رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل الثالث عشر
أستيقظت ضحى بمجرد تركه الفراش، أسندت رأسها على الوسادة ونظرت باتجاه الشرفة وهي تبتسم بسعادة، كريم كان في منتهى الرقة وتفهم خجلها وتعامل معاها بلطف فاقت من شرودها مفزوعة على صوت صياحه: وده حصل أزاي... دخل الى الشرفة مسرعا، فسألته بقلق: في أيه بدا على وجهه الهم الضيق، أتجه الى الخزينة وقام بأخراج ملابس له، ثم قال بشرود: غصب عني مضطر أنزل وأسيبك...
قامت من الفراش وأقتربت منه، وبصوت متوتر سألته: ماتقولي في أيه ياكريم... قال بسرعة: جيلان أتصلت بيا، قالت أنهم نقلو بيسان المستشفى... ظلت صامتة للحظات، تدير كلماته داخل عقلها، ثم سألت بلهجة يشوبها القليل من الغيظ: ومالك أول ماوصلك الخبر وأنت مش على بعضك... التقط سمعه الغيرة في صوتها، رفع أحدى حاجبيه وقال متعجبا: أنتي بتغيري ياضحى... مطت شفتيها وقالت: أغير من أيه، لأ طبعا مش بغير...
hبتسم كريم لا أراديا، ومال على شعرها يشم عبيرها المميز، مغمض العينين في أنتشاء، خجلت مما فعل فأحنت رأسها للأسفل، جذبها بجواره ثم أجلسها على الأريكة، وجلس بجوارها، نظر لها بحب وقال بتفهم: ليكي حق تغيري لما جوزك حبيبك ينزل ويسيبك تاني يوم جواز عشان خاطر بنت عمه، حابب أعرفك عشان المستقبل ومنعا للغيرة بعدين، أن بيسان تبقا أختي في الرضاعة وأفراد العيلة بس هما اللي يعرفو كده...
مالت ضحى ناحية كريم وعانقته بخفة، وهمست بأسف: زعلت مني... ضحك بخفة: تبقي عبيطة... أبتسمت ضحى وهي تميل اليه، أفتر ثغرها عن أبتسامة لا أرادية: أيوه نهض من جانبها وقال: معلش حبيتي هسيبك _ أجي معاك _لا خليكي أنت هنا وأنا هبقا أتصل بيكي _ هتوحشني _ وأنتي كمان هتوحشيني، ثم خرج مسرعا من الغرفة...
نظرت ضحى بشرود الى الباب الذي خرج منه، أتكئت بكلتا مرفقيه على ركبتيها، وأخذت نفسا عميقا، رن هاتفها وكان المتصل أمها... سألت الأم أبنتها لكي تطمئن عليها: الأخبار أيه؟ ضحى بابتسامة خجولة: مبسوطة أوي _ ربنا يسعدك يابنتي ويفتح ليكي أبواب الخير.
أخذت تركض بأقصى ماعندها، هاربة من شيء مجهول يجري خلفها، خائفة من الالتفات خلفها لرؤية ماهيته، سمعت كلمات تقرأ أخترقت عقلها الغائب عن الوعي، حاولت فتح عينيها، لكنها كانت تشعر بالألم في رأسها وطنين بأذنيها شديد، وألم لا يحتمل في معدتها، فتحت بيسان عينيها ببطء لتجد الرؤية ضبابية أمامها، أغمضت عينيها مجددا وحاولت فتحها مرة أخرى...
أنتبه الجميع الى حركتها، فهي ظلت غائبة عن الوعي لأكثر من ساعة بعد خروجها من غرفة العمليات... أنتبه الجميع الى حركتها، وضعت جيلان المصحف التى كانت تقرأ منه بسرعة على الطاولة، أقترب منها أكنان وكريم ونجم... سألت بصوت متألم: أنا فين وحصلي أيه... جيلان بنظرات قلقة: أغمى عليكي...
حاولت النهوض، لكن ألم شديد تمكن منها جعلتها تهتف بوجع: أاااه، أنا حصلي أيه؟، حد فيكم يرد عليا... ردت عليها جيلان بحزن: كنتي حامل والبيبي نزل... رمقت الجميع بنظرات ملتاعة هائمة في صمت مؤلم، لا تدري مابها أتبكي أم تفرح، عقلها أصبح مشوشا، أصبحت لا تعرف نفسها وكأنها داخيلة على هذا الجسد...
جيلان برقة: متزعليش يابيسان بكرا ربنا هيعوضك خير... أكنان بلهجة حزينة: بكرا تقومي وتكوني أحسن من الأول... حاول الكل مواساتها، بقول كلمات مشجعة لها... صوتها ترقق.. وتحول الى لهجة ضعيفة تدمي القلب: أنا كويسة، صوتها تلاشى، شعرت بالدوار، باااابااا... هتف نجم بهلع: بيسااان...
تصلبت جيلان في وقفتها وهي ترى بيسان تغمض عينيها، أما كريم وأكنان خرجا من غرفتها مسرعين لمناداة الطبيب... في الداخل، عندما أنتهى الطبيب من الكشف عليها، قال الطبيب بهدوء: هي محتاجة راحة دلوقتي، ثم أشار للمرضة الموجودة بجواره، فقامت بتغير المحلول المغذي الفارغ بأخر جديد ووضعت فيه مهدىء، عندما أنتهت قال الطبيب موجها كلامه للجميع: ياريت الكل يخرج دلوقتي... خرج الكل على مضض، الا من جيلان التي ظالت جالسة على الكرسي المجاور لفراشها...
في الخارج... قال كريم بصوت كئيب: أيه اللي حصل وخلاها توصل للمرحلة دي... نجم بحزن: معرفش ياكريم من يوم ماجيت من أسوان وهي حالتها مش طبيعية، ومفيش حد فينا حاول يجبرها على أي حاجة ولا حد فينا ألح في سؤاله ليه سابت زاهر وهو في وضعه ده...
نظر لهم أكنان ثم ضاقت عينيه بتفكير للحظات ثم قال: أكيد في حاجة حصلت وخلاها توصل للحالة دي، حادثة زاهر وأنطواء بيسان وعزلتها، أكيد في سر... سأل كريم بملامح مفكرة: أزاي الواحد مفكرش في الكلام ده، وأن ممكن تكون في حاجة، بس ايه اللي ممكن يحصل يخلي بيسان تتغير كده... هز رأسه بحيرة: معرفش، بس الوضع ده ميتسكتش عليه أكتر من كده...
نجم وكريم في وقت واحد: وناوي تعمل أيه... ضيق عينيه أكثر ثم قال: أنا هسافر أسوان، أحاول أعرف الحقيقية منهم هناك وأذ كان في مشاكل بين بيسان وزاهر هي اللي خلت الوضع بينهم بالسوء ده...
رأت سيارته تتوقف أمام الفيلا، لكنها كانت تشعر بالغضب، فالنهار شارف على الأنتهاء والشفق بدأ يقترب، ولم يكلمها سوى مرتين فقط لاغير طوال الساعات الماضية، وكان كلامه قاصر على جملتين خلي بالك من نفسك... رأها تقف في الشرفة معطية له ظهرها، أستشعر غضبها من طريقة وقفتها وعدم التفاتها له...
كريم بلهجة رقيقة: واحشتيني الكام الساعة اللي فاتو، وكنت ديما على بالي، بس أعمل أيه الوضع كان في المستشفى صعب والواحد كان على أعصابه، أول ماوصلت لقيتها في أوضة العمليات وأجهضت البيبي... شهقت ضحى بفزع: هي كانت حامل وسقطتت هز رأسه بأسى: أيوه مكنش حد فينا يعرف، جمسها مستحملش الحمل، من الوقت اللي أنفصلت فيه عن جوزها وهي بقيت زاهدة في الدنيا وعلطول حبسه نفسها... تبخر غيظها وأختلج قلبها لكلامه: وهي عامله أيه؟ _ الحمد لله أحسن..
أدارها اليها لتواجهه، حاول التخفيف من جو الكأبه فقال ممازحا: شكلك كان حلو وأنتي وافقة بتنفخي ومستنية تشوفي وشي عشان تطلعي نار في وشي... لم تبتسم على مداعبته وقالت: هزار تقيل على فكرة، أنا كنت مضايقة عشان أتأخرت عليا ومهنش عليك تريحني بجملة مفيدة، وكنت خايفة وقلقانة عليك أوي _ الواحد أتلاهى في اللي حصل، متزعليش مني... أولته ظهرها فأمسكها بسرعة وقال: شكلك زعلانة...
تذكرت هلعها وخوفها، فقالت بحدة: كنت وخلاص مبقتش زعلانة شعر بالندم، فهو أخطىء لأنه لم يطمئنها على الوضع في المستشفى... ربت على وجهها برقة وقال بحب: أعمل أيه عشان أصالحك ومتفضليش زعلانة _ متعملش حاجة _ لأ لازم أصالحك أبتسمت بخبث: مصمم تصالحني كريم بابتسامة عاشقة: أكيد مصمم ضحى بهدوء: يبقا تسيبني، عايز تصالحيني يبقا تسيبني لوحدي...
صاح بها بتلقائية: لأ طبعا، ده أنا مصدقت أجي هنا وأشوف وشك اللي بينسيني الهم والزعل، تيجي تقولي أسيبك لوحدي، أطلبي أي حاجة غير أسيبك... أخفت أبتسامتها وهي تقول: سيبني وشوف وراك أيه؟ ثم أولته ظهرها، شعرت بيه يرفعها ويحملها بين ذراعيه، ثم ألقاها فوق الفراش... جلست بحدة على الفراش وقالت له: أنا مش عايزه أنام... أبتسم بهدوء: بس أنا عايز أنام، وقام بتغير ملابسه...
خفق قلبها وابتسمت دون أن يراها، غضبها ليس له وجود ولكنها أرادت أيصال له أنها شعرت بالخوف والقلق وهو بعيد عنها... عندما أبدل ملابسه، رقد على الفراش ثم ضمها الى صدره، وراح يمسح على شعرها بحنان ونظر لها بحب: أسف على القلق والخوف اللي سببته ليكي... أمسكت يديه وقبلته وقال برقة: أنا كنت خايفة وأنت بعيد عني، لكن أول ماشوفتك الخوف راح... _ مش زعلانة مني... _أنا مقدرش أزعل منك، أنت حبيبي وجوزي...
صاحت صفية بعصبية: أنتي مطرودة ومشفش وشك هنا تاني... سعدة بتوسل: أبوس أيدك ياستي، والله أنا كنت عايزه أساعدك، لما شوفتك زعلانة من جوزاة سي زاهر.. أرتسم على وجهها ندم هائل وهي تقول: مش هقول غير روحي منك لله ويارتني ماسمعت كلامك ومشيت وراكي، أهو أبني راقد في المستشفى في غيبوبة وكله من ورا سمعاني كلامك، روحي للشيخ فرحات هيعملك عمل هيريح قلبك ويبعد مراته عنه، أبني اللي أتاذى من الحكاية دي، ثم هتفت بلوعة محترقة، أااااه يابني، أنا السببب...
بلهجة مترجية: بلاش تطرديني ياستي صفية بلهجة مليئة بالألم: الكلام اللي قولت عليه يتنفذ، ومشوفش وشك في البيت هنا تاني، أطلعي براااااا أنحنت سعدة رأسها لتقبل كف صفية، لكنها نهرتها بعنف وصاحت في وجهها: براااا كان ناصر في الخارج، سمع كل كلامهم، لم يستوعب للحظات ماسمع، أزدرد ريقه بصعوبة، تملكه غاضب عارم، دخل الى الغرفة مسرعا، نظرت له صفية وسعدة برعب...
صفية بلهجة مفزوعة مرتبكة: أنت كنت في المستشفى، أيه اللي جابك دلوقتي... نظر له بوجه محمر من الغضب ثم هتف بانفعال: جيت عشان أعرف حقيقتك ياصفية، طب سعدة جاهلة، أنتي أيه مبررك، سحر بتلجيء للسحر ياصفية، ليه متعرفيش أن السحر حرام وأنه من السبع موبقات، ضرب كف على كف بقوة، لا حول ولا قوة الا بالله، سحر سحر ياصفية، لجئتي للسحر عشان تفرقي بين أبنك ومراته، أهو أبنك هيضيع بسبب أفعالك، وبتسألي جيت بدري ليه، عشان أقولك أخر المصايب بيسان كانت حامل وسقطتت..
أنسالت الدموع على وجنتيها في صمت وهي تسمع كلامه، الحفيد اللي كنتي بتتمنيه مااات بسببك قبل مايشوف النور، لمعت عينيه بالدموع ثم قال بألم، الحفيد اللي كنت بتمناه أنا كمان مات، وياعالم أبني هيفوق من غيبوته ولا أيه... أنتفضت في مكانها قائلة ببكاء: متقولش عليه كده، هيقوم وهيخف... صاح بألم: مش باين هيقوم فيها، لمي هدومك ياصفية وروحي على بيت أهلك صفيه بدموع متوسلة: خليني هنا ياناصر...
صاح في وجهها: أمشي ياصفية، بدل ماأرمي عليكي اليمين دلوقتي، روحي عند أهلك وهيبقا ليا معاهم قعدة بعدين... قالت بتوسل: ميبقاش زاهر وأنت كمان _ أنتي السبب، ثم هتف بألم، أنتي السبب، أمشي ياصفية، ونظر الى سعدة بغضب مميت: وأنتي مشوفش وشك هنا ولا بالقرب من أي مكان أكون موجود فيه...
حاولت زهرة نسيان الأمها، الايام التالية على تواجدها في هذا المكان مع أطفالها كانت كفيلة بتخفيف ألمها ومعاناتها، من أجل راحتهم وسعادتهم بالتأكيد ستنسى مع الأيام جراحها، من أجلهم من أجل سعادتهم وراحتهم هم، أهم لديها من سعادتها هي...
كانت زهرة تقوم بتقليب التربة والحفر، من أجل زراعة عدد من النباتات، وهي تحفر ألقت نظرة عليهم بحب وحنان وهما يساعدنها بالحفر، وصغار ماشا يقومون باللهو بجوارهم، شعرت في هذه اللحظة أنها تملك الكون وهي ترى تورد ملامح وجههم بالمرح والسرور، أبتسمت لرؤية أبتسامتهم... تألق وجه أياد وقال بحماس: خلاص خلصت، ونفض يديه بمرح...
قال وليد بابتسامة: وأنا كمان خلصت... ردت زهرة بابتسامة: وأنا كمان... وليد وأياد بمرح طفولي في وقت واحد: هنعمل أيه تاني؟ بلهجة سعيدة قالت: هنسقي الزرع بالمية وكل يوم هنسقيه ميه، عشان الزرع يكبر ويطلع ورد، وكل واحد ليه زرعة واحدة دي هتبقا بتاعته هو اللي هيهتم بيها...
وأشار كل واحد فيهم الى البنات الذي سيقوم براعايتها والأهتمام بيه... وبعد الأنتهاء من سقي النباتات، قالت زهرة بابتسامة هادئة: يلا ندخل عشان تستحمو، زمانكم تعبتو من كتر اللعب وليد وأياد برفض في وقت واحد: بس أحنا مش تعبنا لسه.. _ بس أنا تعبت وعايزه أرتاح _ خلاص أحنا هندخل بس بشرط وغمز الى شقيقه أياد رأت غمزة العين فابتسمت قائلة: أتفقتو على أيه من ورايا...
همست هي الأخرى: أذ كان كده أنت مش غلطان، أنا لما برقص بنسى الدنيا واللي فيها، بطلع كل خنقتي وضيقي... وليد بلهجة طفولية: خليه يشوف أن رقصك أحلى... هزت رأسها بصمت ثم قالت بمرح: رقصي أحلى بكتير من رقص سنووايت... بقدمين حافيتين لمست الأرض بخفة، رقصت وبعد لحظات أندمجت بروحها وكامل حواسها...
عند ذلك الوقت توقفت سيارته أمام بوابة الفيلا، لفت أنتباهه صوتهم المرح، تصلب في مكانه عندما رأها من على بعد، أقترب منها كالمغيب حتى أصبح على عدة خطوات منها، كانت حركاتها الراقصة رائعة، خفيفة، مبدعة، مثيرة، كان الفرح يشع من عينيها، كانت تدور بسرعة هائلة فتحولت الى فراشة مرحة مثيرة، شخصيتها نابضة بالحب، أنتفض في مكانه فلأول مره يرى السعادة في عينيها...
لم تنتبه لوجوده، فكانت في عالمها الخاص... شعر بقلبه يصحو من سباته، ينتفض بعنف، رأها زنبقة تتمايل بقدها، ترقص حافية القدمين، كالمنوم مغناطيسيا وبدون أرادة منه خطى باتجاهها، يريد ألارتواء من ريحقها...
تملكها أحساس غيرمريح، شيء أخبرها بوجود عيون أخرى متلصصة، نظرات غير مرغوبة، توقفت عن الرقص، تسمرت مكانها عندما رأته أمامها مباشرة... شاهدها بأكثر من شكل والأن هي ريشة تلهو بها الامواج الهادرة، حاول الوصول اليها، لكن الأمواج الغاضبة المنبعثة من داخل عينيها منعته... قالت بانفعال: أيه اللي جابك دلوقتي.. رد عليه بهدوء ظاهري لا يعكس مابداخله من أشواق متقدة: كنت جي أشوف الولاد أقبل ماسافر...
وليد بفضول: هتركب طيارة _ أيوه هركب طيارة _ طيارة بتطير في الهوا _أيوه ياوليد طيارة حقيقية وليد مكررا كلامه: حقيقية حقيقية أبتسم أكنان بهدوء: أيوه ياوليد... وليد وأياد في وقت واحد: خدنا معاك، نفسنا نركب طيارة... رد عليهم بلهجة ثابتة: المرة الجاية... وليد برجاء: خليها المرة دي...
رد عليهم بلهجة حازمة: قولت المرة الجاية يبقا المرة الجاية، ثم أحتضنهم وقال برقة: هتوحشوني أوني الصغيرين في نفس واحد: وأنت كمان... نظرة زهرة الى أطفالها وقالت بابتسامة: يلا عشان نستحمى ونغير هدومنا اللي أوتسخت، ثم أنحنت وحملت صغار ماشا، تحركت وتحرك كلا الصغيرين معاها...
نادى أكنان قائلا: خلي بالك من نفسك ومن الولاد أولتها ظهرها ولم تكلف نفسها عناء الرد عليه، أرتسمت على وجهها ملامح عابسة ثم زمت شفتيها بضيق داعية أن تتحمل رؤيتها دون أن ينقبض قلبها... أختفت أبتسامته الهادئة.. وهي تمشي مبتعدة عنه، أنهار تماسكه، محدثا نفسه بحزن الى متى؟ الى متى سيتسطيع التحمل...
تعلق بصر ناصر على حجرة الاشعة، منتظر خروج الطبيب بالأشعة الجديدة، أنفتح الباب وخرج الطبيب، لم ينتظر قدوم الطبيب اليه فتحرك مسرعا باتجاهه... هتف ناصر بانفعال: طمني يادكتور... قال الطبيب بلهجة مطمئنة: خير أن شاء الله... سأل ناصر بأصرار: أنت بتقول خير، هيفوق أمتى، قولي هو هيفوق أمتى... قال الطبيب بهدوء: الأمل كبير أن شاء الله...
ناصر بلهجة مترجية: طمني يادكتور، مادام الامل كبير ليه هو لحد النهاردة في الغيبوبة، هو في حاجة وأنت مخبياه عني... هز الطبيب رأسه نافيا: مفيش حاجة، والاشعة اللي في أيدي بتقول أنه بيتحسن والورم حجمه قل عن الأول، الموضوع محتاج وقت وأصبر لحد مايفوق ناصر بلهجة منفعلة: هيفوق أمتى؟، أعرف أبني هيفوق أمتى؟
حاول الطبيب التهدئة من روعه فقال: أبنك مش أول حالة تقابلنا، في أكتر من حالة كانت نفس نظام أبنك ومع العلاج فاقت من غيبوبتها... كرر ناصر سؤاله: أمتى هيفوق... رد الطبيب: معرفش أمتى؟
صمت للحظات ثم قال: خلاص اعمله العملية الطبيب بلهجة عملية: العملية خطر عليه، أحنا منتظرين نشوف هيفوق ولا لأ من غيبوبته، والعملية هتكون أخر حل قصادنا لو أستمر في غيبوبته كتير، أنت قصادك حلين ياالصبر يالمخاطرة، والكلمة الأخيرة راجعة ليك... تقلصت ملامح وجهه بالألم ثم قال: أنا قصاد حلين أصعب من بعض...
قال الطبيب بهدوء: هقول كلامي تاني، خلي العملية أخر حاجة، وهقولك حاجة كمان، الكلام اللي هقوله ليك، الدراسات اللي فيه مش مؤكده... سأل ناصر بحيرة: كلام أيه _ العامل النفسي ممكن يكون ليه دور أنه يفوق من غيبوبته بجانب العلاج، أقعد معاه كلمه في أي حاجة، الأشخاص المقربين ليه يقعدو ويتكلمو معاه، الشخص اللي في غيبوبة بالرغم أنه مش بيحس ولابيشعر بأي مؤثر خارجه، بس في بعض الحالات ممكن الأشخاص دول الكلام ده يوصل لعقلهم، ويكون سبب في شفائهم، حاول تتواصل معاه، أتكلم، ممكن يفوق، ودي نصيحة مني ليك، ثم تركه الطبيب مغادرا...
دخل ناصر الى غرفة أبنه وأخذ ينظر له بحزن، فقد بهتت ملامح وجهه وهزل جسده، أرتسم على وجهه حزن هائل، فهو يرى أبنه يفقده أمام عينيه، لمعت الدموع بداخلهم وهو يتذكر ماحدث في منزله...
جذب الكرسي وأقترب به من الفراش وربت برفق على كف أبنه، قائلا بحزن: فوق ياقلب أبوك، فوووق ومتسبنيش لوحدي، لو سابتني والله ماأقدر أعيش يوم من غيرك، فوق عشان خاطر مراتك وحبيبتك اللي بتعشقها، هي كمان محتاجة وجودك معاها، مراتك كانت حامل وسقطتت، أن شاء الله لما تفوق وهي تخف من اللي فيه هيرزقكم بأطفال كتير، مش عارف هقدر أسيبك وأروحلها أزاي، بس لازم أروحلها عشان أقف معاها وأفك السحر اللي معمول ليه، عشان ترجعلك بيسان بتاعت زمان بيسان اللي بتحبك...
تسمر أكنان في مكانه، عندما سمع ماقاله ناصر، التفت خلفه عندما أصوات تقترب منه... أكنان بصدمة: الكلام اللي سمعته ده حقيقي، طب أزاي والكلام ده بجد وحقيقي، وبيسان اللي فيه بسبب سحر معمول ليها، هز رأسه رافضا ماسمع، مستحيل... تطلع اليه ناصر بنظرة متألمة: تعالى نتكلم برا أحسن... في خارج الغرفة أحتد فيه أكنان قائلا: سحر، هو الكلام ده بجد...
تردد قليلا ثم أجابه: أيوه في للأسف، اللي مرت بيه بيسان ملهوش أجابة غير كده، بيسان أتغيرت تماما وبعد ماكانت بتحبه، بقت تكره تشوف وشه وتسمع صوته، سابته لوحده مريض وهو في أشد أحتياج ليها، فضلت أسأل نفسي السؤال ده كتير، ليه نظرات الخوف والكره اللي كانت بتبصه ليه؟ ليه كتير أتكررت في دماغي، لحد ماعرفت السبب النهاردة، بسبب السحر اللي أتعمل ليها...
أصابه الذهول من كلامه، صمت للحظات مفكرا، فهو سأل نفسه نفس السؤال، عن سبب تحول بيسان، فكر في كثير من الأجابات ولكن لم يخطر على باله هذا أبدا، أيعقل أن يكون هذا السبب في تغير ومرض أخته... صرخ فيه قائلا: مين اللي عمل فيها كده... غمغم بألم: دلوقتي متفرقش مين اللي عمل فيها كده، المهم أنها تخف ده الأهم بالنسبة لينا... رفض أكنان قائلا بأصرار: قولي مين اللي عمل فيها كده...
عرف ناصر جيدا أنه لن يترك سؤاله دون أجابه، تنهد بحزن: أمه وسعدة الشغالة عندنا هما اللي عمله ليه سحر عشان تفرق بينها وبين جوزها... أنتفض أكنان من هول ماسمع، صرخ في وجهه مستنكرا: أمه، ليه؟ ليه؟ لمعت عينيه بالدموع وهمس بصوت مسموع: غيرة، الغيرة عمت قلبها، وخلتها تمشي في طريق الكفر...
ضرب أكنان كفيه ببعض، هتف بغضب: ياااه تدمر حياة أتنين عشان الغيرة، وأشار بأيديه بتهديد، أنا مش هسكت على اللي حصل وحق أختي وهخده منكم كلكم، أختي كانت أمانة عندكم وأنتو معرفتوش تحافظو على الأمانة... تطلع اليه ناصر بنظرة حزينة: حقك تعمل اللي أنت عايزه، بس خلينا دلوقتي في بيسان، أنا هسافر معاك، أشوف ليها شيخ معروف في فك الأسحار... نظر اليه بغضب: مش عايزك تيجي معايا، كفاية اللي حصل بسببكم، أنا هتصرف وهشوفلها أحسن واحد، ثم تركه بخطى غاضبة...
بينما يتحدث في الهاتف، جلست بجواره تتأمله، أنهى كريم الأتصال ولكنها كانت شاردة وهي تتأمله... قال لها بابتسامة: الجميل سرحان في أيه... نظرت له بحب: سرحانة فيك، مش مصدقة السعادة اللي أنا فيها... ربت على كتفها وقال بلهجة مداعبة: طبعا لازم تسرحي فيه، هو أنا في زيي، ضحكت بخفة على كلامه، هعملك أي حاجة ياضحى عشان أخليكي سعيدة ديما...
قبلته برقة على خده: بحبك... همس بابتسامة: مش أكتر مني، حضنها برقة، الرقة تحولت بينهم الى عاطفة مشتعلة، جرفتهم الى عالم مميز خاص بهم... رن هاتفه، فتمتم بعبوس: هو التليفون ده مش هيبطل رن، بمجرد فتحه الهاتف، سمع صوت أكنان المنفعل... كريم بلهجة قلقة: في أيه ياأكنان... بدأ أكنان في سرد ماحدث...
كريم بعدم تصديق: معقولة أكنان بلهجة غاضبة: وأنا كمان مش مصدق اللي حصل، ملقتش غيرك أكلمه، أول ماأنزل من الطيارة، هشوف شيخ معروف في المواضيع دي، وهتطلع بيه على المستشفى علطول، ثم أغلق الهاتف هتف كريم لكي لا يغلق المكالمة، ارتسم الذهول على وجهه.. سألته ضحى في لهفة: مالك ياكريم برقت عيناه وقال: كلام أكنان مش قادر أصدقه أستحثته قائلة: كلام أيه.
_ أن السبب مرض بيسان وكرهها لزاهر ان حماتها عملت ليها سحر عشان تفرقهم، بيسان كانت بتحب زاهر أوي ومرة واحدة أتغيرت... _ أنت قولت أنها بتحبه _ دي كانت بتعشقه وكله على يدي، دي عملت كل حاجة عشان يعترف ليها بحبه، وفي أقل من اسبوعين جواز، الحب ده أتحول لكره ملهوش مبرر، وسابته وهو في غيبوبة...
تطلعت اليه للحظات ثم قالت: بتحصل ياكريم والموضوع ده أنتشر أوي الفترة دي، في ناس بتلجأ للدجالين عشان مصالحهم، في شيخ بابا يعرفها، قولي موافق أخد نمرته منه يروح يشوفها هز رأسه مفكرا: مش عارف، لحد دلوقتي مش قادر أقتنع بالكلام اللي بيقوله..
قالت ضحى بهدوء: جرب مش هتخسر حاجة، الشيخ كل علاجه بالقراءن يعني مفيش ضرر، الشيخ ده كويس أوي ومعروف أنه شاطر في الرقية الشرعية وبيعرف يفك السحر، على فكرة السحر موجود بس أحنا اللي عاملين نفسنا مش شايفين ومش عايزين نقتنع بوجوده، والسحرة السحرة اللي بجد دول مش كتير، بس وجودهم واقع وبيمارسو السحر...
قال كريم: هاتي من والدك عنوانه بسرعة وأنا هتصل باأكنان وأقوله أني هجيب واحد معايا يشوفها... أنصرف كريم منطلقا الى العنوان الذي أخذه من ضحى...
في غرفتها وبجوار فراشها... أخذ يتلو الشيخ أيات من صورة مريم ثم صورة الرحمن، أخذ جسدها ينتفض بعنف وهي نائمة، تحت نظرات الجميع، لا يستطيعون تصديق أعينيهم، أستمر الشيخ في تلاوته وجسدها لا يتوقف عن الأرتعاش... همس كريم بصدمة: لأخر لحظة مكنتش مصدق هزت جيلان رأسها مرعوبة، فعندما قال أكنان لها سبب مرض بيسان، قالت عليه مجنون...
عندما أنتهى الشيخ قال بهدوء للجميع: هي معمول ليه أكتر من عمل ومن ضمنهم عمل شربته أو أكلته، أنا دلوقتي رقيتها وحصنتها، ولما تخف وتخرج من المستشفى محتاجة جلسة كمان عشان العمل اللي شربته، دلوقتي مينفعش لما تخف، وقام الشيخ بأعطائهم عدة تعليمات ثم أنصرف مغادرا... وبعد أن أطمئنو عليها، تركوها نائمة في سبات عميق، فهي لم تكن واعية لما يحدث لها...
في غيبويته، وجد نفسه في مكان غريب، سأل نفسه، أين أنا، صمت مطبق يحيط به، فراغ تام، الا من نور خافت أخر الممر، وجد نفسه مدفوع بالتحرك تجاه هذا الضوء، سمع صوتها مناديا: زاااااهر، هرول مسرعا تجاه الصوت، وفجأة أختفى الصوت ووجد نفسه موجود في لا مكان... في غرفتها، أنتفضت جيلان في مقعدها، عندما سمعت صوت بيسان مناديا بأسمه: زاااااهر، أقتربت منها مسرعة فوجدتها مازالت نائمة...
قادته قدماه الى الفيلا، وجد نفسه متوقفا بالسيارة أمام الفيلا، دلف الى الداخل، أستغرب من رؤية الباب مفتوح على مصراعيه، أنقبض قلبه، وأحساسه بوجود شيء غير مريح في الأجواء، سمع تمتمات خافتة صادرة من المطبخ، أتسعت عينيه بذهول، وهو يرى الخادمة، مقيدة ومكممة الفاه، نزع الكمامة بسرعة وبمجرد نزعها هتفت صارخة بأعلى صوتها...
رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل الرابع عشر
قادته قدماه الى الفيلا، وجد نفسه متوقفا بالسيارة أمام البوابة، دلف الى الداخل، أستغرب من رؤية الباب مفتوح على مصراعيه، أنقبض قلبه، وأحساسه بوجود شيء غير مريح في الأجواء، سمع تمتمات خافتة صادرة من المطبخ، أتسعت عينيه بذهول، وهو يرى الخادمة، مقيدة ومكممة الفاه، نزع الكمامة بسرعة وبمجرد نزعها هتفت صارخة بأعلى صوتها: المدام والولاد أتخطفو أرتسم الذعر على وجه أكنان، ثم أمسك يد الخادمة، وقال بانفعال: مين هزت الخادمة رأسها في صمت، تمتمت بفزع: معرفش...
خرج أكنان من الغرفة كالمجنون، وحدث نفسه كيف حدث هذا، خرج الى الحديقة، وجد كلاب الحراسة ملقاة على الأرض، أتجه مسرعا الى غرفة الحرس، رأى الحارسين مقيدين ومكممين هما أيضا، نزع الكمامة والقيد عن أحد الحراس... نفخ أكنان في وجه بقوة وسأله بصياح: أزاي ده يحصل وأنتو موجودين... حليم بلع ريقه بصعوبة وقال بخوف: أتاخدنا على خوانه... مسح أكنان وجه بعنف: أحكيلي اللي حصل...
بدأ حليم في الأرتجاف: كنا قاعدين عادى، فجأة سمعنا أصوات برا، خرجت من الأوضة، شوفت الكلبين مرمين على الارض ولسه هتحرك لقيت اللي بيضربني على راسي من ورا، ملحقتش أشوف مين اللي عمل كده، ولما فوقت لقيت نفسي أنا ورامي متكتفين... وبدون مقدمات رفع كف يده وأنزله بقوة على وجهه وقال بصوت هادر: أغبية وجودكم زي قلته، معرفتوش تقومو بشغلكم...
أنف حليم نزف من شدة الضربة وبلهجة مرتجفة: أنا بقالي سينين شغال عند حضرتك ولا مرة غلطت رفع أكنان كف يده وضربه أقوى من الأول على خده: غبي، غلطة غلطت عمرك، اللي أتخطفو مراتي وولادي، أنا حطيت ثقتي فيك وأنت مكنتش أد الثقة، هتف في وجهه بغضب، تستاهل اللي هعمله فيك لو أي حد فيهم أتخدش بس، قام بأخراج هاتفه وأتصل ببعض رجاله، وفي أقل من نصف ساعة كانت الغرفة مكتظة بالحراس...
أشار أكنان بيده لرجلي الحراسة، فأسرعا بأمساك حليم ورامي الذي مازال مكمم ومقيد... بدأ حليم في الأنتفاض في وقفته والدم غطى أنفه وفمه، حاول تقيبل يده وقال بتوسل: سامحني ياأكنان بيه... الخوف كاد يقتله فهو يعرف مدى قسوته وشراسته مع أعدائه...
قال أكنان بقسوة: حطوهم في أي مكان تبعي، جذبا الحراس حليم ورامي خارج الغرفة، صاح حليم طالبا العفو والمغفرة: أديني فرصة وأنا هصلح غلطتي... أوله أكنان ظهر وقال لأحد الرجال: عايز تسجيلات الكاميرات دلوقتي... بعد تفريغ الكاميرات، لم يستدل على شيء، فالخاطفين كانو ملثمين، ضرب بعنف على الحائط، محدثا نفسه: مين اللي ممكن يعمل كده، ثم صاح في الرجل الواقف أمامه، اتصرف، اتصرفو كلكو
فتحت زهرة عينيها ببطء، وبسرعة جلست في مكانها مفزوعة، وجدت نفسها وحيدة في غرفة مغلقة، تذكرت ماحدث، نظرت حولها فلم تجد أطفالها، وبسرعة جرت نحو الباب وأخذت تخبط عليه وتصيح بكل ماأوتيت من قوة: فين ولادي، أنا عايزه ولادي، أخذت تصيح وتدفع الباب لفترة غير معلومة من الوقت، حتى تعبت وجلست على الأرض تبكي بشدة، تأملت المكان حولها بعيون باكية، وتتفحص عينيها كل ما تقع عليه للبحث عن مخرج من هذه الغرفة، أقتربت من النافذة، وجدت أكثر من كلب للحراسة، ورجل جالس بجواره سيدة كلاهما معطين ظهرهم لها فلم ترى ملامحهم ولكن سمعت أصواتهم الضاحكة، هتفت صارخة: فين ولادي، هاتولي ولادي، لم تكف عن النداء والصراخ...
أشار شهاب الى أحد الحراس قائلا بحدة: غطي الشباك ده بأي زفت، ودخلو العفاريت ولادها عندها، صوتهم وصراخهم جابلي صداع... دينا بنبرة أنثوية مثيرة: ناوي تتصل بيه أمتى؟ رد عليها بابتسامة ماكرة: حالا هبعتله فيديو ليهم، وهطلب منه الفدية مقابل حياتهم، ضحك بتشفي، أخيرا لقيت نقطة ضعف ليه وهعرف أنتقم منه على الملايين اللي خلاني أخسرها بعد مافاز بالصفقة، ده أنا قربت أعلن أفلاسي، فكرتك ياحبي جيت في الوقت المناسب، ومن فلوس الفدية اللي هاخدها منه مش هتخليني أعلن أفلاسي وأرجع زي الأول قالت بابتسامة باردة: طب هي والولاد هتعمل فيهم أيه، هترجعهم ليه ولا أيه...
نفث الدخان من فمه، ونظر اليه وهو يتصاعد في الهواء ويتبدد من حوله ثم قال: مين دول اللي هرجعهم، أنا هاخد الفلوس من هنا وهخلص عليهم ولا من شاف ولا من دري... سألت باضطراب: هتموتهم يعني... نظر لها باستغراب: هو ده سؤال يادينا، طبعا هخلص عليهم، دول دليل أدانتنا أحنا الأتنين، مش هيعرف مين اللي خاطفهم أبدا...
ردت بلهجة متوترة: إدانة مين؟، أنا اقترحت عليك ازاي ترجع فلوسك لما ظهر ليه زوجة وولاد من العدم... قال بسخرية: أنتي خايفة ولا ايه... _لا مش خايفة وهخاف ليه؟ _هتيجي معايا واحنا بنسجل ليها _ أه طبعا هجي معاك
وجد زاهر نفسه في نفس المكان من لا فراغ، سمع صوتها مناديا أياه باستغاثة، زاااهر زاااااهر، أخذ يركض وأنفاسه تتسارع، شعر بعظامه تؤلمه بشدة، مجرد صوت ونداء، أخذ يلتفت حوله وقال بصراخ، بيساااان، تسلل الى سمعه صوت طنين هادر، وظهرت أمام عينيه العديد من الصور أخذت تدور حوله محدثة أزيز مزعج، حاول الهرب، صرخ بألم، لكن صوت صراخه ضاع في الفراغ، ثم أطلق صرخته الأخيرة وكانت هذه من المرة من حلقه...
أنتفض ناصر في مكانه على صوت أبنه، أقترب منه مسرعا، وقال غير مصدق نفسه: زاهر، الحمد ليك يارب فتح عينيه ببطء، رأى والدها أمامه... سأل بصوت واهن: أنا فين؟ انتفض قلبه من السعادة وهو يرى استيقاظ إبنه، إجابه بابتسامة: إنت في المستشفى، تذكر خلال لحظات ماحدث قبل أن يهوي من على الدرج، تقلصت ملامح وجه من الألم وارتعش جانب أنفه...
قال بلهجة قلقة: أنا هروح أنادي على الدكتور يشوفك... سأل بخفوت: أنا كويس، سكت لثواني ثم قال، بيسان فين؟ تملل ناصر في وقفته ورد عليه بلهجة مرتبكة: بيسان، بيسان هي البيت وكويسة.. بدأ الخدر يزول من أطرافه تماما وأصبح واعيا لما يدور حوله...
لاحظ توتر والده، ومضت داخل عقله مشاهد من بعض أحلامه، واستغاثة بيسان له، سأل بأصرار: في أيه، بيسان كويسة قال بلهجة متوترة: أيوه كويسة قاطعه قائلا: قولي أيه اللي مخبيه عني رد عليه بلهجة مرواغة: أنا هروح أنادي الدكتور يطمن عليك الاول...
_ قولتلك أنا كويس، ريحيني وقولي في أيه.. _ مش وقته الكلام، لما الدكتور يطمني على حالتك، نبقا نتكلم، أنا هروح أنادي على الدكتور، ثم أوله ظهره وأتجه ناحية الباب، لم يلتفت لنداء أبنه ثم خرج وأغلق الباب خلفه... شعر زاهر بحدوث مكروه ما، قلبه يخبره بذلك... حاول النهوض، رفع رأسه بعناد فعجز، أنهار على الوسادة، لمعت عينيه بالدموع لأحساسه بالضعف...
أشرق وجهها عندما رأته، وعندما أقترب منها، شعرت أنه شاحب... فقالت بقلق: مالك؟ رد عليها بابتسامة باهتة: مفيش حاجة... _ بيسان كويسة _ أه بقيت أحسن من الأول وقربت تخرج من المستشفى _ أومال مالك حسه أن في حاجة مضيقاك هز رأسه نافيه ثم قال: مفيش حاجة ياضحى، أيه رأيك نخرج دلوقتي... نظرت له برقة: دلوقتي، دلوقتي..
أجابها بابتسامة محببة: أيه دلوقتي، تحبي تروحي فين، أنتي كل اللي عليكي تختاري المكان بس... تصنعت التفكير ثم قالت بابتسامة: نفس المكان اللي روحنها وأحنا مخطوبين... _ غيري هدومك ويلا بينا، فهو أراد الخروج معاها الى أي مكان لكي ينسى المشاكل التى لم تتوقف بمجرد زواجه...
وبعد فترة قصيرة كان كلاهما في السيارة، أدار السيارة وأنطلق بها باتجاه البحر، وطوال الطريق كان يمسك يدها ويقبلها برقة، وهي كانت تنظر له بعشق، فمنذ عدة أشهر كان بالنسبة لها مجرد حلم بعيد المنال.. أعجاب ليس من حقها، غير مسموح لها بالبوح به، ودون أن تدري الأعجاب تحول الى حب، والأن أًصبح حبيبها زوجها، أرتسمت على وجهها سعادة بالغة ولمعت عينيها بلون الحب...
سأل برقة: ممكن أعرف سبب أبتسامتك... قالت بحياء: أنت، أنت وبس... ملئت الابتسامة وجهه: وديما هكون السبب في ضحتك... نظرت اليه ونظرت طويلا في عينيه وقالت: بحبك...
أشرق وجهه عن أبتسامة واسعة وقال بسعادة: كل مرة تقوليلها ليا كأن أول مرة أسمعها... وهما على الشاطىء، قال بابتسامة: مكنتش متخيل أنك بتحبي البحر لدرجادي... أجابته بابتسامة حالمة: البحر عشق، بحبه أوي _ مين أكتر _ أنت طبعا ضمه اليه بحب وقال لها الكثير من الكلمات والهمسات العاشقة...
باب الغرفة فتح على مهل، قفز قلبها في مكانه وضمت طفليها بقوة وشددت من الضغط عليهم، أنتفضت كسمكة خرجت لتوها من الماء... أندفعت زهرة بالحديث وقد سبقتها دموعها: أنتو عايزين مننا أيه أخذ نفس من سيجارته وقال بلامبلاة: أنا مش عايز منك حاجة، أنا عايز من جوزك، فأنت كده زي الشاطرة، هتتكلمي قصاد الكاميرا دي، ثم أشار للحارس الممسك بالكاميرا بالأقتراب، وهتقولي الكلام اللي هقوله ليكي من غير زيادة ولا نقصان...
بمجرد مارأتها شعرت بغيرة تكاد تمزقها، تقدمت نحوها وقالت لها بحدة: أنت بقا مراته، ثم رفعت يديها ولطمتها بعنف على وجهها، طفرت الدموع من عينيها من شدة الضربه، نظرت لها زهرة بذهول من كمية الكره المنبعث تجاهها فهي أول مرة تراها، نهض الصغيرين في محاولة للدفاع عنها.. لكنها شددت من أحتضانهم أكثر تمنعهم من النهوض حتى لا ينالهم الأذى، همست بهدوء: نفذو كلامي، اللي قولته ليكم، مفيش حد يتحرك من جنبي، هااا لو بتحبوني أسمعو كلامي، أنا كويسة..
سكت الصغيرين تحت نظراتها وصوتها الهادىء... شهاب بخشونة: جاهزة لتسجيل ولا هتتعبينا معاكي... هزت رأسها وقال بهدوء مفتعل: اللي أتقولو عليه هنفذه، بس أبعدو عن ولادي... قال شهاب: بس قبل التسجيل هتكلمي جوزك، هتقوليلو الكلمتين دول ثم أعطاها ورقة، ومتحاوليش تقولي أي حاجة تانية، رقبت ولادك تحت أيدي، مفهوم كلامي هزت رأسها بخوف: مفهوم...
أعطى شهاب الهاتف الى زهرة عندما أنفتح الخط... أندفعت زهرة بالحديث وهي تبكي: أنا زهرة أنتفض أكنان في مكانه وقال بسرعة: أنتي فين؟ زهرة ببكاء: أنا مخطوفة ياأكنان، معرفش أنا فين، أشار لها شهاب مهددا لكي تلتزم بالكلام... أكنان بانفعال: مين اللي خطفك...
صرخت بخوف: معرفش، معرفش، أنا مخطوفة والعصابة طالبين فدية، أسمع كلامهم في كل اللي يطلبوه، كانت الدموع تنساب على وجنتيها وهي تتكلم قال بلهجة رقيقة عكس مابداخله من بركان ثائر: أهدي يازهرة، أنا هعملهم كل اللي هما عايزينه، لو أضطريت أبيع فيها كل اللي أملكه، المهم أنتم عندي، أنتم أهم حاجة في حياتي، عشان خاطركم أنتم وبس مستعد أضحي حتى بعمري، وميجراش ليكم حاجة، أطمني وأوعي تخافي وخليكي زهرة القوية اللي أعرفه، هاتي أي أكلمه من العصابة...
تمتمت بخفوت: عايز يكلم حد فيكم... أشار شهاب لأحد الرجال بأخذ الهاتف بمجرد سماعه صوت الخاطف، هتف فيه بغضب: محدش يقرب منهم وكل اللي أنتم عايزينه هنفذه، بس أطمن عليهم الاول... _ أحنا هبعتلك فيديو ليهم، وهما بنفسهم هيقولو أنهم كويسين، هتسمع كلامنا، هتستلم مراتك وولادك حتى واحدة، هتلعب علينا ومش هتدينا فلوس الفدية، هتستلم كل يوم حته منهم...
هتف أكنان باضطراب: هسمع بشرط محدش يقرب منهم... قال بلهجة غليظة: تسليم الفدية بكرا... رد عليه أكنان بلهجة متوترة: المبلغ اللي طالبينه صعب أوفره بكرا، خلي ميعاد الاستسلام كمان تلات تيام، أكون قدرت أوفر المبلغ... أشار شهاب الى رجله بالموافقة...
_ خلاص أتفقنا، الاستسلام هيكون كمان تلات تيام، وكلها دقايق ونبعتلك فيديو ليهم، عشان تعرف أننا بنعاملهم معاملة الملوك، ثم أغلق الهاتف... أكنان بصياح: حالا أعرف المكالمة دي جايه منين... بعد مضي فترة من الوقت، أكنان كان في قمة توتره، بمجرد دخول همام، هتف بانفعال: عرفت المكالمة جايه منين... رد همام بنفي: لأ معرفناش، المكالمة مموهة عن طريق الأقمار الصناعية أكنان بغضب هائل: أزاي معرفتوش المكان..
أجاب همام بارتباك: مستحيل نعرف طريقها، للأسف ياأكنان بيه... رن هاتف أكنان، معلنا وصول رساله له، فتح الرسالة وجلس... بسرعة التفت أكنان بمقعده بحدة، ونظر لتسجيل بتركيز، وقد علت ملامح التفكير العميق على وجهه، وهو يعيد التسجيل مرارا وتكرارا، تاره ينظر الى الفراغ وتاره الى الفيديو، وعندما أنتهى الفيديو، وقف منتفضا في مكانه وأخذ يضرب بكلتا يديه بعنف على سطح المكتب، وأخذ يصيح بغضب هادر...
رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل الخامس عشر
بعد مضي فترة من الوقت، أكنان كان في قمة توتره، بمجرد دخول همام، هتف بانفعال: عرفت المكالمة جايه منين... رد همام بنفي: لأ معرفناش، المكالمة مموهة عن طريق الأقمار الصناعية أكنان بغضب هائل: أزاي معرفتوش المكان أجاب همام بارتباك: مستحيل نعرف طريقها، للأسف ياأكنان بيه... رن هاتف أكنان، معلنا وصول رساله له، فتح الرسالة وجلس...
بسرعة التفت أكنان بمقعده بحدة، ونظر لتسجيل بتركيز، وقد علت ملامح الفتكير العميق على وجهه، وهو يعيد التسجيل مرارا وتكرارا، تاره ينظر الى الفراغ وتاره الى الفيديو، وعندما أنتهى الفيديو، وقف منتفضا في مكانه وأخذ يضرب بكلتا يديه بعنف على سطح المكتب، وأخذ يصيح بغضب هادر: عايز دينا عندي بأي طريقة...
ارتعب الكل وقال أحدهم: حاضر ياأكنان بيه.. بمجرد خروجهم قام بالأتصال بكريم... أستيقظ كريم من نومه على رنين الهاتف، نظر الى الشاشة، فوجد المتصل أكنان، حدث نفسه، خير ماهي المصايب مش بتوقف... قال كريم باستفسار: خير ياأكنان رد عليه بلهجة منفعلة: مفيش خير خالص ياكريم، الواطي شهاب خطف مراتي والولاد...
تلاش النوم من عينيه، ونهض على الفراش جالسا، أستيقظت ضحى هي الأخرى، نظرت له بقلق ثم سألته مستفهمة: في أيه ياكريم أشار لها بيديه ثم أكمل كلامه: أزاي حصل وأمتى؟ _ بعدين ياكريم، عايزك تجيلي الفيلا دلوقتي وتتصل بكل معارفك في الداخلية، عشان لما نروح المكان اللي خاطفهم فيه، نكون متجهزين من كله... _ مسافة السكة وهكون عندك...
سألت ضحى بقلق: ماتقولي حصل أيه؟ طمني ياكريم كريم بملامح عابسة: مرات أكنان وولاده أتخطفو، والخاطف منافس لأكنان... شعرت ضحى بقدميها لا تستطيع حملها فجلست على الفراش، وقالت بانيهار: زهرة وولادها أتخطفو، أااه يازهرة مش مكتوبلك تفرحي في حياتك لم يستوعب كلامها، فقال مستفسرا: زهرة اللي هي مين بالظبط تنهدت بألم وقالت بشرود: زهرة مرات أكنان..
جلس بالقرب منها وسأل: ثواني كده ياضحى أنا مش فاهم ولا كلمة من اللي بتقوليه، خلي كلامك أوضح قالت برجاء وهي تفرك أصابع يديها بشدة: أوعدني ياكريم أنكم ترجعو زهرة هي والولاد، أوعدني، أنسابت دموعها وهي تتوسله مرر أصابعه في شعرها وقال: أوعدك ياضحى، أوعدك انها ترجع هي والولاد، قوليلي أيه الحكاية بالظبط بلهجة خافتة متألمة: هقولك ياكريم، وبدأت تحكي حكاية زهرة مع أكنان حتى وقتنا الحالى...
هتف بصدمة: ياااه كل ده حصل ليها، دي تعبت أوي في حياتها وأزاي أكنان يعمل فيها كده ردت بلهجة كئيبة: خلاص من مش وقته الكلام ده، المهم دلوقتي أنك تساعده ومش يجرالها حاجة، زهرة أكتر من أخت ليا ووافقت معايا كتير، دموعها أنسالت بغزارة على وجنتيها مسح بأصابع يديه دموعها وقال برقة: دموعك غاليه عاليه ياغالية، أوعدك زهرة والولاد يكونو في بيتهم النهاردة..
أبتسمت من بين دموعها: بجد هترجع النهاردة قبلها على وجنتيه: طبعا، همشي وأسيبك دلوقتي _ متنساش تطمنيني ياكريم _ أول ترجع، هتصل بيكي علطول في الفيلا عند أكنان، كانت دينا مقيدة القدمين واليدين على الكرسي وأمامها أكنان وكريم..
أكنان بغضب هادر: هتقولي العنوان اللي مخبين فيه مراتي وولادي ولا أسيب رجالتي يقومو معاكي بالواجب كانت تلهث من الخوف: أنا معرفش حاجة، أنا أصلا معرفش أنك متجوز قال بضحكة شريرة: بلاش لف ودوران يادنيا، قولي المكان اللي خاطفينهم فيه بالذوق، لحد اللحظة دي وبالي طويل معاكي ومستعلمتش العنف... بدأت دينا في البكاء: معرفش معرفش..
لاحت ابتسامة قاسية على وجهه ثم قال: تعرفي مكانهم فين.. وقام بوضع شاشة الهاتف وعمل زوم على نقطة معينة، وأشار بيديه، مش ده بردو الخاتم اللي كنت مديهولك هدية، بيعمل أيه في الاوضه اللي مخطفوه فيها مراتي وولادي نظرت بعينيها الى أصبعها فوجدته فارغ، تذكرت عندما ضربتها بالقلم على وجهها، الرعب ملأها خوفا وكاد يقتلها، توسلت له: أناااا، أناااا مليش دعوة صاح فيها كريم بصوت عالي أرعبها: قولي العنوان، ثم أشار للحارس بأدخال الكلب...
الحارس أدخل الكلب كان أسود اللون ضخم الحجم، أرتعبت دينا من رؤيته ووجها لمع بحبيبات العرق قال أكنان مكملا: لو مقولتيش العنوان دلوقتي هسيب عليكي الكلب ينهش في لحمك اللي يستاهل يتقطع بسبب اللي عملتيه أنتي وشهاب أوقف الحارس الكلب أمامها الذي نبح بصوت عالي ومخيف واللعاب أنساب من جانب فمه بصوت مرتجف: هقول العنوان.. بس أبعدو الكلب ده من وشي..
أشار أكنان للحارس، فقام بأبعاد الكلب وصاح فيها بقوة: قولي _ حاضر هقوم ثم قامت بأعطائه العنوان وخريطة تفصيلة بالمكان وبعدد الحراس وبالمكان الموجودة فيه زهرة وقبل خروجهم قال للحارس: خلي الكلب معاها في الأوضة وغمز لها وبخطوات مسرعة خرج أكنان وكريم من الغرفة، أخرج كريم هاتفه مباشرة وقام بالأتصال باللواء مدير مديرية ألامن، وعندما أغلق هاتفه بأنفاس متوترة قال أكنان للرجال المتواجدين أمامه: مش عايز أي أخطاء، أحنا هنطلع ومعانا قوات من الداخلية..
أخذ أكنان نفس عميق ليهدىء من خوفه وتوتر، شرد ذهنه في زهرة وأطفاله ومدى خوفهم في الوقت الراهن وهو ليس بيديه حيلة وشعور عارم بالغضب أخذ يتأكله من الداخل لأنه لم يستطع حمايتهم قطع شروده صوت كريم: يلا يأكنان العربيات جاهزة
داخل غرفة زاهر في المستشفى، بمجرد أعلام صفية باستيقاظ أبنها ذهبت اليه مسرعة... شعر زاهر بوجود شيء بينهم، فكل منهما يتجنب النظر الى الأخر لكنه لم يعلق، فكل تفكيره مع بيسان التي لم يراها حتى الأن، قلبه أخذ في الأنتفاض كلما يتذكر محادثتها مع كريم صفية بلهفة وهي تمرر يديها برقة على رأسه: أن شاء الله هتبقا زي الفل، ثم أردفت بحزن، يارتني أنا اللي كنت مكانك..
أمسك يديها وقال: بعد الشر عليكي ياأم زاهر هو أحنا ليكي بركة غيرك ناصر أخذ ينفخ بغضب وهو واقف، متمتما بضيق ندمانة ياصفية بس بعد أيه مسحت صفية دمعة نزلت على خدها، لا تدري خوفا من معرفة زاهر بما فعلته أم شعور بالذنب، وقالت هي تحاول أخفاء دموعها: خارجة أجيب حاجة من برا، ونهضت من مكانها..
أستوقفها زاهر قائلا بقلق: بتعيطي ليه دلوقتي ردت بابتسامة متألمة: مبسوطة أنك فوقت مرت بالقرب من ناصر.. همست له برجاء: متقوليش على اللي عملته، أنا ممكن أخسره قال بحدة: خلاص أطمنتي عليه، مش عايزه أشوفك هنا تاني صفية باستعطاف: عشان خاطر العشرة اللي بينا ياناصر..
_ أمشي ياصفية، على فكرة أخوها سمع كل حاجة ولو مقولتش ليه أنا هو هيقولها، ومتجيش هنا تاني ورحي لأهلك مش خلاص أطمنتي عليه نكست رأسها بيأس ثم خرجت من الغرفة أقترب ناصر من أبنه رفع زاهر أحدى حاجبيه وسأل: هو في أيه بينكم بالظبط _ مفيش حاجة يازاهر _طب لما تيجي هسألها أيه اللي بينكم _أمك روحت البيت..
قال مستنكرا: روحت؟، باين على الموضوع كبير رد عليه بابتسامة شاحبة: هتعرف كل حاجة بعدين، لما تخرج من المستشفى أشار زاهر الى السرير: تعالى أقعد جنبي، وقولي في أيه بالظبط، ليه كل ماأسالك على أي حاجة تتهرب مني... جلس ناصر بجواره وقال: مش بتهرب بس مش وقته قال بصوت يكسوه الحزن: طب وبيسان كل ماأسالك عليها تقولي بعدين _ هقولك كل حاجة لما الدكتور يطمنا على صحتك _ أنا شوفت بيسان _شفتها أزاي يعني؟
قال بتردد: حلمت بيها وكان شكلها تعبان رد بقلق: حلمت بيها أزاي نظر له بشرود: كنت بتستنجد بيا مع أن أخر مرة سمعت منها كلام كسرني نصين سمعتها بتقول كلام صعب أوي، لمعت عينيه بالدموع عندما تذكر، ماتريح قلبي وتقولي هي فين؟
بيسان سبتني صح.. بس أزاي وأنا بحلم بيها وهي بتستنجد بيا، أنا تعبت من كتر التفكير نظر ناصر الى سقف الغرفة في تفويض: يارب أمسك زاهر رأسه: أااه أنتفض ناصر في مكانه: مالك أنادي ليك الدكتور..
أردف بحزن: صداع من التفكير ثم أمسك يد والده لتقبيلها، قال متوسلا، قولي حصل أيه قال بلهجة مستسلمة: بيسان بتحبك ولو سمعت منها حاجة واحشة يبقا غصب عنها هتف بانفعال: أومال مشوفتهاش لحد دلوقتي ليه حاول تهدئته: للأسف بيسان في المستشفى عشان كده مشفتوهاش لحد دلوقتي..
أرتعش قلبه، أنتفض جسده، فحبيبته مريضة، سأل بقلق: حصلها أيه نظر له بحزن فما حدث سيكون بالنسبة له صدمة قاسية في أمه وفي زوجته عندما يعلم ماحدث لها، أردف بحزن: الغيرة وحشة ممكن تخلي البنأدم يرتكب أي ذنب أي معصية قال بعدم فهم: تقصد أيه بكلامك..
بلع ريقه بصعوبة ونظر تجاهه بشفقة: أمك كانت غيرانة من بيسان وبسبب الغيرة عملت ليها سحر عشان تفرقكم من بعض وده كان سبب بعد بيسان عنك لم يصدق أذنيه في بادىء الامر، سأل برفض: أمي عملت سحر لبيسان هز ناصر رأسه في صمت ثم قال: أيوه أرتجف جسده من شدة صدمته، هز رأسه برفض ثم صاح بألم: أاااه سأل بقلق: زاهر نظر له والدموع محتبسة بداخل عينيه: سيبني الله يخليك دلوقتي، عايز أقعد شوية مع نفسي قام ناصر من مكانه على مضض بعد توسل زاهر له لكي ينصرف، بمجرد خروج والده هتف بعذاب أاااه
كانت ضحى تشعر بالتوتر في كل لحظة تمر وحتى الأن لم يتصل بها كريم ليطمئنها، سمعت رنين جرس الباب أنتفضت في جلستها فهي لا تتوقع مجيء أحد، نهضت من مكانها متوترة وذهبت لكي تفتح الباب، تفاجئت بأم زوجها أمامها قالت ضحى مبتسمة: الدنيا نورت بوجودك ومدت ذراعيها لأحتضانها، لكنها تراجعت خطوة للخلف مبتعدة..
شعرت ضحى بالاهانة وساد الصمت بينهم للحظات قاطعته قائلة بابتسامة باهتة: مش معقولة هنفضل وافقين على الباب قادتها ضحى الى غرفة الأستقبال، لوت نيروز شفتيها بامتعاض وهي تتأمل الأُثاث والستائر والصور المعلقة ثم تأملت ضحى وقالت: أكيد ده ذوقك، مفيش تناسق خالص أبتلعت أهاناتها للمرة الثانية وقالت بهدوء: تشربي أيه..
جلست نيروز على الكرسي ووضعت ساقا فوق أخرى قبل الرد: مش بشرب من أي حد مش واثقة في نضافته لم تظهر انزعاجها رغم أنها كانت تستعر غضبا من الداخل فقالت بابتسامة خالية من الود: اللي يريحك ياماما زمت شفتيها بضيق: بلاش كلمة ماما مش بحبها جزت على أسنانها وسألت: أومال أقول لحضرتك أيه...
_ نيروز قولي نيروز وبس _ياترى ممكن أعرف سبب الزيارة السعيدة _ بصي بصراحة أولا أنا مش جايلك أنا جايه لكريم، فقولت أجي ليه هنا بنفسي ضحى بهدوء مفتعل: للأسف يانيروز كريم مش هنا نيروز بستفسار: أومال هو فين؟ هزت رأسها نافية: معرفش؟
قالت بحدة: أزاي متعرفيش؟ بلاش كدب جزت على أسنانها بحدة: معرفش لما يجي هقوله حضرتك كنتي بتسألي عليه، بعد أذنك دقايق هعمل حاجة وجاية، أعتبري البيت بيتك ثم أنصرفت وبمجرد خروجها أسندت ظهرها على الباب وتنفست بعمق، وحدثت نفسها: يانهار أبيض وأنا هعيش معاها أزاي، ربنا يعدي الأيام الجاية على خير، أنا هغسل وشي أنسى الدش البارد اللي أخدته جوا..
وفي الداخل هبت نيروز من مكانها غاضبة.. متمتة بانفعال: متعرفش عليا بردو الكلام ده، بنت ال___أما وراتك أنفعلت بشدة لدرجة أحمر وجهها من شدة الغضب وفي خلال شعرت بنهجان، تنفست بصعوبة فأغمضت عينيها في محاولة لأستعادة هدوئها، لكنها فشلت شعرت بانقباض في حلقها والهواء ينفذ، حاولت التحرك ناحية الباب...
بمجرد دخول ضحى الغرفة، أنصدمت من رؤية حماتها على هذا الشكل، فقالت بخوف: مالك يانيروز وضعت نيروز يديها على رقبتها تحاول التنفس وأشارت باتجاه الخارج وبصوت متقطع: مش عارفة أتنفس
حاوطت قوات الشرطة والعربات المصفحة ورجال أكنان المكان وفي خلال لحظات أقتحمت الشرطة القصر، وتوغل الرجال بالداخل كالطوفان مستغلين عنصر المفاجأة، وتم القاء القنابل المسيلة للدموع والتقط أحد الظباط ميكروفون قائلا بهدير: سلمو نفسكم المكان محاصر..
كان شهاب في مكتبه عندما سمع أصوات أطلاق النيران وصوت يأمره بتسليم نفسه، فهب هاربا من مكتبه باتجاه غرفتها فهي وسيلة خروجه الوحيدة الأن من هذا المكان، أما زهرة فزعت وأنتفضت في مكانها وشددت من أحتضان طفليها، توجهت الى الشرفة فوجدت من يسقط مصاب غارقا في دمه، وضعت يديها على فمها وسالت دموع الخوف على وجنتيها، ومازاد ذعرها صوت الطرق العنيف على باب، أنزوت زهرة هي وأطفالها في الزوية، وحاولت التكلم بهدوء عندما سمعت بكائهم: كل واحد يغمض عينيه ويفتكر حاجة بيحبها وأنا كمان هغمض عينيا...
سمعت فجأة صوت مدوي وأنفتح باب الغرفة على مصرعيه وماأن رأته حتى هبت واقفة في مكانها، أقترب منها أكنان مسرعا... القت نفسها عليه وبكت، شدد من أحتضانه عليها وعلى أطفاله وفقال مهدئا: بقيتي في أمان أنتي والولاد، يلا بينا نخرج من هنا، وأخذ يحدثهم بلهجة هادئة وهما في الخارج، حاول شهاب الهروب من قبضة الشرطي وبمجرد رؤيته لأكنان ومع زوجته وأولاده تملكه الجنون، فهو خسر كل شيء وأكنان فاز في النهاية، وفي تلك اللحظة أستطاع فك يديه وفي سرعة جنونية أتنزع المسدس من جراب الشرطي وصرخ في وجهه قائلا: مش هسيبك تفوز عليا، ثم أشهر المسدس وأطلق النار وأختلطت أصوات الطلقات بأصوات صراخ وهمهمات متألمة...