقة فى نومها العميق... لتهتف .. -ايه... يا خلج.. كل ده نوم ..!!؟... لو كان عاصم اخوى هنا... لم تُكمل سهام كلمتها .. فلقد استفاقت زهرة دفعة واحدة عند ذكراسم عصام... ثم هدأت .. عندما وجدت نفسها على الفراش وتذكرت سفره منذ عدة ساعات للمزرعة..
اسبوع كامل... قبل سفره... كان يشبه هدنة الحروب... لم يكن يتواجد فى السرايّ لوقت طويل... ولا يأتى إلى غرفتهما إلا متأخرا يتسلل فى هدوء ليلاً... لينهض مبكراً... ويغادر فى هدوء .. وتساءلت... عندما ذكرت سهام اسمه فى عفوية .. ألهذا الحد مجرد ذكر اسمه يرعبها ..!؟.. او ربما .. ذلك تأثير تلك الأحلام... التى راودتها... والتى كان هو بطلها الأوحد بلا منازع... يا آلهى .. ألا يمكن .. أن يتركنى لحالى أهنأ فى وحدتى حتى فى احلامى حدثت نفسها فى ضيق اخرجها منه .. صوت سهام .. وهى تهتف .. ايه .. هو احنا هنجضى اليوم نوم ولا ايه ..!!؟؟..
-وانتِ عيزانا نعمل ايه يعنى !!؟؟.. سألت زهرة .. فى تعجب... - جومى... فوجى كده .. وانا هفرجك على ارضنا.. يا الله هجوم بدور المرشدة السياحية ..وامرى لله... قفزت زهرة فى فرحة... يعنى ممكن نخرج.. !؟؟ -أمال أنا بجول أيه... أنا استأذنت من عاصم جبل ما يسافر يا الله... جومى بجى...
-طيب ..طيب... واندفعت زهرة من فراشها .. ولم تع .. انها ترتدى رداءها الحريرى .. الا بعد ان شهقت سهام فى إعجاب... :- ايه الچمال ده... !؟؟... يا عينى عليك يا عاصم... مسافر .. وسايب الچمال دِه كله... أحمرت وجنتا زهرة خجلا... وهى تبتسم لسهام فى محبة وهى تقول... فى نفسها .. معذورة .. فهى لا تعلم .. ان أخيها... لم يرى .. أى من مفاتنها... فهى زوجة مع وقف التنفيذ... فلولا كبرياءه ليلة زفافهما والذى تدين له بالكثير .. لكانت أصبحت منذ ليلتها زوجة بالفعل رغما عنها... كما كان كل شئ رغماً عنها...
إن كان لعاصم الهوارى حسنات... فتلك هى الحسنة الوحيدة التى قام بها لأجلها... أنه لم يفرض نفسه عليها كزوج... له حقوق .. بل انه .. عاملها كأسيرة حرب... حتى إشعار أخر... خرجت مع سهام... حتى الجانب الشرقي من النجع... حيث تقبع أراضى الهوارية... الشاسعة... والتى تمتد حتى حدود الجبل الشرقي... والذى يظهر قابع بقمته السامقة... لماذا ..
ذكرها ذاك الجبل .. بشخص ما !!؟... شخص .. قادر على القفز .. بدون أى احترام .. او استأذان لأفكارها وخواطرها... هتفت له فى نفسها... أيها المتطفل... لما لاتبقى بعيداً.. عن خواطرى وأحلامى... مثلما انت بعيداً... عن واقعى .. ولو لبضع ايام... بضع ايام فقط .. أخذ فيها هدنة منك.. هدنة رجاءاً... من محيا عاصم الهوارى .. الذى لا يفارقها... والذى بدأت تضيق به... فى صحوها .. ومنامها... أيقظها صوت سهام من شرودها... وهى تهتف ..
مشيرة للجانب الأخر... بصى يا زهرة... والجانب ده فيه أرض عمك جَدرى وأبوكى... كانت المرة الاولى طبعا... التى ترى ارضهم فيها فهى فقط على علم بأن لهم أرض يتولى حسام بن عمها قدرى الأشراف عليها... مدت نظرها... إلى حيث تشير سهام... فتنبهت من بعيد لخيال يقترب منهما... وعندما اقترب ذاك الشخص تبينته... انه حسام بن عمها...
وقف أمامهما يلقى التحية .. فى جدية تامة كعادته... لا يخلو وجهه من عبوسه المعتاد... -مرحب يا داكتورة... قالها متجاهلاً إلقاء التحية على سهام .. -أزيك يا حسام .. أخبارك ايه .. وأخبار عمى.. يا رب يكون بخير... -بخير الحمد لله... رد ولازال تجاهله لوجود سهام مستمرا مما جعلها تتململ فى وقفتها... -دى سهام... أخت عاصم .. قالتها زهرة .. حتى تخفف من الاحراج الذى شعرت به من جراء تجاهله لسهام .. -أه ... رد فى عدم أهتمام..
-أتجابلنا جبل سابج... يا زهرة... قالتها سهام فى حنق -مفتكرش إنى شفتك جبل سابج... قالها بلا مبالاة كاذبا... فقد عرفها منذ طالع محياها من بعيد وهى تقف مع زهرة تلك الفتاة المرحة... التى كانت تشاكس الفتيات .. عندما أتت لدارهم... يوم زفاف عاصم وزهرة... يذكر كيف انتزعت ابتسامته بشقاوتها... وكيف تعلق بتلك الابتسامة الطفولية..
التى لم تختفى عندما فتح باب دارهم ناقماً على الطارق فطالعته ابتسامتها.. التى كانت أول ما أشرق على وجهه العابس... -لاه اتجابلنا.. يوم ما جيت داركم .. وفتحت لنا الباب انا والبنات... أزاى أنسى... هو فى حد يكشر كده ويتنسى... نظر اليها فى غضب... اشتعلت به عيناه الصارمتان... فأدركت زهرة أن سهام قد أشعلت الفتيل .. فجذبتها..
من يدها فى قوة مبتعدتان وهى تقول لحسام :- سلم لى على عمى .. وقوله انى باذن الله هزوركم قريب... هز رأسه فى تفهم... واستدار مغادراً هو الاخر... موجها نظرات نارية حيث سهام... التى بادلته إياها فى حنق تام .. وتمنت ان يحترق بها... ذاك العابس .. والذى لم تزور الابتسامة شفتيه أبداً... ولم تكن تعلم... انها هى .. كانت ذات مرة... سبباً... فى تلك الزيارات النادرة..
اندفعت أم سعيد لتنادى زرزور... فى حماس... فهو يظل قابعا .. فى الطرف النائى من الحديقة المحيطة بالسرايّ .. حيث تم بناء حجرته... والتى أمرت ببناءها... الحاجة فضيلة... عندما قررت بقاءه فى السراىّ .. لخدمة ابنها عاصم منذ كان طفلاً... عندما جاء زرزور للسراىّ للمرة الأولى كان عمره الثانية عشرة تقريبا .. فاقد للنطق ..منبوذاً من الجميع... و لا يعلم أحد... من أين أتى .!!؟؟... وكيف ظهر فجأة.. فى قلب النجع..!!؟؟ ومن أبويه ..!!؟؟... حتى اسمه الحقيقى... لا يعلم به احد ..
يعرفه الجميع بأسم زرزور... ولا يعرفون له اسماً أخر .. حاد الذكاء... يدرك ما يدور حوله... لكنه بلا حول ولا قوة... يعشق خدمه سيده عاصم... الذى كان يحسّن معاملته... ويفضله على جميع خدمه... ويستثنيه بمجالسته... وأحيانا ببعض أسراره.. وهل سيجد أفضل من خادم أخرس... لحفظ أسراره... وكتمانها... !!!؟؟ اندفع زرزور من غرفته... عندما سمع نداء أم سعيد..
كان يعتقد ان سيده عاصم .. قد عاد من سفره... فقد مرت ثلاث ليال على غيابه .. لكنه كان مخطئ .. فقد أشارت أم سعيد للسرايّ .. وهى تقول :- الحاجة فضيلة طلباك فى السرايا... روحلها على المُندرة .. حالاً. هز رأسه مؤكداً على فهمه للمطلوب واندفاعه لتنفيذه فى ثوانى معدودة...
فما هى الا لحظات حتى كان يقف على باب المضيفة.. ينتظر الأذن بالدخول .. فأشارت له الحاجة فضيلة... فدخل فى تردد مطأطأ الرأس . -أنت لِسَّه بتجابل أمك ..!!؟؟.. سألت الحاجة فضيلة سؤالها بشكل مباغت جعله ينتفض ..ويجيب فى تردد بإيماءة من رأسه... أن نعم... ثم أشار بيده فيما معناه... أن ذلك .. على فترات متفرقة و طويلة... -أنا عايزة النمرة بتاعت المحمول بتاعها لو كان عنديها... أو أى نمرة أعرف أوصل لها بيها... وأكلمها...
أشار زرزور .. مستفهماً... -وااااه... أنت هتحجج معاى ولا أيه... !؟؟؟... سألته بغضب جعله ينتفض... أشار زرزور رابتاً على صدره.. طالباً السماح... فأشارت له بالأنصراف حتى يحضر الرقم الخاص بأمه مسرعاً... ثم يعود من غرفته وهو فى حيرة .. لما يا ترى تريد الحاجة فضيلة التواصل مع أمه بعد كل تلك السنوات..!؟؟ .. هل قررت كشف المستور أم لماذا... يا ترى !!؟؟؟...
سلمها الرقم لاهثاً .. فأشارت له بالخروج... و اندفعت هى تسرع الخطى صاعدة الدرج.. حتى وصلت غرفتها... تلهث من فرط الأثارة.. أخيرا ستعرف ما كان يؤرقها .. منذ اللحظة التى رأت فيها زهرة... للمرة الأولى... جلست تلتقط انفاسها... تمسك بجوالها... وبقصاصة الورق... التى تحمل رقم الهاتف... ترتعش أناملها وهى تضغط الازرار... وتخطئ .. فتعيد الكرة من جديد... وأخيرا... سمعت الرنين فأخذت تلتقط انفاسها..
بصعوبة تنتظر الأجابة التى جاءت اخيرا... بعد ثوان مرت كدهر كامل... ألتقطت انفاسها وهى تجيب :- كيفك يا بخيتة... لساكى فكرانى... !؟!. الصمت على الطرف الاخر كان هو السائد لعدة لحظات حتى أجابت بخيتة فى صوت متهدج:- كيفك يا حاجة فضيلة... أنتِ اللى لِسَّه فكرانى .!؟... وفاكره واعدك ليا.!؟ .. ولا خلاص... معدش هيرچع الحج لصحابه... -بلاش تفتحى بالجديم يا بخيتة... لِسَّه مأنش الأوان..
- أُمال... ليه كلمتينى .!؟؟... خير .!؟؟.. أصل مكالماتك عزيزة ولازماً فى حاجة صعيبة جووووى اللى تخليكى تفتكرى بخيتة الغلبانة .. بعد السنين دى كلتها... أزدرت الحاجة فضيلة ريقها بصعوبة... وهى تقول :- أختى فاطنة... وبتها... ماتوا صُح... ريحينى .. محدش هيجولى الحجيجة غيرك... يوم لما فاطنة ولدت جولتولى إنها جابت بت... وبعديها بيومين... ماتت فاطنة بالحمى .. وجولتيلى أن بتها كانت ضعفانة .. وماتت هى كمان... الكلام ده صُح !!؟؟... جولى يا بخيتة ريحينى... آلهى يريح جلبك...
-ها يرتاح كيف يا حاچة وانتِ كاتمة الحج... وبيدك تريحينى... أنا جلبى عمره ما هايرتاح إلا لما أخد حجى -جلتلك... ها يحُصل ..بس فى الوجت المظبوط... مش دلوجت.. ودى أمانة فى رجبتى... بس ريحينى.. -ما تسألى الداكتور ناچى... مش بجى نسيبكم.. وخدتوا بته لولدك عاصم... أساليه وهو يجولك الحجيجة... -أنا عاسألك أنتِ... وأنا عارفة إنك مش هاتكدبى علىّ.. -الداكتور ناچى هنا جنبى... وسامع حديتنا كلاته... أها .. هو عايز يكلمك...
أنتفضت الحاجة فضيلة كالمصعوقة... وكادت أن تلقى بالهاتف من يدها... لولا تمالكها لأعصابها... وسمعت صوت الدكتور ناجى من الطرف الأخر يردد عدة مرات.. طالباً لأجابتها عليه... فأجابت بصوت متحشرج... تكسوه الدموع... فلقد تذكرت أختها الحبيبة... فاطمة... وكم كانت تحب ذلك الرجل المخادع... الذى غرر بها .. وجعلها تهرب معه.. لتموت وحيدة وبعيدة... عن أحضان أهلها... وتدفن فى أرض غريبة... عن أرضها... لن أسامحك يا ناجى التهامي..لن أسامحك أبداً...
هكذا هتفت فى أعماقها وهى تتمالك نفسها... لتعود فضيلة التى يعرفها الجميع... -أيوة يا ناچى... ولا أجولك يا داكتور ناچى.. ذى الكل ما بيجولوا... -قولى اللى يريحك يا فضيلة... أنتِ بالذات .. ليكِ معزة خاصة عندى... ومهما عملتى مش هزعل .. لأنك حبيبة المرحومة فاطمة... ومكنتش بتحب حد قدك... -لساتك فاكر فاطنة يا ناچى .. اللى خدتها من حضننا... وراحت فى عز شبابها... بعيد عن أهلها .. وعزوتها.. - ولا عمرى نستها... ولا لحظة... قالها فى صوت متحشرج.
تهزه الدموع... فاطمة دى حب حياتى .. عمرى ما حبيت ولا هحب حد بعدها... وبعدين أزاى ممكن أنساها وحتة منها كانت قصاد عينى ليل نهار... روح منها .. ربنا وهبهالى لما أختار فاطمة جنبه... كأنه سبحانه عالم بحالى كان هايبقى ايه من غيرها... فعوضنى بنسخة منها فى كل حاجة... بنتى زهرة... بنت فاطمة يا فضيلة أنتفضت الحاجة فضيلة... ووقفت مذعورة يرتجف جسدها... من قمة رأسها حتى أخمص قدميها.. ثم أنفجرت باكية... بكاءاً متشنجاً... لم تستطع كتم أهاته.. التى وصلت لناجى على الطرف الأخر .. والذى أحترم حزنها فى إجلال... فصمت... لفترة.. وما أن استشعر هدوءها ..
حتى استطرد فى هدوء مماثل :- أنا عارف أن أنا غلطان علشان خبيت عليكىِ أنتِ بالذات أن بنت فاطمة ممتتش.. بس أنا ساعتها كنت خايف عليها وعليا... كنت مصدوم بموت فاطمة... وخايف على زهرة من الكرة والأنتقام وفضلت مداريها عن الدنيا كلها... لكن ابنك وصلها.. واستخدمها علشان ينتقم منى... استخدم أقرب واحدة ليه.. علشان ينتقم من واحد كل ذنبه انه حب .. حاولت أقابلك يوم كتب الكتاب... لكن ابنك رفض نهائى... حاولت أعرفك..
الحقيقة.. يمكن ده يخليكى ترقى .. وتبعدى أَذًى أبنك عنها.. دى مهما كانت بنت الغالية... لكن مأمكنش أبداً... فقلت أجى لبخيتة هى الوحيدة اللى ممكن تقنعك.. لأنها الشاهد الوحيد على صدق اللى بقوله... وانا اللى طلبت منها .. متقلش .. أنتِ بعتيها تخدم أختك وتبقى حلقة الوصل بينك وبينها..
لكن بعد موت أختك .. مسألتيش فيها .. ولما أنا اتجوزت علشان بنتى ألاقى حد يربيها معايا... مراتى رفضت وجود بخيتة معانا... فأجرت لها الشقة دى .. اللى هى فيها دلوقتى... وبدفع لها مبلغ يعيشها مستورة... كفاية اللى عملته مع بنتى بعد موت أمها .. لولا وقفتها معايا ومعاها .. كانت راحت منى هى كمان... أنا كان حزنى واخدنى... وكنت هايم فى ملكوت تانى... لولا أهتمامها بزهرة .. كانت راحت منى فاطمة للمرة التانية...
فضيلة... بنتى زهرة... مشفتش يوم حلو مع مراتى اللى هى فاكرة انها امها... عمرها ما كانت حنينة عليها عمرها ما كانت الام اللى كنت بتمناها لبنتى... ولولا بنتى التانية ندى كنت سبتها من زمن... زهرة .. عمرها ما حست بحنان أمها... وجه ابنك وعمل عملته .. علشان يدفعها تمن ذنب هى مرتكبتهوش... زهرة ملهاش ذنب فى ماضى خلاص مش هايرجع...
تنهد وهو يلتقط انفاسه... بعد أنتهاءه من سرد قصته.. قصة الماضى والحقائق المبتورة والمشوهة... الأن فقط... وُضعت النقاط على الأحرف... الأن فقط ظهرت الحقيقة التى كانت ماثلة نصب عينيها... كشمس ساطعة... وكانت تستشعرها... بحدسها وتنكرها... استطرد ناجى متنهدا : -زهرة أمانة فى رقبتك يا فضيلة... هتسألك عليها فاطمة... يوم الدين...
خلى بالك منها.. وأبعدى عنها... نار الأنتقام اللى ذرعتيها فى قلب ابنك ..وزهرة اللى هاتتحرق بيها لوحدها... اللهم بلغت... اللهم فأشهد أغلق الهاتف... دون أن ينتظر منها... الرد .. وتهاوت هى على أريكتها.. تنظر للفراغ .. فى شرود تام... وقد أفلت من يدها... هاتفها.. ليسقط مستقراً... أسفل قدميها...