نوفيلا سر و علن للكاتبة زينب محمد الفصل السادسليت هذه المواجهة لم تأتي ليتها لم تريّ تلك اللعينة صديقتها فهي الان جعلتها بموضع شك، اغمضت عينيها بحزن شديد هي لم تكن تريده ان يعلم عنها شيء يكفي انه لم يتقبل فكرة انها فتاه وحيده تعيش معه بل الان اصبحت هاربة تعيش معه...نظرت له وهي تحاول ان تتكلم وبالفعل اخذت نفس عميق ثم، خرج صوتها متلعثمًا وامتلأت عيناها بالدموع ف اخفضت بصرها للأسفل: أنا هقولك أنا بتمني أنك تتفهمي ومتبصليش بصه وحشه، أنا جيت بس هربت من أهلي علشان...!صمتت للحظة تستجمع حديثها أو قوتها، فسارع بحديثه وهو يقول بنبرة حاول إخفاء غضبه إن صحت ظنونه:أنتي هربت من مصر مع واحد صح..رفعت بصرها تهتف بنفي قاطع:لا طبعًا مش، إيه اللي أنت بتقوله ده!شعر بالراحة قليلًا، ولكن مازالت حواسه تتأهب لسماع قصتها، فحثها بعينيه حتى تتحدث أخذت نفس طويل تعود بذاكرتها للماضي، هذه المرة سمحت لنفسها بأن تغوص في بحر ذكرياتها المؤلمة لتقول بصوت ضعيف مهزوز:.أنا بابا وماما ماتوا وأنا عندي ١٢ سنه، كنت صغيرة أوي على أني أتقبل موتهم هما الاتنين ورا بعض، بابا وبعدها بشهر ماما، صحيح أنا عايشة مع أعمامي في نفس البيت، بس كل واحد له شقته وأولاده وأنا كنت لوحدي، في شقتنا من غير حد، مفيش حد يحتويني، أو قريب مني أعمامي بعدوا عني، لدرجه أنهم مبقوش يحسوا أن ليهم بنت أخ فوقهم...صمتت للحظات وسمحت لنفسها بالبكاء، برغم أنها حاولت وجاهدت أن تظهر قوتها، ولكنها فشلت فبكت تخبره من بين شهقاتها:بقضي أيامي لوحدي نجاحي فشلي تعبي، كل فين وفين لما حد يفكر يسأل عليا ويفكر مثلًا أنه يعزمني عنده، كل واحد كان مهتم بحياته وبيته..قاطعها بصدمة:للدرجه دي!مسحت دموعها ثم قالت بنبرة مرتجفة:مفيش حد احتواني، مفيش حد كان بيقولي الصح فين والغلط فين، كل اللي كانوا بيقولوه نور متخرجيش، نور ذاكري في البيت، نور بلاش تروحي مدرستك كتير، نور كليتك على قد محاضراتك، طب ليه؟!، علشان لو عملتي حاجة غلط هتجيبي لينا العار..صمتت لبرهة ثم قالت بعصبية:مرات عمي قالتلي، أمتي تتجوزي أعمامك شايلنك فوق دماغهم خافيين أوي لتجبيلهم العار، ليه أنا عملتلهم إيه، أنا كل اللي كنت بعمله أني كنت بسمع كلامهم وبس، بس لا خلاص مبقتش قادرة، مش هسمع كلامهم ولا هوافق أني أتجوز أي واحد يجبوه علشان يخلصوا مني!هما كانوا هيجوزوكي...ابتسمت بسخرية ومازالت عيناها تفيض بالدموع:.آه تخيل أول ما خلصت الكلية، لقيت عمي بيقولي أن في عريس وعاوز يجي يتقدم وهما موافقين، موافقين وأنا ماليش أي قرار..قاطعها يوسف يسألها بضيق:نور مش معقولة للدرجه دي، طب هما عاوزينك تتجوزي ليه، كده كده مبيسألوش فيكي، مش فارقه يعني!نهضت بغضب وهي تقول:لا معقولة، عمي الكبير كان طمعان في شقة بابا وماما لابنه علشان يتجوز فيها، فكان عاوز يخلص مني ويرميلي قرشين واتجوز واهو يبقي خلصوا مني...ضرب يوسف كَفًا بآخر مستعجبًا:لا حول ولا قوة إلا بالله، طب وجيتي هنا أزاي؟!تقدمت نحو النافذة تنظر لفراغ وكأنها تنظر لخواء روحها من قسوة معاملتهم قائلة بحزن: آلاء، كانت صاحبتي الوحيدة عرفتها من على النت، وشوفتها مرتين تلاته في الكلية صاحبتها آوي، كنت بحبها وبأمنلها، بحكيلها على كل حاجة، وفي نفس الوقت كانت بتحكيلي على سفرها لدبي، وعن الحرية اللي عيشاها، حسيت أن نفسي أبقى زيها، أعيش بحرية من غير ما حد يخنقني، أو أحس أن عاله عليه، وفي وسط كلامنا...انهارت بالبكاء وهي تحادث صديقتها بالهاتف: شوفتي يا آلاء سمعت مرات عمي بتقول لمرات عمي التانية، أنهم ما مصدقين العريس يجي، وأنهم هايقروا فاتحة على طول، ده كله علشان الشقة الزفت دي!هتفت آلاء محاولة تهدئتها تستمع لأدق التفاصيل بتركيز:معلش يا حبيبتي محدش يقدر يجبرك، هو أنتي حيوانه بيجروكي وراهم، أنتي ليكي كيانك وحريتك، ومحدش يقدر يعملك حاجة..التوى فمها ساخرة:.لا هما يقدروا، عند مصلحتهم هيغصبوني، أنا عرفاهم كويس..طيب وهاتعملي إيه؟!هتفت من بين شهقاتها:وهعمل إيه، بإيدي إيه يا آلاء، كان نفسي أعيش حياتي وحريتي، كان نفسي أبقى زي بقية البنات، البس اللي أنا عاوزاه واخرج وأسافر..هتفت آلاء بحماس بعدما وصلت نور لنقطة التي تريد أن تدخل منها وتبث سمها في أذنها: ما أنتي لسه فيها، الحقي انفدي برجلك وعيشي حياتك، كده كده أنتي هاتخسريهم، خسارة بخسارة يبقى تكوني مبسوطة، وصدقيني هاتطلعي من الحكاية دي كسبانة حريتك.طب اعمل إيه، أروح فين، حتى أنتي هتسافري دبي لأخوكي، مينفعش أجيلك.ابتسمت الأخرى بخبث قائلة:إيه رأيك تيجي معايا...مسحت نور دموعها قائلة بصدمة:دبي، أجي معاكي دبي، أزاي.زي الناس يابنتي في إيه مالك، فتحي دماغك.نهضت من فراشها، تتحرك بغير هدى وهي تستمع لحديث آلاء، الخبيثة تخبرها بأن تبيع قطعة الأرض التي ورثتها عن والدتها، وتسافر معها، حاولت إقناعها بشتى الطرق فقالت: وملكيش دعوة بأخويا يابت، هو مش فاضي لينا أصلًا، احنا هننطلق بقي مع بعض فسح وحياة تانية، حياة عمرك ما شفتيها..ابتلعت ريقها وهي تعود من شرودهااا قائلة بحزن ونبرة منكسرة:.بعت فعلا الأرض بتاعت ماما من وراه أعمامي، هي كانت مساحتها صغيرة، فلوسها مكنتش كتير، بس كانت مكفياني أن أسافر، واقعد شهر ونص مع آلاء واخوهااا.رفع أحد حاجبيه ليقول بصوت خشن قوي: وقعدتي معاهم يا نور!هزت رأسها بإنكسار وأخفضت بصرها أرضًا تقول بصوت خافت:آه، في الأول كانوا مرحبين بيا معاملتهم كانت لطيفة، بعدها بدأت تتغير وكل حاجة بدأت تبان...ابتسم باستهجان وهو يعود بظهره يستند على الأريكة قائلًا:.وطبعًا كانوا عاوزينك تشتغلي في شغل مش تمام..رفعت بصرها ترمقه بتعجب:إيه عرفك!هتف بحدة وخرجت حروفه غليظة:أنتي مجنونة ما هو أكيد كانوا بيجروا رجليكي، أنتي أزاي مشيتي ورا صاحبتك دي عقلك كان فين يابنتي أنتي للدرجة دي ضايعه..نهضت تقف بعصبية قائلة:يوسف أبوس أيدك أنا مش ناقصه كفاية اللي جوايا، مش ناقصه كلام يوجعني..وقف أمامها ينظر بعيناها مباشرةً يعنفها:.لا لازم أقول وأقول، لازم أفوقك يا نور، لازم تعرفي اللي أنتي عملتيه ده مصيبة ومش أي مصيبة، أنتي أزاي متهورة كده، حرية إيه وزفت إيه اللي بتدوري عليهم، أنتي ياريتك هربتي من محافظة لمحافظة ده من دوله لدوله، من حياة لحياة تانية، وليه أصلاً فكرة الهروب، ما هو كان ممكن تتكلمي معاهم تقنعيهم ترفضي...صرخت بوجهه لتقول بصوت مبحوح: حاولت، حاولت والله وكانوا بيسكتوني، رافضين الكلام معايا، حسيت اني بشحت حريتي منهم، مع أنهم مالهمش حق!لا ليهم، دول أهلك، دول سندك...شددت على خصلات شعرها قائلة ببكاء: مكنوش سند مكنتش بحس أن حد يحبني، أنا كنت بشحت الحب من عيونهم مش من كلامهم، أنا كنت باكل وبشرب لوحدي، بقعد لوحدي، بنام لوحدي..مش مبرر يا نور، اللي عملتيه كان غلط وأكبر غلط، أنا لو عندي بنت عملت كده هادبحها، للأسف دي كلها أسباب واهية أقنعتي نفسك بيها..التوى فمها بتهكم:أسباب!، بس أهو ده السبب اللي خلاني مرجعش في مصر هموت، وهنا عايشة بس من جوايا ميتة أنا غلطت ومعترفة، بس مبقاش في فرصه أن أرجع، هكمل ولوحدي زي ما كنت عايشة في مصر...نظر لها غير مصدقًا من تفكيرها ليقول:.يعني هو ده الحل، نور اللي مكانك يندم بعد اللي شافه ويرجع لأهله يطلب منهم السماح ويعيش وسطهم...جلست فوق الأريكة تضع يدها فوق رأسها هاتفه بخفوت ونبرة حزينة:مبقاش ينفع صدقني، يا يقتلوني يا يطردوني بره، في الحالتين أنا ضايعة يا يوسف يبقي أكمل كده هياخدوا شقتي، مش بعيد يكونوا أخدوها، أنا واثقه من كده، أنا هاكمل لوحدي..سألها متعجبًا:.لوحدك هتكملي لوحدك، هتقدري تعيشي لوحدك من غير ما يكون ليكي حماية، الحياة صعبة الرجالة هنا بتتفرم، ما بالك بالبنت..رفعت بصرها ترمقه بتحدٍّ وكأنها تخفي خلفه زعزعه ثباتها الذي كلما ذكرها يوسف بالوحدة التي ستعيش بها، يتزعزع ثباتها قليلًا، لا شك أن مكوثها معه عوضها عن مشاعر افتقدتها في غياب أهلها وحتى في وجودهم...هكمل يا يوسف وأنا مش خايفة ومتحاولش أنك تخوفني، أنا أخدت أكبر قرار خوفت منه وتخطيته، الباقي كله سهل..ابتسم بسخرية:مجنونة ومتهورة، شوفت في عينك من اللحظه الأولى تهورك، وعلي فكرة يا نور حطي كلامي ده دايماً قدامك، أنتي متعدتيش قرار سفرك وهروبك، بالعكس أنتي لست عايشة عواقبه، ولسه منتهتش..وقفت نور تنهى الحديث يوسف يضغط بقوة على جراحها، وهي الآن في أمس الحاجة أن تتفادى أي حديث آخر قد ينكأ جراحها المتألمة، فقالت:أظن أنك عرفت قصتي، يعني مبقاش في أسئلة غامضة من ناحيتي، أنا مازالت ممتنة ليك ولكل اللي أنت عملته، وفي أقرب وقت هلاقي سكن وهامشي من هنا..استدارت تتجه نحو غرفتها تمنع دموعها من الهبوط مجددًا، أما هو فقبل أن تدخل غرفتها هتف بصوت حاد:مشكلتك مبتسمعيش إلا اللي أنتي عاوزه تسمعيه..التفتت له تطالعه بنظرة حاولت إخفاء انكسارها لتقول بجفاء وقوة:أنا إتعودت طول عمري اسمع نفسي، جاي دلوقتي وعاوزني اسمع رأي حد تاني، صعب آوي، عن إذنك.دخلت وأغلقت الباب خلفها، أغلقت آخر باب أمل لديها، يوسف كان الأمل الأخير، لطالما شعرت تجاهه بمشاعر كانت تتوق لتشعر بها، الآن وبعد معرفته بحقيقتها ونظرته لها انغلق ذلك الباب، ارتمت بجسدها فوق الفراش تبكي بإنهيار، لِمَ الألم زاد الضعفين، هل بسبب نظراته لها، أم كلماته اللاذعة بحقها، تساءلت ماذا كانت تريد، هل كانت تريد منه مواساتها مثلاً ووجدت العكس لذلك خابت آمالها، وبخت نفسها فهو في النهاية رجل شرقي، حتمًا سيكون شأن تخطيه لواقع فتاة هربت من أهلها أمر غير مقبول، يجب أن تبتعد عن هنا بأقصى سرعة، لا يجب أن تسمح لنفسها بالتمادي في علاقة دثرتها بين ثنايا قلبها، الابتعاد هو الحل الأول والأخير، وكأن الابتعاد والهرب وقع كالقدر فوق رأسها في كل طرق حياتها...بعد مرور أسبوع، وقفت بشرفة غرفتها تحاول التقاط أنفاسها الهائجة من فرط غضبها، اليوم سيء منذ بدايته، وتحديدًا عندما القت تحية الصباح على يوسف وتجاهلها، بدأت نيران غضبها تشتعل أكثر فأكثر، واكتمل اليوم بمصادفتها ل ألاء صديقتها وأخيها في الفندق، اللعنه على تلك الصدف التي تضعها دائمًا في مأزق، كلما حاولت الفرار تعود وتصطدم بواقع مرير، هزت رأسها عدة مرات تحاول ابعاد تلك اللحظة التى وقعت فيها عيناها بمقابل أعين الاء...مستر حسام، لو سمحت!وقف حسام والتفت بجسده ينظر لها بإستفهام مبتسمًا:ايوا يا نور، خير!نظرت له بخجل ثم هتفت بأسف:أنا أسفة لو كنت عطلت حضرتك، بس انا كنت عاوزة أسألك على حاجة.لا طبعا، قولي..فركت يدها بتوتر لتقول:انا كنت عاوزة حضرتك تساعدني الاقي سكن في اقرب وقت ممكن، السكن اللي قاعدة فيه مش مرتاحة وعاوزة اسيبه!هتف بتعجب:سكن!هزت رأسها تجيبة:.ايوا، أنا عرفت من يوسف أن ليك علاقات كتير اوي ف قولت يمكن تعرف، أي غرفة في سكن مع بنات..وضع يده بجيب بنطالة قائلًا:هو انا مجربتش ان اسال على حاجة زي دي، بس هاوعدك ان ابحث في الموضوع ده!اتسعت ابتسامتها الجميله ونظرت له بامتنان قائله:شكرًا اوي اوي..العفو، بس أنا عاوزك تركزي أكتر في الشغل علشان تطلعي بسرعة، ناوية كتير تفضلي في الكافية..حاضر هحاول..يالا على شغلك..انطلقت نور صوب عملها تشعر بحماس كبير، متجاهلة شعور غامض لديها بشأن تركها شقة يوسف، شجعت نفسها أن تصب تركيزها فقط على عملها، حتى ترتقي بمستوياته، اخذت الصينية واتجهت صوب طاوله بالقرب من المسبح، تقدم المشروبات عليها، انصب تركيزها على المشروبات حتى لا تتعثر بشيء ما، وخاصة قامتها المستقيمة كما علمتها رئيستها، وابتسامة فوق ثغرها، وضعت الاكواب برفق، رفعت عيناها ببطء فقابلت أعين صديقتها، اهتزت يدها للحظات قائلة بصدمة: الاء..؟!التوى فم الاخرى بسخرية وهو تشير لأخيها عماد الجالس بجانبها يرمق نور بحسرة على جمالها: شوفت يا عماد، آخره اللي مبيسمعش كلامي فين، اخرتها بتقدم مشاريب..قبضت فوق الكوب بغضب حتى كادت ان تهشمة، تجاهلت حديثها واعتدلت بوقفتها مقررة أن لا تتجادل معها بشيء، هي صفحة وقد اغلقتها أو بمعنى أصح مزقتها من حياتها وفور أن استدرات، هتفت الاء بصياح:استني خدي بقشيش..التفتت نور حولها بحرج عندما جذب صوت الاء انتباه من حولها، فقالت بلهجة غليظة: شكرًا مش عاوزة..ما ان انهت كلماتها كان اقترب منها حسام بصفتة رئيس ادارة الفندق ليقول:خير في حاجه يا فندم!وضعت الاء ساق فوق الاخرى ورمقت حسام بتعالي وهي تشير نحو نور:كانت عاوزة بقشيش فكنت بديها..ايه؟!قالها حسام بصدمة وغضب ناظرًا نحو نور، وخاصةً أن ذلك ضد بروتكول الفندق، أحتقن وجه نور من فعل الاء فتحت فمها حاولت تصحيح موقفها:أبدًا والله يا مستر، انا لا يمكن اعمل حاجة زي دي!حولت الاء وجهها نحو حسام قائلة:يعني أنا بكدب..هز حسام رأسه بنفي أزهل نور:لا يا فندم..فتحت فمها مرة أخرى تحاول توبيخ الاء، فقال عماد بهدوء:خلاص حصل خير...هتف حسام بعملية:اكيد حصل خير..استطرد موجهًا حديثه لنور:.يالا على الشغل، وياريت متتكررش.انطلقت نور بسرعة نحو المرحاض، تمنع دموعها من الهبوط، اللعنه على عملها، واللعنه على الغربة أيضًا وما بها من قسوة وجفاء، هي من أوقعت نفسها بتلك الدائرة ومهما حاولت النجاة ستقع مجددًا تتذوق مرارتها الذي كان بمثابة العلقم، ولكن ما بيدها حيلة، ستخرج وعلى وجهها ابتسامتها حتى تستطيع مواكبة عملها دون خسارته، وبالفعل خرجت لتعود لعملها وكأن شيء لم يكن، وقبل أن تخطو لبهو الفندق وجدت أمامها عماد، رمقته بغضب وحاولت أن تتخطاه، ولكن منعها عندما قبض فوق يدها قائلًا: انتي رايحة فين انا جاي اعتذرلك على اللي الاء عملته فيكي.حاولت الابتعاد عنه، قربه منها بهذا الشكل يؤذيها فقالت بلهجة عنيفه:ابعد ايدك دي عني..اقترب خطوة أخرى ليقول بنبرة تفوح منها الخبث:خسارة جمالك يشتغل هنا، خسارة انتي مكانك في حتة تانية، لازم يتقدر صح، ألاء ضيعتك بغبائها..وبكعب حذائها دعست فوق قدماه بقوة، حتى ابتعد عنها مجبرًا، فقالت:الله الغني عن شغلكوا القذر أنت وأختك، اياكوا أشوفكوا في طريقي تاني..عادت من شرودها على طرقات الباب، استدرات بجسدها تعجبت بداخلها، تُرى ماذا يريد منها في هذة الساعة المتأخر، فتحت الباب ووجها عابس، فأشار اليها يوسف حتى تخرج دون أن يتحدث، خرجت خلفة وعلى وجهها علامات الاستفهام، فقال يوسف فجأة وبدون أي مقدمات:ايه اللي حصل في الفندق النهارده..نظرت له بعدم فهم، ثم هتفت ببلاهه:نعم!، مش فاهمة.احتدت ملامحه أكثر ليقول:.لا انتي فاهمه كويس، مين الناس اللي طلبتي منهم فلوس دول، وبعدها نفس الراجل واقف ماسك ايدك وكلمك، ياترى في ايه ياهانم..وانت مالك..قالتها نور بحدة، ولكن عادت أردفت بإستفهام: ثواني بس مين قالك على كل ده، انت بتراقبني!براقبك!، وسعت منك دي!زي ماهي وسعت منك علشان تيجي وتقولي كده!، وبعدين وانت مالك، ده يديك الحق انك تيجي وتخبط على باب اوضتي وتكلمني كده..وفي لحظه كان يقبض فوق يدها بغضب هاتفًا بنبرة خرجت حادة من بين أسنانه:المفروض تجاوبيني، علشان يا هانم حسام متصل بيحكيلي، وبيقولي أن المفروض تاخد بالها من تصرفاتها شوية علشان محدش يشتكي منها..أبعدته عنها بعنف وانفجرت باكية:.تصرفاتي!، مالها بقى هو كان سألني مين دول، ده حكم عليا بدون ما يسألني، اللي كانوا قاعدين دول الاء وعماد اخوها، وكانت بتحاول تستفزني وتعملي مشكلة علشان الجأ ليها تااني، واخوها كان بيحاول يقنعني وانا كلمتهم بهدوء مع أن انا غلطانه كان المفروض اديهم بالجزمة...جلس مكانه عندما استمع لجوابها وقد هدأت نيرانه قليلًا ولكن لن تهدأ نهائيًا الا اذا إنفجر بها، رفع بصره يهتف بضيق:.تستاهلي، تستاهلي كل حاجه انتي غلطانه من الاول، غلطانه في كل حاجة، بتلومي على مين على حسام اللي ميعرفكيش ما له حق، الراجل كلمني علشان عارف أنك قريبتي، غير كده كان زمانه طردك، شوفتي اخرة تصرفاتك، شوفتي اخرة طريقك..صرخت بوجهه قائلة:بس بقى، اقعد ساكت مش كل شوية، تسمني بكلامك ده، ارحمني..وقف مقابلًا لها يهتف بغضب ونبرة مرتفعة: وانتي مرحمتيش نفسك ليه، لما اخدتي قرارك المتهور ده..أشارت على نفسها بعصبية قائلة من بين دموعها:ضحكت عليا، وفهمتني حاجه ولقيت حاجه تانية..اتجة نحو غرفته حتى يمنع نفسه من التعاطف معها:متعلقيش أخطائك على شماعة غيرك انا وصلتلك رسالته، وحافظي بقى على شغلك..دلف غرفته وأغلق الباب خلفه بقوة، افزعها في وسط بكائها ونزيف قلبها المتألم...مر أسبوع أخر على تلك المحادثة، محادثه أوقدت جمرات الغضب والحنق والحزن، مشاعر متضاربة لكل منهما وخاصةً هو، هو من يعاني ويجاهد نفسه، صراع قوي نشب بين عقله وقلبه، قلبه الذي أيقن وأدرك أنه وقع كالأحمق في حب فتاة طائشة، وعقله يحثه على الابتعاد هي ليست من نمطه، رجولته لا تتوافق مع تصرفاتها الهوجاء لاحظ بُعدها عنه، حتى لحظاتهم على مائدة الطعام يسود الصمت بينهم، هي ليست بقادرة أن تتخطى نظراته لها وكلماته اللاذعة، وهو حاول أن يهضم ما فعلته ولكن في نهاية الأمر لا يستطع، رغم أن عقله الباطن مازال مُصر على إقحامها داخل أحلامه، وحتى بيقظته يفكر بها اللعنة عليها هي مثل السحر أو التعويذة التي إذا وقعت على أحد لن تتركه حتى نهايته، ونهايته سيكون صريعًا لغرامها، خرج من غرفته بعدما قررت معدته التمرد وإعلان حاجتها للطعام، فقرر أن ينهض ويطهى شيئاً خفيفاً، وقف بالمطبخ تائه للحظات ينظر حوله بتفكير، انتبه على صوت أنين خافت يأتي من غرفتها، رفع بصره يضيق عيناه بتركيز هاتفًا بهمس: هي بتعيط ولا أنا متهيألي..ركز أكثر حتى انتبه لصوت بكائها وأنينها، فاندفع بقلق نحو غرفتها يطرق بسرعة:نور مالك..خرج صوتها ضعيف هاتفه:مفيش شوية تعب.هتف آمرًا:افتحي، بسرعة.دقيقة، اثنتان، حتى فتحت هي تمسك بطنها وعيناها منتفختان من شده البكاء ووجهها شاحب اللون، جسدها يرتعش بين كل ثانية والأخرى، فور أن وقعت عيناه عليها بهذا الشكل، وضع يده فوق جبينها يتحسسه بقلق، فابتعدت هي خطوتان للخلف بحرج، حتى كادت أن تفقد توازنها وتقع أرضًا، أمسكها يوسف من مرفقها:حاسبي..أبعدت يده بضعف بعدما استعادت توازنها واستندت بيدها على مقبض الباب:متقلقش هكون كويسة.زم شفتاه بضيق ليقول ساخرًا:.واضح إنك هتكوني كويسة..استطرد حديثه بآمر لا يحمل الجدال:ادخلي البسي فورًا، و يالا هاوديكي المستشفى!هتفت بوهن:مالوش لزوم صدقني..زفر حانقًا مردفًا:بتموتي وتجادلي أخلصي يابنتي، أنتي مش شايفه نفسك.حسنًا لن تجادله هي حاربت الآمها اليوم بقدر ما استطاعت، انصاعت لأمره بعدما شعرت بمعدتها تنكمش بقوة، فتعتصرها وكادت تخرج روحها، أبدلت ثيابها بصعوبة وهي تجاهد لالتقاط أنفاسها، وعرقها يتصبب بغزارة، سمحت له بأن يمسك يدها ويساعدها على السير، لم تكن بحالة أن تبتعد وتجادل معه، ودت أن تصرخ بأعلى صوتها لتعبر عن شدة آلامها ولكن كتمت بداخلها واستطاعت ضبط نفسها لأقصى درجة، أما يوسف فكان يشعر بها، تعجب لقدرتها على تحمل آلامها غريبة تلك الفتاة عبارة عن خليط غريب من القوة والضعف، الحزن والسعادة، مشاكسة ومسالمة، تجاهل تلك الغصة التي وجعته عندما علم بأمر مرضها المفاجئ وانغمس في اكتشاف شخصيتها العجيبة...وصل بها إلى المشفى بعدما فقدت وعيها لا شك أنه في هذه اللحظة انسحبت روحه خوفًا عليها، وضعها على السرير المتنقل وعيناه أبت أن تبتعد عنها، وكأنها تواسي قلبه المتعلق بها..حل الصباح، وبدء يوم جديد وهو مازال هنا جالس بجانبها بعدما قاموا الأطباء بواجبهم وتقديم علاج فورًا لها بعدما أخبروه أنها قد تعرضت لحالة تسمم شديدة وجسدها الضئيل لم يقاوم، لم يرفع عيناه من عليها وكأنه يشبع روحه وعقله منها، حفر بعقله ملامحها وخاصة جمال شامتها، شجعه شيطانه كثيرًا بأن يلمس شفتاها متذوقًا رحيقها، ولكنه جاهده وحاول ألا ينغمس في ملذات قد حرمها الله، رفع بصره للأعلى متنهدًا ماذا يفعل معها وجودها يجعله يحارب جمالها الفاتن، ناهيك عن روحها التي دخلت واستوطنت قلبه، ابتسم بلطف حينما أدرك أنه يشتاق لمشاكستها وحديثها الأرعن معه، رغم أنه كان سبب قوي في بداية الأمر حتى ينفر منها، ولكن انقلبت الآية عليه، وأصبح يعشق مشاكستها وتلك الحالة التي أضفت على حياته روح جديدة...فتحت عيناها ببطء، تجاهد فيهم أن تفرق بين جفنيها، نور أبيض ساطع وغرفة غير غرفتها، حولت بصرها في أرجاء الغرفة، وقع بصرها عليه يجلس بجانب السرير، ناظرًا للأعلى بتفكير فقالت بوهن:يوسف.هبط ببصره فورًا مبتسمًا بإطمئنان:الحمد لله أنك فوقتي، ده كله نايمة، هو أنتي مكنتيش بتنامي في البيت ولا إيه!هو أحنا أمتي ولا في إيه.حاولت أن تنهض وتعتدل في جلستها، فنهض يوسف متمتمًا:أساعدك.أشارت له بيدها قائلة بنفي:.لا شكرًا..وضع إحدى الوسادات خلفها وهو يقول: حضرتك، باين عليكي أكلتي حاجة ملوثة، وحصل تسمم وعشان أنتي ضعيفة وعندك مشاكل في القولون مستحملتيش، الدكتور قالي من الأفضل تقعدي هنا يوم ويطمنوا عليكي..اكتفت بقولها وهي تنظر للأمام:الحمد لله..اقترب بالكرسي منها هاتفًا بقلق:أنتي فيكي حاجة، زعلانه من حاجة، حسام أو حد مضايقك في الشغل..حولت بصرها له ودت أن تقول أنت من يحزنني، نظراتك تذبح ما تبقى من روحي!، خرج صوتها ضعيفًا يحمل بين طياته الحزن والأسى:بالعكس مستر حسام محترم جِدًّا، وعاوز مصلحتي على طول، رغم إن أنا لوحدي في الغربة بس ربنا موقفلي ولاد حلال زيك وزي مستر حسام، وقفتكوا معايا عمري ما أنساها..بلهاء، لِمَ واو الجماعة تلك، فعل كل هذا حتى ينقسم الفضل بينه وبين حسام، انتبه على حديثها وهي تقول بخجل:.يوسف أنا عارفة أني طولت عليك في السكن وكان أخرى شهر وامشي، بس طولت، يعني أنا قربت..صمتت لبرهة تفرك يدها بتوتر قائلة:إن شاء الله قربت ألاقي.قاطعها وهو يقول بوجه جامد:إن شاء الله..واكتفى بالصمت، وبداخله كان يثور ويتمرد حتى يمنعها من قرار ذهابها، ولكن مازال عقله يلجم لسانه من الكلام، مكتفيًا بكلمة أوحت لها أنها ليس إلا عبأ وثقل فوقه ويتمنى أن يتخلص منها، فبدا في حاله تضاد غريب، يظهر شيء للعلن ويخفي سر بداخله، تعجب لحاله بعدما أيقن أنه أوقع نفسه فيما يسمى ب تضاد الحب...