وقف بتصلب وهو يستمع لكلمات عمته المتعثرة .. وهى تخبره ان ابنتها العتيدة .. ترفض العودة معه " تبا هذا ما كان ينقصه .. مشاكل فى العمل ... وزوجة عنيدة فى المنزل .. بدلا من ان تكون معه فى هذا الوقت بالذات ..لا هى ترفض مقابلته حتى " حدث سيف نفسه وهو يحاول الحفاظ على رباطة جاشه ...
"هل يذهب ويجرها خلفه وكأنها بقرة صغيرة .. ام يقوم بحملها على كتفه والخروج بها من هذا المنزل ... حقا سيكون الأمر ساخرا للغاية .. " لوى فمه وامتعض وجهه وهو يستمع وينصت أكثر لعمته التى تحرضه على ابنتها " أليست ابنتى ... ولكنى اطلب منك أن تتركها هنا لعدة ايام أخرى ...ابنتى تحتاج إلى تربية حقيقة ... لكى لا تفعلها معك مرة أخرى وتذهب وتتركك هكذا من دون علمك " " هل تحرضينى على ابنتك "
سألها مستغربا وعلى وجهه شبه ابتسامة متلاعبة " نعم ... احرضك... ابنتى وانا أكثر شخص يعرفها ... اضافت وهى ترفع يديها مشيرة باصابعها الثلاثة الوسطة والخنصر والبنصر أمام عينه ... " ثلاثة ايام ... فقط ثلاثة ايام وأقسم لك انها ستاتى إليك ... تبكى وتقسم انها لن تتركك مرة أخرى " رفع إحدى حاجبيه وهو يتنهد... فعمته لا تعلم انه خلال يومان بالاكثر سيسافر... وهو يحتاجها بجواره ... منذ ان تركها هنا وهو يقف بسيارته بعيدا عن المنزل ويراقبها من بعيد ... يراقب طيفها فقط ... وكأنه مراهق قد عشق وأهلها يرفضان مشاعرهما ويحاولان ابعادهما عن بعضهما ... لكنه خائف من ان يحدث لها شئ وهو بعيد عنها ... لذلك هو يريد أن يعيدها وبعد ذلك يأخذها معه عندما يسافر فهو لن يأمن على بقاءها وحيدة بدونه ... صمت ... وبقبضة محكمة وهو يزاءر ضرب بقبضته على أقرب حائط له ..
" ماذا بك ؟!" سألته عمته بلهفة وهى تراقب تعابير وجهه المرهقة التى لم تلمحها غير الآن .. استمرت بالالحاح عليه وهى تربت على ظهره ... حتى اخيرا قرر البوح .. بما يعتمل فى صدره .. فهو بحاجة إلى التحدث وهو لن يجد أفضل من عمته للتحدث معها ... رغم ان علاقتهما لم تكن وطيدة الا انها كانت الوحيدة التى كان على علاقة جيدة معها ... " جدى سافر ... و هناك مشاكل كثيرة بالشركة ... وانا يجب ان أسافر ... لذلك يجب ان أخذ اروى معى .. لن أتركها هنا وحيدة " هتف بكلماته بصوت عميق ..
ظهر الأسى على وجه فريدة فقالت بهدوء لابن أخيها " اروى لا تستطيع ان تسافر إلى مكان بعيد فهى حامل " أغلق عيناه بقوة حتى كاد أن يعصرهما من كثرة الهموم التى أصبحت تزداد عليه أكثر ... " تبا ... كيف نسى هذا! .. انها حامل .. ولن تستطيع السفر .. وهو ربما يذهب إلى عدة مدن و سينتقل كثيرا .. تبا لحظه العاثر " هتف فى نفسه وهو يمرر أصابعه فى شعره " طالما انك ستسافر .. إذا لا داعى أن تعود معك اليوم .. أتركها هنا وعندما تعود .. غصب عن عينيها ساجعلها تعود معك ... اضافت وهى تلمح نظرته الغاضبة " وإذا كنت تريد رؤيتها ... تعالى إلى هنا واقضى اليومان معنا قبل ذهابك " صمت قليلا وهو ينظر إلى عمته .. فاضافت مبتسمة
" اليوم وغصب عن رأسها ستاتى للعشاء والمبيت فى منزل عمتك " قالتها كلماتها وهى تضع كفيها على وجهه بدف ...
" أين كنت؟!" شهقت نورا بفزع ما ان استمعت للصوت الآتى من خلفها .. فاقترب منها بسرعة محاولا إحاطة خصرها قائلا بنبرة ناعمة " هل اخفتك! .. انا آسف " لكنها تململت من قربه وابتعدت عنه ولم تكلف نفسها حتى عناء الرد عليه .. و اقتربت من الخزانة متجاهلة إياه انزعج من تصرفها الطفولى... لكنه تغاضى عنه .. " نورا سألتك أين كنت ؟!"
سألها مرة أخرى ولكن هذه المرة بنبرة شديدة .. " لقد كنت عند أختى .. هل هناك مشكلة فى ذهابى إليها ؟!.. هتفت بضيق لم تستطع اخفاءه .. وتابعت بسخرية ونبرة حادة " أوه آسفة كان يجب على قبل خروجى ان استأذن من السيد مراد السيوفى .. " وضع يده حول رسغها وهو يديرها إليه قائلا بنبرة منزعجة " ماذا بك! .. لماذ اصبحتى تتحدثين معى بهذه الطريقة .. ثم أضاف بحدة وهو يقربها من صدره " وما هذه ال سيد التى خرجت من فمك !.." تشدق وجهها بابتسامة ساخرة حملت ألما لما تعانيه طوال الثلاثون عاما
" أنت دائما كنت السيد بالنسبة لى .. تآمر واطيع .. لم أشعر يوما بأننى زوجة او امرأة يمكنها أن تختار .. دائما كنت بالنسبة للجميع امرأة .. مجرد امرأة تزوجها أحد أبناء عائلة السيوفى .. لذلك يجب ان يقبلوا بها .. الجميع كان ينظر إلى و كاننى لست بشر .. امرأة من مكان وعالم آخر .. حرمتنى من حق اختيار أشياء عدة .. حتى حرية تركك لم تعطينى إياها يوما .. انجابى لحازم لم يكن الرابط القوى الذى ربط بيننا لكى نكون سعداء ... أبعدت يده عنها وهى تكتم دموعها ... تدور فى الغرفة تحارب نوبة بكاء شديدة من الانفجار ..تتابع بقهر
" لا .. بل كان هذا الرابط ..هو السبب الذى كان يجعلك دائما تضغط على به .. عندما تزوجت انت .. انا لم اعترض رغم إننى تألمت ... لكنك منعتنى حق الاختيار .. والابتعاد .. أليس حقى ان أختار الطلاق عندما أعلم أن زوجى قد تزوج على ويحضر لحفل زفافه .. لكنك ضغطت على يدى والمتنى.. الطلاق معناه انك لن ترى ابنك لما بقى من عمرك .. نطقت كلماتها وهى تحاول تقليد طريقته التى تحدث بها سابقا معها .. اضافت بألم أكثر وبالطبع لن أستطيع أن أدخل فى معركة .. الجميع يعلم انها خاسرة .. طالما هى ستكون ضد المحامى الشهير .. صاحب النفوذ والسلطة .. لا توجد قضية تقف أمامه حتى أصعب القضايا ... طالما هو المدافع لها إذا فمنافسه خاسر .. خاسر لا محالة ... وأنا ..
صرخت بخفوت غير ابهة لدموعها التى نزلت .. ولا لارتجافة جسدها ... وهى تشير بيديها نحو صدرها " وانا كنت الخاسر الأكبر منذ ان تزوجتك ... خسرت كثير .. ليس عمرى فقط .. بل و نفسى أيضا .. " بلع ريقه ونظر لها برعب وهو يراقب انهيارها الوشيك .. لماذا أصبحت بهذا الانفجار ؟!.. لماذا أصبح كل يوم يرى كرهها له يزداد يوما بعد يوم ؟!... لماذا الآن !؟.. " هل تكرهينى لهذه الدرجة ؟!... هل لهذه الدرجة انا بشع يا نورا ؟!.. " دنا منها أكثر وهو يحارب نفسه ويده من ضمها إليه .. " هل ما زال زواجى يؤلمك ... رغم إننى أقسمت لك ماءة مرة إننى كنت مجبر .. والزواج فشل فشلا ذريعا وطلقتها... حتى وإن أخبرتك انك انتى فقط من فى قلبى .. انا لن ابرر زواجى السابق لك مرة أخرى ..
عيناه ومضتا غضبا مضيفا " انتى لا تعلمين ما تحملته .. وما فعلته لتكونى معى .. ليس فقط سجن ذلك المعتوه الذى تجرأ ونظر إليك .. لكن هناك أمور أكثر مما تعتقدين .. و تهديدى لك بأخذ حازم .. كان بالفعل مجرد تهديد .. لا أستطيع تركك تذهبين هكذا .. انتى تعنين لى أكثر مما تعتقدين .." اقترب منها وضمها إلى صدره بقوة يمنعها حتى محاولة الإفلات والابتعاد عنه وهو يهمس بنبرة ناعمة " ألا يوجد شئ واحد ... واحد فقط يغفر لى اخطاءى السابقة .. يجعلنا نبدأ من جديد .. ستتركينى بعد هذا العمر! .. أعلم اننى لن أهون عليك .. و حازم ونور .. الفتاة تحتاج إلينا بجوارها .. ألم تكونى تريدين العديد من الأحفاد .. ساصلح كل شئ .. أعدك حتى نستطيع انا وانتى البدء من الجديد .."
شهقت بقوة بين احضانه وهى تستمع لكلماته.. تعلم انه يحبها وهى أيضا .. لكنها جرحت بسببه كثيرا .. لا تعلم هل ستتحمل المزيد من أخطائه ام لا .. أضاف وهو يشعر بافكارها التى تدور فى رأسها بغير هدى .. يشعر بمحاربتها الشديدة لمشاعرها نحوه .. فاضاف بنبرة هادئة للغاية يحاول بها أن يحصل به على عطفها " سأحاول الحديث مع روز .. سليم سيذهب إليها اليوم سيتحدثان ... وسنحاول إيجاد طريقة لنخبر نور عن والدتها .. انا لست قاسى لهذه الدرجة يا نورا .. كل ما فعلناه كل من أحل نور وياسين وروز... وعندما تعرفى ستعذرينا جميعا " هدأت شهقاتها و بتلقاءية لفت ذراعيها حول رقبته تطلب الدف منه اكثر ...
طبع قبلة على رأسها وهو يتمتم فى نفسه " آه لو تعلمين ما الذى يفعله لى ابتعادك عنى .. وقربك هذا منى .. لقد خسرت .. وكنت مستعد لخسارة المزيد فقط لتكونى معى و لى .. لى فقط .. وكانت ذاتى هى أول شئ خسرته.. عندما رأيت نظرات اصدقائى لى وأنا أخبرهم إننى تزوجتك .. الجميع يعتقد إننى خطفت حبيبة محمود منه ... لكن لا أحد يعلم انك كنت حبيبتى انا اولا .. احببتك ..قبل أن ياتى لاخبارى بإعجابه بك .. وأنا كنت اشتعل غيرة .. اعتقدت انه سينسى امرك مع مرور الأيام .. لكن لم يحدث هذا بل تمسك بك .. وعندما علمت بأمر تقدمه .. ركضت .. فلم أتحمل أن أراك زوجة لابن عمى وصديقى..." تنهد مراد و عانقها بحنان وهو يتمنى لو نطق بهذه الكلمات .. لكنه لا يستطيع .. وهو لا يريدها ان تعلم بشئ حدث بالماضى فهو قد طواه منذ زمن ... هى تنظر إلى محمود كاخ وهو لم يشعر بالغيرة يوما منه .. لانه يعلم انه الوحيد الذى بقلبها ..
خرجت من الغرفة وهى تغلق بابها بهدوء ... ووجهها محمرا خجلا مما حدث بينهما .. مهما كبر سيظل يعانقها بحنان وكانهما ما زال يتعرفان على بعضهما لأول مرة ... توجهت إلى غرفة نور مباشرة ... دقت دقات خفيفة على الباب .. فأتى لها الصوت خافتا فدخلت .. وهى تنظر إليها بشفقة وحزن .. تعلم ان كل شئ أتى بسرعة لها .. موت ياسين لم تتحمله .. فكيف إذا سيكون ردة فعلها عندما تعلم ان والدتها حية .. هل ستنهار مرة أخرى .. منذ ان عادت من الثلاثة ايام الذى قضتها مع حازم .. وهى فى حالة انطواء .. تجلس معهم لكنها ليست معهم شاردة وحزينة .. وعندما تتحدث تنطق بشق الأنفس وبخفوت .. وكأنها لم تكن مستعدة للتعامل والتحدث مع اى منهم ..
رسمت نورا ابتسامة على وجهها .. وجلست بجوارها .. نظرت إليها نور بشبه ابتسامة و أعين ذابلة .. " كيف حالك ؟!" سألتها نورا وهى تحاول جذبها للحديث معها .. اضطربت الأخيرة وتململت فى مكانها وهى تدير برأسها نحوها .. بعد ان كانت تنظر إلى اللامكان... " بخير " همست نور بصوت ضعيف للغاية نظرت إليها الاخرى باشفاق قائلة بنبرة حنونة واعين مهتمة " هل انتى متأكدة؟! " راقبت نورا نظرات نور المتساءلة لها بهدوء واقتربت منها أكثر حتى جلست ملاصقة لها .. و وضعت إحدى يديها على كتفيها .. قائلة بابتسامة عذبة " بخير .. لم تكن يوما تعبر عن ما نشعر به من الم .. ننطق بها عندما لا نجد كلمة نستطيع به ان نعبر عن حالتنا .. كل شخص فى هذا العالم فقد شخصا عزيزا عليه .. اب... أم... وربما صديق عزيز علينا نتألم لفراقه ..
ترقرقت الدموع فى عينى نورا من دون قصد منها وقالت متابعة بحشرجة وهى تحاول رسم ابتسامة على وجهها " لقد كان لدى صديقة عزيزة على للغاية .. كنا نتشارك فى كل شئ .. رغم أنها كانت أعلى منى فى المستوى لكنى لم أشعر بهذا يوما .. كانت تعطينى ملابسها .. وتأخذ منى رغم أنها لم تكن بحاجة لملابسى القديمة والباهتة.. لكنها كانت ترتديها .. لكن شاء القدر و ماتت .. تألمت وصرخت لفراقها.. فكما يقولون الفراق صعب .. تنهدت بضعف وهى تمسح دمعة ساهتها وخرجت من عيناها " لكن مراد اخبرنى بشئ فى هذا الوقت .. كل شى فى هذا العالم يكبر ..الطفل يصبح شابا فعجوزا فكهلا.. إلا الحزن يصغر أكثر وأكثر .. وسيأتي يوم سنسى فيه من كنا نشعر وكان الروح ستغادرنا عندما علمنا بفراقهم أول مرة .. أكثر شئ حبانا به رب العالمين هو النسيان ...لولا النسيان لتالمنا أكثر .. ولما استطعنا أن نمارس حياتنا .. " ربتت على يدي نور متابعة بهمس " ياسين ..لن أقول لكى انسيه... لان المرء مهما كبر لن يستطيع ان ينسى والديه .. لكن من اجله ومن اجل نفسك لا تظلمي نفسك .. بوادها اكثر بين الاحزان .. كنى الابنة الصالحة .. و ادعى له بالرحمة .. جميعنا سنموت .. " اهتزتا شفتاى نور وهى تحاول النطق .. ونزلت دموعها دون إرادتها " أبى ..أبى كان بالنسبة لى كل شئ.. أعلم انه مات ولن يعود ..أعلم إننى اعذبه ببكاءى لكننى لا أستطيع ... لا أستطيع عدم الحزن عليه .. والاستمرار هكذا .. هكذا بدونه ..." تابعت بشهقات أكثر وببكاء يقطع نياط القلب ووجهها محمر .. وكأنها كانت بحاجة للحديث والصراخ أمام أحد ما .. وها هى قد اتتها الفرصة .. " لقد تعودت على وجوده بجوارى فى كل لحظة .. عندما أفكر إننى ربما سادخل إلى غرفتى ولا أجده أتألم ... لم يكن والدى فقط .. بل كان عكازى الذى استند عليه لكى أستطيع به ان أواجه كل شئ.. كيف .. كيف اخبرينى .. انا أتألم .. " ابتعدت عن مكانها وهى تتابع وهى واضعة يديها حول كتفيها وعيناه تهتزان بهستيرية و متسعتان رعبا .. " لو كان معى .. لما حدث لى كل هذا .. لو كان معى .. لما حدث لى كل هذا .. لو كان موجودا .. لما أصبحت هنا .. لو كان هنا ما كان سيحدث لى كل هذا..! " ظلت ترددها بجنون وصوت عالى .. وهى تتراجع للخلف أكثر كلما حاولت نورا الاقتراب منها أكثر لتهدءتها .. لكنها كانت تتراجع أكثر للخلف وتهز رأسها بجنون .. حتى خارت قواها .. و سقطت مغشيا عليها ... " نور " صرخت بها نورا ما ان رأت سقوطها .. وفى لحظة فتح الباب بقوة .. و دلف إليها حازم بسرعة ولهفة راكضا نحو جسد زوجته القابع على الأرض .. أثنى ركبتيه ووضع يد أسفل ظهرها وأخرى أسفل عنقها وحملها و هو يلمح بقايا دموع على وجهها .. بعد ما يقارب النصف ساعة خرج حازم مع الطبيب من الغرفة .. وهو يستمع لشهقات والدته التى لم تكف عن لوم نفسها منذ ان سقطت .. ووالده يحاول تهدءتها ... وقف حازم قبالة الطبيب... " انهيار عصبى حاد .. انها متوترة للغاية ومضطربة أيضا .. هل تعرضت له من قبل " سأله الطبيب بهدوء " نعم .. منذ عدة ايام .. و أظن قبل هذا مرة او مرتين " رد عليه بهدوء .. وهو يحاول عدم إظهار قلقه عليها .. " منذ متى وهى بهذه الحالة! " سأله مرة أخرى " منذ ان توفى والدها وهى هكذا " " حسنا ..أظن من الأفضل ان تعرض على طبيب نفسى .. حالتها تزداد سوء .." قالها الطبيب .. ثم ناوله ورقة " هذه بعض الأدوية المهدءة... لكن بالطبع من الأفضل ان تعرض على طبيبا نفسيا " هز حازم رأسه موافقا تابعا " نعم بالطبع " شكر الطبيب ... وصعد درجات السلم وجد والدته فى الغرفة ولا تكف عن البكاء .. فنظر إلى والده الذى كان يقف من بعيد .. ففهم والده نظراته .. وأخذ نورا وخرج بها من الغرفة رغم اعتراضها فى بادئ الأمر .. لكنها ما ان رأت حازم .. حتى خرجت من الغرفة .. دنا منها ببط وهو يراقب جسدها المسجى على السرير .. أنفاسها مضطربة ووجهها حزين رغم نومها .. منذ ان تشاركا فى هذه الغرفة منذ عودتهما.. وهو يشعر بارتباكها الواضح .. لاحظ نظراتها المرتعبة منه ما ان اقترب من السرير أول مرة فى هذه الغرفة .. أبتسم لها بخفوت محاولا تهدءتها بنظراته الهادءة لها .. وتحرك مبتعدا عنه .. و نزل حيث مكتبه محاولا أشغال نفسه بالقضاياة حتى يجد الساعة قد تجاوزت منتصف الليل .. فيصعد لغرفته... وينام على السرير بهدوء مبتعدا عنها بمسافة مناسبة .. لا يعلم أن كانت تشعر بوجوده بجانبها ام لا .. لكن كل هذا لا يهمه .. فهو يريد إقصاء حاجز تلو الآخر بينهما بهدوء .. يجب الا يسمح لها بوضع المزيد من الحواجز حولها .. وتمنعه عنها .. خطوة .. سيقترب خطوة خطوة .. حتى يثبت لها حقا أنه يحبها .. و رغم انه كان يستلقى على سرير واسع بجوارها إلا انه لم ينم بهناء.. كان يراقب صدرها الذى يرتفع وينخفض بهدوء يعبر عن تنفسها المنتظم .. لقد كان مرتعبا من ان يحدث لها شئ وهى نائمة... وربما ارعبته أكثر فكرة انها ربما تحاول الانتحار .. خصوصا عندما راءها مرة تمسك بسكين حاد .. رغم أنها ربما تكون مجرد شكوك ليست فى محلها لكنه لا يستطيع منع نفسه من القلق عليها .. وخصوصا عندما كان يراقب صمتها الذى كان يقتله أكثر مما يقتلها ... وجهها شاحب للغاية .. و شفتاها مضمومتان تعبر عن انزعاجها الواضح .. من دون ان يشعر وجد كفه يمر على وجهها يتحسس بشرتها باصابعه... حتى وصل إلى شفتاها الجافة وظل يمرر إصبعه عليها .. اقترب بهدوء وبحركة بطيئة للغاية .. وتردد كبير فى نفسه .. لكنه لم يستطع منع نفسه أكثر وطبع قبلة دافئة وخفيفة للغاية على فمها .. تبعتها سقوط دمعة واحدة من عيناه ...
ألقت بجسدها على السرير وهى تتذكر عودة والدتها إليها تخبرها انه ذهب .. ووافق على طلبها .. هكذا من دون اى شى .. يتركها .. لم يتمسك بها ما ان قالت له ابتعد.. ابتعد فعلا .. وحل محل فرحتها بقدومه إليها .. حزنها وسخطها لذهابه.. وهى تلوم نفسها ألف مرة .. فهل كان يجب عليها ان تظهر كبرياءها .. ويباسة رأسها ذلك أمامه واليوم بالذات .. أغلقت عيناها تحاول ان تنام .. لكن كيف ستنام هكذا وهو ليس بجوارها .. اتسعت عيناها وهى تستمع لاقتراب الخطوات أكثر .. فأكثر إليها .. وكلما كانت تقترب كانت تصل إليها رائحة عطره الممزوجة برائحة جسده هو التى تحفظها عن ظهر قلب ... لوت اروى فمها بحزن وهى تتساءل بصوت منخفض ونبرة منزعجة .. " هل أصبحت اهذى .. لدرجة إننى أشتم رائحة عطره .. لقد جننتى... جننتى بالطبع يا اروى .. " " اروى هل انتى مستيقظة ؟!" ارتجفت اوصالها .. وهى تردد برعب وصوت منخفض " انه صوته .. صوته .. لقد جننت .. هل لهذه الدرجة انا مجنونة به! .. لا .. لا ما الذى حدث لى؟! .. كيف! .. ومتى! " سمعت صوت ضحكاته المتتالية وهو يعلو أكثر وأكثر .. حركت يدها نحو المصباح الصغير الذى بجوار السرير .. و ضغطت على زر الإضاءة وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتردد المعوذتان بسرعة ورعب .. التفتت بجسدها نحو الصوت ... صرخت رعب خرجت من حنجرتها وهى تتراجع بجسدها على السرير ما ان رأته أمامها بشحمه ولحمه .. ركض إليها .. وضمها بسرعة إلى صدره بلهفة .. وهو يمرر يده على شعرها يحاول تهدءتها .. " أهدى .. أهدى .. انه انا .. اسف .. اسف" ظل يكرر أسفه وهو يمرر فمه على عيناها وجنتيها أنفها .. وبالقرب من ثغرها "لم أكن أقصد .. أقسم لم أكن أقصد .. كنت أريد أن اجعلها لك مفاجأة " وبحركة مهتزة حركة سبابتها عاليا ... وهى تردد باضطراب "كيف؟! .. كيف دخلت إلى هنا ؟.. " أبتسم بخفوت .. وقال بمكر " عمتى حبيبتى .. اعطتنى مفتاح منزلها .. ما ان أتيت فى اى وقت أستطيع الدخول .. " ثم غمز لها بعيناه اليسرة مضيفا " ودخلت " وتابع بانزعاج كاذب " لكن ما هذا الإستقبال ..هل هذه طريقة تستقبلين بها زوجك .. بعد ثلاثة ايام بعيدة عنه " أحمر وجهها خجلا .. لكنها قالت بحدة " هل تتامر على انت و والدتى .. أخرج من غرفتى حالا " رد بعدم مبالاة وهو يفك أزرار قميصه فقد كانت سترة بذلته ملقاة على كرسى الزينة بإهمال .. " لن اذهب .. لقد اخبرتنى عمتى إننى أستطيع النوم فى اى غرفة .. وأنا اخترت هذه .. " زمت شفتيها ولوت فمها بحركة سريعة مظهرة غضبها .. وضمت يديها أمامها وحاولت الابتعاد عن السرير لكنه أعادها مكانها بهدوء قائلا بنبرة لا تخلو من الحدة " اروى .. لا ينقصنى جنونك ولا عنادك هذا .. اجلسى بهدوء على السرير .. فمهما حاولتى انتى لن تخرجى من هذه الغرفة إلا عندما أخرج انا منها غدا صباحا .. ام الآن فانتى ستنامين على هذا السرير بهدوء .. " " ساصرخ " هتفت به بعناد " اصرخى لن يجرؤ أحد على الاقتراب من هذه الغرفة طالما انا بها " نطق ببرود تام وباشارة بعيناه عادت إلى السرير بهدوء .. حتى بدل ملابسه .. وجلس بجوارها على السرير .. وبحركة سريعة وضع رأسه على رجليها ... حاولت الابتعاد لكنه اشتد برأسه أكثر مانعا إياها من التحرك .. أغلق عيناه .. بحث بيديه عن كفيها حتى وجدهما ووضعهما على رأسه .. وقال بخفوت ونبرة منخفضة " مررى يديك على رأسى أريد النوم " وبتردد بدأت تمرر وتتخلل أصابعها بين خصلات شعره ... ووجهها يعلوه ابتسامة لم تستطع الكلمات التعبير عن مدى سعادتها وهو أمامها فى هذه اللحظة .. ومن دون تفكير نزلت بفمها وطبعت قبلة على جبهته .. تراجعت برأسها بسرعة ما ان رأته قد فتح عيناه .. وبحركة سريعة من يده وجسده كان قد ارجعها بجسدها للخلف .. وهو يقبض على رسغيها بلطف وبمكر وابتسامة متسعة سألها " هل انتى .. تتحملين نتيجة ما فعلتيه الآن " لم تستطع منع نفسها من الابتسام و بوجه محمر خجلا اجابته بنبرة ناعمة " نع..." لم ينتظرها لتتكمل كلمتها و التقط شفتيها معانقا إياها بشغف ...
وبخطوات حازمة كاسمه دلف إلى المشفى .. يسأل عن ماهر .. فهو الوحيد الذى يستطيع ان يساعده فى مشكلته .. لم ينم منذ ليلة أمس وهو يراقب كل حركة كبيرة او صغيرة منها .. وهو يفكر فى كلام الطبيب بتمعن .. فلم ياتى برأسه غير ماهر ليساعده... هدأت ملامحه قليلا من التوتر ما ان راءه واقفا مع شخصا ما لم يهتم لمعرفة من يكون .. اقترب بخطوات مدروسة حتى وقف أمامه .. فقابله الآخر بابتسامة بشوشة على وجهه .. حياه بسعادة .. وأخذه حيث مكتبه ... فى المكتب وبعد دقائق من محادثتهما .. " إذا أنت تريد طبيبا نفسيا جيدا .. " سأله ماهر فأجاب حازم بهدوء " أريد طبيبا ليس جيدا بل ممتازا .. يستطيع ان يسيطر على انفعالتها.. فهى ما ان تتذكر او تتحدث عن والدها حتى تسقط مغشيا عليها .. وهذا غير انها منطوية على نفسها كثيرا " " حسنا .. انا لست على علاقة باطباء كثر ...ولا أعرف أطباء فى هذا التخصص ... فظهر الحزن على وجه حازم .. لكن سرعان ما تابع ماهر " لكنى اعرف طبيبة .. تستطيع ان تدلنا على طبيب جيد .. ريم صديقة نور .. هل تعرفها " حاول حازم عصر ذاكرته وتذكرها .. ولكنه كالعادة خانته ذاكرته ولم يتذكرها .. فهز رأسه ب لا أبتسم ماهر بخفوت و طلب من إحدى الممرضات لاستدعاءها ... بعدها بدقائق دلفت ريم إلى المكتب .. و ضيقت ما بين حاجبيها ما ان رأت حازم .. وبهدوء وعلمية مطلقة بدأ بشرح لها كل شئ... وفى ثانية كانت ريم قد جنت تماما وهى تستمع لكلمات حازم التى تكاد تصف صديقتها بالمجنونة... بداية من انهيارها .. وحتى امساكها للسكين فانقضت عليه كالقطة وعيناها تلتهب شرا بعد ان استمعت لكلماته لولا أن ماهر أمسك بيديها التى تحاول أن تمدها لتمسك عنقه ...لكانت خنقته بيديها ...فقالت وهى تكشر عن انيابها كالقطة التى تحاول ان تدافع عن صغارها ... "أيها الحقير هل تقول أن صديقتى مجنونة ...ساقتلك" .وقف امامها ماهر يحاول أن يمنعها من الوصول إليه ...والاخر يرمقها بنظرات باردة خالية من اى تعبير يحاول أن يهدأ من نفسه ...لولا أنها امرأة لكان خرج عن روقيه و قطع لسانها المسموم .. فهتف ماهر بهدوء وعقلانية " ما هذا يا ريم .. وهل كل شخص يعرض لطبيب نفسى .. يكون مجنونا .. انها مريضة تمر بظروف صعبة تحتاج لشخص لارشادها والاستماع إليها " " إستماع .. وأين انا من كل هذا انا كفيلة بإخراج صديقتى من حزنها .. هتفت بهما بصراخ... ثم تابعت بنبرة حادة لا تخلو من السخرية " لقد اعتقدت انه يستطيع ان يخرجها من حزنها .. لكنى كنت مخطئة ما كان يجب ان اعتمد على شخص مثله .. لقد بقيت معه عدة ايام .. و ها هو يطلق عليها لقب مجنونة .. " وأضافت بنبرة لا تقبل نقاشا " سأذهب لصديقتى واهتم انا بها جيدا " ابتسم حازم بسخرية وقال ببرود " ومن هذا الذى سيسمح لك بالاقتراب منها انتى تحلمين .. " " وهل تجرؤ على منعى .. أفعلها وساريك ما أريد فعله " هتفت بها بعناد .. فابتعد حازم عنهما واقترب من الباب .. وما كاد يدير مقبض الباب .. حتى التفت إليها قائلا " مجنونة " قالها وخرج من الغرفة صافعا بابها بقوة .. فاتسعت عيناها ذهولا وردت من بين أسنانها " طفل " وكل هذا وماهر يحاول كتم صحكاته. . وريم تنظر إليه بغيظ من تصرفاته هو الآخر ووجهه الذى يحارب حتى لا ينفجر ضاحكا .. الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الثالث
وقف بتصلب وهو يستمع لكلمات عمته المتعثرة .. وهى تخبره ان ابنتها العتيدة .. ترفض العودة معه " تبا هذا ما كان ينقصه .. مشاكل فى العمل ... وزوجة عنيدة فى المنزل .. بدلا من ان تكون معه فى هذا الوقت بالذات ..لا هى ترفض مقابلته حتى " حدث سيف نفسه وهو يحاول الحفاظ على رباطة جاشه ... "هل يذهب ويجرها خلفه وكأنها بقرة صغيرة .. ام يقوم بحملها على كتفه والخروج بها من هذا المنزل ... حقا سيكون الأمر ساخرا للغاية .. " لوى فمه وامتعض وجهه وهو يستمع وينصت أكثر لعمته التى تحرضه على ابنتها
" أليست ابنتى ... ولكنى اطلب منك أن تتركها هنا لعدة ايام أخرى ...ابنتى تحتاج إلى تربية حقيقة ... لكى لا تفعلها معك مرة أخرى وتذهب وتتركك هكذا من دون علمك " " هل تحرضينى على ابنتك " سألها مستغربا وعلى وجهه شبه ابتسامة متلاعبة " نعم ... احرضك... ابنتى وانا أكثر شخص يعرفها ... اضافت وهى ترفع يديها مشيرة باصابعها الثلاثة الوسطة والخنصر والبنصر أمام عينه ... " ثلاثة ايام ... فقط ثلاثة ايام وأقسم لك انها ستاتى إليك ... تبكى وتقسم انها لن تتركك مرة أخرى " رفع إحدى حاجبيه وهو يتنهد... فعمته لا تعلم انه خلال يومان بالاكثر سيسافر... وهو يحتاجها بجواره ... منذ ان تركها هنا وهو يقف بسيارته بعيدا عن المنزل ويراقبها من بعيد ... يراقب طيفها فقط ... وكأنه مراهق قد عشق وأهلها يرفضان مشاعرهما ويحاولان ابعادهما عن بعضهما ... لكنه خائف من ان يحدث لها شئ وهو بعيد عنها ... لذلك هو يريد أن يعيدها وبعد ذلك يأخذها معه عندما يسافر فهو لن يأمن على بقاءها وحيدة بدونه ... صمت ... وبقبضة محكمة وهو يزاءر ضرب بقبضته على أقرب حائط له ..
" ماذا بك ؟!" سألته عمته بلهفة وهى تراقب تعابير وجهه المرهقة التى لم تلمحها غير الآن .. استمرت بالالحاح عليه وهى تربت على ظهره ... حتى اخيرا قرر البوح .. بما يعتمل فى صدره .. فهو بحاجة إلى التحدث وهو لن يجد أفضل من عمته للتحدث معها ... رغم ان علاقتهما لم تكن وطيدة الا انها كانت الوحيدة التى كان على علاقة جيدة معها ... " جدى سافر ... و هناك مشاكل كثيرة بالشركة ... وانا يجب ان أسافر ... لذلك يجب ان أخذ اروى معى .. لن أتركها هنا وحيدة " هتف بكلماته بصوت عميق ..
ظهر الأسى على وجه فريدة فقالت بهدوء لابن أخيها " اروى لا تستطيع ان تسافر إلى مكان بعيد فهى حامل " أغلق عيناه بقوة حتى كاد أن يعصرهما من كثرة الهموم التى أصبحت تزداد عليه أكثر ... " تبا ... كيف نسى هذا! .. انها حامل .. ولن تستطيع السفر .. وهو ربما يذهب إلى عدة مدن و سينتقل كثيرا .. تبا لحظه العاثر " هتف فى نفسه وهو يمرر أصابعه فى شعره " طالما انك ستسافر .. إذا لا داعى أن تعود معك اليوم .. أتركها هنا وعندما تعود .. غصب عن عينيها ساجعلها تعود معك ... اضافت وهى تلمح نظرته الغاضبة " وإذا كنت تريد رؤيتها ... تعالى إلى هنا واقضى اليومان معنا قبل ذهابك " صمت قليلا وهو ينظر إلى عمته .. فاضافت مبتسمة " اليوم وغصب عن رأسها ستاتى للعشاء والمبيت فى منزل عمتك " قالتها كلماتها وهى تضع كفيها على وجهه بدف ...
" أين كنت؟!" شهقت نورا بفزع ما ان استمعت للصوت الآتى من خلفها .. فاقترب منها بسرعة محاولا إحاطة خصرها قائلا بنبرة ناعمة " هل اخفتك! .. انا آسف " لكنها تململت من قربه وابتعدت عنه ولم تكلف نفسها حتى عناء الرد عليه .. و اقتربت من الخزانة متجاهلة إياه انزعج من تصرفها الطفولى... لكنه تغاضى عنه .. " نورا سألتك أين كنت ؟!" سألها مرة أخرى ولكن هذه المرة بنبرة شديدة ..
" لقد كنت عند أختى .. هل هناك مشكلة فى ذهابى إليها ؟!.. هتفت بضيق لم تستطع اخفاءه .. وتابعت بسخرية ونبرة حادة " أوه آسفة كان يجب على قبل خروجى ان استأذن من السيد مراد السيوفى .. " وضع يده حول رسغها وهو يديرها إليه قائلا بنبرة منزعجة " ماذا بك! .. لماذ اصبحتى تتحدثين معى بهذه الطريقة .. ثم أضاف بحدة وهو يقربها من صدره " وما هذه ال سيد التى خرجت من فمك !.." تشدق وجهها بابتسامة ساخرة حملت ألما لما تعانيه طوال الثلاثون عاما
" أنت دائما كنت السيد بالنسبة لى .. تآمر واطيع .. لم أشعر يوما بأننى زوجة او امرأة يمكنها أن تختار .. دائما كنت بالنسبة للجميع امرأة .. مجرد امرأة تزوجها أحد أبناء عائلة السيوفى .. لذلك يجب ان يقبلوا بها .. الجميع كان ينظر إلى و كاننى لست بشر .. امرأة من مكان وعالم آخر .. حرمتنى من حق اختيار أشياء عدة .. حتى حرية تركك لم تعطينى إياها يوما .. انجابى لحازم لم يكن الرابط القوى الذى ربط بيننا لكى نكون سعداء ... أبعدت يده عنها وهى تكتم دموعها ... تدور فى الغرفة تحارب نوبة بكاء شديدة من الانفجار ..تتابع بقهر " لا .. بل كان هذا الرابط ..هو السبب الذى كان يجعلك دائما تضغط على به .. عندما تزوجت انت .. انا لم اعترض رغم إننى تألمت ... لكنك منعتنى حق الاختيار .. والابتعاد .. أليس حقى ان أختار الطلاق عندما أعلم أن زوجى قد تزوج على ويحضر لحفل زفافه .. لكنك ضغطت على يدى والمتنى.. الطلاق معناه انك لن ترى ابنك لما بقى من عمرك ..
نطقت كلماتها وهى تحاول تقليد طريقته التى تحدث بها سابقا معها .. اضافت بألم أكثر وبالطبع لن أستطيع أن أدخل فى معركة .. الجميع يعلم انها خاسرة .. طالما هى ستكون ضد المحامى الشهير .. صاحب النفوذ والسلطة .. لا توجد قضية تقف أمامه حتى أصعب القضايا ... طالما هو المدافع لها إذا فمنافسه خاسر .. خاسر لا محالة ... وأنا .. صرخت بخفوت غير ابهة لدموعها التى نزلت .. ولا لارتجافة جسدها ... وهى تشير بيديها نحو صدرها " وانا كنت الخاسر الأكبر منذ ان تزوجتك ... خسرت كثير .. ليس عمرى فقط .. بل و نفسى أيضا .. " بلع ريقه ونظر لها برعب وهو يراقب انهيارها الوشيك .. لماذا أصبحت بهذا الانفجار ؟!.. لماذا أصبح كل يوم يرى كرهها له يزداد يوما بعد يوم ؟!... لماذا الآن !؟.. " هل تكرهينى لهذه الدرجة ؟!... هل لهذه الدرجة انا بشع يا نورا ؟!.. " دنا منها أكثر وهو يحارب نفسه ويده من ضمها إليه .. " هل ما زال زواجى يؤلمك ... رغم إننى أقسمت لك ماءة مرة إننى كنت مجبر .. والزواج فشل فشلا ذريعا وطلقتها... حتى وإن أخبرتك انك انتى فقط من فى قلبى .. انا لن ابرر زواجى السابق لك مرة أخرى ..
عيناه ومضتا غضبا مضيفا " انتى لا تعلمين ما تحملته .. وما فعلته لتكونى معى .. ليس فقط سجن ذلك المعتوه الذى تجرأ ونظر إليك .. لكن هناك أمور أكثر مما تعتقدين .. و تهديدى لك بأخذ حازم .. كان بالفعل مجرد تهديد .. لا أستطيع تركك تذهبين هكذا .. انتى تعنين لى أكثر مما تعتقدين .." اقترب منها وضمها إلى صدره بقوة يمنعها حتى محاولة الإفلات والابتعاد عنه وهو يهمس بنبرة ناعمة " ألا يوجد شئ واحد ... واحد فقط يغفر لى اخطاءى السابقة .. يجعلنا نبدأ من جديد .. ستتركينى بعد هذا العمر! .. أعلم اننى لن أهون عليك .. و حازم ونور .. الفتاة تحتاج إلينا بجوارها .. ألم تكونى تريدين العديد من الأحفاد .. ساصلح كل شئ .. أعدك حتى نستطيع انا وانتى البدء من الجديد .." شهقت بقوة بين احضانه وهى تستمع لكلماته.. تعلم انه يحبها وهى أيضا .. لكنها جرحت بسببه كثيرا .. لا تعلم هل ستتحمل المزيد من أخطائه ام لا .. أضاف وهو يشعر بافكارها التى تدور فى رأسها بغير هدى .. يشعر بمحاربتها الشديدة لمشاعرها نحوه .. فاضاف بنبرة هادئة للغاية يحاول بها أن يحصل به على عطفها " سأحاول الحديث مع روز .. سليم سيذهب إليها اليوم سيتحدثان ... وسنحاول إيجاد طريقة لنخبر نور عن والدتها .. انا لست قاسى لهذه الدرجة يا نورا .. كل ما فعلناه كل من أحل نور وياسين وروز... وعندما تعرفى ستعذرينا جميعا " هدأت شهقاتها و بتلقاءية لفت ذراعيها حول رقبته تطلب الدف منه اكثر ... طبع قبلة على رأسها وهو يتمتم فى نفسه " آه لو تعلمين ما الذى يفعله لى ابتعادك عنى .. وقربك هذا منى .. لقد خسرت .. وكنت مستعد لخسارة المزيد فقط لتكونى معى و لى .. لى فقط .. وكانت ذاتى هى أول شئ خسرته.. عندما رأيت نظرات اصدقائى لى وأنا أخبرهم إننى تزوجتك .. الجميع يعتقد إننى خطفت حبيبة محمود منه ... لكن لا أحد يعلم انك كنت حبيبتى انا اولا .. احببتك ..قبل أن ياتى لاخبارى بإعجابه بك .. وأنا كنت اشتعل غيرة .. اعتقدت انه سينسى امرك مع مرور الأيام .. لكن لم يحدث هذا بل تمسك بك .. وعندما علمت بأمر تقدمه .. ركضت .. فلم أتحمل أن أراك زوجة لابن عمى وصديقى..." تنهد مراد و عانقها بحنان وهو يتمنى لو نطق بهذه الكلمات .. لكنه لا يستطيع .. وهو لا يريدها ان تعلم بشئ حدث بالماضى فهو قد طواه منذ زمن ... هى تنظر إلى محمود كاخ وهو لم يشعر بالغيرة يوما منه .. لانه يعلم انه الوحيد الذى بقلبها .. ... خرجت من الغرفة وهى تغلق بابها بهدوء ... ووجهها محمرا خجلا مما حدث بينهما .. مهما كبر سيظل يعانقها بحنان وكانهما ما زال يتعرفان على بعضهما لأول مرة ... توجهت إلى غرفة نور مباشرة ... دقت دقات خفيفة على الباب .. فأتى لها الصوت خافتا فدخلت .. وهى تنظر إليها بشفقة وحزن .. تعلم ان كل شئ أتى بسرعة لها .. موت ياسين لم تتحمله .. فكيف إذا سيكون ردة فعلها عندما تعلم ان والدتها حية .. هل ستنهار مرة أخرى .. منذ ان عادت من الثلاثة ايام الذى قضتها مع حازم .. وهى فى حالة انطواء .. تجلس معهم لكنها ليست معهم شاردة وحزينة .. وعندما تتحدث تنطق بشق الأنفس وبخفوت .. وكأنها لم تكن مستعدة للتعامل والتحدث مع اى منهم .. رسمت نورا ابتسامة على وجهها .. وجلست بجوارها .. نظرت إليها نور بشبه ابتسامة و أعين ذابلة .. " كيف حالك ؟!" سألتها نورا وهى تحاول جذبها للحديث معها .. اضطربت الأخيرة وتململت فى مكانها وهى تدير برأسها نحوها .. بعد ان كانت تنظر إلى اللامكان... " بخير " همست نور بصوت ضعيف للغاية نظرت إليها الاخرى باشفاق قائلة بنبرة حنونة واعين مهتمة " هل انتى متأكدة؟! " راقبت نورا نظرات نور المتساءلة لها بهدوء واقتربت منها أكثر حتى جلست ملاصقة لها .. و وضعت إحدى يديها على كتفيها .. قائلة بابتسامة عذبة " بخير .. لم تكن يوما تعبر عن ما نشعر به من الم .. ننطق بها عندما لا نجد كلمة نستطيع به ان نعبر عن حالتنا .. كل شخص فى هذا العالم فقد شخصا عزيزا عليه .. اب... أم... وربما صديق عزيز علينا نتألم لفراقه .. ترقرقت الدموع فى عينى نورا من دون قصد منها وقالت متابعة بحشرجة وهى تحاول رسم ابتسامة على وجهها " لقد كان لدى صديقة عزيزة على للغاية .. كنا نتشارك فى كل شئ .. رغم أنها كانت أعلى منى فى المستوى لكنى لم أشعر بهذا يوما .. كانت تعطينى ملابسها .. وتأخذ منى رغم أنها لم تكن بحاجة لملابسى القديمة والباهتة.. لكنها كانت ترتديها .. لكن شاء القدر و ماتت .. تألمت وصرخت لفراقها.. فكما يقولون الفراق صعب .. تنهدت بضعف وهى تمسح دمعة ساهتها وخرجت من عيناها " لكن مراد اخبرنى بشئ فى هذا الوقت .. كل شى فى هذا العالم يكبر ..الطفل يصبح شابا فعجوزا فكهلا.. إلا الحزن يصغر أكثر وأكثر .. وسيأتي يوم سنسى فيه من كنا نشعر وكان الروح ستغادرنا عندما علمنا بفراقهم أول مرة .. أكثر شئ حبانا به رب العالمين هو النسيان ...لولا النسيان لتالمنا أكثر .. ولما استطعنا أن نمارس حياتنا .. " ربتت على يدي نور متابعة بهمس " ياسين ..لن أقول لكى انسيه... لان المرء مهما كبر لن يستطيع ان ينسى والديه .. لكن من اجله ومن اجل نفسك لا تظلمي نفسك .. بوادها اكثر بين الاحزان .. كنى الابنة الصالحة .. و ادعى له بالرحمة .. جميعنا سنموت .. " اهتزتا شفتاى نور وهى تحاول النطق .. ونزلت دموعها دون إرادتها " أبى ..أبى كان بالنسبة لى كل شئ.. أعلم انه مات ولن يعود ..أعلم إننى اعذبه ببكاءى لكننى لا أستطيع ... لا أستطيع عدم الحزن عليه .. والاستمرار هكذا .. هكذا بدونه ..." تابعت بشهقات أكثر وببكاء يقطع نياط القلب ووجهها محمر .. وكأنها كانت بحاجة للحديث والصراخ أمام أحد ما .. وها هى قد اتتها الفرصة .. " لقد تعودت على وجوده بجوارى فى كل لحظة .. عندما أفكر إننى ربما سادخل إلى غرفتى ولا أجده أتألم ... لم يكن والدى فقط .. بل كان عكازى الذى استند عليه لكى أستطيع به ان أواجه كل شئ.. كيف .. كيف اخبرينى .. انا أتألم .. " ابتعدت عن مكانها وهى تتابع وهى واضعة يديها حول كتفيها وعيناه تهتزان بهستيرية و متسعتان رعبا .. " لو كان معى .. لما حدث لى كل هذا .. لو كان معى .. لما حدث لى كل هذا .. لو كان موجودا .. لما أصبحت هنا .. لو كان هنا ما كان سيحدث لى كل هذا..! " ظلت ترددها بجنون وصوت عالى .. وهى تتراجع للخلف أكثر كلما حاولت نورا الاقتراب منها أكثر لتهدءتها .. لكنها كانت تتراجع أكثر للخلف وتهز رأسها بجنون .. حتى خارت قواها .. و سقطت مغشيا عليها ... " نور " صرخت بها نورا ما ان رأت سقوطها .. وفى لحظة فتح الباب بقوة .. و دلف إليها حازم بسرعة ولهفة راكضا نحو جسد زوجته القابع على الأرض .. أثنى ركبتيه ووضع يد أسفل ظهرها وأخرى أسفل عنقها وحملها و هو يلمح بقايا دموع على وجهها .. بعد ما يقارب النصف ساعة خرج حازم مع الطبيب من الغرفة .. وهو يستمع لشهقات والدته التى لم تكف عن لوم نفسها منذ ان سقطت .. ووالده يحاول تهدءتها ... وقف حازم قبالة الطبيب... " انهيار عصبى حاد .. انها متوترة للغاية ومضطربة أيضا .. هل تعرضت له من قبل " سأله الطبيب بهدوء " نعم .. منذ عدة ايام .. و أظن قبل هذا مرة او مرتين " رد عليه بهدوء .. وهو يحاول عدم إظهار قلقه عليها .. " منذ متى وهى بهذه الحالة! " سأله مرة أخرى " منذ ان توفى والدها وهى هكذا " " حسنا ..أظن من الأفضل ان تعرض على طبيب نفسى .. حالتها تزداد سوء .." قالها الطبيب .. ثم ناوله ورقة " هذه بعض الأدوية المهدءة... لكن بالطبع من الأفضل ان تعرض على طبيبا نفسيا " هز حازم رأسه موافقا تابعا " نعم بالطبع " شكر الطبيب ... وصعد درجات السلم وجد والدته فى الغرفة ولا تكف عن البكاء .. فنظر إلى والده الذى كان يقف من بعيد .. ففهم والده نظراته .. وأخذ نورا وخرج بها من الغرفة رغم اعتراضها فى بادئ الأمر .. لكنها ما ان رأت حازم .. حتى خرجت من الغرفة .. دنا منها ببط وهو يراقب جسدها المسجى على السرير .. أنفاسها مضطربة ووجهها حزين رغم نومها .. منذ ان تشاركا فى هذه الغرفة منذ عودتهما.. وهو يشعر بارتباكها الواضح .. لاحظ نظراتها المرتعبة منه ما ان اقترب من السرير أول مرة فى هذه الغرفة .. أبتسم لها بخفوت محاولا تهدءتها بنظراته الهادءة لها .. وتحرك مبتعدا عنه .. و نزل حيث مكتبه محاولا أشغال نفسه بالقضاياة حتى يجد الساعة قد تجاوزت منتصف الليل .. فيصعد لغرفته... وينام على السرير بهدوء مبتعدا عنها بمسافة مناسبة .. لا يعلم أن كانت تشعر بوجوده بجانبها ام لا .. لكن كل هذا لا يهمه .. فهو يريد إقصاء حاجز تلو الآخر بينهما بهدوء .. يجب الا يسمح لها بوضع المزيد من الحواجز حولها .. وتمنعه عنها .. خطوة .. سيقترب خطوة خطوة .. حتى يثبت لها حقا أنه يحبها .. و رغم انه كان يستلقى على سرير واسع بجوارها إلا انه لم ينم بهناء.. كان يراقب صدرها الذى يرتفع وينخفض بهدوء يعبر عن تنفسها المنتظم .. لقد كان مرتعبا من ان يحدث لها شئ وهى نائمة... وربما ارعبته أكثر فكرة انها ربما تحاول الانتحار .. خصوصا عندما راءها مرة تمسك بسكين حاد .. رغم أنها ربما تكون مجرد شكوك ليست فى محلها لكنه لا يستطيع منع نفسه من القلق عليها .. وخصوصا عندما كان يراقب صمتها الذى كان يقتله أكثر مما يقتلها ... وجهها شاحب للغاية .. و شفتاها مضمومتان تعبر عن انزعاجها الواضح .. من دون ان يشعر وجد كفه يمر على وجهها يتحسس بشرتها باصابعه... حتى وصل إلى شفتاها الجافة وظل يمرر إصبعه عليها .. اقترب بهدوء وبحركة بطيئة للغاية .. وتردد كبير فى نفسه .. لكنه لم يستطع منع نفسه أكثر وطبع قبلة دافئة وخفيفة للغاية على فمها .. تبعتها سقوط دمعة واحدة من عيناه ...
ألقت بجسدها على السرير وهى تتذكر عودة والدتها إليها تخبرها انه ذهب .. ووافق على طلبها .. هكذا من دون اى شى .. يتركها .. لم يتمسك بها ما ان قالت له ابتعد.. ابتعد فعلا .. وحل محل فرحتها بقدومه إليها .. حزنها وسخطها لذهابه.. وهى تلوم نفسها ألف مرة .. فهل كان يجب عليها ان تظهر كبرياءها .. ويباسة رأسها ذلك أمامه واليوم بالذات .. أغلقت عيناها تحاول ان تنام .. لكن كيف ستنام هكذا وهو ليس بجوارها .. اتسعت عيناها وهى تستمع لاقتراب الخطوات أكثر .. فأكثر إليها .. وكلما كانت تقترب كانت تصل إليها رائحة عطره الممزوجة برائحة جسده هو التى تحفظها عن ظهر قلب ... لوت اروى فمها بحزن وهى تتساءل بصوت منخفض ونبرة منزعجة .. " هل أصبحت اهذى .. لدرجة إننى أشتم رائحة عطره .. لقد جننتى... جننتى بالطبع يا اروى .. " " اروى هل انتى مستيقظة ؟!" ارتجفت اوصالها .. وهى تردد برعب وصوت منخفض " انه صوته .. صوته .. لقد جننت .. هل لهذه الدرجة انا مجنونة به! .. لا .. لا ما الذى حدث لى؟! .. كيف! .. ومتى! " سمعت صوت ضحكاته المتتالية وهو يعلو أكثر وأكثر .. حركت يدها نحو المصباح الصغير الذى بجوار السرير .. و ضغطت على زر الإضاءة وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتردد المعوذتان بسرعة ورعب .. التفتت بجسدها نحو الصوت ... صرخت رعب خرجت من حنجرتها وهى تتراجع بجسدها على السرير ما ان رأته أمامها بشحمه ولحمه .. ركض إليها .. وضمها بسرعة إلى صدره بلهفة .. وهو يمرر يده على شعرها يحاول تهدءتها .. " أهدى .. أهدى .. انه انا .. اسف .. اسف" ظل يكرر أسفه وهو يمرر فمه على عيناها وجنتيها أنفها .. وبالقرب من ثغرها "لم أكن أقصد .. أقسم لم أكن أقصد .. كنت أريد أن اجعلها لك مفاجأة " وبحركة مهتزة حركة سبابتها عاليا ... وهى تردد باضطراب "كيف؟! .. كيف دخلت إلى هنا ؟.. " أبتسم بخفوت .. وقال بمكر " عمتى حبيبتى .. اعطتنى مفتاح منزلها .. ما ان أتيت فى اى وقت أستطيع الدخول .. " ثم غمز لها بعيناه اليسرة مضيفا " ودخلت " وتابع بانزعاج كاذب " لكن ما هذا الإستقبال ..هل هذه طريقة تستقبلين بها زوجك .. بعد ثلاثة ايام بعيدة عنه " أحمر وجهها خجلا .. لكنها قالت بحدة " هل تتامر على انت و والدتى .. أخرج من غرفتى حالا " رد بعدم مبالاة وهو يفك أزرار قميصه فقد كانت سترة بذلته ملقاة على كرسى الزينة بإهمال .. " لن اذهب .. لقد اخبرتنى عمتى إننى أستطيع النوم فى اى غرفة .. وأنا اخترت هذه .. " زمت شفتيها ولوت فمها بحركة سريعة مظهرة غضبها .. وضمت يديها أمامها وحاولت الابتعاد عن السرير لكنه أعادها مكانها بهدوء قائلا بنبرة لا تخلو من الحدة " اروى .. لا ينقصنى جنونك ولا عنادك هذا .. اجلسى بهدوء على السرير .. فمهما حاولتى انتى لن تخرجى من هذه الغرفة إلا عندما أخرج انا منها غدا صباحا .. ام الآن فانتى ستنامين على هذا السرير بهدوء .. " " ساصرخ " هتفت به بعناد " اصرخى لن يجرؤ أحد على الاقتراب من هذه الغرفة طالما انا بها " نطق ببرود تام وباشارة بعيناه عادت إلى السرير بهدوء .. حتى بدل ملابسه .. وجلس بجوارها على السرير .. وبحركة سريعة وضع رأسه على رجليها ... حاولت الابتعاد لكنه اشتد برأسه أكثر مانعا إياها من التحرك .. أغلق عيناه .. بحث بيديه عن كفيها حتى وجدهما ووضعهما على رأسه .. وقال بخفوت ونبرة منخفضة " مررى يديك على رأسى أريد النوم " وبتردد بدأت تمرر وتتخلل أصابعها بين خصلات شعره ... ووجهها يعلوه ابتسامة لم تستطع الكلمات التعبير عن مدى سعادتها وهو أمامها فى هذه اللحظة .. ومن دون تفكير نزلت بفمها وطبعت قبلة على جبهته .. تراجعت برأسها بسرعة ما ان رأته قد فتح عيناه .. وبحركة سريعة من يده وجسده كان قد ارجعها بجسدها للخلف .. وهو يقبض على رسغيها بلطف وبمكر وابتسامة متسعة سألها " هل انتى .. تتحملين نتيجة ما فعلتيه الآن " لم تستطع منع نفسها من الابتسام و بوجه محمر خجلا اجابته بنبرة ناعمة " نع..." لم ينتظرها لتتكمل كلمتها و التقط شفتيها معانقا إياها بشغف ...
وبخطوات حازمة كاسمه دلف إلى المشفى .. يسأل عن ماهر .. فهو الوحيد الذى يستطيع ان يساعده فى مشكلته .. لم ينم منذ ليلة أمس وهو يراقب كل حركة كبيرة او صغيرة منها .. وهو يفكر فى كلام الطبيب بتمعن .. فلم ياتى برأسه غير ماهر ليساعده... هدأت ملامحه قليلا من التوتر ما ان راءه واقفا مع شخصا ما لم يهتم لمعرفة من يكون .. اقترب بخطوات مدروسة حتى وقف أمامه .. فقابله الآخر بابتسامة بشوشة على وجهه .. حياه بسعادة .. وأخذه حيث مكتبه ... فى المكتب وبعد دقائق من محادثتهما .. " إذا أنت تريد طبيبا نفسيا جيدا .. " سأله ماهر فأجاب حازم بهدوء " أريد طبيبا ليس جيدا بل ممتازا .. يستطيع ان يسيطر على انفعالتها.. فهى ما ان تتذكر او تتحدث عن والدها حتى تسقط مغشيا عليها .. وهذا غير انها منطوية على نفسها كثيرا " " حسنا .. انا لست على علاقة باطباء كثر ...ولا أعرف أطباء فى هذا التخصص ... فظهر الحزن على وجه حازم .. لكن سرعان ما تابع ماهر " لكنى اعرف طبيبة .. تستطيع ان تدلنا على طبيب جيد .. ريم صديقة نور .. هل تعرفها " حاول حازم عصر ذاكرته وتذكرها .. ولكنه كالعادة خانته ذاكرته ولم يتذكرها .. فهز رأسه ب لا أبتسم ماهر بخفوت و طلب من إحدى الممرضات لاستدعاءها ... بعدها بدقائق دلفت ريم إلى المكتب .. و ضيقت ما بين حاجبيها ما ان رأت حازم .. وبهدوء وعلمية مطلقة بدأ بشرح لها كل شئ... وفى ثانية كانت ريم قد جنت تماما وهى تستمع لكلمات حازم التى تكاد تصف صديقتها بالمجنونة... بداية من انهيارها .. وحتى امساكها للسكين فانقضت عليه كالقطة وعيناها تلتهب شرا بعد ان استمعت لكلماته لولا أن ماهر أمسك بيديها التى تحاول أن تمدها لتمسك عنقه ...لكانت خنقته بيديها ...فقالت وهى تكشر عن انيابها كالقطة التى تحاول ان تدافع عن صغارها ... "أيها الحقير هل تقول أن صديقتى مجنونة ...ساقتلك" .وقف امامها ماهر يحاول أن يمنعها من الوصول إليه ...والاخر يرمقها بنظرات باردة خالية من اى تعبير يحاول أن يهدأ من نفسه ...لولا أنها امرأة لكان خرج عن روقيه و قطع لسانها المسموم .. فهتف ماهر بهدوء وعقلانية " ما هذا يا ريم .. وهل كل شخص يعرض لطبيب نفسى .. يكون مجنونا .. انها مريضة تمر بظروف صعبة تحتاج لشخص لارشادها والاستماع إليها " " إستماع .. وأين انا من كل هذا انا كفيلة بإخراج صديقتى من حزنها .. هتفت بهما بصراخ... ثم تابعت بنبرة حادة لا تخلو من السخرية " لقد اعتقدت انه يستطيع ان يخرجها من حزنها .. لكنى كنت مخطئة ما كان يجب ان اعتمد على شخص مثله .. لقد بقيت معه عدة ايام .. و ها هو يطلق عليها لقب مجنونة .. " وأضافت بنبرة لا تقبل نقاشا " سأذهب لصديقتى واهتم انا بها جيدا " ابتسم حازم بسخرية وقال ببرود " ومن هذا الذى سيسمح لك بالاقتراب منها انتى تحلمين .. " " وهل تجرؤ على منعى .. أفعلها وساريك ما أريد فعله " هتفت بها بعناد .. فابتعد حازم عنهما واقترب من الباب .. وما كاد يدير مقبض الباب .. حتى التفت إليها قائلا " مجنونة " قالها وخرج من الغرفة صافعا بابها بقوة .. فاتسعت عيناها ذهولا وردت من بين أسنانها " طفل " وكل هذا وماهر يحاول كتم صحكاته. . وريم تنظر إليه بغيظ من تصرفاته هو الآخر ووجهه الذى يحارب حتى لا ينفجر ضاحكا .. الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الرابع
وقفت لثوانى تنظر إليه بتمعن و يدها تقبض باصابعها على مقبض الباب ... تحاول كبح جماح انفعالها من رؤيتها له ... " الن تدعينى أدخل! " قالها سليم وعلى وجهه ابتسامة باردة افسحت له المجال بحركة سريعة منها ... ثم هتفت روز بحدة ما ان اغلقت باب الجناح فى الفندق التى تقطن به هذه الفترة " سليم السيوفى .. ما الذى جعلك تأتى إلى !.. هل ستقوم بتهديدى؟.. لكى أسافر ولا أعود لكى لا أقوم بالمطالبة بحقوقى كأم "
جلس على أول كرسى قابله ووضع عصاه التى يتكأ عليها دائما بجواره ... و رد بهدوء شديد " اجلسى يا روز .. لن نتحدث وانتى بهذا الغضب " حدقت به بتمعن واعين تشتعل غضبا .. فنظر إليها هو الآخر ببشاشة... زفرت بقوة وجلست على الكرسى قبالته وهى تضع قدم فوق الاخرى كعادتها بكبرياء .. ابتسم بخفوت من ملامح وجهها المتجهمة والغاضبة .. تنهد بضعف .. ثم قال بنبرة يحاول بها مواساتها.. بعد كل ما فعله بها " روز .. نعلم أننا أخطائنا بحقك .. وبحق نور أيضا لأننا السبب فى بعدكما عن بعضكما الآن ..
حدقت به بتمعن ...لكنه أضاف بصوت اجش " لكن عليكى ان تعلمى.. أننا لسنا نادمين أيضا على ما فعلناه .. حدقت به بوحشية و ثغرها يلتوى بتهكم وسخرية واضحة .. وهمست بضعف " لم تندموا على ما فعلته " " نعم .. لم نندم.. وارجوكى استمعى إلى ولا تقاطعينى " أضاف مؤكدا بنبرة حادة مطلقة .. " ان أخبرتك أننا كنا نحميكى ونحمى صغيرتك.. هل ستصدقينى " نظرت اليه بحزن وهمست بألم " أيا كان ما ستقوله ..فلن يبرر ابدا اخذكم لطفلتى بدون علمى ... أشارت بيديها إلى قلبها وهى تهتف باختناق من عبراتها إلى تحارب لكتمها
" اخبرتونى بموتها... و ياسين .. ياسين تركنى.. ما هى أسبابه؟! .. ما هى مبرراته اخبرنى ؟!" صرخت بعدما سقطت منها دمعة كبيرة عبرت عن جرحها و المها ... و ثقتها بأشخاص لم يكونوا يوما اهل لها .. نظر لها سليم بشفقة.. أخذ نفسا عميقا ثم رفره بهدوء قائلا " لقد تم تهديد ياسين من قبل اخوتك " حدقت به بأعين متسعة وهو يتابع بنفس الهدوء " هدد من أخيك مارسيل بالذات .. أما ان يأخذ ابنته ويختفى من أمامه ويطلقك ..او سيقوم بقتل الطفلة .. وحينها أيضا سيقوم بتطليقك " ذهول .. ذهول ارتسم على ملامح وجهها وهى تستمع لكلماته و بطرف شفتيها همست " كاذب "
تغاضى عن اتهامها .. لكنه رد بنبرة شديدة واثقة " لماذا ساكذب عليك اخبرينى .. نحن لم نكن لدينا مصلحة من انفصالكما.. لماذا سنحرم ام من ابنتها إلا من أجل حمايتهما .." " لا .. بالطبع لديك " هتفت روز بوجع " هل تعتقدين هذا ؟!" سألها وهو ينظر اليها بتمعن يراقب ملامح وجهها التى شحبت وتحولت للون الأصغر ... " لا أعلم !.. همست بها باختناق ...وتابعت ودموعها تسقط على وجنتيها ... " لا أعلم !... لم أعد أستطيع أن افرق بين عدوى وحبيبى ؟!" اضافت وهى تبتعد عن كرسيها بترنح.. تحاول عدم السقوط وراسها يحاربها لكى تسقط .. " لا اعرف .. أيا كان ... لماذا ؟ ... لماذا لم يخبرنى؟ ... لماذا يجب انا ان أتألم؟! .."
فصرخت ... صرخت بوجع " لماذا؟! .. ما هى مصلحتهم .. فى قتل ابنتى وإبعاد ياسين عنى؟! .. لقد ساعدت كل واحدا منهم؟! .. " " مصلحتهم فيما تملكينه ... أسهم.. أملاك .. وما ورثتيه عن والدك .. لا تنسى فانتى كنتى المفضلة له .. " أضاف سليم " لا يمكن! " همست باختناق بعد دقائق من محادثتهما ... جلست روز على الكرسى قبالة سليم .. جسدها منحنى للأمام قليلا .. ووجهها مدفون بين كفيها شعرها يخفى رأسها بمهارة .. لم تصدر منها اى ردة فعل تدل بها انها تبكى .. فقط صامتة .. هل تفكر لتنتقم ام انها تعيد حساباتها... يعلم انها مصدومة و متالمة... لكن سبحان الله الام والأبنة متشابهان فى الشكل للغاية .. وكان ياسين أثبت عشقه لها بأن أصبحت ابنته شابة مطابقة لوالدتها ... لكن روز قوية قوية للغاية .. تختلف تماما عن نور الهشة الضعيفة التى لم تتحمل وفاة والدها .. أما روز فقد تلقت صدمة تلو الاخرى بثبات .. لكنها ما تزال كما هى رغم أنها تتوجع ..
وقف سليم مبتعدا عن كرسيه وهو يستند على عصاه .. قاءلا بنبرة جادة " ارجو أن تكون قد توضحت لك الأمور .. نور أصبحت فى أمان .. لن يجرؤ أحد سواء اخوتك او حتى عمها من الاقتراب منها .. لكن فقط اعطيها فرصة لكى تستطيع الخروج من الم فقدان والدها .. وبعد ذلك نحن سنقوم بتمهيد الأمر بهدوء لها.. وستعرف ابنتك انك والدتها .. " لم يصدر منها اى ردة فعل ... لكنه تابع بثبات ونبرة حادة ... " روز .. قبل أن اذهب ساسالك سؤال واحد فقط .. وأرجو أن تجيبى عليه .. رفعت رأسها إليه تتطلع إليه بانتباه " هل لديك يد فيما حدث لسيف ؟!" سألها
عقدت ما بين حاجبيها بتساؤل وعدم فهم " سيف .. ماذا حدث له؟! " زفر بقوة وهو يمرر إحدى يديه على وجهه بقوة ... نعم لقد.كان على علم انها لا يمكن أن تؤذي سيف بالذات .. فهو على يقين ان ابنه له معزة خاصة عندها فهو ابن فيروز .. تنهد بضعف ... وجلس قبالتها مرة أخرى يقص عليها كل ما حدث...
فتح عيناه بتعب وهو ينظر إلى المرأة الجالسة على إحدى الطاولات بعد ما أشار له النادل ان هذه هى المرأة التى تنتظره منذ ما يقارب النصف ساعة .. بخطوات محسوبة للغاية اقترب سيف منها .. فعندما كان فى مكتبه يحاول جمع المعلومات عن مساهمين الشركة .. والأشخاص الذين تركوا كل أمورهم فى يد جده سليمان منذ زمن .. تفاجأ برسالة ورقية تعطيه إياها السكرتيرة الخاصة بمكتبه .. فتحها فوجد الاتى " أتمنى مقابلتك فى المقهى القريب من شركتك .. لدى الحل لمشكلتك " كانت رسالة بسيطة ومقتضبة للغاية .. من هذا الذى يملك حل لمشكلته؟ .. ومن الذى يعرف من الأساس بهذه المشكلة؟! ... ضغط بقبضة يده على الورقة بشدة ... وبسرعة وفضول لم يستطع اخفاءه ارتدى سترة البذلة وذهب إلى حيث ينتظره صاحب الرسالة .. وقف بجسده وطوله الفارع بالقرب منها وهو ينظر اليها بتمعن .. من أرسل الرسالة امرأة .. حسنا لنرى كيف لديها حل لمشكلتى " حدث سيف نفسه بذلك ثم جلس على الكرسى قبالتها .. وهى تنظر إليه بابتسامة دافئة ...
فعندما قابلت سليم صباحا وبعد كلامه معها .. تفاجأت بما نطقه .. وعندها تأكدت شكوكها السابقة .. أخيها مارسيل يلعب بسرية واحترافية تامة باستخدام تلك المدعوة علا التى رأتها معه فى مكتبه بلندن سابقا .. أخيها يريد الانتقام بخطوات بطيئة للغاية هى نفسها لا تفهمها .. ما الذى سيستفيده من أبعاد سيف عن طريقه من الشركة الرئيسية ... إلا إذا كان أخيها يطمع ويرغب بهذا الكرسى بالفعل .. يريد أن يوسع أعماله .. لكن لماذا استخدم علا .. أشياء وتساؤلات تدور فى رأسها وكأنها فى فلك واسع ... ابتسمت وهى تراقب نظراته المتفحصة والمتعمقة بها ولا تخلو من التساؤل أيضا ...
" روز .. صديقة قديمة لوالدتك " عرفت بنفسها .. رغم أنها استغربت طريقتها تلك إلا انها لم تجد أفضل منها للتعريف عن شخصها " أهلا .. هل هناك شئ أستطيع أن أساعدك به " رد بنبرة غير مبالاية.. وكأنها شحاذ يقف أمامه .. ابتلعت ريقها وقالت بهدوء مضيفة " انا من إحدى مساهمين الشركة " اعتدل فى جلسته ونظر إليها باهتمام فتابعت بعد أن استطاعت أن تجذب اهتمامه ونظره إليها " أعلم بشأن الرئيس الجديد .. وبالطبع ما حدث انا غير موافقة عليه .. لطالما اقتنعت أن أكثر شخص يستطيع ان يدير الشركة هو سليمان الحسينى او أحد أفراد عائلته فهو من انشاءها وهو الأحق بها " صمتت قليلا وهى تراقب انصاته الشديد لها
" أستطيع أن أساعدك فى الوصول إلى المنصب .. فأنا أعرف كل المساهمين القدامى وأستطيع إقناعهم .. ما رأيك !" صمت لثوانى وهى تنتظر رده " وما هو هدفك من وراء هذا ؟!.. هكذا بدون مقابل تعرضين على مساعدتك ؟!.." فلتت منها ضحكة خافتة بعد أن استمعت لنبرته التشككية... من يراه للوهلة الأولى يعتقد انه يشبه والده بهيبته طوله وحتى نظراته .. لكن من يتحدث معه يعرف انه يجلس مع نسخة مصغرة من سليمان الحسينى ..
" تستطيع ان تقول تسديد دين قديم لوالدتك .. فهى كانت صديقتى " أرادت أن تقول لوالديك لكنها لم تستطع فهى علمت بالعداء الذى بينهما .. سيف لا يستطيع ان يسامح والده لابتعاده عنه .. لكن نور هل ستسامحها ام انها ستجافيها أيضا ... مجرد التفكير بهذا الأمر يؤلمها ... حدثت روز نفسها بذلك لن يكشف اوراقه أمام شخص لا يعرفه .. لكن رغم هذا هو لا يملك الخيار سيلعب من دون خوف ..وكما يقولون أما ان أكون او لا أكون ... " حسنا .. ما رأيك هل تسافر معى ام أتصرف انا هناك؟! " سألته روز .. وهى تعلم بما يجول برأسه .. الأسد يفكر بتمعن للغاية .. " ساسافر غدا " قالها بنبرة جادة " حسنا ... سنتقابل غدا فى المطار " ردت ... رغم أنها كانت ترغب بالبقاء أكثر بمصر .. إلا انها بعد ان فكرت وجدت هذا أفضل .. حتى تستطيع ان تعود ابنتها اولا لتوازنها كما اقترح سليم .. وبعد ذلك ستعود وتاخذها إلى أحضانها ...وتخبرها بكل شى .. ابتسمت له وابتعدت عن كرسيها فيجب ان تذهب الى مكان ما قبل أن تغادر أرض هذه البلد ...
وقفت بتوتر وهى تنتظر صديقتها لتخبرها بنتيجة التحاليل .. هى لم تجرؤ على الدخول معها والمعرفة بنفسها ... لذلك فضلت الإنتظار بالخارج .. لأول مرة تشعر ريم بهذا التوتر والخوف قامت بإجراء التحليل وها هى تنتظر الخبر ..أما ان يجعلها سعيدة تكاد تحلق فوق النجوم ... وأما ان يسقطها من سابع سماء إلى سابع أرض .. أخذت ردهة المشفى ذهابا وايابا .. ويديها تكادان تصبحان جليدا من التوتر ... بالإضافة إلى اهتزارهما المستمر وجسدها الذى لم يتوقف عن الارتعاش.. وكأنها تنتظر حكم محكمة .. خائفة من ان يكون مخالفا لتوقعاتها وحينها سترحب بصدر رحب بقرار اعدامها ... بلعت ريقها ما ان رأت خروج صديقتها من الغرفة .. لمحت على وجهها شبه ابتسامة تكاد تكون آسفة وحزينة .. نظرت ريم إليها بلهفة وهى تتضرع وتدعو فى نفسها ان تخيب صديقتها ما تراه على وجهها و تخبرها بما تتمنى سماعه .. " للاسف " همست بها الطبيبة الاخرى .. وزميلة ريم فى المشفى .. باسف حقيقى ونبرة خافتة فى لحظة كانت تتراجع ريم للخلف بحركة واحدة حتى اصطدمت بجسدها على الجدار خلفها .. وهى تحارب موجة من البكاء والدموع تهددها بالسقوط .. عضت على شفتيها بقوة .. وعيناها الزرقاء غاءمتان من الحزن والأسى على نفسها .. هل اعتقدت أن القدر سينصفها ويحقق ما تتمناه وما تحلم به طوال عمرها .. ستكون حمقاء إذا حدث هذا .. فلطالما كان قدرها مخالفا تماما لما تتمناه .. اقتربت منها صديقتها بأسى قائلة بمواساة وحزن حقيقى " ما زلتى صغيرة يا ريم .. حاولى مرة أخرى " " مرة أخرى " هتفت فى نفسها بسخرية .. لو تعلم صديقتها لعلمت ان هذه المرة الثالثة لها للمحاولة .. وجميعها كانت مخيبة للآمال .. اعتقدت كما يقولون الثالثة ثابتة ولكنها كانت مخطاة وأتت الثالثة سالبا كسابقتها ...هى ليست حامل لماذا ؟!.. من تزوجوا بعدها جميعهم بطونهم منتفخة الآن .. لكن لماذا هى لا؟! ... صرخت فى نفسها ... أخذت نفسا ثم زفرته بقوة وهى تلمح نظرات صديقتها المشفقة عليها .. ابتسمت لها ريم ابتسامة باردة و ابتعدت عنها فى خطوات تكاد تكون ضعيفة ... دلفت إلى مكتبها جلست على أول كرسى قابلها وهى تدفن وجهها بين يديها .. وهى تفكر انها يجب أن تتحمل وتنتظر ربما لم يحن الوقت بعد ... لكن متى إذا سيأتي الوقت وتصبح أما كما تتمنى؟! " صرخت فى نفسها .. مررت يديها على وجهها ... وفى لحظة تناست نفسها ولم تفكر غير فى نور الآن .. فصديقتها على حافة الجنون .. تحتاج إلى شخصا ما بجوارها وهى لن تترك صديقتها تواجه حزنها وحدها .. اليوم ستستغل انه نصف يوم ... وتذهب إلى نور ستتحدث معها ربما بحديثها معها تستطيع ان تنسى ما حدث لها ..
بوجه ناعم وابتسامة بشوشة قابلت السيدة نورا ريم ... بعد ان اعطتها علبة صغيرة يوجد بها عدد من قطع موس الشوكولا الشهى .. دلفت إلى غرفة نور التى همت من مكانها وعانقتها بقوة .. جلست ريم بجوارها وهى تمسد على شعرها بحنان .. أمسكت بكف يدها وسحبتها وراءها حتى دخلتا الى الشرفة الكبيرة التى كانت تتوسطها طاولة صغيرة حولها كرسيان .. اجلستها على إحداهما وجلست هى قبالتها ... وقالت ريم بسعادة تحاول أن تخفى به حزنها على نفسها وعلى صديقتها أيضا التى لم تقل ألما عنها " الطقس رائع اليوم .. لولا إننى أرى شحوب وجهك لكنت اخذتك وذهبنا للتسوق قليلا " تشدق فم نور بابتسامة .. لكنها عادت واشاحت بوجهها بعيدا عن أعين صديقتها الفضولية .. صمتت ريم قليلا وهى تراقب نظرات صديقتها إلى ألاشئ ... "هل حدث شئ؟!" سألتها ريم بهدوء استدارت نور بوجهها نحو صديقتها .. و بأعين ذابلة سألتها " شئ من اى نوع تقصدين يا ريم ؟!" ابتعدت ريم عن كرسيها ووقفت بالقرب من سور الشرفة قائلة بهدوء " شئ.. كالحياة مع حازم ..مثلا " حدقت نور فى ريم بعدم فهم لثوانى .. والأخرى ابتسمت لها بخجل .. حتى أحمر وجهها و وضعت أصابع يديها على وجهها خجلا ما ان فهمت ما تقصده صديقتها .. بلعت نور ريقها وقالت بصوت مهتز وهى تفرك يديها الاثنان ببعضهما " لا لم يحدث شئ " " ما الذى تقصدينه" همست بها ريم بشك " أقصد انه لم يجبرنى على شئ .. قال انه لن يقترب لطالما انا لا أريد ذلك .. فهو لن يرغمنى " همست نور بخجل .. ابتسمت ريم بسعادة .. من تصرف حازم ...فى البداية اعتقدت انه شخص انانى ولن يهمه غير نفسه .. لكنه خيب ظنونها .. ووجدته شخص متفاهم.. ويستحق حقا صديقتها .. وربما سيستطيع ان ينسيها حزنها على والدها .. وحبها القديم لمازن... ذلك القذر الذى خدعها واستخدم براءتها لصالحه .. ركعت ريم ناحية نور وهى تقول بنبرة دافئة " نور .. أريدك أن تبداءى من جديد .. انتى شابة وجميلة .. لا أريدك أن تبكى على ما مضى .. انا اعرف انك قوية وستجتازين كل الامك تلك .. أليس كذلك.. " ترقرقت الدموع فى عيناى نور بألم و همست بغصة فى حلقها تكاد تخنقها " كلما أتذكر أبى انهار قلبى يؤلمنى لتركه لى... يؤلمنى انه لم يعد بجوارى بعد أن كان موطنى.. كيف .. كيف اخبرينى أستطيع اجتياز المى؟! " ربتت ريم على يد صديقتها بحنان ودف قائلة بنبرة ناعمة وابتسامة " والدك .. لن ينكر أحد انه كان أبا راءعا.. وانتى أيضا ابنة رائعة وقوية .. يجب ان تكونى قوية عندما تفقدى شيئا عزيزا .. لا تخلو حياة كل منا من رياح عاتية او عاصفة تدمر فيها ما يحبه وما يتمسك به من أجل الحياة .. لذا يجب ان نقف بثبات وقوة ونواجهها غير خائفين .. و نؤمن بقلوبنا أن القادم احلى بإذن الله .. ندعو الله ان يخفف ويجرنا من مصيبتنا خيرا ... حتى نستطيع الخروج منها سالمين .. " ارتمت نور بين أحضان ريم تبكى .. و تبكى .. ربتت على شعرها .. وحثتها قائلة "رددى ... اللهم أجرني فى مصيبتى وأخلف لى خيرا منها.. " وبنبرة ضعيفة للغاية نطقت " اللهم أجرني فى مصيبتى وأخلف لى خيرا منها... اللهم أجرني فى مصيبتى وأخلف لى خيرا منها ... يارب " بعد مدة من موجة بكاء نور .. سحبت ريم نور خلفها .. و توجهتا ناحية المطبخ ... بداخل مطبخ مراد السيوفى .. " ألم تشتاقى لطعامى.. لحظك ساجعلك تاكلين من يد ريم اليوم " هتفت بها ريم بتفاخر وهى تخرج مقلاة ما من أحد الخزان العلوية التى بالمطبخ ... " ريم هل ما نفعله صحيحا هذا ليس منزلا؟! .. ولم نستاذن أحد ما حتى! " هتفت بها نور بقلق فنهرنها الاخرى بعيناها قائلة " حمقى .. انتى أحد أصحاب هذا المنزل أيضا ولا تقلقى .. السيدة نورا لا أعتقد انها سترفض او تنزعج من استخدامنا لمطبخها اليوم " وفى ظل هذا الجدال بينهما حضرت المدعوة نورا بابتسامة رائعة تدل على انها غير منزعجة إطلاقا لاستخدام المطبخ .. " هل تمانعين من استخدامنا للمطبخ؟! " سألت ريم وهى تنظر لصديقتها الخجولة من تصرفاتهما واقتحام أماكن الآخرين كما تزعم اتسعت عينا نورا بحزن كاذب هاتفة بنبرة حنونة وهى تضع يديها على كتف نور " لا .. بالطبع .. ما هذا الذى تقولينه انه منزلك يا ريم !" تهللت اسارير ريم من هذا التصريح وتابعت طريقها فى إعداد الطعام ... بعد ان غمزت للسيدة نورا التى بادلتها هى الأخرى بغمزة من عيناها ثم تابعت وهى تضم نور إليها أكثر وطبعت قبلة على جبينها قائلة بسعادة " سعيدة بخروجك من تلك الغرفة .. " ثم تابعت نورا هاتفة بحماس " هل يمكننى المساعدة فى شئ " وبدان الثلاثة فى إعداد الطعام .. بعد ساعات من صراع طويل فى المطبخ انتهى بأعداد ريم لكل شئ بنفسها بعد عدد من الأكلات التى أحترق بعضها .. والبعض تم وضع المكونات بطريقة خاطئة .. وفشل نور فشلا ذريعا فى إعداد طبق واحد بطريقة صحيحة .. ونورا التى كما ذعمت انها لم تمسك سكينا منذ زمن .. فكما يقولون الكنة وحماتها مثل بعضهما فاشلتان فى اى شى يخص الطعام .. تم التهام الطعام بشهية مطلقة من قبل الثلاثة نساء وخصوصا ريم التى التهمت طعامها بنهم حقيقى .. و لم تختلف السيدة نورا عنها فالتهمت الاخرى طبقها غير عابءة بذلك الشئ المدعو رشاقة .. ونور التى حاولت أن تتاقلم معهما والخروج شيئا فشيئا من أحزانها ... الفصل التالي رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الخامس