رواية كازينو ما وراء الليالي للكاتبة سارة علي الفصل الرابع عشر
اطلقت بيسان لدموعها العنان حينما اصبحت لوحدها...
الان فقط بإمكانها ان تبكي، ان تنهار، بعيدا عن انظار الجميع، هنا لوحدها في غرفتها، تلك الغرفة التي عاشت فيها لسنوات طويلة، خرجت منها عروس مبتهجة وعادت اليها كجثة بلا حياة، لقد خانها تيم، ذلك الرجل الذي احبته لسنين طويلة ومنحته كل شيء، الذي ظنت به ملجئها وملاذها الامن، خانها، طعنها بالصميم، طعن انوثتها وكرامتها واغتصب سعادتها، استمرت دموعها في الانهمار على وجنتيها، مالذي فعلته لتستحق منه هذا...؟! ما الشيء الذي دفعه لهذا...؟! هل قصرت معه بشيء...؟!
هل كانت زوجة ناقصة بالنسبة له...؟! زوجة لم تستطع حماية قلبه وعقله من غزو اخرى...؟! عند هذه الفكرة نفضت دموعها بعنف ونهضت من مكانها تتطلع الى المرأة تتأمل ملامح وجهها المتعبة الباكية لتهدر بقوة وهي ترفع انفها بشموخ: افيقي يا بيسان، انت امرأة كاملة لا ينقصها شيء، العيب لم يكن منك ابدا، العيب به هو، فهو لا يشبعه شيء سوى معاشرة العاهرات، نعم هو المخطأ، هو انسان قذر لا يستحق دموعك...
كانت تتحدث والدموع تهطل من عينيها بغزارة وتزداد مع كل انفعال يصدر منها، لطالما كانت رقيقة لا تتحمل اي صدمة في حياتها، وجاء هو ليمنحها صدمة عمرها، تحركت من مكانها مبتعدة عن المرأة متجهة الى الحمام، خلعت ملابسها ورمت بجسدها تحت المياه الباردة التي اخذت تنهمر على جسدها بقوة، اخذت تنفض عن جسدها اثار لمساته لها بيديها، لا تريد اي اثر له ولقذاراته، نعم لمساته باتت قذارات تكرهها وتشمئز منها...
خرجت بعد لحظات وهي تلف جسدها بروب الاستحمام، خلعت الروب وارتدت فستان اصفر قصير، رفعت شعرها قليلا ثم امسكت بهاتفها واتصلت بمحامي العائلة لتخبره باختصار فلا رغبة لديها في المزيد من الاحاديث الجانبيه: ارفع لي دعوة طلاق على زوجي من فضلك، اريد ان اتطلق منه باسرع وقت...
وقف تيم امام والده مطأطأ الرأس عاجزا عن الحديث، لم يكن لديه الجرأة لينطق بحرف واحد حتى... لماذا...؟! جاء سؤال والده المنكسر لما فعله ولده وكيف خذله امام الجميع... ابي انا... صفعة وحيدة يتيمة قاطعته ما ان رفع رأسه وقبل ان ينطق بحرف واحد... رحيم لا... قالتها والدته وهي تقف في وجه والده ترجوه ألا يفعل به هذا بينما اخفض بشار رأسه ارضا ووضعت لينا كف يدها على فمها بصدمة... لقد خذلتني يا تيم، خذلتني...
قالها الاب بضعف وانهيار بينما تقدمت لينا نحوه وقالت بقلق: ابي ارجوك لا تفعل هذا، من اجل صحتك على الاقل... تحدثت الام هذه المرة قائلة بنبرة متألمة: لماذا يا بني فعلت هذا...؟ بيسان لا تستحق ان تؤذيها بهذا الشكل، أين كان عقلك...؟ منها لله سارقة الرجال تلك التي جعلتك تخون زوجتك وتهدم بيتك... من هي...؟! هل نعرفها...؟! سألته لينا بجمود ليبتلع تيم ريقه بتوتر بالغ فيقول كاذبا: كلا لا تعرفونها...
اسفي عليك يا تيم، اسفي عليك يا ابني الكبير، كنت اظنك رجلا بحق، ولكن خذلتني كما خذلت زوجتك ووالدك والجميع... كان هذاحديث الام الذي شعرت بطعنةقوية في قلبها لما فعله تيم... امي بالله عليك... قاطعه الاب بعصبية: وتمتلك الجرأة لتتحدث ايضا، انت يجب ان تخرس ولا ترفع عينك في وجه احد منا... انا اخطأت واعترف بهذا، ولكن جميعنا معرضون للخطأ، انا بشر ايضا...
اسمعني جيدا، سوف تذهب الى بيسان وتطلب السماح منها، ترجوها ان تغفر لك خيانتك، تقبل قدميها اذا لزم الامر، فقط لتسامحك، هل فهمت...؟! قالها الاب بصرامة ليشيح تيم وجهه بعيد عنه حينما تقدمت الخادمة تخبرهم عن قدوم محامي العائلة لرؤية السيد تيم... دلف المحامي بعد لحظات وهو يقول بتردد وعدم تصديق: لقد طلبت مني السيدة بيسان ان ارفع دعوة طلاق ضد السيد تيم...
استيقظت ليليان من نومها على صوت باب الشقة يفتح، نهضت من مكانها بسرعة واتجهت الى الخارج لتجد تيم يدلف الى الداخل بعدما اغلق باب الشقة خلفه...
كان يبدو متعبا للغاية، جلس على الكنبة ووضع رأسه بين كفي يده، اقتربت منه بحذر، تشعر ان هناك شيء ما تغير به خلال الليلة الفائتة، وقفت امامه ليرفع بصره نحوه فتلمع عيناها الخضراوتان بقوة، مسك كف يدها الدافئ محتضنا اياه بكف يده الضخم، ثم ما لبث ان طبع قبلة خفيفة عليه... جلست بجانبه واحتضنته بقوة قبل ان تهمس له: ماذا حدث...؟! اجابها: لقد علمت بيسان بكل شيء...
تجمدت كل الكلمات الممكنة على شفتيها، لم تعرف ماذا تقول، هي ليست بمعتادة على مواقف كهذه، لا تعرف كيف يجب ان تربت على قلبه وتهدئ لوعته... كيف..؟! سألته بجدية ليجيبها: لا اعلم، لم تخبرني كيف علمت... ارتجف قلبها بشدة، وسؤال مهم اخذ يلح عليها، من اين عملت زوجته...؟! هل كانت تراقبه...؟! وهل عرفت بهويتها ومن تكون...؟!
تيم، انا خائفة عليك، الافضل ان تفعل ما قلته لك، ان تتركني وتعود الى زوجتك، تطلب السماح منها، وترجوها ان تغفر لك... ليليان ارجوك، انا لست بحاجة لكلام من هذا النوع، يكفيني ما بي... شعرت بمدى تعبه، مدى ضعفه، لاول مرة تراه هكذا، ان تكون هي السبب في كل هذا يؤلمها وبشدة، ان تكون سبب تعاسته وحزنه، سبب شقاءه...
نهضت من مكانها مبتعدة عنه، متجهة الى غرفتها، تريد الانفراد بنفسها، التفكير بحقيقة ما يحدث وايجاد حل سريع لكل هذا...
نظرت الى الجثة الغارقة بدماءها بهلع، لم تعرف ماذا تفعل، لقد قتلته وانتهى امرها، ركضت بسرعة خارج الشقة والدماء الملخطة بيديها دليل على ما فعلت...
لم تعرف اين تتجه فاخذت تركض بلا هوادة، دون ان تحدد وجهتها، توقفت في منتصف احد الشوارع الضيقة الخالية من السكان، اخذت تلهث بقوة وهي تفكر فيما حادث، لقد اصبحت بين ليلة وضحاها قاتلة...! كم غريب امر هذه الدنيا...؟! وكيف تحولت حياتها هكذا...؟! لقد كادت ان تجعلها تلك الدنيا مجرد عاهرة حقيرة لتتحول بين لحظة واخرى الى قاتلة...!
تأملت يديها بخوف وترقب، ترى مالذي سيحدث معها...؟! وكيف ستتجاوز ما حدث...؟! بالتأكيد ستبحث الشرطة عنها في كل مكان، وحينما يجدونها لن يرحمونها، اخذت الدموع تندفع من عينيها بقوة، لا تصدق ما يحدث معها، كل ما ارادته ان تعيش حياة جبدة هي واخوتها، اخوتها..! كيف حالهم الان...؟! لقد تركتهم على وعد بانها ستعمل في احدى المحافظات القريبة، وستجلب المال الكثير لهم...
ظنت انها بهذه الطريقة ستساعدهم وتنتشلهم من فقرهم، لكنها لم تظن بانها ستجلب العار لهم...
اغمضت عينيها للحظات لتلفحها نسمات الهواء الباردة فتطير خصلات شعرها، فتحت عينيها لتظهر يديها الملطخة بالدماء امامها، شعرت بمرارة قوية، ابتلعت غصتها وهي تتوقف عن البكاء اخيرا، اخذت تسير متجهة الى الشارع الرئيسي والذي تمر به العديد من السيارات، واخيرا توقفت على الرصيف تتابع السيارات بعينين شاردتين قبل ان تتقدم بخطوات راكضة وترمي بجسدها امام احدى السيارات المارة بسرعة كبيرة لتحدد هي نهاية مصيرها بيدها لاول مرة...
وقفت امام المرأة تتأكد من سلامة هيئتها، كانت ترتدي فستان اخضر طويل يصل الى كاحلها ذو اكمام طويلة، يغطي شعرها حجاب يخفيه بالكامل، ويخفي الكثير من ملامح وجهها، تنهدت بصمت وهي تمسك القلم بيديها وتخط على احدى الورقات بضعة كلمات قبل ان تترك الورقة له على السرير... حملت حقيبتها الصغيرة وخرجت من الشقة متجهة الى وجهتها اخيرا... استقلت سيارة تكسي وأعطته العنوان وهي تدعو ربها ان تجد كل شيء بخير...
توقفت سيارة التاكسي امام احدى العمارات القديمة، هبطت منها وتوجهت نحو احدى الشقق التي تعرفها عن ظهر قلب، خفق قلبها بقوة وهي تضغط على جرس الباب لتفتح بعد لحظات الباب لها امرأة تعرفها عز المعرفة والتي حملقت بها بصدمة قبل ان تهتف بعدم تصديق: ليليا...
عاد الى الشقة منهكا... لقد كان يوم عمل طويل وشاق بذل به كل طاقته عله يساعده بنسيان ما يحدث معه هذه الايام، فتح باب غرفتها ليجدهاخالية، تجمد في مكانه وهو يحملق بالفراغ حوله بصدمة، لفت انتباهه ورقة موضوعة على السرير فسارع لاخذها ليجد في داخلها: سامحني تيم، انا احبك وسأظل احبك، لكن بقاءنا سويا امر مستحيل، انا فعلت هذا لأجلك، تذكر دائما بأنني احبك...
بعد مرور شهر... جلس على كرسي مكتبه وهو يتنهد بتعب... اقترب رائف منه متسائلا بتردد: ماذا حدث يا تيم...؟! ألم تجدها...؟! هز تيم رأسه نفيا دون ان يرد ليزفر رائف انفاسه باحباط قبل ان يجلس على الكرسي المقابل له... حاول ان تبحث عنها مجددا... قالها رائف محاولا ان يبث القليل من الامل فيه، فشهر كامل وهو يبحث عن ليليان دون فائدة...
لقد ذهبت الى الكازينو وتحدثت مع ريحان، لا يعلم اي شيء عنها، كل ما قاله انه يريد امواله... هل دفعتها له...؟! اومأ تيم برأسه واكمل: اضطررت لبيع منزلي في القرية، لم يكن امامي حلا اخر لجمع هذا المبلغ... هز رائف رأسه بتفهم ثم اكمل: وماذا عن بيسان...؟! اشاح تيم وجهه بعيدا عن رائف وهو يشعر بحشرجة بصوته الذي خرج بطيئا خافتا: طلقتها... انت حزين، أليس كذلك...؟! اومأ تيم برأسه دون ان يجيب ليكمل رائل متسائلا بتعجب:.
هل مل زلت تحبها...؟! رد تيم بحيرة: لا اعلم، ولكنها بيسان، وانت تعرف ماذا كانت تعني بالنسبة لي، ان انفصل عنها امرا ليس هينا اطلاقا، لكنه افضل من الاستمرار بخيانتها... قال رائف: أتعلم...؟! انا حقا اشعر بالشفقة من اجلك، انت تمر بظرف صعب وغريب، وما يزعجني فيما تمر به ليس كونك صديقي فقط وانما انا السبب فيما حدث فلو لم أاخذك الى ذاك الكازينو ما كان ليحدث ما حدث..
لم يعد مهما هذا الكلام، لقد ذهبت الى هناك ورأيتها وانتهى الامر... تنحنح رائف قائلا بتساؤل: تيم، دعني اسألك سؤالى...؟! اومأ تيم برأسه مطالبا منه ان يكمل حديثه ليستكمل رائف قوله: هل انت واثق من كونك قادر على الاستمرار مع ليليان وتقبلها بكل ماضيها...؟! شعر تيم بالارتباك من سؤال رائف... لكنه اكمل وهو يحاول التحلي بالقليل من الثقة بالنفس: نعم متأكد... اردف رائف بجدية:.
تيم، اسمعني جيدا، اذا لم تكن واثقا من حبها لا ترتبط بها، لا تؤذها وتعطيها الامل بحياة مستقرة ثم تخذلها، لقد سبق وخذلت بيسان، وسوف تحمل ذنبها طوال عمرك، فلا تخذل اخرى غيرها... بيسان، اه من بيسان، اشعر بأنني سأعاني بسببها طوال عمري... قالها تيم بنبرة صادقة جعلت رائف يشفق عليه ليقول بمواساة: لا تتعب نفسك بهذه الافكار الان، يكفيك ما فيك... نهض تيم من مكانه وقال: سوف اذهب الى الشقة لارتاح قليلا...
اذا تركت منزل عائلتك بشكل نهائي...؟! هز تيم رأسه دون ان يرد ثم ما لبث ان حمل هاتفه ومفتاح سيارته وخرج من مكتبه...
استيقظت من نومها على صوت صديقتها تنادي عليها... ليليا، هيا فتاة، استيقظي... نهضت ليليان من مكانها وهي تفكرك عينيها باناملها قبل ان تهمس بتعب: ماذا حدث يا وفاء...؟! لماذا تصرخين هكذا...؟! اجابتها وفاء وهي تجلس على السرير بجانبها: انهضي لتتناولي الفطور معي، كما ان هناك امور كثيرة يجب ان نتحدث بها...
نهضت ليليان من فوق سريرها واتجهت ناحية الحمام، غسلت وجهها بالمياه ثم فرشت اسنانها وخرجت بعدها لتجلس على سفرة الطعام بجاني وفاء وتبدأ بتناول فطورها... انتهى الاثنان من تناول الفطور لتجلس ليليان امام وفاء التي قالت بجدية: سوف اعطيك شيئا مهما يا ليليا... سألتها ليليان بحاجبين معقودين: ماذا ستعطيني...؟! نهضت وفاء واتجهت الى غرفة نومها وعادت وهي تحمل بيدها كتاب القرأن الكريم...
مدت القرأن الى ليليان التي تراجعت الى الخلف قائلا بخوف وتردد: كلا يا وفاء، لا استطيع لمسه، انا لست بطاهرة، وانت تعرفين جيدا ما اعنيه... ابتسمت وفاء بحنو وقالت: قومي وتوضأي يا ليليا... اردفت ليليان بحزن: حتى لو توضئت، فهذا لن يطهرني ابدا... صمتت وفاء لوهلة قبل ان ترد بحزم: نفذي كلامي يا ليليا، نفذيه من فضلك، وسوف اكمل حديثي بعدها، هل تعرفين كيفية الوضوء..؟! اخجلها سؤال وفاء فردت بجدية:.
نعم لقد علمتني جدتي كيفية الوضوء منذ ان كنت طفلة صغيرة... ثم نهضت وتوضئت وعادت نحو وفاء لتقول: والان خذيه... ادمعت عينا ليليان بقوة وقالت: اخاف ان المسه... لماذا...؟! لانني زانية واسخة لا يمكن ان المس شيء طاهر مثله... ثم هطلت الدموع من عينيها بغزارة لتربت وفاء على كف يدها وتقول بمواساة: حسنا اذا انظري لما سأفعله...
فتحت وفاء القرأن الكريم وتحديدا على سورة الزمر ثم أشارت لليليان ان تقترب منها ووضعت اناملها على الاية الكريمة (52) ۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) ثم بدأت في قرائتها بتأني وتلاوة مضبوطة جعلت قلب ليليان يخفق بعنف...
انت فقط اخلصي التوبة لله وسوف تصبحين طاهرة تماما مثلي ومثل غيري، وحينها تستطيعين امساكه والقراءة به ايضا... ثم مدت القرأن لها لتمسكه ليليان بكفي مرتجفين مترددتين وتقبله على الفور بينما تعالت شهقاتها نحيبا وبكاءا... اعطتها وفاء الحجاب وأمرتها: ارتديه واقرئي به...
اخذت ليليان الحجاب وارتدته ثم بدأت تقرأ في الكتاب الكريم بشفاه مرتجفة بينما اخذت وفاء تبتسم بسعادة فهي قد عزمت الامر على الامساك بيد هذه الفتاة واصلاح امرها على طريقتها الخاصة...
دلفت سدن الى مكتبها لتجد بشار موجود هناك قبلها... حيته باقتضاب وجلست على مكتبها لينهض هو من مكانه ويتقدم نحوها متسائلا بفضول: اين كنت...؟! متأخرة عن موعد قدومك بساعة... رفعت سدن حاجبها وقالت ساخرة: عفوا، وما علاقتك انت...؟! اسمعيني، انا صاحب الشركة ومن حقي عليك ان تجيبيني على سؤالي... نهضت من مكانها مواجهة اياه: بل اسمعني انت، انت هنا موظف مثلك مثلي، ولا يحق لك ان تسألني عن اي شيء...
انا لا افهم، مالذي فعلته لك لتتعاملي معي بهذه الطريقة...؟! ردت سدن ببرود: لانك وقح وعديم المسؤولية... قبض بشار على ذراعها وقال بتحذير: اضبطي لسانك هذا والا فسوف اقصه... حررت سدن ذراعها من قبضته وقالت بتحدي: اياك ان تفعلها مرة اخرى، هل فهمت...؟! ثم نظرت اليه بنفس الطريقة التي نظرت اليها بها في اول لقاء جمعهما سويا ليتسمر في مكانه كما حدث مسبقا ويشعر نفسه غارقا مرة اخرى بسحر عينيها الخضراوتين...
ابتسمت سدن بسخرية ثم جلست على مكتبها وبدأت في اكمال عملها تحت انظار بشار المغتاظة... دلفت بيسان الى داخل شركة العائلة وهي تشعر بتوتر كبير... انها المرة الاولى التي تخرج بها من منزل عائلتها بعد طلاقها... تشعر بأن جميع العيون مصوبة نحوها... القت تحية مقتضبة على موظفة الاستعلامات ثم توجهت ناحية مكتب كريم فهو مدير الشركة...
دلفت الى داخل المكتب لينهض كريم بسرعة من مكانها مرحبا بها متأملا اياها بعينيه البنيتين... كانت تبدو جيدة وقوية... لطالما آمن بها وبقدراتها على تخطي المصاعب، حتى بعدما علم بطلاقها، كان يدرك بأنها سوف تتخطى هذه المحنة سريعا، وبالرغم من كل هذا بنظرة واحدو ادرك بأن هناك شيء انطفئ بها، شيء لن يعود ابدا مثلما كان... ابتلع غصته وهو يرسم ابتسامة مرحبة على شفتيه، جلست بيسان على الكرسي المقابل له وقالت:.
كريم، لقد اخبرك والدي برغبتي في العمل هنا في الشركة... اجابها كريم بجدية: نعم، وانا سعدت كثيرا بهذا الخبرر... ابتسمت بخفة وقالت: متى سأبدأ عملي...؟! اجابها: من اليوم اذا اردت... قالت بحماس: بالطبع اريد... ابتسم كريم وقال بنبرة معجبة: جميل جدا ما تفعلينه يا بيسان، يعني من الجيد انك خرجتي من عزلتك تلك... اومأت بيسان برأسها دون ان تجيب ليتنحنح كريم مكملا بتردد: انا هنا بجانبك، متى ما احتجتني ستجدينني معك...
شكرا... قالتها بيسان باقتضاب ثم نهضت لاكمال عملها بينما شعر كريم ببعض الامل يتولد داخله فبيسان باتت قريبة منه...
رواية كازينو ما وراء الليالي للكاتبة سارة علي الفصل الخامس عشر
جلست ليليان امام وفاء وبدأت تسرد لها حكايتها مع تيم... اخذت وفاء تستمع اليها بإنصات شديد... كانت تشعر بحب ليليان الحقيقي لتيم... رغبتها بالاقتراب منه... ليليان الاخرى تكلمت بصراحة شديدة معها... لم تكذب عليها باي شيء... حدثتها عن كل ما حدث بينهما بصراحة تامةة... انتهت ليليان من سرد حكايتها ثم صمتت لتتحدث وفاء هذه المرة: هل تحبينه...؟! اومأت ليليان برأسها قبل ان تجيب: للغاية...
تنهدت وفاء بصوت مسموع قبل ان تكمل بجدية: ولكن انت تعرفين ان علاقتكما مرفوضة من الجميع... قاطعتها ليليان بنفس الجدية: اعلم ان علاقتنا مستحيلة، ولكن هذا لن يغيرر شيء من حقيقة كوني مغرمة به... شردت وفاء في حديثها ولم تعرف ماذا تقول، هي واثقة من حب ليليان الصادق لهذا الضابط، لكنها غير واثقة من مدى صحة هذه العلاقة...! نهضت من مكانها وقالت لليليان: انهضي الان، سوف تفوتك صلاة العشاء...
نهضت ليليان وقالت بنبرة مترددة: ما زلت اشعر بالخجل حينما اقف بين يدي الله، اشعر بأنني لا استحق هذا... عارضتها وفاء بشدة: ليليان انت قررت التوبة من جميع ذنوبك.. لذا فانت تستحقين فرصة جديدة، وحياة جديدة، كفي عن تذكر الماضي واخطاءه، فكري في حياة جديدة خالية من الذنوب... ابتسمت ليليات براحة تحتلها دائما ما ان تتحدث مع وفاء لتقول اخيرا: وماذا عن اهلي...؟! متى سأراهم...؟! متى ما اردتي...
صمتت ليليان تفكر للحظات قبل ان تهتف بجدية: غدا، سأراهم غدا باذن الله...
اخذ كريم يسير في ممرات الشركة وهو يفكر بها... لا يصدق انها قريبة منه الى هذا الحد.. بامكانه ان يراها... ان يتحدث معها... هي باتت حرة من كل رباط يمنعه عنها... توقف امام باب مكتبها واخذ نفسا عميقا... دلف الى الداخل ليجدها تتوسط مكتبها وحولها كومة ملفات تحيط بها... كانت تبدو تائهة بين مجموعة الملفات هذه...
تنحنح مصدرا صوتا يدل على وجوده لتنهض من مكانها بسرعة بعدما اضاءت السعادة وجهها كمن وجدت كنزا ثمينا... تقدمت نحوه وهي تهتف بتهلل: واخيرا وجدت من ينقذني... عقد حاجبيه متسائلا بتعجب: ينقذك من ماذا..؟! قبضت على ذراعه وجرته ناحية المكتب وهي تهتف: ساعدني ارجوك، انا لا افهم شيئا من هذه الملفات... واجلسته على كرسيها ثم اخذت تفتح له ملفا تلو الاخر وهي تقول وتشرح له ما تريد فهمه...
اخذ كريم يشرح لها كل شيء ارادته... ظل هكذا لفترة طويلة دون ان ينتبه كلاهما للوقت... مر الوقت سريعا حتى تعدت الساعة التاسعة مساءا... شهقت بيسان فجأة وقالت: لقد تأخر الوقت كثيرا... نظر كريم الى الساعة المعلقة على الحائط وقال بدهشة: معقول، كيف لم ننتبه الى مرور كل هذا الوقت... منحته بيسان ابتسامة خفيفة وقالت بخجل: انا اسفة، لقد اخذت الكثير من وقتك... رد كريم بجدية:.
لا يوجد داعي للاعتذار، انا لم افعل شيئا يستحق هذا، بكل الاحوال وقتي اغلبه للعمل... ثم نهض من مكانه وقال بمرح خفيف: انا جائع للغاية، ما رأيك ان نتعشى سويا... ظهر الارتباك واضحا على بيسان وشعر هو بها ليسألها: ما بك بيسان...؟! لماذا ارتبكت هكذا...؟! الا انها هزت رأسها نفيا بسرعة وردت: كلا، لم ارتبك، سوف ادخل الى الحمام لاعدل مكياجي، ومن ثم اخرج واتصل بوالدي لاخبره بأنني سأتناول طعام العشاء معك...
ابتسم كريم براحة وقال: سأنتظرك في الخارج... تحركت بيسان نحو الحمام الملحق بمكتبها، عدلت من شعرها ومكياجها، خرجت و حملت هاتفها لتجري اتصالا مع والدها تخبره بخروجها للعشاء مع كريم... ثم خرجت بالفعل معه ليتجه بها كريم الى احد المطاعم القريبة...
جلس كلا من كريم وبيسان على احد الطاولات الموجوده في احد المطاعم الشهيرة... تقدم النادل منهما ووضع اماميهما قائمتي طعام... تناول كلا منهما قائمة الطعام الموضوعة امامه وبدأ يقرأ بها ليختارا طعاميهما المفضل... دون النادل ما يريدانه وذهب ليبدأ كريم في الحديث: هل اعجبك المكان...؟! اجابته بيسان بعدما افاقت من شرودها اللحظي: كثيرا، هل انت معتاد على المجيء هنا...؟ اجابها:.
دائما أاتي الى هنا، المكان راقي وهادئ في ان واحد... اومأت بيسان برأسها قبل ان تتنهد بصوت مسموع وتقول: لقد مر الكثير من الوقت الذي لم اخرج به خارج المنزل، أتعلم...؟! انتبه كريم لها لتكمل: لقد شعرت بسعادة والدي حينما اخبرته بخروجي معك، هو يخاف جدا علي من ان يصيبني اكتئاب حاد بسبب انعزالي عن الجميع وتجنبي الخروج لأي مكان... صمت كريم للحظات قبل ان يقول:.
معه حق، انت ابنته الوحيدة ومن الطبيعي ان يخاف عليك، كما ان ما مررت به ليس سهلا... اعلم ولكنني قادرة على تجاوزه... قالتها بنبرة قوية ليرد كريم بجدية: بيسان انت يجب ان تتحدثي عما يجول في داخلك، ادعاء القوة المستمر يتعبك احيانا...
انا لا ادعي القوة، انا بالفعل قوية ولست بحاجة لاحد، يبدو انك نسيت من اكون انا، انا بيسان الصالحي، وانا قادرة على معالجة كافة مشاكلي بنفسي، لن يخلق بعد من يهزمني او يدوس على كرامتي... انا اعرف هذا جيدا ولا شك لدي فيه ولكن... قاطعته بحزم: لا يوجد لكن، اغلق هذا الموضوع من فضلك فانا لن اضيع وقتي في الحديث به.. حسنا، ولكن ارجو الا تكوني قد انزعجت مني... كلا...
ردت باقتضاب ليومأ برأسه بينما اتى النادل وبدأ يضع اماميها الطعام...
وقفت ليليان امام باب المنزل بتردد الشديد.. وقفت وفاء بجانبها وربتت على كتفها مساندة لها... التفتت ليليان لها نصف التفاتة قبل ان تومأ برأسها وتطرق على الباب... انا قادمة... قالتها سدن وهي تتقدم نحو الباب وتفتحه لتتصنم في مكانها وهي ترى المرأة الواقفة امامها... تأملت سدن ليليان من رأسها حتى اخمص قدميها... اغمضت عينيها للحظات تستوعب ما تراه...
عادت وفتحتها لتتدفق الدموع فيهما بينما اخذت تهز رأسا نفيا... بدأت الدموع تهطل من عيني ليليان... ثم بكت الاختان دون ان تتجرأ اي منهما على التحدث مع الاخرى، او حتى الاقتراب... خرجت الجدة وهي تقول: سدن، من هناك...؟! الا انها تسمرت في مكانها ما ان عرفت ليليان لتفقد وعيها على الفور... ركضت ليليان نحوها وهي تصرخ باسمها وكذلك فعلت وفاء بينما ظلت سدن واقفة في مكانها ولم تقل صدمتها بعد...
جلبت وفاء كوب من الماء من المطبخ واعطته الى ليليان التي بدأت تحاول افاقة جدتها من خلال نثر القليل من الماء على وجهها... افاقت الجدة اخيرا لتتطلع الى ليليان بعيون متسعة قبل ان تهتف ببكاء: ليليا، ابنتي... احتضنتها ليليان بقوة وهي تهتف ببكاء حاد: جدتي اشتقت اليك... ضمتها جدتها اليها بقوة ثم بدأت تتلمسها بعدم تصديق قبل ان تطبع قبل متفرقة على وجهها وهي تهتف بشوق: كنت اعرف بأنك ستعودين، كنت واثقة من هذا...
ثم التفت الجدة الى سدن الواقفة في احد اركان الغرفة تبكي بصمت وصرخت بها: سدن، لقد عادت اختك، عادت ليليا يا سدن... تقدمت سدن نحو ليليان بخطوات متهالكة قبل ان ترمي نفسها بين احضانها وتنهار في بكاء يقطع نياط القلب...
بعد مرور عدة ايام اخرى... استيقظ تيم من نومه على صوت رنين هاتف، حكل الهاتف و أجاب بسرعة: نعم... جاءه صوت سيدة غريب عليه تخبره الاتي: انا قريبة ليليا، وهذا عنوانها... قفز تيم من مكانه وهو يستوعب ما سمعه، دون العنوان في ورقة، ونهض من مكانه فورا وغير ملابسه وذهب اليها... كان يشعر بنبضات قلبه تتسارع اكثر كلما اقترب اكثر من مكان وجودها، شعور غريب سيطر عليه وهو يفكر بها، بوضعها الان...
اوقف سيارته امام العنوان الذي دونه، هبط منها وتقدم بسرعة ولهفة نحو المنزل، رن جرس الباب ووقف ينتظر حينما فُتِحت الباب وظهرت هي، تصنم في مكانه وهو يراها أمامه وقد تغير الكثير فيها، حجاب غريب يغطي رأسها، ملابس طويلة تستر جسدها، ونور غريب يشع من وجهها، كل شيء بها تغير، وكأن هناك هبة ملائكية أحاطت بها... ليليان...
همس بها بعدم تصديق وهو يراها بهذا الشكل الجديد بينما اتسعت عيناها بدهشة وهي تراه يقف امامها... من أين علم بمكانها...؟! من أخبره...؟! وعند هذه النقطة تذكر وفاء التي سبق وأخذت منها اسمه ورقم هاتفه وعنوانه... تقدم تيم نحوها وهتف بها وهو يتفحص وجهها بعينيه: يا الهي لا اصدق، كيف أصبحتِ هكذا...؟!
اخفضت ليليان بصرها نحو الاسفل وهي تشعر بالخجل الشديد، لقد باتت تخجل منه ومن تفحصه لها خاصة حينما تتذكر ما جمعهما في الماضي، هي تريد ان تنسى الماضي وما فيه وتبدأ من جديد، وهو يوجوده سيذكرها بهذا الماضي مرارا... رفعت بصرها اخيرا نحوه وسألته: ماذا تفعل هنا...؟! اجابها وهو ما زال على نفس الصدمة: بحثت عنك كثيرا يا ليليان، بحثت عنك في كل مكان... تيم انا...
صمتت ولم تستطع أن تكمل ما تريد قوله بينما يحتضنها هو بعينيه يطلب منها ان تتحدث لتكمل ما قالته بنبرة مرتجفة: انا اشكرك كثيرا على كل ما فعلته لأجلي، لولاك ما كنت لأجد أهلي او أستطيع رؤيتهم ولكن... لكن ماذا...؟! سألها بترقب لترد بجدية: لكن أريدك ان تعلم بأنني لا يجمعني بك اي شيء ولن يجمعني، انا وانت من المستحيل أن نجتمع سويا، الماضي الذي بيننا يحتم علينا هذا... ليليان، هل انتِ واعية لما تقولينه..؟!
قالها مصدوما مما يسمعه على لسانها لتهز رأسها مؤكدة على كل حرف نطقت به قبل ان تهمس بتأكيد: نعم واعية للغاية، ومتأكدة مما قلته، تيم انا اريد ان أبدأ من جديد، لقد تبت الى الله، وقررت أن أنسى الماضي بما فيه، وانت... صمتت للحظة قبل ان تكمل: انت جزء من هذا الماضي الذي يجب أن أنساه والى الابد.. انا لا افهم حقا، ما علاقة توبتك بي...؟! لما تحاولين أن تربطي كل شيء بي، ليليان أنا احبك... قاطعته تتوسله أن يرحمها:.
تيم أرجوك لا تفعل بي هذا... أرجوكِ انتِ، لا تحكمي علي بالموت والضياع... هزت رأسها نفيا وأخذت الدموع تنساب من عينيها ليهتف بها برجاء: انا خسرت كل شيء من اجلك، عائلتي وزوجتي، وكل شيء.. مسحت دموعها بأناملها وقالت: بإمكانك أن تعود الى زوجتك، وتبدأ من جديد، عائلتك لن تتخلى عنك... هل تمزحين معي يا ليليان...؟! ليليا أين أنت...؟! كان هذا صوت جدتها التي تنادي عليها لتهتف ليليان به بسرعة:.
تيم ارحل ارجوك ودعنا نتحدث فيما بعد... الا انه رفض الرحيل: كلا لن ارحل حتى نكمل حديثنا سويا... تيم جدتي لا يجب ان تراك، ارجوك.. زفر أنفاسه بإحباط ثم ذهب بعيدا عنها لتغلق هي الباب على الفور وتتجه نحو جدتها...
رواية كازينو ما وراء الليالي للكاتبة سارة علي الفصل السادس عشر
عاد تيم الى شقته خائبا بعدما حدث... أخذ يفكر في حديثه مع ليليان... كيف رفضته ورفضت حبه بعدما كل ما فعله لأجلها... جلس على الكنبة وهو يفكر في كل هذا حينما رن جرس الباب... اتجه اليه وفتحه لينصدم بوالده أمامه... دلف والده الى الداخل فأغلق تيم الباب خلفه وتوجه الى الداخل وراءه... اجلس ودعنا نتحدث... قالها الاب وهو يجلس على الكنبة ليجلس تيم أمامه بحرج... نعم، تفضل... قالها تيم لوالده الذي سأله:.
ألن تعود الى المنزل...؟! اجابه تيم بجدية: كلا، انا مرتاح هنا... اسمعني يا تيم، انت تعرف جيدا أن ما فعلته خطأ كبير للغاية و... قاطعه تيم بجدية: ابي انا اعرف كل هذا، وأفهمه جيدا... تحدث الاب بصوت عالي: كلا لا تعرف، بسببك تدمرت علاقتي بعمك، أنت دمرتنا جميعا، وأولنا بيسان... أبي ارجوك... اخذ الاب نفسا عميقا ثم حاول تهدئة نفسه فقال بنبرة باردة غليظة:.
اسمعني، انت ستعود الى المنزل وتعيش معنا، فأنا لن اسمح لك بأن تجعل هذه الشقة وكرا لملذاتك الفارغة... ابي... صاح به الاب بنفاذ صبر: لا يوجد ابي، انت ستسمع كلامي وتنفذه من الان فصاعدا... وماذا بعد...؟! هل توجد أوامر أخرى...؟! سأله تيم بضيق ليرد الاب: سوف تترك عملك في الشرطة... اتسعت عينا تيم بعدم تصديق قبل ان يهتف: ماذا تقول انت...؟! اترك عملي بالشرطة، لماذا...؟!
لانه لم يعد يناسبك، من الان فصاعدا ستعمل معنا في الشركة، هذا افضل حل لك... هل تظن بأنني طفل صغير تسيره حسب ما تريد...؟! انا من الاساس كنت رافض لأمر عملك في الشرطة، لم احبه يوما، لكنك انت من اصريت عليه، والان جائتني الفرصة لأنهي ارتباطك بهذا العمل، والا... صمت الاب لوهلة قبل ان يكمل بجدية: وإلا فأنني سأحرمك من جميع اموالي وأملاكي... هل تظن بأنني سأترك عملي لأجل بضعة أموال...
انتفض الاب من مكانه بعصبية وقال: يكفي، انت ستنفذ كلامي، ألا يكفيك ما فعلته الى الان، خيانتك لزوجتك، تدمير عائلتنا، هذه فرصتك الوحيدة لتصحيح ما فعلته، حتى لا تخسرنا الى الابد... شعر تيم بأنه وضع على المحك فهو على ابواب خسارة عائلته بشكل نهائي، هو يعرف والده جيدا ويعرف طريقة تفكيره، سوف يتخذ ما حدث حجة كبيرة ليسيره كيف ما يريد، لكن هل سيوافق...؟! وماذا عن ليليان...؟! هل سيقبل بها كزوجة له...؟!
افاق تيم من شروده على صوت والده يخبره: لقد قلت ما لدي، اذا كنت تريد منا أن نتقبلك بيننا، فسوف تعود الى منزلنا، وتعمل معنا بالشركة، والا فأنك ستحرم مننا ومن أموالي الى الابد...
في صباح اليوم التالي... دلفت بيسان الى مكتبها لتجد كريم هناك... تفاجئت من وجوده فسألته متعجبة: كريم، ماذا تفعل هنا...؟! استقبلها بإبتسامة قبل ان يجيب: جئت لأبلغك بأن هناك اجتماع مهم لنا مع شركة القاضي، ويجب أن نذهب بنفسنا الى هناك... كان بإمكانك ان تخبر السكرتيرة بهذا... لقد فضلت إخبارك بنفسي... ابتسمت بيسان بخجل ثم ما لبثت ان قالت بعدما اخفت ابتسامتها: هل نذهب الان...؟!
اومأ برأسه ليتجه الاثنان خارج المكتب بل وخارج الشركة بأكملها... وصل الاثنان الى مقر شركة القاضي... هبطت بيسان من سيارتها وفعل كريم المثل... اتجه الاثنان الى مقر الشركة ليجدا مدير الشركة في استقبالهما... عرفها كريم على مدير الشركة قائلا: أنور القاضي، رئيس المجموعة ومدير هذه الشركة... ثم عرف عنها: بيسان الصالحي، ابنة عمي... ابتسم أنور وهو يمد يده نحو بيسان التي مدت يدها هي الاخرى رادة له تحيته...
تأملها أنور بنظرات متفحصه بدئا من شعرها الاشقر الطويل وعيناها اللامعتين وملابسها العملية... اهلا انسة بيسان... صححت له بيسان بحرج: مدام ولست انسة... الاسف ظهر جليا على ملامحه بشكل أربكها قبل ان يتجه بهما الى صالة الاجتماعات... استمر الاجتماع لاكثر من ساعتين... كان خلالها أنور يتابع بيسان بإعجاب واضح ازداد اكثر حينما لمح كفي يديها خاليتين من خاتم الخطبة...
انتهى الاجتماع وودع كلا من كريم وبيسان أنور و شركائه بالعمل... وبعدما خرج كلا من كريم وبيسان من غرفة الاجتماعات... اقترب صديق أنور منه وسأله: جميلة، أليس كذلك..؟! اجابه انور وهو يبتسم بخبث ويعبث بقلمه: للغاية... لقد تطلقت منذ فترة قصيرة... اعتدل انور في جلسته وقال بعدم تصديق حقا..؟! اومأ صديقه برأسه ليبتسم الاخير بإنتصار قبل ان يهتف: يا له من حظ جميل... اذا سمعتك فريدة فإنها لن ترحمك...
ما ان جاء ذكر فريدة حتى عبست ملامح أنور كليا حيث قال بضيق واضح: مالذي جاء بذكر فريدة الان...؟! تذكر لنا شيئا جيدا، ثم ابتسم بخبث وهو يقول: يبدو ان شراكتنا مع عائلة الصالحي سوف تجلب لنا الكثير من الاشياء الممتعة...
بعد مرور ثلاثة أشهر... أوقفت بيسان سيارتها أمام مقر شركات عائلة القاضي.. هبطت منها وحملت مجموعة ملفات تخص عملها هنا وسارت بخطواتها الرشيقة الى داخل الشركة... اتجهت الى الطابق الاخير حيث يوجد مكتب مديرها والذي ينتظرها بفارغ الصبر منذ أن علم بمجيئها... استقبلتها السكرتيرة بإبتسامة بشوش قبل أن تخبرها أن السيد انور ينتظرها بالداخل...
واحدة اخرى مكانها كانت ستتلعثم وتتوتر فالسيد أنور بالتأكيد سيحاصرها بكل إمكانيته وطريقته المعتادة ويظل يتحرش بها بطرق غير مباشرة... بيسان نفسها لو كانت كالسابق لتوترت كثيرا ورفضت بقائها معه لوحديهما... لكن الان الوضع يختلف والدليل انها هي من اصرت أن تأتي وتقابله بنفسها ولوحدها بدون كريم الذي ظهر الضيق واضحا عليه...
دلفت الى داخل مكتبه فوجدته ينهض مباشرة لإستقبالها، مد يده لها فمنحته يدها قبل ان تهتف بصوت واثق: صباح الخير، كيف حالك...؟! أجابها وهو يبتسم بإنشراح: رائع بوجودك اليوم... حررت كف يدها من قبضته وسارت نحو سطح المكتب لتضع الملفات عليه وتجلس على الكرسي المقابل لسطح مكتبه بينما تقدم هو نحوها وترك كرسيه الرئيسي وجلس على الكرسي المقابل لها... كيف حالك انتِ...؟! أجابته بعملية: بخير، لنبدأ العمل...
الا كان قال بمراوغة: ماذا تشربين اولا...؟! شكرا، لا اريد اي شيء... إعترض قائلا: مستحيل، أنت يجب أن تشربي شيئا... أخفت بيسان انزعاجها من اصراره وقالت بنبرة مجاملة: حسنا من الممكن أن أتناول القهوة... كيف تفضلين قهوتك...؟! حلوة... ابتسم لها وقال: مثلك تماما... سيد انور... همستها بنبرة محذرة ليكمل بدوره: انا اسف، ولكنني لم أقل شيئا خاطئا...
ثم حمل هاتف مكتبه واتصل على سكرتيرته طالبا منها قهوة حلوة لبيسان وقهوة سادة له...
كانت سدن تجلس في مكتبها المشترك مع بشار لوحدها فهو لم يأت بعد... نظرت الى ساعتها وقالت بنبرة ساخرة: ويحاسبني اذا تأخرت، الساعة قاربت على العاشرة ولم يأتِ بعد... ما ان اكملت كلماتها حتى دلف بشار بالفعل الى المكتب... لم يلق التحية عليها بل جلس على المكتب وكان يبدو عليه الضيق الشديد... نظرت اليه سدن بإستغراب ثم ما لبثت أن قالت بتعجب: ما بك...؟! تبدو في أسوء أوضاعك... رمقها بنظرات مستاءه وقال:.
لا تتدخلي فيما لا يعنيك... مطت سدن شفتيها وقالت ببرود: الخطا مني لأني سألتك... ثم نهضت من مكانها وسارت نحو باب الغرفة حينما أوقفها صوت بشار قائلا بصرامة: توقفي... توقفت في مكانها لوهلة ثم استدارت نحوه وقالت: نعم، ماذا هناك...؟! تأملها مليا قبل ان يهتف: ما هذا الذي ترتدينه...؟! ألم تجدي أقصر من هذه التنورة...؟! نظرت الى تنورتها القصيرة بعض الشيء ثم رفعت بصرها نحوه وهتفت ببرود ؛.
ما علاقتك انت...؟! انا أرتدي ما يناسبني وأنت لست بوصي علي...! ضرب على سطح المكتب قائلا بعصبية: يبدو أنك نسيت ان والدي صاحب الشركة، وانا لن أسمح لأي شخص أن يؤثر في سمعة شركتهة... رفعت سدن بصرها نحو الاعلى بنفاذ صبر ثم قالت بملل: يبدو أنك فارغ اليوم وسوف تملأ فراغك بي... تحدثي معي بأسلوب افضل من هذا...! قالها بشار بصرامة جعلتها ترمقه بنظرات هازئة قبل ان تقول بتحدي:.
انا أتحدث معك بالأسلوب الذي اريده، هذا اولا، ثانيا أنت لا يحق لك أن تتدخل بما أرتديه... قبض على ذراعها بقوة وقال بتحذير: هذه الملابس لن ترتدينها مرة اخرى، هل فهمت..؟! وإلا حينها سأتصرف معك بطريقة لن تعجبك اطلاقا... حررت ذراعها من قبضته وقالت بحدة: افعل ما تريده، تحذيراتك هذه لن تهمني، انا سأذهب الى والدك وأتحدث معه، أخبره عما يفعله ابنه المدلل بي... رد بشار عليها بلا مبالاة:.
أخبريه ما تريدين، المهم أنك لن ترتدين ملابس كهذه بعد الان... اغلقت بيسان اخر ملف بحوزتها ليرتد أنور الى الخلف متنهدا بإرهاق واضح... لقد أخذوا يدرسون الملفات التي بحوزتهم لأكثر من خمس ساعات متواصلة... فركت بيسان جبينها بتعب واضح لتجد أنور يتأملها مليا قبل أن يقول لها: تبدين مرهقة للغاية... اومأت برأسها وردت عليه بإختصار: قليلا... تنهد أنور بصوت مسموع ثم ما لبث ان قال:.
بيسان، أقصد مدام بيسان، يبدو أن هناك الكثير من العمل سيجمعنا، لذا انا اقترح عليك أن تباشري عملكِ في شركتنا لفترة محددة، يعني لحين انتهاء المشروع على خير... تعجبت بيسان مما قاله فهي لم يخطر على بالها شيء كهذا: غريب لم أفكر بهذا من قبل، ولكن لماذا سأفعل شيء كهذا...؟! أجابها بجدية:.
من غير المنطقي ان تأتي كل يوم دون ان يكون لك مكان محدد تعملين به هنا، ومن غير المنطقي ايضا أن تعملي يوما هنا ويوما هناك، طالما انت المسؤولة عن هذا المشروع من مجموعتكم فأنا أقترح ان تنقلي دوامك الى شركتنا لحين انتهاء المشروع.. هذا عرض لطيف منك، لكن انا لدي اعمال اخرى في شركتنا، لذا فأنا لن أستطيع ان ابقى هنا فقط، حتى وان كان هذا المشروع أهم مشروع لدي لهذا العام...
فهمت، ولكن مع هذا أنا سأجهز لكِ مكتبا خاص بك تباشرين به عملك هنا.. هزت بيسان كتفيها قائلة: كما تريد، لن أمانع... ثم نهضت من مكانها بنية الرحيل لتجده يقف هو الاخر قائلا: سعدت كثيرا بلقائك... ابتسمت بيسان له وقالت: انا الأسعد... ثم خرجت من مكتبه تحت انظاهره ليبتسم بخبث وهو يفكر أن امامه الكثير ليصل إليها...