القمر ساطع والهواء بارد كبرود السقيع.. وقفت نور أمام النافذة الكبيرة فى غرفتها وهى تراقب السماء بأعين لامعة .. تتذكر كلمات عمتها لها اليوم عندما اتصلت بها على هاتف المنزل ..وكم سعدت بحديثها معها اليوم .. اطمأنت عليها وحدثتها كثيرا وهى تخبرها انها يجب ان تكون زوجة صالحة .. أن تكون قريبة من زوجها تحاوطه. . فما رأته وسمعته عن حازم .. يجعلها تخاف عليه من التفاف النساء حوله ..
وكم ضحكت نور من كلمات عمتها تلك .. وكأنها قد وقعت فى حب حازم .. وتقول كل صفاته .. بداية من وسامته وبشرته السمراء وصولا إلى أخلاقه التى حدثها بها خالد .. و رجولته اللامتناهية .. وحسن تصريفه للأمور بالإضافة إلى ذكائه فقد عرفت انه محامى مشهور وناجح .. استطاع أن يبنى اسمه من دون مساعدة والده .. نعم انه حقا كما تصفه عمتها.. فهى اختبرت كل هذا فهو لم يجبرها على شئ .. بل كان أيضا يحترم خصصياتها ولم يقتحمها منذ اليوم الذى أصبحت فيه زوجته ..
لم تكن ترى جوانبه المراعية تلك أثناء عملها معه ابدا .. عملها لقد نسيته تماما .. ولم تعد تفكر به كما كانت تفعل سابقا مع مناقشاتها السابقة مع والدها وخوفه عليها وعدم رغبته لها لكى تعمل .. انها تفكر حقا بالعودة إلى عملها لكن هل هو سيسمح لها ؟!.. فمهما كان هو زوجها ومن واجبها ان تحترم رأيه .. كما أخبرتها عمتها اليوم .. رغم شعور نور طوال فترة المكالمة مع عمتها انها تريد التطرق إلى مواضيع أكثر تعمقا لكنها توقفت عند البعض فقط واخبرتها انها ستتحدث معها أكثر عندما تأتى إليها فى أقرب وقت .. تنهدت نور بخفوت .. واجفلت ما ان سمعت صوت إغلاق الباب .. ووقوف حازم أمامها ..
" هل بك شئ؟! .. " قالتها نور بلهفة هى نفسها لم تفهمها ما ان لاحظت شحوب وجهه .. أبتسم داخله وهو يرى لهفتها فقال بهدوء " لا .. لكن ما سبب سؤالك هذا!؟ " فركت يديها بتوتر وقالت بخجل و تلقائية "هذه أول مرة تصعد مبكرا هكذا .. فلطالما كنت تتأخر فى الصعود حتى تتأكد إننى نمت " نظر إليها مطولا .. و شبه ابتسامة مرتسمة على ثغره .. فقال بمكر و نبرة منخفضة " كنت تشعرين بوجودى.. لماذا اذا كنت تدعين النوم؟! " نظرت إليه بحدة .. بعد ان شعرت بنبرته المتلاعبة وقالت بحدة لم تقصدها و طفولية " لم أكن مستيقظة .. لقد كنت فعلا أستيقظ على صوتك "
التوى فمه بشبه ابتسامة .. ومر بجانبها حتى وصل إلى السرير .. خلع حذائه والقاه بإهمال بعيدا .. ثم استلقى بجسده على السرير بملابسه .. يرتدى قميصا اسودا كعادته ازاره العلوية مفتوحة بفوضوية.. وبنطال يطابق لون القميص .. " بملابسك!" هتفت بها بتعجب وهى تضيق عيناها صدر منه ضحكة منخفضة تعبر عن تعبه وقال بصوت منخفض و سخرية ربما من نفسه " الحقيقة .. انا متعب وغير قادر على تبديل ملابسى.. راسى تؤلمني .. وجسدى منهك وكاننى تلقيت ضرب مبرح .. وتم كسر عظام جسدى " ظهر القلق والخوف جلى على وجهها وهى تجلس على طرف السرير على مسافة منه قائلة بعتاب " بالتأكيد ستتعب... بل وستشعر بالمرض أيضا .. فأنت تنام متأخرا وتستيقظ مبكرا .. ولا تكف عن العمل .. جسدك له حق عليك أيضا " اخفضت اهدابها ما ان نطقت بكلماتها .. حدق بها ببرود مخالف لما يعتمل فى عقله وقلبه وقال بسخرية وتنهيد
" وهل أحد يجد الراحة ويقول لها لا " " بالطبع .. كل شخص مسئول عن راحة ذاته " قالتها باندفاع وسرعة " وهل مسئول أيضا عن إيقاف هذا .. وأشار إلى عقله .. من التفكير ... وهذا وأشار إلى قلبه .. من الخفقان والشوق .. " الجمتها طريقته بالكلام .. هذه اول مرة تراه يتحدث هكذا ... ارتبكت من كلماته .. صمتت .. حتى طال صمتها وهو ما زال محدقا بها .. ينتظر كلماتها التالية .. هل ستستطيع الرد .. ام انه استطاع لجم لسانها .. وإيقاف كلماتها من الاسترسال أكثر ... وضع ذراعه على عيناه وقال بصوت منخفض
" اغلقى الضوء اذا سامحتى " وباصابع مضطربة ومرتجفة ضغطت على زر المصباح الذى على الكومود بجوار السرير .. وفردت جسدها بجواره بحركة بطيئة هادئة ... دقائق و كلا منهم لم يحاول التحرك من مكانه .. حتى شهقت نور ما ان شعرت بحركته الفجاءية وتحركه بسرعة وجلوسه على السرير وكأنه مسه جان .. أو انه رأى شئ أقلق منامه .. دفن حازم وجهه بين يديه .. يحاول السيطرة على دقات قلبه التى تكاد تصم أذنيه .. من قربها المستمر منه .. وهو كالاحمق لا يعرف كيف يقترب؟.. او متى يقترب ؟.. خائف من الاقتراب ... ويتألم أكثر من الابتعاد عنها .. لا يعلم إلى متى يستطيع الإنتظار ؟!.. لقد عرف عن نفسه شيئا لم يكن يتوقعه ابدا .. انه صبور .. صبور للغاية معها فقط .. ولا مع أحد آخر غيرها .. لكن إلى متى سيظل هكذا؟ .. يمنحها الطمأنينة وهى بعيدة عنه .. فى حين هو يشتعل من هذا الابتعاد .. لقد كان ماهرا فى كل شئ .. إلا شئ واحد كان احمقا به .. هو الحب .. وكيف يعبر عن حبه لامرأة لا تشعر به رغم انه يكاد يصرخ من عشقه لها .. لكن كيف يعبر ويظهر هذا الحب .. أبعد يديه عن وجهه وخرج مسرعا من الغرفة .. تاركا نور فارغة العين والفم .. من تصرفاته .. "هل به شئ !.. لماذا أصبح يتصرف بغرابة اليوم هكذا ؟!.. لقد كان هادئا وباردا الأيام الماضية! .. " همست نور لنفسها بذلك
نزل درجات السلم بسرعة غافلا عن والده الذى يقف فى أسفل السلم .. وما كاد يتخطاه حتى ناده والده بصرامة " حازم .. ماذا بك؟! .. لماذا تركض هكذا وكان هناك من يركض خلفك ؟ " توقف حازم مكانه ما ان استمع إلى صوت والده الأمر وقال بهدوء " لا شئ .. لقد كنت ذاهب إلى المكتب " نظر والده إلى الساعة التى تلتف حول رسغه وقال بتعجب " فى هذا الوقت !.. ثم غمز له بمكر متابعا .. هل هناك رجل عاقل يترك زوجته فى هذا الوقت " فرغ حازم شفتاه قليلا واسبل اهدافه من شكل والده وهو يغمز له بهذه الطريقة .. وقال بصوت متزن يعبر عن عقليته العملية
" لدى بعض الأعمال التى يجب عليا انهاءها لذلك يجب عليا الذهاب " لوى مراد فمه بتشكك وقال وعيناه شبه مغلقة .. وإحدى حاجبيه مرفوعان " أعمال فى هذا الوقت .. أيا كانت الأعمال فعليك إلا تترك زوجتك فى هذا الوقت بمفردها .. ثم تابع بهدوء وهو يلاحظ صمت ابنه قائلا بهدوء " حسنا .. انهيها وأذهب للنوم ولا تتأخر .. وهناك شئ أريد الحديث به معك أيضا ..لكى لا أنسى " " تفضل ..انا استمع ..هل هو يخص العمل؟! " سأله حازم
" نعم .. هناك فتاة كانت قريبة لشخص اعرفه وسمعت انك قمت بطردها هى و زوجها من الشركة.. وأنا بحثت فى الأمر ولم أجد سبب لطردهم وخصوصا أنهما محامان جيدان " ضيق حازم ما بين حاجبيه يحاول معرفة عمن يقصدهما والده .. حرك فمه وقال بهدوء .. " لا أتذكر أحد.. هل تعرف اسم اى منهم! .. ربما أتذكر ما حدث " " الفتاة اسمها هايدى وزوجها مازن " تجمد حازم فى مكانه ما ان أنطق والده باسمهما .. واتسعت عيناه .. وهتف بحدة وصوت عالى " ماذا !؟.. هذان الاثنان لا "
أغمض حازم عيناه .. ما ان أنتبه إلى نبرة صوته بالإضافة إلى نظرة والده الصارمة .. و هو مرتعب من أن تكون نور قد استمعت إلى حديثهما.. يدعو فى نفسه إلا تكون قد سمعت شئ. .او تكون نائمة. . حاول حازم تهدئة أعصابه وهو يشتد على قبضة يده إلى جانبه ويضغط على أسنانه بشدة .. وقال بصوت منخفض للغاية محاولا تمثيل البرود " انا من قمت بطردهما.. ولا أريد عودتهما " " لماذا؟! ..هل هناك سبب؟! " سأله والده مشككا وهو يرى تعابير وجه حازم .. وهو على يقين ان ابنه يحاول ضبط أعصابه .. وعدم رغبته فى افلاتها فى الوقت الحالى .. شعر حازم .. من نبرة والده التشككية.. فمهما كان والده محامى .. ومحاما كبير أيضا .. لن يجعل الأمر يمر بسهولة من دون ان يضع فيه أنفه البولسى.. ولا يعلمه فرد بهدوء يخفى به ارتباكه وربما غضبه " لم يعجبنى عملهما "
" كيف؟! .. انا لم أفهم! .. كيف لم يعجباك!. . الفتاة ماهرة فى عملها .. والفتى كذلك أثبت تفانيه فى عمله منذ ان بدأ العمل معنا ولولا مهارته ما كنت قمت بتعينه فى الشركة " قال والده .. " حسنا .. يا أبى يمكنهما العودة" هتف بها حازم بنفاذ صبر فهو لا يريد أن يحتدم النقاش بينه وبين والده .. لكنه تابع بهدوء " تصبح على خير يا أبى " قالها بسرعة ثم انصرف من أمام والده .. الذى تابع تحركه بأعين متعمقة.. ربما بصفته محامى فلديه شكوك حول الأمر .. وربما لأنه أب لا تريحه نبرة ابنه او حتى طريقته فى التعامل مع الأمور ..
مرر حازم يده على وجهه ما ان دلف إلى المكتب وهو يزفر بقوة .. لقد نفذ صبره ولم يتحمل أكثر .. هذه البلد اصبحت تضيق به بطريقة تخنقه .. لقد كان يفكر بالفعل فى أمر السفر .. لكن رؤيته لوالدته وهى سعيدة ببقاءه هو ونور معها ..جعله يصرف هذا الأمر عن رأسه .. لكن الآن هو يفكر جديا فى السفر ..فهو لا يريد اى أشباح للماضي ان تطارده مع نور .. يريد جعلها تبتعد عن كل هذا ويبدأ من جديد ... جلس على كرسى مكتبه وهو يحرك ويهز قدمه بعصبية مفرطة يحاول أن يهدأ من نفسه قليلا .. لكن عبثا لقد ازداد قلبه اشتعالا وغضبا .. وبغضب عاصف أمسك بالفازة الكرستالية من على مكتبه والقاها بغضب على الحائط حتى تكسرت و سقطت محطمة إلى أجزاء صغيرة على الأرض .. صرف نظره عن أمر الزجاج الذى تكسر .. وحاول أن يشغل رأسه باى شئ .. وبدأ ينظر إلى الأوراق التى أمام ناظريه... بعد ما يقارب الساعتان
وقفت نور بتوتر أمام باب مكتب حازم .. وهى تعض اناملها من التوتر والخجل .. لا تعلم هل تدق على الباب وتدخل .. ام تنصرف ولا تهتم للأمر .. لكنها قلقة ولا تستطيع ان تمنع قلقها عليه .. فمهما كان فهو زوجها وأيضا أظهر احترامه لها منذ اليوم الأول الذى دخلت فيه إلى منزله .. نهرت نور نفسها بشدة .. وهى تتساءل .. أ هى حقا تريد أن تطمان عليه بدافع الواجب؟ .. ام لأنها فعليا تفكر فيما قالته لها عمتها صباحا ان تحاوط على زوجها وأن تظهر اهتمامها به فهى لن تجد مثله .. ام لأنها تشعر بشئ آخر !.. يجعلها تشعر بالاضطراب من أفكارها تلك .. هل أصبحت معجبة به! .. ألم تكن صفاته التى عددتها لها عمتها صباحا هى حقا كانت صفات فارس أحلامها .. وهو .. هل هو حقا هذا الفارس .. ام انها ستخدع كما خدعت فى مازن الذى تلاعب بها وبمشاعرها.. هل تقتحم عزلته .. وتقترب منه وترى حقا أن كان هو هذا الفارس .. ام تبتعد وحينها سيكون قد افلتت رجل مثل حازم من حياتها .. لكنها أخيرا قررت الاقتراب .. فمهما اقتربت هى لن تخسر شيئا فهو وعدها بالا يجبرها على شئ ..
ذهبت إلى المطبخ و خرجت و هى تحمل بين يديها فنجان من الشاى بالزنجبيل تتمنى حقا ان يحبه .. وألا يضيع تعبها سدى .. دقت دقات خفيفة على الباب .. و رفعت اهدابها إليه ما ان فتح لها باب المكتب مطلا عليها بطوله الفارع... وهى تنظر إلى شعره المشعث بهيام .. وقلبها يكاد يخرج من بين اضلعها وهى تراه هكذا .. لاحظت تعابيره التى كانت فى البداية مصدومة ثم تحولت إلى باردة وهو ينظر اليها بتعجب .. فتنحنحت اخيرا وقالت بنبرة منخفضة "لقد رأيتك ساهرا.. لذلك فكرت فى ان اصنع لك فنجان من الشاى بالزنجبيل .. " قالتها وهى تنظر إليه لعله يبتعد ويجعلها تدخل إلى الغرفة .. لا .. بل الجلف لم يتزحزح من مكانه .. وظل واقفا وكأنه ما زال مصدوما من مجيءها إليه فى هذا الوقت .. تبا هى الحمقاء .. وهو أكثر منها حماقة وغبى ... ويحتاج إلى ضربة على رأسه تفقده الوعى .. لكى لا ينظر اليها هكذا مرة أخرى .. صدم حازم ما ان راءها أمامه .. تقف بتلك الهيئة أمامه وتحمل بين يديها فنجان من الشاى .. وماذا بالزنجبيل الذى هو أكثر شئ يكرهه فى هذا العالم .. هل تمثل وتريد أن تظهر انها زوجة مراعية ام ماذا؟! .. تنهد بخفوت .. وقال بصوت هادى وهو يتناول منها الفنجان والطبق الموضوع عليه .. " شكرا لك .. وشكرا على اهتمامك" ظهرت شبه ابتسامة على ثغر نور .. وهى تردد فى نفسها .. انه أحمق كبير .. هل هو خائف من ان تدخل محرابه المقدس ام ماذا. . ولماذا هو لا يريدها ان تدخل .. وقالت من بين أسنانها " عفوا " نظرت إليه ونظر إليها .. وكأنها كلمات بينهما .. هو ينتظرها ان تنصرف .. وهى تنتظره ان يرتشف من فنجان الشاى بالزنجبيل حتى تتأكد انه أعجبه .. فهى لم تتذوقه. . وتريد أن تعرف ان كانت نجحت فى إعداده ام لا .. أخرجها من نظراتها صوته البارد قائلا " شكرا لك .. يمكنك الانصراف " هل تعلموا ما الذى ارادته الآن .. أرادت أن تقوم بلكمه على أنفه .. لا على أسنانه البيضاء تلك .. رغم أنها متأكدة أن يدها ستولمها من الضربة .. لكنها تريد أن تجرب .. انه يستفذها بالتأكيد .. فقالت بخجل بعد ان اسبلت اهدابها .. " هل يمكنك أن تخبرنى برأيك به .. قبل أن اذهب " وبحركة سريعة منه بدأ يرتشف الشاى .. وهو يقاوم رغبة قوية فى بصق ما دخل فمه ..ابتلعه بهدوء .. يحاول أن ينسى أن ما يشربه هو زنجبيل .. " ما رأيك؟!" سألته بلمعان التمع بين مقلتيها " رائع " لم يستطع أن يقول كلمة أقل من هذه وهو يراقب ابتسامتها ..قالها وتناسى تماما أمر ذلك الزنجبيل .. " أن له فوائد عظيمة لبعض الأمراض .. مثل الصداع النصفى.. والتهاب المفاصل " سعل حازم وهو يرتشف قائلا بتحشرج " التهاب مفاصل .. فليبشرك الله بالخير " ضحكت وهى ترى وجهه الممتعض. . ناولها الطبق الصغير الذى عليه فنجان الشاى وشكرها بخفوت .. فقالت بخفوت وخجل .. " إلا يكفى عمل حتى الآن الوقت قد تأخر .. وأنت لا تكف عن الاستمرار فى العمل .." تهللت اسارير حازم .. والتمعت عيناه وهو يشعر باهتمامها هذا به .. وقال بهدوء وسرور حاول مدارته .. " حسنا يكفى عملا " ابتسمت هى الأخرى وتحركت تمشى أمامه بخلاء و ببط ما ان رأته يخرج من الغرفة ويغلق بابها وراءه .. صعدت السلم وهو خلفها .. دلفت إلى الغرفة .. واستلقى على السرير ما ان بدل ملابسه بأخرى مريحة .. انزلقت بجواره وهى تحارب شئ من الخجل والارتكاب داخلها رغم أنها قد نامت بجواره لعدة ليالى إلا أن هذه المرة هى تشعر بشعور غريب من الخجل والتوتر .. ولأول مرة وضعت رأسها على الوسادة و هى لا تفكر فى شئ ابدا قد يزعجها. . فعليها أن تستمتع بحياتها وألا تتركها للألم .. فوالدها لو كان على قيد الحياة لتمنى لها حياة سعيدة هادءة .. وهى لا تريد او تتمنى أكثر من ذلك ..
فى اليوم التالى صباحا .. استغلت نور فرصة عرض السيدة نورا عليها لتدخل إلى غرفة المكتب لتحضر لها أحد الكتب الموجودة هناك وبدأت رحلة استكشافها لمحراب زوجها الذى يجلس فيها .. أكثر مما يجلس مع الجميع .. ولجت إلى الغرفة المتوحشة .. نعم متوحشة فقد سار فى جسدها قشعريرة ما ان دلفت إليها .. غرفة متوحشة بالسواد بدءا من نوافذها القاتمة إلى ارضيتها التى تماثلها سوادا.. مكتب ضخم فاحم اللون يقبع خلفه كرسى جلدى.. كنبة عريضة فى أحد جوانب الغرفة .. أمامها منضدة تقديم زجاجية .. لم يخفف من هذا السواد الا الإنارة المنبعثة من المصابيح المعلقة فى السقف .. ستائر قاتمة تمنع مرور الضوء إلى الغرفة .. مررت اصابع يديها بهدوء على جوانب المكتب .. المرصوص عليه بإهمال .. عدد من الأوراق .. والكتب الخاصة بالقانون .. تنهدت نور بضعف .. ثم بخطوات هادئة اتجهت نحو المكتبة التى احتلت إحدى جوانب الغرفة .. عليها العديد من الكتب .. اقتربت غير منتبها لقطع الزجاج التى توجد على الأرض .. بحثت فى الارفف الأولى عن الكتاب الذى أخبرته بها السيدة نورا .. لكنها لم تجده ... فبحثت فى الغرفة عن اى شئ تستطيع التسلق عليه والبحث فى الارفف العلوية .. فوجدت سلما صغيرا وقصيرا بجوار المكتبة .. سحبته ووقفت عليه .. ظلت تبحث .. فلمحت اسم الكتاب المنشود .. على رف عالى بعيدا عنها .. فشبت بقدميها .. حتى وقفت على أطراف أصابعها .. ابتسمت بانتصار ما ان تمسكت به وما كادت تسحبه ..حتى اختل توازنها و تراجعت للخلف .. وسقط جسدها على قطع الزجاج التى كانت على الأرض سابقا .. خرجت آه وصرخة متالمة وعالية منها وهى غير قادرة على تحريك جسدها من الألم .. ومن وخز الزجاج فى ظهرها .. ... دلف حازم إلى المنزل وهو يرتدى ملابس رياضية بعد جريه لعدد من الساعات بالخارج .. بحث بعيناه عنها ما ان دخل .. فى المكان الذى كانت تجلس فيه هى ووالدته قبل خروجه .. لكنه لم يجد غير والدته فقط الجالسة تحتسى كوبا من القهوة .. اقترب منها .. قبل رأسها ... ابتسمت والدته ما ان لاحظت نظراته وقالت بهدوء " نور فى غرفة المكتب .. تحضر لى كتابا ما " عقد حازم ما بين حاجبيه .. ثم ابتعد من دون أن يردف بكلمة .. وما كاد يخرج من الغرفة حتى سمع صوت ارتطام وسقوط شيئا ما بقوة .. ركض نحو الصوت .. حتى سمع صوت صرخة آتية من غرفة المكتب .. ولج إلى الغرفة مصدوما من شكلها القابع على الأرض .. وقطرات من الدماء حولها .. اقترب منها مسرعا .. وقد توقف عقله عن التفكير للحظات وهو يراها أمامه هكذا .. أثنى ركبتيه ومال نحوها .. فرأى عيناها شبه مغلقة " نور " هتف باسمها فتاوهت بخفوت و دموعها تسقط على جانبى وجهها من الألم وقالت بصوت متالم " ظهرى .. انا أتألم .. زجاج " صدرت منه لعنة ومن ثم وضع يده على رأسها ليتأكد ان كان هناك اى قطع من الزجاج قد دخلت إلى رأسها .. حمد الله بخفوت .. ما لم يجد اى زجاج ... ثم وضع يد أسفل رأسها فتاوهت بقوة .. " آسف " هتف بها بخوف ... ثم حملها وخرج مسرعا .. رأته والدته .. فقالت بفزع " ما هذا ما الذى حدث لها؟! .. كيف ؟!" " سأذهب إلى المشفى .. " هتف بها وهو يركض حاملا إياها مسرعا .. فتحت والدته باب السيارة له .. وضعها فى المقعد الخلفى على بطنها .. وما ان جلست والدته بجواره .. حتى انطلق مسرعا ..
وقفت فى المطبخ وهى تنظر إلى الأطباق التى أعدتها منذ ان استيقظت صباحا له هو فقط .. وضعت الأطباق على أحد الصوانى الكبيرة .. وخرجت من الغرفة وهى تحملها بين يديها بابتسامة واسعة على شفتيها .. وما كادت تصعد درجات السلم .. حتى أتاها صوت حماتها .. الذى جعل ابتسامتها تختفى . . " ألم يستيقظ .. مالك حتى الآن ؟!.. الوقت تأخر " قالتها كوثر بحدة التفتت ريم إليها وهى تنظر لها وتحاول رسم ابتسامة على وجهها فهى لن تسمح لأحد أن يعكر صفو حياتها .. " لا لم يستيقظ بعد .. " قالتها ثم تابعت صعودها للدرج ما ان لمحت تعابير وجه حماتها الغريبة والذى أصبح هادئا فجأة .. دلفت إلى الغرفة .. وهى تكاد تختفى من خجلها فلو أخبرها أحد ما سابقا انها ستقوم بفعل هذا فى يوم من الأيام .. لكانت قامت بضربه لتفوهه بهذه التفاهات .. وضعت الصينية الكبيرة على طاولة منخفضة قريبة من السرير .. وبدلال بدأت فى إيقاظ مالك .. الذى أبتسم ملئ فاهه وهو يراها أمامه ما ان أستيقظ .. قائلة له بصوت ناعم " صباح الخير .. " فغر مالك فمه من الدهشة ومن نبرتها التحببية تلك .. و بتلقائية وضع راحة يده على جبهتها.. وهو يزم شفتاه بتفكير قائلا بقلق " ريم هل بك شئ حبيبتى اخبرينى؟! .. انتى لستى بخير هذه الأيام " امتعض وجهها وقالت من بين أسنانها تحاول أن تكون لبقة ورومانسية إلى النهاية .. فيجب أن يتم ما فى رأسها إلى النهاية .. فلاول مرة ستجرب الحياة السعيدة .. وستفعل كما تفعل الزوجة المحبة الأصيلة .. وتعد له كل يوم فطور رائع تعبر فيه عن حبها له .. لقد كان صبورا ومحبا معها اذا هى يجب ان تظهر انها تحبه أيضا .. "هيا أنهض الطعام جاهز .. اريدك أن تلتهمه بأكمله " قالتها وهى تحمل الصينية بين يديها ووضعتها على طرف السرير .. ارتفع حاجبه دهشة وتهللت اساريره بابتسامة عذبة تعبر عن فرحته وقال بمكر " فى السرير! .. سنتناول الطعام فى السرير!.. " فردت عليه بسرعة " نعم .. وما المشكلة .. اذهب أولا لغسل وجهك " تحرك مبتعدا عن السرير .. متوجها نحو الحمام .. وما ان خرج حتى نظر إليها بتفحص .. تنحنحت فى مكانها وهى تلمح نظراته المتفحصة والمستغربة فى آن واحد وهو يستند بجسده على إطار باب الحمام ..اقترب منها ببط و جلس بهدوء قبالتها .. وبدأت هى نفسها باطعامه بيديها وهو يكاد يسعل ويجن من حنانها المفاجئ .. وهى تطعمه بيضة تلو الاخرى داخل فمه .. سعل بقوة ما ان تذكر تلك المسرحية الكوميدية الشهيرة والمشهد الأشهر .. عندما قامت الزوجة باطعام زوجها البيض بنفس الطريقة .. ناولته بسرعة كوب من الماء .. شربه دفعة واحدة .. ثم هم مبتعدا عن السرير وهو يضع إحدى يديه فى خصره قائلا بحدة " ريم .. هذا الأمر لا يسكت عليه .. ماذا بك ؟!.. هل قام أحد ما باجبارك على شرب شى ما! .. حنيتك هذه لا يمكن أن يسكت عليها " اسبلت اهدابها وقالت بخجل .. " إلا يمكننى أن أعد الطعام !.. وأكون لطيفة " رفع إحدى حاجبيه وقال من بين أسنانه بتعجب " لطيفة .. لا أعتقد ذلك " احتقن وجهها شرا .. وهى تسأله بغضب مكتوم "ألا يمكننى ان أكون لطيفة؟ ؟! .. " لاحظ مالك وجهها المحتقن وقال بارتباك وهو يحاول أن يشيح بوجهه بعيدا عنها حتى يامن من غضبها " لا أقصد هذا ... لكن ... " صمت ... ف همت من مكانها غاضبة " لكن ماذا سيد مالك .. هل انا سيئة لتلك الدرجة .. " حاول تهدءتها والتقرب منها ولكنها كانت تبتعد عنه .. حتى قالت بغضب " ساريك يا مالك .. انا المخطاة لأننى فعلت كل هذا من أجلك .. وفى النهاية تقول لى .. انتى لستى لطيفة .. " لوى فمه وقد عادت ريم لسابق عهدها وقال بهدوء " انا لم أقل هذا .. وانظرى. . انظري إلى نفسك لا يمكنك أن تكونى لطيفة لمدة قصيرة حتى " حملت صينية الطعام .. وقالت قبل أن تهم بالخروج من الغرفة بها .. " ساريك .. الوجه القديم .. ولن أقوم بتكملة ما كنت أفكر بفعله لك اليوم .. انا المخطاة .. ساريك .. وما ان خرجت حتى عادت بسرعة " لن أبقى معك لحظة بعد الذى قلته .. سأذهب عند نور .. ثم تابعت مفكرة مغيظة إياه ولكن لماذا أخبرك .. فأنا لست لطيفة " مرر يديه على وجهه ثم قال بخفوت "ها هى وقد عادت ريما لعادتها القديمة .. لن تتغير ابدا .. مجنونة أبتسم ابتسامة جانبية متابعا .. " لكننى أفضل جنونها هذا "
فى المشفى أخذ حازم ردهة المشفى ذهابا وايابا بغير هدى .. وهو ينتظر خروج أحد الأطباء ليخبره بحالتها .. وهو يسب ويلعن بخفوت .. فهو من كسر هذا الزجاج ليلة أمس .. ونسى تماما ان يطلب من أحد ما تجميع الزجاج .. تنهد بقوة .. وعيناه على الباب القابعة خلفه زوجته .. ما كان سيخرج لولا غضب الأطباء على ضرورة خروجه .. أمسكت والدته بيديه ما ان لاحظت الخدوش الصغيرة التى على ظهر يده .. تقطر منها بعض الدماء .. وقالت بحنان " حازم يدك أيضا مصابة اذهب لتطهيرها " رفع حازم يده وهو يرى يده المصابة بالقليل فيبدو انه قد خدش وهو يقوم بحملها من لهفته عليها .. هز راسه ببط ثم ابتعد عن والدته .. متجاهلا خدوش يده انتظروا لما يقرب الساعة .. وهو يزفر بنفاذ صبر .. غير قادر على الانتظار أكثر ..يقف وهو يستند بجسده على الحائط.. ركض نحو أول طبيب لمحه يخرج من الغرفة .. والذى قال من قبل أن ينطق حازم " الحمد لله .. اخرجنا الزجاج من ظهرها وقمنا بتقطيب الجروح .. ولم تتوغل اى قطعة زجاج إلى منطقة خطرة من العمود الفقرى " " هل هى بخير " سألت نورا الطبيب وهى ترى عدم قدرة ابنها على النطق .. " ستكون بخير ..لكنها بحاجة ان تبقى بالمشفى لعدة ايام " قالها الطبيب ثم انصرف من أمامهم .. تنهد حازم .. وأغلق عيناه بقوة يعبر عن ارتياحه .. ربتت والدته على كتفه وقالت بخفوت " سأذهب إلى المنزل وأحضر لها بعض الأغراض التى قد تحتاج إليها .. وأخبر والدك أيضا " هز رأسه ببط .. ثم قال بهدوء " ساوصلك " " لا داعى .. ابقى مع زوجتك .. وأنا ساحضر بعض الأغراض و ساتى إليك " قالتها والدته بهدوء ... ما ان ترجلت السيدة نورا من سيارة الأجرة .. حتى لمحت ريم واقفة بجوار سيارتها وبجوارها اروى .. اللتان ركضتا إليها ... " مرحبا عمتى .. كيف حالك؟ " قالتها اروى بهدوء .. " بخير .. حبيبتى .. كيف حالك انتى؟ " ردت عليها نورا "أين نور؟ .. لقد أتينا منذ دقائق والحارس أخبرنا بأنه لا يوجد أحد فى المنزل " سألتها ريم "انها بالمشفى .." " ماذا؟! .."هتفت بها كلا من ريم واروى ثم تابعت ريم " لماذا هل بها شئ ؟! " " سقطت .. وأصيبت فى ظهرها ببعض الزجاج " ردت نورا بارهاق. . ثم تابعت بهدوء "سآخذ بعض الأغراض وأذهب إليها يمكنكما المجى معى " وبعد ذلك دخلت نورا إلى المنزل .. و بعدها بقليل خرجت وهى تحمل بين يديها حقيبة وبعض الأعراض ساعدتها كلا من ريم واروى فى حملها .. ثم صعدوا إلى السيارة وانطلقوا بها ... ... فى المشفى بالتحديد فى الغرفة التى تجلس بها نور ... وقف حازم بوجه مرهق .. بجوار سريرها يراقب جسدها الراقد على السرير بدون حول ولا قوة وهى نائمة على بطنها بسبب إصابات ظهرها .. و بجوارها معلق محلول ما متصل بيدها بخرطوم شفاف .. لتغذيتها بعد ما تعرضت له اليوم .. بعد حقنها بعدد من الحقن لتسكين حدة الألم عليها ... مرر أصابعه بين خصلات شعرها وهو يزفر بقوة .. وكان تلك الصغيرة قد كتب عليها الألم طيلة عمرها .. فما ان تنخلص من شئ حتى ياتى غيره .. اقترب منها و ببط مال عليها وطبع قبلة على جبهتها التى تصبب عرقا .. ثم مسح قطرات العرق بيده بهدوء حتى لا يؤلمها .. وأدخل بعض من خصلات شعرها داخل غطاء الرأس الموضوع على رأسها وهى ترتدى لباس المشفى الأبيض .. اجفل حازم وتوجه بنظره نحو الباب .. تبعه دخول تلك المجنونة باندفاع داخل الغرفة .. وخلفها والدته واروى .. التى نظرت إليه بعطف ما ان رأته أمامها واقف بتلك الهيئة... ووالدته وضعت الحقيبة على أحد الكراسى و وقفت بجوار السريرمن الناحية الاخرى .. وسألته وهى تمرر يديها على وجه نور " كيف حالها الآن؟! " " بخير .. والطبيب قال لا يسمح لها بالزيارات الآن فهى تحتاج إلى الراحة .. قالها وهو ينظر إلى ريم بشر متابعا بحدة .. " هناك بشر مجانين .. يحتاجون إلى تعلم الذوق قبل ان يدخلوا إلى غرفة أحد ما " رفعت ريم إحدى حاجبيها ما ان علمت أن الكلام موجه اليها فهى من اندفعت بالدخول وقالت متجاهلة كلامه .. " يجب علينا أن نقوم بتغير ملابسها .. ف رائحة المخدر شديدة للغاية .." " نعم عندك حق " ردت نورا بهدوء .. ووجهت نظرها نحو حازم لثوانى .. وريم هى الأخرى تنظر إليه وهى تقول بسخرية " يبدو .. أن السيد حازم لم يفهم نظرات والدته التى تخبره ان يخرج .. ام انه يريد أن يراقب بدون خجل " اصتك حازم على أسنانه بغضب .. ونظر إليها بشر يحاول ان يجمع رباطة جاشه.. و تحرك ببط خارجا من الغرفة لكنه قبل ان يغلق الباب .. وجد لسان ريم يخرج بانتصار مغيظا إياها ... فقال من بين أسنانه " مجنونة " اتسعت عيناها وردت هى الأخرى بسرعة وغضب من بين أسنانها " طفل " ... ولج حازم إلى الغرفة .. بعد ما يقرب الساعة .. ورأى نور قد افاقت قليلا من المخدر .. ولكنها ما تزال تنام على بطنها .. وريم تجلس بجوارها والأخرى تبتسم لكلامها .. وهى تحاول اطعامها القليل من الطعام الذى احضرته الممرضة لها .. واروى تجلس على أحد الكراسى فى الغرفة تبتسم لدعابات ريم .. و والدته تجلس بجوارها على الكرسى .. تنحنح فى وقفته غير قادر على إخراج كلماته فى حضور الثلاثة نساء الذين زادوا من ارتباكه من نظراتهن له .. اقترب منها بخطوات وءيدة.. رفعت نظرها نحوه وهى تقول بخفوت و ابتسامة على وجهها " لا تقلق انا بخير " قالتها قبل ان يسألها حتى وكأنها رأت .. قلقه وخوفه بين عيناه .. هز رأسه ثم جلس بجوار والدته .. رفعت ريم إحدى حاجبيها وهى ترى تصرفاته التى تماثل السقيع فى برودته وقالت بخفوت من بين أسنانها " إبن والدته " لم يستمع أحد إلى كلماتها غير نور التى ابتسمت وقالت بخفوت تنهرها " ريم .. كونى عاقلة " فمالت الاخرى برأسها نحو نور قائلة قرب اذنيها .. وهى تبتسم بانتصار لنظرات حازم المغتاظة من قربها لنور .. " أقسم أن لديه يد فيما حدث لك " " ريم.. لا تظلميه .. هو ليس له ذنب انا من وقعت ولولا انه انقذنى واتى بسرعة لربما حدث لى الاسوء " قالتها نور مدافعة عنه .. و عيناها لم تكف عن مراقبته وهو جالس .. فكان من حسن حظها انه يجلس من الجهة التى وجهها به ..
وقفت بثينة أمام المرآة وهى تتفحص ما ترتديه بعيناها .. ثوب من الحرير باللون الزيتونى قصير يصل إلى ما بعد الركبة ذراعين عاريان وذو حمالات رفيعة.. فلاول مرة يوافق حسام على أن ترتدى شئ كهذا .. رغم انه أظهر اعتراضه عدة مرات .. لكن هذه المرة وافق .. ولم يعترض ..وكم تعجبت من هذا منذ ايام وبعد أن تصالحا.. تفاجأت به يطلب منها أن تعد الحقائب ليذهبا إلى أحد القرى السياحية ليقضيا بها بعض الوقت .. فهما بحاجة إلى التقرب أكثر من بعضهما سعدت بهذا الاقتراح .. وبدأت فعلا فى إعداد ملابسهم جميعا .. وسافروا وها هم الثلاثة يجلسوا فى جناح واسع وراقى .. بالإضافة إلى تخصيص حسام مربية ل ميا .. حتى يستطيعا الخروج مع بعضهما فى بعض الأوقات .. الأيام التى قضوها فى هذه القرية كانت هادئة واستمتعوا بكل لحظة وهم مع بعضهم .. وحسام أصبح يتقرب من ميا أكثر وأكثر .. حتى أصبحت الصغيرة تصرخ وتبكى ما ان يبتعد عنها .. لكن اليوم أخبرها أنهما مدعوان للعشاء من أحد أصدقاءه القدامى .. وعليها ان تكون جميلة اليوم .. " هل انتهيتى؟ " اجفلت بثينة وهى تستمع لصوت حسام من خلفها وردت بهدوء " نعم " تقربت منه ما ان رأته واقفا ويحمل بين يديه رابطة عنقها .. منتظرا ان تأتى لتعقدها له .. عقدت الرابطة حول عنقه .. و سألته بهدوء " من صديقك هذا ؟ .. وهل كان يعرف بحضورنا إلى هنا ؟!" " نعم بالطبع .. فهو صاحب تلك القرية .. قالها ثم ابتعد عنها و تابع وهو يرتدى حذائه " وأيضا أفكر بأن اشاركه بها .. ما رأيك " تفاجأت بثينة من كلامه .. لقد أتى اذا من أجل العمل .. حسام لن يتغير ابدا .. حتى وإن قال بنفسه انه تغير سيظل كل همه هو العمل .. " انه عملك.. وما هو أفضل لك أفعله " قالتها بخفوت وانزعاج لم تستطع اخفاءه ووقفت أمام المرآة تكمل وضع زينتها .. شعر حسام بتوتر الجو بينهما .. أراد الحديث معها لكنه فضل ان يتحدثا ما ان يعودا من هذا العشاء .. تباطات ذراعه وهى تدلف إلى المطعم الفخم .. المجهز بطريقة حديثة .. حتى قادها حسام إلى أحد الطاولات ما ان لمح صديقه المقصود .. كانت الطاولة يجلس عليها رجل وامراتان .. الأولى ذات ملامح هادءة وقد عرفت انها زوجة صديق حسام .. ام الثانية فملامحها لم تكن غريبة عليها وشعرت بانقباض حاد فى صدرها ما ان تصافحا.. عرفت أن اسمها عزة .. جلست بهدوء و بجوارها حسام الذى لم يكف عن التحدث هو وصديقه .. بينما المرأة الاخرى ترمقها بتفحص وتكبر .. وكأنها لا شئ أمامها ... لم تشعر بثينة بالراحة طوال الأمسية وهى ترى نظرات المدعوة عزة إليها .. " هل لديكم أطفال؟! " سألت المدعوة عزة فجأة فأجاب حسام بسرور " نعم لدينا طفلة صغيرة رائعة " ابتسمت عزة ببرود و سألت مرة أخرى " ما اسمها؟ " إجابها أيضا حسام " ميا .. عقد الجالسون كلا منهم حاجبيه من غرابة الاسم فابتسم حسام وضحك بقوة قائلا " حتى انا استغربت من الاسم .. انه اسم جميل وصغير ومعناه العظيمة .. ثم تابع بتفاخر. . فالبطبع ابنة حسام .. يجب ان تكون اعظم امرأة فى هذا العالم " عبس وجه المرأة واحتقن وجهها .. فى حين الرجل والمرأة ابتسما لكلام حسام .. وسألته زوجة صديقه بمراوغة وكأنها تسدد ضربة إلى عزة الغاضبة بجوارها "وهل هى تشبهك ام تشبه والدتها؟! " " ميا تشبه بثينة كثيرا.. بل تكاد تكون مطابقة لها " قالها حسام مبتسما وطبع قبلة طويلة على اصابع زوجته الصامتة .. التى لا تشعر بالاطمئنان ابدا من هذه الجلسة ... ابتسمت عزة شبه ابتسامة ثم وجهت نظرها نحو طبقها.. والغيرة والغل ينهش قلبها .. فالرجل الذى أحبته .. ووقفت معه .. وبدلا من تكون هى الجالسة الآن بجواره .. هناك امرأة أخرى غيرها معه ويمسك بيديها .. وما ان قهرها و ازعجها أكثر هو نظراته التى لم يكف عن رمقها لزوجته بدون خجل .. وكأنه يريد ان يعلن أمام الجميع ان هذه المرأة هى حبيبته وزوجته .. آهة ..أرادت الصراخ بها لكنها كتمت كل هذا داخلها .. فهى لن تترك امرأة أخرى تكون معه غيرها ... بعد انتهاء الأمسية دلفت بثينة إلى جناحهما وخلفها حسام .. الذى حاوطها بذراعيه من الخلف قائلا قرب أذنيه " لقد كنتى هادئة للغاية طوال العشاء .. هل هناك شئ يزعجك؟! " " هل تخبره حقا بما يزعجها .. ام لا تفعل .. " قالتها فى نفسها "لا شئ كنت متعبة فقط " همست بها بخفوت .. فبثينة كعادتها فضلت الكتمان ... ثم أدارت جسدها ولفت ذراعيها حول رقبته .. وهى تقول بخفوت " أحبك " أبتسم حسام وقهقه عاليا .. ثم ضمها إلى صدره وعانقها بقوة ...
خرجت نور بعد عدة ايام من المشفى .. بعد أن تحسنت حالتها .. و جلست عدة أسابيع فى الغرفة لا تتحرك .. حتى التامت جروحها ... جلست نور على السرير تراقب حازم الواقف أمامها .. الذى لم يحاول التحدث إليها خلال الأيام السابقة طيلة مرضها .. يطمئن عليها بكلمات مقتضبة لا أكثر ثم يترك الغرفة .. غير مهتما بها .. رغم أنها تشعر بأنه يلوم نفسه على ما حدث لها .. وخصوصا بعدما أخبرها انه هو من ألقى بتلك الفازة الكرستالية .. وأنه نسى تماما أخبار شخصا ما بجمع تلك القطع .. أخبرته انه ليس لديه ذنب .. ولا يجب عليه ان يلوم نفسه .. لكنه لم يستمع إليها وها هو يحاول تجاهلها " لقد مللت هل يمكننى أن أعود إلى العمل فى الشركة " قالتها نور بهدوء مخفضة رأسها استدار بجسده نحوها ثم قال بهدوء يخفى به غضبه .. " ما زلتى مريضة .. عليك البقاء مرتاحة لعدة ايام أخرى " ما كادت تجادله حتى سمعت صوت دقات على الباب ودخول الخادمة تخبرها .. بحضور كلا من السيدتان اروى وريم .. وكأنه انتهز الفرصة لوجود الخادمة لكى يهرب من الحديث والجدال معها .. وقال بهدوء " سنتحدث فى وقت آخر " قالها وخرج وهى تكاد تتمزق من الغيظ .. من حظها العاثر فلا تستطيع ان تكمل كلامها معه لمرة واحدة ابدا .. جلستا كلا من اروى وريم على الأريكة بتعب ما ان دلفا إلى غرفة الصالون الموجودة فى الطابق العلوى .. ونور تجلس قبالتهم " أين كنتما تبدوان متعبتان؟ " سألتهم نور " لقد كنا عند الطبيبة النسائية الخاصة باروى " ردت ريم ابتسمت نور وسالتها باهتمام " و بماذا اخبرتك؟!" عبس وجه اروى وقالت بحزن " هناك احتمال كبير ان أنجب خلال هذه الأيام " " ماذا لكنك ما زلتى فى شهرك السابع؟! .. كيف؟ " هتفت بها نور بقلق " انه أمر عادى لا تقلقى هناك نساء كثر ينجبن فى الشهر السابع .. ويكون الأطفال اصحاء وبخير " طمانتها ريم " انا لست خائفة من أن أنجب الآن .. لكننى حزينة انه لن يكون بجوارى .. لكى يمسك بيدى ويخبرنى إننى سأكون بخير .. تمنيت أن يكون بجوارى فى تلك اللحظات ".
بكت اروى وهى تقول تلك الكلمات .. وقالت بشهقات وخوف " انا لا أعلم عنه شئ منذ ان سافر .. تأخر ولم يتصل بى حتى وكأنه قد تناسانى واخرجنى من حياته .. ثم تابعت وجسدها يهتز خوفا .. "لقد علمت أن فيروز قد أنجبت سيف أيضا فى الشهر السابع .. خائفة من أموت والا أراه .. " ربتت كلا من ريم ونور على ظهرها .. والأخيرة تطمانها بكلمات هادئة ... بينما ريم تنهرها عن تفكيرها التشاؤمى هذا .. "أيتها الحمقاء لو هو حقا قد نسيك عليك ألا تبكى على فراقه " نهرتها ريم بقوة فردت اروى ببلاهة من بين دموعها " اذا ما الذى تريدنى ان أفعله وزوجى ليس معى " " حمقاء البكاء للنساء العاديات .. أما الجميلات فيذهبن إلى التسوق .. ونحن يكفينا بكاء سنذهب للتسوق من أجل أول مولود بيننا .. " قالتها ريم بغمزة لنور .. التى فهمت مقصد صديقتها .. وايدت كلامها .. فهذه هى أنسب طريقة لتنسى صديقتهما حزنها وخوفها هذا .. صعدن الثلاثة نساء إلى السيارة التى قادتها ريم .. و بعد ان اخبرت نور حماتها عن ذهابها مع صديقتيها.. نظرت ريم بقلق ورعب إلى مرآة السيارة .. وهى تلاحظ سيارة سوداء .. تكاد تجزم انها شاهدتها وراءهم عدة مرات .. انتابها الخوف .. لكنه سرعان ما تلاشى ما ان وصلن إلى مركز التسوق الكبير .. قضا الثلاثة نساء وقت ممتع بين محلات المختصة لحاجات الأطفال حديثى الولادة .. واشترين كل ما يحتاجه الطفل وأكثر من ملابس واحذية وألعاب .. طوال فترة تنقلهم بين المحلات واروى تشعر بانقباض يزداد شدته وقوته مع مرور الوقت .. حاولت تناسى الأمر مثلما أخبرتها نور .. وهما ينتظران ريم التى ذهبت لجلب شئ ما .. لكن الألم ازداد أكثر هذه المرة وهى لا تستطيع تحمله أكثر .. وضعت يدها على بطنها وهى تصرخ بقوة .. أتى على صراخها أربعة من الثيران .. جعلها تصرخ أكثر من شكلهم .. ونور .. تريد الصراخ ولكن كأن لسانها قد الجم " من أنتم؟! ..." صرخت بها اروى بقوة ما ان حاول الرجال اسنادها ومنع سقوطها .. " سيدتى نحن حراس السيد سيف " قالها أحد الرجال لطمانتها لكنها صرخت أكثر بقوة من شدة الألم وقالت بصراخ " فليذهب سيف إلى الجحيم .. بدلا من أن يبقى معى .. ابقى حراسه.. أريد ريم قبل ان أقوم بقتلكم " أتت ريم راكضة وهى ترمق الرجال بشر .. ولم تسمح لواحدا منهم من لمسها .. تم نقل اروى إلى أقرب مشفى .. فى الغرفة التى بها اروى ظلت تصرخ بهستيرية... حتى أتت والدتها وبقيت بجوارها .. ظلت ريم تمسد على رأسها وهى تخبرها انها لن تتركها وستجهز نفسها لتدخل معها إلى غرفة العمليات لكن الاخرى صرخت فى وجهها وهى تقول بجنون " انا لا أريدك .. انا اريد سيف ..اخبريه .. أن لم ياتى الآن أقسم إننى لن أدعه يرى ابنه .. حتى لو أكل تراب الأرض .. هل تفهمين ..." صرخت وهى تحارب موجة من الألم تجتاح جسدها .. والانقبضات تزداد عليها أكثر وأكثر وكان من تحملت لأجله أشهر يأبى أن يقبع داخل رحمها أكثر .. عيناها انتفخت من كثرة بكاءها.. وصوتها أصبح مبحوح من كثرة الصراخ المستمر وكان روحها تغادر جسدها .. تشبثت بقوة وعيناها تذرف دموعها بدون توقف بيد والدتها .. تتمنى لو كان بجوارها ويضمها إليه ويخبرها انها ستكون بخير هو وطفلهما .. لكنه ليس موجودا .. ليس بجوارها صرخت بقوة وهى تقول بألم " انا لست خائفة من الموت .. انا خائفة من ان أموت وهو ليس بجوارى .. وهو ليس أول واخر شخص تراه عينى .. تمنيت أن يكون بجوارى " الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل التاسع
" ما هذا الذى فعلتيه تخونينى يا روز! " صرخ بها مارسيل فى وجه روز ما ان ولجت داخل المنزل .. وجدت اخوتها جميعا مجتمعين(سيليا،رافى،ليندا ) .. ووالدتها تجلس على الكرسى .. وكلا واحدا منهم ينظر اليها باتهام .. أغمضت عيناها لثوانى وهى تحاول السيطرة على نفسها حتى لا تنفعل وتتحدث بتعقل " ما الذى فعلته ؟!.. " سألت باستغراب مدعية عدم الفهم .. تنهد مارسيل وقال من بين أسنانه وإحدى حاجبيه مرفوعان
" تعلمين جيدا ما أقصده ولا داعى للتلاعب بيننا .. سيف ومساعدتك له .. ما الذى تريدينه من خلف هذا ؟!.. " سأل بينما اخوتها ينظرون إليها بصمت منتظرين ردها .. " ما فعلته الصواب .. " ثم تابعت بغضب .. وهى ترى نظرات الاتهام بأعينهم جميعا .. " لماذا تنظرون إلى هكذا؟! .. هل ستضعون لى المشنقة فى حين انا من كان من حقى ان أضع هذه المشنقة لكم .. وما فعلته بابنتى " اعتدل كلا منهم بجسد متصلب فى جلسته منتظرين باقى حديثها بانتباه و مكر .. فلطالما كان اخوتها صامتين .. يدبرون ويخططون لكل شئ من الخلف للخلف .. وبعد ذلك يطعنون عقدت ذراعيها وهى تهتف بغضب
" ماذا ؟! .. هل أنتم متفاجون لمعرفتى بكل شى ؟.. وإن اخوتى هم من كانوا السبب فى أبعاد ابنتى عنى .. هم من حرمونى منها .. اخوتى " ضحكت بسخرية وهى تهز رأسها بألم .. " روز .. نحن لم نكن نريد غير مصلحتك " هتف بها اخاها الأصغر رافى .. رافى الذى كانت تهتم بكل شئ تخصه منذ ان كان صغيرا واعتبرته ابنها وليس اخاها .. حتى هو طعنها وراء ظهرها " مصلحتى فى أبعاد ابنتى عنى !" ردت باستهزاء وعيناها تومض غضبا والما
" نعم .. لقد كان يستغلك .. لقد أراد مالك .. وما ان قلنا له ابتعد وخذ ابنتك حتى ابتعد .. لو ارادك لكان تمسك بك وحارب من اجلك ولما تركك ابدا " هتفت ليندا .. أختها التى تصغرها بعدد من السنوات .. التى تملك عائلة وزوج واطفال حتى انها ستصبح جدة قريبا .. ها هى تقف أمامها و تؤكد على ان ما فعلوه صواب .. حرمانها من ابنتها صواب! .. هى لم تتدخل فى حياة اى منهم فى يوما من الأيام .. لكن حياتها هى فقط التى يسمح لهم بالتدخل بها وتدميرها إذا لم تعجبهم حتى .. كل واحدا منهم لم يطمع غير فى مصلحته .. أهدافه الشخصية فوق اى أحد .. وهى كانت هكذا سابقا قبل أن تقابل فيروز والأصدقاء الخمسة الرائعين .. عرفت معهم معنى العائلة .. والصداقة
" افيقوا جميعكم انا الكبرى بينكم .. أنا لست حمقاء او مجنونة ليستغلنى أحد .. او أن يتلاعب بى .. بل انا أكثر من عاقلة لادبر شئون حياتى .. وأنا من كان لى حق اختيار كل شئ .. " صرخت بهستيرية وهى تستمع لادعاتهم اللامتناهية ودفاع كل منهم عن سبب فعلته .. هدأت من روعها. . وقالت وهى تقف ثابتة فى مكانها بعنفوان .. " لقد انتهى النقاش .. لولا أنكم اخوتى لكنت فعلت شيئا آخر .. لما فعلته بى سابقا .. لكنى ساتغاضى عن كل هذا .. وسانسى ما فعلته.. ومقابل هذا .. احذركم جميعا من ان يحاول اى منكم أن يقترب من ابنتى او يحاول اذيتها. . حينها ستجدونى عدو لكم .. هل فهمتوا. ." نظر كلا واحدا منهم إلى الآخر بتعابير غريبة ..
"وماذا عن مساعدتك لسيف ؟.. و طعنك لى من الخلف! " سألها مارسيل بغضب عاصف ضحكت باستهزاء بطريقة جعلتهم يعقدون ما بين حاجبيهم باستغراب حتى قالت بهدوء تام " أخى أكبر أحمق فى هذا العالم .. تابعت وهى تلاحظ قبضته التى اشتدت بغضب .. وعيناه التى تكاد تخرج شرارت من النار " نعم .. لا تستغرب ما أقوله .. أولا .. نحن لن نكون يوما ندا لعائلة الحسينى .. أن كنت تعتقد أن باختفاء سليمان الحسينى نفسه .. هكذا نستطيع فرد اذرعنا .. إذا أنت أحمق .. فما ان نفردها حتى يقوم بقطعها لنا جميعا .. عائلة الحسينى ليست سهلة .. بالإضافة إلى أننا نحصل من وراءهم على أرباح كثيرة .. وخسارة أناس كؤولاء او عداواتهم ستكون بالتاكيد خسارة لنا جميعا " " أما عن مساعدتى لسيف .. فهذا شانى الخاص "
قالت كلماتها وتحركت مبتعدة عنهم .. وهى تتجاهل نظراتهم وتعبير وجوههم الواجمة.. لقد ألقت قنبلتها فى وجوهمم جميعا .. فمارسيل لعب لوحده بمكر من دون ان يخبر اى من إخوته عن ما فعله بشركة عائلة الحسينى .. إذا فاليستعد .. لهجوم كلا منهم عليه .. فعندما تأتى المصلحة سيتناسوا معه انه اخوهم .. وستبدأ الاتهمات و التساؤل .. وبالطبع اللوم ... أغلقت عيناها بقوة وهى تستمع لهجوم كل واحدا منهم على الآخر .. بابتسامة انتصار .. هكذا سيفكر مارسيل ألف مرة قبل ان يفعل اى شئ
تهاوت بجسدها على السرير.. فلقد استنذفت طاقتها بأكملها لكى تقف ثابتة وقوية هكذا أمام اخوتها .. فلم تكن تريد لأى منهم ان يشعر بضعفها وحينها لن يرحموها بالهجوم عليها .. حتى يسقطوا دفاعتها. . لكنها هكذا أظهرت لهم انها ندا لهم .. فهى لم تكبر بعد ليدبروا لها حياتها .. هكذا ستامن لنور منهم .. هكذا سيفكر كل منهم ماءة مرة قبل أن يلمس شعرة من صغيرتها.. فهى لن تكون أمامهم إلا لبؤة تظهر انيابها لهم .. ولن ترحم اى منهم .. فصغيرتها هى كل ما تبقى لها .. انها تتألم لبعادها عن صغيرتها كل تلك المدة ..
وأكثر ما يخيفها هو ردة فعلها عندما تعلم بأن والدتها على قيد الحياة .. ماذا يا ترى قد أخبرها ياسين عنى .. هل أخبرها إننى سيئة ولم أكن استحق أن أكون أما .. ام انه لم يذكرنى يوما أمامها قالتها روز فى نفسها ودموعها تنزل بألم من عيناها .. أخرجها من أفكارها صوت الهاتف.. بسرعة مسحت دموعها .. وردت بخفوت على الهاتف .. "مرحبا روز .. هل انتهيتم ؟" سألها سليم " نعم .. تم كل شئ .." اجابته تنحنح لكنه بعد ذلك قال " هل سيف مازال عندك؟ "
تفاجأت من السؤال فهما قد انتهيا من كل شئ منذ عدة ايام .. و بعد ذلك هى لم تعرف عنه شيئا. . فاعتقدت انه قد عاد إلى بلده " لماذا ؟!.. لقد انتهينا من كل شئ منذ عدة ايام .. " قالتها روز وهى تستمع إلى تنفس وتنهيدات سليم المضطربة والقلقة "يا الله .. أين من الممكن أن يكون قد ذهب؟! .. زوجته تنجب .. وأنت تعلمين .. ما بيننا .. لهذا اتصلت بك .. لكن عموما شكرا لك " قالها سليم بهدوء ثم أغلق الهاتف من دون ان يستمع إليها .. ضيقت روز عيناها .. وهى تتساءل عن سبب اختفاء سيف المفاجئ ...واين من الممكن ان يكون قد ذهب؟ ..
تحركت رموشها بتثاقل حتى فتحت عيناها اخيرا .. أول وجه رأته كان وجه والدتها التى كانت تنظر إليها بحنو وقلق وهى تمسد بيد على أعلى رأسها وباليد الاخرى تحتضن بها إحدى يديها الباردتان .. بللت اروى شفتيها وهى تشعر بعطش شديد وجفاف حلقها .. وتعب لم تشعر به من قبل .. لقد رأت الألم بعيناها .. عظامها كانت و كأنها تكسر واحدا تلو الآخر .. وهى تنتظر نزول طفلها .. لم تشعر بشئ بعدما تم إعطائها الحقنة المخدرة بينما كانت تستمع إلى الطبيب وهو يقول انه يجب ان تلد بعملية قيصرية .. سيتم شق بطنها الفكرة ارعبتها.. بل جعلتها تشعر بالخوف والحزن لعدم وجود سيف بجوارها ..ما ان بدأت تفكر فى هذا حتى نامت.. و لا تتذكر شئ بعدها .. نظرت إلى والدتها وهى تشعر بكم المعاناة التى واجهتها والدتها سابقا فى انجابها.. الآلام الحادة التى كانت تنتشر أسفل ظهرها وتقبض عليه .. وكأنه كان هناك حزام شاءك من الدبابيس يحاوط خصرها .. وهى تستقبل الانقباضات التى كانت تزداد شدة .. لقد تحملت كل ام هذا الألم الحاد فقط لكى تهنا برؤية ابنها .. و والدتها كانت ضمنهم .. أرادت أن تحتضن والدتها إلى صدرها لكنها لم تستطع .. جسدها ثقيل ولا تستطيع تحريكه .. سيف هل يا ترى قد أتى؟ .. بحثت بعيناها عنه لكنها لم تجده .. فاثقلت الدموع عيناها وشعرت بغصة وخنقة مؤلمة فى حنجرتها.. لم ياتى .. هو لم ياتى .. لكنها حاولت تهدئة نفسها .. فهى تنتظر بشوق رؤية طفلها الصغير .. لقد أصبحت ام .. بلعت ريقها وقالت بصوت ضعيف للغاية ما ان استمعت إلى صوت والدتها التى لم تكف عن الشكر والحمد لله .. وهى ترى ابنتها بخير أمامها وقد فتحت عيناها " ابنى .. أريد أن اراه " همست بضعف " انه فى الحضانة .. ذاغت عينا اروى خوفا وهى تستمع لكلمات والدتها .. هل ابنها ليس بخير .. لقد انجبته مبكرا .. مبكرا جدا .. فقد كان يجب ان ينتظر شهران آخران لكنه أبى ان يقبع أكثر داخل رحمها .. وأعلن بداية تمرده عليها وانجبته. . لكن هل هو ليس بخير؟ .. الفكرة نفسها ألمت قلبها .. رغم أنهم اخبروها ان الأمر ليس صعبا ..ولن يكون هناك مشكلة بالنسبة لصحة الطفل فتابعت فريدة بسرعة تطمئن ابنتها ما ان رأت عيناها المذعورتان "لا تقلقى انه بخير .. لكنه فقط يحتاج إلى البقاء لعدة ايام فقط فى الحضانة .. ساطلب من إحدى الممرضات احضاره " لقد كان كلام فريدة كالاكسجين بالنسبة ل أروى.. تنهدت براحة رغم حزنها الشديد الذى كالصخر القابع على صدرها لعدم وجود سيف بجوارها .. خلال لحظات دلفت ريم وهى تحمل بين يديها لفة صغيرة .. نظرت اروى إليهما بلهفة .. وهى تستقبل اقتراب طفلها منها بشوق غامر .. وضعت ريم اللفة الصغيرة بين يدى اروى .. التى استقبلت طفلها بأعين فرحة ملئ بالدموع .. وهى تشعر بهذا الشعور لأول مرة .. فقطعة منها ومن سيف يقبع بين يديها .. حدقت بملامحه.. وجهه ابيض يشوبه حمرة .. أنف صغير وفم أصغر لا تكاد تراه وهو يزمه بشدة و يتمطى بجسده بحركات بطيئة للغاية بين يديها .. شعره كثيف اسود كسواد الليل .. ابتسمت وهى تلاحظ انه لا يشبه والده ولا حتى يشبهها.. لم يحصل من والده إلا على بشرته البيضاء .. ربما عيناه مثل والده .. لكنها لا تستطيع ان ترى لونهما بسبب إغلاقه لهما .. ضغطت اروى على شفتاها بقوة ..تمنع دموعها من السقوط على وجنتيها .. فهى لا تريد أن يشعر أحد بالحزن عليها فى تلك اللحظة .. هى لا تريد شفقة أحد .. لكنها تريد حبه وحنانه و امانه لها الآن .. تمنت لو كان بجوارها ليضمها هى وصغيرهما إلى احضانه .. كما كانت تحلم دائما.. ازدردت ريقها وهى لم يعد لديها رغبة فى البكاء .. ستجعله يندم على المدة التى تركها بها وحيدة .. اعتدلت نصف جالسة وهى تستند بظهرها على وسادة وضعتها والدتها خلف ظهرها .. وبدأت والدتها فى وضع الطفل بين يديها بشكل صحيح حتى تستطيع اطعامه... ألم خفيف انتشر فى صدرها ما ان بدأ الطفل يأخذ أولى طعامه منها .. لكن هذا الألم اختفى ما ان رأت تعابير وجهه المسترخية وهو يستقبل أول وجباته من والدته ..و رفرف قلبها كرفرفة الفراشات وهى تحدق بملامحه بحب اموى بحت .. انحنت قليلا وطبعت قبلة على جبينه الدافئ .. ثم تبعتها أخرى على يديه الصغيرة التى تمسكت باصبع سبابتها ... اجتمع أفراد العائلة بأكملها فى غرفتها مهنءين لها .. دنا منها خالها سليم بابتسامة عذبة يحاول أن يخفى بها قلقه على ابنه الوحيد .. طبع قبلة على جبهة اروى قائلا بدف " حمدا لله على سلامتك يا صغيرتى " إجابته بهزة خفيفة من رأسها .. وهى تحاول الهرب من أفكارها عن طريق الاندماج مع الجمع .. لكن عبثا جميعهم هنا إلا هو لم يكن موجودا .. " ماذا ستسميه؟" سألتها نور بفرح وسعادة فقالت ريم بسرعة " يجب ان يتم اختيار الاسم بعناية ليتلاءم مع الأسماء الجديدة " ضحك ماهر بخفوت وقال بتفاخر وغرور يحاول تمثيله " بالتأكيد ستقوم بتسميته على اسم اخاها الوحيد .. فأنا الأولى " ابتسمت اروى بخفوت وقالت بثبات " أن كان سننظر إلى من هو الأولى لنقوم بتسميته على اسمه .. إذا فسيكون خالى سليم.. و جد ابنى الوحيد .. فأنا لن أجد اسم أجمل من هذا لأول فرحة لدى " قالتها بسعادة وهى تحمر خجلا من نظراتهم المندهشة بينما امتلأت عينا والدتها بالفخر بها .. وخالها سليم ينظر اليها بحنو واعين تمتلئ فخرا .. لكنه عبس بتجهم وقال بحشرجة " و سيف ... و " قاطعته بسرعة قائلة " انه ابنى مثلما هو أيضا والده .. و لا أظن انه موجود ليمتع نفسه بتلك اللحظة ليختار الاسم لأول لطفله " قالتها بحزن تحاول كتمه ومدارته واسى أكبر منه .. عم الصمت فى الغرفة لدقائق وكلا منهم يحاول التحدث بحذر .. ما ان خرج الجميع دون استثناء حتى والدتها خرجت وهى تخبرها انها ستذهب إلى المنزل لتحضر لها ولطفلها بعض الاغراض .. وأخذ الممرضة لسليم الصغير حتى بدأت تذرف دموعها التى حبستها طوال اليوم بين عيناها .. شعرت بهم جميعا وكل واحدا منهم يحاول أن يكون حذرا فى كلماته .. وعدم التحدث باى شئ يخص سيف أمامها .. حتى لا تجرح مشاعرها .. انكمشت اروى أكثر فى مكانها .. وهى تتاوه بخفوت بسبب الجرح أسفل بطنها .. ... ... بعد أيام خرجت هى وطفلها من المشفى وهما بأفضل حال .. دلفت إلى غرفتها فى منزل والديها وجدتها معدة باهتمام وحرص.. ادمعت عيناها وهى تلاحظ ذلك المهد الصغير ذو الحواجز الخشبية الذى يحتل جزء من غرفتها .. فى المساء وقفت اروى أمام المرآة ونور خلفها تساعدها فى غلق سحاب فستانها الأخضر .. وضعت يديها على بطنها وقد ظهر انتفاخ بسيط عند بطنها .. فزمت شفتيها وقالت بتذمر " يبدو إننى ساحمل أثر هذا الحمل دائما لم تعد بطنى كما كانت مسطحة " ضحكت نور ونظرت إلى ريم التى ابتسمت وهى تستمع لتذمر صديقتها عن بطنها المنتفخة وقالت نور بغيظ "حبيبتى لقد ولت أوقات البطن المسطحة وحان وقت الانتفاخات.. فهذه أولى علامات امومتك " ضحكت ريم بسعادة وعيناها تلتمعان بفرح غامر وهى تقوم بغلق أزرار البذلة البيضاء الصغيرة للطفل .. فقد أوكلت لها اروى هذه المهمة .. وكم سعدت بذلك .. رفعت الصغير إلى صدرها وضمته بشدة وهى تستنشق رائحته الرائعة التى تميزه .. بدون اى روائح أخرى .. قبلته بدون توقف فى أنحاء وجهه وهى تتمنى أكله .. ابتسمت ريم لهذه الفكرة .. لكنها سرعان ما تغيرت ملامح وجهها إلى الألم فكم تتمنى أن تحمل طفلها هكذا يوما ما .. قبلت الطفل قبلة طويلة وهى تدعو فى نفسها " أن يبارك فى هذا الطفل .. وأن يكون قرة أعين لوالديه .. وإن يحفظه لوالدته " تشعر ريم بشئ غريب تجاه هذا الطفل وكأنه جزء منها هى .. قلبها يدق ويملاها شعور غريب من السعادة ما ان تضمه إلى صدرها او حتى تراه .. وكأنه ابنها هى .. وهو فعلا ابنها .. لم تحرمها اروى من الاقتراب منه بل كانت ما ان تأتى إليها حتى تقول لها أبقى بجواره .. وتذهب هى للنوم بهناء بعد ليلة طويلة من السهر بجواره ونوم متقطع بسببه .. فتقوم هى بالاهتمام به حتى تستيقظ اروى .. " الأطفال حقا راءعين.. وكأنهم يشبهون الدمى " همست بها ريم بسعادة .. " عندك حق .. من يراهم يشتهى الزواج " هتفت بها نور بعدم تركيز ردا على كلام ريم .. لكنها سرعان ما ضغطت على لسانها ما ان شعرت بفداحة كلماتها ما ان رأت تحديق اروى وريم لها بنظرات متفحصة لاءمة ومتساءلة فى نفس الوقت .. فقالت بسرعة مصححة بتلعثم " أقصد الإنجاب .. أن ينجب طفل .. وهكذا " قالتها نور وهى تحاول رسم ابتسامة على وجهها استطاعت نور تفادى ذلة لسانها ما ان دلفت الخادمة تخبرهم ان الجميع بالأسفل .. ... فى المطبخ وقفت ريم وهى تتنهد بضيق وتعب .. تراقب بعيناها الاطباق التى سترص على السفرة .. بعد ان انهت تزينها و وضع الطعام بطريقة جميلة ..فهى من اقترحت هذا عليهم .. بعد ان ساعدتهم صباحا فى إعداد الطعام .. كما انها أيضا تريد خروج كل شى بطريقة جميلة .. فهى تريد إسعاد اروى التى تحاول أن تخفى حزنها .. " هل تريدين بعض المساعدة؟ " استدارت ريم على عقبيها وهى تحمل أحد الاكواب بين يديها .. وابتسامة واسعة أشرقت على وجهها ما ان رأت مالك .. يقف مستندا بتكاسل على إطار الباب ينظر اليها بافتتان اقترب منها بخطوات وءيدة وماكرة وعيناه شبه مغلقة .. " هل انتهيتى يا جميلة؟! .. ارجو أن يكون الطعام يستحق .. تركك لى صباحا وحيدا فى السرير و حضورك إلى هنا من أجل المساعدة وتابع بتذمر .. و حتى لم تطعمينى قبل ذهابك" ضحكت على مشاغبته ونبرته الطفولية التى يتحدث بها وقالت بهدوء مغيظة إياها " أظن انك كبرت بما فيه الكفاية .. لكى يحضر لك أحدهم الإفطار فى السرير.. ويطعمك " زم شفتاه بامتعاض وهو يحاول تمثيل الانزعاج رغم ابتسامته الماكرة " ماذا أفعل ؟!.. ل تقولى ذلك لزوجتى التى جعلتنى اعتاد على هذا التدليل .. " قالها وهو يقربها من جسده حتى اصطدم جسدها بجسده وحاوط خصرها بذراعيها.. وهو يميل براسه يحاول أن يقتنص قبلة منها .. وهى تحاول بجهد مضنى ابعاده عنها .. وقالت بهمس وصرامة وهو يحاول ان يقرب شفتاه من خدها ..او من جبهتها او حتى فمها المهم أن يحصل على قبلة الآن " مالك .. تادب .. نحن لسنا فى المنزل .. بل فى منزل عمتك .. ماذا سيكون منظرنا ان رانا أحدهم هكذا؟! " خطف قبلة من على خدها الأيمن .. ثم خدها الأيسر ..قائلا بتمهل " أحدهم هذا يعرف انك زوجتى .. إذا لا مشكلة .. وأن كنتى خائفة من المكان فقد قلتيها سابقا هو منزل عمتى. . و عمتى لو أردت يمكنها أن ترتب غرفة لى فى منزلها والآن حالا .. أن راتنا بهذا المنظر " نظرت له بغضب وعيناها تهتزان من جرأته وجرات يديه التى تلمس اى شى تقابله من جسدها .. أبعدت ذراعيه عنها بقوة لا تعلم كيف اتتها القوة واستطاعت ابعاده .. وقالت بنبرة شديدة " مالك انت قليل التهذيب .. وأن كنت غير خائف على شكلك او منظرك أمام أحدهم .. فأنا على عكسك خائفة. . فماذا سيكون شكلى ان رانى احدهم بين ذراعى زوجى .. وهو يحاول ..." بترت عبارتها.. وجهها قد احمر خجلا من نظراته الجريئة لها .. رفعت إحدى حاجبيها وهى تراه يقترب منها كالاسد الذى يلتف حول فريسته .. يقترب منها بتمهل شديد للغاية .. " مالك " همست بها ريم بتحذير. . وعيناه تنضح بما يفكر به وما سيفعله وتابعت .وهى تتراجع للخلف كلما اقترب منها خطوة " مالك ..." ركضت بسرعة تحاول الوصول إلى الباب .. لكنه كان أسرع منها ومنع وصولها إليه .. حاولت الذهاب إلى الناحية الاخرى وهى تدور حول الطاولة التى تحتل منتصف المطبخ .. وهو يحاول الذهاب خلفها وامساكها ... ضحكت بقوة حتى انها تناست شكلها أمام اى أحد قد يراهما هكذا .. وبدأت فى الركض وهو خلفها .. حتى استطاع الامساك بها اخيرا .. وهو يزاءر بانتصار وفرحة قائلا بخلاء وهو يحاوط خصرها "ما هذا أيتها القطة .. هل كنتى تعتقدين انك تستطعين الهرب والفرار من أمام النمر .. إذا فأنت مخطئة " زمت فمها وهى تحول إخفاء ابتسامتها ورسم الجدية على وجهها وقالت بسخرية " نمر .. أين هذا النمر انا لا أراه ؟!" رفع حاجبه وعيناه نصف مغمضة "ماذا ؟.. إلا يعجبك النمر الذى أمامك! .. انظرى حتى إننى اشبهه.. عينان خضراء .. و شعر أصفر " ضحكت بقوة من وصفه .. و بجرأة بدأت بتمرير أصابعها بين خصلات شعره .. وهمست بحب قرب أذنه " أنت اجمل نمر قابلته فى حياتى " ابعدها قليلا عنه ثم مال برأسه إليها مقتنصا اخيرا قبلة من بين شفتيها .. بينما هى قد ذابت معه وبدأت فى لف ذراعيها حول رقبته ويدها على شعره .. " ريم .. هل انتهيت..." بترت نور عبارتها و هى تقف مشدوهة غير قادرة على استيعاب ما رأته أمامها .. اخفضت رأسها وهى تنظر حيث موضع قدميها .. وهى تلاحظ يدى ريم التى تحاول بها أبعاد مالك عنها .. ريم تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها .. و وجهها مقتضب بحمرة الخجل ومن جراء مشاعرها ولمساته التى كادت أن ترسلها إلى السماء .. بينما مالك يكاد يقتلع شعره من رأسه وهو يشده بقوة .. بعدما نور قد أفسدت عليه لحظتها فقالت ريم تحاول إخفاء ما حدث منذ لحظات .. " نعم لقد انتهيت " لوى مالك شفتاه وهو يلاحظ نظرات ريم إليها التى تخبره بها ان يخرج حالا .. ما ان خرج مالك من المطبخ حتى بدأت نور بنقل الطعام بصمت إلى غرفة السفرة .. فهى تشعر بحرج صديقتها .. تناولوا جميعا الطعام فى جو عاءلى دافئ فى حضور الحاج سليمان والحاجة فيريال معه .. التى لم تترك لحظة من بين يديها سليم الصغير .. حتى السيدة نورا وزوجها السيد مراد قد اتيا مع نور منذ ما يقرب الثلاث ساعات .. إلا ينبغى ان تشعر بالسعادة الآن وهى ترى الجميع مجتمعون من أجلها سعداء .. لكن ماذا تفعل ان كانت هذه السعادة غير مكتملة بالنسبة لها .. عندما رأت اروى صديقا سيف " ماجد وأسامة " يجلسان بجوار عمها سليم أثناء العشاء .. تمنت لو كانت تستطيع ان تذهب وتسأل اى منهم عنه .. لكنها لم تستطع كبرياءها وعزة نفسها منعتها ... حدثت اروى نفسها بذلك .. وهى تحاول رسم ابتسامة على وجهها .. رغم ما تشعر به داخلها من الم لعدم وجوده فى هذا الجمع .. انتهى العشاء وعاد كل منهم إلى منزله .. تحركت اروى بخطوات سريعة عندما رأت ابتعاد أسامة وماجد وخروجهما من المنزل متوجهان حيث الحديقة الخلفية للمنزل .. لم تستطع منع نفسها أكثر والصمت والوقوف فى مكانها هكذا بيدين مربوطتان .. ستذهب وتسالهم عن صديقهم.. وليذهب كل شى إلى الجحيم .. وقفت على بعد منهم ما ان رأت اقتراب خالها سليم منهما .. وقررت انها ستذهب إليهما ما ان يبتعد خالها تمسرت مكانها او بمعنى آخر تصلبت حتى جف الدم فى عروقها وشعرت وكأن الأكسجين قد نفذ حولها .. عيناها اتسعتا ذهولا والما .. وهى تستمع لكلمات خالها " هل يعرف اى منكما بمكان سيف ؟ لقد اتصلت منذ مدة .. وعلمت انه أنهى أعماله منذ أكثر من خمسة عشر يوما .. أين قد ذهب ؟ وهل يعلم ان زوجته قد أنجبت " سأل السيد سليم كلا الرجلان .. " نعم .. انه يعلم .. لقد اتصلت به ما ان اخبرنى الحراس .. أخبرته ان زوجته ستنجب .. " قالها ماجد بهدوء " تبا " قالها سليم من بين أسنانه .. وتابع " هل تعلم سبب تأخره ؟" " عمل " قالها ماجد " هل العمل يستحق تأخره هكذا؟ .. وما هذا العمل لقد علمت انه أنهى ما ذهب من أجله؟! " سأله سليم مرة أخرى وعيناه تضيقان بشدة .. " ليس لدى صلاحية لاخبرك سيد سليم .. " قالها ماجد بعملية شديدة .. ثم تابع مطمئنا.. ما ان رأى قلق السيد سليم ظاهرا وغضبه فى آن " لن يتأخر سيصل خلال أيام " قالها ماجد ثم انسحب مع أسامة مبتعدان عنه .. وهو يزفر بقوة ..
ألقت اروى بجسدها على السرير وهى تبكى بحرقة بعد ان استمعت لكلامهم... سيف يعلم بما يحدث .. لكنه لم يكلف نفسه عناء الاتصال بها والسؤال عنها او عن طفلها .. العمل أولى وأهم بالنسبة له لذلك هو لم يهتم بهما .. انها امرأة كيف تشعر بحب زوجها لها .. أن لم تجده بجوارها وترى اهتمامه ووده واحترامه لها .. تركت العنان لافكارها وظنونها السوداء ان تحتل عقلها .. نعم هى تحبه .. وستتحمل وتكون صبورة فى كل شى معه .. ستتحمل بعده عنها .. حتى انها ستتحمل وتنتظر حتى يخبرها انه يحبها كما تحبه .. لكنها لا تستطيع ان تتحمل إهماله وعدم مبالاته بها .. صرخة ألم خرجت منها .. وجسدها ينتفض ويرتجف من بكاءها المستمر .. كان بداخلها أمل كبير من أن يكون لا يعلم بما حدث لها .. لهذا عذرته طويلا رغم انها كانت تتوعده داخلها .. لكن لقد تحطم هذا الأمل .. عندما استمعت باذنيها انه على علم بكل شئ .. إذا لماذا لم يتصل بها ؟!.. يطمئن عليها ... لم يفعل .. دلفت والدتها إلى غرفتها بلهفة وقلق ما ان استمعت لصرخة ابنتها العالية .. مالت عليها وهى تحاول أن ترفع وجه اروى الذى تدفنه فى الغطاء وتحاول كتم شهقاتها حتى لا تخرج وتفضحها " اروى .. ماذا بك يا صغيرتى؟! ..هل تتالمين ؟.. هل يوجد شى يؤلمك ؟!.. اخبرينى يا حبيبتى " ظلت ترددها فريدة بحزن ويدها تمررها على شعر وظهر ابنتها .. بكت اروى بقوة وقالت من بين شهقاتها ودموعها بصوت مبحوح " انه يعلم بكل شئ. . لم يتصل بى حتى .. سأموت قهرا من ابتعاده .. كل شئ يعاد وكأنه قدر كتب ان تعيشه كل امرأة تقترب منه او من والده . لقد فعل مثلما فعل والده سابقا .. وساموت انا قهرا كما ماتت فيروز .. وهى تنتظر عودة زوجها الذى لم يعد .. " " لماذ تظنين هذا؟!.. ربما هو لديه أسباب لتاخره فى العودة هكذا .. " قالتها والدتها بهدوء .. قابله ثورة من قبل اروى التى ابتعدت عن السرير .. وهى تهتف بجنون " تبا .. انتى لا تكفى عن الدفاع عنه .. تختلقين له الأعذار دائما.. وكاننى لست ابنتك .. ياليتك حذرتنى منه سابقا .. لما تزوجته .. و لما حدث لى كل هذا .. الجميع كان يريد اقتراب سيف منهم .. لذلك قبلوا بعرض الزواج .. كل واحد منكم أراد شيئا من وراء هذا .. حتى هو أخذ ثمن لزواجه منى .. و انا لم أرد أكثر من حبه واهتمامه بى .. هتفت وهى تجلس على الكرسى وقدمها اصبحتا هلاما من ثورتها " يا ليتنى لم اتزوجه.. حزنى على عدم شعوره بحبى وابتعاده عنى .. أفضل من شعورى الآن وأنا زوجته ولا أشعر باهتمامه .. وبدلا منه هو يهملنى. . و كاننى شى مفروغ منه سيجده ما ان يعود إليه .." التقى حاجبيا فريدة بانزعاج وهى ترى نبرة ابنتها وتصرفاتها التى لا تعبر عنها ابدا .. ووقاحتها التى لم تعهدها معها .. منذ متى وكانت صغيرتها تلؤمها او تتحدث معها بتلك الطريقة .. قالت مدافعة بشراسة " انا يا اروى !.. انا لم أهتم بك! .. لانكى أغلى ما لدى اعطيتك لمن سيحفظك و انا على يقين انه سيعاملك وكأنك ملكة .. لو كنت شككت لحظة أن سيف سيسىء إليك يوما .. لما جعلته حتى يحلم بأن يقترب منك .. انتى أغلى ما لدى يا اروى .. ربما انتى لاتعلمين هذا .. لكن الايام ستثبت لك إننى لا أبحث إلا عن مصلحتك و سعادتك " مررت اروى يديها على وجهها وهى لا تعلم كيف وصل حديثها للوم والدتها على هذا الزواج .. نظرات والدتها لها .. وحزنها الظاهر بسبب كلماتها التى خرجت منها من دون ان تشعر جعلها تزداد بؤس وتعاسة ارتمت نحو والدتها وهى تدفن وجهها فى صدرها قائلة بحزن .. " أرجوك سامحيني .. انا مخطئة لم أكن أقصد ما قلته .. لا تنزعجى منى .. لكننى أتألم من ابتعاده و إهماله لى .. لقد حرمنى من الاستمتاع بأشياء عدة وهو معى .. وأكثر ما يؤلمني هو إننى لا أعلم أن كان يحبنى. .. " قاطعتها والدتها بسرعة قبل ان تسترسل أكثر فى كلماتها الغير محسوبة تلك وهى فى هذه الحالة وقالت لها بحنو بالغ .. وهى تمسد على شعرها " حمقاء ان كنتى تعتقدين إننى سانزعج منك يوما .. اروى انا أريدك هادئة.. أريدك أن تعرفى كيف تجعلين زوجك محبا لك .. أشياء كثيرة فعلتيها انت أيضا كانت خاطئة .. الهرب لم يكن يوما حلا .. أريدك أن تواجهى مشاكلك بقوة وثبات .. وإن تدافعى عن زوجك .. تعلمى ان تختلقى لمن حولك الأعذار .. فإن كنت تعتقدين إننى ما أقوله من أجل ابن أخى .. إذا أنت مخطئة ما أقوله هو من أجل ابنتى .. لا أريد باندفاعها ان تضيع من يديها رجلا لن تجد مثله .. تململت اروى ونظرت لها بعبوس .. فابتسمت فريدة مؤكدة "نعم لن تجدى رجلا مثل سيف يوما .. لكنك تحتاجين فقط إلى بعض التعليمات لتجعلى زوجك خاتما باصبعك " قالتها والدتها ثم ابتعدت عنها .. و ساعدتها فى الاستلقاء على السرير وطبعت قبلة على جبهتها وهى تقول بدف اموى " نامى يا صغيرتى .. وأنا ساهتم بسليم " ثم ضغطت على زر الإضاءة مغلقة الضوء .. تاركة ابنتها بحزنها وأفكارها التى لم تستطع التخلص منها .. هى لاتبكى عليه بقدر ما هى تبكى على المهانة والطريق الذى اختارت ان تسلكه بإرادتها مع من لا يهتم بها .. ولا يستحق ! نعم فهى من اختارت كل شئ وصمتت من أجل حبه الذى اعتقدت انها ستحصل عليه ما ان تصبح زوجته .. الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل العاشر
بعد تردد طويل استمر لساعات .. ويد عازمة سحبت نور إحدى القمصان التى لم تقترب منها يوما .. ولم تفكر حتى فى النظر إليها منذ ان دخلت إلى هذه الغرفة .. جلست على طرف السرير ويداها تهتزان ربما بخوف وربما بتردد فهى لا تعلم ان كان ما ستقدم عليه هو الصواب ام لا .. لقد اصبحت تتمنى وتريد قربه منها أكثر مما كانت تظن .. لقد أصبحت تتمنى قبلاته.. وتتمنى أكثر ان تكون زوجته فعلا .. وليس مجرد زواج على ورق ..
لقد تركها وقت طويل للغاية .. لتتعود على ما هو مقدر بينهما .. صبره لم تعتقد انها ستجدها فى أحد الرجال يوما .. تشعر بابتعاده ومحاولته المضنية حتى يبعد يديه عنها.. تنهدت نور وهى تتذكر مكالمات جدتها لها المستمرة .. التى احتلها بقدر كبير الحديث عن حازم .. فقد أصبحت تتحدث عنه ما ان تبدأ عمتها فى السؤال عنه وعن حاله .. هو ليسا وسيما .. لكنه جذاب بتصرفاته وببروده .. وحتى بكلماته المقتضبة التى تخرج وكأن هناك شخصا يقوم بسحبها من دون إرادته من فمه .. ضحكت بقوة من أفكارها .. فهى فى الفترة التى قاضتها معه علمت .. انه شخص قليل الكلام .. لا يتحدث إلا عندما يكون الكلام فى موضعه او ان وجهت له سوالا حينها يجيب بكلمات قلائل لكن غير هذا هو لا يتحدث ..
عضت على شفتاها .. وهى تتذكر قبلاته القليلة للغاية .. التى كان يطبعها على شفتيها .. ثم يتركها بعد ان يمنيها بأكثر من هذا .. و بخطوات عازمة .. بدأت فى خلع ثوبها الذى كانت ترتديه منذ ان ذهبت إلى اروى صباحا حتى الآن .. وتوجهت نحو الحمام .. و غاصت بجسدها فى الماء الدافئ الملى بفقاعات الصابون .. ورائحتة العطرة تملى المكان .. خرجت من الحمام ووقفت أمام المرآة.. تنظر إلى انعكاس صورتها بها بسعادة وهى ترتدى ذلك القميص الذى سحبته منذ دقائق .. قميص أزرق.. فهى تعشق الأزرق .. ذو حمالات رفيعة وطويل .. غطى جسدها باغراء ..
وقفت بجوار النافذة تراقب النجوم وتحدثها بخفوت .. تخبرها ان تتمنى لها ليلة جميلة دافئة .. اجفلت فى مكانها ما ان فتح الباب.. لكن سرعان ما رفرف قلبها بسعادة .. ما ان رأته واقفا بجوار الباب .. التمعت عيناها بخجل وهى ترى نظراته المندهشة وعيناه التى تحدق بها وكأنه لم يرى يوما أمامه امرأة .. كسى وجهها حمرة الخجل .. لكنها بشجاعة لم تعهدها فى نفسها .. وجدت قدميها تقربها منه .. غير ابهة لما يدعى خجلا .. فهو أخبرها انه سينتظرها حتى تكون مستعدة .. ظل يحدق بها باندهاش وصدره يعلو وينخفض من مشاعره التى اجتاحته .. وعقله يذهب به لأفكار و خيالات هو نفسه حاول قبعها بشق الأنفس وعدم الغوص أكثر بها منذ أشهر .. لطالما حلم بأن يقربها منه .. وهو تهمس بحبه .. فهو لا يريد مجرد إعجاب منها .. بل يريد عشقا يوازى عشقه لها .. ما ان وقفت أمامه .. حتى أمسك بذراعيها .. قربها منه ثم وضع يد خلف رأسها وأخرى أمسك بها رسغها وهو يمرر أصابعه عليها مرسلا موجة من المشاعر إلى جسدها .. نظر إلى عيناها الرمادية التى أصبحت تلمع وكأنه نجم صغير يضئ فى الظلام ..
راقب اهدابها التى تتحرك بخجل و ابتسامتها التى زينت وجهها بافتتان وعشق .. ما كادت أن تفتح فمها لتتكلم .. حتى اسكتها بقبلته التى كبحها لزمن .. وهو يقرب رأسها منه أكثر .. وجسدها يكاد يدفنه فى جسده .. ويداه تعبثان بلهفة فى شعرها .. ابتعد منها طالبا للهواء وهو ينظر اليها بتمعن ويراقب شفتاها التى تهتزان من مشاعرها .. يريد الاقتراب لكنه خائف. . من أفكاره التى ترسله إلى ما قاله مازن له سابقا .. تجعله يشعر بالالم ما ان يفكر من انه من الممكن إلا يكون أول رجل بالنسبة لها مثلما هى أول امرأة فى حياته وقلبه .. أول امرأة تخرج قلبه من سباته حتى شعر انه لن يدق لامرأة يوما .. ابتعد عنها فنظرت له باندهاش وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعرها بنبرة حاول جعلها جادة قال
" نور .. انا لا اريد لحظة مؤقتة او مشاعر هوجاء بيننا .. انا لا اريد جسد بقدر ما اريد قلب و عقل وروح .. انا لا اريد مجرد افتتان للحظات .. اعلمى انك ما ان تقتربى .. انا لن أسمح لك حتى مجرد التفكير بالابتعاد .. فأنا لن اعطى فقط .. بل سآخذ أكثر مما تعتقدين .. حبى متملك لأبعد ما تظنين .. انا لا اريد لحظات ستدفىء كل منا .. انا اريد الأبد .. اريد امرأة تساندنى " فتحت نور فمها ببلاهة وهى تستمع لكلماته وهو يعترف بأنه يحبها .. نظرت إليه وهو يقول بكلمات مختنقة " لقد صبرت أكثر مما ينبغى ان أصبر .. لكن هذا لا يهمنى .. انا اريد امرأة تكون معى بكل كيانها .. امرأة لن أسمح لها يوما بالابتعاد .. ضاقت عيناه متابعا بنبرة هادءة منخفضة " لا اريد اخافتك. . ولكنى اريد أن تفكرى بكل خطوة تقدمين عليها فأنا لن أسمح لك بعدها بالتراجع .. لقد صبرت ومستعد ان أصبر .. اقترب منها متابعا وهو يبعد باصابعه خصلات شعرها الناعمة التى سقطت على وجهها " اريد أن تفكرى .. وأنا سأنتظر .. لكن لا تختبرى صبرى طويلا .. " قال كلماته ثم تركها متوجها نحو الحمام ..
تراجعت بجسدها للخلف حتى جلست بانكسار على السرير .. لا تفهم ما قاله .. هل هو هكذا يريدها ام يرفضها ... وقف تحت الدش و رذاذ الماء البارد يغطى جسده .. محاولا إطفاء النار التى اشتعلت بجسده من اقترابه منها .. ضرب بقبضته على الجدار .. وهو يسب ويلعن .. ما كان يجب ان يبعدها عنه هكذا .. ما كان يجب ان يقول تلك التفاهات لقد أتت إليك بنفسها .. لكنه هذه هى المشكلة انها أتت بنفسها .. وهذا ما يجعله يجن .. ويفكر هل اقترب منها مازن .. كم عدد المرات .. وكيف .. ومتى حدث .. أفكار سوداء عصفت بعقله .. تمنعه العيش بهناء. . والاستمتاع بحبها .. لكنه القى الكرة إليها الآن .. وغدا سيعلم ان كانت ستعيدها ام لا .. غدا سيعلم بكل شئ .. فقط لينتظر حتى غد أما ان تكون له للأبد .. أما لن تكون له ابدا .. خرج من الحمام ..نظر إليها وهى ترقد على السرير و تستر جسدها بروب يماثل لون القميص الذى كانت ترتديه له منذ لحظات غطى جسدها بأكمله .. وعيناها مفتوحتان وتنظر إليه بصمت .. جلس على طرف السرير وقال بهدوء " أريدك أن تستعدى غدا .. لأننا سنذهب إلى حفلة مهمة .. قالها وهو يعطيها ظهره .. ثم فرد ظهره قائلا بهدوء " تصبحين على خير " قالها وهى لم ترد عليه .. بل صمتت وعيناها مفتوحتان بعد ان تعرضت لصدمة افقدتها النطق ...
نظرت إليه من بين جفونها وهو جالسا على الكرسى قبالتها ينظر اليها بفخر وسعادة .. منذ اليوم الذى عرف فيه مكانها وهو ياتى إليها .. يقضى معها اليوم بأكمله ثم يتركها ما ان يتتبعها بسيارته حتى تصل إلى منزلها .. زفرت دينا بملل .. وهى تضرب بفرشاتها بقوة على اللوحة التى أمامها .. التى لم تعد تعرف ما هى معالمها او الفكرة التى جاءت بخاطرها وهى ترسمها .. "لقد أنجب سيف صبى وسماه سليم .. وقد حضرت الاحتفال بحضور طفله ليلة أمس " هتف بها أسامة بهدوء وهو يراقب ردة فعلها بترقب شديد .. بلعت ريقها .. و جسدها قد تصلب بشدة .. وفقدت القدرة على الكلام لثوانى .. لكنها قالت بقوة حاولت تمثيلها وسعادة لم تصل لعيناها " فليبارك له الله فى طفله " وحاولت توجيهه انتباهها مرة أخرى للوحة التى أمامها .. وهى تتساءل فى نفسها .. هل سبب ردة فعلها هذه ودهشتها؟ .. هو عدم معرفتها لأى شئ يخص سيف منذ أن تزوج .. ام لأنها شعرت بأن عمرها ينجلى شيئا فشيئا أمامها .. بعد ان كانت فى فترة ما تفكر بسيف أبا لأطفالها وحاميا لاسرتها .. أصبح الآن يمتلك أسرة .. بل وأصبح أبا .. تشدق فمها بابتسامة حزينة .. ترثا به نفسها اجفلت ما ان وقف اسامة خلفها هامسا بتساؤل " وماذا عنا متى سنكون سعداء ؟!" هذا السؤال نفسه الذى كادت أن تسأله لنفسها .. ردت بجدية وهى تضع فرشاتها جانبا وتخلع المءز .. "ومن قال لك إننى لست سعيدة !.. بل انا أكثر من سعيدة .. وسأكون أكثر سعادة عندما تتزوج انت أيضا وأرى أبناءك " استدارت بجسدها وهى تلعن نفسها بخفوت عن التفاهات التى خرجت من بين شفتيها .. وهل هى ستكون حقا سعيدة عندما تراه مع امرأة غيرها ؟.. تبا .. حينها ستكون الضربة القاضية بالنسبة لها .. و حينها لن تستطيع الشفاء منها ابدا .. اصتك باسنانه بشدة وهو يشعر بكلماتها التى تحاول ان تنحيه بعيدا عنها .. لكنها تحلم .. فهو سيتزوج وينجب.. ولن تكون من غيرها " بالطبع أعلم انك ستكونى سعيدة .. لكن كيف أتزوج وصديقتي لم تتزوج بعد؟.. فالسيدات أولا " قالها مبكر من بين أسنانه .. رفعت إحدى حاحبيها وردت بابتسامة وازدراء " ومن قال لك إننى ساتزوح!؟.. انا أفضل العيش هكذا " رفع هو الآخر حاجبه قائلا بنصف ابتسامة " حقا .. ولكن لماذا هل قررتى ان تصبحى راهبة؟!. . وتعتزلى الحياة ام ماذا ؟" ردت بخفوت " شيئا من هذا " راقب بأعين متململة ابتعادها عنه .. ثم عودتها واقترابها منه و قد ابدلت ملابسها بغيرها أنيقة .. وكعادتها لم تخلو ألوان ملابسها من اللون الأصفر .. أبتسم بخفوت وهى تتناول مفاتيح معرضها الصغير تدعوه بلباقة ان يخرج خلفها حتى تغلق المعرض قبل ذهابها .. تصلبت دينا فى مكانها مما رأته أمامها وقد احمر وجهها غضبا ما ان التفتت ورائها ورأت ابتسامته المتلاعبة قائلا بابتسامة تكاد تصل لأذنيه وبنبرة لبقة للغاية "هل تحتاجين إلى التوصيل؟! " رفعت حاجبها بغضب مكتوم وقالت من بين أسنانها " يا محاسن الصدف سيد أسامة " ضحك بقوة حتى كاد أن يتراجع بجسده للخلف من شدة ضحكته .. " عندك حق .. دائما ما تكون الصدف إلى جانبى .. صمت ثم قال بهدوء .. " ألا تحتاجين إلى التوصيل .. فكما يقولون الصديق وقت الضيق .. او وقت نوم عجلات السيارة " فتح لها باب السيارة قائلا بلهجة رسمية " تفضلى انستى " صعدت إلى السيارة .. ثم التفت هو الآخر جالسا على مقعد السائق .. وعلى وجهه ابتسامة المنتصر " أليس غريبا .. أن تنام أربع عجلات السيارة فى وقت واحد " سعل وهو يحاول أن يجلى حنجرته قائلا بتركيز " انه يحدث كثيرا .. لا تقلقى " التفتت إليها قائلة بحدة " أسامة .. هل أنت وراء هذا " " انا !.. قالها بدهشة .. ثم تمتم باضطراب " ولماذا ؟!.. أفعل هذا! .. ما هى مصلحتى من فعل هذا بالعجلات المسكينة " قالها باسف ثم تابع بحزن " حقا انك تظلمنى .. " " هل تعتقد هذا ؟!" سألته بتركيز " انا متأكد .. انستى " رد بتأكيد .. فتح لها باب السيارة .. ما ان وصلا أمام البناية القديمة .. قائلا وهو يلوح لها "إلى اللقاء انستى .. أتمنى أن تكون رحلة التوصيل قد أعجبتك .. ثو تابع غامزا وأن تتصلى بنا دائما " ابتسمت بخفوت من تصرفاته الطفولية .. صعدت درجات السلم و على وجهها ابتسامة تعبر عن سعادتها .. شهقت دينا بقوة و تراجعت بجسدها خطوة للخلف ولولا انها توازن بجسدها .. لكانت سقطت على السلالم .. ما ان رأت جارها الوقح أمامها .. الذى كان يحاول الايام الفائتة ان يضايقها بشتى الطرق .. " و تمثلين على انا فقط .. انك عفيفة .. بينما يقوم بتوصيلك الرجال .. " كشفت عن انيابها وهى تقول غاضبة " تادب أيها الرجل وأنت تتحدث .. واعرف جيدا مع من تتحدث " شخر الرجل بقوة .. مما جعلها تشمءز منه .. قاءلا بلهجة ساخرة " انا من اتادب. . وماذا عنك؟ .. يا حلوة .. " حاول الاقتراب منها وما أن خطى خطوة حتى قامت بضربه على رأسه بالحقيبة التى كانت بين يديها قائلة باحتقار " رجل وقح" .. ثم أسرعت متوجهة نحو شقتها لتحتمى بها تهاوت بجسدها على أرضية الغرفة الباردة .. تفكر بما يحدث لها .. هل تقبل بعرض أسامة الغير مباشر للزواج به .. وحينها ستكون هى بأمان من أمثاله .. ام تتمسك بكبرياءها أكثر وتظل هكذا .. وحيدة .. وفريسة لرجال أمثال جارها .. يعتدون عليها بالألفاظ والأفعال ..
تركت جسدها يستقبل رذاذ الماء البارد .. لعله يهدأ قليلا من أفكارها التى تدفع بتعقلها جانبا .. أغلقت صنبور الماء البارد .. ثم لفت جسدها الغض بمنشفة كبيرة .. ضغطت على زر الضوء البارد .. حتى مقبض الباب أصبح باردا .. كل شئ فى حياتها أصبح باردا كالسقيع .. و شقتها الصغيرة .. تشعر وكأنها منزل قديم قد غادره ساكنيه منذ زمن .. شقة صغيرة تحتاج إلى أنفاس دافئة تنشر بين ارجاءها الحرارة والدف.. سحبت بيد باردة إحدى قمصانها القطنية التى تساعد على إراحة جسدها .. من يوم لم يكن مليئا بالأعمال ولكنه كان ممتلئ بالأفكار التى عصفت براحتها طوال اليوم .. بداية من التصاق أسامة بها كالغراء.. نهاية بجارها اللزج الذى لا يكف عن ازعاجها او التقرب منها .. جلست بجسد واهن على الكرسى .. احتضنت قدميها بذراعيها .. واستندت بذقنها على ركبتيها .. للحظات كانت عيناها تنظران إلى أرجاء الشقة المظلمة .. وعيناها ملئ بالدموع .. لطالما كرهت دينا الاختلاء بنفسها .. لكن مع الوقت تبين لها أن نفسها هو الشئ الوحيد الباقى معها ... كرهت الجلوس هكذا .. والسماح لعقلها وقلبها بأن يكونا منفردان بها .. لانه حينها ستبدأ معركة بينهما .. لن تتركها إلا مستذفة القوة .. وأيضا باكية ووحيدة .. هل جربت يوما ان تختلى بنفسك .. وحدك معها .. تتخبط الأفكار والمشاعر براسك .. ينتهى الأمر بك فى مواجهة حائط يمنعك الخروج .. يقيدك مكانك بقيود محكمة .. لا أنت قادر على التقدم ولا قادر على الرجوع .. وحدك تستطيع البكاء.. الصراخ .. وحتى تستطيع ان تكون مجنونا فى أفكارك .. عقلها سيحثها على الرفض .. والبقاء وحيدة .. وعدم الاستسلام لمصيرها.. سيخبرها .. بأنه قد تركها سابقا .. ما الذى سيجعلها تضمن انه لن يفعلها مرة أخرى ان عادت له .. إن رضيت بالزواج .. وبعدها يتركها ..حينها هى من ستخسر وتتالم .. وهل حقا هو قد عاد من أجل الحب! .. بينما قلبها سيصرخ بها هاتفا .. استيقظى قبل ان يضيع عمرك هباء !.. وهى بين هذا وذاك .. تنزف ألما .. كعصفور جريح .. سقط على أرض جرداء .. لا وجد من يضمد جراحه .. ولا وجد من يقتله ليريحه من آلامه .. اعتدلت فى جلستها .. ثم دنت بخطوات وءيدة نحو الشرفة ... فتحتها على مصرعيها فهى بحاجة للهروب من عقلها وقلبها فى هذا الوقت بالذات .. لن تسمح لنفسها بالاختلاء بها .. حتى تقتلها ببط لذلك ستفضل الوقوف قرب نافذتها ومراقبة الأطفال وهم يلعبون الكرة كعادتهم فى هذا الوقت رغم أنها لم تعد تشاهد مبارياتهم كالسابق .. ولكنها الآن ستشاهد بشوق .. صراع الطفلين الدائم .. الذى ينتهى بانسحاب محمود وحزن البطل الصغير الآخر .. لعدم اكتمال سعادته بانسحاب صديقه .. ولكنهم رغم كل هذا يجتمعون مرة أخرى .. وكأن البارحة لم يكن هناك خلافات بينهم .. خرجت من أفكارها و راقبت مبارتهم بابتسامة عذبة .. تنسيها أفكارها المؤلمة .. اتسعت عيناها ذهولا و شهقت بضعف واصابعها على فمها .. وهى ترى أسامة بين الأطفال يمرر لهم ويمررون له الكرة .. وعلى وجهه ابتسامة واسعة .. حتى انه رفع يده علامة الانتصار لإحدى الأطفال .. وكانها إشارة بينهم تدل على شئ ما .. لوت فمها بتعجب .. لثوانى كانت ستغلق النافذة .. لكنها تغاضت عن ذلك وفضلت الوقوف والاستمتاع برؤية أسامة يهزم من مجموعة اطفال صغار خاصة عندما استطاع أحد الأطفال أخذ الكرة من بين قدميه بسهولة وتعثراته المستمرة بينهم التى تعبر عن بلادته وقدراته الضعيفة فى لعب الكرة .. ربما إبن الأحياء الراقية .. لا يعرف كيف يتعامل مع كرة مهترة فى شارع ضيق .. فامثاله يلعبون فى أرقى الأندية والملاعب .. راقبت بترقب شديد وانتباه .. عندما رأت الكرة تنتقل بين أقدام الصغار بسرعة ومهارة كبيرة .. وأخيرا قد وصلت إلى أسامة الذى كان ماءلا قليلا بجسده للأمام .. يرتدى بذلته الأنيقة لكنه تخلى عن السترة .. و قميصه الأبيض ملطخ ببقع الطين وعفرات التراب ... فتحت فمها ذهولا و شهقت بقوة ما ان رأت سقوط أسامة المخجل بين الأطفال .. وبدلا من ان يساعده أيا منهم بداو فى الضحك من سقوطه المفاجئ و وقوعه على وجهه .. ما ان لمحت خيط الدماء الرفيع النازف من فمه .. حتى ركضت نحو الباب .. خرجت من الشقة من دون ان تغلق حتى بابها .. ونزلت درجات السلم بسرعة .. حتى خرجت من البناية القديمة وركضت بلهفة نحوه .. وهى تحاول رفع وجهه إليها لترى مكان النزيف .. قائلة بقلق ولهفة و عيناها ملئ بالدموع .. " أسامة .. هل أنت بخير ؟!.. هل أصيبت رأسك؟ .. هل تتألم ؟.. هل تاذت قدميك؟ ..هل ؟.." أبتسم للهفتها .. لكنها سرعان ما وضع يده على رأسه .. وهو يتاوه من الألم حتى كاد أن يصرخ ليؤكد على كذبته .. رغم انه لا يشعر باى شئ .. فقط شفتاه من الداخل التى اصطدمت باسنانه عندما ارتطم بالأرض .. وانفه التى يشعر بأن عظامها كادت أن تكسر لو وقع بقوة دفع أكبر على الأرض .. تابعت بحزن وهى تؤنبه بنبرة رقيقة قلقة " يا الله .. لماذا تلعب الكرة؟ .. انظر لقد تاذيت " " لا تقلقى عليه .. انه بخير ..انظرى انه كالثور أمامك الآن " قالها أحد الأطفال .. بينما رد عليه الآخر " أقسم لو كانت والدته و راته هكذا مصاب .. لما قلقت عليه .. وكأنه طفل صغير " فرد ثالث .. " لو ذهبت إلى والدتى و راتنى انزف هكذا .. لكانت قامت بضربى برمية مرتدة من فردة حذاءها.. و ساتلقى عدد من السباب والشتاءم ومعها كرتى ومن يلعب الكرة .. " ظلا كلا من دينا وأسامة متصلبان ..ينظران إلى الأطفال ببلاهة وهما يستمعان لحوارهم وطريقتهم فى الكلام .. " بالتأكيد هى حبيبته لذلك هى ركضت بلهفة إليه بقميص نومها " قالها طفلا آخر وهو ينظر اليها بإعجاب .. ثم تابع "انها كالصاروخ " انتبه أسامة إلى كلام الطفل فادار رأسه نحو ما ينظرون إليه جميعا .. فاصتك على أسنانه .. وكتم لعنة كادت تخرج من بين شفتيه .. وهو يراها تقف قبالته .. بقميص نوم ابيض ذو حمالات عريضة وقصير .. قصير للغاية .. يظهر أكثر مما يخفى .. أمسك اصابع يديها بين يده وهو يضغط عليها بغضب هاتفا بنبرة حادة " ما هذا الذى ترتدينه ؟.. كيف تخرجين هكذا ؟.. " اجفلت من نبرته و بنبرة ضعيفة دافعت " لقد كنت تنزف .. ونسيت .. " قاطعها بحدة " حتى وإن .. ما كان يجب عليك أن تخرجى هكذا .. حتى لو رايتنى ميتا أمامك .. ارتدى شيئا وبعد ذلك اخرجى " التمعت عيناها بالدموع .. والمتها غصة فى حلقها .. وهى تستمع لتانيبه .. وماذا أمام الأطفال بالاضافة الى تجمع بعض سكان الحى حولهم .. اخفضت اهدابها إلى أسفل .. ولكنها سرعان ما رفعتهما.. ولم تستطع منع فمها من الابتسام .. ما ان استمعت لتانيب أسامة لأحد الأطفال " وأنت أيها الصغير .. ما هى هذه الصاروخ التى تفوهت بها !.. تادب واحترم من هم أكبر منك عمرا .. " تابع كلامه وهو يضربه على مؤخرة رأسه باطراف أصابعه .. " أيها المفعوص الصغير لو كنا تزوجنا منذ زمن لكنت أنجبت من هو فى مثل عمرك " لوى الطفل فمه بامتعاض .. وقال بتذمر ودفاع خفى " وهل تعتقد..انها كلمة او صفة سيئة.. " فتابع ما ان لمح قسمات وجه أسامة التى لانت قليلا رغم عبوسه " صاروخ .. تعنى غاية فى الجمال .." ابتسمت دينا بتلقائية على كلمة الصبى .. فوجه إليها أسامة نظرة حازمة و حادة .. جعلتها تعود الى عبوسها.. وركضت نحو باب البناية بصمت .. الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الحادي عشر