رواية عندما يعشق الرجل لشيماء محمد الفصل التاسع والعشرون
الجزء الأول
يا خلي القلب .. يا حبيبي لو فى قلبك قد قلبي حب .. يا حبيبي لو بتكوي النار نهارك .. لو بتسهر زي ليلي لو صحيح بتحب .. كنا نحضن حبنا ونبعد بعيد عن عيون الدنيا عن كل العيون لو في قلبك قد قلبى حب كنا نمشي الف ليله وليله ليل ونهار لما نوصل نجمه ما لهاش اي جار والا نسكن لؤلؤه فى ابعد بحار يا حبيبي
شعرت ريم وكأن برقا ضربها وهى فى مكانها تراقب زوجها ملتفا حوله مجموعة من النساء الجذابات والانيقات وكل واحدة منهن تحاول جذب انتباهه نحوها ... لثانية تلاقت اعينهما وهو ينظر اليها بغموض لكنها حاولت رسم عدم المبالاة على وجهها واشاحته بعيدا ... اضطربت وهى تشعر بارتجافة يدها و دقات قلبها السريعة ... ضيق .. انزعاج ... قلق ... وربما غيرة كل هذه مشاعر اجتاحتها ما ان رأت زوجها محاط بالفتيات من كل جانب ... أرادت الصراخ بأنه زوجها ... وهو لها وحدها لكن كبرياءها منعها ... افاقت من مشاعرها المضطربة تلك على صوت أروى الجالسة بجوارها قائلة بعتاب أقرب منه نصيحة " اذهبى إلى زوجك قبل أن تخطفه فتاة ما منك وحينها ستبكين على حظك المنحوس " رفعت إحدى حاجبيها وهى تقول من بين أسنانها بعدم مبالاة ... " من هذه التى ستنظر إليه! ... فلتخطفه ...تابعت وهى تحرك كتفيها بكبرياء وبصوت منخفض ..انا لا أريده " فغرت أروى فاها وقالت بتأنيب "حمقاء زوجك وسيم .. وما أن تتركيه هكذا ستركض خلفه آلاف الفتيات ... مالك لا يعوض أيتها المخبولة " حدقت بها ريم بقوة وهى تزم شفتيها و تقول بانزعاج " زوجى وسيم ... وهل انا قبيحة أمامك ؟!... ثم نظرت نحوه بطرف عيناها قائلة بعدم اهتمام ...انا لن أركض وراء أحد " قالت كلماتها باقتضاب ثم حاولت اشاحت وجهها بعيدا عن اروى ومن دون ان تقصد عيناها استقرتا على بطن اروى المنتفخة... شعرت بنغزة قوية فى قلبها و بلعت ريقها بحزن ... تتمنى حقا لو كانت مثل صديقتها ... التمعت عيناها بالدموع وهى ترى ابتسامة اروى العذبة ما ان اقتربت منها والدتها وهى تطبع قبلة حانية على جبهتها وتضع يدها على بطنها و اقتربت من أذن اروى تهمس لها ببعض النصائح وتبتسم لها ... اعتصرت ريم عيناها وهى تحاول عدم البكاء وهى تنهر نفسها بقوة ... فهى لن تكره السعادة لصديقتها ... ولكنها حقا تمنت لو كانت مثلها ... متزوجة برجل تحبه بل تكاد تكون عاشقة له ... وهى الآن حامل بطفل منه هل يوجد ما هو أجمل وأروع من هذا ..حدثت ريم نفسها بهذا ... وهى تدعو فى نفسها .. بأن يرزق الله صديقتها الذرية الصالحة .. وأن تكون بخير هى وطفلها دائما. ..فهى لن تكره الخير يوما للصديقة التى اعتبرتها اختا لها ... " يارب ارزقنى بطفل " قالتها فى نفسها برجاء ودعاء خرج من قلبها ... تتمنى حقا ان يرزقها الله بطفل ... تحبه وتحميه تعطيه وتمنحه ما فقدته هى ... لكن ...هى بغباءها أبعدت مالك عنها بدلا من ان تقربه ... لكنه يستحق ... هتفت بها فى نفسها بانزعاج .. لقد تركها ولم يحاول حتى الاقتراب منها كما كان دائما يفعل ... لقد كانت تشعر سابقا وكأنه ظلا لها ... ام الآن فهو لم يعد كما كان ... هل هو مل منها ولم يعد يريد الاقتراب ... أفكار وأفكار دارت فى عقل ريم من دون ان تتركها بسلام ... فالطالما كانت عدم الثقة و الوحدة مرافقان لها ... لم يستطع أن يبعد عيناه عنها وهى تجلس بعيدة عنه يراقبها بطرف عيناه ... يريد أن يقترب .. لكن كلما يتذكر ما تفعله معه ... جفافها... عنفوانها الحاجز الذى يمنعها عنه .. يتراجع ... يشعر بخوفها ما ان يقترب منها لكن مما هى خائفة؟!... لماذا كلما يقترب منها ميلا تبعده هى عنه آلاف من الأميال؟ !... منذ ان قابلها أول مرة وهو على يقين ان الاقتراب منها ليس سهلا وأنه كلما سيقترب منها كلما ستبعده هى عنها لكنه لم يعتقد انه سيأخذ كل هذا الوقت...حتى يستطيع الاقتراب و تملك قلبها وروحها ... منذ ان رآها وهناك رغبة واحدة تجتاحه و سلبته النوم ..ان تكون له.. زوجة ...و بين يديه ... عنفوانها هذا اراده له فقط رغم انه الحاجز الأكبر بينهما إلا انه يعشق تمردها... يعشق دلالها عليه الغير مقصود ... يعشق كل شى تفعله و تصدره ... طريقتها التى يعتقدها البعض غرور وتكبر وسماجة... إلا أنها لم يكن تعاملها الجاف مع من حولها إلا قشرة صلبة فقط حتى تستطيع حماية نفسها مما هى خائفة من خوضه ... زوجته طفلة صغيرة تفتقر إلى الأمان ... لكن لا يعلم ماذا يفعل حتى يشعرها حقا بحبه؟! ... آفاق مالك من شروده على صوت إحدى الفتيات الملتفات حوله أخذ نفسا عميقا ... ثم لم يعد يتحمل أكثر البقاء معهن وتحرك مبتعدا عنهن .. ما ان راء سماءه تتجاوزه غير ابه به تتحرك بقدها الممشوق وهى رافعة رأسها بتعالى وعنفوان وكأنها اوزة تتهادى فى مشيتها بكسل ... رغم أنها ترتدى فستان فضفاض وطويل إلا أنها ما زالت جميلة ومغرية فى نظره ... فملابسها المحتشمة تلك لم تستطع إخفاء أنوثتها ... تحرك هو الآخر مبتعدا عن هؤلاء الفتيات وتوجه نحو مجموعة الشباب ...المكونة من كاسر وخالد وسيف وأصدقاء سيف الاثنان ماجد وأسامة ... وقف وأخذ يتبادل معهم الحديث ...
وقف بين أصدقاءه بشموخ وهو يضع يديه فى جيبى بنطاله يستمع إلى احاديثهم التى لا تنتهى عن الأعمال ... أذنه كانت معهم ... لكن عيناه كانت عليها هى فقط ... يراقب كل حركة منها صغيرة او كبيرة ... وضع جسده موضع الاستعداد للركض إذا لاحظ فقط ابتعادها عن كرسيها...لم يكن يريد أن ياتى ولا حتى ان يحضرها ... لكنه لم يستطع الرفض وهو يرى اهتمامها وحرصها الشديد على حضور زفاف صديقتها ... منذ سقوطها ورؤيته لها غارقة بدماءها ذلك اليوم وهو لا يريد منها ان تفعل اى شى وخصوصا بعدما أخبره الطبيب ان اى حركة غير صحيحة ربما سيفقدا بها الطفل ... فاهتم فقط بأمر راحتها حتى طعامها كان حريصا ومهتما به ... خلال الأيام السابقة كان يشعر بنظراتها المؤنبة التى تخبره انه فقط لا يهتم بها إلا من أجل الطفل وليس لشئ آخر ... نعم هو يهتم للجنين الذى تحمله بين احشاءها ... يهتم به فقط من أجلها ... من أجلها فقط ... دموعها وهى بين يديه ترجوه حرقت قلبه ... كل ما فكر به فى هذا الوقت هى ... رغم انه كان سيحزن لفقدانه أول طفل له ... لكن أن يرى انهيارها ودموعها تسقط من مقلتيها كان سيصبح الامر أكثر إيلاما له ... ظهرت شبه ابتسامة على وجهه وهو يتذكر لياليه السابقة التى كانت توقيظه طلبا لأحد الأطعمة التى تشعر وكأن رائحتها فى أنفها ... أخبرهم الطبيب منذ يومان ان حالتها شبه مستقرة وأنها ما ان تتجاوز الشهر الرابع حتى نستطيع أن نقول أن كل شى أصبح بخير ... ابتعد بنظره عنها وهو يوجه كل حواسه للاستماع لاحديث كاسر ... ولكنه لم يتحمل أبعاد نظره عنها أكثر .. وتوجه بنظره نحوها ... غامت ملامحه بالسواد وهو يراها تبتعد عن كرسيها وتتحرك بخلاء مع رجلا ما ...وتحرك نحوها بخطوات سريعة ... شهقت اروى بقوة وهى تشعر بيديه تقبض على رسغها ... وقربها منه بتملك واضح ... وأكد على ملكيته لها وهو يضع يديه حول خصرها ...وكأنه يخبر ذلك الغريب بتحذير... إياك ان تقترب انها ملكى ... طبع قبلة حانية على جبهتها فاحمر وجهها خجلا و زميلها ينظر إليهما باستغراب ودهشة وقليل من الخجل وهو يلاحظ تلك الحميمية بينهما ... وكأن سيف فهم نظراته ... وقال بنبرة رقيقة جعلت أروى يتسع فمها وتنظر إليه ببلاهة ... " عرفينى ... عرفينى ...ألن تعرفينى به " كررها وهو يلاحظ نظراتها المستغربة ويحرك جسدها برفق حتى تنتبه له ... فتنحنحت بهدوء وقالت بنبرة هادئة " تامر ... صديق وزميل قديم ايام الدراسة ... ثم تابعت وهى تنظر إلى زميلها لكن سيف منعها وهو يقربها أكثر إليه حتى يحتكر كل النظرات له هو فقط وقاطعها بنبرة لا تخلو من الحدة وقال ... سيف السيوفى زوجها ووالد طفلها " تشدقت بابتسامة جانبية وهى تنظر له باستغراب " أهلا ... أهلا سيد سيف وهل يخفى القمر سيادتك شهرتك وسمعتك سابقة لك " ومد بيديه لكن سيف ضحك بقوة وقال بتكبر وغرور ونظرة ازدراء موجهة نحو ذلك التامر..وربما غيرة " أهلا " تراجع الآخر بيده وابتسم بخفوت وانسحب بعيدا عنهم ووجهه يكسوه الحرج ... وما كاد أن يبتعد حتى قرب سيف فمه نحو أذن اروى قائلا بغضب مكتوم " هل تحاولين استفزازى زوجتى العزيزة ؟!" فنظرت إليه بتساؤل... فتابع وعيناه ترسل شرارات من الغضب نحوها " كيف تتحركين من مكانك هكذا ؟!... وفوق كل هذا تقفين مع رجل ... لقد تماديتى " " ماذا؟! " هتفت بها بحدة وتابعت " تماديت بماذا؟!" ونظرت له بشر وابعدت يديه عن خصرها بحركة سريعة عبرت بها عن غضبها ...وتحركت مبتعدة ... شعرت بنظراته التى اخترقت ظهرها ... وحركته نحوها ... فسارت بخطى سريعة بين المدعوين حتى وصلت حيث تقبع والدتها ... وجلست بجوارها لعلها تحتمى بها من غضبه المحتم... أخذ سيف نفسا عميقا ثم زفره بقوة...وهو يمرر يديه على شعره بهدوء ... وعاد ناحية أصدقاءه ... وهو ينهر نفسه عن تسرعه فى الغضب هكذا منها ... " ما رأيك .. ان نذهب للعب الاسكواش بعد الزفاف " سأل كاسر سيف الذى كان شاردا ورد عليه بخفوت " نعم ... حسنا " وعيناه تتجه حيث تقبع أروى
راقب الأربعة رجال سقوط روز ... ولثواتى ظلوا ينظرون إلى جسدها المسجى على الأرض بهدوء ... حتى تحرك عادل اخيرا نحوها وأثنى ركبتيه وهو يصفعها على وجنتيها بهدوء يحاول افاقتها ... " هل ماتت ؟!" ساله محمود بوجه متجهم فرد عليه عادل بهدوء وهو يحرك رأسه " لا .. اغمى عليها فقط .. يبدو انها لم تحتمل الصدمة " " يا ليتها تموت ونرتاح منها ومن أخيها " هتف بها مراد بحدة تنهد سليم براحة ثم قال بنبرة حادة " مراد ..نحن لا نريد مشاكل .. ثم وجه الكلام نحو عادل قائلا... أحملها وادخلها إلى المنزل بسرعة ..حتى تفيق " " ماذا ؟!" هتف بها مراد مستنكرا " لا .. لا لن تدخل منزلى " " إذا ماذا سنفعل هل نحملها ونخرج بها هكذا حتى يراها الناس!؟ ... وحينها ما حاولنا اخفاءه لسنين سيكشف اليوم ... سندخلها للمنزل حتى تفيق وبعد ذلك سنخرجها مثلما ادخلنها " هتف بها سليم فاوما الثلاثة رؤوسهم موافقين... وبالفعل حملها عادل وادخلها إلى المنزل ... وضعها عادل على السرير فى الغرفة التى دخولها كأنهم لصوص حتى لا يشعر أحد بشئ ... بعد محاولات عادل فى ايقاظها ...رفرفت روز برموشها اخيرا ...فظهرت الراحة جلية على وجه كلا منهم ... راقبوها باعين حذرة وثاقبة وهى تتململ فى مكانها وتضع يديها على رأسها تتاوه بخفوت من الألم والصداع الذى داهمها الآن فقط وهى تشعر براسها ثقيلة غير قادرة على تحريكها ...لدقيقة كانت هكذا ...حتى امتلأت الدموع فى عيناها وهى تتذكر آخر ما سمعته ... كذبت عقلها واذنيها... فتحت عيناها ورأت الأربعة رجال حولها ... " ياسين " قالتها بنبرة ضعيفة متالمة ثم تابعت بنبرة تقطر حزنا والما على ما مضى وهى تتذكر ما سمعته منهم وبصوت متحشرج " أنتم كاذبون هو لم يمت ... ثم تابعت باعين غاضبة وهى تمسك بياقة قميص عادل ... هو لم يمت ...هذا بالتأكيد لعبة من العيبكم حتى ترحموه منى ومما سافعله به وبكم ... جميعكم كاذبون ... ابتعدت من السرير بسرعة وهى تقول بصوت هستيرى غاضب رغم شعورها بالدوار إلا أنها تحاملت ووقفت بثبات كأنها نار متتاججة ... مهما فعلتم او اخبرتمونى سآخذ ابنتى وأذهب هل فهمتم ...لن يمنعنى أحد " و للمرة الثانية خارت قواها وسقطت جاثية على الأرض وهى تبكى وتراقب صمتهم المميت بالنسبة لها ... نظرت إلى سليم تستجديه ان يكذب ما سمعته ... لكن لم تجد فى عيناه غير الحزن والألم ... نظراته لا تعبر إلا عن ان ما سمعته صحيح ... أن ياسين مات ... مات ... قبل ان تصرخ به وتنتقم مما فعله بها ... جثى مراد على ركبته واقترب منها قائلا بصوت حاد وحفيف وهو يمسك بذراعها بقبضة شديدة قوية المتها " لماذا سنكذب عليكى ... روز اذهبى ... ارحلى وانسى ان لديك فتاة ... ياسين فعل كل هذا فقط من أجل نور .. ضحى بكل شئ من أجلها ... و لحمايتها ... وانتى ان اقتربتى منها ..ساقف انا لكى بالمرصد ... هل فهتمى " عيناها غامتا بالدموع زمت فمها بقوة وهى تكتم شهقة قوية تهددها بالخروج ... وهى تشعر بنبرة التهديد فى صوته ... تترك ابنتها ... كيف اجفل الأربعة رجال عندما استمعوا لصوت تكسر شيئا ما ... فادارو رؤوسهم نحو الباب ... واتسعت اعيناهم عندما شاهدوا نورا تقف عند الباب ... عيناها متستعا من الصدمة ... جسدها متصلب و أصابعها على فمها وهى تقول ببحة من الصدمة وصوت متحشرج " روز !" وجهت روز نحو الصوت الذى نادى باسمها ...وردت عليها بصوت ضعيف يماثل صدمتها " نورا! " بلع مراد ريقه وهو يراقب تعابير وجه زوجته المصدومة من رؤية من كانت تعتقد انها ماتت ... " انتى ...انتى ...ألم .. ألم تمو...ت ؟!" همست بها نورا بصوت ضعيف ودهشة لم تستطع اخفاءها شخرت روز وظهرت شبه ابتسامة على وجهها تعبر عن ألمها وسخريت القدر منها وهى تنظر إلى الأربعة رجال باشمءزاز " اخبروك إننى مت ... يا لهم من وحوش ... قتلونى بالحياة وأخذوا منى ابنتى ... ثم نفضت ذراعها وهى تبعد يد مراد عنها بقوة و وقفت بشموخ ... وكأنها نمرة لا يستطيع أعتى الرجال الوقوف أمامها ... عكست ضعفها بقوة ظهرت فى لحظة واحدة فقط ... وهتفت بصوت عالى غاضب وهى تحرك باصبعها نحوهم جميعا وعيناها تلتمع شرا "أقسم أن انتقم منكم... ساحرق قلوبكم أنتم الأربعة مثلما احرقتوا قلبى ... ساريكم غضب الأم بحق .. ساجعلكم تندمون على اليوم الذى فكرتم فيه بخداعى فقط ... صديقكم الخامس ورئيس عصابتكم رحمه الموت منى و مما كنت سافعله به ... صمتت لثوانى وهتفت وهى تكشر عن انيابها ... لكن أنتم لن يرحمكم أحد منى ... وقبل كل هذا ساخذ ابنتى منكم " هتفت بكلماتها وصدرها يعلو وينخفض من أوج مشاعرها وغضبها ... وجهت نظرها حيث تقف نورا ...التى ركضت بأقصى سرعة لديها وزوجها يلحق بها ... استطاع مراد جعل خطواته سريعة أكثر وأمسك برسغها وهو يدير جسدها نحوه ... لكنها نفضت يده عنها فقال برجاء " أرجوك اسمعيني... اعطينى فرصة لكى أشرح لك" نظرت له بقوة وقالت بصوت عميق و هو يراقب اهتزازة مقلتيها من الغضب ... " لا تخف سنتحدث ... لا تقلق ...عاجلا او آجلا سنتحدث ... وتابعت من بين أسنانها ... بعد زفاف ابنى ... ابنى الوحيد .. بعد زفافه الذى لن أسمح لأحد بتخريبه او أن يكسر سعادته ... هل فهمت ... لن أسمح لأحد " نطقت بكلماتها وابتعدت عنه وهى ترسم ابتسامة على وجهها .. فهى لن تسمح بأخطاء زوجها الذى تكتشفها شيئا فشيئا ان يكسر فرحة ابنها ... الذى اخيرا قد وجد حبه ... استدار مراد بجسده نحو الغرفة ... دلف إلى الغرفة رفع حاجبيه وقال بحدة وصوت عالى وهو يمسك بيد روز " هل تريدين أن ترى ابنتك ؟!... حسنا تعالى وساوريكى إياها " قال كلماته ثم جذبها خلفه ... حتى توقفا أمام أحد نوافذ المنزل الكبيرة المطلة على الحديقة الكبيرة حيث الزفاف " انظرى... انظرى جيدا " هتف بها بشراسة وجهت روز نظرها إلى ما يشير إليه مراد ... أول ما استقرتا عليه عيناها ... كانت فتاة بثوب ابيض رقيق ... فوجهت نظرها إليه مرة أخرى باستغراب فتابع من بين أسنانه " هل تعلمين من هى العروس؟! ... هل تعلمين زفاف من هذا؟! " بلعت ريقها ... وهى تحاول تجميع الكلمات حتى تستطيع النطق لكن عقلها خانها وتوقف عن التفكير ... راقب صمتها ببرود حتى همس نحو اذنيها بخشونة "زفاف ابنى الوحيد حازم .. أظن انك شهدتى مولده .. لكن هل تعلمين من هى العروس ... اسمها ... نور ... نور ياسين المنشاوي " اهتزتا حدقتا روز وفمها مفتوح عاجز عن النطق ... أرادت الصراخ ونعته بالكذب لكنها لم تستطع وهو يدير بجسدها أكثر حتى تستطيع النظر إلى تلك الفتاة. .. وأخيرا همست بضعف وصوت مختنق " كاذب " قالتها ونظرت إلى الفتاة ... دقات قلبها تسارعت وهى تلمح وجه تلك الفتاة ذات الوجه البرئ ... عضت فمها من الداخل حتى لا تبكى وتصرخ من القهر وهى تجد أمامها نسخة مصغرة منها ... لكنها رغم هذا همست مرة أخرى بصوت أكثر قوة " كاذب ...كاذب ...كاذب يا مراد " أدار جسدها نحوه ويده تقبض على ذراعيها بقوة جعلتها تتلوى من الألم ... " من اليوم يا روز نور هى ابنتى وزوجة ابنى. .. لن أسمح لكى ان تدميرى سعادتها او حياتها بسبب حضورك هذا ... انسى أمر نور ... نور عانت أثناء موت ياسين ... ولن أسمح لأى شخص فى هذا العالم ان يؤلمها ... هل فهمتى" نطق كلمته الأخيرة بتحذير ... جعلتها ترتجف ... ترتجف من القهر ...وحتى وابنتها أمامها الآن هى لا تستطيع احتضانها او لمسها حتى ... " أن كنتى تحبينها حقا ابتعدى عنها يا روز ... ابتعدى واثبتى لى حقا انك ام كل ما يهمها هو مصلحت ابنتها ... ابتعدى يا روز اجعليها تعيش بسلام ... بعيدا عن حياتك " هتف بها بصوت عميق متزن ... تترك طفلتها ... وهى من كانت تتألم لأكثر من خمس وعشرين عاما لمجرد انها لم تستطع احتضانها ورؤيتها أمامها وتقبيلها و تفريغ بها امومتها التى احتفظت بها من أجلها هى فقط ... رمز حبها وعشقها لياسين... ابنتها ..ستظل بعيدة عنها ... ستظل دائما سراب حلم لن تستطيع لمسه. .. ابنتها ... ابنتها ... نور ... نور ... التى لم تعرف اسمها إلا منذ مدة ... ابنتها التى كبرت بعيدا عن عيناها ... نور ... آه يا نور ... ام آه يا روز لقد كتب عليكى فراق من احببتيها... كتب عليك الوحدة والتعاسة طيلة عمرك ... منبوذة حتى من قبل الأشخاص الذين اعتقدتى أنهم أخوة لكى ... خانوكى ... لكن الآن هل ستركضين إليها وتحضنيها وتخبرينها انك والدتها ... ام ستقفين هكذا تشاهدينها من بعيد ... " روز ... لا تكونى أنانية أرجوك ... ابنتك مرت بظروف صعبة الفترة الأخيرة وأخذت وقتا طويلا حتى تستطيع التعافى من موت ياسين " قالها مراد بصوت خشن وهو يراقب دموع روز التى سقطت على وجنتيها " أنانية! .. ياليتنى كنت أنانية ... ما كان سيحدث لى كل هذا ...همست بها بحزن وألم تابعت وهى تمسح دموعها بهدوء ... سأذهب ... لكنى ساعود ... سأعود لن أبقى طيلة عمرى الام المتوفى بالنسبة لابنتى " قالتها وتحركت بخطوات متعبة مترنحة وهى تحاول غرز كعب حذاءها العالى فى الأرض حتى لا تسقط ... وتبعها سليم حتى يستطيع إخراجها مثلما أدخلها ... ما ان ابتعدت روز حتى تنفس مراد الصعداء ...
لم يتحركا من على كرسيهما منذ ان اتيا إلا فقط ... وهما يستقبلان تهنئة المدعون والمهنءين بابتسامة فاترة ... منذ ان وصلا وحازم يراقب كل ردة فعل تصدرها نور بهدوء تام ... عيناها على الأرض ترسم شبه ابتسامة على ثغرها ما ان يقترب منهما أحد تختفى باختفاء الشخص الذى كان يهناها ...تشدق بابتسامة وهو يفكر بأن زوجته ممثلة بارعة ... زوجته ... نور زوجته ... رنت تلك الكلمة فى عقله وهو يتمنى الصراخ بها حتى يستطيع الاستمتاع بتذوق تلك الكلمة ... لكن حقا هل ستكون زوجته فى تلك الليلة ام انها سيحتاج للوقت حتى يستطيع فقط الاقتراب ... او ربما سيفشل فى الوصول إليها ... " حسنا ... لقد انتهى الأمر يكفى جلوسا هكذا ... سيأخذ عروسه وسيذهب. .. ضحك فى داخله ... وهو يهتف فى نفسه ... هل أنت مستعجل حقا لما سيحدث بعد ذلك فى هذا اليوم ... ام انك تحاول الهروب حتى تخبر المدعوين ان عروستك لم تغصب على الزواج بك ... وأنت تلاحظ نظراتهم نحوك المتساءلة والهمسات التى تصدر من بعض النسوة عن أسباب هذا الزواج السريع ... وبعضهن ذهبت خيالتهن إلى ان زوجته خلاصة حق ... والبعض قال تزوجها ... لأن والدها هو صديق والده ... لذلك فالصديق أراد أن يزوج ابنة صديقه من ابنه الوحيد ... والبعض علل زواجه منها انها مجرد صفقة حتى يستطيع الوصول إلى أموالها فهى ابنة أبيها الوحيدة وقد ترك لها الكثير ... ثرثرن بالكثير والكثير ... لكن ولا واحدة منهن قد توصلت إلى انه تزوجها لحمايتها وفوق كل هذا لانه يحبها ...أخذ حازم نفسا عميقا ثم زفره بقوة ... وتحرك مبتعدا عن كرسيه وهو يغلق أزرار بذلته الامامية ... نظر إلى أحد العازفين القربين منه ... بإشارة فهمها الرجل فقط الذى اؤما برأسه وبدأ فى تنفيذ ما أمر به ... فعندما أتى أخبر حازم الرجل .. بأنه ما ان ينظر إليه حتى يقوم بإيقاف الموسيقى ويبدأ بتشغيل تلك التى تعبر عن انتهاء الحفل وانصراف العروسان... قرب يده منها وأمسك بيدها التى شعر ببرودتها وتشنجها المفاجئ ما ان امسك بها " هيا يجب ان نذهب " قالها حازم بهدوء وهو يحاول بث الطمأنينة إلى نفسها ... ألمه قلبه عندما وجدها ترفع وجهها إليه تنظر إليه بخوف ... لكنه حثها مرة أخرى على التحرك ...حتى استجابت اخيرا ووقفت بقدم وجسد يرتجف خوفا ... وقف المدعون ما ان وجدوا العروسان مستعدان للرحيل ... حتى استطعا الخروج والابتعاد عن انظارهما ... اصعدها للسيارة وأغلق بابها ووقف ما ان رأى والدته تقترب منه ... " مازال الوقت مبكرا " قالتها نورا وهى تحتضن حازم بقوة ... وتقبله على وجنته... فابتسم هو بخفوت وطبع قبلة على جبهتها وقال بهدوء "تعلمين إننى لا أحب هذه الأجواء " قاطعته والدته وربتت على كتفه بحنان وقالت بسعادة " أتمنى لك يا نور عين نورا حياة سعيدة دائما... خالية من الآلام... همست بجملتها الأخيرة التى لم يستمع إليها حازم وهو يفتح باب السيارة وجلس بجوار عروسه بهدوء ...وودعته وهى تراقب ابتعاد السيارة إلى حيث الفندق الذى سيقضى به حازم ليلته مع عروسه ... وكالعادة ما ان يرحل العروسان حتى يبدأ المدعون بالرحيل متمنين للعروسان الحياة السعيدة والذرية الصالحة ..
بحثت بثينة بعيناها عن والدها لكنها لم تجده ...فقررت الخروج والبحث عنه بالخارج فربما كان فى السيارة مع تلك المرأة ...وما كادت تخرج من منزل مراد السيوفى حتى وجدت ماهر أمامها ... يعرض عليها ايصالها فوالدها بالداخل ولن يذهب الآن وربما يتأخر ... وهو بنفسه طلب منه ان يوصلها ... أرادت الاعتراض ولكنها لم تستطع أمام إصرار ماهر ...فتحركا نحو السيارة وما كاد يفتح ماهر لها الباب حتى تسمرت فى مكانها ... " بثينة " بلعت ريقها وهى تستمع لذلك الصوت الذى تحفظه عن ظهر قلب ... التفتت بجسدها وهى تحمل طفلتها بين يديها ما ان استمعت لصوته بأعين متسعة ذاهلة تحاول تكذيب اذنيها وقلبها تزداد ضرباته حتى كاد أن يصمها و يديها تضغط بشدة على جسد طفلتها التى شعرت بتململها الواضح ما ان رأت والدها أمامها ... وهو وقف وكأنه صنم ووجه يكسوه الغضب ... ذقنه الغير حليقة وهياته المتشردة والتى تظهره وكأنه طفل ابتعدت عنه والدته التى كانت تهتم به ... ... اشتاق إليهما ... اشتاق إلى أخذ حبيبته وطفلته بين يديه واشباعهما بحبه ... اشتاق ... واشتاق... وهل تصف تلك الكلمة ما به من لوعة... "با.." نظرت بثينة لابنتها ذاهلة متفاجاة هل تبكى فرحا ام حزنا ... هل تبكى لسعادتها فابنتها ها هى للمرة الثانية تحاول أن تنطق اسم والدها ... تعبر له عن اشتياقها وحاجتها لحضنه فى هذا الوقت ... وقف ولا يفصل بينهما غير القليل من السنتيمترات ولكنه شعر كأنها أميال بينهما ... حدقت به وهى تحاول بلع ريقها ... رؤيتها له اليوم كانت مفاجأة بالنسبة لها... كيف أتى وعلم بحضورها ... حمد الله فى نفسه لمجيءه فى الوقت المناسب ... لولا الصدفة التى استمع فيها بحديث أحد موظفيه يتحدث عن زواج المحامى حازم السيوفى اليوم ... لما كان سيستطيع الوصول إليها بعد ان اخذها والدها بعيدا عنه ... اقترب منهما ببط حتى وقف أمامهما مباشرة مد يده واخذ منها ميا منها ...التى تهللت اساريرها ما ان حملها والدها وظلت تردد وتنطق ببعض الاشياء التى لم يفهمها ... تنحنحت بثينة فى مكانها ونظرت حيث يقف ماهر الذى وقف فى مكانه بجسد متصلب ويراقبهما بملامح غامضة ... " هيا " التفتت براسها نحو حسام ... وهى تلاحظ نظراته ولهجته التى تعبر عن غضبه المكتوم وقفت فى مكانها ولم تتحرك رغم انه تحرك بعض الخطوات نحو سيارته ولكنها لم تتحرك ... هل ترفض وحينها سيعلم ماهر انها هى وزوجها على خلاف ومنها من الممكن أن تحدث مشاجرة بين ماهر وحسام ... وستكون هى الخاسرة ... فهى تعلم جيدا وتشعر بغيرة حسام نحو ماهر الغريبة ولا تفهم سببها رغم أنها منذ ان كانت صغيرة وهى تعتبر ماهر أخا لها ... ام تذهب معه بهدوء ... لكنها غير مستعدة حتى الان باى مواجهة بينهما ... هى اشتاقت إليه ...ولكنها كلما تتذكر تلك الصور يتألم قلبها وتشعر بالخيانة والغدر من الشخص الذى تحملت منه كل شى ... لكن خيانته كانت بالنسبة لها كالقشة التى قسمت ظهرها ... وبخطوات هادئة اقتربت منه ... فتح لها باب السيارة جلست وأعطاها ميا ... ثم دار للجهة الاخرى و فتح باب السيارة ... وقبل أن يصعد داخلها ... نظر إلى ماهر نظرة سوداء حادة عبر بها عن غضبه وكرهه ... صعد للسيارة وأغلق بابها بقوة وانطلق بسيارته بأقصى سرعة لديه ... لم تطأ قدميها هذا المنزل منذ ما يقرب الاسبوعان... ارتعاشة خفيفة سارت فى جسدها ... ورهبة ألمت قلبها ما ان وصلت رائحة هذا المنزل الممتزجة برائحته هو فقط لانفها ... رغم بقائها فى منزل والدها و هناك وجدت كل سبل الرائحة لها ولميا... إلا أنها لم تجد الطمأنينة والراحة إلا فى هذا المنزل ... الذى عاشت فيه أجمل ايام حياتها رغم ما بها من ايام وجدت فيه نفسها تبتعد او بالأحرى يبتعد هو عنها شيئا فشيئا... هل حان وقت المواجهة بينها وبينه اخيرا ؟!... هل ستنهى كل شئ بينكما يا بثينة ... هل ستتخلى عن كل شئ؟!... وماذا عن أحلامك التى حلمتى بها ما ان وطات قدمك لهذا المنزل أول مرة وانتى عروس بفستانك الأبيض ؟!... ألم تحلمى بحياة سعيدة وزوج محب وطفل يملأ هذا المنزل بضحكاته!... ألم تحلمى بعاءلة !... نعم تمنيتى ان يكون لك عائلة... اردتى وطنا ... ولكن هل هو وطنك ... هو هو من تستطيعين أن تحتمى به ... هل هو حقا يستحق أن يكون أبا لاطفالك؟!... نعم ... نعم يستحق ... صرخت بها بثينة فى نفسها ... انه افضل اب لابنتك الان ..نعم ... رغم انه لم يكن يلتفت او يهتم بها عندما ولدت ... ولكنه منذ ان بدأ يقترب منها وهو أصبح ملاصقا لها ... رغم أنها لم تكن تفهم سبب ابتعاده عن الصغيرة فى البداية إلا أنه عوضها عن بعده عنها بطريقة مختلفة ... عندما كان يتصل بها كل يوم كانت معظم المكالمة يستمع بها فقط إلى صوت صغيرته... حتى الان يحملها بين يديه بحرص شديد وهو يقبل كل انشا بها عيناها جبهتها وجنتيها وشفتاها... وهى تضحك ببراءة من قبلاته التى تدغدغها ... توقف ونظر إلى طفلته بسعادة واعين دامعة... المت قلبها وهى ترى صغيرتها تنظر إلى والدها بحب وسعادة تماثل سعادته وكأنها افتقدته وافتقدت صوته ... دمعت عيناها وهى ترى هذا المشهد هل أخطأت فى الابتعاد وحرمان صغيرتها من دف واحضان والدها التى لطالما حلمت هى بها ... " فلنتحدث" اجفلت عندما استمعت إلى صوته الاجش ... "نعم فلنتحدث " همست بها باختناق للحظات ظل ينظر اليها بطريقة مبهمة وكأنه يبحث عن الكلمات ... شعرت به وهو يأخذ نفسا عميقا ثم زفره بقوة محاولا تهدئة نفسه ... او ربما يحاول استعادة رباطة جاشه ... "لماذا هكذا فجأة ؟! ...هل اذيتك؟ " سألها بنبرة اربكتها أغمضت عيناها بقوة محاولة منها للتفكير حتى لو لثوانى حتى تستطيع الكلام ...هل تخبره بمعرفتها لخيانته لها ... هل تصرخ فى وجهه من ألمها ... تخبره أنها لم تعد تستطيع التحمل والثبات أكثر ... ام تصمت وهى ترى انتقامها منه ظاهرا على وجهه ...هياته ...وحرمانه من ميا لعدة ايام ... هل يكفيها معرفتها انه كان يبحث عنها كالمجنون فى كل مكان ... هل تكتفى بهذا كتحذير له ... ام تتكلم وحينها ستكون النهاية ... هل تعطيه فرصة أخرى وتصمت... تصمت فقط من أجل ميا التى أصبحت اخيرا تنعم باحضان والدها الدافئة ... ام تطلب الابتعاد وحينها ابنتها ستتربى مثلما هى تربت .. بعيدة عن دف و احضان والدها ...وحينها سيكون فراقهما مؤبدا ...هل تعطيه فرصة أخرى ... ظللت ترددها فى رأسها. .. وفى لحظة انتصر القلب على العقل ... واقتربت منه وهى تلاحظ نظراته المشتاقة إليها ... عيناه تكاد تطبق على جسدها بين جفنيه... ونطقت اخيرا بنبرة ناعمة مهتزة " كنت بحاجة فقط إلى الابتعاد " تنهد بضعف وهو يحدق بها بسخط ... أخذت منه ميا وعلى وجهها ابتسامة غامضة ... ووضعتها على الأرض ...والتفت بذراعيها حول رقبته وهى تقول بحميمية وتلمس أنفها بانفه وهو وقف كالصنم مكانه وهى تقربه بذراعيها نحوه أكثر وقالت باغراء ونبرة غامضة " فلنبدأ من جديد " ظهرت شبه ابتسامة على وجهها وهى تشعر بتردده فى وضع يديه حول خصرها ... " بثينة ... انا يجب ان ..." لكنها منعته وهى تضع اصبعها على شفتيه تمنعه من المتابعة ... وتابعت وهى تطبع قبلة على وجنته قائلة بنعومة " سامحنى... سامح طيشى ... فلنبدأ من جديد " نبرتها وقربها أسقط كل دفاعته... حطم كل غضبه الذى كان كالمرجل المشتعل ... ثورته التى كان سيطلقها فى وجهها ... كل هذا اخمدته... احتضنها وعانقها بقوة المتها... لكنها ستسامح من أجل طفلتها ... او ربما من أجل نفسها
الجزء الثاني
ضربة ثم اثنان ثم تلتها الثالثة ..والعديد من الضربات على ذلك الحائط المتين الذى لولا متانته لتصدعت جدرانه من قوة الضربة ... يضرب الكرة الصغيرة بالحاءط فى صالة الاسكواش المغلقة بكل قوة لديه ... يحاول أن يفرغ كل طاقته السلبية بها ... وقف للحظات محاولا أخذ أنفاسه ... وهو يراقب كاسر الذى لم يتعب بعد ما زال يضرب بمضربه الكرة التى كانت تعود إليه بقوة مماثلة لقوة ضربته ... " فلناخذ استراحة " اقترح سيف ... و جلس على أحد المقاعد الموجودة خارج الصالة الزجاجية ... تبعه كاسر الذى التقط إحدى زجاجات المياه المعدنية ... وجلس على الطرف الآخر من المقعد ... " لا يوجد أفضل من هذا المكان لتفرغ به كل طاقتك السلبية وتريح نفسك من الأفكار " قالها سيف وهو يتنهد براحة أطلق كاسر ضحكة مجلجلة على تعليق سيف وقال بتهكم من بين ضحكاته " أنا أفكر بزوجتى او بالأحرى زوجتى السابقة التى تركتني ... لكن أنت بماذا تفكر؟! .. وما الذى يشغلك حتى يجعلك تترك زوجتك مع والدتها وتأتى معى ؟!" هز سيف برأسه بسخرية وهو يتشدق بابتسامة كاذبة يتساءل بنبرة غريبة جعلت كاسر يعقد ما بين حاجبيه " نعم ما الذى أتى بى؟! ... هل تعلم !... انت فعلا على حق ما الذى جعلنى أترك زوجتى .. وأتى معك لكى أبكى على الأطلال مثلك ... ثم نظر إليه يسأله ... هل توصلت إلى اى شئ عنها!؟ .. هل عرفت أين هى؟! " " لا " هز كاسر رأسه وتابع ساخرا محاولا إبعاد محور الحديث عن زوجته السابقة ... " يبدو ان جدك ... ربما قد ذهب إلى أخيه عزت " "هل تعتقد هذا؟! " ساله سيف بتمعن وتفكير " لا أعلم! " رد عليه كاسر بضيق نظر إليه سيف بحزن فهو يعلم أن كاسر ما زال يتألم لفقدانه قمر والانفصال عنها ... يعلم جيدا أكثر من غيره ان كاسر ما زال يحب قمر ... تزوجها رغم رفض الكثير له ... لعدة أسباب وكانت ان قمر أصغر بكثير من كاسر والأخرى لانه عرف عنه عدم جديته وأنه كان دائما شخص مستهتر كثير المشاكل لن يعتمد عليه فى إنشاء منزل او عائلة يوما ... ولكنه رغم كل هذا تزوجها رغم أنف الجميع وهى كانت متمسكة به أكثر منه .. لكن سبب تركها له بقى غامضا حتى الآن ... ... غامت ملامح سيف وهو يرى عينا صديقه التائهة... كاسر كان صديقا له منذ ان كان صغيرا رغم فارق العمر الذى بينهما ... إلا انه كان دائما يقف بجواره ولم يشعر يوما بأنه شخص منبوذ من قبله بل عامله كاخ أصغر له مثلما يعامل أخاه الأصغر حمزة ... تابع كلامه وهو يتحرك مبتعدا عن مقعده ... ألقى الزجاجة التى كان يحملها هو الآخر بإهمال وتحرك مبتعدا عنه ... وهو يقول بصوت عميق " انسى أمر قمر يا كاسر ... ستنتظر طويلا وهى لن تعود " القليل من المشاعر ظهرت على وجه كاسر ... ما ان ذكر سيف قمر وتركه وحيدا بمشاعره المتخبطة هل يستطيع نسيانها ... المرأة الوحيدة التى أحبها حقا ... المرأة الوحيدة التى شعر بأنها ملكه ... معها فقط شعر وكأنه طفل صغير وهى والدته الحنونة ووطنه الذى كان دائما يركض إليه ليحتمى به من اى شئ وكل شئ قد يزعجه ... تركته هكذا بدون سبب ... بدون ان تتكلم ... او تبرر او حتى تخبره بماذا أخطأ معها لكى تذهب ؟!... أرجع رأسه على الحائط وهو مغمض العينان يتذكر آخر شئ تكلمت فيه معه ... بعدما جلس مع جدها عزت ... ووافق أخيرا على أن يقابلها لمرة واحدة قبل أن يتم الطلاق ... تشدق بسخرية وهو يتذكر حديثه معها الذى تم من وراء الباب ... حدثته من وراء باب الغرفة التى كانت تجلس بها ... رفضت ان تواجهه وجها لوجه .. رفضت ان تتقابل اعينهما ولو للمرة الأخيرة ... فقط كلمة واحدة نطقتها ولم تقل غيرها " طلقنى " هاج وأصبح كالثور وكاد ان يكسر الباب التى تحتمى به منه وهو يضرب بقبضة يده على خشب الباب الذى تأكد من ضرباته القوية له انه تم أحكام غلقه من الداخل جيدا ... غضب وصرخ بالرفض ولكنها ترجته بطريقة ألمت قلبه وهو يستمع لشهقاتها المتلاحقة ... يعلم انه أخطأ بفعلته معها عندما أخذ حقوقه الزوجية منها بطريقة هو نفسه كره نفسه بسببها ... لكن ماذا يفعل هى من اضطرته لهذا؟! ... وهى كان يجب عليها ان تتحمله ... لا أن تتركه مع أول خطأ حدث بينهما ... لماذا لا تسامحه لهذا الخطأ؟! ... وهو ألم يسامحها رغم أنها قامت بقتل ابنه الذى أنتظره طويلا كسرت قلبه ... غضبه أحرق كل شى حوله هدم حصون هدوءه... وحطمها معه ... كلماتها التى كسرت ظهره و كانت كالسكين التى غرست فى قلبه ... وهى تقول بكل أنانية وبرود " أنا لم أحبك يوما يا كاسر ... زواجى منك كان فقط مجرد طوق نجاة حتى يخرجنى من هذا المنزل ... حتى أستطيع أن اكون حرة بعيدة عن سيطرة وتحكمات والدى ... وعالم والدتى الضعيف ... أردت أن أكون قوية معك ولكنك اضعفتنى والمتنى... اخبرتنى بطريقتك ان أحلامي الوردية التى تمنيتها لن أصل إليها ابدا وأنها مجرد وهم وأحلام سخيفة ... هراء ...كل شئ هراء ... كل ما تمنيته هراء ... كل ما حلمت به معك هراء ... حتى وعدك لى كسرته ... عشت معك ... وكل يوم تثبت لى انك نسخة مصغرة منه ... انك مثله وأنا لن أستطيع العيش مع شخص مثل والدى ... لأننى لن أكون والدتى ... لن أكون ضعيفة ... هل فهمت انا لن أكون ضعيفة ... لذا طلقنى ... وابتعد عنى.. طلقنى " شعر بسقوطها منهارة على ارضية الغرفة ... تمنى كسر هذا الباب وضمها إلى صدره حتى يخبرها ... انه أحمق ... أخطأ وهى يجب ان تسامحه ... فهمس بصوت مختنق وهو يرجوها " سامحينى " نطقت بصوت محطم ضعيف من بين شهقاتها "لا أستطيع ... طلقنى " "انتى طالق " كبرياءه اللعين منعه من التذلل لها أكثر حتى تسامحه ... حقق طلبها بقلب يبكى ألما ... وهو يستمع لشهقاتها التى حاولت كتمها... وقالت بقوة هو حتى لا يعلم كيف وصلت إليها " بالثلاثة " " لا أستطيع ... لا أستطيع ... اتركى لى حبل واحد يمكنى من الوصول إليك مرة أخرى " قال كلمته وتركها ... فى نفس اليوم وقع أوراق الطلاق بعد ان أصر ان يعطيها كل حقوقها التى هى نفسها رفضتها ... ومن يومها وهو لم يعلم عنها شى ... دمعة واحدة خائنة نزلت من عيناه مسحها بقوة ... فهو لن يستسلم ... وسيظل يبحث عنها ... سيبحث حتى لو اضطر ان يجوب هذا العالم ... سيبحث حتى يجدها وحينها لن يتركها ابدا ولن يمنعها أحدا منه ... مهما كانت الطريقة والثمن ... أمسك بقبضة مشددة بمضربه وتحرك يكمل ما بدأه ... فهو لا يريد العودة إلى منزله البارد الآن الذى لا يذكره إلا بها ... بعد ان ضغط على زر التشغيل بالمسجل الصغير يستمع إلى أغنيته المفضلة التى لا تعبر إلا عن شوقه لها ... سمراءه التى تركته متخبط بمشاعره لها ... اه يا اسمرانى اللون حبيبى يا الاسمرانى ... يا عيونى نسيانى عيون ..حبيبى الاسمرانى آه..تحت الرمش عتاب وحنين..وعذاب وعيون ما تنام آه.. دوقت معاك طعم الأيام .. والوقت تغيب ياسلام جونى سألوني ... جاوبتهم عنى دموع عينى علشانك امشيها بلاد ... حبيبى يا اسمرانى من غير ولا مياه ولا زاد ...يا حبيبى يا اسمرانى آه... يا اسمرانى اللون ... حبيبى الاسمرانى آه... ياللى عيونك شمعة وضحكة وبحر ونسمة صيف آه... أنت رسيت وأنا وسط الشوق حيران من غير مجاديف جونى ... و سالونى ...جاوبتهم عنى دموع عينى يا طير يا مسافر لبعيد روح قول للاسمرانى ليه سافر ونسى المواعيد يا حبيبى يا اسمرانى آه.. يا اسمرانى اللون ... حبيبى يا الاسمرانى
اقترب منها بخطوات مدروسة وهو يراقب جسدها المتصلب و يديها التى تشتد قبضتها ...ركضت حيث غرفتهما مع خروج آخر شخص من المدعوين ... يعلم انها فى أوج غضبها وأن ما رأته اليوم لن يمر بسهولة ... ولكنه يجب عليه ان يمر ... دنا منها حتى وقف خلفها مباشرة وهو يشعر بتنفسها المضطرب ... قرب يده وما ان لامست أصابعه ذراعيها حتى ابتعدت عنه كالمصعوقة ونظرت إليه نظرة احرقت قلبه ... نظرة خوف ... " نورا...!" همس بها برجاء لكنها ابتعدت عنه أكثر وهى تنظر إليه بحذر وخوف ... قال بصوت هادئ يحاول إبعاد تلك النظرة عن عيناها " نورا ... ما حدث اننى فقط ..." " ما حدث إننى أصبحت أخاف منك !... ما حدث إننى لم أعد أعرفك! ... من تكون ؟!... لماذا كل فترة اعرف عنك شيئا مختلفا عن سابقه؟! ... هتفت بها نورا وهى تتراجع للخلف مع كل جملة تقولها وعيناها تهتزان رعبا ... اقترب منها محاولا تهدءتها حتى يستطيع الحديث معها ولكنها صرخت بقوة وهى تبكى بحرقة " لماذاااا ؟!... لماذا تفعل أشياء تجعلنى اخافك! ... لماذا تثبت لى إننى دائما على صواب فيما أشعر به واحساسى بعدم الأمان نحوك !؟... أصبحت اخافك! ... قالتها وهى تضع يديها على ذراعيها وهى تنظر إليه بحيرة تحاول البحث فى وجهه عن اى شى .. اى شى يجعلها تشعر بالأمان .. لكنها لم تجد غير نظراته الصلبة التى يحاول جعلها لطيفة ولينة معها ... ولكنه مهما فعل سيظل ... مراد السيوفى ... الرجل الذى رغم عشقها له إلا أنها تخافه ... سلطته وهالته... عدم وجود أحد يستطيع الوقوف أمامه يجعلها ضعيفة خائفة... اتخذت قرارها منذ بداية فترة زواجهما أمر الانفصال عنه ولكنها لم تستطع ... كبلها ... وارغمها على البقاء معه ... تحملت .. تحملت فقط من أجل حازم ... وشعرت ببعض الراحة ما ان أقسم لها أنه سيبدأ من جديد معها ... لكن المحامى النذل ما زال يسكنه ... سيظل كما هو لن يتغير ... الكذب والخداع والمؤامرات ما زالت فى دماءه... لن تختفى إلا باختفاءه ... بلع ريقه .. وأخذ نفسا عميقا وقال بثبات ولم يطرف له جفن ... " ما الذى فعلته؟! ... أمر روز وياسين لا شأن لكى بهما ... وكل ما حدث من أمر وفاة روز وأخذ نور من والدتها كلها كان بتعلمات من ياسين ... نحن لم نقل له ... حتى لو ... هتف بها بصوتا عالى ... حتى لو نحن الذين اقترحنا عليه هذا ... لماذا انتى منزعجة ... لا شأن لكى بما يحدث ... هل فهمتى " عيناها اهتزتا مقلتيها وهى تنظر إليه مشدوهة ... وقالت بصوت متحشرج عالى ومتقطع بسبب رجفة جسدها التى لم تستطع التحكم بها " نعم ... لا شأن لى .. أخذ طفلة وحرمانها من والدتها ليست جريمة لكى أتحدث ... انها مجرد خطة من خطط زوجى أمير الدهاء ... قالتها بسخرية جعلته ينظر اليها بوحشية ... تابعت ... تابعت بقوة أكثر وكأنها كانت تنتظر كل هذا ان يحدث ... " مراد يجب ان ننفصل " " بمعنى " سألها وعيناه تلتمع غضبا ردت بثبات وقوة " بمعنى طلقنى ... انا لم أتحمل كل ما مضى إلا من أجل حازم فقط .. وأبنى كبر وتزوج إذا لا داعى من استمرارنا هكذا ... فى ثانية كان يقبض على ذراعيها بقوة وهو يصتك على اسنانه ...وينظر إليها لتصمت ولكنها لم تفعل ولن تفعل ... " بينى وبينك شرخ كبير ... منذ اليوم الذى استمعت فيه إلى والدتك وتزوجت ... تزوجت من دون علمى ... و أتيت إلى المكان الذى اعتقدت انه جنتى ومملكتى انا فقط ... مع زوجتك ... بعد ان كنت ترى معاملة والدتك لى وتصمت ... بعد ان كنت أرى احتقار الجميع ... لأننى غير مناسبة للمحامى الكبير مراد السيوفى ... بعد ان كنت أرى صديقتى الوحيدة تسقط أوراقها وتذبل بسبب ترك سليم لها لمجرد انها أرادت أن تكون ام ...بدلا من ان يكون بجوارها ويساندها تركها .. تركها وهى ماتت حتى لم يلتفت إلى طفله ... وعندما أرى تعاونكم أنتم الأربعة عندما تضعون فقط أحد ما براسكم... تسحقوه بأقدامكم وكأنه ليس بشرا ... وعندما أدخلت الرجل الذى فكر فى الزواج بى فقط الى السجن لتتزوجنى ... والآن عندما وجدت وعرفت كم أنا اكرهكم أنتم الأربعة " تركها وهو ينظر اليها بذهول " كل هذا فى قلبك يا نورا " " نعم " صرخت ثم تابعت وعيناها حمراء من البكاء ومن أوج غضبها "تعلم إننى لم أكن أحبك ... من أجل ابنى فقط تحملت ورضيت من أجل حازم فقط قبلت بكل شئ " " كاذبة ... كاذبة يا نورا انتى لم تحبى رجلا مثلما احببتى مراد ... انه والد ابنك الوحيد هل يوجد أفضل من هذا ... لكنه كاذب ... دهاءه وذكاءه أصبح يخيفنى... ما زال ماضيه وما فعله سابقا يطاردها يمنعها السلام ... فيتسرب الخوف والرعب إليها ... تخافه .. تهابه... رغم أنها تحبه .. إلا أنها تخافه ..." حدثت نورا نفسها بذلك وهى تغلق عيناها بقوة ودموعها تسقط على وجنتيها تحرقهما... " لن اطلقك" همس باختناق ثم تابع بتبرير يحاول أن يفهمها كل ما فعله ... " لماذا تظلين تتحدثين عن الماضى زواجى السابق تعلمين سببه .. أما بما حدث بين فيروز وسليم انا لا شأن لى به ... وما فعله ياسين وأخذه لابنته فأنا لست مضطرا لكى أخبرك عن السبب ...قالها بثبات ... ثم تابع ببرود ... أما طلاق فلن أطلق يا نورا ... لا شئ سيفصلنى عنك غير الموت " هتف بها وخرج ... وهى تركت العنان أكثر لدموعها ...
وقفت بجسد واهن فى وسط الجناح ما ان دلفا إليه وراسها منخفض تستمع برعب إلى صوت تنفسه من شدة الصمت والسكون بينهما ... نظر حازم إليها للحظات ... ثم همس بخفوت " يمكنك ان تجلسى علينا أن نتحدث " ثبتت فى مكانها للحظات لكنها سرعان ما جلست على الأريكة التى كانت خلفها مباشرة ... وكان سماحه لها بالجلوس أتى مناسبا فهى لا تكاد تشعر بقدميها وتقسم بانها ربما تسقط على الأرض فى اى وقت ... جلست وهى تفرك يديها بتوتر واضح وضيق جلى على وجهها العابس و الخائف فى آن واحد تحارب رغبة قوية لديها فى إغماض عيناها والهروب من ما هى به الآن ... تنهد بخفوت وحاول أن يزدرد ريقه وهو يراقب حسنها أمامه ... الفستان الأبيض الذى علم من والدته انها صمتت على اختياره هكذا رغم رفض الجميع و دهشتهم لاختيار ثوب كهذا عكس الذى تتمناه اى عروس ... هو ليس سيءا ولكنه ليس بالروعة ... ابيض كحال اى فساتين الزفاف ... ولكنه خالى من اى شى قد يجعله لامعا... يشبه ربما فساتين الزفاف التى كان يشاهدها فى الأفلام القديمة ... فستان بحملات عريضة على الكتفان ... قصير إلى ما بعد الركبة... ضيق و ملتف حول جسدها وكأنه جلد ثان لها ... لولا قماش الثوب الثقيل نوعا ما لكان أظهر الكثير ... بالإضافة إلى قطعة القماش الطويلة المخرمة التى تلتف حول خصرها مفتوحة من الإمام ... ومن الخلف تشبه الذيل بسبب طولها وافتراشها الأرض ... هل صح بوصفه لهذا الثوب ام انه مخطئ ... تساءل حازم فى نفسه ... ضيق عيناه وهو لا يعلم من أين وكيف يبدأ الحديث معها ... هل يؤدى دوره فى هذا اليوم وينهى الأمر؟!... ام ينتظر! ... لا يعلم ماذا يفعل؟! ... لو كان تحدث معها قبل الزفاف لكان أفضل ... تبا ... تبا ... هتف بها فى نفسه ... وهو يشعر بالحيرة والتساؤل ... لأول مرة يشعر بأنه فى مأزق لا يعرف كيف يخرج منه ... او كيف يتصرف ... تنهد بضعف وهو يمرر يديه على وجهه يحاول تجميع كلمات مناسبة ... شعر بتصلبها المبالغ به أثناء جلوسها ... جلست وكأنها تمثال للشمع لم تتحرك مطلقا ... فقط ضمت قدميها الممشوقة... ووضعت يديها اللتان تقبضانهما ببعضهما بتوتر فى حجرها ... جلس بجوارها على بعد مسافة بينهما وقال بنبرة حاول عدم إخراجها مضطربة " ما رأيك ان تذهبى وتبدلى هذا الفستان أولا " اقترح همت من وقفتها بسرعة وبخطوات حاولت جعلها ثابتة تحركت ... اقتربت من الغرفة التى عرفت بحدسها انها غرفة النوم ... وما كادت تضع يديها على المقبض حتى لم تعد تشعر بنفسها أكثر وقدميها تحولتا لهلام ... ابتسمت بخفوت وهى ترحب بتلك الغمامة التى اجتاحت رأسها ... وسقطت مغشيا عليها ... ركض نحوها وجثى بركتيه إليها برعب وهو ينظر إلى ملامحها الشاحبة ... " تبا .." صرخ بها حازم وهو يحملها ويسب ببعض الألفاظ التى خرجت دون قصدا منه ...
دلف إلى غرفة النوم بخطى متعبة خالعا سترة بذلته .. أنار الأضواء ... بحث بعيناه عنها فى أنحاء الغرفة لكنه وجدها خالية منها ... ضيق ما بين حاجبيه ... دلف إلى الحمام مباشرة لكنه وجده خاليا أيضا ... اجفل عندما سمع صوت هاتفه يرن ... أخرجه من جيبه ... فتحه وهو يقراء محتوى الرسالة التى وصلت إليها بوجه محتقن " آسفة ... والدتى مرضة فجأة وأنا معها الآن " " حسنا ساتى لاخذك حالا " أرسلها ... ولم ينتظر ردها وخرج من الغرفة بخطى سريعة متعجلة... وقف بسيارته أمام منزل عمته ... وما ان ترجل منها حتى أرسل لها رسالة مختصرة ... " اخرجى انا أمام المنزل " وقف وهو يستند باحدى يديه على مقدمة السيارة ...لمحها وهى تخرج من المنزل ببيجامة النوم وواضعة على كتفيها شال من الصوف كبير ... حدق بها لثوانى ... وهو يلاحظ شحوب وجهها وعيناها المتعبة ... " كيف حال عمتى؟!... هل أصبحت أفصل! " سألها سيف ... " بخير " أجابت بخفوت ضيق ما بين عيناه وهو يراقب محاولتها حتى تبعد عيناها من النظر إليه وكأنها تحاول إخفاء شئ ... فقال مستغربا " هل بها شى ؟!" " لا .. لا ..انها فقط تحتاج للراحة لعدة ايام ... قالتها اروى ثم صمتت قليلا قائلة بخفوت ... وكما تعلم انا ابنتها الوحيدة ... ولا يجب ان أتركها ... لذا سأبقى معها حتى تشفى تماما ..." " إلى متى؟@ " سألها وهو يرفع أحد حاجبيه " لعدة ايام فقط " قالتها بسرعة حدق بها بقوة وهو يشعر بشئ غريب بها ...وكأنها تخفى شيئا... او ربما زوجته كاذبة ... تكذب عليه .. لكن لماذا قد تكذب؟ ... نظر إليها بتمعن ... وهو يراقب توترها وحركة يديها التى تعبر عن ارتباكها... تنهد بقوة وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعره البنية بنفاذ صبر ... وقال بهدوء رغم ضيقه " ادخلى يا اروى ... وعندما تريدين العودة انتى تعريفين جيدا عنوان منزلك " قالها وهو ينظر اليها بحدة ... رفعت رأسها بسرعة نحوه ...ناظرة إليه تستجديه ان يستمع إليها بعد نبرته تلك التى تعبر عن نفاذ صبره " سيف ... انا .. فقط .." قاطعها بسرعة بنبرة متزنة تحمل بعضا من العصيبة " انتى لا تعرفين الكذب ... لقد أصبحت أعرفك أكثر مما تعرفين انتى نفسك ... ادخلى يا اروى .. عدة ايام فقط .. وساتى لاخذك .. ربما انتى حقا بحاجة إليهم ... ولكن بعدها انا لن أسمح بصمتك ... يجب ان اعرف كل شى .. هل فهمتى " " سيف .. فقط " قالتها برجاء ولكنه قاطعها مرة أخرى قائلا بتبرة لا تحمل الجدال تعبر عن غضبه " ادخلى يا اروى .. الجو بارد ... اذهبى ... حتى أستطيع الذهاب انا أيضا " نظرت إليه بأعين دامعة لكنه تجاهلها ... وأعطاها ظهره ... فابتعدت عنه بخطوات بطيئة للغاية ... وما ان كادت تقترب من باب المنزل حتى استدار بجسده ينظر إليه بخيبة كبيرة ... وفمه يتشدق بابتسامة ساخرة " يبدو أن عائلة السيوفى بأكملها لديها عادة الهرب ... لكننى لن أسمح لك .. لقد اصبحتى منى وانتهى الأمر ... عدة ايام فقط وسأعود ..." ما ان دلفت إلى غرفتها حتى تهاوت على السرير وهى تلتف بذراعيها حول كتفيها ... وهى تبكى بقوة وجسدها يهتز من شهقاتها المتتالية ... هل أخطأت بقرارها بالابتعاد لعدة ايام فقط ... حتى تستطيع ان تجمع شتات نفسها ... و ترتب كلماتها ... رغم اهتمامه بها إلا انها ما زالت لا تشعر بحبه ... ما زال كما هو ... خائفة من ان يكون بقائها معه مجرد ورقة حتى يستطيع الوصول إلى ما يريده ... أفكارها تكاد تسلبها عقلها من التفكير ... انزلقت بجسدها تحت الغطاء وهى ترتجف من البرد ... وقف لدقائق وهو ينظر إلى نافذة غرفتها وما ان وجد ان الأنوار أغلقت حتى صعد لسيارته ... منطلقا بسرعة أحدثت سحابة من الغبار خلفه ... دلف عادل إلى غرفته وهو يفك ربطة عنقه بتافف واختناق وعيناه شبه مغمضة ... لقد كان هذا اليوم اسطوريا بحق اولا بحضور روز المفاجئ الذى لم يتوقعه ولا واحدا منهم ... وفوق كل هذا معرفة نورا بأنها ما زالت على قيد الحياة ولم تمت وان ما قالوه للجميع كانت مجرد أكاذيب ... بالتأكيد ستقوم بحرقنا نحن الأربعة قريبا ... بعد ان كانت تنظر إلينا بكره وكأننا عصابة او مجموعة من مصاصين الدماء ... تمتص دماء البشر ... ألم تنعتنا بالفعل روز بهذا .. عصابة حمتها ابنتها ... لن يبرر أخطائهم ولكنه أيضا لن يقول أنهم أخطأوا ... احيانا كثيرة كانت بعض المشاكل التى يواجهوها كانت تحتاج منهم إلى الدهاء وربما أيضا بعض المكر والقسوة ... لكنهم تعهدوا الا يفعلوا اى شى قد يؤذى من حولهم منذ ان عاد سليم ... وعادوا جميعا بنور ... خلع سترته والقاها بإهمال على كرسى الزينة .. وما ان دار بجسده حتى فزع ... وهو يجد زوجته فريدة تجلس على السرير مستندة بظهرها على ظهر السرير ... وتجلس وكأنها كانت بانتظاره... " ما هذا يا فريدة ما زلتى مستيقظة !؟... لماذا لم تقولى شيئا لقد فزعت من جلستك؟! " رفعت إحدى حاجبيها وقالت بهدوء " أنت من كنت شاردا ماذا بك ؟!... بماذا تفكر؟ " سألته بمكر حدق بها من خلف نظارته الطبية وهو ينظر اليها بتفحص فهو يشعر بأن جلوسها هذا وراءه شئ .. فقال محاولا تغير الموضوع "لقد رأيت سيارة زوجة ابنتك بالخارج ... ويبدو وكأنه منزعج " " ربما لأن اروى أخبرته انها ستبقى هنا لعدة ايام " ردت بنفس هدوءها " هل تشاجرا؟!" سألها " لا ...لا أعتقد هذا " إجابته بخفوت رغم أنها تشعر ببعض التوتر بين ابنتها وزوجها ... لكنها ستدع أمر اروى الآن وغدا ستتصرف ... والآن يجب عليها ان تعلم بشئ سيمنعها النوم ان لم تتوصل إليه " لقد رأيت روز " قالتها بسرعة التفتت إليها وهو يبلع ريقها بتوتر سرعان ما اخفاه ... وقال بنبرة متزنة وهو يضحك بسخرية .. " نعم رأيتها ... ربما فى أحلامك ... نامى يا فريدة لكى تستيقظى وتتحدثى مع ابنتك فربما كان بينها وبين زوجها شيئا مهما.. صمت ثم تابع بتركيز ... ام أخبرك ..اذهبى إليها الآن " همت من السرير غاضبة وهى تهتفت بحدة " عادل .. لا تحاول تغير الموضوع ...أخبرك لقد رأيت روز بأم عينى كما أراك الآن " ضحك بخفوت وقال بنفس السخرية ...مما ازعجتها "نعم ... لماذا لم تتحدثى إليها إذا ؟!" " لقد كانت تمشى بسرعة ... ثم تابعت بهدوء ... روز لم تمت صحيح " نظر إلى عيناها لثوانى ثم قال باتزان وهو يدلف إلى الحمام ... " نامى يا فريدة انا متعب " حدقت بظهره وهى تهتف بأعين متسعة " أقسم إننى رأيتها ... انها هى .. انا لم أكن أحلم " ظلت ترددها وهى تجلس على السرير ... إلى أن خرج عادل من الحمام ... وهو يظهر مدى تعبه ... وانزلق تحت الغطاء بسرعة ... ونام بعد أن طبع قبلة على جبهتها... وهو ما زال يرى جلوسها وشرودها. .. متمنيا ان يغط فى نومه بسرعة ... ويخرج من حلقة تسالتها لليوم فهو غير قادر على مواجهة غضبها او التحدث معها فى اى شى فى هذه اللحظة ... تنهدت بضعف وأغلقت إضاءة المصباح الصغير بجوارها على الكومود... وهى تعتزم على معرفة كل شئ
ينفث من سيجارته مرة ثم الثانية ... ثم لم يعد يحتمل أكثر والقاها على الأرض بتململ و ضغط عليها بقدميه ...شعر ببرودة الطقس الشديدة لهذا اليوم ... وتنهد بضعف وهو يتذكر كل حركاتها المغرية وهى تسير ذهابا وعودة امامه طوال فترة الحفل ... التى تكاد تجعله يهيم كالمجنون فى الطرقات وافعالها التى تجعله على وشك شد شعره ... حبيبته مدللة وطفلة .. وتحتاج إلى التأديب ...نعم ... حدث مالك نفسه بذلك وهو يهم واقفا مبتعدا عن كرسيه ... عازما على الصعود إليها وحينها فليحدث ما يحدث ... فهو لا يستطيع مخاصمتها او الإدعاء بالانزعاج والغضب منها أكثر من هذا ... سيذهب ... نعم سيذهب .. ويجب أن يحصل منها على اعترافها بحبها له اليوم مهما كان الثمن والطريقة وهو يعرف جيدا ما هى الطريقة ... صعد درجات السلم بسرعة ووقف أمام الغرفة وما كاد يدير المقبض ... واحدة ثم اثنان ... ومع محاولاته المتكررة وجد الباب يرفض ان يفتح ... ظل يديره بغضب ... حتى وجد صوتها يخرج ناعما وهى تسأل بدلال مقصود " من؟!" تشدق بسخرية ... وكأنها لا تعلم من هو " افتحى يا ريم انا مالك " " مالك من ؟!.." قالتها بادعاء كاذب وهى تحاول استفزازه... لكنه حافظ على رباطة جاشه ...وقال بهدوء " افتحى يا ريم ... كفاكى أفعالا صبيانية انا متعب واحتاج إلى النوم " " لماذا أين كنت ؟!.. سألته لكنها سرعان ما قالت ببراءة " آه لقد كنت مع هؤلاء القبيحات ... فلتذهب إلى واحدة منهن ... بالتأكيد منازلهن مفتوحة لأجلك فى اى وقت ومهما كانت الساعة " " ريم ... افتحى .. وكفاكى... غيرتك هذه غير مقبولة انا لم أكن مع أحد " هتف بها بحدة وقد نفذ صبره منها ومن أفعالها ... " لا ..." قالتها وهو يستمع لصوت خطواتها التى تبتعد عن باب الغرفة ... شدد من قبضته ثم ضربها بقوة على الباب ... مما جعلها تجفل فى مكانها ... " حسنا انتى من بداتى " همس بها مالك من بين اسنانه دلفت إلى الحمام وفمها يتشدق بابتسامة واسعة ... فهى ستحقق انتقامها منه لتجاهله لها طوال اليوم .. بالإضافة لرؤيتها لهؤلاء الفتيات حوله وكأنه شهرايار وهن جواريه ... طوال الحفل كانت تراقبه من بعيد وهى تكاد تميد من الغيظ .. لولا انها حافظت على الجزء المتبقى من عقلها لركضة إلى هولاء القبيحات وكانت شوهت وجه كل واحدة منهن باظافرها... لكنها ستنتقم منه هو فقط ... وهذا بالنسبة لها خير انتقام ... ستجعله هكذا عدة ايام ... حتى يعرف من هى ريم .. وبعدها ستفكر ان كانت ستسامحه ام لا ... وما زاد غيظها هو عودتها مع والدته ... بدلا من ان يعودا لكنه رحل بسيارته أولا ... وعندما عادت لم تجده ... فازداد قلبها اشتعالا ...وهى تفكر انه قد ذهب مع إحداهن ... خرجت من الحمام ...وهى ملتفة بمنشفة قطنية حول جسدها الأبيض ... وهى تتحرك بخلاء وغنج ... وتمتم باغنيتها المفضلة وتلحنها بدلال ... " إللى شوفته قبل ما تشوفك عنيا عمرى ضايع ... يحسبوه ازاى عليا ... إللى شوفته ... " " الله عليك يا سيدتى الجميلة " اجفلت عندما استمعت إلى الصوت الاتى من خلفها ... التفتت وصعقت عندما وجدت مالك جالسا على السرير بكل أريحية ... وضعت يديها بسرعة حول خصرها غير ملاحظة لتلك المنشفة التى تلتف على جسدها كاشفة الكثير منه ... وقالت بحدة " كيف دخلت؟! .. كيف تجرؤ على الدخول هكذا! " ضحك بسخرية وهو يصفق بيديه بقوة ... " نكتة رائعة... سيدتى... لكنها غرفتى " فضربت بقدميها على الأرض بقوة وهى ما تزال واضعة يديها حول خصرها " تبا لك ... كيف دخلت " تحرك مبتعدا عن السرير و بدأ فى فك أزرار قميصه ...قائلا وهو يقترب منها بخطوات مدروسة وهادئة للغاية " أخبرك بمكانى السرى الذى ادخل منه وحينها ستمنعينى من الدخول ... لا هذا ليس عدلا ... إلا إذا ... صمت وهو ينظر اليها بمكر ... ففرغت فاها وسألته ببلاهة.. " إلا إذا ماذا؟! " فتابع وعيناه تلتمع مكرا وهو ينظر لكتفيها العاريان وشعرها الاحمر الهائج باغراء " إلا إذا قمتى برشوتى... قالها وهو يقترب منها للغاية لكنها وضعت يديها حاجزا بينهما ... فتابع بهمس أكثر ... أقبل بجميع الرشاوى أيا كانت ... ربما ... قالها ثم صمت وهو يحدق ب المرآة التى خلفها ... وعيناه تتسع ذهولا ... فعقدت حاجبيها بقوة وسألته بسرعة تحثه على المتابعة ... " ماذا ؟!..." " هناك " قالها ثم صمت وعيناه ما زالت متسعة ... " ماذا هناك ؟!" هتفت بها بنفاذ صبر " لا ... لا تتحركى... هناك ... هناك .. شيئا اسود على كتفك " قالها وهو يبلع ريقه بتوتر وخوف ظهر جلى على وجهه ... فارتبكت وتسرب إليها هى الاخرى وهى تراقب عيناه المحدقة للمرآة ... " ما هو؟! " " انه شى ... اسود وكبير ... إياك ان تتحركى .. حتى ابعده عنك " " لكننى لا أشعر بشئ " " انه ...لا يتحرك ... ابقى فقط حتى ابعده " " حسنا " قالتها بسرعة فوضع يده على كتفها وهى تغلق عيناها بقوة تشعر بلمسات يديه التى وصلت إلى ظهرها ... انتظرت وانتظرت ... حتى قالت بنفاذ صبر ... " هل ابعدته ؟!" " انتظرى فقط انه يتحرك إلى أسفل ظهرك ... لا تتحركى " حثها بنبرة ناعمة شعرت بأنفاسه عند رقبتها ... و قبلته التى طبعها على كتفها ... جعلتها تنتفض من مكانها و موجهة نظرة حارقة إليه قائلة بغضب " كاذب ... لقد كنت تخدعنى " احتقنت ملامحه وقال بهدوء " انا لا أكذب هناك فعلا شيئا اسود اللون عند أعلى ظهرك " دارت براسها محاولة ان تنظر أعلى كتفيها لعلها ترى ما يقصد ... حتى وضعت يديها بسرعة على وجهها من الخجل قائلة بهمس ... ما أن تذكرت الرسمة التى رسمتها على ظهرها ليلة أمس ... " هل رايتها؟! " ضحك بقوة من خجلها ... " نعم ...جميلة ... " قالها باغراء ...ثم تابع ... " هل هى لى؟! " أحمر وجهها خجلا ... وهى تتذكر مصيبتها الأكبر المنشفة التى تكاد لا تغطى شيئا ونظراته السابقة لها ... فلتنشق الأرض .. دعت فى نفسها ... نعم فلتختفى او فلتقع ويغمى عليها حتى تستطيع الهرب من نظراته ... دنا منها ... حتى حاوط جسدها بذراعيه... قائلا بصوتا اذابها " هل هذا من أجل مصالحتى... أخبرك لقد فزتى انا دائما خاسرا أمامك ... لا أستطيع أن اهزمك سحرك هو نقطة ضعفى...أحبك " همس بها بصوت أشبع غرورها... لكنها قالت بدلال وهى تخفض رأسها التى لامست صدره " لا انا لن اصالحك... اذهب إلى هولاء الحمقاوات ... أنهن حتى لسنا جميلات ... أذهب إليهن ألم تقضى معهن الوقت بأكمله ... إذا اذهب إليهن " ضحك بخفوت وهو يراقب غيرتها الجلية على وجهها لكنه بالتأكيد لن يخبرها بغيرتها تلك لانه يعلم انها ستكابر وتنكر غيرتها ... فهمس بنعومة واغراء " وهل يوجد من هن أجمل منك؟! .. انتى فقط ولا أحد غيرك .. يستطيع أن يملئ عيناى هاتان .. انتى فقط " وتبع كلامه وهو يلتقط شفتيها ويعانقها بحنان جعلتها تذوب بين يديه ... تخبره انه هو فقط ولا يوجد غيره من يستطيع ان يجعلها طفلة صغيرة بين يديه ... تحتمى بصدره هو فقط ... كما هى فقط من تستطيع ان تملئ عيناه ...
تسللت أشعة الشمس الذهبية إلى غرفة النوم فى الفندق الذى قضى به ليلته يراقبها وهى ما زالت نائمة وكأنها اتخذت من هذا النوم مكانا للهرب منه ومن العالم ... لم تفتح عيناها منذ ان سقطت مغشيا عليها ... حاول أن يجعلها تفيق لكنه فشل ... فسارع بسرعة بطلب الطبيب ... الذى أخبره انه مجرد إرهاق ... وتحتاج فقط إلى الراحة والنوم ... وأخبره انه من الأفضل أن يحاول أن يرفه عنها قليلا ... استمع حازم إلى كلمات الطبيب بانصات شديد واهتمام ... تنهد بضعف وهو يقف يراقب حركة صدرها التى تعلو وتنخفض ... رفرفت بجفونها... وهى تحاول أن تستوعب مكان تواجدها ... تدعو فى نفسها ان يكون كل ما حدث لها مجرد حلم وهى اخيرا استفاقت منه ... لكنها وجدت رجل واقفا بثبات ومرتديا بذلة سوداء ... انتقلت عيناها إلى وجهه ... وصدمتها نظرته وعيناه السوداء المحدقة بها ... وحينها تذكرت ان كل ما حدث لم يكن حلما ... بل هى فى الحقيقة ... و المسمى زوجها يقف بجسده أمامها ... " هل انتى بخير؟! " سألها بنبرة ناعمة ... ناعمة للغاية وبها بعض القلق ... بلعت ريقها وظلت تنظر إليه لثوانى حتى استطاعت تحريك لسانها وشفتيها اخيرا وقالت بهمس وتعب " نعم .. انا ..و " قاطعها بنظراته ثم دار بجسده ناظرا إلى النافذة التى خلفه ... محاولا الابتعاد عن نظراتها ... " نور .. ما حدث البارحة انسيه... و يجب ان تعلمى شيئا واحدا .. انا على علم بأن هذا الزواج كان ضغطا عليكى ... صمت للحظات ثم تابع ببرود ... وأنا لن اضغط عليكى بالمقابل .. لن تكونى زوجتى إلا عندما تريدين انتى ذلك ... الزواج أتى مفاجأة لكى انا أعلم ... و لن تكون بين يدى أى امرأة لا ترغب بى ... انا وانتى لا نعرف بعضنا بشكل كافا إذا فلنعطى لكل منا فرصة لكى تعرفينى واعرفك جيدا ... وحينها تستطيعين البقاء او تستطيعين الرحيل ... نظرت إلى ظهره مشدوهة وهى تستمع إلى كلماته حتى التفت اليها وتابع وهو ينظر اليها باهتمام ... ومقابل هذا انا لا أريدك إلا أن تكونى بخير ..." نطق بكلماته وخرج من الغرفة وهى تنظر إلى أثره مشدوهة مما سمعت الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل لـ شيماء محمد الفصل 30 ( النهاية )
رواية عندما يعشق الرجل لشيماء محمد الفصل الثلاثون ( النهاية )
وقفت أمام نافذتها الصغيرة تراقب باستمتاع وابتسامة عذبة تزين وجهها مجموعة من الأطفال ما بين السادسة والعاشرة من العمر ... وهم يمررون الكرة الصغيرة المهترئة بينهم ... بينما هناك على بعد منهم صبى فى عمر التاسعة واقفا على وضع الاستعداد لصد الكرة إذا حاولت الاقتراب من مرماه وعيناه الحازمة تتابع تحرك الكرة بين أقدام اللاعبين الصغار ...
حتى حانت اللحظة اخيرا واستطاع أحد الأطفال التحكم والإمساك بالكرة بقدميه وهو يتحرك بين باقى الأطفال حتى وصل بعد عناء إلى المرمى ... وهناك قام بضرب كرته... التى لم تكن بالقوة المطلوبة و استطاع حارس المرمى الصغير الدفاع عن مرماه وعيناه تلمع فخرا وسعادة ما ان امسكها بيديه ... بينما الآخر اعتلى وجهه العبوس والكدر ... الذى رفع يديه إلى شعره ومررها عليه وهو يكاد يقتلعه ثم هتف بصوتا عالى عابس " لن ألعب " فتجمع حوله أصدقاءه واحدهما يقول بنبرة منزعجة " ماذا هناك؟! ... لماذا دائما تفعل هذا إجعلنا؟ نستمتع باللعب يا محمود ... لماذا دائما تعبس ما ان يتمكن زياد من صد كرتك ؟!" " أنا لا أحزن احذر من كلماتك ... انا سأذهب " قال كلماته وتحرك وما ان كاد يتحرك المدعو محمود ... حتى اوقفه حارس المرمى الصغيربسرعة قائلا بحزن وعيناه نحو الارض عكس نظرته الحازمة منذ قليل ... " محمود ان كنت منزعجا يمكننى أن اجعلك تدخل كرتك ولن اصدها" ولكن محمود كان أكثر من متكبر ونظر إليهم بتعالى وتحرك مبتعدا عنهم غير مهتما لأى من كلمات أصدقاءه الآخرين ... بعد ان قال بتعجرف زائد " أنتم مجرد أطفال انا لن ألعب معكم مرة أخرى " تنهدت دينا وظهر الحزن جلى على وجهها من تصرفات ذلك الصغير ...الذى لا يبدو أن لديه اى روح رياضية كما يقولون ...بل انه أكثر من متعالى على أصدقاءه ... منذ عدة ايام وهى تراقب لعب هؤلاء الأطفال كل يوم وفى نفس المكان والموعد... يتجمعوا ثم ينتهى الأمر بانزعاج وعبوس ذلك الصغير المدعو محمود ما ان يستطيع حارس المرمى الصغير التصدى لكرته... حتى يخبرهم انه لن يلعب ... و يحومون هم حوله حتى يحاول كل منهم إقناعه باللعب معهم مرة أخرى فيقابل هو الحاحهم بالرفض بمنتهى التكبر والغرور ... ثم يتركهم ويذهب ... تراقبهم حتى ينتهوا تماما من لعبهم وذهاب كل واحد منهم إلى منزله والانزعاج جلى على وجهه ... بعد ان كانت الابتسامة و بريق الفرحة يلمع فى أعين كلا منهم ... فترتدى هى ملابسها وتذهب حيث معرضها الصغير الذى تعمل فيه بيديها واسنانها حتى تستطيع الانتهاء منه تماما ... وضعت به القليل من اللوحات ... فى بادئ الأمر كانت تشعر بسعادة غامرة لكنها بعد ذلك بدأت تنحدر أكثر وأكثر ... فهناك شعور داخلها يخبرها انها لن تنجح ... لكن تلك السيدة الرائعة التى كانت بمثابة أكثر من والدة لها كانت تشجعها باستمرار ولم تكف عن بث الإصرار فى نفسها ... نظرت برضا للمرآة التى تقف امامها وهى تلتفت يمينا مرة ويسارا مرة أخرى ما ان انتهت من ارتداء ملابسها ... اجفلت ما ان استمعت إلى رنين هاتفها معلنا عن وصول رسالة ما ... عقدت ما بين حاجبيها وهى ترى رسالة من ماجد محتواها " دينا ارجو أن تقابلينى فى المطعم المعتاد خلال ساعة " أغلقت هاتفها وهى تفكر عن سبب هذه الرسالة ولماذا يريدها ماجد ... ربما يكون هاما ... قالتها فى نفسها وهى تغلق باب شقتها ... شهقت بقوة ما ان استدارت بجسدها ورأت رجل كان يقف ورائها مباشرة ... تفحصته بامعان وهى تراقب نظراته نحوها التى لم تعجبها او تشعرها بالراحة ابدا ... رجل ليس بقصير ملامحه خشنة واسنانه صفراء جعلتها تتقزز من ابتسامته التى يمنحها إياها ... ولم تتوانى دينا عن إرسال نظرة قرف إليه ... ولكنه رغم هذا لم يتحرك من مكانه وظلت نظرته كما هى لها ... حتى تنحنح الرجل اخيرا و قال بابتسامة مقززة " هل انتى الجارة الجديدة ... الشقة والمبنى بأكمله نور بمجيءك .. اخيرا سيسكن فى هذا المبنى امرأة بحق .." ثم حدق بها بجرأة جعلتها تتراجع للخلف من نظراته لها عقدت دينا ما بين حاجبيها ... وتحركت ببط نحو السلم وركضت بأقصى ما لديها ... ركضت وهى تشعر بخوف يتسلل إلى قلبها لما هو قادم
جلس على كرسى الطاولة وهو يرتشف بهدوء من فنجان قهوته السوداء ... التى أصبح يستمتع بمذاقها و مرارتها أكثر من المعتاد ... فلقد أصبحت قهوته تتشابه مع سمراءه كثيرا نفس اللذة والمرارة ونفس الإدمان ... لقد ادمنها... فهى أول شئ تذكره ما ان وطات قدمه أرض هذه البلد .. وهل نساها يوما ... حدث أسامة نفسه بذلك ... لا لم ينساها ... لم يستطع أن ينساها ... لقد كانت حب مراهقته وشبابه .. او من قبلها وأول من ضمها إلى صدره ... لذلك هو لا يستطيع أن يفكر باى شخص آخر قد يسمح له بفعل ذلك معها... اشتد بقبضة يده على فنجان قهوته و وجهه يكسوه الغضب والوحشية ما ان فكر بأنها من الممكن ألا تكون له ... بحث عنها ... بحث لدرجة انه كاد أن يفقد عقله ... لم يذق طعم النوم الهناء منذ ان علم بتركها للشقة وتنقلها ولا أحد يعلم أين ذهبت ... وما ألمه أكثر عندما أستمع لها فى تلك الليلة وهى تخبر سيف بحبها له ... رغم أنها لم تعترف بهذا بشكل مباشر إلا أنها أظهرت ذلك من خلال كلماتها ... وهو شعر وكأنه كان قطعة ثلج ثم تحطمت بمطرقة عظيمة تحول على إثرها إلى قطع ... لم يكن أمامه إلا شئ واحد بعد ان استطاع الوصول إلى رقم هاتفها وعدم إجابتها على اى من اتصالته ولا حتى رساءله إلا أن ينتظر ... واليوم صباحا طلب من ماجد ان يرسل لها الرسالة حتى لا تشك بشئ وهو على يقين بأنها لن ترفض طلب ماجد بالحضور إليه ... وها هو ينتظرها منذ ساعة من إرسال الرسالة ... ظلت عيناه محدقة بباب المطعم منتظرا او بالأحرى متاهبا لدخولها ... وقف متصلبا ببلاهة ما ان رأى ولوجها إلى المطعم ... وهالة من الإثارة تتبعها ... ببنطالها الأزرق وبلوزتها الصفراء وكأنها عصفور كنارى جميل يشع جمالا وبريقا ... سيظل اللون الأصفر هو رمز أنوثتها هى فقط لا غيرها ... لن تستطيع ان تنافسها أخرى بارتداء او إظهار جمال هذا اللون غيرها ... وقف يتاملها بنفس البلاهة وهى تبحث بعيناها عن من المفترض أن يكون بانتظارها ... حتى شعر بالنار تتاجج فى صدره ... ما ان ركزت بعيناها عليه ... ووقفت بجمود لا يختلف عنه ... ووجهها خالى من اى تعبير ... لحظات وكل منهما يحدق بالآخر ... ثانية ... واثنان ثم ..ثالثة.. ورابعة ... وحثت قدميها على التحرك لكنها لم تستطع .. وكأن كعب حذاءها قد غرس فى الأرض الواقفة عليها ويأبى ان يطيعها حتى تتحرك ... احتاجت لحظات حتى تحرك قدميها وبخطى بطيئة للغاية ومتراجعة... تراجعت بجسدها للوراء ... وهو ما ان استوعب عقله محاولة ركضها وهروبها... حتى ركض هو الآخر ورائها... لن يسمح لها بالهروب ... لانه غير قادر على الانتظار او الصبر أكثر يجب ان يننهى ويطوى صفحة الماضى او سيقوم بتمزيقها كاملا وسيبدأ صفحة جديدة بيضاء للغاية حتى يستطيع فيها ان يسطر حروف عشقه وحبه لها فقط ... أمسك بيديها وهو يحارب التحكم فى حركة يديها التى تحاول التخلص من قبضته ولكنه لن يسمح لها ... وقال بصوت خفيض للغاية و نبرة حاول جعلها ثابتة بقدر ما يستطيع " يجب ان نتكلم "
نظرت إليه بعبوس ووجه محتقن غضبا وعينان متسعتان بحدة ... سحبها وراءه واجلسها بنعومة لكنها لم تتقبل فاضطر إلى ارغامها بالقوة على الجلوس ... ابتعد ما ان استكانت وجلست أخيرا ... جلس وهو يراقب محاولاتها المضنية فى أبعاد نظراتها عنه وهى تزفر بقوة و اختناق ... نصف ابتسامة ... ولمعان ظهر فى عيناه وهو يتفحص ملامح وجهها حتى قال اخيرا بهدوء ولوعة... لوعة لم يستطع اخفاءها أكثر من هذا لو كان الشوق يعبر بالكلمات لكان صرخ به فى مكانه ... ولكن شوقه لا يمكن أن يعبر عنه إلا بشئ واحد ... وهو اخذها بين احضانه ... أن تكون له وملكه... " دينا ... اشتقت اليكى " ارتجفت ... نعم ارتجفت من نبرة صوته ... لكنها رغم هذا لم تستطع إلا أن تظهر نظرة تهكمية وسخرية على ملامحها ... رحل و عندما ياتى أتى وهو على يقين بأنها ستكون بانتظاره... " تبا لغرور الرجال ... الذى لو كانت تستطيع لقتلته لكنه اولا واخيرا ينتمى إليهم هم فقط " هتفت بها دينا فى نفسها وهى تحدق به بقوة ... راقب نظراتها الساخرة ... لكنه لن يستسلم سيتابع يجب ان يصل إلى حل معها ... ام ان تكون له .. او تكون له ... فهو لن يرضى بشئ ثالث بينهما ... وبدون أى مقدمات نطق لسانه اخيرا بما كان دائما يتمنى البوح به ... " دينا .. أحبك لم أستطع أن أنساك ... انا لم أنساك يوما حتى ... لقد كنت مضطرا ... مجبرا لذهابى .. لم يكن بيدى .." ثم تابع كلامه وهو يضع يديه برفق على يديها حاولت إبعاد يديها لكنه منعها ... فاغمضت عيناها وهى تستمع لباقى حديثه " أنا أحبك ... كل منا يعلم انه يحب الآخر ... لذا فالننسى " أبعدت يديها عنه بقوة وهى تهتف فى نفسها " تبا له " ثم رمقته بقوة وهى تستمع إلى باقى حديثه الذى يبرر فيه تركه لها ... مضطر .. حسنا كان مضطرا إلى الرحيل ... لكنه كان يستطيع على الأقل ان يتصل بها ولو كان اتصال واحد وهى تقسم بأنها كانت ستتفهم... لكنه لم يفعل ... ظلت سبع سنوات وحيدة ... وحيدة متالمة ... هو أول شخص اعتقدت انه كان سيكون معها يسندها يضمها ويحتويها لكنها لم تجده .. ولم تجد رساله ولم تجد اى شى يدل فيه بأنه سيعود ... "حب ... " هتفت بها دينا مستنكرة ...ثم تابعت بنبرة سخرية " أن تحب يعنى إلا تهمل ..الا تغيب ... إلا تبتعد ... وانت ... صمتت ... فعلت كل هذا ... اهملتنى... غبت.. وابتعدت ... كيف تنتظر منى ان أكون على أهبة الاستعداد حتى أكون مستعدة لرجوعك .. وكأنك كنت متأكد بأننى سأنتظرك ... من أين جلبت كل هذه الثقة .. انا أستطيع أن انسى و ان احب غيرك أيضا ... " اسودة ملامحه بل أصبحت وكأنها ملامح أسد ... أسد يدافع عن امرأته التى يرغب بها غيره ... يقسم انه لو كان فكر فقط أحد فقط بهذا لكان أخرج عيناه من محجريهما وحينها كانت ستبكى على من كانت تعتقد انها كانت تحبه ... وهل هو سيسمح لها ... هتف بها فى نفسه وهو يحاول تهدئة نفسه وإبعاد تلك الأفكار الشيطانية عن رأسه ...فهى تتلاعب به فقط ... هى تحبه لكنها تكابر... تحاول وأد حبه فى التراب ...او ربما هى قامت بواديه فعلا منذ زمن ... لكن لا هو سيقوم بالحفر بيديه حتى يستطيع ان يحصل على حبها له مرة أخرى ... لن تكون لغيره ... " لقد تغيرتى " لم يستطع ان يمنع هذه الكلمة من ان لا تخرج من فمه ... ولعن نفسه بالمعنى الحرفى عندما وجد ملامحها تبهت ويظهر الحزن جلى بين مقلتيها ... " نعم انا تغيرت ... من الذى قال إننى لم أتغير " قالتها بنبرة قوية ..حازمة .. " نعم تغيرت ... ولكن هل تعلم لماذا ؟!.." سألته فنظر إليها مشدوها فتابعت بنصف ابتسامة " أنا تألمت كثيرا ... اضطريت لفعل ذلك لكى أعيش ... " قالت كلماتها ثم صمتت .. وهو صمت معها لا يعلم من أين يستطيع ان يحضر كلماته التالية .. منذ ليلة أمس وهو يحضر كلماته التى سيقولها... لكنها من نظراتها من نبرتها .. من مظهرها ... جعله لا يتذكر اى مما كان سيقوله... هل ألمها لهذه الدرجة من ابتعاده ام ان بعاده عنها وتركها وحيدة هو فعلا ما جعلها هكذا ... نعم انه يعلم بكل ما مرت به ... كان على علم بكل شئ ... لذلك هو طلب من سيف عدم تركها ... لكنه لم يكن يعلم انه قد وضعها مجبرة لعشق غيره ... لكنه لا لن يتركها ... لا يستطيع نظر إليها لثوانى ... حتى قالت بنفس نصف الابتسامة " لقد انتهى كل شئ .. لا داعى لجلوسنا .. فمهما سيحدث انا وانت لن نكون لبعضنا أنت شئ وأنا شئ آخر " " لا لم ننتهى... " هتف بها ماجد ثم تابع وهى تنظر إليه يتعجب " ان لم نستطع أن نعود حبيبان إذا فلنعود أصدقاء " صمت وهو يراقب ملامح وجهها ... تابع حتى لا يتراجع بكلماته " نعم أصدقاء ..فقبل ان نصبح احباء كنا أصدقاء كل منا يساعد الآخر .. وإن كنت أستطيع أن أتخلى عن حبك .. فأنا لن أستطيع أن أتخلى عن صداقتك ... تابع وهو ينظر إلى عيناها وهو على يقين انه أصابها فى الصميم ... نحن أصدقاء .. هل تتذكرين انا وانت وسيف وماجد ... أتمنى أن أعود صديقا قديما معك ... هل تسمحين لى! " عقدت دينا ما بين حاجبيها وهى تنظر إليه ببلاهة لا تعرف كيف وصلت إليها ... هل يطلب منها ان يكونا .. او أن يعودا أصدقاء بهذه السهولة ... كيف ... كيف ... هو وهى أصدقاء ... مجرد أصدقاء ... وكأنه كان يستمع لندات قلبها وعقلها وقال بمكر وابتسامة تتشدق على ثغره "ام انك غير واثقة من نفسك ومن مشاعرك ... خائفة من ان تسقطى بين يدى ... وتتذكرين حبك لى " ظهر الامتعاض على وجهها وهى ترمقه بنظراتها تلك التى تذهب بعقله ... وهو يراقب ردة فعلها بترقب و أعين ثاقبة ... *********************************** أخذت تدنو رويدا رويدا من بهو الشركة الفسيح... وهى تتمختر بجسدها بثقة واغراء وتكبر يكاد يصل إلى عنان السماء ... وكعب حذاءها يصدر صوتا رنانا من ملامسته للأرض ... و الرؤوس تنظر إليها بعضهم بانبهار والبعض الآخر بتفحص لما ترتديه وهالتها المثيرة التى ترافقها ... سارت بينما اذنيها تلتقط بعض من همسات النساء عن سحرها وجمالها وانوثتها الاخاذة التى أخذت بعقل الرجال ... فبعضهن يحسدنها على عيناها الخضراء واخريات على جسدها الذى يماثل عارضات الأزياء فى الرشاقة والجمال ... وابتسامة زهو و غرور ارتسمت على وجهها وهى ترى الوجوه المحدقة بها ... فزادها هذا غرور تعمق أكثر وأكثر ...فيجب أن تكون هى اللافتة للانظار على الدوام... التفاخر والغرور حليفيها الملاصقان لها ... وأخيرا وبكل عنجهية وغرور ولجت بقدميها وحذاءها ما زال يصدر صوته فانتبه لها الجميع وكلا منهم فرغ فاها ما ان راءها ... بعضهم وقف ببلاهة واندهاش والبعض الآخر نظر إليها بتملق يحاول أن يخفى تلك النظرة التى تعبر عن جوعه لهذا الجسد المثير الماثل أمامه بكل عنجهية ... والبعض الآخر او ربما القليل أظهر عدم اهتمامه بجسدها واثارتها... و وجه فكره وانتباهه للتفكير عن سبب حضورها ... لكن رغم هذا لم يختفى عن وجوه اى منهم الاعجاب ... وضعت حقيبتها الصغيرة بحركة اغراءية على المكتب الكبير الذى التف عليه اهم اصحاب الأسهم فى هذه. الشركة ... صمتت ... وصمتوا تعلم أنهم الآن مجتمعون حتى يعلموا من هو حليفهم الأخير الذى سيستطيعوا من خلاله أبعاد عائلة الحسينى تماما او بدقة أكثر أبعاد سليمان الحسينى وحفيده من طريقهم ... كلا منهم يعتبر سيف منذ ان ظهر شوكة فى ظهره... راقبت كلمات مساعد سليمان الحسينى بأعين ثاقبة ...حليفها الذى وافق على خيانة سيده الرجل الذى ساعده و من عليه ... بل وجعله ذو منصب له شأن فى الشركة ... ها هو يقف ويلقى بكلماته حتى يستطيع أن يضم إلى صفه المزيد ... أحمق ان كان يعتقد بأنها ستبقى عليه ما ان تستطيع إزاحة سليمان وسيف من طريقها ... بل سيكون هو أول شخص تلقى به بعيدا خارج هذه الشركة ... فمن خان سيده من أجل بعض المال بالتأكيد سيخونها من أجل المال أيضا ... انتبهت له بشدة وهو يقول كلماته التالية " السيدة علا ... أحد المساهمين ..." بترت عبارته بسبب الهمهمات التى ازدادت أكثر وأكثر تعبر عن تعجبها الشديد ... حتى ان أحدهم ابتعد عن كرسيه و فى نيته الخروج ... لكن نظراتها له جعلته يقبع فى مكانه مرة أخرى ... قطع مساعدة سليمان همهماتهم وهو يقول بصوتا عالى " ارجو منكم الهدوء التام .. يجب ان نتفق على كل شئ اليوم " فتابعت هى بدلا عنه وهى تقول بنبرة ناعمة ...لكنها حازمة للغاية " أعتقد أن بعضكم صدم عندما علم بأننى من المساهمين ... ولكنهم كما يقولون هذا من حسن حظكم... ضحكت باغراء وهى ترى وجوه الرجال التى اعتلاها العبوس ... ولكنها رغم ذلك تابعت ... بطريقة عملية بحتة " سليمان الحسينى اختفى ولا أحد يعلم أين ذهب ... فعلينا أن نضرب ضربتنا قبل أن ياتى ... صمتت وعيناها تدور فى المكان تراقب تعابير وجه كلا منهم ... وما ان لمحت الموافقة على وجوهمم حتى تابعت " بما انه غاب لأكثر من شهران ... وكما العادة سيتم اختيار رئيس تنفيذي آخر لهذه الشركة عن طريق المساهمين ... أعتقد أن نصف المساهمين هنا والباقى رفض الحضور خوفا من معاداة سليمان الحسينى ... قاطعها أحد الجالسين بنبرة لا تخلو من الخوف والاهتزاز " ونحن أيضا ...لا رغبة لدينا فى معادته رغم انه غير موجود ... نحن لم ناتى إلى هنا إلا خوفا على مصالحنا ... وبالطبع الرئيس الجديد لن يكون من بيننا ... تشدقت بانتصار ...فها هو قد أتت الكرة فى ملعبها اخيرا ... تنهدت وهى تعقد يديها أمامها وتابعت بخبث تام " استطيع الوقوف امامه ... فانا لست وحدى معى احد اكبر المساهمين القدامى فى هذه الشركة ... ارتفع صوت همهماتهم أكثر وكل منهم يتساءل من يكون هذا المساهم ... فتابعت هى بصوت جهورى واثق ... " أنه أحد المساهمين الأجانب ... ولقد سمح لى بالتكلم نيابة عنه " وقبل أن يتراجع اى منهم عن كلماته او يهتز فى قراره ... تابعت بحنكة ...وهى ترفع أحد الأوراق عاليا ... " هذه الورقة تحتوى على توقيع المساهم الاجنبى سيتم الآن تمريرها على كل منكم حتى يقوم بتوقيعها... لاختيار الرئيس التالى " وما ان صمتت حتى هتف أحدهم "ومن سنختار" فقاطعه الآخر بسرعة " بالتأكيد هى" وبدأوا فعلا فى كتابة موافقتهم جميعا لاختيارها الرئيس الجديد ...
كانت عيناه شبه مغلقة وهو يراقب خروجها من الحمام ووقوفها كالعادة أمام المرآة وهى تدندن بأغنيتها المعتادة وكأنها أصبحت ملازمة لها ... شقت ابتسامة واسعة وجهه يتخللها بعض المكر ... وبهدوء وحذر شديد بدأ يتحرك مبتعدا عن السرير وهو يحبس أنفاسه مقتربا منها بخطوات مدروسة للغاية ... يراقب يديها التى تتخلل بها خصلات شعرها الحمراء ... التى لا يتذكر عدد المرات التى دس أنفه بها ليستنشق عطرها ... ظل يتقدم منها بخطوات حذرة ... حتى أصبح خلفها مباشرة وفى ثانية طوق خصرها بذراعيها القويتين ورفعها عاليا عن الأرض ... شهقة صارخة خرجت منها وهى تجد نفسها فجاة تطير فى الهواء ... وهى تستمع لضحكاته المتتالية ... وفى لحظة وجدته يديرها إليه حتى أصبح وجهها مقابل وجهه ... وابتسامته العبثية تزين وجهه الرجولى وهو يستمتع بتذمرها الذى ظهر وهى تزم شفتيها بقوة دليلا على انزعاجها ... فهدا من صوت ضحكاته ما ان رأى صمتها ... وقال بصوت عابث " ما هذا لما انتى صامتة " ولم يجد منها غير مزيد من الصمت و فمها تزمه بشدة أكثر ... التمعت عيناه ما ان رأى شفتاها تتحرك فتمنى لو استطاع خطفهما بقبلة طويلة حتى ينسى اسمه ... " انزلنى " صاحت بها بحنق ولكنه رد عليها بمكر التمع بين عيناه الخضراء " حسنا ... لكن بشرط " راقبها وهى ترفع إحدى حاجبيها ...ولكنها أخيرا هتفت بتذمر " شرط .. وما هو هذا الشرط " قرب وجهه منها وقال بهمس واغراء قرب شفتاها " ق...ب...ل..ة " فاتسعت عيناها ...وحاولت إخفاء خجلها منه وقالت بغضب حاولت تمثيله واظهاره "قليل الحياء ... وان لم أفعل " " لن تنزلى " قالها بسهولة وهو يتعمق فى لون عيناها الزرقاء وكأنها أمواج عاتية ... نظرت له بقهر طفولى ... وبعد لحظات من تحديقها بأصابع يديها انحنت بوجهها قرب وجنته وطبعت قبلة دافئة عليها ... جعلته يقربها من جسده أكثر ... ابتسمت وهى تقول بسعادة وكأنها أنهت المهمة ما ان ابتعدت عن وجهه " لقد قبلتك انزلنى ..الآن " لكنها عبست ما ان رأت نظرته لها ... وهو يقول وحاجبيه معقودان بتلذذ " وهل هذه تعتبر قبلة " تبع كلمته بطبع قبلة على وجنتها... ثم وضع إحدى يديه خلف رأسها وقربها منه وهو يلتقط شفتيها بفمه... شعر بحركتها ومحاولتها المضنية فى ابعاده ولكن عبثا لن يبتعد عنها إلا عندما يكتفى ..وهو يشك بأنه يستطيع الاكتفاء منها ... ابتعد عنها وهو ينظر اليها باغراء وهو ما زال يحملها بين يديه ... ويقترب بخطوات سريعة نحو السرير ... ثلاثة ايام وهو يعيش معها فى النعيم ... تغيرت العلاقة بينهما فى تلك الأيام ...فأصبحت قريبة منه للغاية ... كانت فيها مستكينة ومحبة له للغاية لدرجة جعلته يتعجب من تصرفاتها وهى تحاول التقرب منه ... وكأنها كانت تريد تعويضه عن ايام العسل التى لم يقضيها معها فى بداية زواجهما ... لكنها عوضته عن كل هذا فى ثلاثة ايام فقط ... احتوته وأظهرت أنوثتها وجمالها له مع بعض الخجل ... بقيت فقط تدلله بطريقتها وأسلوبها الانثوى المغرى... وهو مقابل هذا أثبت لها كم هو يعشقها ... لثلاثة ايام كان ملازما لها لم يتركها ولم يذهب حتى لعمله ... ليذهب عمله إلى الجحيم طالما هى بين يديه .. همس بها مالك فى نفسه تشدق وجه مالك بابتسامة عذبة ... وهو يضمها إليه بقوة يغرقها فى عناق حنون ... نظرت إلى وجهه وهو محدقا بها بهيام وهى تبتعد عن احضانه ... لكنها اخفضت رأسها بخجل وقالت ريم وهى تزم شفتيها " مالك ... هل يمكننى أن اذهب إلى المشفى؟! " أبتسم ابتسامته المعهودة التى لم تفارق وجهه منذ ان استكانت وأصبحت أخيرا بين يديه خاضعة بإرادتها التامة له ... وقال وهو ينظر اليها بابتسامة فاتنة " وهل يستطيع مالك أن يقول لك لا " تهللت اسارير ريم وطبعت قبلة حانية على ذقنه ومن ثم ابتعدت مسرعة عنه وهى تتحرك عن السرير بقميصها المحتشم ... محتشم ... هتف بها مالك فى نفسه ... رغم انه محتشم إلا انه سيظل قميصا وسيظهر مفاتنها ... حاول معها لكى ترتدى اى من القمصان القصيرة تلك ولكنها كانت تقابل عرضه بأعين محتقنة ووجه غاضب ... ينتهى بمحاولة ارضاءها ... وكأنه اجرم بطلبه هذا ... راقب حركاتها السريعة فى الغرفة وهى تسحب بعض من ملابسها من الخزانة ... وقبل ان تدلف إلى الحمام ... هتفت ريم بسرور " سأذهب الآن " فهم هو من السرير بحركة سريعة قائلا بتذمر وهو يحاوط خصرها " لا لم نتفق ان تذهبى الآن ... ما زال يجب ان نكمل أسبوع العسل ... بقى منه أربعة ايام " دارت بجسدها بحركة هادئة ووضعت يديها على صدره قائلة بتذمر واضح " ولكنك وافقت .. إذا لا تراجع " قالتها وابعدت يديه عن خصرها ... وبسرعة دلفت إلى الحمام ... وهو يلوى فمه بامتعاض واضح ... أحكمت لف حجابها حول رأسها وهى تحارب ابتسامة تكاد تصل إلى اذنيها حتى لا تظهر على وجهها ... وهى تراقب تذمره الطفولى وهو مستكين على السرير كالطفل الصغير ... التمعت عيناها وهى تتذكر كلمات اروى لها فى حفل زفاف نور ... " مالك مثل الطفل ان دللتيه ستحصلين على عيناه وسيكون مثل الخاتم فى اصبعك... ولن يرفض لك طلبا يوما " وفعلا كانت اروى محقة فى كل كلمة نطقتها ... وما ان تبتعد عن احضانه وتطلب منه طلبا إلا وهو يلبيه لها بسرعة البرق ... والحق ليست كلمات اروى وحدها ما جعلتها تسمح لقربه أكثر منها ... بل لأنها أيضا أرادت هذا ... وفوق كل هذا بدأت تحلم ببيت وأسرة مكونة منه ومنها والعديد من الأطفال ... التى ان شاء الله سيرزقها الله بها ... حقا تتمنى وتتضرع إلى ربها حتى يحقق امنيتها الأخيرة ... وقفت ما ان إدارة مقبض الباب وأرسلت إليه قبلة هوائية وخرجت ... تاركة إياه فى سعادة غامرة وهو يراقب صغيرته ... تخرج عن قشرتها السميكة شيئا فشيئا... ... أخذت الغرفة ذهابا وايابا وهى تكاد تحترق قهرا ... راقب تململها وحركتها الغير هادئة فى الغرفة ... أبعد نظره عن كتابه وهو يتافف بملل " كوثر ...كفى ماذا بك لا تكفين عن التحرك؟! " أخرجت زفرة طويلة وقالت بغضب و حنق حاولت اخفاءه " مالك ... لم يخرج من غرفته منذ حفل الزفاف ... ولم يخرج حتى لتناول الطعام معنا ... و كلما كنت اطلب منه الخروج يرفض " صدرت ضحكة رنانة من محمود وهو ينظر إلى زوجته بنظرة مغرية " ما زال ابنك فى بداية زواجه .. اجعليها يتمتع قبل ان يمل " ارتخى فك كوثر بعبوس وهى تحدق به بحنق " ما الذى تقصده يا محمود ... وهل أصبحت تمل منى؟! " زفر بقوة يحاول ان يعاود نظره نحو الكتاب الذى كان بين يديه ... ولكنها أنزلت الكتاب بيديها وهى تساءله مرة أخرى لكن بنبرة أكثر ارتفاعا وحنقا " اخبرنى ... اخبرنى يا محمود .. هل أصبحت تكرهنى ؟!" " كوثر انا لا أكرهك بل أكره تصرفاتك .. وغيرتك على مالك التى لا داعى لها ... اتركيه يعيش حياته مع زوجته بهناء" بلعت ريقها وقالت بحزن لم تستطع اخفاءه " انه ابنى الوحيد ... وأنا ... وأنا والدة ..." قاطع استرسالها فى كلماتها صوت رنين هاتف زوجها ...الذى التقطه وخرج من الغرفة ... ظهر الشك بين مقلتيها وانتابها شعور بالضيق وحثت قدميها على تتبعه ... اهتزت مقلتيها ما ان استمعت لاسمها... اسمها يخرج من فم زوجها ... هل ما زال يشتاق لحبه الأول... أصبح يتحدث معها ... نار ... نار ...نار اشتعلت بداخلها ... وهى تستمع لنبرة صوته معها ...ما زال يحبها ... نعم ما زال يحبها ... رغم السنون والزمن ما زال يحبها ... تراجعت للوراء بضعف ... تحاول ألا تسقط قهرا والما ... على الرجل الذى أحبته ... الرجل الذى اعتقدت انها قد ملكت قلبه منذ ان اثبتت له حبها وانجبت له مالك ... الرجل الذى كان يقترب منها ويضمها اليه وكانه واجب عليه يجب عليه تقضيته ... آه مؤلمة خرجت من بين شفتيها ... و بقوة ... وبقوة وكبرياء ... كبرياء أنثى مجروحة ومنكسرة... حبست دموعها ورسمت ابتسامة على وجهها ما ان رأته يدلف إلى الغرفة ويجلس فى مكانه يتفحص كتابه باهتمام ... وكأنه منذ ثوانى لم يفعل شيئا ...
وقفت أمام المرآة وهى تحاول بتانى غلق قفل السلسال الذهبى ... لكنه فشلت فتاففت بنفاذ صبر ... حتى وجدت يده التى تعرفها ... تمسك بطرفى السلسال وفى ثانية كان يغلق قفل السلسال ... حاولت التحرك ولكنه منعها بيديه التى قبضت على معصمها " نورا ... إلا يكفى ما تفعلينه !... ثلاثة ايام .. وانتى تعتكفين فى غرفتك ... رافضة الجلوس او حتى النوم معى .. وكاننى اجرمت... ما حدث كان خطأ اغفرى لى .. اخطاءى " قال بنبرة عميقة وهو يقترب منها محاولا إحاطة خصرها بذراعيه.. لكنها لم تسمح له " لقد فاض بى ... لا أستطيع أن اتحمل واتغاضى عن كل اخطاءك... لقد تعبت من السماح .. انا بشر ... بشر يا مراد ... هتفت بكلماتها وخط رفيع من الدموع ينساب على وجنتيها ...لكنها تابعت بنبرة قوية " ستعود إلى هذه الغرفة ..لأن حازم قد عاد ..." لمحت نظرته السعيدة ... فتابعت بنبرة قصدتها قاسية " جهز اوراق الطلاق ...لانه ما ان تستقر حياة ابنى .. سأترك هذا المنزل " قالت كلماتها ونفضت يده عنها بسرعة ... هربت من امامه وهى ترى عيناه ووجهه الذى احتقن غضبا ... وهو ينذر بالخطر ... نزلت درجات السلم بسرعة وهى تخبر نفسها بإصرار وقوة ان وقت خضوعها آن ان ينتهى ... يجب ان تخرج من هذا المنزل لن تتحمل ... لن تتحمل أكثر البقاء ... بعد سلسلة كذبه التى لا تنتهى ... ما زالت مجروحة من طعنته لها بزواجه ... ما زالت تشعر بالشرخ الذى بينهما رغم أنها حاولت مدارته من أجل ابنها حتى يستطيع أن يتربى بين ابوين محبين ... وبيئة سوية ... ستقابل روز .. نعم يجب ان تقابلها ستعرف كل شى منها ... ستعرف الحقيقة منها هى فقط ... وقفت أمام باب المنزل الكبيرة وعلى وجهها ابتسامة واسعة فى انتظار حضور ابنها وفلذة كبدها ... وهى كام لا تريد غير سعادته هو فقط ... ضحت بالكثير من أجله ... وهى على الاستعداد لفعل أكثر من هذا له فقط ... ... جلس بجوارها وهو يشعر بانفاسها التى تخرج مضطربة ... تماثل حركة يديها التى تفركهما بشدة ... وعيناها الزاغتان بخوف ... لقد حاول عدم الاقتراب منها او الاختلاط بها طوال الثلاثة ايام ... إلا أنها ما زالت كما هى صامتة منعزلة ومنطوية على نفسها أكثر وأكثر ... وهو لم يعد يطيق هذا ... بعد حديثه معها ... ظل يفكر لأكثر من ألف مرة هل ما فعله خطأ ... هل ان يعطيها الفرصة بالابتعاد عنه وإعطاء الاختيار لها لتقترب صحيح ام خطأ ... إلا انه ما زال حائرا وتاءها فيما سمعه من فم حبيبها السابق ... حاول أن يبعد كلماته التى ما زالت تترنن فى أذنيه حتى الآن ... ولكنه لم يستطع ... حاول ان يفكر بعقل رجل لا يهمه مع من كانت او من كانت تحب سابقا ... اهم شئ انها معه الآن هو يملكها زوجته وقيد بنانه. ..لكنه لم يستطع ... أول امرأة عرف معها كيف يحب ... رغم انه لا يعلم متى سقط قلبه صريعا فى هواها... بلعت ريقها وهى تشتم رائحته التى ملأت جو السيارة ... منذ ان خرج من غرفتها وهو يخبرها بأنه لن يقترب من امرأة لاتريده... وهى تتساءل فى نفسها ..لماذا يقول هذا ... هل هو أيضا لا يريدها ... قبعت هى لمدة الثلاثة ايام فى غرفتها فى الجناح ولم تخرج منه ... لكنها كانت تراه عندما كانت تقف فى نافذة الغرفة ... تراقبه وتراه لأول مرة شخصا آخر غير الرجل الذى تعرفه ببذلته السوداء الأنيقة التى كأنها صممت له ... يرتدى ثوب السباحة الذى أظهر جسده الذى كانت تعتقده نحيلا ... رشيقا لدرجة جعلتها تشهق من منظره ... وبكل مهارة وكأنه سمكة تحرك فى حوض السباحة ... بينما تلتفت حوله بعض الشقراوات ... وكلا منهم تستغل الفرصة لجذب انتباه ونظرات الإعجاب والانجذاب ظاهرة على وجوههن ... فهو بالنسبة لهم هو الفرعون المصرى ذو البشرة الخمرية الماءلة للسمار ... وعيناه السوداء التى تأثر اى امرأة تنظر إليه ... وشعره شديد السواد ... ملامحه حادة ورجولية للغاية تجعل اى إمرأة تنظر له بهيام ... احتقن وجهها وهى تلمح يد المرأة التى تتسلل إلى بشرة صدره تلمسها بجرأة غير معهودة ... و بحميمية شديدة طبعت قبلة على فمه ... اتسعت عيناها ولوت فمها من تصرف تلك الوقحة ... وهى تلقب كلا منهما بلقب مختلف ... هى أجنبية وقحة عديمة حياء ... وهو زير نساء ... نعم لهذا هو قال فليتصرف كل واحدا منهم على راحته ... فهو لن يهتم لامرها وهى لن تهتم لافعاله. ..وهكذا تكون معادلة متساوية من جميع الأطراف ... اجفلت عندما سمعت صوته الذى أتاها منبها لها بوصولهم وأنها يجب ان تخرج من السيارة ... ترجلا من السيارة وهو يحاول رسم شبة ابتسامة على وجهه أن كانت تعتبر حقا ابتسامة ... وما ان لمح والدته تقف فى البهو وتنظر لهما بسعادة ... حتى وضع يديه على كتفيها يقربها إليه بطريقة جعلت جسدها يقشعر ... اقتربت منهما نورا ... وهى تشع بالسعادة وفمها لا يكف عن ترديد كلمات الترحيب والسعادة برؤيتهما ... فاحمرت واخفضت عيناها من ترحيبها المستمر بهما ... والتى عانقت ولدها بفرحة غامرة ... ثم اخذتها بين أحضانها بسعادة و دف اموى شديد ... جعلت عيناها تترقرقان بالدموع ... لكنها حبستها فى مخدعيها... وبصوت خفيض ونبرة حازمة كاسمه ... استأذن منهما للذهاب إلى الشركة فهو بحاجة لمراجعة بعض القضايةالهامة ... لم تظهر اى ردة فعل من نورا من كلام ولدها ... بل أمسكت بيد نور خلفها ... وتركته بدون ان تهتم لأمره ... راقبت ابتعاد السيارة وهى تدلف إلى المنزل بأعين حزينة ... وهو يصعد سيارته غير مهتما بها التمعت عيناها بانبهار واضح وهى تتجول بنظرها فى غرفة النوم الكبيرة ... وهى مطلية باللون التى تعشقه... الأزرق ... خشب غرفة النوم بأكمله باللون الأبيض ... أما بالنسبة لطلاء الغرفة فهو مزيج بين اللونين الأزرق والأبيض ... ثلاثة من حواءط الغرفة مطلية بالأزرق بينما واحدة فقط مطلية بالأبيض تحتل منتصفها فراشة كبيرة لامعة من اللون الأزرق ... الثرايا تلمع من ضوء النهار الذى يقتحم الغرفة من خلال النوافذ ... وأمامها ستائر باللون الأبيض الشفاف ... لقد كانت وكأنها غرفة ملكية ذات طابع رقيق للغاية ... انتبهت لصوت حماتها السعيد وهى تشرح لها كل شى ... وتخبرها بسعادة انها أكثر من سعيدة بهذا الزواج فلطالما تمنت فتاة مثلها لابنها ... حجزت دموعها بشق الأنفس وحماتها تضع كفيها على وجه نور ...أسألها بترقب "هل انتى سعيدة؟! " تحشرج صوتها من نبرة تلك المرأة ... هل تخبرها انها ليست سعيدة وأنها تكاد تكون مختنقة... وأنها تفكر فى الهرب ... لكن كيف ستهرب وهذه المرأة أمامها تخبرها عن سعادتها ... هى لا تعلم ... حقا لا تعلم ... قلبها جريح و متالم ... تحتاج ان تتكلم ان تفهم ان تصرخ حتى تخرج ما بين جفونها من دموع لعلها ترتاح لكنها مهما فعلت لن ترتاح يوما ... فقالت بنبرة ضعيفة ضعيفة للغاية " نعم " " حسنا ساتركك ...لكى ترتاحى.. ويعد ذلك انا لن ارحمك... لن اتركك للحظة طالما حازم غير موجود ... فانتى من الآن ابنتى " قالتها نورا بابتسامة وهى تضم نور إلى صدرها ... ثم خرجت من الغرفة ... سقطت بجسدها على طرف السرير ... ووجهها قابعا بين يديها
أخضر ...أزرق ... أحمر ...أصفر ...اسود ألوان ... وألوان تضيفها إلى تلك اللوحة التى كانت بيضاء منذ قليل فقط قبل ان تفرغ جام غضبها بها ... تعبر عن حنقها... غضبها ... المها ... وجعها ... اشتياقها ... عشقها ... حيرة... حسرة ... مشاعر ... ومشاعر اضطربت بداخلها أكثر وهى تضرب بفرشاتها بقوة ... وهى جالسة على ركبتيها وساندة بيديها على تلك اللوحة الكبيرة ... تحاول ان ترسم ... أن تصرخ بفرشاتها الصامتة لتعبر عن ... عن شئ لا تعرف ماهيته ... وفى لحظة سقطت دموعها من مقلتيها لا اراديا على لوحتها التى تعبر عن مشاعرها ... بكت وصرخت بينما تتعالى أكثر وأكثر صوت موسيقاها التى تعبر عن جنون صاحبته ... وكلماته لها منذ عدة ايام تمر أمامها كالشريط ... " ان لم نستطع أن نعود حبيبان إذا فلنعود أصدقاء " صمت وهو يراقب ملامح وجهها ... تابع حتى لا يتراجع بكلماته " نعم أصدقاء ..فقبل ان نصبح احباء كنا أصدقاء كل منا يساعد الآخر .. وإن كنت أستطيع أن أتخلى عن حبك .. فأنا لن أستطيع أن أتخلى عن صداقتك ... تابع وهو ينظر إلى عيناها وهو على يقين انه أصابها فى الصميم ... نحن أصدقاء .. هل تتذكرين انا وانت وسيف وماجد ... أتمنى أن أعود صديقا قديما معك ... هل تسمحين لى " عقدت دينا ما بين حاجبيها وهى تنظر إليه ببلاهة لا تعرف كيف وصلت إليها ... هل يطلب منها ان يكونا .. او أن يعودا أصدقاء بهذه السهولة ... كيف ... كيف ... هو وهى أصدقاء ... مجرد أصدقاء ... وكأنه كان يستمع لندات قلبها وعقلها وقال بمكر وابتسامة تتشدق على ثغره "ام انك غير واثقة من نفسك ومن مشاعرك ... خائفة من ان تسقطى بين يدى ... وتتذكرين حبك لى " ظهر الامتعاض على وجهها وهى ترمقه بنظراتها تلك التى تذهب بعقله ... وهو يراقب ردة فعلها بترقب و أعين ثاقبة ... وهى لكى تثبت له انها نست... وأنها لن تتقدم منه مهما فعل " حسنا انا موافقة " قالتها بإصرار و اعين متحدية ... تريد أن تثبت لنفسها قبل ان تثبت له انها ستنسى وأنها لم يعد يشكل فارقا بالنسبة لها ... وهو ظهر على وجهه الإصرار لكى يثبت لها عكس ما تظنه... فكما يقولون لا توجد صداقة بين رجل وامرأة ... خصيصا ان كانوا احباء سابقين مثلهما... وهى ارتجفت داخليا بطريقة جعلت قلبها يتراقص بين اضلعها بغير هدى ... عادت إلى واقعها التى لن تعيشه غير مره ... لن تذق منه يوما عسله... أصدقاء دينا وأسامة سيكونوا مجرد أصدقاء ...كيف ... ومتى ... تساءلت فى نفسها بتهكم وسخرية ...
وبزفرة وحركة تململية ألقى بأوراق الملف القابع بين يديه ... ليس لديه رغبة فى العمل ... أصبح يختنق من الأوراق والعمل ... ينتظر وينتظر عودتها لكنها لم تأتى ... لم تحن عليه وتحضر ... هو الأحمق ما كان يجب عليه تركها هناك ... كان يجب ان يسحبها وراءه ...وإن رفضت ... كان يجب ان يقوم بربطها ثم يضعها فى سيارته ... لكنه كان ينتظر حديثها معه ... بتر حديثه مع نفسه دلوف ماجد إلى غرفة مكتبه بطريقة افزعته قائلا بنبرة عالية واعين تائهة " مصيبة ... لقد تم عقد اجتماع و أختيار رئيس تنفيذى للشركة الرئيسية " أغمض سيف عيناه بقوة يحاول ان يتماسك ويثبت فى وقفته " وكأنه كان بحاجة إلى المزيد من المصائب " تمت الجزء التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني كاملا بجميع فصوله
رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني كاملا بجميع فصوله
أخيرا الجزء الثاني من الرواية الرائعة عندما يعشق الرجل وإليكم فصولها:
كان نائماً واضعاً رأسه براحة على فخذيها تتخلل خصلات شعره وتملس عليه بهدوء كم كان وسيماً وهو نائم…..مغمض العينان …دارت بعينيها على ملامح وجهه بالكامل …شعره مائل للون البنى يلمع عندما يتعرض لأشعة الشمس بدأت يدها تستكشف وجهه برفق …رغم أنها وضعتها مئات بل آلاف من المرات.. لكنها لا تمل ابداً من ملمس بشرته .
ثم تجولت بنظرها على جسده الراقد أمامها على السرير ..لقد كان طويلاً للغاية ..جسده يشبه أبطال الإغريق القدامى مفتول العضلات وصاحب اكتاف عريضة .. فصول رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الأول
هاج وثار وكأنه ثور يلوحون أمامه بإحدى تلك الأقمشة الحمراء التى تثير هيجانه أكثر وأكثر ... هرول إلى شركة جده مقتحما مكتب الرئيس التنفيذى الجديد الذى كان سابقا مكتب جده ... بغضب عاصف و نار تهدد بحرق الأخضر واليابس معها ... ووجه ينذر بأن صاحبه سيفتك ويمزق بانيابه كل من سيقف أمامه فى هذه اللحظة بالذات ... فلم يستطع أحد إيقافه او منعه من الدخول او بمعنى أقرب لم يجرؤ أحد على الوقوف لمنع أسد آل سيوفى من الدخول وهو فى أوج غضبه ... وملامحه التى تنبض بالشر ... انتفضت علا من مكانها بقوة وهى تنظر برعب واعين مهتزة للعاصفة الهوجاء التى اقتحمت غرفة مكتبها الجديد ... وقفت بثبات وعيناها لم ترجف حتى لاستقبال موجة غضبه تلك بقوة عازمة على عدم اظهار رجفتها الشديدة من هياته تلك التى تنذر بالخطر ... وهى تتفحص وتتشرب من ملامحه بتركيز شديد ...
عيناه حادة غاضبة ووجهه أصبح محمرا للغاية كعادته عندما يغضب و تصل الدماء إلى وجهه وكأنه بركان على وشك إخراج حممه... منذ ان عقدت الاجتماع مع المستثمرين وأصحاب الأسهم منذ ثلاثة ايام وهى تقوم بتهيءة نفسها لاستقبال جام غضبه ... لا لن تتراجع ... فلقد فات أوان التراجع ... خطوة واحدة فقط ... خطتها بإحدى قدميها للخلف ... وهى تبلع ريقها ما ان نظرت لوجهه الذى حاول بل حارب حتى يصبح هادئا... وصدره الذى يعلو وينخفض يظهر مدى غضبه ... صرفت علا بيديها السكرتيرة الجديدة التى قامت باختيارها خصيصا اليوم فهى لا تريد اى موظفين بالقرب منها ينتمى لسليمان الحسينى ... صمت ... وهى نظرت إليه بترقب واعين خبيثة تخفى ما يعتمل فى صدرها قائلة بمنتهى الهدوء " كيف حالك يا وسيم " راقبت صمته بترقب ... تبعت كلامها وهى تجلس بارياحية مطلقة على الكرسى خلف المكتب وكأنه عرش مملكتها ناظرة إليه بتعالى مختلف تماما عن خوفها و ذعرها الذى تخفيه .. من هيئته المتوحشة " تفضل بالجلوس ... يا سيف السيوفى " نادته باسمه وهى تسبل اهدابها ... لوى فمه ... يراقب حركاتها بأعين صقر يتربص لفريسته... وبغضب مكتوم وصمت عميق سألها " ماذا تفعلين فى مكتب اسيادك " بلعت اهانته بهدوء تام ونبرة ناعمة سألته "للاسف لقد انتهى عصر الاسياد والجوارى... كل شخص يصل الى مكانة عالية يصل إليها بمكانته ... ثم سألته بغموض هل هو كثير على ..." ظهرت ابتسامة سخرية على وجه سيف ... لكنها تابعت بتملك.. "لقد كانت دائما هذه مكانتى... ولو إننى لا استحقها ما كنت وصلت إليها ... لقد تم اختيارى من قبل المساهمين فى هذه الشركة " هتفت بكلماتها ورفعت رأسها بغرور... ابتعدت عن كرسيها و دنت منه ببط وخيلاء وهى ترفع ذراعيها محيطة به رأسه ... ثم اقتربت برأسها منه وبحفيح أفعى ... " لو كنت استمعت إلى سابقا لكنت انت الآن من تجلس على هذا الكرسى ... لو كنت معى ... لكنت اوصلتك إلى القمة .. انا وأنت متشابهين للغاية " تابعت وهى تمرر بشفتيها بالقرب من ثغره ... " تعلم انك لو كنت فقط معى ... لما أصبحنا يوما هكذا ... تعلم إننى أحبك .. " أمسك بكوعها بقبضة شديدة وبقوة دفعها بعيدا عنه ... صرخت من شدة قبضته ما ان دفعها...اتسعت عيناها دهشة ... ومررت أصابعها على كوعها تحاول تخفيف الألم ... " أن ..كنت. سأصل للقمة لن أصل لها بمساعدة امرأة قذرة مثلك " اصتك باسنانه على كلامته التى خرجت وكأنه أسد يزاءر تابع و ذراعيه مرفوعان عاليا " أنا وانتى نعلم جيدا كيف وصلت علا ... إلى هذا الكرسى ... " اقترب منها وكأنه أسد غاضب يكشر عن أنيابه ... جعلها تتراجع للخلف مع كل خطوة يخطوها بقربها وعيناها متسعتان رعبا صرخ ... صرخ بكلماته " أنا وانتى نعلم كيف وصلتى إلى هذا الكرسى ... بقذارتك وصلتى إلى هذه المكانة ... زواجك من رجل أعمال كبير ضمن لك عدة أسهم ما ان طلقك ... لقد كنتى بالنسبة له مجرد امرأة لإشباع رغباته ..." اصتك على كلماته وبسرعة أمسك برسغها بقوة وهى تءن ألما من قبضته التى تكاد تكسر عظامها " أما انا أن جلست على هذا الكرسى سيكون لأنه لى ... لى انا ... افرحى. .افرحى به قليلا ... اقترب بفمه من إحدى اذنيها متابعا " فمثلما سمحت ليكى بالجلوس عليه ... انا أيضا من سيبعدك عنه ... وحينها ... حينها ساسحقك بقدمى هاتان كالحشرة " غضبت حتى وصل غضبها لعنان السماء وهى تدفعه بقوة بعيدا عنها لكنه لم يتراجع بل ظل كما هو حدق بها بشر ... و دنا من باب غرفة المكتب لكنها اوقفته وهى تصرخ قائلة " نعم ... نعم ... قذاراتى هى ما اوصلتنى إلى هنا ... وبنبرة خفيضة للغاية قالت "لذلك أحذر من قذاراتى قبل أن تصل إليك ... وبنبرة لا تخلو من التهديد " اهتم بزوجتك جيدا ... و بطفلك" التمعت عيناها بانتصار ... بانتصار شديد وهى تلمح نظرة الرعب ما ان نطقت بكلماتها ... وبلمح البصر كان قد وصل إليها ويداه تقبضان على رقبتها خانقا إياها وهى تكافح بكل قوتها للخلاص منه لكنها لم تفلح ... وبنبرة مهددة غاضبة صرخ " اياكى... ثم اياكى ذكر زوجتى هل فهمتى ... أن خدشت فقط ساقطع يديك هاتان وساجعلك عبرة لكل من سيجرؤ على أن يلمس من ينتمى إلى " أبعد يديه عنها وبقرف نظر إليها وهى تحاول أخذ أنفاسها ... وعيناها متسعتان بعد ان قاربت على رؤية الموت بأم عيناها ... اجفلت ما ان استمعت إلى صوت إغلاق الباب الذى أغلق بقوة ... كسرت أول شئ أمسكت به يديها وهى تصرخ بقهر ... جاءت على أثره مساعدتها ... التى لم ترحم من غضبها العاصف... وهى تسب وتلعن بوعيد وجنون
" أين كنت " سأله ماجد بقلق زفر سيف بضيق وهو يمرر يده على وجهه يحاول التماسك وكبح غضبه ... راقب ماجد صديقه ... وهو يلوم نفسه بشدة ... فهو الملام لم يضع علا تحت انظاره جيدا الفترة الفائتة .. لم يتوقع يوما انها قد يصل بها الأمر وتحاول الوصول الى كرسى الرئيس التنفيذى ... " سيف انا حقا آسف ... كان يجب على وضعها تحت انظارى...انا الملام من كل هذا " نطق بها ماجد بخفوت وأسف شديد " لم يعد يفيد الأسف ... يجب علينا التفكير جيدا وأبعادها عن طريقنا ... وإيجاد الطريقة التى نستطيع من خلالها أقصاها من المنصب " قالها بصوت عميق لا يخلو من الغضب اؤما ماجد برأسه ...فتابع سيف يسأله بنبرة حادة " هل لديك أية اقتراحات " " نعم ... هتف بها ثم صمت قليلا ...فتابع ما ان رأى نظرات سيف المحدقة به " لقد عرفت انها استطاعت الوصول إلى المنصب من خلال تصويت معظم أصحاب الأسهم لها ... ونحن نستطيع أقصاها .. وحلولك انت مكانها بطريقة واحدة " قالها ثم نظر تالى سيف ... الذى رفع إحدى حاجبيه بتمعن وتفكير فاضاف ماجد بسرعة " أن نقوم بعمل اجتماع مع أصحاب الأسهم واقناعهم بأنك الأحق ..." أبتسم سيف بتهكم وهو يردف بنبرة ساخرة ... " وهل نستطيع جمعهم الأمر سيستغرق وقتا بالإضافة إلى انه من المحتمل أن يرفوضوا " قاطعه ماجد بسرعة وهو يقول بإصرار " لا لكن هناك أغلبية المساهمين الأجانب لم يحضروا ولم يوقعوا على قبولهم لها ... ونحن سنحاول إقناعهم " صمت سيف قليلا ... ثم هو رأسه بسرعة قاءلا بثقة " ساسافر انا بنفسى إليهم " سحب سترة بذلته بسرعة ولم يمهل ماجد فرصة الرد ... وهتف وهو يستعد للخروج من المكتب " ماجد ... قم بجمع أسماءهم ..وعناوينهم. ..أريد أن أجد ملف بهذا على مكتبى اليوم " هتف بكلماته وخرج مسرعا من غرفة المكتب صافعا بابه بقوة ... .. لقد بذل كل جهده .. حفر باصابعه فى الصخر حتى يستطيع ان يصل إلى المنصب والمكانة التى تمناها... ولن تبعده امرأة عن ما أراده دوما
جلست وهى تراقب القوارب الصغيرة و عدد من السفن التى تحمل عدد من الثنائيات ... الذى يعبر كلا منهم عن حبه للآخر بطرق مختلفة ومتعددة .. بعضهم يمسك بيد الآخر بقبضة تمليكة... واخرين ينظرون إلى بعضهم بهيام. .. وعشق لم تستطع السنتهم البوح به ... تنهدت بضعف وتشدقت بابتسامة ساخرة ... وهى تؤكد فى داخلها ان بعض هؤلاء العاشقين لن تكتمل قصص عشقهم وإن كانوا جميعهم... "نورا" اجفلت نورا فى مكانها ما ان استمعت لنبرته الدافئة التى نادت باسمها ... حاولت رسم ابتسامة على وجهها ونظرت إليه وكأنه أخ لها ... جلس قبالتها و وجهه تعلوه ابتسامة ... قبالتها هى الأخرى بابتسامة أخوية مماثلة تكلمت هى أولا بهدوء ونبرتها الناعمة " محمود ...كيف حالك! .. ارجو ألا أكون قد ازعجتك " حرك رأسه نفيا وأكد نفيه قائلا " ما هذا الذى تقولينه يا نورا انا فى خدمتك دائما " ابتسمت بسعادة ... فلطالما كان محمود هو الأقرب إليها منذ ان تعرفت عليه من خلال فيروز واخاه سليم ... محمود الرجل والشاب الذى كان يقف بجوارها دائما... ولم يتوانى يوما عن مساعدتها او تلبية طلباتها... وهى ما ان اتصلت به بعد ما حدث فى منزلها و اكتشافها ان روز ما زالت على قيد الحياة ...وهو اجاب على اتصالها بسرعة وسالته ان كان يعلم بمكان روز ... أخبرها بعدم معرفته ... لكنه أيضا قال بأنه سيعلم أين هى ... وسيخبرها ... واليوم صباحا أخبرها انه قد علم بمكان روز ويتمنى أن يقابلها ... رغم أنها استغربت من طلبه .. لكنها أيضا لم ترفض ... فقالت هى بهدوء لا يخلو من بعض الارتباك " بالتأكيد تعلم بعلاقتى المضطربة مع مراد منذ فترة ... لذلك انا لم أجرؤ على سواله عن مكان روز ... وكذلك الباقين فأنا قد قطعت علاقتى بهم منذ ان توفيت فيروز ... ولم يبقى أمامى غيرك انت .. فأنت لم تكن مجرد صديق بالنسبة لى بل أيضا أخ يساندنى ما ان أحتاج إليه " أخ ...لطالما كان بالنسبة لها مجرد أخ ... فعل الكثير لكنه لم يستطع الوصول إلى رتبة أكثر من هذه ... تنهد بخفوت ونظر إليها بنظرات يخفى بها ليالى شوق... إلى من خفق قلبه أول مرة بسببها ... وقال بنبرة مرحة واعين لامعة تشبه تمام الشبه بابنه الذى ورث كل شى منه " ساقولها لك مرة أخرى يا نورا ... انا دائما فى خدمتك وتحت امرك ... سليم هو الوحيد الذى كان يعلم بمكان روز لذلك استطعت أن اعرف منه عن مكانها " تابع كلامه وهو يقرب منها ورقة مطوية ... أخذتها منه بسرعة .. ووضعتها فى حقيبتها ... وبحركة هادئة وقفت مبتعدة عن كرسيها ... وهى تقول بشكر غامر وهى تمد له يديها " شكرا لك ..يا محمود انا لن أنسى يوما ما فعلته معى ... حقا شكرا لك " وبيد مرتبكة ... تكاد تتراجع ... حاوط أصابعها بيديه ...وهى بتلقائية أبعدت اصابعها عن يده وتحركت مبتعدة عن الطاولة وعنه ... ابتلع ريقه بألم ... وبدون ان يشعر أبت الذكريات إلا أن تأتى وتلاحقه فى هذا الوقت بالذات ... لكى يتذكر ما عاش ما بقى من عمره محاولا أن ينساه ... حبه لنورا... وابتعاده عنها فقط من أجل صديقه وابن عمه مراد ... مراد الذى لم يجرؤ أحد يوم الوقوف أمام شى تمناه واراده... مراد أحب نورا مثلما هو أحبها تماما ... لا يستطيع أن ينسى ذلك اليوم ذلك اليوم بالذات ... الذى دلف به إلى مكتب مراد الصغير الذى كان أول عمود لبناء شركة المحامة الخاصة به الآن ... كانوا الخمسة متجمعين فى مكتبه وهو دلف إليهم بأعين عاشق ولهان ... قد استبد به العشق والوله ... وهم بحكم أنهم أصدقاءه ... راقبوا ابتسامته وعيناه الخضراء التى تكاد تصرخ من عشقها ... لم يتركوه يجلس سالما ... بل ظلوا يلحون عليه ...حتى أخبرهم ... وياليته لم يقل ... يا ليته لم ينطق .. ياليت .. كلمة لن تنفع ابدا ... " سأذهب لخطبة نورا اليوم " قالها بسرور بالغ " نورا من؟! " سأله مراد بارتباك " نورا صديقة فيروز " أجابه محمود " نورا ابنة السائق! " قالها مراد بسخرية جعلت جميعهم يعقدون ما بين حاجبيهم بتساؤل. .. لكنه بلع سخريته ... ونظر إلى أصدقاءه ...الذين بداو يعبرون عن سعادتهم بطرق مختلفة ... سليم الذى تفاجأ بقراره لكنه رغم ذلك احتضنه بقوة ... وعادل الذى احتضنه... وياسين الذى ظل يدعو له أن تكون هى الزوجة الصالحة ...إلا هو ... مراد الذى كان يجلس بتصلب وبدلا من ان يهناه سأله " وهل والدتك موافقة؟! " سأله مرة أخرى بوجه مضطرب أستغرب محمود ... واستغربوا جميعهم من سؤال مراد لكنه أجابه بابتسامة معبرة عن سعادته " بالطبع .. لماذا ترفض !.. بل انها موافقة وبشدة ...وخصوصا عندما أخبرتها بكل شئ عنها ... وهى فى غاية السعادة " وفى نفس اليوم ... نعم فى نفس اليوم ... وربما بعد ما أخبره بقراره بساعتان... ساعتان فقط ... وجده يدلف إلى منزلهم حيث كانوا جميعا مستعدين للذهاب إلى منزل نورا ... وكلا منهم سعيد ... وبمنتهى البرود هتف " لقد خطبة نورا ... وقد وافق والدها .. و الزفاف خلال أيام " صمت رنان أطبق على المكان وجميعهم ينظرون إليه بدهشة ... وتساؤل ... تساؤل غريب اجتاحهم ... الجميع يعلم انه انانى... لكنهم لم يعتقدوا انها قد يصل إلى هذه الدرجة ... اخرجهم جميعهم من صمتهم وهو يهتف بسعادة وغرور " الن تباركوا لى .. ام إننى لا أستحق مثل محمود " نظروا إلى بعضهم ... حتى كان والدهم هو البادى... احتضن الحاج رشاد ابن أخيه وبارك له رغم حزنه على ابنه الآخر ... وتبعه الباقون والدته ...أخاه ... وحتى أصدقاؤه ... لكن هو ركض ... ولم يستطع البقاء ومشاهدة ما يحدث أمامه ببرود ... لكنه استسلم عندما علم بأن نورا موافقة على الزواج منه ... الشئ الوحيد الذى أعتقد انه السلوان له عندما علم من نورا نفسها انها موافقة وتحب مراد ... وخلال ايام فعلا تم الزفاف وأصبحت نورا ملكا لمراد السيوفى فقط ... واصتكت بصك ملكيته ... وضع يده حيث موضع قلبه ... قائلا فى نفسه بألم " اه ...ما زال قلبى يدق بقوة ..ما ان يلمح طيفك .. لست حزيناعلى نفسى يا نورا ... لكنى حزينا عليكى ... انتى لم تكونى تستحقين رجلا مثل مراد ... انا لا اعيب صديقى ... لكنه جرحك وخصوصا عندما تزوج عليكى .. امرأة أخرى "
استقلت نورا إحدى سيارات الأجرة ما ان خرجت من المقهى الصغير الذى كان على النيل ... و املت للسائق عنوان الفندق ... أدار السائق سيارته وانطلق حيث امرته السيدة ... وهى جلست بالخلف و ارجعت رأسها قليلا واستندت على ظهر المقعد ... أبت الذكريات إلا ان تلاحقها فى هذا الوقت ... تذكرت كل شى ... تذكرت من كانت قبل ان تقابل مراد ... ومكانتها التى ارتفعت بلمح البصر ما ان تزوجت به ... والدها كان يعمل سائق لدى والد فيروز ... وبالأخص كان سائق السيدة الصغيرة ... كان مسئول عن توصيل فيروز إلى اى مكان تريده ... يذهب بها إلى المدرسة ... وهى باسلوبها التلقائي وطريقتها المرحة استطاعت التقرب من السائق العجوز وأخبرها انه لديه ابنة فى مثل سنها تماما ... بالطبع لم تمهل فيروز الأمر ... أصرت عليه ان يعرفها بابنته... تعرفت نورا بفيروز ومع مرور الوقت اصبحتا الاثنتان أكثر من صديقتان بل يكادان يكونان أخوة ... وباصرار وتصميم من فيروز تم نقلها إلى مدرستها ... ومنذ تلك اللحظة وهى تتعلم كل ما يخص الطبقة المخملية الأنيقة من عادات ... كانت تحضر دروس اللباقة والإتيكيت معها .. تعلمها كيفية التصرف بدقة وذوق متناهى... حتى تحصل على تقدير واحترام الجميع لها ... ... فالسيد سليم ما ان رأى طريقة ابنته الهوجاء التى تكاد تقارب تصرفات الصبية بسبب وفاة والدتها وهى صغيرة ... حتى بحث عن امرأة تعلم ابنته جيدا كيف تكون امرأة ... ماذا ترتدى .. كيف تمشى ... واخرين .. لتعليم العزف على البيانو والكمان وغيرها من الآلات ... ومن أجل تشجيع ابنته المتمردة ... قامت هى بمشاركتها فى حضور جميع الحصص مجانا هبة من السيد المبجل سليمان الحسينى ... ما زالت تتذكر تلك المرأة التى قامت بتعليمهم كيفية المشى الصحيح ... الظهر مشدود لكنه أيضا ليس منحنيا او متصلب... كانت تقوم بوضع عدد من الكتب فوق رؤوسهم بالإضافة إلى ذلك الكعب العالى الذى كاد أن يقسم ظهورهم ما ان يرتدونه... أنهت معها الجامعة ... وما ان حصلت على شهادتها الجامعية حتى تم الحاقهما للعمل والتدريب فى الشركة الرئيسية ... وهنا كانت بداية كل شى ... بداية قصة فيروز ... وقصتها هى ... لم تكن تعلم ما يخفيه لها القدر ... قصتها التى حملت المعاناة والحب ... فيروز فى اول ايام عملها فى الشركة تعرفت على مارسيل أخ روز الذى كان والده مساهم من المساهمين الأجانب فى الشركة ... علاقتهم توطدت واصبحا قريبان للغاية من بعضهما بطريقة ارهبتها هى شخصيا ... فيروز تعاملت مع مارسيل بطريقة عفوية للغاية ... لكن مارسيل لم يتأخذها يوما هكذا مجرد علاقة او كانهما صديقان ... طريقة تقبيله ليد فيروز ما ان يراها ... نظراته .. قبضته التملكية وهو يمسك بيديها ... كل شى كان يعبر إلى أن مارسيل لم يتخذ العلاقة التى بينه وبين فيروز علاقة أخوة فقط بل تعدت هذا ... وهى بحكم انها صديقتها وأختها ... أخبرتها بما تشعر ... لكن العنيدة لم تهتم ... وقالت أن ما تنخيله ليس صحيحا ... فمارسيل بالنسبة لها مجرد صديق ... وهنا ظهر سليم ... سليم حب فيروز القديم ... بدأت تقابله سرا من دون معرفة أحد ... إلا هى فقط التى كانت تعلم بعلاقة الاثنان ... حتى والدها رغم قربه من ابنته الوحيدة إلا انه كان يرى سليم من وجهة نظره انه مجرد شاب يتلاعب بها ... ولو كان يريدها حقا ويخاف عليها سيتقدم لخطبتها ... لكنها كانت تقابله بالرد بأن سليم ما زال فى بداية حياته العملية يريد أن يبنى مستقبله بنفسه من دون مساعدة أحد حتى والده نفسه ... وأنه لا يريد أن يقدم على اى خطوة إلا عندما يعلم انه يستطيع إنشاء منزل ... لكن والدها أصر على أن كل هذا ما هى إلا حجج واهية .. و أضاف بحزم وربما بنبرة حادة ... عدم مقابلتها لسليم السيوفى ... لكن فيروز كانت أكثر عنادا مما كان يعتقد والدها ...ولم تكن مستعدة للتخلى عن سليم او حبه لها ... فأصبحت تقابله سرا ... فى اى مكان بعيد عن أعين والدها ... وهى بحكم صداقتهما حاولت اقناعها بالابتعاد وأنها لو أراد الله لهما أن يجتمعان سيحدث ... لكنها رفضت ... حتى انها لم تكف عن اقناعها بالذهاب معها فى مقابلتها لسليم وحينها ستعرف انه لا يتلاعب بها ... وهى لم ترفض لها طلبها وأصبحت ترافقها فى اجتماعتهما تلك ... وحينها كان سليم يأخذ فيروز ويبتعد عن انظارها ... ويتركها مع أصدقاءه الأربعة ياسين ..مراد ..محمود .. و عادل ...حتى يستطيع ان ينفرد بفيروز لوحده ... شعرت بالرهبة والارتباك والخوف وربما بالرعب وهى واقفة وهم حولها ... وكانت تحاول ان تتمسك برباطة جاشها ... وعدم اظهار خوفها او ارتجافها منهم ... لكنها من اول مقابلة رات احتراهم لها ... وخصوصا ياسين الذى كان يعاملها كأنها طفلة صغيرة ... يقوم باحضار لها كيس مملو بكل ما يتمناه طفل فى عمر الخامسة ... جميعهم كانوا يحاولون إخراجها من ارتباكها هذا ... وإثبات لها أنهم لن يوذوها يوما ... ويوما بعد يوم عرفت كم هم رائعون... وليسوا أشرار كما كانت تعتقد ... إلا واحدا منهم الذى نأى بنفسه بعيدا عنهم ... كان يراقب كل شئ من بعيد وبصمت ... مراد ... الذى كانت ترتعب من نظراته لها ... نظرة سوداء خالية من اى تعبير ... استطاع سليم ان ينهض بمشروعه الصغير الذى كان بشراكة أخاه الأصغر محمود ... وما ان استطاع أن يمتلك ماله الخاص ... حتى قام بشراء منزل صغير ... وتقدم لفيروز رسميا ... وبعدها بعدة أشهر من خطبتهم... بدأ مرض فيروز يظهر جليا عليها ... وقبل أن تتزوج أخبرهم الطبيب انها لن تتحمل لا الحمل ولا ألم الإنجاب ... رغم أن فيروز حاولت ابعاده عن طريقها ما ان علمت بمرضها بطريقة ... خالفت تماما تمسكها به فى البداية ... لكنه رفض تركها تزوجها ... وتخلى عن أكثر شئ قد يتمناه اى رجل ان يصبح أبا ... ومنذ موقف سليم هذا وقد ارتفع فى نظر سليمان الحسينى أكثر وأكثر ... بل انه أعتبره بعد ذلك ابنا له ... وتوطدت علاقتهما ... أما نورا فى تلك الفترة فقد تقدم لها أحد زملائها مما يعملون فى الشركة معها ... شاب ميسور الحال فى مقتبل العمر يملك شقة ليست بصغيرة ولا كبيرة فى حى راقى ... بالإضافة إلى خلقه الذى اتصف به بين زملاءه ... وهى أمام تلك المميزات بأكملها وافقت ... فمن هى لتجد شاب به كل هذه المواصفات ... فمهما ذهبت او أتت فهى ستظل ابنة السائق رغم انه تقاعد منذ عدة سنوات لكنها ستظل ابنة سائق... وإن تزوجت فهى لن تتزوج غير بمحيط حارتهم الضيقة وجميع شبانها أكثرهم تعلما يحمل شهادة التعليم الإبتدائى... وهى تمنت أن تتزوج رجل بنفس مستوى تفكيرها وتعليمها على الأقل ... لذلك أعطت لنفسها فرصة .. جلست معه مرة واثنان وثلاثة ... وانتهت جميعها انها شعرت بالراحة له ... ورأت به رفيقا للمستقبل ... بعد مدة من خطبتهم ... تفاجأت فى ليلة من الليالى انه تم القبض عليه .. وحتى الآن هى لا تعلم التهمة او الجريمة التى قام بها ... وعندما علمت بخروجه سأل والدها وبحث عنه وكانت النتيجة انه اختفى هو و عائلته ولا أحد يعلم عنهم شئ ... أخذت نورا وقت طويل للغاية لكى تستطيع الخروج من مما كانت به ... لكنها فى النهاية رضت بقضاء الله ... وفى أحد الأيام ... ذهلت عندما وجدت مراد فى شقتهم الصغيرة ... يجلس مع والدها ... وما ان رآها حتى هم من مكانه و نطق بنبرة هادئة لوالدها " ارجو أن تسمح لى ان أتكلم مهها اولا " اؤما والدها موافقا وتركهما فى الغرفة وترك بابها مفتوحا ... لكنه ما ان خرج والدها حتى قام مراد بغلق الباب عليهما ... أبتسم لها بطريقة جعلت جسدها يقشعر وهو يقول بنفس الهدوء " لقد تقدمت اليك من والدك ... وهو موافق وينتظر موافقتك ... ما رأيك " فرغت فاها أولا من طريقته تلك ف عرضه للزواج ...و ثانيا استغرابها الاكبر ان مراد ... مراد السيوفى تقدم لخطبتها هى .. لماذا ؟!... كيف؟! ... متى ؟!... لا تعلم! ... ولا تفهم !... منذ ان تعرفت به وهو لا يعبر بنظراته لها غير انه لا يكاد يطيقها ... كيف ؟!... لكنها حافظت على هدوءها وقالت بنبرة حادة لا تقبل جدلا " لا ... آسفة سيد مراد .. ابحث عن غيرى... فأنا لست مناسبة لك " فى لحظة وجدت ذراعها مكبلا بيديه وهو يهتف من بين أسنانه بنبرة حاول جعلها هادئة متفهمة " لماذا ؟!" " باى حق !.. تتحدث معى هكذا او حتى تسألني؟! " هتفت به متحدية " بحق إننى أريدك ...إننى أحبك " نطق بها بعشق وعيناه تنضح بما لم تجرؤ لسانه على قوله ... " لكنى لست... لست بمستواك ... كيف ؟!..." نطقت بارتباك ... لكنه قاطعها بسرعة قائلا بتلهف " هل هذا ما يقلقك ؟!... أننا لسنا بنفس المستوى ... نورا ..انسى اى شى قد يفرق بيننا ... انسى من أكون ... تذكرى فقط شى واحد إننى أحبك ... وأنا لا أريد أكثر من موافقتك ... وأقسم لك إننى لن اجعلك تندمين يوما على الزواج بى" نظرت إليه بدهشة ... هل حقا يحبها ... نعم هى قد شعرت بذلك من نظراته لها الآن ... من نبرة صوته ... ضحكت بقوة وهى تتذكر وعوده ... وعوده الكثيرة لها ...لكن رغم ذلك مراد زوج واب رائع ... نعم لن تنكر هذا ... رغم أنها تزوجته زواج عقل ... فى البداية رأته مناسبا لها بالإضافة انها شعرت ببعض الإعجاب له ... وهو بطريقته جعلها تحبه ... لدرجة انها تحملت كل أفعاله ورضيت ... هل ما عرفته عنه آخر مرة هى كانت القشة التى قسمت ظهرها حقا ... ام انها فعلا تحدثت اخيرا بما كان يؤلمها ما ان قامت بتزويج حازم... ورأت أن مراد لن يستطيع ان يقوم بتهديده كعادته بالابتعاد عن ابنها ما ان تطلب الطلاق ... أفكارها تؤلمها... لكن مشاعرها تؤلمها أكثر ... فهى ما زالت حمقاء وتحبه ... حاولت مرات ...ومرات إيجاد الأسباب لكرهه رغم أنها كانت موجودة لكنها لم تستطع ... سقطت دموعها حارة ... كسا عيناها الحمرة من كثرة البكاء مع كل ذكرى تتذكرها معه ... كل ألم .. وكل جرح طعنت به بسببه ... فرغم ما عاشته من نعيم معه ... إلا طعناته لها كانت أكثر إيلاما لها ... مسحت دموعها بسرعة ما ان رأت نظرات السائق المشفقة لها من خلال مرآة السيارة المواجهة لها ... حتى وصلت الى الفندق وترجلت من السيارة ...
داخل غرفة اروى فى منزل والدها الجالسة على السرير وهى تضع يديها على معدتها شاردة فى اللاشى أمامها ... لم تحصل على نوما هناء منذ ان خطت بقدميها إلى منزل والدها ... لا تعلم هل هى اضطرابات وهرمونات الحمل ... ام لأن عقلها وقلبها يكادان يقتلانها من التفكير به ... لقد فضلت البقاء بعيدا عنه حتى تحصل على بعض الراحة النفسية ... حتى لا تضر بطفلها... لكنها فشلت ببراعة ... وما ان ياتى الليل ...حتى تبدأ هى بالبكاء والانين شوقا إليه ... تحتاج إلى ضمته التملكية لها ... أنفاسه التى تخبرها بأنها بأمان حتى لو كانا متخاصمان فهو لا يدعها بعيدا عن احضانه ...نزلت دمعة مشتاقة من عيناها ... تريد الذهاب إليه ... لكن كبرياءها. ..كبرياءها يمنعها ... هو لا يريدها غير جسر لكى يصل به إلى قمة جبله العالى ... لا تستطيع تركه ... ولا تستطيع البعد ... و بين هذا وذاك ... هى متحيرة ومشتتة... ليس هذا ما تمنته معه ... هى تحبه ... لكنها أيضا تريد وتتمنى أن تنطق شفتاه يخبرها بأنه يحبها ... لكنه لم يفعل .. ولن يفعل ... تعلم هو لن يفعل ... لانه لا يحبها ... آهة طويلة خرجت من صدرها ألمت قلبها ... اجفلت ما ان استمعت لصوته الذى جعل عيناها تتسعان ذعرا من نبرته الغاضبة والهادرة ... وبخطوات متعثرة ... تحركت من مكانها وخرجت من الغرفة ... وهى تستمع لكلماته المتواصلة .. وصوت والدتها الذى يحاول تهدءته و إخراجه من انفعاله ذاك ... لكنها فشلت ... فشلت وبجدارة... وهو لم يكف عن الصراخ ... ركضت مرة أخرى إلى غرفتها ... وجسدها يرتعش من التوتر ... دموعها نزلت وهى ترتعش من الفرحة ... " لقد أتى ... لقد أتى " ظلت ترددها وهى تصرخ بها بقوة من شدة سعادتها ... وقفت أمام المرآة وهى تعدل من هياتها... وبسرعة ركضت حيث خزانتها... تحاول البحث عن شئ مناسبا لها بعد معدتها المنتفخة تلك ... فهذا قصير ... وهذا طويل وضيق ... وهذا قديم ... واخر قديم للغاية ... تبا لم تحضر أية ملابس معها ... جلست بوجه عابس على السرير ... وهى تزم شفتيها حزنا ... اجفلت ما أن رأت والدتها تدلف إلى الغرفة مقتربة منها ... فرسمت هى بسرعة على وجهها عدم المبالاة ... وهى تعقد ذراعيها على صدرها بكبرياء " سيف يريدك أن تعودى معه ...ما رأيك " سألتها والدتها وهى تحاول إخفاء ابتسامتها من شكل ابنتها الدال على انها تحاول أن تخفى شوقها لزوجها من تصرفاتها الامبالية رفعت اروى حاجبيها بتعالى " بالطبع ... انا لن اذهب " " هل انتى متأكدة " " بالطبع " قالتها بخفوت وهى تخفض راسها للأسفل " حسنا سأفعل ما تريدينه ... وساخبره بردك " قالتها والدتها وهى تظهر هى الأخرى عدم مبالاتها. .. رغم أن ابن أخيها يكاد يشيط غيظا وغضبا فى الأسفل ... تكاد تقسم انها ان أخبرته بهذا ... سيقتحم غرفتها و لو لزم الأمر ان يقوم بربطها وحملها على اكتافه والعودة بها سيفعل ... راقبت خروج والدتها من الغرفة ... وهى تصتك على اسنانها من التوتر ... تحاول إقناع نفسها انه لن يستسلم ويذهب هكذا . الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الثاني