رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون
كانت تفرك يديها بتوتر تشعر بالحيرة والاضطراب، ماالذي حدث لها فأصبحت بين ليلة وضحاها تائهة في صراع بين ذاتها القديمة وذاتها الآن؟ولماذا أثرت فيها كلماته بهذا الشكل؟ عقدت حاجبيها بقوة، لقد استدعته إلى هنا عن طريق الهاتف تخبره أن يأتيها بأقصى سرعة، ربما هي فكرة غير صائبة فما الذي ستقوله له؟ انها اليوم ضائعة تماماً فلم يخطر ببالها سواه للحديث. عجيب أمرها حتى على نفسها، نهضت تأخذ حقيبتها وتنصرف معتذرة له عن موعدهما وما ان استدارت حتى وجدته أمامها يطالعها بعيون نفذت إلى أعماقها فارسلت إليها رعشة، تعلقت عيونها بخاصته فوجدته يقول بهدوء:.
كنتِ ماشية؟ أشاحت بعينيها عنه قائلة: افتكرت ميعاد مهم، كنت لسة هتصل بيك واعتذرلك. مال فمه باابتسامة ساخرة وهو يتقدم جالساً يقول: مستنية ايه؟ يلا روحي عشان تلحقيه. هو مين؟ الميعاد المهم. انتِ نسيتي؟ ليميل إلى الأمام عاقداً كفيه وهو يردف قائلاً: مبتعرفيش تكدبي ياعليّة ودي ميزة متخسريهاش. جلست تقول باضطراب: انت عايز مني ايه يامراد؟ تراجع في مقعده قائلاً:.
انتِ بتضحكي على نفسك ولا عليا، لو بجد شايفة انك كويسة مكنتيش جيتي النهاردة وقابلتيني، مستنية مني ايه؟ أسكت على حالك زي ماهر عشان خايف عليكِ من الانهيار، لأ مش هسكت لإني عارفك اكتر من ماهر. انتِ مش محتاجة ايد تتمسكي بيها عشان توصلي لبر أمان زي ايد صلاح زمان وايد ماهر دلوقت، أ تقدري لوحدك تعدي كل أزمة ومحنة في حياتك ولو محتاجة ايد فده عشان تشاركك قراراتك مش تكوني ضل ليها. قالت بحنق وهي تنهض:.
انت أكيد اتجننت. ايه الكلام الفارغ اللي بتقوله ده؟ أمسك يدها قبل أن تغادر قائلاً:.
زمان كنا احنا التلاتة دايماً مع بعض. قريبين من بعض، وشفت اللي بتحاولي تدفنيه جواكِ. قوة بتحوليها لضعف وقلة حيلة لإنك فاكرة انهم كدة هيوصلوكي لقلب اللي انتِ عايزاه لكن بالعكس زهق منك وراح لغيرك، ولما فقتي من صدمتك حاولتي تكوني عكس نفسك وتظهري التحرر والقوة فبرضه زودتيها وفي الآخر هتخسري عارفة ليه؟ لأنك مش ضعيفة ومش قوية، انتِ مزيج مابين الاتنين، اتولد احساس جواكِ مش قادر أفهمه وهو ان طبيعتك مش هتعجب اللي قدامك بتحاولي تتلوني باللون اللي يناسبه مع انك لو أظهرتي طبيعتك هتتحبي من القلب.
نفضت يدها من يده قائلة: تصدق انا غلطانة اني جيت وقابلتك، أنا مش عارفة جيت ليه أساساً. لإنك حسيتي بمشاعري ناحيتك ونفسك تصدقيها، لإني الوحيد اللي انتِ عارفة انه شايفك من جوة وعجبني اللي شايفه كمان. اتسعت عيناها قائلة: انت بتقول ايه؟ تنهد قائلاً:.
بقول اللي خبيته في قلبي كتير عشان مخونش صاحبي مع اني حبيتك لكن هو محبكيش. بقول اللي أنتِ مش قادرة تعترفي بيه رغم انه واضح والدليل على كدة وجودك معايا بعد كلامي ماأثر فيكِ. انتِ نفسك تكوني معايا بس مش قادرة تتخلى عن فكرة ان قدرك تتجوزي ابن عمك واليوم اللي الفكرة دي هتروح من بالك هتشوفي مشاعرك على حقيقتها بس بتمنى مكونش وقتها يإست وبدأت ادور على حد يشاركني حياتي وينسيني مشاعري ناحيتك لاني بجد تعبت.
انا مش هقف دقيقة واحدة كمان أسمع فيها الكلام الفارغ ده، انا بحب ابن عمي ومبحبكش ولا يمكن هحبك. غادرت بخطوات واسعة بينما يتابعها بعينيه وقد أطلت منهما شتى المشاعر التي أبرزها الحزن يقول بهمس: قاومي مشاعرك قد ماتقدري ياعليّة بس في النهاية هتستسلمي وقت ماتحسيني بضيع من ايديكِ.
كانت جليلة ترفع قدح القهوة إلى شفتيها تتناول رشفة منه وهي تشاهد نهال تلعب السلم والثعبان مع تقي بينما جلست سعاد الي جوارها تشرب قهوتها وتتأملهما بدورها، اغمضت جليلة عيناها تتلذذ بالقهوة قبل أن تقول: طول عمرك بتعملي فنجال قهوة يعدل الدماغ علطول ياسعاد. بالهنا والشفا ياخالتي. ترددت جليلة للحظة قبل أن تسأل: أخبار جوزك إيه؟ ظهر الحزن على ملامح سعاد على الفور وهي تقول:.
منعرفش عنه حاجة من ساعة مادخل المصحة عشان يتعالج. ربنا يرجعهولك بالسلامة ويهديه. يارب. لتردف بارتباك قائلة: وأخبار محمد إيه؟ تنهدت الخالة قائلة: بيحضر حاجته عشان يسافر. وانتِ ياخالتي عاملة ايه بعد ماعرفت انه هيسافر؟ هعمل ايه بس يابنتي؟ مضطرة اقبل عشان خاطره، انتِ مشفتيش حاله بقى عامل ازاي، جايز لما يبعد حاله يتحسن ويبقى كويس. قالت سعاد بألم: أنا السبب ياخالتي، ياريتني مت قبل ما...
قاطعتها خالتها قائلة بلوعة: بعيد الشر عنك يابنتي، ربنا يديكي العمر لأجل خاطر بنتك وخاطرنا، ده أنتِ الشمس اللي نورت عيلتنا، ربنا يسامحه أبوكِ هو السبب. لو كان آمن بالقسمة والنصيب مكنش ده بقى حالنا كلنا. هزت سعاد رأسها قائلة بحزن: ربنا يسامحه ويسامحني انا كمان لو مكنتش فضلت اقوله انت اخويا اللي مخلفتوش امي، لو كنت فهمت وقتها مشاعره ومشاعري كان اعترفلي بحبه واتغيرت حياتنا. قطبت الخالة جبينها قائلة:.
لو كنتِ فهمتي مشاعرك، قصدك ايه يابنتي؟ انتِ.. قاطعتها قائلة: ملوش لازمة الكلام ده دلوقتي، انتِ قلتيها بنفسك. كل شيء قسمة ونصيب وربنا يرضينا بقسمتنا ويوفقنا قادر ياكريم. هقوم اعملك فنجال قهوة تاني ياخالتي أصل الفنجال ده برد. نهضت تتجه إلى المطبخ لتقول خالتها بحزن:.
انتِ طلعتي كمان بتحبيه يابنت أختي، آه من العذاب اللي انتوا عايشين، اصل مفيش أصعب من الفراق عن اللي بتحبوه واسألوني أنا. 15 سنة ولسة بشوفه جنبي وحوالية، لسة بشم ريحته وبسمع صوته. لسة معايا جوة قلبي وحضني وبفكر فيه في كل لحظة. شوقي ليه مخلي النوم مجافيني. الفراق بيزود الحب ويقيد نارها فربنا يعينكوا ياحبايبي على نارها.
طرقت الباب ثم دلفت إليه فوجدته يعتدل جالساً في السرير على وشك النهوض، أسرعت تضع الصينية جانباً وهي تقول: انت رايح فين؟ كان يتحاشي النظر إليها قائلاً: انا بقيت كويس و.. قاطعته قائلة: مش معنى أن الحرارة نزلت وقدرت تشم نفسك يبقى تبذل مجهود المفروض ترتاح شوية. انت مكنتش حاسس بنفسك النهاردة الصبح. بس انا دلوقتي احسن، مش لازم نضيع وقت، انا سمعت مامتك وهي بتكلمك وبتطلب منك نرجع.
اقتربت منه حتى أصبحت أمامه تماماً لتجثو على ركبتيها فتكون على مرمى بصره تقول بحنان: ومسمعتنيش لما قلتلها انك تعبان واني مش هقدر أنزل مصر قبل ماأتأكد انك كويس وبخير.
طالع عيناها الجميلتين بقلب يإنّ لضمها إليه، بات جسده بالكامل يطالبه بها وكأنه لن يهدأ او يرتاح حتى ينالها، قربها الشديد منه في الأيام الأخيرة ومعاملتها الحانية تجاهه أيقظا فيه رغبته كحبيب يود ارتواءاً لمشاعره، قد يكتفى بغمرة او قبلة ولكنه سيخيفها وقد يؤذيها ان فقد السيطرة على مشاعره، لذا لابد وأن يبتعد عنها ويعودا إلى القاهرة فهناك قد تكون بأمان منه حتى يقضي الله أمره وتكون حلاله. بتفكر في إيه؟
أشاح بوجهه عنها قائلاً: في حبيبتي. ظهر الألم في مقلتيها فنهضت ببطئ تقول: وحشتك؟ هذا الألم في صوتها جعله يعود بعينيه إليها فرأي ملامحها عادية لا تحمل ماأمل ان يجده فيها، ليقول بهدوء: اكيد وحشاني. اتجهت إلى الطاولة وسحبت الصينية التي تحمل طبق الشوربة تناوله إياه وهي تقول: يبقى لازم تتعافي عشان ترجعلها، اشرب الشوربة دي وبإذن الله تبقى كويس، ماهو مكنش ينفع تخرج بالليل من غير جاكت.
اخذ منها الصينية بيد مرتعشة كادت ان تفلتها فأسرعت تسندها، تلامست الأيدي وتلاقت العينان فتوقف الزمن واحتبست الأنفاس، ظهر ماخفي ووارته القلوب فاقتربت الوجوه حتى كادت الشفاه ان تتلامس، تراجع طاهر في اللحظة الأخيرة وهو ينظر إليها بحيرة، فشعرت بخجل يغمرها من شعر رأسها حتى أخمص قدميها، تركت له الصينية وغادرت على الفور، تذهب إلى حجرتها وتغلق الباب تسند رأسها إليه، تغمض عيناها وماحدث منذ قليل يتراءي أمامها لتضرب رأسها بخفة مراراً إلى الباب تقول بحنق:.
غبية. كان مرة لازم يرفضك عشان تتأكدي انه بيحب واحدة تانية غيرك. فضلتي تكرهي الرجالة وتقولي مستحيل هحب ولما حبيتي حبيتي واحد مرتبط. اشربي بقى ودوقي العذاب ياآيات. لأنك خلاص حبيتيه وده حب اتولد ومش هيموت في قلبك مهما حصل. يعني أنتِ كنت عارفة؟ أكيد طبعاً المشاعر مبتستخباش ومحمد حبك من كل قلبه وكان باين في كل نظرة وكل اهتمام خصّك بيهم. وإزاي انا كنت عامية بالشكل ده ومخدتش بالي؟
التعود ياسعاد، أنتِ اتعودت على وجوده في حياتك واهتمامه بيكِ حسيتيه اهتمام اخوي فاتعاملتي على الأساس ده، ولما كبرتي واتجوزتي وقدرتي تفهمي الفرق بين الأخ والحبيب، سديتي ودانك عن مشاعرك وكدبتي نفسك لأنك مش حابة تخسريه، لحد ماخلاص اتقالت بكل وضوح واللي انتِ خفتي منه حصل. خسرتيه وخسارته عندك أقوى من كل خسارة. وعشان كدة زعلانة ومقهورة وبتكلميني عشان اصبرك وتصبريني.
أصبرك. ليه يامروة ايه اللي حصل؟ مش آخر مرة كلمتك كنت عايشة في دنيا من الخيال. الخيال قلب غم، مش قادرة اعيش وانا شايفاه من نصيب واحدة غيري، مش قادرة اتخيل ان قصتي معاه انتهت من قبل ماتبدأ. عارفة نفسي في ايه دلوقتي؟ نفسك في ايه؟ ارجع لمروة قبل ماتقابله. مروة اللي كانت عايشة مرتاحة البال، مبقتش عارفة أنام ولا اعيش من غير ماافكر فيه وأشتاق إليه وأتمناه. العذاب ده كتير قوي على قلبي.
أدرك جيدا ماتشعرين به. أراه يسري في دمي وأحشائي، اتمنى لو تغير القدر وكان من نصيبي ولكن تظل الأحلام بعيدة المنال على من كُتب عليه الفراق عن أحبته. روحتي فين ياسعاد؟ معاكِ ياقلبي وحاسة بيكِ. ايه رأيك تيجي القاهرة مع صلاح زيارة سريعة. وأهو تبعدي عنه شوية؟ قالت مروة بحزن: هو أصلاً مش موجود. سافر. سافر فين؟ القاهرة. عنده شغل. وحشك مش كدة؟
قوي ياسعاد وكأني بقالي عمر بحاله مشفتوش مع ان لسة ممرش ساعات على فراقه. تفتقديه مثلما أفتقد محمد. كما نحن تعساء ياصغيرتي. سعاد هي نهال عاملة ايه دلوقت؟ كويسة قوي. الحمد لله هترجع المدرسة من بكرة وتنتظم تاني فيها. وباباكِ لسة ساكت؟ على الأغلب خايف من الناس اللي بعتهملي عمي رءوف وعشان كدة مبيتكلمش.
مش عارفة ليه مش مطمنة لسكوته ده. عموماً خدي بالك من نفسك ومن نهال وتقى. وانا في أقرب فرصة هظبط اموري وهجيلكم. هنستناكِ. انتِ كمان خدي بالك من نفسك وحاولي تنسى واهو غيابه فرصة تساعدك على كدة. بيقولوا الفراق بيزيد الاشتياق. ربنا يصبرني ويصبرك ياقلبي. أشوف وشك بخير. تلاقي الخير ياروما. سلام ياحبيبتي.
أغلقت مروة الهاتف قبل أن تبحث في هاتفها عن أغنية تسللت إلى مسامعها فتنهدت وهي تضع الهاتف جانباً تسحب الوسادة وتترك كلمات المطربة تعبر عن احاسيسها في هذه اللحظة. أنساك.! ده كلام.؟ أنساك.! يا سلام.! أهو ده اللى مش ممكن أبداً. ولا أفكر فيه أبداً ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبدا أبدا أبدا أهوده اللى مش ممكن أبدا ولا ليله ولا يوم. أنا دقت النوم. ايام بعدك كان قلبك فين؟ وحنانك فين؟ كان فين قلبك؟
أنا أنسى جفاك وعذابى معاك ما أنساش حبك أنساك ده كلام انساك يا سلام واحب تانى ليه وأعمل فى حبك إيه ده مستحيل قلبى يميل ويحب يوم غيرك أبداً أهو ده اللى مش ممكن أبداً اقترب مسعود من أشرف يمنحه رداء ممرض وهو يقول:.
تلبس ده وتستني نص ساعة بالظبط وتخرج من الباب ده، هسيبهولك مفتوح، هتغطي وشك بالطاقية دي وتمشي طوالي. هتلاقي في آخر الطرقة سلمين يمين وشمال، انزل من السلم الشمال وامشي علطول لغاية ماتلاقي بوابة فاضية، أخرج منها وبإذن الله هتكون برة المستشفى دي، تقول لبنتك كل سنة وهي طيبة وترجع تاني. هي ساعة زمن او ساعتين بالكتير وهتتبدل الحراسة ونروح في داهية. كان أشرف يرتدي لباس الممرض بينما يقول بابتسامة:.
متقلقش ياراجل ياطيب. هرجع قبل تبديل الحراسة والشيك اللي ادتهولك هاخده وهسلمك الفلوس بداله. كتر خيرك ساعدتني وقبلت الشيك ووثقت فيا ومش ممكن أضيع الثقة دي أو أضرك. ها. إيه رأيك كدة؟ تمام قوي. متنساش نص ساعة وتخرج. همشي انا بقى عشان ألحق أظبط أموري. ما إن خرج مسعود حتى اتسعت ابتسامة أشرف ليقول بهمس منتصر:.
أما مغفل صحيح. محدش قالك قبل كدة لا تآمن لمدمن ولا تسلمله أمرك. أصله عبد لكيفه وهيطعنك أول ماتديله ضهرك. وضع القبعة على رأسه يعد الدقائق بإنتظار انقضاء الساعة حتى يحصل على حريته ويعود لإدمان يسري في دمه وبات لديه يقين الآن من أنه لن يشفي منه أبداً.
كاد طاهر أن يغلق حقيبة السفر حين وقع بصره على هذه العلبة فمد يده وتناولها يفتحها ويطالع مابها. قلم على شكل ممثل أمريكي يشبهه في الملامح، تذكر هذا اليوم الذي كانا يتجولان فيها في قرية (ماتيرا) أجمل قرى إيطاليا بسبب كهوفها ومناظرها الطبيعية الرائعة ومنازلها المصفحة على التلال الي جانب شوارعها المرشوشة بالحصي والمتاحف الرائعة مما جعلها قبلة المنتجين لأفلام هوليود. وجعل ايضاً بعض السكان الأصليين ينتجون اقلاماً وأدوات مكتبية على أشكال الممثلين ويبيعونها للسياح، توقفت يومها آيات أمام إحدى هؤلاء الباعة وانتقت هذا القلم ثم منحته إياه قائلة:.
الممثل ده شبهك على فكرة. خلي القلم معاك هدية مني وكل ماتكتب فيه بعد ماتخلص تمثيليتنا هتلاقي نفسك بتفتكرني. تأمل ملامحها بحب هامساً: انتِ عايزانى افتكرك بقي؟غريبة. مش انتِ اللي قلتي في أول يوم شفتك فيه مش هلحق اعرفك كل الموضوع كان يوم وكل واحد يروح لحاله. شاب ملامحها اضطراباً وهي تقول: انت لسة فاكر، ميبقاش قلبك اسود بقى. احنا كلنا مع بعض عيش وملح وقضينا مع بعض وقت كبير. طبيعي اني هفتكرك وتفتكرني.
ماشي ياستي. طيب لما همسك القلم ده وأكتب بيه هفتكرك، لكن أنتِ هتفتكريني ازاي؟ كل ماهفتكر بابا هفتكرك، يعني تقريبا في كل وقت. لو عرفت بابا كنت فهمت قد ايه بتشبهو.
أغمض عيونه في تلك اللحظة، يتذكر احساسه وقتها، كم شعر بالذنب وتمني لو لم يقرأ مذكراتها. يعرف انه يتصرف بطبيعته التي تشبه أباها حقاً ولكن تصفحه لهذه الذكريات أوجد لديه احساس عميق بأنه يخدعها، ربما لو صارحها بالأمر سيرتاح. لماذا يخشى التصريح لها بالحقيقة وقد بات الآن يشعر بأنها تُكن له بعض المشاعر؟ تضعف تجاهه رغما عنها على مايبدو ورغم أنه يتألم لصدها ولكنه يدرك انه ان اقترب منها لن يتوقف حتى تصبح له. الي جانب أنه يود مصارحتها بكل شيء لإنه يريدها بكل ذرة في كيانه ويعلم انها تريده لذا عندما يعود لمصر سيعلنها صراحة.
أنتِ الفتاة التي أحب اخفيت عنكِ هويتها حتى تؤمنين بالحب بعد ان كفرتي به فبالله عليكِ لا تجوري على قلبي تلومينه بالخداع فما كان هناك سبيل آخر سواه لأعيد لكِ إيمانك بالحب انظري خلف الزيف ستجدين جوهر يسطع بداخله إسمك ويعكس صورتك. انظري إلى قلبي ستجدينه قد وشم بحبك منذ أن رآكِ هناك في هذا المقهى تكتبين في هذا الكتاب الأحمر، تتلذذين بالقهوة والموسيقى وكأنك تشاركيني شغفي وما أحب.
وحين عرفتك أكثر أدركت أنك من حلمت بها طوال عمري، شريكة الروح وحبيبة الفؤاد لذا لن أتخلى عنكِ أبداً وسأحارب من أجلك كل شيء حتى ظنونك.
أعاد القلم إلى موضعه ثم أغلق الحقيبة وحملها إلى الخارج حيث تنتظره آيات التي أشاحت بعينيها عن عيونه، تتقدمه إلى السيارة، جلست جواره في صمت بينما يطوي الأرض إلى المطار يلقى عليها نظرة بين الحين والآخر ليجدها شاردة في الخارج متجهمة الملامح. ليدرك بوضوح ان مهمته ليست سهلة على الإطلاق ولكنه أهلاً لها.
رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون
حمد الله ع السلامة ياأشرف. كنت فين ياجدع؟ مهاجر ولا مسافر؟ كنت في سجن ياأخويا. سجن؟ ليه؟ عملت إيه بس؟وخرجت ازاي؟ جلس أشرف على أقرب كرسي قائلاً بسخرية: بلغت عنك. انتفض مغاوري وهو يتلفت ذات اليمين والشمال قائلاً: بقى كدة ياأشرف تبيعني بعد كل اللي عملته عشانك، مكنش العشم ياأخويا. ابتسم أشرف قائلاً: أقعد ياعبيط انا بهزر معاك، وصبح على أخوك لإنه خرمان واتحرم بقاله كام يوم من اصطباحته.
جلس مغاوري وقد عاد اللون إلى وجهه يخرج من جيبه كيساً إلتقطه أشرف بلهفة يفتحه ويستنشق مابه بينما يقول الأول بحيرة: انت كنت في السجن صحيح؟ أمسك أشرف رأسه يغمض عيناه وقد سري السم في شرايينه يتلون الكون من حوله من جديد قبل أن يفتح عيونه التي احمرت تأثراً بتعاطيه فصارت كلون الدم، يطالع مغاوري قائلاً بلسان ثقل قليلاً: كنت في مصحة. سجن نضيف يعني، دقت هناك المر والعذاب وطلعت روحي.
طب إيه اللي جبرك ياخويا تعمل كدة؟ الطمع. كنت فاكر اني هقدر أبطل الهباب ده وأكون إنسان جديد على رأي شعبولا. رسملي بيه كبير البحر طحينة وقالي لو بطلت هشتغل في مصنعه بمبلغ محلمش بيه، ده غير اني قلت وقتها حياتي هتتصلح مع مراتي وأمي بس طلعت انسان ضعيف قوي مقدرتش اتحمل العذاب اللي كنت بعيشه كل ليلة. سكاكين كانت بتقطع في جسمي وراسي كانت بتنفجر، كنت افضل اخبطها لغاية مايغمي عليا. هز مغاوري رأسه قائلاً:.
الواد عكاشة حاول يبطل زيك بس من تاني يوم جه عندي ياخد اصطباحته، حكالي عن العذاب اللي شافه لما حاول، بس على ايه تتعذبوا؟ التموين موجود وأنا جاهز والدنيا حلوة ولا إيه؟ إلا قولي يامغاوري. انا عمري ماشفتك بتضرب هيروين ولا بتشرب حتى سيجارة حشيش. هو طباخ السم مش بيدوقه برضه؟ ظهر الارتباك على وجه مغاوري قائلاً:.
ها. آه طبعاً بيدوقه. عيب عليك ياجدع، بس انا صاحب مزاج احب ادوقه وانا لوحدي أو مع مزة مش مع خناشير زيكم. حقك ياكبير. المهم شوفلي بقى مكان أبات فيه يومين. قطب مغاوري جبينه قائلاً: ليه. انت مش هتروح على بيتك؟ هز أشرف رأسه قائلاً:.
لا. ده اول مكان هيدوروا فيه عليا. انا كنت هروح لسعيد، الوحيد يعني اللي كان يعرف بموضوع المصحة دي بس تليفونه مقفول فجيتلك طوالي. هستني يومين في اي مكان تشوفهولي وأول ماالأمور تهدي هروح. ربت مغاوري على يد أشرف قائلاً: المكان موجود ياأخويا، البيت بيتك ومطرحك تقعد فيه لما تزهق. ابتسم أشرف قائلا: ده العشم ياصاحبي. هقوم أريح بقى شوية، بقالي كتير منمتش نومة طبيعية.
قوم ياأخويا قوم، ريح في تاني أوضة ع الشمال، انا كمان هنزل مشوار وارجع أسهرك سهرة ملوكي. هز أشرف رأسه وهو ينهض مترنحاً يحاول الوصول للحجرة بينما يتابعه مغاوري بعينيه هامساً: آل عايزني أدوقه آل. وأنا أهبل زيكم أضيع فلوسي وصحتي ع السم ده؟ مستحيل طبعاً. دلف محمد إلى المنزل فوجد والدته تصلي، جلس جوارها وما ان ختمت صلاتها حتى قبل يدها، ابتسمت قائلة: ربنا يراضيك ياابني.
أيوة كدة ياست الكل ادعيلي، محتاج قوي دعواتك الفترة الجاية. توجس قلبها خيفة وهي تقول: انت خلاص نويت؟ رفع الورق بيده أمامها قائلاً: هسافر آخر الأسبوع بإذن الله. ترقرقت الدموع بعينيه على الفور فقال محمد بلوعة: لا ياأمي أبوس إيدك بلاش الدموع دي، أنا مقدرش أشوفها في عينيكي، بتضعفني وتوجعني وأنا فيا اللي مكفيني. مسحت دموعها قائلة: بعيد الشر عنك ياحبيبي من الوجع، خلاص مبعيطش اهو، انا حتى مبسوطة وفرحانة كمان.
ابتسم بحزن قائلاً: مبتعرفيش تكدبي ياطيبة. اعمل ايه بس؟ هتوحشني يامحمد. انا مليش في الدنيا دي غيرك، مين بس اللي بياخد باله مني ومن مواعيد الدوا بتاعي؟ مين اللي بيصبح علية ويمسي ويقولي منورة حياتي ياست الكل؟ مين اللي نفسه بس في البيت بيخليني اقوم من فرشتي عشان أقعد معاه واحس اني حية؟مش انت ياضنايا؟ اغروقت عيناه بالدموع قائلا:.
كفاية ياأمي. متزوديهاش عليا. انا مش هسيبك وأسافر كتير كلها أسبوعين تلاتة هظبط أموري وأبعتلك تجيلي. الأسابيع هتبقى شهور والشهور هتبقى سنة هي الغربة بالساهل. وياعالم الوجوه هتتلاقي من تاني ولا هقابل وجه كريم قبل ما... قبل يدها قائلاً: بعيد الشر عنك ياأمي متقوليش كدة الله يرضى عنك. خلاص مش مسافر. هقعد معاكِ هنا ومش هسيبك. انتِ أهم عندي من الدنيا دي كلها. اهم عندي من نفسي. ربتت على يده قائلة بحنان:.
لو كنت لفيت الدنيا دي كلها مكنتش لقيت ابن بطيبتك وحنيتك يامحمد، سافر ياابني. سافر وهدعيلك وبإذن الله هتتيسر أمورك ياضنايا.
كانت قدماها تطويان الأرض بإتجاه حجرة الطعام وقد عرفت من الخادمة ان السيد ماهر قد عاد صباح اليوم، تباً لقلب افتقده حد الجنون، لم يمضي على الفراق سوي يوم واحد بدا كدهر أنهك القلب شوقاً، دلفت إلى حجرة الطعام فتركزت عيناها على مقلتيه اللتان تعلقتا بها، عيون في لون الدخان أطلقا عليها سحراً لم تستطع فك طلاسمه والأدهي أنها لا ترغب في هذا رغم كل شيء، تحبه كما لم تحب من قبل وتدرك أن الحب لعنة ان أصابت قلب فمن المستحيل الافلات منها.
وجدت صوتها يهمس قائلاً: صباح الخير. قالت السيدة كريمة بابتسامة بشوشة: صباح الخير يابنتي واقفة بعيد كدة ليه؟ قربي واقعدي عشان تاكلي. اقتربت من الطاولة دون أن ينقطع اتصال عيونهم، جلست وهي تقول: حمد الله على السلامة. تأمل ملامحها وكأنه يتشرب منها قائلاً: الله يسلمك. صحيح ياماهر، انت كنت قايل هتغيب كام يوم في القاهرة، هو يوم واحد ورجعت. حصل حاجة هناك؟ اضطر لقطع اتصال الأعين وهو يطالع والدته قائلا:.
لا ياماما محصلش حاجة، كل الحكاية انكم وحشتوني. قال كلمته الأخيرة وهو يعود بنظراته إلي مروة التي تسارعت خفقاتها بقوة فأطرقت برأسها حتى لا يظهر الحب جلياً على ملامحها بينما سمعت كريمة تقول بخبث: وحشناك. قلتلي. يعني مضيت العقد ولا هتسافر تاني؟ رفع فنجال قهوته يرشف منه رشفة وهو يقول:.
احنا مضينا العقود الابتدائية وهسافر تاني عشان نمضي العقد النهائي ونسجله، وقتها ممكن آخدك عشان تزوري الحسين زي ماكنتِ عايزة ولو مروة حبت تيجي هي وصلاح عشان تزور صاحبتها انا معنديش مانع. رفعت وجهها تقول بلهفة: ياريت. ابتسم ماهر ابتسامته الحانية التي تجعله اكثر جاذبية فترفع من وتيرة خفقاتها حد الجنون، عادت تطرق برأسها فاتسعت ابتسامته قائلاً:.
يبقى اتفقنا. بالمناسبة ياماما. هي فين عليّة؟ دادة منيرة قالتلي انها مش في البيت وخرجت من بدري. ضمت مروة قبضتها بقوة، تشعر بالغيرة تحرقها ماان يبدي اهتمام بعليّة، تدرك ان لها الحق فيه كخطيبته ولكنه الحب الذي تكنه له مايجعلها غير قادرة على تقبل اهتمامه بأنثي غيرها حتى وان كانت خطيبته.
والله عليّة بقالها يومين مش على طبيعتها ياماهر، مش عارفة جرالها إيه؟ علطول حزينة وقاعدة في اوضتها، انا خايفة تعمل حاجة في نفسها زي المرة اللي فاتت. المرة الماضية. هل حاولت عليّة الانتحار سابقاً؟ قطب ماهر جبينه قائلا: وهي فين دلوقت؟ أكيد في النادي. ده المكان اللي ممكن تكون فيه من بدري كدة. هز رأسه وكاد ان يقول شيئاً ولكن رنين هاتف مروة قاطعه، لتطالع مروة الشاشة بارتباك قبل أن تقول:.
ده مراد. عن اذنكم هرد عليه. أخذت الهاتف وابتعدت فتجهمت ملامح ماهر وقبض يده بقوة بينما تتابعه والدته، تبتسم بداخلها وقد أدركت أن والدها تنهشه الغيرة في هذه اللحظة، عادت مروة إليهما قائلة: هو ممكن ياكريمة هانم تاخدي بالك من صلاح؟ هروح النادي ساعتين وراجعة علطول. كادت كريمة ان تجيب ولكن صوته الحاد قاطعها وهو يقول: رايحة النادي ليه؟ قطبت جبينها تتعجب من لهجته الحادة، تقول بحيرة:.
عادي يعني وهم الناس بيروحوا النادي ليه؟ متستفزنيش يامروة ومتجاوبيش سؤال بسؤال. اهدي ياابني. استنى انتِ ياماما أما أشوف الهانم رايحة النادي ليه؟ انا مش شايفة أي سبب لأسلوبك ده معايا. حضرتك رايحة النادي مع مراد اللي بقيتي بتقولي اسمه كدة من غير ألقاب وكأنه متربي معاكِ. مش كدة؟
إنه يغار. نعم يغار. وبقوة. لم يبد هذه الغيرة تجاه عليّة حتى وهي ترقص مع غيره بينما يبديها تجاهها لمجرد نطقها اسم صديقه دون ألقاب، هل يمكن أن يفرح القلب أكثر؟
نظرتها إليه جعلته يدرك أنها نفذت إلى أعماقه وعلمت كيف يشعر الآن بالتحديد. ليلعن قلبه الخائن الذي يعشقها ثم يطلب منها الفراق والآن يحاسبها على المضي قدما بحياتها، هل توقع ان تعش هي راهبة بينما يتزوج هو من أخرى؟ تبا فكرة زواجها من آخر تقتله فما بالك لو أصبحت حقيقة. لم يعد يستطيع المكوث أكثر ووالدته تطالعه بنفس النظرة وكأن الاثنان يلومانه على حب يخفيه بالقلب وتضحية يقوم بها من أجل احساس بالذنب يتملكه. فهل هو على صواب أم علي خطأ؟ في هذه اللحظة لا يدري حقاً.
نهض يترك منشفته على الطاولة ويتجه للخارج بخطوات واسعة، بينما التفتت كريمة إلى مروة قائلة: روحي يابنتي النادي وانا هاخد بالي من صلاح. لأ خلاص هتصل واعتذرله.. قاطعتها قائلة: تعتذري ايه بس؟ روحي وقضي وقت حلو في النادي، مراد دمه خفيف وهتتبسطي وياه. أنتِ من ساعة ماجيتي وانتِ قاعدة في البيت مبتخرجيش. قومي يابنتي عيشي سنك. ظهر التردد على وجه مروة قبل أن تهز رأسها بالايجاب.
توقفت عن الجري تثني جذعها وتمسك ركبتيها تلهث من كثرة الركض، تحاول أن تطغى بالمجهود على التفكير ولكن هيهات تتردد كلماته في أذنها فتسمع صداهم يتردد بجنباتها. هل هي حقاً كما أخبرها مراد؟ تحاول أن تجعل طبيعتها مناسبة لمن تريده، تارة ضعيفة وتارة قوية بينما هي مزيج من الاثنين، استقامت تزفر وهي تمسح بيدها على شعرها القصير، تتعجب من صراع ملك عليها جوارحها، تتساءل لماذا انتفض جسدها وتسارعت خفقاتها حين أعرب لها عن حبه؟ انتابتها مشاعر جارفة حتى أنها أسرعت بالهرب من أمامه كي لا تضعف وتستسلم لقوة مشاعره التي ظهرت بمقلتيه ونبراته. تخشي التخلي عن قدرها وهو الزواج من العائلة كما كان والدها دوماً يردد على مسامعها.
لا أحد قد يحبك كابن عمك. لا أحد سيحافظ عليكِ مثله. هو الذي سيحميكي من كل الشرور. هو الذي سيكون راغباً فيكِ وليس في أموالك. لا تنظري لغيره. لا تفكري بسواه. كوني له وحده مهما كان.
وقد كانت لصلاح، أحبته من كل قلبها ووضعت فيه أمانيها ثم كانت لماهر رغم ان القلب ظل يخلد ذكرى رجل واراه الثري، ولكن علاقتها بماهر شابها الأمان تدرك انه مثلها جرحه الحب فصار مُحرماً عليه، تربطهما علاقة دم وثقة لا تنفصم. حتى البارحة حين صارحها مراد بحبه فوجدت نفسها تفكر فيه في كل لحظة، وكأنه احتل جزء من قلبها بالماضي حين كانوا رفقاء وكبر هذا الجزء تدريجياً دون أن تشعر ليكشف عنه الغطاء تماماً حين واجهها بمشاعره، والآن ماذا تفعل؟ هل تتخلى عن أمانها وتستسلم لعواطفها مجدداً. هل تستطيع أن تثق فيه كثقتها بماهر؟
تنهدت وهي تدرك أنها في هذه اللحظة يتغلب ضعفها على قوتها فتخشي القادم وتؤثر امان الحاضر، ستذهب لتأخذ حماماً وتبدل ملابسها ثم تعود للمنزل وتتصل بماهر تطلب منه تعجيل عقد قرانهما لتحسم هذه الأفكار وتقضي عليها بالكامل. ممكن نتكلم بصراحة أكتر يامراد؟ طالعها مبتسماً وهو يقول: أكيد طبعاً. انت عايز مني ايه؟ قطب جبينه قائلاً: صداقتك يامروة، انتِ انسانة رقيقة وطيبة وأكيد اي حد يتمنى تكوني صديقته.
تراجعت في مقعدها قائلة: كان ممكن أصدق الكلام ده قبل مافيه حاجات بينتلي انك قاصد ماهر بخروجك معايا. تأملها للحظة قبل أن تنفرج أساريره قائلاً: ذكية فعلا وصريحة ومباشرة. انتِ من البنات اللي فعلا بتعجبني يامروة يمكن كنت حبيتك لو... صمت فقالت مروة بحزم: لو مكنتش بتحب عليّة. مش كدة؟ عقد حاجبيه قائلاً: ازاي عرفتي؟معتقدش اني واضح قوي بالشكل ده؟
الحب بيبان من أقل حاجة، وانت يوم الحفلة بان الحب في كلامك ونظرة عيونك ليها، لدرجة اني خفت ماهر ياخد باله وتحصل مشكلة. خفتي عليه ولا عليا؟ طالعته ببرود فأردف مبتسماً: عليه طبعاً. عموماً ياستي متخافيش. ماهر عارف اني بحبها، يمكن مااتكلمناش في الموضوع بس انا متأكد انه حاسس.
وانت كمان حسيت انه مهتم بيا فحبيت تردهاله وتاخدني منه. مش كدة؟ عموماً أحب أطمنك واقولك اني مش في دماغه أساساً فياريت تطلعني انا كمان من دماغك. ابتسم قائلاً: انا شايف انه مش مهتم بيكِ بس. لأ كمان بيحبك. كادت ان تعارضه ولكنه قاطعها قائلاً:.
أنتِ قلتي الحب بيبان من كلمة او نظرة واللي عمله ماهر يوم الحفلة اكتر من كدة بكتير، مش قادرة تشوفي مشاعره او بتكدبيها فانتِ حرة، لكن لازم أوضح اني مش انسان وحش لدرجة اني اعمل اللي قلتيه من شوية. لو كنت عايز أخون صاحبي او أأذيه كنت خدت منه عليّة، على الأقل بحبها وهي بتحبني حتى لو لسة معترفتش بده لنفسها. عقدت مروة حاجبيها قائلة: أمال بتعمل كدة ليه؟
خدمة لحد بحبه وبقدره، حب يشوف مشاعر ماهر هتتحرك وياخد موقف ويتمسك بحبه ولا هيفضل الواجب عنده أهم من روحه. مش هنكر اني نفسي يفوق قبل ما الكل يخسر وأولهم قلبي لو فضل متمسك بغباؤه. من فضلك متقولش عليه غبي. الظاهر ان المشاعر متبادلة. عموماً كدة أحسن. ممكن اعرف مين اللي طلب منك الخدمة دي؟ آسف دي أمانة.
طيب من فضلك وصل للي طلب منك الخدمة دي ان شاكرة أفضاله ومستغنية عنها، مش أنا اللي ممكن تإذي حبيبها او تلوي دراعه عشان يتمسك بيها، ماهر مش صغير وقادر يعرف هو عايز إيه وإن فضّل واجبه على حبه فده قراره اللي فهمته دلوقتي ولازم أحترمه، هو عارف قد ايه عليّة محتاجة الأمان قبل الحب وقادر يديهولها، ومش هاجي وأبعده عنها زي ماأختي بعدت عنها صلاح. ماهر بيضحى بحبه عشان بنت عمه اللي متمسكة بيه وحاطة أملها فيه وأنا كمان لازم أعمل زيه وأضحي، عليّة حالتها النفسية مش مستقرة وممكن تعمل في نفسها حاجة لو....
ماهو احساسي اللي قاللي من اول يوم انك أخدتيه مني خلاص. انا مخدتش حد ومش عايزة حد. أقولك انا هرجع القاهرة، هبعد عنكوا خالص عشان ترتاحوا مني. وصلاح؟! جرت دموعها على وجنتيها قائلة: هاجي أزوره. بس أرجوكِ تنسى اي حاجة اتقالت هنا وارجعي لماهر. اتجوزيه. عيشي عشانه واوعى تفكري تإذي نفسك مرة تانية. لو حصل ماهر هيموت من احساسه بالذنب.
اخذت حقيبتها ومسحت دموعها وهي تسرع مغادرة بينما تتابعها عليّة بعيون حائرة، انتفضت على يد وضعت على كتفها وصوته المهتم يصلها وهو يقول: أنتِ كويسة ياعليّة؟ استدارت إليه تقول بمرارة: إيه خايف اعمل في نفسي حاجة انت كمان؟ خايف أموت وتشيل الذنب. وضع يده على فمها قائلاً: بعيد الشر عنك. أنتِ متعرفيش حالتي كانت عاملة ازاي لما قطعتي شرايينك وفضلتي في المستشفى بين الحيا والموت 3 أيام بلياليهم.
ليمسك يدها اليسرى يمر بإبهامه على ندوب رسغها يغمض عيناه قائلاً: كنت مبنامش. قاعد جنبك ليل ونهار. ماسك ايدك وبدعي ربنا مايحرمنيش منك، ياخد عمري ويديهولك بس أشوفك صاحية من تاني، لغاية لما فقتي وفتحتي عيونك حسيت بروحي بترد فيا، ولما سألتي عن ماهر. فتح عيونه لتظهر في مقلتيه ناراً أشعلت مشاعرها وهو يردف:.
ورغم اني قريتها في عنيكِ. بتدوري على امانك فيه وهتتعلقي بيه عشان تعيشي، ورغم نار حسيتها بتحرقني بس خرجت ندهتله علطول وانسحبت. كان كل همي حياتك وسعادتك حتى لو في سبيلهم هموت قلبي بالفراق. كان ممكن أفضل العمر بعيد عنك لكن صدقيني احساسي بيقولي اني لازم أقرب في الوقت ده وأعبرلك عن اللي جوايا عشان في يوم مندمش وأقول ياريتني قلتلها عن اللي في قلبي. وانا قلبي دلوقت بين ايديكي، ياترحميه من عذابه ياتخرجيه من حياتك والمرة دي للأبد ياعليّة. ها. قلتي إيه؟
طالعته عليّة بعيون اشتعلت فيها كل المشاعر فمنحته إجابتها في كلمتين. كلمتين فقط لاغير. دلفت سعاد إلى المنزل فوجدت نهال تتحدث مع أحدهم بالهاتف بينما تقي تلعب جوارها بعروستها، أشارت لها بفمها دون صوت تقول: ماما؟ فهزت نهال رأسها نفياً وهي تقول لمحدثتها: حاضر ياخالتي هنستناكي. لا إله إلا الله. أغلقت الهاتف فقالت لها سعاد: خالتي جاية النهاردة؟
لأ بكرة. هتيجي الساعة 4 على ماتيجي من المدرسة، هكون أنا في الدرس بس قلتلها تستناني. هزت رأسها قبل أن تقول: طيب قومي ياقمر بقى عشان تساعديني جايبالكم لحمة تستاهل بقكم، هفرمها ونعمل صينية البشاميل اللي طلبتوها مني الصبح. تبعتها نهال إلى المطبخ قائلة: على فكرة خالتي قالتلي ان أبيه محمد هيسافر السعودية آخر الأسبوع. تجمدت يدا سعاد على الطنجرة بينما تردف نهال قائلة:.
عايزين نروح نودعه قبل مايسافر، انا مش عارفة هو ازاي هيسافر ويسيب خالتي لوحدها؟ ده روحه فيها وروحها فيه، شكلها زعلان قوي ومعيطة. سعاد. ياسعاد روحتي فين؟ لم تستدر إليها وهي تقول: ها. لا. مفيش. يلا هاتي البصل من التربو وقشريه على ماأسلق المكرونة وأعمل البشاميل. أسرعت نهال تفعل ماطلبته منها أختها بينما تملأ سعاد طنجرتها بالمياه المنهمرة، لتنهمر الدموع من عينيها بدورها كهذا الصنبور. ولكن دون صوت.
رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون
نؤثر الرحيل حين يكون في بقاؤنا عذاب لا يحتمل، نحمل مشاعرنا ونمشي بخطوات ثقيلة نذرف دموع الشوق في صمت فقد ضاعت الكلمات حين حان وقت الوداع وتاهت الأحرف وصار الواقع فراقاً موجعاً. كان يجلس في حجرته المظلمة يغمض عيناه يحاول ان ينال بعض النوم الذي جافاه مؤخراً منذ علم بقرب موعد رحيله، فتح عيونه بحنق يلعن عقلاً يستعيد كل ذكري بينهما وقلباً يردد سؤالاً ملحاً لا إجابة له. هل ستحتمل الفراق؟ نعم سأفعل.
كفاك كذباً ان الشوق يقتلك منذ الآن. سأتغلب عليه. سأنسي مع الأيام. قلت لك كفاك كذباً. تدرك أنك لن تستطيع. بل سأفعل فقط دعني وشأني فقد ضاقت روحي. صوت رسالة جعله ينهي الحديث مع قلبه وينظر إلى هاتفه، ليجدها رسالة من حبيبته ومعذبته. مسافر خلاص؟ كتب بأنامل مرتعشة: أيوة. تروح وترجع بالسلامة. الله يسلمك. خد بالك من نفسك. وانتِ كمان. محمد. نعم. لا إله إلا الله. محمد رسول الله.
أغلق الهاتف وتقوقع في سريره يضمه إليه مجدداً، يغلق أهدابه على دموع أطلقتها مشاعره التي تفجرت في هذه اللحظة، يقتله الشوق ليراها ويضمها بين يديه، لايدري كنه شعور تملكه الآن يردد في أذنه لا ترحل وتتركها، ابقى من أجلها، لن تهنأ او تطمأن عليها في الغياب، وضع يديه على أذنيه يخرس هذا الصوت فوجد قلبه يردد: أخبرتك لن تحتمل الفراق. وهل تفترق الروح عن الجسد؟ أصمت عليك اللعنة.
سعيد. ادخل ياجدع ليك وحشة والله. كلمتك كتير بس تليفونك كان مقفول. احتضنه سعيد قائلا: حمد الله ع السلامة ياكبير. الله يسلمك. تركه فدلف سعيد إلى الشقة ينظر ذات اليمين واليسار قائلاً: أمال فين مغاوري؟ بيوزع بضاعة علي العيال السريحة وجاي. تعالي اقعد نشرب السيجارتين دول وتحكيلي عملت إيه في غيابي الكام يوم اللي فاتوا؟ ناوله السيجارة فالتقطها سعيد بلهفة يشعلها ويأخذ نفساً عميقاً منها قبل أن يقول:.
بصراحة الدنيا من غيرك كانت وحشة قوي أصل الناس اتغيرت. حتى مغاوري مرضاش يديني تمويني عشان مديتلوش حق آخر جرعتين خدتهم منه، ولولا صعبت ع الواد محروس فاداني من تموينه كنت اتجننت، ده انا قضيت ليلة مايعلم بيها غير ربنا، كانت السكاكين بتقطع في جسمي ونافوخي، كنت بتمنى الموت في كل لحظة.
انت هتقولي، انا شفت المر بس الحمد لله هربت ورجعت لكيفي، انا مش عارف كان جري لعقلي إيه لما طاوعت الراجل ده وروحت المصلحة برجلية، عموماً خلاص كل حاجة هترجع لأصلها، انا خلاص رجعت ياسعيد وتموينك عليا زي ما كان، بس ارجع البيت والورشة وكل حاجة هتظبط. قبل سعيد يده قائلاً: تسلم ياكبير، طول عمر خيرك عليا وجمايلك فوق راسي، تعرف لولا اني عارف انك هتعوز تاخد تارك بايدك كنت خدتهولك. عقد أشرف حاجبيه قائلاً:.
تار ايه اللي بتتكلم عنه ده؟ ماهو ده الموضوع اللي اول ماعرفت من محروس انك هربت من المصحة وقاعد عند مغاوري جيت علطول عشان أقولهولك. موضوع ايه؟ ماتنجز ياسعيد وتتكلم. مراتك ياكبير غفلتك. أمسكه أشرف من تلابيبه قائلاً بغضب: انت بتقول ايه ياسعيد؟هي المخدرات لحست عقلك ولا إيه؟ قال سعيد بخوف: لا والله ياكبير، انا شفتهم بعينية دول اللي هياكلهم الدود. هم مين دول اللي شفتهم؟ مراتك وابن خالتها.
ترك أشرف قميص سعيد وقد اشتعلت ملامحه فصارت كالجحيم وهو يقول: محمد!
طالعت الطريق تحاول أن تشغل بالها عن هذا الرجل الذي يجلس جوارها والذي لم ينطق بكلمة منذ غادرا إيطاليا، حانت منها رغما عنها نظرة إليه فوجدته شارداً بدوره، ترى هل يفكر بحبيبته؟ تقطيبة اعتلت وجهه فنظرت إلى ماينظر إليه، وجدت لجنة مرورية قريبة منهما بها ضابط وأمين شرطة فقط، يدع السيارة التي أمامهما تمر بينما تتعلق عيون الضابط بسيارتهما يشير لطاهر بالتوقف، هدئ طاهر السرعة ثم توقف جوارهما ليقول الضابط متجهما:.
رخصك. أخرجها طاهر من السيارة ومنحها إياه، ليقول الضابط بلهجة حازمة: انزل من العربية انت واللي معاك. عقد طاهر حاجبيه للحظة قبل أن تلمع عيناه وهو يقول: ده في أحلامك. قالها بينما يقود السيارة فجأة بسرعة جنونية لتنطلق في إثره بضع رصاصات تفاداها بصعوبة، لتقول آيات بهلع: انت اتجننت؟ دي لجنة مرور ياطاهر، كدة وديت نفسك في داهية. قال وهو ينظر إلى المرآة فلم يظهر للشرطي أثر ولكنه استمر بالقيادة متخذا شارع جانبي:.
دول مش لجنة مرور، دي غالباً عصابة وكانوا عايزين يسرقونا. ابتلعت ريقها بصعوبة تقول بصوت مرتعش: عصابة وعرفت ازاي؟ من لبسهم رجال الشرطة في الصيف بيلبسوا أبيض ودول لابسين اسود. كنت عملت رواية عنهم قبل كدة والمعلومة في دماغي. رغم إعجابها بقوة ملاحظته وذكاءه إلا انها وجدت الخوف يقبع في قلبها فقالت بنبرات مرتعشة: أكيد هييجوا ورانا. استدار يرمقها بنظرة سبرت أغوار خوفها فمد يده على الفور وأمسك بيدها قائلاً:.
قلتلك مش عايزك تخافي وأنا جنبك أنا قادر أحميكي بإذن الله، معايا مسدس مرخص وبعرف أستعمله كويس قوي ده غير اني آخد دورة كونغ فو، يعني محدش هيقدر يمس شعرة منك طول ماأنا عايش.
طالعته بنظرة مزجت بين الحب والامتنان، كاد أن يتوقف ويضمها إليه بقوة، يضرب بكل شيء عرض الحائط ولكن لن يفعل طالما هناك خطر يحدق بهما، يعد نفسه ماإن يصل لوجهتهما حتى يعترف لها بكل شيء ويطلب منها الزواج ولن يهدأ حتى تكون نعم هي إجابتها.
جلست سعاد على مقعدها في الحجرة المخصصة للمعلمين بالمدرسة بعد أن ذهب الجميع لحصصهم بينما أنهت هي دوامها للتو، تفكر في حياتها التي انقلبت رأساً على عقب منذ البارحة. تدرك ان فيما حدث حكمة من الله لذا عليها أن تأمل الخير وتتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً. رن هاتفها فوجدته رقم حماتها، أجابتها بابتسامة قائلة: بنت حلال كنت لسة هتصل بيكِ... قاطعتها صفية قائلة بلوعة: أشرف هرب من المصحة ياسعاد.
نهضت سعاد قائلة بصدمة: أنتِ بتقولي ايه ياماما؟ هرب من المصحة، طب ليه بس؟ قالت صفية بحزن: أهو ده اللي حصل. سي رءوف قالي انه هرب امبارح وقالب عليه الدنيا. هو مجاش عندك؟ لأ طبعاً. أكيد عارف ان ده أول مكان هيدوروا عليه فيه. ليه كدة ياأشرف؟ ده إحنا ماصدقنا وقلنا خلاص هتتعالج وتبقي كويس.
الممرض بيقول انه كان عايز يعايد بنته في عيد ميلادها، كذب عليه عشان يهرب، انا مش عارفة ايه اللي جراله؟لايمكن يكون ده ابني اللي ربيته. متزعليش نفسك ياماما. ييجي بس البيت وهرجعه المصحة تاني والمرة دي مش هيخرج غير وهو كويس وجسمه اتخلص من السم اللي بيجري في دمه ده. تفتكري هتقدرى يابنتي؟ لازم أقدر. دي مبقتش حياتي وحياتك اللي واقفة على علاجه وبس، دي حياة ولادي كمان. ولادك؟!
قالتها صفية بحيرة فأخذت سعاد نفسا عميقاً قبل أن تقول: أنا حامل ياماما. انت متأكد من الكلام اللي بتقوله ده؟ اكيد وأنا هقول الكلام ده برضه الا أما اكون متأكد منه، ده عرضك وشرفك ياكبير، أنت لو شفت كانوا بيبص لبعض ازاي كنت هتتأكد ان فيه بينهم حاجة كبيرة، ده غير ان عاطف قالي ان ابن خالتها كان مسافر اسكندرية في نفس الوقت اللي الست فيه كانت مسافرة، مش بعيد كانوا نازلين في نفس الفندق كمان.
ضم أشرف قبضته بقوة قائلاً: الخاينة اللي لازم أشرب من دمها وأشفي غليلي عشان ارتاح.
هترتاح بإذن الله، انا كنت براقب بيتك طول ماانت غايب آشوف اللي طالع واللي نازل ويمين الله لو كنت شفته طالعلها لكنت جايب رقبته ورقبتها وماكنت استنيتك لما تخرج، المهم. امبارح لقيت اتنين كدة شكلهم مش من الحارة جم وقعدوا علي القهوة اللي قصاد البيت ومتنقلوش منها من ساعتها، انا قلت مباحث بس بيتهيألي دول تبع البيه اللي حكيتلي عنه وده معناه انهم عرفوا بهروبك وقاعدين مستنيينك عشان يعكشوك من تاني.
قطب أشرف جبينه قائلاً: والحل؟ هطلع البيت ازاي؟ ماتقتلها وهي خارجة من المدرسة وتخلص. لأ البيت أأمن، محدش هيشوفني. لكن الشارع ألف من هيشوفني ويبلغ عني. خلاص يبقى تنط من سطوح البيت اللي جنبكم على سطح بيتكم وترجع مكان ماجيت ولا من شاف ولا من درا. ها. ايه رأيك؟ لمعت عينا أشرف وهو يقول: هو ده الكلام، دماغك حلوة ياسعيد. خدامك ياكبير. يبقى يلا بينا مفيش وقت نضيعه.
سبقه أشرف إلى الخارج بينما تبعه سعيد ينتويان شراً بفتاة بريئة من كل إثم، سولت لهما نفسيهما المغيبة بالمخدرات إثمها فأدانوها وحكموا عليها وهاهما ذاهبين لتنفيذ الحكم وهي بريئة كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب. تأملت آيات شقة طاهر بعيون تشبعت من تفاصيلها، تدرك الآن أنه يملك احساس فنان مرهف ظهر احساسه في كل مكان بالشقة حتى باتت كلوحة فنية رائعة. مش موجود برضه. انا مش عارف راح فين بس؟
استدارت تطالعه وهو يبحث عن شيء ما علي الأرفف بجوار التلفزيون لتقول بحيرة: انت بتدور على ايه؟ وليه كنت مصمم نيجي شقتك قبل ماتروحني البيت؟ هتفهمي كل حاجة بعد شوية، ألاقي بس اللي بدور عليه وهتعرفي كل حاجة. هي حبيبتك ساكنة في الشقة اللي جنبك علطول؟ قلتلك هقولك على كل حاجة. ثواني بس. رن هاتفه فكاد ان يغلقه لولا أن وجد رقم جده على الشاشة فأجابه قائلاً:.
وحشتني بجد. استنى هخرج البلكونة عشان الشبكة جوة الشقة مش قد كدة. آه رجعت..
اختفى صوته بينما يدلف إلى الشرفة يحادث جده على الأغلب، بينما حانت منها نظرة إلى الحجرة المجاورة لها، انها حجرته على مايبدو، أغراها الباب المفتوح لتلبي رغبة قلبها وتري أين ينام ويكتب، دلفت إلى الحجرة فراق لها تصميم غرفته المريح واقتصار ألوانها على اللونين الأبيض والأسود، مرت بيدها على الكتب الموضوعة على المكتب، تبتسم بحنان وهي تقرأ عناوينها بسرعة، يشاركها اهتماماتها كما اكتشفت سابقاً يدعم اكتشافها هذه الكتب، استدارت تطالع السرير، اذاً هنا ينام. تحمل وسادته رائحته الذكية، اقتربت حتى كادت ان تميل وتحملها، لتعقد حاجبيها وهي تنظر إلى سطح الكومود المجاور لسريره، هناك كان كتابها الأحمر الذي فقدته منذ فترة. أجندتها السرية التي وضعت فيها كل خبايا قلبها وأسرارها. حملتها تتصفحها بحيرة، تتساءل.
ماالذي جاء بها إلى هنا؟ في حجرة نوم طاهر هل وجدها حين فقدتها؟ هل كان يعرفها قبل أن تعرفه؟ هل خدعها كل هذه المدة مستغلاً أسرارها ليحظي بمغامرة معها؟ راجعت كل كلماته وشبهه الغريب بوالدها ونطقه ذات الكلمات التي وضعتها بالكتاب. تباً. هل كانت بهذا الغباء حقاً لتسلم قلبها إلى مايبدو أنه أكبر مخادع على وجه البشرية؟ آيات. أنا.. أغلقت الكتاب تستدير لتواجهه بعيون اشتغلت بالغضب قائلة:.
انت إيه ها؟ راجل زي كل الرجالة. قدرت تخدعني زيهم وتمثل حقيقة مش حقيقتك، بس انت طلعت أشطر حبتين وخليتني أحبك. اقترب منها فأوقفته قائلة بحدة: خليك عندك متقربليش. زاغت عيونه قائلاً: أنتِ فاهمة غلط. انا كنت هقولك. قالت بسخرية:.
تقولي! تقولي ايه بس؟ انك استغليت أسراري وكلامي عن بابا عشان توقعني في حبك. الغريبة ياأخي اني مش عارفة انت عايز مني ايه بالظبط؟ فلوس؟ عندك اكتر. عايزني؟ما أنا كنت قدامك وملمستنيش. يبقي حد قالك دي بنت بتكره الرجالة وكفرت بالحب فمش هتقدر تخليها تحبك. كنت تحدي بالنسبة لك مش كدة؟ لأ مش كدة. اسمعيني. مش هسمعك لاني مش هصدقك. عارف ليه؟ لإنكم كلكم خاينين وكدابين، كلكم خاينين وكدابين.
ألقت بالكتاب أرضاً وهي تسرع بالمغادرة بينما وجد طاهر نفسه عاجزاً عن اللحاق بها يعرف أنها تظلمه ولكن في كلماتها بعض الحقيقة، لقد استغل كتابها دون أن يدري في التأثير عليها ورغم انه تصرف حقاً تبعاً لقلبه ولكنه لا يستطيع الإنكار انه لولا الكتاب لما كانت له أي فرصة معها، لقد كان يبحث عنه حتى يبوح لها بكل ماأخفاه عنها. كان يريد أن يتطهر من إثمه. ولكنها سبقته وقبضت عليه بالجرم المشهود. مال يمسك الكتاب ويفتحه. كان له الكتاب في فراقها نوراً أرشده إليها، نعمة ظنها فصارت نقمة. نعم نال حبها كما اعترفت له ولكنه فقد ثقتها والحب دون ثقة يذهب أدراج الرياح، آلمه قلبه بقوة فصرخ ملقياً الكتاب على الأرض ثم اتجه إلى المكتب يلقى بكل ماعليه أرضاً يركل الكرسي قبل أن يجلس على ركبتيه يدع دموعه تسقط وتعبر عن ألم ووجع لا يحتمل.