logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .






look/images/icons/i1.gif رواية عبث باسم الحب
  26-12-2021 08:31 صباحاً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

في الشقة المستأجرة في مرسى مطروح..
كان مروان جالسًا على الأريكة يضع قدم فوق الاخرى ومُتكئ بظهره للخلف يشاهد التلفاز، وفي يده طبق به فشار يتناوله في تسلية، منتظرًا إنتهاء رهف التي كانت تستحم في المرحاض..

مر وقت ليس بقليل ورهف لم تنتهي، فنهض مروان ليطرق باب المرحاض في هدوء وهو يسألها:
-إيه يابنتي كل دا لسه مخلصتيش؟

وفي الوقت نفسه، كانت رهف ساقطة على أرضية الحمام؛ فبعد أن مر الوقت دون أن تشعر به وهي تستحم بالماء السخن، ملأ الدخان اركان الحمام وقل الاكسجين، فبدأ يداهمها دوار قوي نجح في زلزلة ثباتها وإسقاطها أرضًا بلا حيلة؛ تحاول إلتقاط أنفاسها بصعوبة وهي تسعل عدة مرات وقد شعرت أن الهواء إنحسر تمامًا من رئتيها، حاولت تحريك جسدها لتنهض او حتى أن تنادي على مروان، ولكن الدوار مع نقص الاكسجين كانا أقوى منها..

فظلت كما هي منهكة القوى، بعينين زائغتين شاحبتين كبشرتها التي بدت وكأن الحياة إنعدمت منها...
لحظات مرت وهي تكتشف أن الهواء الذي كانت تتنفسه دون أي عناء او حساب؛ ما هو إلا نعمة كبيرة حُرمت منها في تلك اللحظات، وبدأت تحس أنها في مواجهة مباشرة مع الموت، أن تلك الدقائق هي الدقائق الاخيرة وتنتهي رحلتها في تلك الدنيا.

سمعت طرقات مروان على الباب وسؤاله، وجاهدت لتنطق، ولكن النطق كان بالنسبة لها بمثابة طيران طير مكسور الجناح لأعلى برج!
وكل محاولاتها لم ينتج عنها سوى همهمة بسيطة مكتومة بالطبع لم تصل لمروان..

فعاد مروان يطرق الباب مرة أخرى مناديًا إياها وقد بدأ القلق يُطلق جنوده بين أركان قلبه:
-رهف انتي سمعاني؟ اتأخرتي كده لية؟
وأيضًا لم يجد رد، فصاح مُحذرًا عساه يجد رد:
-رهف أنا هكسر الباب وهدخل.

وحين خاب أمله بإيجاد رد، بدأ يدفع الباب بعنف في محاولة لكسره والدخول، وبعد عدة محاولات نجح في كسر القفل وفتح الباب، وما إن فتحه حتى نال منه هذا المنظر الذي صفعه غارزًا في قلبه هلع حقيقي لم يسبق له الشعور به!

ركض نحو رهف التي قد بدأت تفقد الوعي بالفعل، وأمسك البُرنس ليجعلها ترتديه ويريطه على جسدها بإحكام، ثم حملها بسرعة وهو يناديها بصوت مذعور:
-رهف؟ رهف ردي عليا؟ رهف سمعاني ردي عليا.

بدأ يسعل هو الآخر من تراكم الدخان في المكان لدرجة الاختناق، وخرج حاملًا رهف راكضًا نحو الفراش بسرعة ليضعها عليه، ثم جلس جوارها ووضع ذراعه أسفل رأسها، يهزها بقوة ويضرب برفق على وجنتيها في محاولة لجعلها تستعيد وعيها وحروفه تحمل قسطًا واضحًا من الخوف والقلق:
-يا رهف، رهف فوقي، رهف!

إنتفاضة عنيفة فزعة أصابت قلبه حين فشل في الحصول على استجابة، رباااه وكأن قلبه سيتوقف عن النبض من كثرة الهلع الذي هاجمه وجعل كل خلية فيه تضج بالفزع..!

ولكنه لم يقطع الأمل بل ظل يحاول ويحاول إلى أن بدأت تفتح عيناها والوعي عاد لينثل خيوط الظلمة التي كانت تبتلعها.

بدأت تتنفس بصوت مسموع بينما هو شبه ابتسامة وُلدت على شفتيه حين أشرقت بُنيتاها من جديد من بين جفنيها المغلقين، وظل يردد في لهفة:
-ايوه اتنفسي، خدي نفس بالراحة.
وبالفعل مرت الدقائق ورهف تلتقط أنفاسها، حتى بدأت أنفاسها تستقر، بينما مروان يحتويها بين ذراعيه الفولاذيتين، يمسح بأطراف أصابعه على جانب وجهها وخصلاتها المبلولة في حنو شديد..
ثم خرج صوته دافئًا متسائلًا ولم يخلو من القلق:.

-بقيتي أحسن دلوقتي يا حبيبتي؟
اومأت رهف مؤكدة برأسها في إرهاق دون أن تنطق، ولم تكن في حال يسمح لها بالتركيز في كلمته التلقائية التي هربت متسللة من قلبه الذي كان مُحاط بغشاوة عقلية حاجبة لمشاعره.

بعد مرور نصف ساعة...
انتهى مروان من مساعدة رهف في ارتداء ملابسها كاملة، وقد بدأت الحياة تغزو وجهها الذي بدا منذ لحظات كأرض قاحلة خالية من أي معالم من معالم الحياة؛ وعاد وجهها ليزهر شيئًا فشيء.
ولكن لم تكن قد نجت كليًا من بين براثن الدقائق الموحشة التي عاشتها منذ قليل فقد كانت على عتبة الموت حرفيًا...

أمسك مروان بذقنها برقة ليرفع وجهها نحوه هامسًا في نبرة عذبة يشاكسها محاولًا إخراجها من تلك الحالة:
-كده تقلقيني عليكي يا غزالة.
ابتسامة شاحبة نوعًا ما ارتسمت على ثغر رهف التي راحت تهمس مرددة خلفه:
-غزالة؟!
فأومأ مؤكدًا، وعيناه تلتقي بعينيها البُنية الواسعة، يذوب في جمال النظر لهما، ثم هتف بصوت يتدفق منه العاطفة:.

-اول ما ببص لعنيكي بتفكرني بالغزالة، واسعة ولونها شبه القهوة وفيها حاجة غريبة بتشدني وبتخليني عايز أفضل باصص ليها بس.

لمعت عيناها وهي تحدق به، لن تنكر تلك الرفرفة من قلبها الذي إنتعش وذلك الغزل يسقط عليه كقطرات مياه بعد قحل ليرويه.
وراحت تقول بعدها في رقة:
-مع إن لونها مش مميز وعادي جدًا.
-إنتي أي حاجة فيكي مميزة يا غزالة، انتي كلك مميزة.

تمتم بها بنبرة رجولية عميقة ذبذبت دواخلها دون أن يفكر حتى، بدا وكأنه مسلوب الإرادة على لسانه وقلبه، وكأن صعقة الصدمة منذ قليل حررته من سطوة السيطرة العقلية التي كان عليها، وجعلته يدرك الوقت الذي يضيع هباءًا دون أن يستثمر كل ثانية منه في صنع هالة من السعادة لهما.
فخرجت حروفها مطلية بالخجل وهي تشيح بعينيها عنه:
-شكرًا.

إنتبه مروان بعدها لحالة التيه التي انتباته، فأراد تغيير الجو، فعاد ليرفع ذقنها مرة اخرى ولكن هذه المرة تبدل الوهج الذي كان يُنير عيناه بآخر عابث ماكر عرفته مؤخرًا بينما يردف:
-بس بقولك إيه، هو مش المفروض الحالات اللي زي كده بيعملولها تنفس صناعي.
ثم ضرب على جبهته في حسرة مصطنعة:
-اااخ ازاي فاتتني دي!؟
نظر لها مضيقًا عيناه كأنه يتفحصها، والعبث يتقافز من مقلتاه أردف:.

-أنا حاسس كده إنك تعبانة ولازملك تنفس صناعي.

فهزت رهف رأسها بسرعة نافية تخبره وقد تخضبت وجنتاها في خجل:
- أنا؟ لا أنا كويسة خالص، كويسة جدًا.
-والله ما يحصل لازم اعملك تنفس صناعي، كله الا الضمير والإتقان دا أنا في الإتقان معنديش يامه ارحميني.
قالها في شقاوة وهو يمسك رأسها مُقربًا إياها منه فضحكت هي من أعماق قلبها مدركة محاولته لإخراجها عن طور تلك الحادثة المهيبة، ثم همست بنعومة أسرت قلبه:
-مرواااان بطل استغلال بقا.

ضحك هو الآخر وهو يجذبها لأحضانه مقبلًا قمة رأسها بحنان، ثم أخذ يتمتم بضجر وبراءة مصطنعة:
-يااااه على نفوس البشر، انا عايز اساعدك واديكي من نفسي الغالي وانتي تقوليلي استغلال، فعلًا خيرًا تعمل شرًا تلقى!

بعد مرور أسبوع...
أسبوع كان من أحلى الأسابيع التي مرت على كلاهما، كان لون جديد زاهر طُبع على كم هائل من السواد، كان راحة بعد مشقة وهناء بعد تعاسة..!
أسبوعان أثبتا لرهف أنها لم ترى كل ما يخبئه القدر لها، فقط رأت القاسي منه، ولم تكن تدري أن السعادة والقسوة جزءان غير منفصلان، فأنت لن تنال وجهًا واحد منهما.

ووصلا لدرجة من التواصل النفسي والعاطفي كبيرة لدرجة أنها أصبحت تتلهف لكل لقاء عاطفي جديد يزرع فيها نبتة ود جديدة نحو مروان..
كما أنها أصبحت ممتنة بشكلٍ ما لإصرار مروان على اصطحاب بعض قمصان النوم معهم!

كانا داخل احدى القرى السياحية في مطروح، تحديدًا في كافيه أمام حمام السباحة، كانت رهف جالسة مُتكئة للخلف بأريحية تزيد إلتصاقها بظهر المقعد، تستمع بالجو المشمس الرائع، بينما مروان جالس جوارها هو الآخر مرتخي الملامح يرتدي نظارته الشمسية...

وفي نفس الوقت كانت سيدة ثلاثينية تمر من أمامهم ذات جسد ممشوق ترتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي، محددة تقاسيم جسدها بوضوح، وكان مروان بالصدفة البحتة يدير رأسه نحوها ناظرًا نحو النادل باحثًا عنه، فاعتقدت رهف أنه يلاحق تلك السيدة بعينيه مستمتعًا بالتغزل الصامت في جسدها الأبيض الواضح، فشعرت بشيء وكأن سن إبرة يُغرز بمنتصف قلبها يدفع داخلها سائل حارق جعل دمائها تغلي بالغيرة!

تغضنت ملامحها تلقائيًا وهي تتابعه، قابضة على ملابسها بأظافرها وكأنها تجاهد نفسها حتى لا تنهض وتمزق جسد تلك الشمطاء السعيدة بعرض جسدها للجميع..!
تجهل كهن ذلك الشعور الذي يهاجم دواخلها لأول مرة فارضًا سيطرته عليها حتى جعلها فاقدة للسيطرة على نفسها وتصرفاتها...
ولكنها ترجمته أنه حمائية طبيعية بالنسبة لإمرأة ينظر زوجها لأخرى وهي جواره..

حين نظر مروان نحوها لاحظ ملامحها المقلوبة تعكس الغضب الذي يتماوج داخلها، فسألها في استغراب:
-مالك يا رهف؟
عقدت رهف ذراعيها وأجابته من بين أسنانه بنبرة جافة كادت تكون حادة:
-مالي يعني؟ مليش منا مرزوعه قدامك اهوه عملت إيه؟!
زاد استغرابه اضعافًا من لهجتها الهجومية ومن ثم راح يردد ساخرًا:
-لا ابدًا وشك بس عامل خناقة على الضيق كده.

فاعتدلت جالسة على المقعد تسأله في تحفز غريب للشجار ونفث كل الغضب الذي يعتمل بصدرها في وجهه:
-أنت قصدك إيه بقا؟ إني نكدية صح؟
-انتي؟ لا خالص!
تمتم بها مروان في سخرية مطلية بالبراءة الزائفة، فلوت رهف شفتيها مغمغمة بغيظ يحلق في سماء عينيها:
-‏يا سلام عليك يا بحر الفرح يا ترعة المرح يا هرمون السعادة.
ضحك مروان وهو يضرب كف على آخر، وقال من بين ضحكته الخفيفة:.

-طب أنا هسيبك عشان شكلك مجنونة دلوقتي، وهروح أطلبلك لمون.
وكاد يستدير بجسده للخلف بحثًا عن النادل وحيث تقبع تلك الشمطاء الشبه عارية، فهتفت رهف بسرعة وبلهجة إجرامية:
-لو جدع لف بقا ناحيتها تاني عشان تكون أخر لفة في حياتك.

للحظة لم يستوعب مروان ما نطقت به وأعتقد أنها قد جُنت، ولكن حين انتبه لصيغة المؤنث التي تمركزت وسط حروفها، ومن ثم لمح بطرف عيناه السيدة القاطنة خلفه، ادرك أخيرًا أنها بالفعل جُنت؛ ولكن بجنون الغيرة، ومَن غيره يدرك جيدًا هذا الشعور الناري بالتملك، جذب نفسًا عميقًا متذوقًا نشوة هذا الشعور وكأن أحدهم أطلق مفرقعات بين ثنايا روحه.

لم ينكر تلك السعادة والغرور الذكوري الذي اجتاح صدره حين أدرك أنها تغار، أنه بدأ يجني ثمار معاملته الطيبة الدافئة لها في أشد اوقات حياتها حرجًا.

قطع شروده صوت رهف الأجش وهي تخبره:
-قوم نمشي من هنا.
فسألها مشدوهًا:
-نمشي من هنا نروح فين؟!
هزت رأسها وبرأس حجرية لا تقبل سوى الموافقة، أردفت:
-نروح أي حتة غير هنا، أنا عايزه أمشي دلوقتي حالًا.
لم يكن يملك مروان سوى الموافقة فأومأ برأسه موافقًا على مضض:
-حاضر ياستي.
أوقف الرجل المخصص بتوزيع الكراسي وما شابه ذلك، ليتنحنح قبل أن يخبره بهدوء:
-لو سمحت عايزين نغير مكانا.

اومأ الرجل ثم سأله بنبرة دبلوماسية:
-تحت أمرك يا فندم، تحب حضرتك تروح فين؟
رد مروان بحروف مغموسة بالمكر الرجولي وهو ينظر نحو رهف بطرف عيناه، وابتسامة حملت نفس المكر كانت تنازع جدية شفتاه:
-أي حتة مفيهاش ستات عشان مراتي بتغير.
تجمدت رهف مكانها لوهله، وتمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها حين رمى النادل نظرة خاطفة نحوها ضاحكًا ثم عاد ينظر لمروان قائلًا:
-تمام يا فندم.
نبهه مروان بنفس الهدوء بعدها:.

-بس معلش لو هنتعبك، شوفلنا حتة هادية كده متكونش زحمة.
-تحت أمرك، اتفضلوا معايا في مكان هادي جدًا ولسه مفيش رجل خالص فيه.
تشدق العامل بهذه الجملة وهو يتحرك سابقًا مروان الذي نهض ممسكًا بكف رهف التي كانت عاقدة الحاجبان في حنق كالأطفال غير راضية تمامًا عن كل ما يحدث.

وبالفعل أوصلهم العامل لهذا المكان، ولم يكن به سواهم تقريبًا وبعض العاملين؛ نظرًا لأن الوقت لازال مبكرًا.
غادر العامل، فاقترب مروان بكرسيه من رهف التي كانت تنظر أمامها بعند متجاهلة إياه وكأنها لم تكن تحترق بالغيرة منذ قليل وتتلهف للشجار معه..!
ليلكزها بكتفه في خفة مشاكسًا إياها:
-بتغيري يا غزال.
فنظرت رهف نحوه بسرعة متابعة في استنكار شديد:.

-أنا؟ لأ طبعًا وأنا هغير ليه يعني؟ وهو أنا عشان سكت قدام الراجل خلاص اتثبتت عليا!
فعاد مروان ليلكزها في كتفها مرة اخرى بابتسامة واسعة يستوطنها الخبث:
-بتغيري، عليا الطلاق بالتلاتة أنتي بتغيري.
ضربت رهف كفًا على كف، وبابتسامة ساخرة مهزوزة تخفي أسفلها رجفة متوترة من الحقيقة المُكبلة بتلك السخرية! استطردت:.

-لا اله الا الله، ما الطبيعي لما يكون جوزي عينه زايغه وماشاء الله عليه لازم أخد رد فعل ولا هبقى قرطاسه؟!
ثم نهضت قائلة في استهجان وضيق مصطنع بينما هي في الحقيقة تهرب منه بعدما ضربته بجملتها الأخيرة دون أن تعطيه فرصة الرد والتي هي متأكدة أنها ستفحمها:
-أنا رايحة الحمام وراجعة.
وبالفعل اختفت من أمامه بسرعة متوجهه نحو المرحاض والذي لم يكن بعيدًا عن مكان جلوسهم..

كان مروان جالس مكانه، ولكن فجأة من العدم فرقعت بعقله فكرة عبثية جعلت عيناه تلمع وهو ينهض ليتوجه خلف رهف نحو المرحاض الذي دخلته، وقف أمام المرحاض حيث عاملة النظافة التي تكون جالسة أمامه، فأخرج حفنة من الأموال من جيبه، وأعطاهم لها وهو يربت على كتفها مرددًا بابتسامة ودودة:
-ربنا يقويكي ويديكي الصحة يا أمي.
فبادلته الابتسامة بأخرى مشابهة:
-تسلم يابني الله يخليك.

-استأذنك بس لو ينفع أدخل لمراتي اللي لسه داخله دي عشان تعبانة شوية، ولو ينفع متدخليش حد عقبال ما نخرج خمس دقايق بس؟!
غمغم بها مروان مضيقًا عيناه في براءة خادعة وشيء من التوسل، بينما السيدة كانت ترمقه بنظرات متوترة مهزوزة في تردد:
-لو حد جه ممكن يحصلي مشكلة.
هز مروان رأسه نافيًا بسرعة يحاول طمأنتها:
-لا صدقيني مش هنطول اصلًا هي عشر او خمس دقايق مش اكتر.
فأومأت موافقة على مضض، ثم همست تحذره في توجس:.

-خمس دقايق او عشر دقايق بالكتير ماتطولوش بالله.
اومأ مروان مؤكدًا برأسه وهو يتحرك متوجهًا لداخل المرحاض ثم أغلق الباب خلفه، وجد رهف تقف أمام المرآة تتفقد هيئتها، وما إن رأته حتى إتسعت عيناها تهتف بعدم تصديق:
-مروان انت بتعمل إيه هنا أنت اتجننت؟
بدأ مروان يقترب منها بخطى بطيئة متعمدة ويردد بحروف هادئة في ظاهرها ومُغطاه بفرو الذئب الماكر في باطنها:.

-لأ انا ماتجننتش، في ناس تانية هي اللي الغيرة جننتها، تعرفيهم؟
كانت تعي جيدًا أنه يقصدها هي، ولكنها هزت كتفاها تقول في براءة تامة:
-أعرفهم؟ لا خالص، أنت تعرفهم؟
أصبح أمامها مباشرةً، فأكد لها بابتسامة ذات مغزى:
-إلا أعرفهم، دا أنا أعرفهم أوي.
نظرت رهف نحو الباب وكادت تتحرك تنوي الخروج، او بمعنى أصح الهرب من حصاره الذي أصبح وشيك، وهي تردف بجدية وابتسامة خفيفة مصطنعتان كأنها تساير طفل:.

-طب نخرج من هنا دلوقتي وبكره هنعرفهم أنا وأنت وناهد وكلنا.
وفجأة كان مروان يقترب أكثر فتراجعت هي للخلف تلقائيًا حتى إلتصقت بالرخام الذي يقبع أسفل مرآة المرحاض، ومروان يمد ذراعاه جوارها مستندًا عليه، يحشر جسدها بين جسده الصلب من أمامها والرخام من خلف..

اقترب بوجهه قليلًا من وجهها، وعيناه السوداء التي اشتعلت بها لمعة متوهجة تشبه اشتعال شمعة متقدة في الظلمة، تحدق في بُنيتاها المهزوزتان في ارتباك وهي تتمتم:
-مروان أبعد أنت بتقرب كده لية!
وحين لم يبتعد أكملت بسرعة وبنبرة مرتابة:
-مروان أحنا في مكان عام وممكن حد يدخل فجأة والله أبعد بقا.

أمسك مروان بوجهها الذي كان يتحرك في الاتجاه المعاكس وكأنها تراقب الباب خشية من دخول أي شخص، ولكنها في الحقيقة كانت تهرب، تهرب من الاحتراق بشعلة تلك الشمعة المتوهجة في عينيه!
ثم همس أمام وجهها يسألها بنبرة عميقة تحمل تساؤلات عدة مُبطنة في هذا السؤال الظاهري:
-بتغيري عليا؟
هزت رأسها نافية، ثم ردت تخبره بحروف متشنجة من الارتباك الزائد الذي سيطر عليها وهو مقترب منها هكذا أكثر من اللازم:.

-آآ أغير إيه قولتلك مش غيرة بس آآ...
قاطعها حين عاد يكرر ضاغطًا على كل حرف:
-بتغيري يا رهف.
فنفت من جديد في عناد:
-مش بغير يا مروان.
-وأنا قولت بتغيري يا رهف.
تشدق بها في حنق طفولي غاضب، وقبل أن تنطق مجادلة من جديد كان يتابع متوعدًا:
-ويكون في علمك بقا احنا مش خارجين من هنا قبل ما تقولي الحقيقة، ويا أنا يا أنتي يا رهف يا بنت ام رهف.
إتسع بؤبؤيها في ذهول ومن ثم تشدقت في رفض قاطع وكأنه فقد عقله:.

-لا طبعًا، أحنا لازم نخرج حالًا ماتنساش كمان إن دا حمام سيدات، وبعدين على فكره أنا قولتلك الحقيقة أنت اللي مش عايز تقتنع.
أقترب منها أكثر كالسابق بعد أن ارخى حصاره قليلًا، ليداعب أنفها بأنفه وهو يقول بنبرة صبيانية:
-هما ماقالولكيش وانتي صغيرة إن الكداب بيخش النار ولا إيه يا غزالة؟!
ابتلعت ريقها بتوتر، تلعن كونها شفافة بتلك الطريقة أمامه وكل أوراق كذبها مكشوفة دون حاجز!..

إنتبهت حين رفع مروان يده وبإبهامه كان يتلمس شفتاها ببطء مُذيب لكل خلية فيها مهتزة أصلًا من اقترابه الحميمي، فأغمضت عينيها وقد إرتجفت تلقائيًا وهي تشعر بشيء لاهب يداعب مكنونات قلبها ودقاته قد وصلت عنان السماء، بينما هو يهمس بصوت عابث في ظاهره مثخن بالعاطفة:
-ومش بس هنفضل هنا، لا دا أنا ممكن أبوسك دلوقتي حالاً عشان يبقى فعل فاضح في مكان عام.

حاولت رهف لملمة شتاتها المبعثرة من هجومه العابث العاطفي، تهمس له في توسل عاقدة ما بين حاجبيها:
-لا يا مروان بالله عليك خلينا نخرج ونتفاهم في البيت.
-عظيم يمين ما يحصل، هتعترفي يعني هتعترفي، وعلى فكره بقا أنا معنديش مانع أنا أساسًا مجرم والفضايح مابتهمنيش!
غمغم بها مروان في إصرار شديد جعلها تدرك أن لا محالة من الإقرار بهذا الاعتراف..

فعضت على شفتيها والفكرة تجيء وتذهب بعقلها، فأمال مروان رأسه قليلًا يسألها ببرود كاذب يشتعل من الحماس:
-هااا ماسمعتش ردك؟
-أيوه بتنيل أغير، إرتحت؟

زمجرت بها في نفاذ صبر، تتلفظ أخيرًا ذلك الاعتراف المحبوس بين شفتاها، فاتسعت ابتسامة مروان المُهللة، ولم يتردد أن يكافئ شفتيها على هذا الاعتراف الذي فعل الأفاعيل بقلبه، فمال نحوها بحركة مباغتة يلثم شفتيها في قبلة قصيرة عميقة، قبلة أحست هي بالشغف الذي يتفجر منها فلم تكن تملك سوى حلاوة الشعور بها، قبلة كانت كختم ميثاق أقرته هي لتوها وختم عليه هو باللاتراجع...!

ابتعد بعد ثوانٍ يهمس بنفس الابتسامة الواسعة الراضية:
-يسلملي الغيران.

اليوم التالي...
خرج كلاً من مروان ورهف للتنزه والاستمتاع في احدى المناطق التي يغلب عليها الطابع البدوي، فقد كانت عبارة عن حلقات مخيمة، وكان هناك عدد كبير من الأناس متواجدين في نفس المكان..
كان مروان محيطًا برهف التي كانت تراقب العروض المقدمة بابتسامة هانئة مستمتعة تستمد الدفئ من حضنه، ولا يختلف وضع مروان عنها كثيرًا..
وبعد وقت قليل نهضت رهف تخبر مروان في هدوء:
-أنا هروح الحمام وجايه يا مروان.

اومأ لها مروان برأسه ثم سألها:
-تحبي أجي معاكي؟
فنفت برأسها وردت بهدوء:
-لا لا مفيش داعي هو مش بعيد اصلاً وانا مش هطول.
-تمام.
وبالفعل غادرت رهف متوجهه نحو المرحاض، ابتعدت مسافة قليلة عن مروان، ولكن قبل أن تصل وقفت متصنمة مكانها حين وقعت عيناها على أخر شخصية تتمنى رؤيتها حاليًا..

وفي نفس الوقت، بمجرد أن رآهم مروان نهض بسرعة متوجهًا نحوهم و...


look/images/icons/i1.gif رواية عبث باسم الحب
  26-12-2021 08:31 صباحاً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس

كانت رهف متجمدة أمامه، أمام الشخص الذي جعل حياتها السابقة ماضي مشوه وحاضرها مهزوز مُعرض للإنهيار في أي لحظة...!

والآخر لم يقل صدمة عنها، بل باغتته رؤيتها هكذا دون مقدمات بعد إنقطاع دام طويلًا..!
اقترب منها خطوة هامسًا في ذهول كأنه لا يصدق عيناه:
-رهف!
فتراجعت هي كالملسوعة خطوتان للخلف دون تفكير، متسعة الحدقتان، تود بل الهرب من تلك المواجهة التي لم تستعد ابدًا لها، وظهر أمامها من العدم كالقنبلة الموقوتة التي تفجرت في وجهها دون أي انذارات..

تخطى أحمد الصدمة أسرع منها، وتألقت الابتسامة على وجهه رغمًا عنه وهو يسألها:
-رهف، انتي بتعملي إيه هنا؟
كانت رهف معقودة اللسان، تود الصراخ في وجهه والركض بعيدًا، ولم تكد تكمل محاولتها الأولى لدرعه حتى ظهر مروان فجأة يحيط كتفها بذراعه ضامًا إياها له، ويهتف بابتسامة سمجة تخفي الكثير خلفها:
-أهلاً يا أحمد، أحنا في شهر العسل، وأنت؟

فحين غادرت رهف، وكان مروان ينظر نحوها بلا هدف، رأى أحمد الذي وقف أمامها يتحدث بما لا يسمعه، ثم ظهرت ابتسامة لزجة على وجهه أسقطت شرارة حارقة في صدر مروان الذي نهض فورًا متجهًا نحوهما، بينما الشيطان يغذي هاجس أسود لاحقه من ماضيه الأسود يردد له أنها مثلها مثل غيرها، أنها كانت تعلم بوجود أحمد في هذا المكان وتعمدت مقابلته!

ولكنه هز رأسه بقوة وكأنه يحاول طرد أشباح الماضي التي تفرض سيطرتها على عقله؛ مستعينًا بحركة جسدها المصدوم المرتعد في التأكيد لنفسه أنها تفاجأت وتود الهرب من أمامه..

عاد لواقعه منتشلًا نفسه من بقاع التفكير؛ مستمتعًا بالصدمة التي استباحت قسمات وجه أحمد الذي أخذ يردد مذهولاً:
-شهر العسل؟
اومأ مروان مؤكدًا، وتجمع كل البرود الذي يكمن بالعالم فيه وهو يقول بنفس الابتسامة الباردة:
-اه، أصل أحنا اتجوزنا أنت متعرفش ولا إيه؟
ثم ربت على كتفه متابعًا:
-معلش يا صاحبي ماعزمتكش أصل الفرح كان على الضيق كده.
تحركت عينا أحمد نحو رهف، ونظراته تصرخ فيها بالخيانة!

وكأنه ليس مسئولاً عن أي شيء حدث..

فيما كانت رهف تتنفس بصوت مسموع لتهدئة اضطراباتها الداخلية، متشبثة كالقط المذعور في مروان الذي كان وجوده يعطها كم هائل من الدعم المعنوي والثقة التي لم تتخيل وجودها حين تحين هذه المقابلة، يرمم شروخ قديمة أحدثها هذا الشخص فيها..!

فأمال مروان رأس أحمد لجهته هو بدلاً من رهف، واستطرد في هدوء ظاهري مُحذرًا:
-لأ عينك تبقى معايا أنا يا حماده عشان منزعلش من بعض.
نالت الصدمة من أحمد الذي أدرك أن مروان هو المنتصر في الجولة الأولى في حرب جديدة بدأت لتوها ضمن سلسلة حروب كيدية متخفية بدأت منذ القدم بينهما..!
فلم يود أن يطول انتصاره، لذا حاول الخروج عن طور الصدمة، وراح يردد في خبث قاصدًا استفزاز واستهلاك أعصاب مروان:.

-الف مبروك، لو عوزت أي مساعدة في أي مشكلة أبقى قولي، أنت عارف بقا أنا خبرة تجربة معاها ٣ سنين.
تمنت رهف أن تنشق الأرض وتبتلعها، وبدأت وصلة جديدة من جلد الذات داخلها؛ هي مَن تسببت بتعريض زوجها لهذا الموقف القذر، وتعريض نفسها أيضًا..!

بينما مروان برق الغضب بعينيه السوداء ودون تفكير كان يلكم أحمد بعنف شديد، فارتد أحمد للخلف من قوة الضربة وسقط أرضًا يتأوه في ألم، شهقت رهف في فزع من اثارة فضيحة جديدة، فأمسكت بذراع مروان الذي أخذ يصيح في أحمد بانفعال مفرط:
-ماتجيبش سيرتها على لسانك ال**** تاني ولا حتى في أحلامك، عشان مراتي دي أشرف منك ومن أشكالك الزبالة يا ***.

تمتمت رهف لمروان ترجوه بعد أن لاحظت الناس التي ركضت نحوهم لتفرق بينهم خاصةً وأن أحمد نهض يود استكمال الشجار ونيل حقه من مروان:
-مروان بالله عليك كفاية خلينا نمشي من هنا بلاش فضايح أكتر.
استند أحمد على احد اصدقائه الذين كانوا معه، وعَلى صراخه الذي استوطنه الغل:
-الله يرحم، دا أحنا دافنينه سوا.
أراد مروان أن يهجم عليه مرة اخرى لينفث كل غضبه وجنونه به، ولكن تجمع الناس بينهما حال دون ذلك...

-لو سمحتوا يا حضرات احنا مش جايين هنا نتخانق، ولو ماوقفتوش الخناق دا هضطر أنادي الأمن.
صدح صوت أحد الرجال من أصحاب المكان يعلن في حزم، فبدأ أحمد يمسح الدماء التي لطخت فمه، ومن ثم غمغم في سخرية واضحة وهو يلمح مروان الذي بدأ يتحرك مع رهف التي كانت تقريبًا تجره جرًا للمغادرة:
-أبقى خلي بالك من المدام، الشريفة!
ليصرخ مروان في حمائية شديدة وغيظ مكبوت:.

-لا متقلقش أنا بعرف أحافظ على الجوهرة اللي في ايديا كويس اوي، انا مش *** زيك.

وبالفعل إنتهى الشجار تاركًا في أثره ذبذبات شتى في نفوس كلاهما..

أشار أحمد بسرعة لأحد أصدقائه المقربين جدًا أن يقترب، فاقترب الآخر منه متسائلًا، ليخبره أحمد في لهجة متلهفة:
-إلحق امشي وراهم من غير ما يحسوا وأقطرلي مكانهم.
سأله مضيقًا ما بين حاجبيه:
-ودا لية يعني؟
فضرب أحمد على كتفه مرددًا بقوة:
-هقولك بعدين المهم إلحقهم دلوقتي.
اومأ موافقًا وبالفعل إنطلق مُسرعًا خلف مروان ورهف بغية معرفة المكان الذي يقطنوا به.

ارتفع بعدها رنين هاتف أحمد معلنًا وصول اتصال، وما إن رأى اسم المتصل حتى تحرك مبتعدًا عن اصدقائه، يتأفف في ضيق:
-يوووه ودا وقتك انتي كمان.
ولكن لم تكد تمر دقيقة واتصالها مستمر حتى توحشت عينا أحمد مقررًا انتهاز كل فرصة قد تأتي، فرفع الهاتف مجيبًا بصوت هادئ يناقض ما يعتمل بصدره:
-ايوه يا غادة يا حبيبتي.
-أحمد هو أنت ازاي سافرت من غير ما تقولي؟

أتاه صوت غادة المندفع الأجش وهي تعاتبه، فبلل شفتيه يفكر بسرعة ثم تلكأت الاجابة على شفتيه:
-منا مجتش مناسبة إني أقولك وكمان مكنتش عايز أشغل بالك بحاجة وأزود عليكي اللي انتي فيه.
كان كمن وخز جرحها المنتفخ يستوطنه صديد مرير فصدح صوتها النازح بقلة الحيلة والقهر:
-أنا خلاص زهقت وتعبت بجد يا أحمد.
قلب عينيه في ضجر يحاول كبح لفظ بذيء كاد ينسلت من بين شفتيه، ثم قال في قلق زائف ضبط نغمة صوته عليه بمهارة:.

-اهدي بس مالك في ايه؟
جاءته أجابتها المشحونة بالغضب والغيظ:
-البيه مابيردش عليا، وبابا بدل ما يقف معايا بيقولي حقه.
-طب ما يمكن مشغول او لسه مشافش المكالمة.
تشدق بها مبررًا يحاول اختلاق الاعذار حتى لا تهد كل ما كان يحاول بناءه سابقًا، ولكنها ناطحته في غل ضاربة بمبرراته عرض الحائط:
-لا هو عايز يأدبني مفكر انه كده بياخد حقه مني.
تنهد متابعًا في نبرة دبلوماسية:.

-احنا مضطرين نستحمل، ولا بعد ما ضيعتي معاه سنة من عمرك ناوية تهدي كل اللي عملناه في لحظة غضب؟
زفرت غادة ثم راحت تصارحه في يأس جلي:
-انا اصلًا حاسه إن خطتنا هتفشل وكل حاجة هتطربق على دماغنا.
فقال في إصرار؛ يرفض نصر مروان في نهاية تلك الحروب التي لم تخلقها سوى نفسه المريضة فقط:
-لا مش هتفشل بس انتي اسمعي مني واعملي زي ما بقولك.
استطردت غادة بعدها بأمل طفيف من وسط ظلمة اليأس التي تغرقها:.

-انا خلاص مش عايزه الفلوس انا عايزه اعيش معاك بهدوء بس يا أحمد.
كز أحمد على أسنانه ثم بدأ يخبرها في عناد جشع مطلي برجولة لا يمتلكها:
-لا وانا مرضاش إن بعد دا كله تتبهدلي تاني ولسه هنحارب تاني في الحياه، أحنا من حقنا نعيش سعداء.
سمع تنهيدتها الثقيلة ثم استسلامها اخيرًا:
-حاضر، اللي تشوفه.
-شاطرة يا قلبي أحبك وأنتي عاقلة.
تمتم بها أحمد في مكر وابتسامة راضية، ثم تابع مصطنعًا حسن الأخلاق والطيبة:.

-طب أنا أسف يا حبيبتي بس مضطر أقفل دلوقتي، مع إني كان نفسي أفضل معاكي وماسبكيش في الحالة دي بس سامحيني بجد عشان الناس تبع الشغل بينادوني.
-ولا يهمك يا حبيبي، ماشي روح ربنا معاك.
همست بها غادة في هدوء، فأكمل أحمد:
-مع السلامة يا حبيبتي.

أغلق الهاتف بعدها وقد إنزاحت قشرة الطيبة والحنو الخادعة مُظهرة جلده الحقيقي من نفور وغيظ..
بدأ يمسح على خصلاته عدة مرات زافرًا أنفاسه في عنف، وجود غادة بدأ يضيق الحصار عليه وهو لا مزيد له من الطاقة لها، وجودها كله زاد وأصبح يتسرب خارج نطاق الأهمية المُحددة لها في حياته..!
فوجودها لم يكن إلا لجعلها بيدق في لعبته يُحركها كيفما شاء، ليحصل على ما يشاء، عاميًا عينيها برابط ذابل رديء أسماه الحب!

وايضًا بسبب رغبته أن يكون كل شيء في حياة مروان وصلت له يداه قبل مروان نفسه..!

عاد بذاكرته للوراء حيث بداية تلك اللعبة، حين كانت غادة مجرد فتاة عادية، وكان مروان في ذلك الوقت يبحث عن عروس، وما إن علم أحمد بذلك حتى تذكر غادة الفتاة المُتيمة في حبه منذ فترة كبيرة وقد تورط في علاقة عاطفية عبثية معها ولكنه مل الأمر، ثم بدأ يهملها ماقتًا وجودها في حياته، فهي لم تكن سوى لعبة للتسلية، وحين كان مروان يبحث عن عروس قرر أحمد أن يضرب عصفوران بحجر واحد؛ يتخلص من غادة، وفي نفس الوقت يجعل مروان يتزوج من فتاة قلبها ملكه هو!.

فكلف أحد اصدقائه المقربين أن يُرشح جارتهم غادة كعروس لمروان، ولا مانع بالطبع من الثناء المبالغ به فيها حتى تكسب رصيد عند مروان، ومروان لم يعترض على غادة، بل قرر أن يدخل البيت من بابه، وبالفعل طلب الزواج منها، ولم يكن والدها يرى أي مانع، فتم الزواج.

عاد أحمد لواقعه، وعيناه مُثبتة على اللاشيء بينما الأفكار تتشابك بعقله، يجب أن ينتهى هذا الأمر سريعًا ويجني ثمار صبره بالأموال التي يريدها والتي ستأخذها غادة من مروان، ويأخذ تلك الأموال ليدفعها لأحد معارفه الذي سيجعله يسافر خارج مصر؛ وحينها سيكون قد تخلص من غادة ومن وجودها الكريه، ولعب لعبته الأخيرة تاركًا ندبة سوداء في أعماق روح مروان لن ينساها، وستظل تذكره دومًا أنه أفضل منه.

ولكنه في الواقع لن يخرج من العقدة السوداء المُسماه مروان في حياته؛ تلك العقدة التي كالحلزون يدور ويدور بها دون نهاية، فقط ما يحدث هو أن سوادها يطبع على قلبه ماحيًا منه أي ألوان زاهية أخرى من المشاعر الانسانية.

بعد فترة، في الشقة التي يقطن بها كلاً من مروان و رهف...
كان الصمت المهيب يبتلع الدقائق الحالية من الوقت؛ فقد كان مروان جالسًا على الأريكة واضعًا رأسه بين كفيه وعيناه مُعلقة بالأرض فيما يشعر أن كافة خلاياه أعلنت حالة غير مسبوقة من الغضب والهياج النفسي، أن كل ذرة من جسده تأن في قهر رهيب بسبب أشواك الغيرة الحارقة التي رشقت به..

هو حتى لم يشعر بهذا القدر من الإنفلات العصبي والتفتت في الثبات حين لم تكن رهف ملكه..!
ولكنه يشعر أن الوضع أصبح أسوء بمراحل، فيا ويلك حين يكون الشخص ملكك ولكنه موشوم بدمغة سوداء من الماضي تأبى الزوال..!

وعلى ذكر ذلك، عصفت برأسه ذكرى مقيتة من الماضي وبدأ يتذكر حين كان مجرد عاشق خفي خلف الستار يراقب جارته و معشوقته رهف الغير مبالية بعينين تقطر اهتمامًا وشغفًا..
اهتمامًا لم تلحظه هي سابقًا ابدًا، ولكن آخرون لاحظوه، ومن بينهم أحمد الذي سارع ينصب فخاخه حول رهف بغاية الإسقاط بها قبل أن ينالها مروان..!

وبقلب مفتور ينزف وجعًا، كان مروان يراقب كل خطوة يسيرها أحمد في علاقته مع رهف، ولم يكن يدري بالنية القذرة التي تتوارى داخل أحمد؛ فهو لم يسبق له أن صرح أمامه بمشاعره تجاه رهف.

وكم راودته أفكار منسابة من نزيف قلبه تحثه على المحاربة والاستبسال في الدفاع عن حبه الذي قُتل في مهده، ولكن تبخرت هذه الأفكار حين رأى بأُم عينيه التجاوب والقبول الواضح من رهف تجاه أحمد بل ونيل أحمد قلبها بنجاح..!
نيل قلبها الذي كان حلمًا صعب المنال، كان بالنسبة له كجوهرة موضوعة في أعلى الأبراج والصعود لها يتطلب السير على سلم ضاري حاد كسن السيف.

فقرر بعدها تغيير مسار طريقه لطريق أخر يشرع فيه في بناء حياة جديدة، فهو بالطبع لن يظل راهب يبكي على أطلال معشوقة أعتقد أنها لن تكن له يومًا...
ثم بدأ بالفعل يبحث عن عروس، ربما تكون هي الدواء لقلبه الجريح بعد أن كانت رهف الداء، ثم تزوج بالفعل ب غادة، والتي لم تكن سوى جرح جديد فُتح في قلبه فجعلته غائر بالجروح...!

ورهف لم تكن أفضل حالًا منه، كانت تشعر أنها كطائر مكسور الجناح، وهو مَن كسرت جناحها بنفسها، بواسطة أفعالها الرعناء الغبية، التي كرهت نفسها بسببها الآن..!
الدمع يفيض من عينيها تشعر أن روحها تبكي بدلاً من الدموع دم، وليست عيناها فقط!

أن القدر يرميها بابتلاءات متتالية استهلكت طاقتها على المقاومة، فقد كانت هي ومروان في حالة جيدة جدًا، كانا في حالة مُشرقة من السعادة، وفجأة هاجمها الكسوف حاجبًا شمس السعادة عنها.

بدأت رهف تقترب من مروان ببطء، مترددة وكأنها تخشى انفجاره الحتمي في وجهها في أي لحظة، لمحها مروان بطرف عينيه يدرك خوفها وترددها اللذان يغطيان بُنيتاها، ففتح ذراعه لها كدعوة صامتة لضمها لأحضانه؛ فمهما بلغت أوجاعه ستظل حقيقة واحدة تخفف من سطوة تلك الأوجاع؛ ألا وهي أن رهف كانت الضحية، كانت البريئة الوحيدة في لعبة مليئة بالظالمين...!

واستجابت هي لدعوته التي كانت في أشد الحاجة لها، رامية نفسها بين أحضانه تتمسح فيه دافنة وجهها عند رقبته كالقطة، تحارب دموعها، بينما هو يضمها له بقوة ضاغطًا على جسدها نحو جسده وكأنه يود إسكات أنين روحه التي فتكت بها الغيرة؛ يخبرها أنها له، له وحده قلبًا وقالبًا.
ثم صدح همسها الخافت المرتعش الشبه متوسل وكأنها تحاول صب مُطهر على تلوثات الماضي التي أصابت روحه بسببها هي:
-أنا أسفة.

تنهيدة عميقة صدرت عنه كمقدمة لرد كانت تنتظره رهف على أحر من الجمر، ثم قال بصوت رجولي عميق:
-متتأسفيش على حاجة انتي ماغلطتيش فيها، هو اللي شخص زبالة.
ثم صمت برهه لا يدري أيُخرج التصريح التالي ام لا، ولكنه تابع مستنكرًا:
-أنا مش قادر أستوعب أنتي ازاي فكرتي تأمنيه على نفسك في يوم.

-أنا مابندمش على حاجة في حياتي أكتر من إن أنا استسلمت لمشاعر مراهقة غبية، وماكنش عندي عقل أفكر كنت عايزه أحب وأرتبط وخلاص زي باقي البنات.
غمغمت بها معترفة في صوت مكتوم قبل أن ترفع رأسها عن صدره، قائلة والكره مشوبًا بالنفور يجوب عينيها:
-أحمد دا كان آآ...
قاطعها مروان في حدة وهو يضع يده على شفتيها يوقف سيل كلماتها التي أشعلت فتيل غيرته من جديد بذكرها لأسم أحمد:
-ماتنطقيش حتى أسمه على لسانك.

اومأت موافقة برأسها دون أن تنطق، تدرك أن مفتاح كهف الشياطين داخله أصبح متمثل في أحمد..!
فتلقائيًا ودون تفكير أمسكت رهف بيده لتطبع في باطنها قبلة عميقة ممتنة تحمل من العاطفة ما هزه داخليًا آخذًا إياه في غفوة من بين براثن الوجع...
ثم رفعت عينيها مستسلمة لكل ما تُمليه عليها عاطفتها التي فاضت في تأثر لموقفه الرجولي الذي لم تتوقعه نوعًا ما، وهمست:
-شكرًا.

فقابلها مروان بابتسامة خافتة صامتة، متشابكة الاحساس متمزقة في داخلها، ثم مد ذراعه يحيط بها من جديد مغمضًا عيناه متمنيًا السكينة التي غابت عنهم.

بعد حوالي ثلاث أيام...
في الثلاث أيام الماضية لم يكن عندهما قابلية للخروج من الشقة والإنغماس في العالم الخارجي، كانا في حالة من الفتور والضجيج النفسي الذي لا يحتمل أيًا من مناوشات العالم الخارجي التي قد تُصيبهما..

فقط كانا يحاولان إذابة التكتلات التي أصابت أعصابهم بسبب ما حدث؛ حاجبة عنهما الراحة والهدوء اللذان كانا يتمتعان بهما مؤخرًا.

اقترب مروان من رهف التي كانت تحتل الفراش وتغط في نوم عميق، ليهزها برفق هامسًا وهو يمسك بإحدى خصلاتها الناعمة مداعبًا وجهها بها يشاكسها:
-إيه يا خم النوووم، هنقضيها نوم بس ولا إيه؟!
فتحت رهف عينيها تتفحص وجهه الذي ضُخت به الروح من جديد وعادت عيناه للمعتها الفريدة من نوعها، ثم تمتمت في رقة:
-لأ أنا هقوم اهوه، بس هنعمل إيه؟
غمزها مروان بطرف عينيه مجيبًا:
-خليها مفاجأة وقومي يلا اجهزي.

وبالفعل بعد فترة، وحين فتح مروان الباب ليخرجا، وجد أمامهما الكابوس الذي نسج خيوطه بواقعهما عنوة، والذي لم يكن سوى أحمد مبتسمًا ابتسامة مستفزة وهو يهتف فاتحًا يداه نحو مروان:
-إيه دا معقولة حاسس بيا للدرجادي، وفتحت الباب من قبل ما أخبط.
-أنت بتعمل إيه هنا!
سأله مروان بملامح حادة متجهمة افتقرت للمرح الذي كان يستوطنها منذ قليل، فهز الآخر كتفيه بلامبالاة ورد:
-صدفة.

سحب مروان يد رهف التي لم تكن تتوقع هذا الحصار الأسود لفتات الوهج الذي يُضيء حياتهما..!
وخرج من الشقة وبدأ يغلق الباب متجاهلًا تمامًا أحمد الذي بدأ الغيظ يحفر قسمات وجهه، فاقترب من مروان عند اذنه يهمس بتساؤل مصطنع:
-يا ترى الوحمة اللي في رقبة المدام إيه أخبارها؟
ثم أكمل مشيرًا بيده يتصنع التذكر وبابتسامة أكثر استفزازًا:
-كانت شكلها جميل و خطير على أعصاب أي راجل الصراحة.


look/images/icons/i1.gif رواية عبث باسم الحب
  26-12-2021 08:32 صباحاً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع

كلمات أحمد كانت كعود الكبريت الذي سقط على هيكل الثبات الواهن الذي رممه مروان داخله، ليحرقه حرقًا في ثوانٍ معدودة..!
وتلقائيًا كانت يده تستجيب لنداء الوحوش التي اهتاجت داخله، فكان يلكم أحمد في غل شديد، ثم أوقعه أرضًا لتتوالى ضرباته له بعنف وهو يزمجر بشراسة:
-وديني ما هسيبك يا كلب.

لم يهم أحمد بالهجوم على مروان، كان يحاول أن يدافع عن نفسه فقط، فيما كانت رهف تصرخ في فزع محاولة اثناء مروان عن توريطهما في فضيحة جديدة بالطبع ستكون هي العنوان الرئيسي لها...!
-كفاية يا مروان بالله عليك سيبه كفاية.

بينما مروان بدا كالأصم، وكأنه محبوس داخل مغارة لا يسمع فيها سوى التعاويذ المتمثلة في كلمات أحمد، والتي تغذي جنون شياطينه..
ثم دوت ضحكات متقطعة لأحمد الذي قال بأنفاس لاهثة من وسط العراك:
-أنت مفكر إنك كده راجل بقا ومحدش قادرك، أنا بس سايبك بمزاجي عشان أجيب أخرك.
ازدادت ضربات مروان غلًا وراح يصيح بانفعال مفرط:
-هات أخرك يا كلب، وريني تقدر تعمل إيه؟
استمر العراك قليلًا ثم تابع أحمد صياحه المهتاج:.

-لا أنا مش هقول أنا هاوريك بس مترجعش تقول ياما ارحميني.
ارتفعت نواقيس القلق داخل رهف التي إنتبهت لما يقول وترآى لها خيالات الفضيحة القادمة التي ستلتصق بها من جديد بعد أن خرجت من مكمنها..!
اقتربت من مروان بسرعة تمسك بكتفه وهي تغمغم بنبرة أقرب للبكاء:
-مروان ماتعملهوش اللي هو عايزه بالله عليك خلينا نمشي ونسيبه.
ولكن مروان دفعها بعيدًا عنه وهو يزجرها بحدة:
-إبعدي أنتي ماتتدخليش.

فوقف أحمد أمام مروان يلهث بعنف وهو يُطالعهم بنظرات غاضبة متضادة لجملته الباردة الساخرة وهو يقول:
-أيوه ماتتدخليش أنتي وأنا هعرف أعلمه الأدب.
بدأ الناس يتجمعون من حولهم متسائلين عما يحدث، فحاولت رهف ردعهم بعيدًا عنهم حتى لا يكونا البارود الذي سيشعل الفضيحة:
-دي مشكلة خاصة مفيش حاجة.
-مشكلة خاصة إيه يا مدام دا شوية وهيموتوا بعض.

هتف بها أحد الأناس المتجمعين، ثم بدأوا بالفعل يحاولون الفصل بين أحمد ومروان، فنظر أحمد تجاههم وتابع بنبرة شابها الغل:
-شاهدين، عشان لما أسجنه هتشهدوا باللي شوفتوه واللي عمله الهمجي دا.
شق الهلع طريقه في قلبها من جملته الأخيرة، فيما إلتوت شفتا مروان في سخرية تامة غير مبالية وتمتم:
-أعلى ما في خيلك أركبه.

تحركت رهف بسرعة تمسك كف مروان وكأنها تحاول تحجيم أعصار الغضب الذي اكتسح كيانه كله، وهمست في صوت مكتوم تسرب لداخل مروان ينفض عنه رداء اللاوعي ويضعه على أرض الواقع من جديد فينتبه أنه كان على الحافة:
-مروان عشان خاطري أنا مش حمل أي فضايح تاني ولا بلاوي جديدة ممكن يجرالي حاجة والله العظيم، خلينا نمشي أرجوك.

ضغط مروان على يديها وكأنه يحاول تهدئتها في صمت، ثم أغمض عينيه، يحاول أن يكتم زئير الغضب الذي يعلو داخله وأن يرفع من صوت العقل الذي خفت كثيرًا في ظل وجود هذا الكم الهائل من الطاقة السلبية النافرة.

ثم سحب رهف وتحرك بها عائدًا للشقة دون أن ينطق بكلمة اخرى، فنظر أحمد نحوهما وقبل أن يدخلا عَلى صوته بنبرة ذات مغزى:
-الحوار مانتهاش على كده يا مروان وحقي مش هسيبه.
عضت رهف على شفتيها مغمضة عينيها في قهرة حقيقية تدرك جيدًا صدق وعيده فمن غيرها أدرى بالحقد الذي يتربص داخله بالمرصاد لأي تهاون أو طيبة قد تزوغ نحو قلبه..!

فيما تحرك أحد الرجال الحاضرين نحو أحمد يربت على كتفه بخفة قائلًا:
-أنت ساكن بعيد مش كده؟
اومأ أحمد مؤكدًا برأسه دون رد بملامح منكمشة في غيظ وحدة، ليتابع الآخر في هدوء:
-متهيألي الأحسن إنك تروح دلوقتي، ولو هو مفتري فعلًا تاخد حقك بالقانون.
اومأ أحمد برأسه ثم بدأ يتحرك بالفعل مغادرًا، وشبح ابتسامة خبيثة يتسلق نحو شفتاه، سعيدًا بما حققه من مخططه الشيطاني.

في داخل الشقة...
بمجرد أن رأى مروان مغادرة الجميع من أمام الشقة، حتى إلتفت بعينين تقدحان جنونًا نحو رهف التي كانت تقف في ترقب تعلم أن ما حدث لن يمر مرور الكرام، وأن أحمد لن يغادر سوى بعد أن يترك زوبعة سوداء من المشاكل خلفه..

وما إن بدأ يقترب منها حتى هتف بحروف مهتزة من التوتر، تحاول إسكان الهدوء بين ثنايا هذا الجنون:
-مروان اهدى وأنا هفهمك كل حاجة.
فيما تحرك مروان نحوها وبحركة مباغتة كان يقبض على ذراعها بعنف يهزها متسائلًا في زمجرة مخيفة:
-هو عرف منين إن عندك وحمة في رقبتك؟
هزت رهف رأسها نافية للإتهام الذي يلوح لها من عينيه ولم تنطق به شفتيه:
-بالصدفة وغصب عني والله العظيم مش أكتر.

فصرخ مروان في استنكار تجلى بين حروفه التي إنطلق الشرار منها:
-أنهي صدفة دي اللي تخلي راجل غريب عنك يشوف رقبتك.
انتاب اجابتها دوار التوتر الذي يُصيبها حين يهتاج بهذا الشكل، ثم نطقت بعدها بحروف متعثرة تسترجيه الهدوء:
-ما أنت لو هديت هفهمك كل حاجة والله.
ازدادت أعصابه استنفارًا، ولم يزده كلامها سوى انفعالًا، فزمجر بلهجة عنيفة:
-أهدى إيه أنتي مابتحسيش! واحد جاي يقولي على حاجة خاصة بمراتي وتقوليلي اهدى؟!

-أنت عارف إنه بيدور على أي فرصة عشان يخرب علينا حياتنا.
غمغمت من وسط الخناق الذي يفرض حصاره على مكنونات قلبها وروحها، فاستطرد مروان في استنكار قاسٍ:
-وهو مين اللي اداله الفرصة دي غيرك؟!
ثم صمت برهه وعيناه تحفر ملامحها حفرًا بحثًا عن كذبة جديدة ربما تكون الحفرة التالية التي سيسقطا فيها في علاقتهما:
-وياترى إيه تاني مخبياه وهيجي بعد شوية يفاجئني بيه؟

فأجابته مسرعة دون لحظة تفكير قد تكون سلاح للشك الذي يتمختر بعقله:
-مش مخبية حاجة يا مروان والله ومحصلش أي حاجة من اللي في دماغك.
ضيق عينيه متسائلًا بصوت أجش:
-هو إيه اللي في دماغي؟
-إنه قرب مني بأي طريقة.
غمغمت بها في قهرة حقيقة غلبت على نبرتها؛ تكره أحمد وتكره ما تسبب به، وتكره نفسها لأنها أوصلتها أن تبرر ما يخص شرفها، ولا تستطع إلقاء اللوم عليه حتى..!

تنهد مروان تنهيدة طويلة تحمل في طياتها الكثير، ثم قال في جدية صادقة رغم أن الغضب لازال في صدره يهدد بالهجوم:
-أنا لو شاكك إنه قرب منك ولو ١٪ مكنتش اتجوزتك.
لم تعلق رهف على جملته، واستكملت بنشيج باكي لم تستطع السيطرة عليه:
-أنا يمكن غلطت في حاجات كتير لكن...
قاطعها مرون يلقي عبء هذا السؤال عن كتف احتماله، يود إنهاء هذا النقاش المُستهلك للروح والعقل في آنٍ واحد:
-شاف الوحمة اللي على رقبتك ازاي؟

ابتلعت ريقها واجابت وتلك الرعشة التي تصرخ بالقلق مازالت تفرق بين حروفها:
-ساعتها كنت منزله صورة ليا على الواتساب، بس كانت بالحجاب والله وآآ...
-شافها ازاي لما هي كانت بالحجاب؟
قاطعها بقسمات يحتلها التجهم وكلمات مثلها مشدودة في حدة كسن سيف، فازداد توترها وهي تتابع قائلة:
-مهو أنا ساعتها كنت لابسة بونيه مش طرحة.
إتسعت حدقتاه في إنفعال مُخيف قبل أن يهدر فيها بقسوة موبخًا:.

-وهو البونيه حجاب؟ مين اللي فهمك كدا؟ الحجاب يا هانم مايبينش منك أي حاجة لا رقبتك ولا خصلة من شعرك.
فاعترفت في نبرة مكتومة نافذة من الصبر:
-قولتلك اني كنت عبيطة وغلطت في حاجات كتير وكنت مأمناله.
فسألها متهكمًا بمرارة:
-إيه علاقة إنك مأمناله بأنك تسمحيله يتخطى الحدود اللي ربنا أمرك بيها؟

هزت كتفاها دون أن تنظر له، وبكل الإرهاق الروحي الذي يمزقها غمغمت تتمنى لو تبتلعها الظلمة في دوامة من فقدان الوعي لتنهي كل هذا:
-غلطت، انا انسانة مش ملاك.
لم يجد مروان ما يجيب به سوى هزة من رأسه ثم تحرك مغادرًا من أمامها ولم ينطق بكلمة اخرى لا يجد ما يعبر به عما يجيش بصدره دون أن يؤذيها أكثر، فيكفيها الجروح التي لم تلتئم من الماضي تاركة خلفها ندبات بليغة...!

بعد فترة...
إنتهت رهف من تحضير الغداء في حالة مُريبة من الصمت الذي تناثر بينهما بعد التدخل الكارثي من أحمد والذي فجر شحنات سلبية بينهما، كلاهما يشعرا أن هنالك حواجز رماها ذاك الأحمد بشظايا كلماته الخبيثة..
نهض مروان ليجلس على الطاولة، يتناول غدائه معها دون كلمة واحدة، تنتظرها هي ولوعة الانتظار تُلهبها...

كانت مترقبة مترصدة لكل شيء يصدر عن مروان؛ تنتظر أي شيء يُسكن تلك اللوعة داخها، تنتظر رد فعل مخالف لذلك الصمت المستفز..!

أنهى مروان طعامه ونهض مغادرًا الطاولة، متمسكًا بهذا القناع الجامد الصامت، فلم تجد رهف مفر من قطع خيط ذلك الصمت بكلماتها الأجشة التي شابهت مقص حاد:
-أنا عايزه ارجع.
توقف مروان مكانه وكلمتها جمدته، ثم استدار في اداء بطيء وكأنه يستوعب جملتها، ثم أنذرت عيناه بعاصفة لازالت في مهدها ولكنها تهدد بالظهور حين سألها في لهجة حادة مستنكرة:
-يعني إيه عايزه ترجعي؟

إرتفعت نواقيس الخطر داخل رهف تحذرها من الإنغماس في تيار جديد من غضبه هي ليست في حالة استعداد له بتاتًا، فتلجلجت وهي تخبره متراجعة:
-ماما وحشتني!
فالتوت شفتاه في استنكار ساخر:
-أنتي ناسيه إن عندك بيت ولا إيه؟!
صمتت رهف تدرك ضعف حجتها، فازداد ضغط مروان بغية معرفة السبب الحقيقية:
-خليكي صريحة معايا.

تنفست بصوت مسموع، وكأنها تحاول وزن خطوتها التالية في ساحة مشتعلة، ثم قالت مستجمعة كل إنش متناثر من الشجاعة والجمود داخلها:
-أنا حاسه إن أحنا مش هنقدر نكمل مع بعض.
عقد مروان ما بين حاجبيه في صمت بملامح جامدة صلبة لا تستطع اختراقها لقراءة رد فعله، ثم هز رأسه بمعنى ثم؟ فأكملت هي بصوت مبحوح:
- أنا مش هقدر أستحمل وأعيش بالطريقة دي، وحاسه إن حياتنا مش هتستقر ابدًا.

عاد الجنون يتولى قيادة مقاليد لسانه الذي إنطلق يردف في قسوة مستهجنًا:
-ولا أنتي لما شوفتيه بقيتي مش هتقدري تكملي؟!
فاندفعت رهف تخبره في إنفعال مغتاظ:
-اهي الجملة دي بالظبط والطريقة دي هي اللي مخلياني متأكده إننا مش هنقدر نكمل.
لم يتراجع التهكم الهجومي الصريح من احتلال نبرته وهو يسألها:
-مش فاهم قصدك، يعني أنتي عايزاني ابقى عامل ازاي؟
-عايزاك زي ما أنت وعدتني.

تمتمت بها في نبرة مرتعشة يستوطنها الضعف، فناطحها هو دون تردد قائلًا:
-أنا عمري ما وعدتك بحاجة ومعملتهاش.
لتهز رأسه نافية تواجهه بما يدور بخلدها وقلبها موترًا إياهما:
-وعدتني إن هنبتدي حياة جديدة وإنك مش هيفرق معاك اللي حصل قبل كده.
ثم صمتت لحظة وتابعت بحروف فاح منها شيء من الرجاء:
-متوصلنيش لمرحلة أحس إن أنا خدعتك.

اغمض مروان عيناه مبتلعًا ريقه، يحاول الوصول لفرشاة الحروف التي تستطع رسم الحريق الذي تأجج داخله، واخيرًا خرج صوته مهزوزًا رغم حدته:
-أنتي ماخدعتنيش وأنا موافق بس أنتي مش عارفة الاحساس اللي أنا بحس بيه أنا حاسس كأن حد مولع فيا نار.
تمتمت رهف يائسة تحاول زج تلك الحقيقة في بقاع استيعابه:
-بس هو مش هيقطع من حياتنا.
زمجر فيها هو منفعلًا بقلب رجل شرقي اكتوى بالغيرة والقهر:.

-وأنا من حقي إني محدش يجيب سيرة مراتي، أنا راجل حر ومش قادر أستحمل كده وابقى هادي زي ما أنتي عايزه.
-عشان كده أحنا مش هنقدر نكمل وعشان كده بقولك عايزه ارجع لأهلي.
خرج صوتها مهزوزًا يغرق في بحر من اليأس والظلمة بعدما ظنت أنها ستطفو بحياتها الجديدة معه..
فأمسك مروان كتفاها يهزها بقوة وهو يصيح والتملك يحد بطرفا حروفه:
-قولتلك مليون مرة أحنا قدرنا خلاص واحد وهتفضلي معايا مهما حصل.

هزت رهف رأسها نافية تصيح فيه:
-أنت اللي مش قادر تستحمل.
-حتى لو مش قادر أستحمل لازم هستحمل غصب عني عشان بحبك.
عمَ الصمت في الارجاء، يشبه صمت القاتل بعد إنفجار قنبلة مدوية، قنبلة بعثرت دقات قلب رهف الذي أخذ ينتفض بينما هي ترمش بعينيها دون أن تجد القدرة على استيعاب ما فجرته حروفه...

وهو لم يدري كيف نطقها دون تفكير أو تخطيط، وكأن تلك الكلمات هربت خفيةً من عقله دون أن يتنبه لها، ولسانه تحالف ضده مع قلبه الذي يأن بذلك العشق منذ آمدٍ بعيد..!

وقبل أن تستوعب ما وقع على اذنيها كان يتشدق هو بعاطفة عنيفة تستطع رؤيتها تحوم عينيه الآن بينما يضغط على كتفيها حتى تأوهت بخفوت:
-وأنتي هتستحملي غصب عنك عشان أنا بحبك ومعملتش دا كله عشان أخسرك.
فهمست هي كالطفلة الشريدة تتلاطم فيها الصدمات:
-أنا مش فاهمة.
-هز مروان رأسه ليتابع وعيناه تلمع كعاشق مغوار لن يقبل بالهزيمة بعدما وصل للنصر نازف الروح:.

-مش لازم تفهمي، الحاجة الوحيدة اللي لازم تفهميها إني مش هسيبك تبعدي عني ومش ههد حلم وصلتله بعد عذاب، ومش هتهدي سعادتي دلوقتي.
-بس أنت مش سعيد.
نطق عقلها، وليس قلبها الذي مازال يرفرف كعصفور جريح كان على حافة الموت وبُثت فيه الروح، فقال هو مستنكرًا:
-مين قالك؟! أنا سعيد.
لتهز رهف رأسها نافية وبشيء من المنطق تستطرد وازيال اعتراف تتعلق بحروفها:.

-أنت طالما بتحبني الموضوع هيبقى أصعب ومش هتقدر، وكل اللي هيحصل إني هتعلق بيك زيادة مش اكتر.
سألها مروان بنبرة أجشة صلبة لا ترغب سوى بإجابة واضحة دون أن تلاعب بها:
-أنا مش هسألك السؤال دا تاني، أنتي عايزه تسبيني عشانه ولا عشان كلامك دا؟!
له ما أراد، فالأول مرة يرى بُنيتيها الشهتين تنضحان بالكره والنفور الذي استطاع تهدئة قسطًا لا بأس به من هياج أعصابه وروحه:.

-أنا بكرهه ولو هو أخر راجل في الدنيا مستحيل أرجعله، أنا عندي أموت ولا أكون معاه ثانية واحدة تاني.
تنهيدة عميقة صدرت عن مروان قبل أن يجيب في هدوء طال غيابه:
-وأنا هصدقك وأنتي لازم تستحمليني وتيجي على نفسك زي منا باجي على نفسي، هي محنة وهنساعد بعض نعديها، ولازم تفهمي إن الإنسحاب مرفوض، حياتنا ابتدت مع بعض وهتنتهي مع بعض.

اومأت رهف موافقة في استسلام، هي لا ترغب سوى بهدوء نفسي لا يستهلك المتبقي من طاقة روحها والذي يوشك على النفاذ، فلمَ تستكثر الدنيا عليها هذه الرغبة البسيطة؟!..

اقترب مروان منها في هدوء، ليجذبها برفق دافنًا رأسها في صدره، وكأنه يخبرها دون كلام أن مكانها هنا، بين ضلوعه وعلى دقات قلبه النابضة بأسمها.
فأغمصت هي عينيها تستمتع بمذاق تلك اللحظات التي سرعان ما تنقلب، ليُقبل مروان قمة رأسها بعمق وشفتاه تطبع اعتذارًا غير منطوق؛ اعتذارًا لإنفجار لم يكن له قدرة على كتمانه ولم يكن لها قدرة على التصدي له.

بعد أيام معدودة..
عاد كلاً من مروان ورهف من شهر عسلها في مرسى مطروح لعش الزوجية في القاهرة، قاطعين شهر العسل الذي ادركا أنه لن يكتمل، بل أنه أصبح بابًا من أبواب الجحيم في ظل وجود هذا الكائن المدعو ب أحمد..

كان مروان في عمله في المعرض الخاص به، وكانت رهف في المرحاض ثم خرجت لتجفف يديها حين سمعت رنين هاتفها يعلو، فتوجهت نحوه في هدوء، لتجد رقم غريب، نظرت له لبرهه ثم أجابت برقة فطرية:
-السلام عليكم، مين معايا؟
أتاها صوت رجولي خشن لم تتعرف عليه اذناها سريعًا:
-معقولة مش عرفاني؟

ولكن لم تكد تمر سوى لحظة حتى أدركت صاحب هذا الصوت، والذي لم يكن سوى أحمد، فتغضنت ملامحها في انزعاج ونفور وهمت أن تغلق الخط، فسمعته يقول مسرعًا في مكر:
-استني قبل ما تقفلي الخط مش يمكن أقول حاجة تهمك؟
-عايز إيه؟
سألته في حدة، فلم يتأخر رده كثيرًا بل إنطلق هاتفًا:
-أنتي اللي هتعوزي لما تعرفي إني مانسيتش اللي حصل في مطروح وإني هعمل محضر وهحبس المحروس اللي إتجوزتيه، إلا إذا...
-إلا إذا إيه؟

سألته فأكمل بابتسامة خبيثة لم تراها:
-إلا إذا أتفقنا.
-نتفق ازاي؟
-نتقابل وهتعرفي.
عَلت نبضات قلب رهف في خوف، لا تدري ماذا عساها تفعل، أتذهب له وتخاطر بمعرفة مروان، او لا تفعل وتخاطر بفضيحة جديدة تدق بابها؟!..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 3 < 1 2 3 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رسائل حب باسم بسمة Love
0 1136 Love
رسائل حبّ باسم ياسمين Love
0 2266 Love
رسالة حبّ باسم نور Love
0 319 Love
رسالة حبّ باسم أسماء Love
0 510 Love
رسالة حبّ باسم زينب Love
0 1635 Love

الكلمات الدلالية
رواية ، باسم ، الحب ،












الساعة الآن 05:45 AM